مشاهدة تغذيات RSS

التغيير

"أنياب خلف القناع! "

تقييم هذا المقال
attachment

attachment


الجنازة قد انتهت،وها هو يقف محدقا بالقبر الحديث،ليتنهد بإكفهرار:
"لقد تجاوزنا الأمر!سئمت وتعبت من دفن أصدقائي!"
..........

تمتم آدم بهمس:
-من كان يتوقع أننا سنجد حقل ازهار في مكان معزول كهذا !
-وليست أي ازهار، بل أزهار الكاميليا البيضاء! إنها المفضلة لديها! أخشى أننا لن نستطيع العودة إلى القرية إلا وعلى ظهورنا أطنان من تلك الأزهار آد!
-لا نستطيع أن نتذمر جاك،نحن نقترب من يناير و رؤية زهرة واحدة في جو قارص البرودة كهذا يعد عيدا بالنسبة لها !
أنهى آدم بجملته الأخيرة حوارهما البائس،ولهما كل الحق في التذمر،فها هما يتجمدان هنا منذ نصف ساعة بينما تلهو تلك الآنسة ذات الشعر الأسود في بركة الكاميليا دون أن تعبأ لهما !

سأل جاك بهدوء مغلف:
-كيف كان يوم امس؟
أيقصد الجنازة؟هذا كان مفاجئا،لم يتوقع سؤاله بقدر ما كانت الاجابه متوقعة! نكس آدم رأسه وتمتم بصوت مسموع:
-ربما من الجيد أنك لم تحضر،حال الجميع كانت مزرية، والدته كانت منهارة تماما وقد فقدت وعيها عدة مرات! يا للمسكينة،لا اعلم كيف ستعيش من دون وحيدها !!
-للاسف كان لدي واجب حراسة لذا لم أتمكن من الحضور وتعزيتها بشكل لائق،ولكن..أستطيع تخيل ما تصف،فهذه الجنازة هي الخامسة لهذا الشهر فقط.
صمت قليلا ثم أردف:
-لابد وأنك قد سمعت مسبقا،جميع الضحايا كانت سليمة،سوى من أمر واحد،فالقلب... كان مفقودا!
ثم زفر جاك بقوة كما لو كان يخوض سباقا بجملته تلك!

مرت لحظة صمت طويلة بينهما قبل أن يقطعها أحدهم:

-هيا أيها الأحمقان،سوف نتأخر هكذا !
نظرا بصدمة لبعضهما،منذ متى وهي هنا !؟ وسرعان ما تحولت نظرات الصدمة إلى استنكار،ألم تكن هي سبب التأخير؟!!
-هل أنت متأكدة من أنه لا بأس بالانطلاق؟
نطق جاك بعدم تصديق،سبقتهما تلك الفتاة و هي تمشي على عجل بينما تجيب:
-سأكتفي بهذه الورود التي في يدي هذه المرة فقط،وأساسا نحن قد تأخرنا بالفعل فالليل يكاد يقترب!
تنهدا براحة،لتردف وهي تشخص طرف عينها نحو جاك :
-وسأتأكد من جعل أحدهم يصطحبني إلى هنا فيما بعد لاقتطاف باقة كبيرة من أجل الأرنبة الصغيرة.
شحب وجه جاك بينما علق آدم باستنكار:
-لا تدعي أخت أحدهم بالأرنب ليسا!
ردت سريعا وبنبرة حالمة:
-لا تظلمني آد ! لم أقل أرنبا،بل أرنبة،لعلها الطف من الأرانب حتى!
صمتت قليلا ثم أردفت:
-أرجو أن يكون للأدوية نفعا هذه المرة.
أومئ ببطء ليربت جاك على ظهره مشجعا:
-انا متأكد من انها ستشفى،فهي قوية،وأن كانت في السابعة فقط،فهي أقوى مننا جميعا!

أبتسم آدم هذه المرة،ثم سرح بخياله مفكرا بأخته الصغيرة،انها عائلته الوحيدة،والأغلى على قلبه،انطلق نحو المدينة منذ يومين من أجل دواءها الجديد،فهو لم يكن متوفرا في القرية!
ولأن حياة الجميع مهددة في الآونة الأخيرة،بسبب"ذلك الشيء"،اضطر لاصطحاب أفضل حراس القرية و أفضل أصدقاءه معه في رحلته "جاك"،وأما ليسا فهو نفسه لا يدري لما أتت؟ لعلها أرادت الاستمتاع فحسب!
…………...
راح محدقا بتلك الشجرة العملاقة،لم يبق على الوصول سوى القليل،ابتسم مضيقا لعينيه،والتي سرعان ما توسعت أشد اتسعا عندما التفت خلفه صوبهما!

كل شيء حدث سريعا،ولم يفهم..
شيئا ما أسود قد اتجه ناحيته بسرعة جنونية،صوتا ما يصرخ ب"آد احذر!!"
بينما تجمد هو في مكانه غير قادر على الحركة،مد ذلك الشيء يده و التي كساها فراء أسود وزينتها مخالب طويلة ومدببة صوب صدره من جهة اليسار قليلا،تحديدا نحو قلبه!هنا فهم،على الأرجح سيضاف قبرا خامسا للمجموعة!
أغمض عينيه بشدة،ووقف منتظرا موته بعجز،وعجبا كيف يمكن للثانية الأخيرة من حياته أن تمر ببطئ كهذا!
فتح عينه ببطئ ليقابلها جسد صديقه،فإذا به يتلقى الطعنة بدلا عنه،حيث توغلت تلك اليد في أعماق صدره تحاول انتزاع شيئا ما من جوفه،سرت رجفة شديدة في جسد آدم بينما كانت عيناه تتسع شيئا فشيئا،ارتخت ركبتاه،وسقط على الأرض عاجزا عن الحركة، جسده مايزال يرجف،صوتا ما يحاول إيقاظه من دون فائدة،كان آدم لايزال غير مستوعب لما يجري،تنبه اخيرا لصوت جاك وهو يأمره لاهثا:
-خذ السيف آد،السيف!

انطلق آدم يبحث بعينيه عن السيف،ووجده سريعا،كان ملقى على الأرض تغطيه القليل من الثلوج،التقطه وراح يهوي به على جسد ذلك المخلوق من دون أدنى فائدة!فجسده كان صلب كفاية لمنع أي شيء قد يخترقه،وبما في ذلك سيفه،وقبل ان يشعر آدم باليأس حرك جاك شفاهه في محاولة لقول شيئا ما له،فهم آدم مقصده اخيرا فتحرك إلى الخلف ثلاث خطوات،ومن ثم انطلق بأقصى سرعته مادا بسيفه نحو الامام قاصدا منطقة معينة،وقد نجح في ذلك اخيرا،سقط الوحش،وقبل أن يهوي جسد جاك اسرع آدم بإسناده!
……..
كان جاك ممددا على الثلوج الناعمة و رأسه و بداية جذعه الأمامي في حضن آدم،وقبل أن يقول آدم أي شيء،ابتسم جاك،واسترسل بالكلام بصوت منخفض و متقطع:
-آد،لطالما كنت أفضل اصدقائي،وعلى الرغم من هذا،لا تغتر بنفسك أيها الأحمق،فعلتها من أجلي فقط،لذا.. إياك ثم إياك لوم نفسك،لن تكون سوى أنانية محضة منك!عش من اجل آبي الصغيرة،و…

سعل جاك بقوة مغطيا فمه بيده اليمنى،بينما كان آدم يحاول كبح دموعه التي أغرقت عينيه،انسابت دمعة متمردة منها،مد جاك يده اليسرى نحو وجه آد وأخذ يمسح بدموعه التي خرجت تباعا،الدفئ الذي استشعره جاك من دموع آدم كان كافيا لجعله يبتسم،تمتم جاك اخيرا:
-أرجوك لا تكرهها،لقد كانت مجبرة،لعلها أكثر من تألم من بيننا!

ألقى نظرة أخيرة عليها،ها قد عادت لهيئتها البشرية،ملقاة على الثلوج بإهمال،كانت عيناها تحدقان نحو اللاشيء بينما كستها طبقة من الدموع التي سرعان ما تحولت لجليد شفاف،بدت عيناها لوهلة كعين دمية زجاجية هشة،دمية قد سبق وانكسرت بالفعل،ولم يبق منها سوى الزجاج المحطم،مع الكثير من الجروح!

كيف كانت تستطيع التحول؟ومنذ متى؟ولما حتى؟!!
لم يعرف احدا ! لم يعرفوا سوى أنها كانت تأكل قلوب الناس،وتترك الأجساد دون لمسها!و لقتلها لن تحتاج سوى لطعنة صغيرة نحو قلبها!

…….
…...

تلمس بيديه حجر قبر اخته،فإذا به يلسع من برودته،كما كان أول مرة منذ سنوات،لم يقوى جسدها الصغير على مقاومة المرض،فغادرت روحها سريعا ! لايزال لا يدري كيف تجاوز الامر؟ لعله لم يتجاوزه بعد! وعلى الارجح لن يفعل قريبا !
أغمض عينيه،ثم استكان جسده،لن يشعر بالأمان إلا بقربهما،حتى باتت عادة لديه،يأتي إلى هنا منذ الشروق وقبل انطلاقه إلى عمله،يروي للقبرين عن يومه السابق،يستشيرهما عند الحاجة،ويستمد منهما القوة لمتابعة الحياة!
واخيرا..
يودعهما تاركا جزءا من قلبه قربهما...


~تمت~




attachment

أرسل ""أنياب خلف القناع! "" إلى Facebook أرسل ""أنياب خلف القناع! "" إلى del.icio.us أرسل ""أنياب خلف القناع! "" إلى StumbleUpon أرسل ""أنياب خلف القناع! "" إلى Google

تم تحديثة 12-09-2020 في 20:13 بواسطة سنابل الأحلام (اضافة وسام)

الكلمات الدلالية (Tags): غير محدد تعديل الدالاّت
التصنيفات
المدونة الأدبية

التعليقات

  1. الصورة الرمزية الخاصة بـ White Musk
    cry
    مؤثرة جدا .. 💔 😭 ..
    يعطيك العافية على الطرح ..
    دمت بود ..
  2. avatar698342_29
    حزينة جدا

    جدا جدا

    لا أعرف ماذا أقول e411 e413
كتابة تعليق كتابة تعليق

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter