PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : البيت الاسود للكاتبة الرائعة لحن



_LoVeAnGeL_
26-03-2012, 19:27
البيت الأسود الحزين



مقدمة


لم يكن أحد يعرف السر الذي يكتنف ذلك البيت الكبير الأسود الرابض على ربوة عالية في إحدى القرى البعيدة، لم يكن سكان القرية يجرؤون على الاقتراب من ذلك البيت، كلهم يتذكرون المآسي في الأيام السالفة، حين سكنت هذا البيت عائلة السيد عبد الله نعمان، فماتت ابنته الصغيرة وأصيبت زوجته بالعمى، ثم خسر كل امواله. أو عائلة السيد عادل عزيز الذي سكنه مدة شهرين فقط فطلق زوجته ثم أصيب بالجنون، أو عائلة أسامة عبد الحميد الذي قتلته زوجته ثم وجدوها ميتة في الحديقة من دون سبب واضح.. أو عائلة فلان وفلان... والمآسي تتكرر.. ولكن الناس اعتقدوا أن السبب هو البيت الأسود المخيف الذي تنتهي قصص الأفراد الذين يقيمون فيه نهايات تعيسة حزينة.. لذا أطلق عليه أهل القرية اسم (البيت الحزين) وظل مهجورا لا يسكنه أحد..

_LoVeAnGeL_
26-03-2012, 19:30
البيت الحزين (1)




الفصل الأول



شاهد أهل القرية أضواء ذات ليلة  في البيت الحزين، فعرفوا أن عائلة جديدة قد أقامت أخيرا في ذلك البيت الموحش، فذهب جمعٌ من أهل القرية لتحذير ساكنيه الذين هم- بلا شك- لا يعرفون سر المنزل المخيف..
فتح الباب شابٌ في الخامسة والعشرين، أنيق الملابس، فسلموا عليه وقالوا:
-       أيها السيد أ...
فقال:
-       اسمي مصعب أيها السادة الكرام..
قال هذا.. ودعاهم إلى الدخول لكنهم رفضوا بشكل أثار عجبه ودهشته ثم قال أحدهم:
-   أهلا بكم في قريتنا، إننا لاحظنا أنكم تقيمون في هذا البيت بعد أن ظل مغلقا مدة سبع سنوات..
-   هذا صحيح، أقيم فيه مع صديقي هيثم.. لقد أتينا من مدينة منخفضة قرب النهر تسببت السيول والفيضانات الجارفة في فقداننا الغرفة الصغيرة التي كنا نستأجرها في منزل متهالك كنا نقيم فيه.. فأخذنا نبحث عن مأوى وعمل.. لكن الحظ لم يحالفنا في العاصمة  مدة سنتين.. ثم وقع اختيارنا على هذا المنزل لأنه واسع ومريح وزهيد الأجر.. أرجو أن نجد في قريتكم عملا يناسبنا أيضا..
-       على الرحب والسعة.. والبيت كما تقول حقا.. لكنه موحش و..
فقاطعه مصعب قائلا:
-       تقصد بسبب المآسي والكوارث التي حدثت لكل من أقام فيه؟..
قالوا بصوت واحد:
-       إذن أنت تعرف؟
-   نعم وصديقي هيثم يعرف أيضا.. لكننا لا نخاف من شيء مثل هذا.. وما حدث لأولئك الأشخاص كان قضاء وقدرا، وما يقضي به الله نحن راضيان به إن شاء الله..
فقال له أكبرهم سناً:
-   يا ولدي!! لا يأخذنكما غرور الشباب وحماسه، ويجعلكما غافلَين عما تخبئه الأيام، إن الأمر قَدَر كما تقول، لكن الله نهانا أن نلقي بأيدينا إلى التهلكة، فلا تبق مع صديقك في هذا البيت المشؤوم، وسوف تجدان بيتا أفضل منه بإذن الله..
فقال هيثم الذي ظهر في تلك اللحظة وسمع كلام الكهل:
-   لا يا سيدي!.. إنني مع مصعب لقينا من المصاعب وخضنا من المغامرات والمفاجآت الشيء الكثير، ولا نبالي بالإقامة في بيت الأشباح إن لزم الأمر، فهو تحدٍ، وسنثبت لكما أن المنزل ليس هو سبب المشاكل فيما مضى من سنوات..
فترك الرجال الصديقين وشأنهما وقالوا لبعضهم:
-       لقد حذرناهما وقمنا بما يجب علينا، وما على الرسول إلا البلاغ.
***

