مشاهدة تغذيات RSS

Naru-Mina

قصة قصيرة : روح ميتة

تقييم هذا المقال
هذي القصة سبق و أن نشرتها في موضوعٍ مستقبل بالمنتدى , وها أنا أعيد نشرها في المدونة ..
هنا مساحة أكثر حرية ..



روح ميتة

صافحَتْ شمسُ المغيبِ كفّ السماء .. طاويةً ثوبها البرتقالي .. موليةً ظهرها .. مختبئةً خلف الستارِ الأسودِ .
وفي ذات اللحظةِ من كل يوم .. تبدأُ العتمةُ المقيتة في هذا الحيّ .. حيث الموت يحيكُ لقاطنيه كل ليلة كفنا..!!
أعمدةُ إنارةٍ مكسورة .. وغربانٌ هجرت الحيّ خيفةَ الموت , حتى الأقدامُ النابضة بالحياة تذبلُ عندما تمرق من هذا المكان !
أرغفةٌ محنطة .. أشجارٌ جافة تحتضن أغصانها تلك الجدران العتيقة .. و أكداسُ أتربةٍ مثخنةٍ بروائح جيفة بعضها
يتطاير مع هبات الرياح .. والبعض الأخر ينساب إلى صدر المنزل.
حياةٌ ساكِنَة لا تسمع فيها إلا دبيب أقدامِ نملٍ باحثٍ عن لقمة عيش .. فيعود محطم الخطى ويموت قبل ولوجهِ البيت.
روحٌ ميتة حتى لو نبضت القلوب,و أجساد ذابلة تمضغها الظلمة .
هكذا يكون حيهم العاري الذي لا يكسوهُ إلا خيوط الفقر .

آهٍ من هذا الحيّ الذي لم تعد أيادي الأمل قادرةَ على حصادِ رغيف اليوم .. هكذا قالها “ولــيد” البالغ من العمر ثلاثة عشر عاما .
كان في طريق العودة إلى البيت .. مرتديا قميصاً تنسابُ منه نسمات الهواء .. يفضح المستور من جسده الهزيل ..
يلتفت يمنةً ويسرة .. فيرى عند ذاك السور الصدِئ .. صبيةٌ تجدلُ شعرها المدهون بعَرَقِ الأسى .. تُعَانِقُ ظِلّ الظلام ..
وتَنظٌر للأعلَى فَتَتَمَنّى أنْ تَرضَعَ تِلكَ الْغَمَامَة .. وتُرطب بِهَا الشفَاه .. !
وهُنَاكَ على الرصيف .. شَابٌ نَحِيلُ الْجَسَد .. كَثّ الشعر .. يُمسِكُ حَقِيبَةً صَغِيرَة و يُتَمْتِم ..
كيف لمدينة كهذه مليئة بالثروة أن تتجاهل هذا المكان وتتركه عارياً؟
ثم أخذ مسترسلاً في تمتمته وهو ينظر إلى “ولـيد” نظرةً غريبة أشبة بنظرة ملاكٍ دامي الفؤاد :
- سأضع بعضاً من الثرى في حقيبةِ الْهِجرَة لأجل أن لا أنسى ذاتي فهذا المكان لم يعدِ سِوى خَارِطةٍ لأرواحٍ ميتة . !!
أخذ “وليد” في المضي قدماً حتى دخل إلى منزله الذي لا ترى فيه إلا بريق قمرٍ ساكباً نوره على زجاج النافذة المشطورة
فيتناثر هذا الضوء على وجه ذاك العجوز الشاحب ذي اللحية البيضاء , كان في حالةٍ يرثى لها , يصارع سوط الظمأ والجوع.
قال له وليد ببراءةٍ لا يملكها إلا الفقراء مثله :
– ماذا تشتهي يا أبتِ ؟
هو ذات السؤال الذي يردده كل يوم ولا يقدر على تنفيذه , ولكن هذه المرة قرر عمل أي شيء .
فأجاب الأب وعيناهُ في شِبهِ انطباق كأنه يخاف أن تتسلل أشعة الموت إلى خلف الجفون .. أو أن يرى شيئا مخيفا .. لا يريد أن يراه في ولده :
– أي شيء يا بني .

خرج وليد مسرعاً من بيته .. راكضاً عبر الشوارع لمسافة طويلة جدا ..
ثم توقف أمام ذلك المنزل الفخم .
راح يستطلع المكان خشية أن يراه أحد .. وبعد أن اطمأن من خلو الشارع ..
أخذ بالتسلل خلسةً من فوق السور .. كما الهدوء الليلي .. لا صوت أقدامه تسمعها .. ولا حتى أنفاسه .. صار جزءًا من هذا السكون .
دخل من نافذة إحدى الغرف .. مرتبكاً .. خائفاً .. ينظر حوله فيرى أسرةً دافئة .. ثياباً توحي بنعومةِ الملمس ..
وطاولةَ طعامٍ كبيرة .. أخذ يتلمس كل شيء حتى وصل إلى المطبخ ..يقلب رفوفه .. يستنشق روائح الأرغفة الشهية..
وفجأةً ودونما سابق إنذار .. رأته الخادمة .. فأخذت تصرخ محدِثةً دوياً أيقظ ساكني المنزل.
ركضَ وليد من أمامها مسرعاً حتى خرج من ذات النافذة التي دخل منها , ثم عبَر السور مرتجفاً , فتوقف لحظة وسط الطريق لينظر إلى الخلف ..
وإذ بإحدى ” السيَارَات ” ساقتها أقدام القدر المتهورة …
“روحٌ تحلق في السماء .. كروح ملاكٍ طاهر”
فتح مالك ” السيَارَة ” بابها .. ونظر أمامه .. فوجد وليد جثةً مغرقّةً في الدم .. وضوء عينيه اللتين كانتا تتوهجان .. خبا وميضهما .. !
هرب الشاب تاركاً وليد ملقاً وسط الطريق .. ممسكاً بكسرة الخبز الملطخة بدمه.
وأما العجوز مازال في منزله يمضغ السقام ضلوعه لقمة,فيسمع صوت صرير الباب
وينادي : وليد هل عدت ؟ هل عدت يا وليد .. ؟
لكن لا .. لا أمل إلا وهم صوتٍ وارتدادُ صدى النداء .

30/11/2011



مدونتي : http://mohannad91.wordpress.com/

أرسل "قصة قصيرة : روح ميتة" إلى Facebook أرسل "قصة قصيرة : روح ميتة" إلى del.icio.us أرسل "قصة قصيرة : روح ميتة" إلى StumbleUpon أرسل "قصة قصيرة : روح ميتة" إلى Google

تم تحديثة 24-10-2014 في 07:34 بواسطة هدوء الملاك

الكلمات الدلالية (Tags): غير محدد تعديل الدالاّت
التصنيفات
غير مصنف

التعليقات


مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter