قصة أخرى من تأليفي بعنوان ( أواه ما أقص.................
أواه ما أقسى الوهن!!
عجوز ضعيفة حفرت السنون أخاديداً في وجهها ، آثر العمر أن يجعلها مريضة ، و من بين جدران المآسي أطلت مأساة جديدة في حياتها ، أضحت وحيدة زوجها مات و أولادها هجروها و تركوها تصارع مر الحياة .. صورة بائسة ، لوحة رمادية لهذه المسكينة، لم يبق لها إلا هذا البيت الذي يحتضن ذكريات الماضي و رائحة السعادة القديمة ، و هاهو صاحب البيت يغدو و يروح مطالباً بالإيجار .............
."أين المفر ؟ الديون تحيط بي كالقيود تكاد تقتلني " هذا ما دار في خلد العجوز عندما جاءها صاحب البيت يطلب الإيجار
قالت بصوت يشوبه الأسى : " اصبر علي قليلاً ، رحمتك يا ولدي "
أيتها العجوز إما الطرد أو الإيجار واعلمي أن الكثير يتمنى السكن هنا "
ردت عليه : " و لكن حياتي رهن هذا البيت إن غادرته فلن أجد مكاناً يأويني"
و رغم محاولاتها البائسة طلباً للشفة أو العطف أشاح بوجهه الأسود عنها ، و لم يسمح لقلبه الصلد أن يرق لها ، أغلق أذنيه عن صرخاتها و آهاتها متناسياً آلامها ، كيف لا ! و هو صديق المادة و المظهر عدو المشاعر و الأحاسيس .... قال لها : " تذكري أريد الإيجار غداً أو سأجلب لك الشرطة " .
غادر المكان و تركها تبكي بكت بكاءً حاراً أودعت فيه حسرات الألم و الحزن فقد كان وقع الكلمات مؤلماً
ألقت بجسدها النحيل على فراشها لا تدري ماذا تفعل ، فمن أين لها المال و ما بقي من معاش تقاعدها يكاد لا يكفي قوت يومها ؟ و أولادها لا هم لهم إلا المال و الممتلكات ...... أطرقت العجوز و سالت دموعها مرةً ثانيةً و ثالثةً و رابعةً . رفعت رأسها لترى من نافذة غرفتها سماءً سوداء تزينها النجوم و قالت بصوت يرتجف :" رحماك أيتها السماء ! يا إله هذا الليل و هذه السماء و تلك النجوم إرحمني يا أرحم الراحمين ساعدني و يسر لي أمري و أخذت بالدعاء و التضرع إلى الله و لم تهدأ إلا عندما رأت القمر و كأنه يبتسم لها مودعاً ؛ فقد أطلت شمس يوم جديد تختلط فيه السعادة بالشقاء .
أحست برجفة تسري في جسدها الغض .. جهزت ثيابها و لملمت أشلاء أغراضها . مر الوقت سريعاً إلى أن جاء ذلك الشرير بصحبته رجال أمن طرقوا باب منزلها " افتحي أيتها العجوز أرجو أن تكوني قد رتبت المنزل " قالها صاحب المنزل بسخرية ، فتحت العجوز رمقته بنظرة احتقار و قالت له :" تفضل مفتاح دارك فلا مال لدي ألا أيها المستبد تذكر! لم ترحم ضعفي و لن أرحمك يوم القيامة " غادرت البيت تهيم على وجهها ساقتها قدماها إلى زقاق ضيق أحست بتعب شديد رقدت فوق الرصيف توسدت الأرض الرطبة ، أخذ البرد يجلدها بسوطه حتى الفجر حتى طارت روحها إلى علياء السماء ،لتضرب مثلاً حياً من البؤس و الشقاء.. عاشت حياتها بائسة، و ماتت بائسة ،فأواه ما أقسى الوهن! عاشت في عالم
أضحت فيه الرحمة لفظاً يقرأ في القاموس، و غدت الشفقة كلمة من الماضي .....
يارب يعجبكم الموضوع و لا تنسوني بردودكم ::جيد::