الشرّ والظرافة ..في معمل الكيمياء
بواسطة
في 13-11-2018 عند 20:26 (906 الزيارات)
الشـرّ و الظرافة
في معمـــل الكيمــيــاء
يحكى أن هناك شخص يعمل مساعد في مختبر
اندفع ذات صباح إلى مكتب العالم الكيميائي المشرف عليه
وعلى الرغم من انه امضى الليلة السابقة في العمل المتواصل إلا أنه كان يشعر بطرب هستيري
فدخل مكتب العالم الكيميائي وهو يحمل بيده قنينة مغلفة بفلين بداخلها سائل يفور ويصدر صفيرا وهو يصرخ :
لقد اكتشفت المادة الكونية المذيبة !
نظر رئيسه المتفائل الى القنينة وسأل
وما هي المادة الكونية المذيبة ؟
أجاب المساعد باهتياج وحماسة
هي الحمض الذي يذيب جميع المواد !!
وهنا أجاب العالم
وكيف احتفظت بالسائل في القنينة ؟
رغبة العالم الشديدة وحماسته في تحقق مزاعم المساعد دفعته إلى التصديق المبدئي
ليجبره عقله في طرح ذلك السؤال الذي يجعل من كل الحكاية طرفة حقيقية
ولكن ...
يوما ما ، في إحدى مراحل هذا الزمان كان صانعي القبعات يستخدمون
الزئبق البرتقالي الفاتح الخفيف للفصل بين الفراء والجلد ، وبينما تستقر هذه القبعات على رؤوس الناس
وهم في غاية السلام والأمن ، كان الأشخاص الذين يقتربون من براميل الطلاء المشبعة ببخار الزئبق نفسه
يفقدون شعرهم وذاكرتهم بالتدريج !
لأن الأبخرة المنبعثة من السيد زئبق تثير الموصلات في الجهاز العصبي المركزي
وتتلف خلايا المخ أكثر مما يقوم به مرض الزهايمر !
السيد زئبق الذي يتباهى بلزوجته الفريدة وقدرته الساحرة في أن يسيل ويعود متكوما حول نفسه ببراعة ،
كان في بعض الأحيان يشعر ببعض الملل في حياته ، حيث لا يبتعد أفراد أسرته عن بعضهم البعض
سوى لوقت قصير للغاية حتى يتجمعون من جديد بسرعة وشوق عجيب !
هذه الحياة جعلت السيد زئبق يشعر بانغلاقه على المجتمع وبأنه لا يعرف في الحياة
إلا الزئبق قطعة سائلة 1 الزئبق قطعة متكومة 2 ، وبسبب هذا الاحباط والحزن قرر الذهاب إلى نقابة بيت العناصر ..
حيث أن عائلة الزئبق قد تمكنت فعلا من الحصول على بطاقة عضوية من نقابة العناصر وقامت فعليا
بإجراءات الانتقال إلى بيتهم المحدد في بيت العناصر الكيميائي الكبير
حيث في ذلك البيت تعيش الكثير من العناصر مختلفة الأجناس والأعراق والطباع أيضا
في أقصى الجانب الأيمن العمود الثامن عشر من ذلك البيت كان يوجد حي الغازات النبيلة !
قال تلك العبارة المسؤول عن تخفيف وحدة العناصر المميزة وتفهم مشاعرها < حتى لو كانت على خطأ
وتلك العبارة نفسها ترددت في معمل الكيمياء اللطيف
كان يمكن أن يكون الدافع لذلك هو إحساس إنساني نبيل ، ولكننا سنخدع أنفسنا لو قلنا ذلك ..
لأن علماء هذا الزمن لا يفكرون بتلك الطريقة
لقد سمع العالم بانتباه لكلام ذلك المسؤول في النقابة بينما كان حسابات أخرى تجري في دماغه ليصيح قائلا بحماسة
" الهيليوم ! ...نعم لقد ألهمتني يا صاح ! ..إنه أكثرهم وحدة
اجلبه ..اجلب الزئبق أيها المساعد والهيليوم أيضا "
ومن هنا ...بدأت حكاية جديدة ..
لقد تم تبريد الزئبق مع الهيليوم السائل عند درجة حرارة 452 فهرنهايت تحت الصفر
وكانت نتيجة ذلك أن تفقد هذه المنظومة المقاومة الكهربائية !
وتصبح موصلا مثاليا وبهذه الطريقة يمكن تبريد أجهزة آي بود وصولا الى مئات الدرجات تحت الصفر
وستكون البطارية مشحونة بالكامل وستظل مهما طال بها الزمن !
لماذا حصل كلّ ذلك ؟؟
لأن الهيليوم يحافظ على الدوائر في حالة باردة
وعند تبريد الهيليوم الى درجة حرارة 456 فهرنهايت تحت الصفر تحول الهيليوم الى حالة الميوعة الفائقة
هذه الميوعة الفائقة تقاوم الجاذبية وتتدفق صعودا على الحواجز !
هل تخيلتم ذلك ؟؟
ياله من منظر خلاب وجميل أليس كذلك ؟
أن ترى سائلا يصعد فوق الحواجز ويمر عليها
ربما على الفور ستظن أنه كائن فضائي هلامي
ولكن لا يا صديقي
إن هذا هو الهيليوم ...انتظروا لحظة ..
ماذا لو كان الهيليوم فضائي متنكر في الحقيقة !!
أوه لا لايمكن ذلك ..لأن الزئبق صديق حميم له في الحقيقة ولو كان ذلك صحيحا
لكان الزئبق قد علم بذلك ^^
" نجد تقريبا كل عنصر يبحث عن ذرات أخرى لتكوين علاقة معها
حتى أكثر العناصر النقية مثل جزيئات الاكسجين في الهواء 2 o تظهر دائما كمركبات في الطبيعة
وكان يمكن للعلماء ان يستكشفوا العناصر في وقت أكثر تبكيرا
لو عرفوا عن الهيليوم العنصر الذي لا يتفاعل مع مادة أخرى "
لماذا الهيليوم هكذا ؟
جميع الذرات تحتوي على جسيمات سالبة تسمى الالكترونات وهي تتواجد في طبقات أو مستويات طاقة مختلفة
داخل الذرة متداخلة بتركيز مع بعضها البعض وكل مستوى في حاجة إلى عدد معين من الالكترونات
لملء نفسه والشعور بالاكتفاء وفي المستوى الأعمق يكون العدد اثنين
من الالكترونات وفي المستويات الاخرى تكون ثمانية
عادة تكون للعناصر عدد متساوي من الالكترونات السالبة والجسيمات الموجبة البروتونات
لذا فهي متعادلة كهربائيا
الالكترونات مع ذلك يمكن ان تستبدل بحرية بين الذرات والذرات عندما تفقد الالكترونات أو تكتسبها
فإنها تشكل ذرات مشحونة تسمى الأيونات
و الذرات تملأ مستوياتها الداخلية ذات الطاقة المنخفضة بالكامل بقدر المستطاع بالإلكترونات الخاصة بها وبعدها
إما أن تفقد أو تتبادل أو تكتسب الالكترونات لتأمين العدد المناسب في المستويات الأبعد
بعض العناصر تتبادل أو تتشارك بطريقة ذكية ومهذبة
في حين تتصرف الأخرى بطريقة سيئة , فوضوية وأنانية
الذرات التي ليس لديها ما يكفي من عدد الالكترونات في المستوى الخارجي
سوف تفعل أي شيء من أجل الحصول على ما تحتاجه
ولا يهمها السلوك الذي ستتخذه ..سواء فعلت ذلك بالفوضى أو اللباقة
أو ربما بالسياسة وعقد صفقات التبادل
وأحيانا تتصرف مثل قطاع الطرق وأحيانا أخرى بالتملق والاستعطاف أو تتصرف كما لو كانت جماعة من المراوغين !!
ولكن الهيليوم لديه بالضبط العدد المطلوب لملء مستواه الوحيد هذا التكوين المغلق للهيليوم يعطيه استقلالا كبيرا
لأنه لا يحتاج إلى التفاعل مع الذرات أو مشاركة الالكترونات أو سرقتها للشعور بالاكتفاء !
وهذا التكوين يمتد إلى العناصر التي تعيش في حي الغازات النبيلة
أسفل العمود الثامن عشر بأكمله تحت الهيليوم في البيت الكيميائي الكبير
غازات النيون ، والأرجون , والكريبتون , الزينون , الرادون
كل هذه العناصر لديها مستويات مغلقة بعدد كامل من الالكترونات
لذلك لا يتفاعل أي منها مع أي شيء في ظل الظروف الطبيعية
وبالعودة لبيت العناصر الكيميائي الكبير
تقع في العمود التالي إلى الغرب من حي الغازات النبيلة
الغازات الأكثر حيوية وتفاعلية بين سكان البيت الكيميائي وهي
الهالوجينات ...الهالوجينات التي تربطها معاهدات وتحالفات مع الفلزات القلوية التي على الطرف الغربي !
هذه القلويات التي بدلا من ان تصدأ وتتآكل يمكن ان تحترق تلقائيا في الهواء أو الماء !!
بماذا يذكركم هذا الكلام ! ؟
ما ترون !
تآكل ؟؟ احتراق تلقائي ؟
هل نحن بجوار شيء سمعنا اسمه في الطرفة الكيميائية الطموحة !
أجل وفور أن نطل على حي هذه القلويات المشاغبة سنرى الاثمد يتجول مزهوا متظاهرا
بأنه غير منتبه لوجودنا وتلصصنا على حيهم السكني !
لماذا يشعر الاثمد بهذا الزهوّ !
في الحقيقة لأنه سمع حكايات ما كان عليه أن يسمعها ..وهنا الورطة الحقيقية !
لقد جاء الاثمد بنفسه
( ومن الواضح أنه اندفع لهذا بسبب ملله المفرط وإلا فما سبب هذا التواضع منه )
ليرحب بنا عارضا نفسه علينا مرشدا سياحيا مفيدا
أظنكم في حاجة لمعرفة تاريخ الأشياء حتى تستشعروا المزيد من المشاعر الخفية خلف بهاء الأشياء
كانت هذه مقدمته قبل أن ينطلق لسانه شارحا وحاكيا بنشاط
لقد استخدم نبوخذ نصر الملك الذي بنى حدائق بابل العلقة في القرن السادس قبل الميلاد
مزيجي ..يعني أنا الاثمد والرصاص السام لطلاء جدران قصره باللون الأصفر
ثم سرعان ما أصيب بالجنون وأصبح ينام خارج قصره ويأكل العشب مثل الأبقار!!
أما النساء المصريات فقد كن يستخدمنني ...
يعني أنا الاثمد كماسكرا لتجميل أهدابهن وإعطاء أنفسهن قوى ليلقين العين الشريرة على الأعداء !
ثم اكتسبت اقراصي شهرة كمسهل للأمعاء وهو دواء مريح جدا للمرضى ومساعد لهم
ولأنني كنت لا أذوب الماء اعتبرت قيما جدا حتى ان الناس كانوا يبحثون عن عنصري في مخلفاتهم لإعادة استعمالها
ويعقدون الوصايا بتوريث هذه المسهلات من الآباء الى الابناء
لهذا السبب عُرِفت يعني أنا الاثمد كدواء قوي المفعول رغم انني سام في الواقع ( قال هذا بفخر واضح )
ويُعتقد ان الموسيقي المشهور موزار مات من جراء تناول جرعة زائدة مني لغرض التداوي
طبعا لم تتم ملاحقتي من أي طرف ..لأن الذنب لم يكن ذنبي ، وثانيا بل هو أولا ..إنني الاثمد على كل حال ( بزهوّ يقول هذا -_- )
عرف العلماء الاثمد بشكل أفضل
وأدركوا أن قدرته على خزن الكترونات العناصر الجشعة حول نفسه جعلته مميزا في بناء أحماض محددة
كانت هذه النتائج مذهلة مثل الميوعة الفائقة للهيليوم
مزج فلوريد الاثمد مع حمض الهيدروفلوريك تنتج منه مادة بمقياس درجة حموضة31
هذا الحمض المفرط أقوى 100,000 مليار مليار مليار مرة من فعالية حمض المعدة
وسيلتهم الزجاج بلا رحمة مثلما يفعل الماء مع الورقة
لذلك لا يمكن مسكه في زجاجه !
هل فهمتم الآن سبب غرور الاثمد وعجبه بنفسه !
ولكن أيضا يجب أن تفهموا سبب امتعاضي من افتخار الاثمد المبالغ فيه ...
لأنه و رغم ذلك لا يمكن منح خليط الاثمد السام وصف أقوى حمض في العالم
لسبب بسيط جدا
وهو أن الاثمد سارق الالكترون والهيدروفلوريك مانح البروتون
سيئان جدا في العمل ! وبطيئان
ولذلك يجب القيام بمضاعفة قوتهما التكميلية معا ً
من خلال مزجهما قبل بلوغهما حالة الحموضة المفرطة !!!
نـغادر المعمل
والزئبق والهيليوم يرسلان لكم السلام
إلى اللقاء
مصادر____________
كتاب الملــعقة المختفية