• ( وليال عشر ) , من ذي الحجة

    attachment

    إنني لا أنسى ظهرية ذلك اليوم الذي كُنت فيه مُنهكَة من طول الساعات
    كان وقتي يمضي بلا أي معنى أنتظر مُنذ الصباح فقط آخر محاضرة , ساعة العصر لأعود إلى المنزل فأسترخي استرخاءً مُبالغ فيه .
    لكنِي وفِي أثناء جرّي لقدمَيّ بيْن أتربة الجامعة ! سمعت:
    "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"





    بصوت يصدح بدون أي خجَل أو استحياء ,صوت أنثويّ لطيف يبذل جهدَه ليسمَعه الجمِيع
    أحدى الطالبات كانت تسير مثلنا تنتظر كذلك ميعاد دروسها ولكنها غدت معلمَة لا مُجرد طالبة !
    لقد وجدت أنها فعلت كما فعل أبو هريرة وابن عُمَر رضي الله عنهما , [/COLOR]فقد كانا يخرجان السوق في أيام العشر يُكبران ويكبر الناس بتكبيرهما
    لن أنسى فجزاها الله خيْرًا لتلك البسمة الروحانية التي طبعتها على وجهي رُغم كُل شيء
    كان هذا استقبالها الجميل الجليل لأفضل أيام السنة ,
    عشرُ ذي الحجة .


    قال سعيد بن جبير: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر"







    attachment

    أتساءل هل بقيت هناك طائفة من المسلمين تجهل بفضل هذه الأيام ! ومدى قدرها
    هل لازال هناك من يظن أن الخير محصور أو يكاد يمُر خلاله ولا يُدركه ؟


    نحمد الله أنه جعل للخير مواسم وأعيادًا وطرح البركة للمسلمين فيحصدون أعظم الأجور بأيسر الأعمال
    * ولا ننسى أخواني أن الأجواء مُعتدلة وهذا فضل من الله فلنكن ممن خرج بمكيال ثقيل من الحسنات هذه السنة ونغتم تلك الغنيمة الباردة ()

    نذكر من فضائلها :

    (.) هي الليال العشر فقد أقسم الله بها بقوله تعالى (وَلَيَالٍ عَشْرٍ)
    وقسمُ الله دليل على فضلها وعظيم منزلتها.

    (.) عشر ذي الحجة هي الأيا م المعلومات والتي نزل فيها أمر بذكر الله (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)

    (.) وهي العشر التي واعد الله فيها موسى متممًا بها تلك اللحظات من التعبد (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)

    (.) يعظُم فيها العمل ويتضاعف فيها الخير والأجر
    قال صلى الله عليه وسلم
    "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر"
    . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ
    "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" .
    فجمع في ذلك المال والنفس لكي يغلب فضل هذه الأيام , فلنغترف منها بقدر عزائِمنا .

    (.) وهي أفضل أيام الدنيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل أيام الدنيا العشر"

    (.) التاسع منها يوم كريم عظيم هو يوم عرفة

    (.) عاشرها أعظم يوم عند الله , يوم الحج الأكبر والعيد الأكبر
    لماذا !
    لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم
    كالوقوف عند المشعر الحرام ، رمي جمرة العقبة ، الطواف ، والسعي والحلق أو التقصير ، ونحر الهدي وتقديم الأضحية.
    قال الحافظ ابن حجر :
    "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يأتي ذلك في غيره"
    وقال ابن القيم رحمه الله:
    "فالزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به"


    attachment


    الإكثار والاستزادة, فإننا إن سمعنا أن هناك تخفيضات في المبيعات في السوق فإن الجميع يُسارع لاقتناء حوائجه فيها لتوفير المال لتزداد فرصة الاستمتاع به .
    فماذا لو سمعنا أن في العمل سيكون راتبك في 5 أيام محددة
    مُضاعف ! لوجدت الموظفين يكادون يلجؤون لساعات إضافية !
    هكذا الحسنات الآن مُضاعة وأجرها يكبر في هذه الأيام فلننظر ماذا يُمكننا أن نفعل :


    - السعي لمزيد من الإخلاص والإتقان في العبادة وحُسنها والإحسان فيها
    وأقصد هنا الفرائض والواجبات اليومية كالصلاة , بر الوالدين , اجتناب المعاصي والنواهي .
    فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال في حديث قدسي :
    "وماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه
    ومايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" .


    - التقرب إلى الله بقراءة القرآن فبعض المسلمين يعتزمون ختمه في عشرة أيام ولا تتعسر على أهل العزم والإرادة .

    -
    إخراج الصدقات عن النفس والأحبة بنيات متفرقة كالأجر , التطهير من الذنوب والخطايا والتوبة , الشفاء من العلل والأسقام
    والأهم
    شفاء القلب من أشكال الغفلة وتزكيته من الشهوات . كذلك إعانة المحتاجين وإغاثة الملهوفين .

    - النوافل , كالضحى والوتر وقيام الليل فلكل واحد منها باب من الأجر والثواب , ولا ننسى السنن الرواتب .

    - صيام ما تيسر من الأيام التسع الأولى , وأولاها اليوم التاسع يوم عرفة
    قال صلى الله عليه وسلم:
    "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة اللتي بعده"
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كلِّ شهر.

    - ذكر الله والإكثار من التهليل والحمد والتسبيح .
    لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"
    و يُستحَبّ التكبير المطلق في البيت أو السوق أو العمل , وصفته:
    <الله أكبر , الله أكبر , لا إله إلا الله , الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد>
    خاصة في يوم عرفة , وقد خُصص له دعاء ونصه ماذكره النبي صلى الله عليه وسلم :"
    خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي:
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"


    قال ميمون بن مهران :
    "أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير"
    وينبغي الجهرُ به ؛ إحياءً للسنة، وتذكيراً للغافل.

    - ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر المباركة ؛ ذبح الأضاحي تقرباً لله
    فالرسول صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صِفَاحِهِما.

    - آخرًا أعظم الأعمال في هذه العشر الحج , والتوجه لبيت الله لأداء المناسك لمن استطاع .




    attachment

    قال صلى الله عليه وسلم : "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"

    حين نقول إن الحج رُكن من أركان الإسلام فهذا يعني ان الإسلام لا يكتمل بدونه
    ولكن من رحمة الله أن جعل الحج لمن استطاع فهناك من تتعسر ظروفه فلا يجد المال الكافي , وبعضهم منقطع لا يجد للوصول سبيلا
    وظروف الناس تتباين
    ولكن في نفسي أحيانًا أتعجب أن الناس لا تسعى سعي الذين يحاولون
    توفير هذه الاستطاعة !

    شروط وجوب الحج :

    الإسلام , وضده الكفر
    العقل , وضده الجنون
    البلوغ , وضده الصغر
    الحرية , وضدها الرق
    الاستطاعة , وضدها عدم الاستطاعة
    أمن الطريق , وضده الخوف
    المحرم للمرأة , فإذا لم تجد محرما لا يجب عليها الحج .


    قال تعالى : (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
    لله على الناس أي حق لله أن يحجوا بيته
    قال صلى الله عليه وسلم:
    "أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا"
    أشعر أنهم ينشغلون في بذل جهدهم لأمور دنيوية ويجمعون المال بمقدار الآلاف لأسباب واهية تافهة دنيوية بحتة
    كتجديد أثاث المنزل أو اقتناء سيارة جديدة أو السفر للسياحة .
    ولا تجد نية الحج حاضرة بل إنها مدفونة أسفل الأفئدة التي غطاها تراب الغفلة !
    فأين العزم والعمل للآخرة ؟

    وقال صلى الله عليه وسلم : "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه
    هنا بيان أن الحج يُكفّر جميع ذنوب الإنسان السابقة التي اقترفها في حياته .

    ما أعظمها من جملة .


    فياتُرى هل يقصد المؤخّر أنه يُحب أن يستغل السنين ليُغفر له أكثر .
    أياصاحب
    الأمل الطويل , إننا لاندري متى يحين الأجل ويُوضع القلم ...

    .
    attachment


    (*) بعد الهبوط من الجنة إلى الأرض الدنيا كانا مفترقين متباعدين , فالتقيا بعد زمن وكان لقاؤهما في عرفات !
    وعند جبل الرحمة كان البكاء وظل الندم والألم حتى غفر الله وتقبل توبتهما
    (آدم وحواء)

    (*) في واد لا شجر فيه ولا ثمر , لا أنيس ولا رفيق ترك زوجته وصغيره , فأخذت زوجته تمشي وراءه وتناديه يا ابراهيم , يا ابراهيم !
    حتى وصلت إلى الحجون
    "عند مقابر المعلا" فلم يلتفت واستمر بالمشي , فقالت : الله ! أمرك بهذا ؟
    أومأ برأسِه قاصدًا بها نعم الله أمرني . فقالت باركها الله :
    اذهب . فلن يضيّعنا الله .
    وفي يوم أصاب طفلها الظمأ فسارت تركض خلف سراب الماء ولألأته ذهابًا إيابًا , حتى فجّر الله لها الماء المبارك من تحت قدمه تفجيرًا لم يلحقه نضب .
    كُل هذا في سبيل الله , صبرُا وامتثالاً له وطاعة
    (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
    وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
    كانت هذه(دعوة ابراهيم)
    فاستجاب ربه , وبقيت عينه زمزم وبوركت وتعلقت الأفئدة بهذا المكان الذي هو
    (قبلة المسلمين)


    (*)(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
    (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ , وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ , قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
    إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ , وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )

    كريم ابن كريم , استسلما لأمر الأكرم سبحانه
    فذكرى
    (التضحية والأضحية) التي هي امتثال لأمر الله وحُسن طاعة وتمام إيمان .

    بعد ذلك سعيا
    للبناء وأخلصا في العمل فدعا الله ليتقبل منهما
    فكانت الكعبة مركز بيت الله جل جلاله المسجد الحرام بمكة
    (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

    فلتبقى هذه العلوم حية في ذكرياتنا كُلما حانت هذه المواسم وكُلما وثبت أقدامنا تِلك البقعة الطاهرة .

    .

    خاتمة *
    صح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
    "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء"

    يُقال إن الحجاج يعودون لديارهم والدموع تتصبب من مقلتيهم ؟
    يُسلم عليهم الجميع ويبارك لهم ! يُحيونهم ويغبطونهم ويطلبون منهم الدعاء لهم بالعقبى في الحج وأن يؤتيهم الله من فضله كما أتاهم .
    شعور نسأل الله ألا يحرمنا منه , وأن يلهمنا ويرزقنا ذكره وشكره وحُسن عبادته , لا إله إلاهو .
    إن أصبنا فمن فضل الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان
    ~

    .
    .


    * أرشدكم موقع متكامل بلغات متعددة كدليل شامل لهذه المناسبة الفضيلة :

    888015f9fdef31730251cc0ca893435f_24340a24429805d02b5d71207bba0f91




    إسم الناشر : H I N A T A ، إسم الكاتب : الضوء المفقود
    تعليقات كتابة تعليق

    يرجى كتابة مايظهر في الصورة بشكل دقيق للمتابعة

  • إعلان طولي


مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter