الحشرات بدل الكلاب..لكشف المتفجرات
يقوم الجيش الأمريكي الآن بتدريب جماعة من النحل كي تكشف، بقدرتها الشمية الاستثنائية، أدنى روائح
لـ "ت. ن. ت. الدالة على وجود ألغام مضادة للأشخاص. وليست هذه سوى المهمة الأولى لهذه الحشرات التي
تتميز بقدرات مدهشة. . وللقيام بهذه المهمة يستخدم العسكريون كاشفات معادن محمولة. إلا أن فعاليتها ليست
كما يجب. وهكذا، جاءت خبراءَ البنتاغون فكرةُ استخدام النحل. في الواقع، منذ عام 1998، يعمل الجيش
الأمريكي في إطار مشروعين برئاسة"جيري برومنشنك"، عالم الحشرات من
جامعة "مونتانا"، الأول للكشف عن الألغام المضادة للأشخاص وتحديد مواضعها، والثاني للكشف عن الهجمات
الإرهابية بالأسلحة البيولوجية، ذلك لأن لدى النحل كل الميزات التي تؤهله لأن يكون نازع ذخائر ألغام بامتياز.
التدريب في عشر ثوان!
في الواقع، تتمثل عبقرية غشائيات الأجنحة قبل كل شيء في قدرتها الشمية الاستثنائية، الأدق والأكثر
حساسية من مثيلتها عند الكلاب. كما أنها تتمتع بقابلية مدهشة على استذكار عدد كبير من الروائح المختلفة،
إلا أنه يمكن أيضاً تدريب النحل بسهولة كافية على التوجه نحو مصادر الروائح، حتى لو كانت هذه المصادر
مقترنة مباشرة بغذاء ما. هذا التعلم ممكن الإنجاز في المختبر، وفق نموذج الإشراط الشهير الذي أوجده عالم
الفيزيولوجيا الروسي "إيفان بافلوف" (1849- 1936م) بالتجريب على الكلاب .
"تقوم التجربة على عرض رائحة ما على النحلة، ثم الماء المحلَّى بعد ذلك مباشرة. بعدئذ، يجعلها المجرب تشم
رائحة واحدة، فيتبين أن النحلة تمد لسانها عقب ذلك على نحو منعَكَسي، كما لو أن الغذاء يقدم لها. ولا
يستغرق مجموع هذه الإجراءت أكثر من عشر ثوان"، على حد عبارة (مينه - لافام دليغ)، مديرة الأبحاث في
المعهد الوطني للابحاث الزراعية، " بور- سور- إيفيت"- باريس.
ولدى النحل ميزة أخرى كذلك: لا تتذكر فقط الفوحانات التي صادفتها، بل تنقل هذه المعرفة أيضاً إلى
مجانِساتها في النوع. بعبارة أخرى، يكفي تدريب نحلة واحدة حتى ينتقل هذا التدريب إلى كل النحلات التي
هي على تماسّ بها. وتفسر هذه الظاهرة من حيث أن الرحيق (السائل الحلو الذي تفرزه الأزهار) مشرَّب بأريج
كأس الزهرة الذي يستقر فيه والخاص بالزهرة. إذاً، فالنحلة التي تمتص الرحيق تتشرب بالأريج إياه، الذي
تعرِّف به مجانِساتها عندما تطلقه من حويصلتها بعد عودتها إلى الخلية. وينتقل الأريج، ولكن بقدر أقل، عبر
جسم النحلة، الذي تلتصق به الروائح. أخيراً هناك ميزة أخرى للنحل وهي أنه موجود في كل المناخات.
لكل هذ الأسباب بدأ الباحثون الأمريكيون بتدريب النحل على استكشاف رائحة ثالث النيروتولوين trjinitrotoluene
، للأشخاص وفي حقل التدريب الموجود في "ألبوكرك" المعروف أكثر باسم ال "ت.ن.ت"، والمكون الرئيسي
للشحنة المتفجرة في الألغام المضادة للأشخاص. وفي حقل التدريب الموجود في "ألبوكرك" (مكسيك لجديدة)
أوجدوا مجموعة من الاختبارات المتنامية الصعوبة. الهدف: دراسة سلوك النحل المدرب.
تجنيد الزنابير أيضاً
بحاسة شمه الاستثنائية، يستدل الزنبور، في الطبيعة، على اليساريع، والجراد والعناكب التي يضع فيها
بيوضه. وبدعم مالي ولوجستي من البنتاغون، يقوم عالم الحشرات " غلن رينز"، من جامعة جيورجيا، بتدريب
زنابير على كشف التهديدات الكيميائية، بنفس طريقة تدريب النحل. وبهذا الصدد أيضاً، يدرب الباحثون غشائيات
الأجنحة هذه على الكشف عن الأفلاتوكسينات aflatoxines، هذه المواد المسرطنة التي تفرزها الفطور
الرشاشية flavus Aspergillus، التي تنمو على بذور وقشور الفستق ومختلف المنتجات النباتية.
هل ستشكل الخلية قريباً جزءاً من الترسانات العسكرية والبوليسية، مثلما كان الحال وما يزال مع الكلب،
والفيل، واليمام؟. الجيش الأمريكي يعتقد ذلك، إذ خصص منذ وقت مضى 25 مليون دولار للنحل الشمام.
(* الرادار التوافقي Radar Harmonique: عند تثبيته على جسم النحلة، يتيح هذه الجهاز المصغر تتبع تحركاتها:
يلتقط بثّ رادارٍ تقليدي وينقله مضيفاً إليه توافقيات (ترددات متعددة من ذاك الأصلي). يميز الرادارُ هذا البثَّ
ويحدد بذلك موضع الحشرة.
النص مترجم عن (Science vie) الفرنسية، تشرين الثاني- نوفمبر 2002 .
__________________