لأنـ ــ ــ ــــك هنـ ـ ـ ـا()
البوح جريمة يقترفها القلب في حق القلم
ويقترفها العقل في حق القلب
ونقترفها نحن في حق أنفسنا حين نعجز عن احتواء سيل مشاعرنا
وفهم ما يدور في دواخلنا
*
*
*
أكتب أنا
حين تضيق الحياة على اتساعها
وتصبح بحارها ومحيطاتها قطرات مطر تجف إن لامست جفاف قلبي
وتتحول صحراؤها وجبالها إلى صخرة صغيرة لا تحتمل انحناءة اقترفها في لحظة تعب
*
أكتب أنا
حين تتساقط العبرات بلا استئذان
معلنة هطول ألم ضاق به القلب
فلفظه مالحا
حارقا
مؤلما حد الألم
أكتب لأمنح تلك العبرات حريتها
ولأسجل لها تاريخا يتفق مع ثورتها
*
اكتب أنا
حين يمتلئ قلبي بك
فأعجز عن الوصول إليك
يخونني لساني
تهرب الحروف من سطوة حبي
ولا تعرف الكلمات كيف تترابط خوفا من التقصير في وصف شوقي
فتتبعثر الحروف عند باب الشفاه
وتتساقط الكلمات بين تمتمة وأخرى
ولأن الكلام كما الحياة ..يضيق على اتساعه
ولا يحتوي دائما صدق مشاعرنا
فغالبا ما يكبل الخجل جمال حضورنا
ويقتل التعب سلاسة عباراتنا
*
ولأنك كبير
.
كبير جدا في حضورك
.
في حبك
.
وفي قلبك
أكتبك أكثر
أهب للورق شرف احتواء كلمات لك
وأعطي للسطور فرصة الاحتفاء بحضور طيفك
.
ولأنك كثير
.
كثير جدا
في حضورك في قلبي
وفي مرورك 24 مرة في فكري
أكتبك أكثر
ليرقص القلم طربا
وينساب الحبر حنينا وشوقا
فتقيم الكلمات والحروف عرسا صغيرا
يحتفل فيه الورق باقترانه بذكراك
.
ولأنك عميق
.
عميق جدا
في تسربك إلى قاع حياتي
وتشعبك بمهارة في أرجاء قلبي
ووصولك بجدارة إلى قمة أحلامي
.
.
أكتبك أكثر
لتصبح فوق السطور أسطورة
وتنتقل أحداث حبك من فاصلة إلى نقطة
وتظل أنت- بالرغم من النقطة مبتورة الأطراف- حاضرا
متجددا بعد كل فاصلة ..
.
وكبيرا
.
وكثيرا
.
وعميقا
.
بعد كل نقطة
*
*
*
لأنك هنا
تسكن ما بين قلبي وقلبي
يتعلم العالم من وقع حضورك كيف يستقبل شروق الشمس
ومن مرارة رحيلك كيف يبكي خيوطا من ذهب لغروبها
*
ولأنك هنا
تسكن ما بين صمتي وكلامي
يتعلم البحر كيف يقبل جبين الشاطئ أمواجا عند اللقاء
وكيف يبكي على صدره أصدافا عند الوداع
*
ولأنك هنا
تسكن مابين دمعي وابتسامتي
يتعلم الفجر كيف يمزق ستار الليل غرورا
وكيف يبث أنفاسا جديدة في رئة الصباح سرورا
وكيف يرحل باستحياء ليترك الشمس تداعب أجفان الأرض نورا
*
ولأنك هنا
تسكن مابين قوتي وضعفي
تتعلم النسائم كيف تهز أوراق الورد بهدوء حتى لا تتهاوى هياما
وكيف تركل قطرات الندى لتروي جذور الشجر وتحتضن الأغصان حنينا
وكيف تدفع أوراق الخريف من الطرقات حتى لا تتهشم تحت أقدام العابرين
فتفقد شكلها وتتلاشى لتتوحد مع أقرب عاصفة لتصبح ريحا
*
ولأنك هنا
تسكن بيني وبيني
أتعلم أنا كيف أتشبث بالفرح عندما يحضر معك
وكيف أتعلق بأذيال الساعات حتى تمر ببطء ولا أفقدك
*
فقط لأنك هنا
يتلاشى العالم ليصبح أنت
وتتهاوى الأسوار ليطير قلبا هائما بك
وتذوب الحدود ليتدفق سيل مشاعر ماعرفت الولاء إلا لك
*
فقط لأنك هنا
لا أجد من العبارات ما يليق بك
فألوذ بالصمت لأهرب من هيبة وجودك
وأستجمع ضعفي لأستجير بقوة حضورك
أسألك عن حالك لأعرف حالي
وأنتظر تفسيرا لغيابك لأفسر غيابي
أضحك أحيانا بلا سبب يذكر سوى أنك هنا
تسألني عن سر ضحكي فأضحك من جديد ..
أتشبث بالضحكات هربا من الجواب
فأنا منذ أحببتك أمارس جنونا غريبا
وأقترف الغياب عني لأكون حاضرة عندك
وأمحو كل الملامح من فضاء ذاكرتي لأتركها متخمة بطيفك
.
أنا منذ أحببتك ما عدت أنا
أحبني أكثر عندما تردد أسمي أكثر وأكثر
أحترمني أكثر حين أشعر ولو للحظة واحدة
بأن ما أهبه من حب متواضع ينتزع من حياتك سعادة متفردة
لا تليق إلا بك
أعرفني أكثر حين أسمعك تحكي لي عني
وتصف لقلبي الهائم بك تفاصيل قصتي معك
أسمعك باهتمام لأتعرف علي
لأصل إلى تلك التي تسكنني ولم أدرك ملامحها إلا معك
*
*
مدهش أنت
.
مدهش جدا
تلغي بوجودك العالم بأسره فلا يبقى منه سوى
.
صوتك
.
صمتك
.
أنفاسك
وشوق متبادل بين قلبي وقلبك
بين روحي وروحك
بيني وبين العالم
الذي ابتدأ بحلولك في قلبي
فصار بهذا الحلول العذب أجمل
أرق
وأعذب
*
*
*
أحبك
لأنني وجدت عند بابك ما فقدته مني
وما أضعته من أيام عمري
ولأنك أنت منذ عرفتك مازلت أنت
تهبني لحظات سعادة بعدد أيام عمري التي مضت بدونك
وبعدد ساعاتي التي تهشمت كأوراق الخريف تحت أقدام انتظار كان لك
*
*
*
أحبك
حتى تلتقي الشمس بالقمر وتقبل جبينه ضياءا
وحتى يجتمع الليل بالنهار
ويتلاشى الضوء بين أحضان الظلام
*
*
*
أحبك
الى أن تكتسي الورود الحمراء بالسواد
وتطير العصافير بلا أجنحة
وتنساب الجداول بلا ماء
*
*
*
أحبك
الى أن يصبح التاريخ بالضحكات عوضا عن الأرقام
وحساب العمر بالأحلام عوضا عن الأيام
*
*
*
أحبك
الى أن تنام النجوم في أحضان الأرض
وتعانق الأمواج سفوح الجبال
*
*
*
أحبك جدا
.
وجدا
.
وجدا
لأنك أنت دائما أنت
تمنحني كل لحظة سببا جديدا يجعلني أحبك أكثر
أهيم بك أكثر
وأكتبك أكثر
الى أن تصبح المشاعر لغة الكون عوضا عن الحروف
والى أن تصبح الأحاسيس فواصل راقية عوضا عن علامات الترقيم
والى أن تصبح الأوراق بلا سطور
والأقلام بلا حبر
والنهايات بلا " نقطة " تبتر جمال البدايات
*
*
أحبك
وأحبك
وأحبك
.
.
.
.
ساندرا بولوك