مشاهدة تغذيات RSS

×hirOki×

شخصين ، يوم واحد !

تقييم هذا المقال
attachment

attachment



كانا يركضان نحو موقف الحافلات ، تجاه تلك الحافلة التي أخذت تتحرّك معلنة استئناف مسيرها
لينتبه سائقها لذينك الشخصين من طرف المرآة ويمهّل من حركة الحافلة لأجلهما
صعد الشاب الأوّل لاهثا يتبعه الذي يليه
حيث انتظره لثواني ليمرر ببطاقة الدفع في مكانها المخصص ثم يتجه نحو داخل الحافلة حيث الركّاب
كانت الحافلة مكتظّة ، ولم تكن هناك مقاعد شاغرة لبعض الركّاب
الذين اضطروا للوقوف متمسّكين بعوارض الحافلة التي بدت كما لو كانت مهيأة لهذا السبب
وبينما كان أحد الشابّين يحدّق نحو النافذة بنفاد صبر كما لو كان يطلب من الطرق أن تتقلّص
كانت الحافلة قد توقفت في محطّة تالية ، ليصعد فوج صغير آخر إلى الحافلة
كان من ضمن ذلك الفوج الجديد الذي توقّف في منتصفها متمسّكا بعوارضها سيّدة مسنّة
وفي وسط ذلك الاكتظاظ تحرّك أحد الجالسين بعجلة ، وهو يهبّ من مكانه مشيرا بيده نحو مقعده
ويومئ بوجهه لتلك السيّدة في وقار ، ابتسمت المسنّة وهي تتحرّك خطوات مستعجلة نحو ذلك المقعد
وأومأت بوداعة تجاه الشاب وهي تجلس في المكان ، كما لو كانت تشكره على عجل
توقفت الحافلة في المحطّة التالية ، ليهبط منها فوج لا بأس به من الركّاب ، ومن ضمنهما ذينك الشابّين !


em_1f33c



كانت الغيوم قد تراصّت وأطبقت على وجه الأفق
ومن قلب السماء الغامقة تدحرجت أولى القطرات الباردة على الناس والرصيف والشجر،
ليكتظّ الشارع بالمظلّات المشرّعة ، وبالرؤوس التي أسدلت عليها برانس المعاطف الشتوية
ولكن شخصين من المارّين في ذاك الشارع قد شكّلا استثناءا مريرا
فإذا بهما يركضان كطريقة وحيدة لتفادي انهمار المطر على رأسيهما العاريين وثيابهما
و في اتجاه ركضهما كانت حافلة أخرى تمرّ في طريق المحطّة
لتمهّل تلك الحافلة من سيرها ويصعد الشابين وهما ينفضان بحذر المياه الملتصقة على رأسيهما وثيابهما
لم تكن الحافلة مكتظّة هذه المرة ، كانت هادئة ودافئة ، يجلس كلّ راكب فيها ناعما بمقعد وثير
و أمام عينيه شيء يسلّيه كهاتف خلويّ أو ربّما كتاب أو صحيفة بين يديه

في تلك الأجواء الهادئة المريحة ، لم ينتبه أحد لتوقف الحافلة في إحدى المحطّات إلا بصوت ذلك الشخص الذي ولج إليها
كان واقفا في مقدّمة الحافلة قرب السائق يسأل الركّاب أن كانوا يقبلون تمرير إحدى بطاقاتهم بدلا عنه
مقابل تعويضهم بسعر ذلك المال نقدا ، كان قد أضاف وهو يحرّك بطاقته أنه لم ينتبه لانتهاء رصيدها المالي
ليومئ أحدهم سريعا رافعا بطاقته قبل أن ينهي ذلك الرجل كلامه ، لينهي حديثه ويتجه للشخص الذي أعاره بطاقته
وبعد أن سدد ثمن صعوده بتلك البطاقة عاد مسرورا يعيد البطاقة لصاحبها الذي كان رجلا مسنّا
وحينما استخرج المبلغ المالي من جيبه ليسلّمه للمسنّ الذي منحه بطاقته
رفض ذلك المسنّ المال رفضا تاما ، وهو يحرّك كفّه مقطّب الحاجبين بإصرار

كانت الحافلة قد توقفت لمحطة تالية , ومن ثم لواحدة أخرى والتي كانت نقطة النهاية لأغلب الركّاب
ومن ضمنهم ذينك الشابّين اللذين قد جفّت ثيابهما في تلك الحافلة الدافئة


em_1f33c


ضحكت وهي تضع إحدى الأطباق على الطاولة

"عندما سمعتُ صوت المطر ، أوّل ما وقع عليه نظري مظلّتك التي نسيتها "

أكملت كلامها وهي تلتفت نحوه وتتكئ بيدها على طرف الطاولة

"علمت أنه سيكون يوم المتاعب مذ رأيتك وقد أوشكت على إفلات الحافلة ! "


ليجيبها ذلك الشاب الذي كان ملتفتا نحو خزانة الأواني يستخرج الأكواب

" كلاّ ، على الإطلاق .."

يتحرّك نحو الطاولة يضع عليها الكوبين ويكمل كلامه ساحبا الكرسي للجلوس عليه

" لقد كنت اليوم محظوظاً ! "

فتجيبه ساخرة وهي تسحب كرسيّها لتجلس عليه " نعم واضح جدا .."

يجيبها ضاحكا والملعقة بين أصابعه " لا تسخري ! إنني أعنى ما أقوله .."

ترفع حاجبيها كما لو كانت متفاجئة وتطلب المزيد من توضيحاته بينما يسترسل هو في كلامه

" أوّلا لحقت الحافلة ولم أضيّعها ! وثانيا لم يمض على المطر قليلا حتى وجدت حافلة في الجوار !
وثالثا استمتعت برؤية أشياء جميلة جدا في طريقي ! "


نفت بوجهها غير مقتنعة " مالشيء الجميل الذي رأيته ؟! كأنني لا أعرف تلك الطريق ! "

" ليس شيء من النافذة إنما في الحافلة نفسها ! "

ابتسمت بفضول وقالت " حقّا ؟؟ هلاّ حدّثتني !! "

وفي الوقت الذي كان فيه ذاك الشاب يحدّث زوجته عمّا رآه وأثار إعجابه ومشاعره في الحافلة
نلحظ من نافذة مطبخ منزلهما نافذة أخرى يشع منها ضوء المصابيح في الزقاق المقابل !

وعندما قررت النسمات مغادرة نافذة هذا المطبخ ، لتسلك الطريق نحو النافذة المقابلة تلك ..
إذ بها ترى الشاب الآخر الذي رأته قبل ذلك متأخّرا يركض تجاه الحافلة !


كان الشاب جالسا على الأريكة ، ممتعض الملامح ، قدمه تتحرّك بعجلة وتوتّر
لم تتمكن النسمات المتطفّلة من فهم ما يدور في ذهن ذلك الشاب أو حتى سبب سوء مزاجه
فقد كان جالسا يعبث بهاتفه الخلويّ بشفتين مطبقتين بعصبية وإحكام !

كانت أصابعه سريعة الحركة على لوحة مفاتيح هاتفه قد لمست طرف الإرسال
لتصعد جملته التالية في صندوق المحادثة

" سيء جداً ! "

ليصدر رنينا قصيرا في هاتفه تزامنا مع وصول رسالة أخرى في صندوق تلك المحادثة

" مالذي حصل ! هل أُلغيَ الاجتماع !! "

صعدت رسالته سريعا في صندوق المحادثة

" كلا .."

رنين قصير ورسالة جديدة

" أظنّك تشاجرت مع أحدهم ! ليس من عادتك ! "

" كلا كلا ..مذ غادرت وسوء الحظ يلاحظني "

" ؟؟ "

" ألم أكن قد غادرت متأخرا أمام عينيك !! "

" (رمز ضاحك ) أجل صحيح ..ما حصل بعدها ؟؟ "

" حافلة مكتظة تخنق الانفاس ، ثم اضطرار للركض تحت المطر ! "

" ( رموز ضاحكة ) ما بك ! ركض تحت المطر يبدو لي رومانسيا ! "

" نعم الكلام سهل ..."

" (رمز ضاحك) صدقا لقد نسيت مظلّتك ! "

" نعم ! هل انتبهت لتوّك ! "

" ( رمز لوجه يرتدي نظارات ) كلا ، ظننتك تعمّدت ذلك "

" هكذا إذا ..كيف والدتك ؟ هل تحسّنت حالتها ؟ "


" نعم أظنّ ان امتلاء المنزل قد أعاد حيويتها ! ..
هيا الآن عليّ الذهاب
أراك "

" أراك "


كانت النسمات قد سألتني ..عن سوء مزاج الشاب الثاني ، وكانت تلحّ بالسؤال قائلة " ماذا كان يفعل .."

أجبتها بصراحة تامّة

" ليس بشيء ذي بال ، كان يتحدّث عن يومه مع زوجته ، تماما كما كان يفعل الشاب الأوّل ! "



تمت





attachment




أرسل "شخصين ، يوم واحد !" إلى Facebook أرسل "شخصين ، يوم واحد !" إلى del.icio.us أرسل "شخصين ، يوم واحد !" إلى StumbleUpon أرسل "شخصين ، يوم واحد !" إلى Google

تم تحديثة 12-09-2020 في 20:16 بواسطة سنابل الأحلام (اضافة وسام)

الكلمات الدلالية (Tags): غير محدد تعديل الدالاّت
التصنيفات
المدونة الأدبية

التعليقات

  1. avatar581109_53
    اقصوصة مناسبة جدا مع تقلب الطقس في الوقت الراهن وكأني ارى هذين الشخصين احدهما يمثل نهاية الشتاء والاخر بداية الربيع، هذا التناقض البديع في شخصيهما وحبكتك البديعة في نقل الاحداث ناهيك عن الوصف والكلمات التي انتقيتها بعناية فائقة من عناصر الاساسية في جعلك كاتبة في الصفوف المتقدمة
    هذه القصة تشبهني كثيرا لا اعلم لما لكنها الان اصبحت الاقرب لقلبي
    بإنتظار جديدك صديقتي المبهرة
  2. الصورة الرمزية الخاصة بـ سنابل الأحلام
    أعتقد انك وصفتي أنواع البشر بهذين الشخصين فهناك جزء كالشخص الأول يرى الجانب اللطيف من الحياة و جزء آخر كالثاني لا يرى سوى السواد..
    و جطء ثالث يختلط الشخصين في الفرد الواحد و يظهر حسب الموقف و الوضع الذي يمر به..

    أحسست أن أسلوب القصةة هنا مغاير لأسلوبك بالعادة نوعا ما laugh
    سلمت أناملك يا صديقةة e418
  3. avatar698342_29
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Flight Risk
    اقصوصة مناسبة جدا مع تقلب الطقس في الوقت الراهن وكأني ارى هذين الشخصين احدهما يمثل نهاية الشتاء والاخر بداية الربيع، هذا التناقض البديع في شخصيهما وحبكتك البديعة في نقل الاحداث ناهيك عن الوصف والكلمات التي انتقيتها بعناية فائقة من عناصر الاساسية في جعلك كاتبة في الصفوف المتقدمة
    هذه القصة تشبهني كثيرا لا اعلم لما لكنها الان اصبحت الاقرب لقلبي
    بإنتظار جديدك صديقتي المبهرة


    والآن عليكِ أن تخبريني يا شهد من الذي يمثّل نهاية الشتاء وأيّهم الذي كان بداية الربيع بذاته

    في جعلك كاتبة في الصفوف المتقدمة
    هذه العبارة الرائعة الحنونة لا تتخيلي كم هي شيء رائع ومشجع بالنسبة لي e106

    لكنها الان اصبحت الاقرب لقلبي
    وعبارتك هذه الأقرب لقلبي أشعرتني بالفخر والسعادة ^^

    وأنتِ كذلك يا صديقتي الرائعة ^_^
  4. avatar698342_29
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة سنابل الأحلام
    أعتقد انك وصفتي أنواع البشر بهذين الشخصين فهناك جزء كالشخص الأول يرى الجانب اللطيف من الحياة و جزء آخر كالثاني لا يرى سوى السواد..
    و جطء ثالث يختلط الشخصين في الفرد الواحد و يظهر حسب الموقف و الوضع الذي يمر به..

    أحسست أن أسلوب القصةة هنا مغاير لأسلوبك بالعادة نوعا ما laugh
    سلمت أناملك يا صديقةة e418

    أهلا وسهلا سنبلتي ،،، والآن عليك أن تخبريني أين تمثّل الجزء الثالث الذي يختلط الشخصين في الفرد الواحد ويظهر حسب الموقف والوضع الذي يمرّ به

    ههههههههه نعم نعم بخصوص أسلوب القصة حاولت أن أكون عصرية هنا < أليس النص عصري حافلات وانترنت ووو em_1f60e em_1f605

    وسلمت طلّتك يا صديقةةةة e106
  5. الصورة الرمزية الخاصة بـ سحرعلي علي
    ..
    تم تحديثة 23-03-2019 في 08:02 بواسطة سنابل الأحلام

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter