:: "لا يكادون يفقهون قولاً" .. "قالوا" !!!! ::
بواسطة
في 22-06-2018 عند 03:16 (1454 الزيارات)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سورة الكهف مليئة بالحكم والمواضيع التي قد لا ينتبه لها البعض .. فلنبدأ بعينة بسيطة قد نستنتج منها اموراً او نفتح مداركنا أكثر .. وهنا سأتناول جزء من الآيات التي وردت في ذكر "ذي القرنين" والذي يقال والله اعلم أنه الاسكندر الأكبر الذي حكم اجزاء شاسعة من العالم ..
:
لو لاحظتم ستجدون أن الآية أشارت أن هؤلاء القوم بين السدين "لا يفقهون" بل حتى "لا يكادوا يفقهون" القول .. بمعنى أنهم لا يفهمون الكلام او انهم قد لا يملكون حتى القدرة على الفهم ..
وتخيلوا شخص لا يفهم فكيف سيتكلم ؟!
مع ذلك نلاحظ شيء عجيب بعدها وهو عبارة "قالوا".. طيب كيف قالوا وهم لا يفقهون القول ؟!!
لو تأملنا الموقف وتخيلنا الوضع .. سنستنتج ان ذا القرنين استطاع ان يتعامل مع قوم لا يفقهون ويتواصل معاهم .. وانه امتلك من العلم او الصبر او القدرات ما مكنه من تحقيق ذلك .. وكان عنده التصميم لمساعدتهم ..
لذا فهم لم يقولوا بألسنتهم بل استخلص المعنى والكلام منهم استخلاصاً .. ربما من حركات أجسادهم .. ربما بالمحايلة .. لكن الواضح ان باله كان طويل ..
كان من الممكن بكل بساطة ان يتركهم ولا يساعدهم فهم لا يفهمون ..
:
كأمثلة من الواقع :
مثال 1 : لنفرض انك قابلت سائح أجنبي .. وهذا السائح "لا يفقه لغتك ولا تفقه لغته" .. وكان هذا السائح يبدو عليه انه يبحث عن شيء .. فكيف ستساعده .. قد تستخدم لغة الإشارة او ابتسامات الوجه وقد تلاحظ بعض الإشارات باليد .. مثلا يريد ان ياكل فيشير الى فمه او يحرك يده كانه ياكل بملعقة فتستنتج انه يبحث عن مطعم .. او يجز بأسنانه وهو يشير لقدمه فتعرف انه يعاني الم ويحتاج مساعدة ..
مثال 2 : قد تقابل انسان أخرس لا تفهم كلامه .. لكن من خلال حركات يده وجسمه تستطيع ان تتعامل معه وتشتري ما يبيعه .. وتظل تخمن ما يريده وهو يهز رأسه نفيا او إيجابا حتى تعرف ما يريد قوله ..
مثال 3 : ظهرت أجهزة تقنية تستطيع تفسير لغة بكاء الطفل "هل يريد الاكل او يعاني الم مثلا" .. مع ان هذا الطفل لا يفقه .. لكن التكنولوجيا جعلت من الممكن تفسير الموجات الصوتية للطفل وتحويلها لكلمات ..
مثال 4 : جهاز كشف الكذب من خلال مراقبة موجات وحركات الجسم يستطيع ان يفسرها لصدق او كذب وهي أيضا تتبع العلم
مثال 5 : هناك أجهزة تفسر لغة الكلاب .. كما يمكن معرفة مزاج الحيوان ان كان سعيدا او غير راضي من حركة ذيله .. وهناك من يفهم سلوك الحيوان ورغباته ومشاعره رغم انها لا تتكلم لكن من خلال سلوكها ..
:
والان اسمحولي اكمل الآيات لأشير لتفصيل دقيق آخر :
طلب القوم ان يجعل ذو القرنين لهم سداً .. لكن ذو القرنين رد عليهم أنه سيجعل بينهم وبين القوم الآخرين "ردماً" ..
طبعاً السد شيء والردم شيء آخر .. لأن السد لو تخيلتم هو جدار او حائط .. والسد يمكن تسلقه او تحطيمه لأن له سمك محدد ..
اما الردم فهو ان تردم حفرة او فراغ حتى يختفي بالكامل ..
يعني لو تخيلنا حفرة او غرفة نريد نسدها ولا نسمح لاحد ان يدخلها .. ايهما اكثر احكاما .. ان تردم الغرفة بالكامل من الداخل وفوقها وحوليها بالرمل حتى تختفي .. ام تسد بابها وحوائطها فحسب "وهنا ممكن واحد يكسر الباب ويدخل" ..
وهذا يدلنا على علم ذي القرنين ورأيه الهندسي الأكثر احكاماً ..
واحب ان أشير ان القرآن ليس فيه ترادف .. بمعنى كل كلمة لها معنى محدد .. فالسد ليس نفسه الردم .. كلاهما يحجب ويعيق لكن طبيعتهما مختلفة ..
ونلاحظ أيضاً بالآية ان ذو القرنين رغم قوته وملكوته إلا أنه طلب منهم العمل "آتوني بقوة" تحت اشرافه :
(
كانت هذه مواصفات الحاجز او الردم بمعنى أدق .. والعجيب انه معدني ..
فما هو متعارف عليه ان السد او أي بناء او حتى ردم اما يكون من الحجارة والاسمنت او تراب .. لكن ان يكون من المعدن ؟! ألهذه الدرجة تطلب الأمر ان يكون هذا الانشاء صلباً ..
طبعاً على مستوى عصرنا الحالي لم أسمع عن حتى سد معدني خالص فالسدود تبنى من الاسمنت او الحجارة .. فلنا ان تخيل ضخامة هذا المشروع في ذلك العصر .. لأن المعدن بحاجة الى درجة حرارة عالية للانصهار وبكميات تكفي هذا الردم الكبير ..
اصبح القوم في رحمة من أذى يأجوج ومأجوج .. لكن الآية تشير ان هناك توقيت سينهار فيه هذا الردم ويظهر من خلاله ياجوج ومأجوج ..قَالَ هَظ°ذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي غ– فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ غ– وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
فهذه رحمة أيها القوم ونعمة .. ولا تفرحوا كثيراً وتنسوا أنفسكم وتفتروا في الآرض .. فسيأتي يوم ينهار السد .. فكان أولى بكم ان تتقوا الله وتظلوا شاكرين لأنكم ستحتاجونه يوماً ..
أحيانا عندم تنعم على البشر بالنعمة او تكف عنهم الأذى .. يمر الزمن ويتحول الناس من مظلومين سابقاً إلى ظالمين لأنهم أمنوا شراً الله مانعه .. وامنوا مخاطر الدنيا ..
لذا فالأية فيها تنبيه وتحذير للقوم الذين تم انقاذهم بان يضعوا في اعتبارهم انهم سيحتاجون لله في ذلك اليوم .. سيحتاجون الله الذي ارسل لهم ذي القرنين سبباً لنجاتهم ..
:
زي مثلا واحد جابلك وظيفة وانت كنت شحات مش لاقي تاكل .. وبعد سنتين من الوظيفة أصبحت امورك تمام واترقيت في الشركة واللي جابلك وظيفة زمان بديت تتكبر عليه .. او قررت تنساه وتبطل تشكره ..
عندها ممكن هذا الشخص يقلك انتبه لا تفرح كثير .. ممكن تفقد وظيفتك مجدداً وساعتها راح تندم انك تركتني .. لأنك بيوم من الأيام حترجعلي وتحتاج مساعدتي من جديد ..
هذا والله اعلم =)