رشف هيثم رشفات متوالية من الشاي الساخن الذي أعده بنفسه  ثم ابتسم وقال:
-       ما اجمل هذا البيت، إنه مريح، وهذا الأثاث رائع أيضا، فهو يبدو جديدا..
فقال مصعب الذي كان يمد ساقيه على الأريكة:
-   هذا صحيح، فآخر عائلة أقامت في هذا البيت أثثته بأفضل الأثاث وأغلاه ثم لم تُقم أكثر من  ثلاثة أو أربعة أشهر كما قيل لي.
-       ما رأيك في قصة هذا البيت يا مصعب؟
-   إن الناس في الريف قوم بسطاء، ويحبون الحديث في هذه الأمور ويخلقون الأساطير حول كل شيء نتيجة الفراغ الذي يعيشونه، فيجدون نوعا من التسلية..
فقاطعه هيثم:
-   أي تسلية يا مصعب؟!! .. إن الكوارث التي حدثت لسكان المنزل حقيقية ومؤلمة، فهل كل ذلك مصادفة وقضاء وقدر؟..
-       إنها ليست مصادفة، إنه القدر يا صديقي.
-       هل تظن أن ماحدث لهم سيحدث لنا؟!!...
فضحك مصعب وقال:
-       وهل أنت خائف يا هيثم؟
-   الأمر ليس الخوف يا مصعب، لكن هو الحذر أيضاً، ربما كان السبب هو الجو هنا على سبيل المثال، فهذا المنزل يقع كما ترى على ربوة عالية، والجو يصبح باردا ورطبا في الأماكن المرتفعة، وقد يؤثر ذلك على الصحة فيصاب سكان المنزل بالأمراض أو الحمى القاتلة.. فما رأيك في هذا التفسير؟..
فعقد مصعب حاجبيه مفكرا، ثم قال بعد لحظة صمت:
-   ربما يكون كلامك صحيحا، لكن إذا بحثنا في المسألة بالتفصيل، فإن تفسيرك هذا يكون مقنعا في حالة الطفلة الصغيرة ابنه عبد الله نعمان التي ماتت بالحمى، أو عادل عزيز الذي ابتلي بالهلوسة، فالحمى تؤثر على خلايا الدماغ كما يقال. لكن بالنسبة للعمى وخسارة الأموال والقتل وحوادث العربات والموت تحت حوافر الخيل.. هل سبب ذلك هو الجو البارد؟
فرد هيثم متنهدا:
-   معك حق، إن الأمر عجيب جدا، لكن مضى على إقامتنا هنا أكثر من شهر ومع ذلك لم يحدث شيء..
فغمغم مصعب:
-       نعم.. نعم... لن يحدث شيء بإذن الله.. لن يحدث إلا الخير..

***

أفاق مصعب ذات صباح بعد أن لمس شيءٌ ناعم له رائحة طيبه خدَّه الأيسر، فلما نظر حوله لم يجد أحدا، لكنه وجد على صدره باقة من الزهور الندية، فابتسم وتساءل:
-   ترى ما هو تاريخ اليوم، نعم إنه الرابع والعشرين من يوليو، لكن لا توجد مناسبة لتقديم هذه الزهور، ترى ماذا يقصد هيثم بهذه الحركة اللطيفة؟..
***

كان هيثم قد أعد مائدة الإفطار، فلما نزل مصعب من غرفة نومه وجد هيثما يبتسم ويقول:
-       ماذا يا مصعب؟ أيها الفتى الماكر!!.. تتصنع النوم!!..
فقال مصعب مندهشاً:
-       أنا أتصنع النوم؟ لماذا؟
-       حتى لا أعرف متى وضعتَ الزهور على سريري..
-       ماذا؟ زهور؟ لكن ألستَ أنت من وضع الزهور على سريري؟
فرد هيثم رافعا حاجبيه:
-       أنا؟!!.. على سريرك أنت؟ ماذا تقول؟
فصعدا إلى غرفتيهما وأحضر كل منهما باقته، فوجدا أن الباقتين متشابهتين تماما فنظر كل منهما إلى الآخر، ولم يستطيعا الكلام.. كانت مفاجأة..
***

في المساء قال هيثم:
-   إنني إلى الآن أفكر في حادثة هذا الصباح، ترى من وضع باقتَي الزهور على سرير كل منا؟؟.. من الذي دخل البيت ولم نشعر به؟.. ولماذا فعل ما فعل؟!!..
فرد مصعب متثاقلا:
-       كنت أعتقد أن ما سيحدث كارثة وليس زهورا لطيفة..
-       لكن ربما كان هذا أول الغيث.
فاعتدل مصعب في جلسته وقال:
-       ماذا تقصد يا هيثم؟
-       إنني فعلا لا أدري!! لكن ربما حدث هذا الشيء نفسه لكل من سكن المنزل.
-       هل تظن ذلك؟ لم يقل أحد شيئا كهذا من أهل القرية..
-   لعلهم لا يعرفون.. نحن مثلا لم نخبر أحدا بما حدث، لأن ما حدث غير جدير باهتمام أحد من أهل القرية..
-       اسمع يا هيثم، يجب أن نسهر هذه الليلة..
-       لا .. الرأي عندي أن يسهر كل منا ليلة وينام الآخر، وفي الليلة التي تليها نتبادل الأدوار..
-       نعم الرأي..
***

مضى على حادثة الزهور أسبوعان، ولم يلاحظ الصديقان شيئا رغم المراقبة الشديدة التي بذلاها. لكنهما أقلعا في النهاية حين لم يجدا نتيجة لها..
وفي يوم من الأيام.. جاء هيثم يركض إلى حديقة المنزل حيث كان مصعب يسقي الزهور التي يحبها ويعتني بها، فقال مصعب:
-       مالك يا هيثم؟ تبدو مرتبكاً!!
-       وجدت هذه الصرّة من المال تحت وسادتي.. أنت من وضعها؟
-       كلا طبعا، لكن ما هذا المال؟
-       إنها جنيهات من الذهب البراق.
-       عجيب.. هل تعتقد أن تحت وسادتي صرة مثلها كما حدث مع الزهور؟
-       لقد بحثت تحت وسادتك ولم أجد شيئاً..
-       غريب!!.. لماذا تحدث كل هذه الأشياء؟
-       لا أعرف.. لكن ما أنا على يقين منه هو أن في هذا المنزل شخص غيري وغيرك..
***

_LoVeAnGeL_
27-03-2012, 14:09
[
COLOR="#FF0000"]الفصل الثاني[/COLOR]

المصدر (http://lavenderunder20.blogspot.com/2010/09/2.html)


]جلس مصعب وحيدا في غرفته، وأخذ يفكر في موقف هيثم واحتفاظه بصرة المال، لقد قال إنه سوف يخبئها في مكان ما حتى إذا لم يعرفا سرها أنفقها فيما يحتاجان إليه..
الشيء الذي يعجب له هو أن الصرة تحت وسادة هيثم فقط، لكن ما أدراه أن صرة أخرى لم تكن تحت وسادته هو أيضا؟ أليس هيثم هو من قال ذلك؟ لماذا يدخل إلى غرفته ويبحث تحت وسادته وليس ذلك من حقه؟ كان الواجب أن يستأذن، ليس هناك تفسير إلا أن هيثم وجد صرة أخرى واحتفظ بها لنفسه. لكن لا... إن هيثم صديقه الوفي منذ كانا طفلين، كيف يمكن أن يخونه ويستأثر بالمال دونه؟... هذا مستحيل.. فليطرد هذا الخاطر عن ذهنه...
***

سمع مصعب صوتا ذات ليلة، ففتح ضوء مصباحه وأنصت لكن الصوت قد اختفى، فظن أنه يحلم، فأطفأ المصباح وعاد إلى فراشه، لكن بعد مرور فترة قصيرة سمع الصوت ذاته، فلم يضيء المصباح، لكنه قام من فراشه وخرج من غرفته بهدوء، ثم توقف ليسمع، فعاد الصوت بعد فترة، أنه يأتي من الطابق السفلي، فنزل السلم بهدوء وحذر، كان مستعدا لأي مفاجأة، ووسط الظلام الحالك الذي تعودت عليه عيناه استطاع أن يرى شيئا أبيض اللون يتحرك، فدهش، وسار بهدوء نحو ذلك الشيء، كان كأنه ستارة، لكن ليس في البيت ستائر ابدا، فلما اقترب من ذلك الشيء لم يجده، كان قد اختفى قبل أن يمد يده نحوه..
***

في الصباح لم يخبر مصعبُ صديقَه بما حدث، لأنه أخفى عنه مكان صرة جنيهات الذهب، فقرر ألا يخبره هو بما يحدث له..

وفي الليلة التالية كان مصعب ساهرا، وقد أطفأ نور المصباح وتصنع النوم، لكنه كان متيقظا لكل حركة أو صوت أو تنفس..
سمع دقات الساعة الثانية عشرة.. الواحدة.. الثانية.. وبعد مرور وقت ليس بالقصير على الدقة الأخيرة لساعة قاعة الجلوس، سمع صوت ارتطام شيء ما، كان الارتطام قويا فيما يبدو، لكن الصوت وصل إليه خافتا، مما جعله يشعر أن مصدر الصوت بعيد عنه..
فهب من فراشه وأخذ معه عصا غليظة كان قد وضعها مسبقا تحت سريره وخرج بهدوء من الغرفة وفي جيبه مصباح يعمل بالبطارية..
نزل إلى الطابق السفلي واتجه فورا إلى قاعة الجلوس وفتح إحدى النوافذ، وفجاة سمع صوتا خلفه، فالتفت مسرعا وفتح مصباحه ودار به في المكان، لكن لم ير شيئا..
فأغلق المصباح وخرج واتجه نحو السلم ليصعد إلى غرفته من جديد، لكنه سمع الارتطام مرة أخرى، استطاع هذه المرة أن يحدد مكان الصوت.. إنه الحديقة..
خرج مسرعا إلى الحديقة وسمع الصوت مرة ثالثة، كان صادرا من الاسطبل الخاص بالخيل، لكن هذا الاسطبل مقفل دائماً وليس لديهم مفتاح له، وليس فيه أحد، كان هناك مَن يضرب على باب الاسطبل الخشبي من الداخل بقوة وبطريقة غريبة، ضربة قوية واحدة ثم فترة من الصمت ثم ضربة أخرى كسابقتها وهكذا..
حاول فتح الباب، لكنه لم يستطع، فقال صارخا:
-       هل في الاسطبل من أحد؟!..
لكن لم يتلق جواباً.. لقد ساد الهدوء...
***

استيقظ مصعب في وقت متأخر بعد أن سمع هيثما يناديه خلف الباب، فقال:
-       نعم، نعم، أنا آتٍ، لقد أفقتُ..
ثم تذكر ما حدث له في الليلة الماضية، فقام مسرعا، ونزل بعد أن غسل وجهه وصلى بخجل لتأخره، وتناول إفطاره في عجلة، فتعجب هيثم منه وقال:
-       مالك يا مصعب؟ هل أنت  خارج أم مستعجل؟...
-       لا أبداً، لكني تأخرت عن زهوري فقط،  أنت تعلم اني أسقيها مبكرا.. هذا كل شيء..
فصمت هيثم، وعرف أن صديقه يخبئ شيئا ما، إنه لم يتعود ذلك منه، ما الأمر؟ لماذا يتصرف مصعب هكذا؟
بعد الإفطار خرج مصعب إلى الحديقة، وتوجّه فورا إلى الاسطبل وحاول فتحه، ثم أنصت علّه يسمع شيئا.. لكنه توقف عن ذلك وتصنع أنه يزيل الأعشاب عن باب الاسطبل ويبحث عن شيء وقع منه حين لاحظ هيثما قريبا منه.. فقال هيثم:
-       عم تبحث يا مصعب؟ هل أساعدك؟
-       لا شيء مهم..
ثم استدار وذهب ناحية زهوره وأخذ يسقيها شارد الذهن، فلحق به هيثم وقال:
-       مالك يا مصعب؟ هل تخبئ عني شيئا؟
رد مصعب بامتعاض:
-       كلا..
فتركه هيثم وهو مندهش جدا...
***

بقي مصعب ساهرا حتى دقت الساعة الثانية..
لا شك أن هيثما قد نام الآن..
أخذ مصباحه وخرج إلى الحديقة وطرق باب الاسطبل وهو يقول:
-       هل يوجد أحد؟ مَن بالداخل؟
لكن لم يصدر أي صوت.. وحاول مصعب للمرة العاشرة فتح الباب، لكنه قوي جدا، فلما عجز عنه عاد أدراجه إلى غرفته. وحين جلس على سريره لاحظ وجود كيس صغير أحمر اللون على وسادته، ففتحه، فوجد مفتاحا جميلا من الذهب..
قفز إلى ذهنه باب الاسطبل المقفل، فنزل بسرعة وأدار المفتاح، لقد انفتح الباب، وبا لهول ما رأى...... فرس رائعة، كأنها من عالم الخيال أضاء المكان من نورها الأبيض الفتان، كانت تنظر إليه نظرةَ مَن يعرف صاحبه. مدّ نحوها يدا مرتجفة، ولمسها، كأنه يتأكد من وجودها أو أنها ليست سرابا يصوره له عقله.. فصهلت صهيلا جميلا أطرب قلبه.. فقال هامسا:
-       يا حبيبتي.. إنك تساوين ثروة!!!...
***

_LoVeAnGeL_
27-03-2012, 14:43
الفصل الثالث


المصدر (http://lavenderunder20.blogspot.com/2010/09/3.html)



كان نور الصباح قد بدأ يتسلل إلى غرفة مصعب الذي لم يستطع النوم في تلك الليلة، لقد رأى شيئا عجيبا في الاسطبل، ولا يزال في شك مما رأى، هل هو حقيقة أم خيال؟ إنه حقيقة ولا شك... لأن المال كان حقيقيا والزهور كانت أيضا حقيقية، فلا بد أن الفرس حقيقة كذلك..
ارتدى مصعب ملابسه ونزل إلى الحديقة وفتح باب الاسطبل بالمفتاح الذهبي الذي لم يغادر جيبه، وأخرج الفرس في ضوء الصباح، فزاد الصباح جمالا ونورا.. قدم لها الأعشاب والماء.. فأخذت تأكل برشاقة أدهشت مصعب وصار يقول في نفسه:
- يا الله!! يالجمال هذه الفرس!! إن لونها الأبيض ناصع كالنور، وهذه الغرة القرمزية في جبينها تجعلها أكثر بهاء وجلالا.. لكن من الذي حبسها هنا؟ ومنذ متى كانت في الاسطبل؟ وكيف جاء المفتاح إلى وسادتي؟ ومن وضعه؟ ومن وضع كيس المال لهيثم؟ ومن وضع لنا الزهور؟ وما هو ذلك الشيء الأبيض الشفاف الذي رأيته تلك الليلة التي سمعت فيها صوت الطرقات على باب الاسطبل؟ هل كل هذه الهدايا الرائعة تكون في هذا البيت ويخاف الناس من السكن فيه؟!!... الأجدر أن يُسمى بيت الهدايا لا البيت الحزين...
في هذه اللحظة سمع مصعب صديقه يناديه بصوت مرتفع:
- أنا هنا يا هيثم في الحديقة تعال وانظر إلى المفاجأة..
فجاء هيثم متذمرا، فلما رأى الفرس رجع خطوتين إلى الوراء.. وظل صامتا يحدق فيها وهي تأكل الأعشاب... ثم التفت إلى صديقه فوجده يبتسم.. فقال له:
- ما هذا يا مصعب؟
- هذه فرس وضعت لي في الاسطبل كما وضع كيس المال تحت وسادتك و..
- ماذا تقول؟
ثم أردف بغضب:
- هذا غير صحيح.. إذا كانت قد وضعت في الاسطبل فهي لكلينا وليست لك وحدك لأن الاسطبل لا يخصك وحدك..
- بل هو يخصني كما يخصك كيس المال..
- سبحان الله!!.. كيس المال كان تحت وسادتي أنا في سريري أنا في غرفتي التي تخصني.. أما الاسطبـ..
فقاطعة مصعب قائلا:
- الفرس أيضا تخصني لأن مفتاح الاسطبل الذي كان مقفلا مذ أقمنا هنا وجدته فوق وسادتي.. فماذا يعني ذلك..
- هل تريد مني أن أصدق هذا الكلام؟ ربما وجدته في مكان ما ثم ادعيت أنه على وسادتك.. كنت تبحث عن شيء أمس تحت باب الاسطبل فلعلـ..
صرخ مصعب مقاطعا:
- ولماذا أدعي؟..
فأجابه هيثم بصراخ أعلى:
- حتى تمتلك الفرس دوني..
- إنك يجب أن تصدق ما أقول كما صدقت أنا ما قلته حول كيس المال.. لماذا لم أقل إنك وجدت تحت وسادتي كيسا آخر في ذلك الصباح ثم احتفظت به لنفسك وادعيت أنك لم تجد شيئا؟..
- أنا لا أفعل ذلك..
- أعرف أنك لا تفعل.. ويجب ان تعرف أيضا أنني لا أفعل..
- لكن أين الفرس من كيس المال الحقير؟
- مهما يكن الشيء ثمينا.. إن العبرة بالمعنى.. إما أن نملك الجميع.. أو يكون لكل منا ما يخصه..
ففكر هيثم وقد هدأ قليلا:
- إذن يكون كل شيء نجده لنا معا..
- أنا موافق..
- أنا... أنا آسف لأني رفعت صوتي يا مصعب.. أرجو أن تسامحني..
فوضع مصعب يده على كتف صديقه وهو يقول:
- لا بأس.. لم تعد بيننا مشاكل الآن..
***

بعد تناول الإفطار قال هيثم:
- ما رأيك أن نشتري للفرس سرجا ولجاما بالمال الذي وجدناه؟
فقال مصعب:
- افعل ما يحلو لك يا هيثم، فالفرس الآن لنا معا..
ففرح هيثم وقال:
- هل أمتطيها إذن؟
- طبعا.. لكن هل ستمتطيها من دون سرج؟..
- سأجرب..
قال هذا وانطلق إلى الاسطبل وأخرج الفرس وحاول امتطاءها، لكنها جمحت وصارت ترفع قائمتيها الأمامتين وتصهل صهيلا مزعجا.. فجاء مصعب على أثر سماعه صوتها وهو يقول:
- ما بها يا هيثم؟
فرد هذا غاضبا:
- إنها ترفض أن أمتطيها..
- رفقا بها يا صديقي .. فالخيول لها سياسة..
ثم حاول مصعب امتطاءها فلم يصدر منها أي رفض، بل أطاعت كأنها متعودة على ذلك.. فتعجب الاثنان.. وقال هيثم:
- إنها لا ترفضك..؟.. لماذا؟...
فرد مصعب مندهشا:
- الحق أنني لا أدري.. لكن لعلها هدأت...  قم أنت بالتجربة الآن..
قال هذا ونزل من على ظهرها فاقترب منها هيثم، فجمحت أشد من المرة الأولى.. فغضب وقال:
- لاشك أنك وجدتها في الاسطبل منذ فترة ليست بالقصيرة.. ودربتها سرا حتى تعودت عليك.. لهذا ترفضني..
ثم انصرف إلى غرفته ساخطا...
حاول مصعب أن يفهم لماذا سمحت الفرس له بامتطائها ولم تسمح لصديقه، هل لأنها وضعت له فعلا؟ وسُمح له هو فقط بالاقتراب منها؟ أم لأنه من وجد المفتاح؟
ركب على ظهرها مرة أخرى، كانت هادئة ولم تتحرك، كأنما هي خادم مطيع تنتظر أوامره، لكزها بطرف حذائه برفق، فأخذت تسير بهدوء رافعة رأسها، مما جعله يُعجب بها أكثر، أحس وكأنما هو يرتفع عن الأرض.. نظر إلى أسفل فوجد أنه ارتفع كثيرا.. فارتاع من ذلك.. كانت كأنها تسير في الهواء..
***

كان هيثم ينظر إلى الحديقة من نافذة غرفته حين شاهد مصعبا يمتطي الفرس ويختال على ظهرها.. أحس بالغيرة منه قليلا.. ثم خيل إليه أنه يبالغ في مشاعره.. لا يمكن أن يكون مصعب قد درب فرسا كل هذا التدريب خفية عنه.. إن هذا محال.. كانت الفرس تمشي برشاقة وألفة مع فارسها وكأنما تعودت عليه شهورا.. قرر أن ينزل إلى صديقه ويعتذر .. أحس أن غضبه سخيف وبلا معنى.. ولكن حين رآه مصعب فوجئ به يصرخ قائلا:
- هيثم ساعدني..
- أساعدك؟ ماذا تقصد؟ تريد شيئا؟
فصرخ مصعب قائلا:
- ألا ترى أنني أطير في الهواء..
فقال هيثم ضاحكا:
- هذه دعابة سمجة يا صديقي.. أعلم أن الفرس غاية في الرشاقة لكن ليس لهذا الحد لتجد في نفسك غرورا وخيلاء يصل إلى الطيران..
لكن مصعب الذي كان شاحب الوجه استمر بالصراخ وهو مذعور وقال:
- إنني أطير .. ألا ترى؟... أوقف هذه الفرس الشيطانة بسرعة.. أنا خائف..
تعجب هيثم وأمسك بعنق الفرس، فجمحت وألقته على الأرض، لكنها توقفت أيضا، فقفز مصعب من على ظهرها بسرعة وهو يسب ويشتم..
بقيت الفرس هادئة، ثم بدأت بأكل عشب من الحديقة.. فقال هيثم:
- انظر ماذا صنعتْ فرسك الحمقاء..
فقال مصعب وهو يرتجف ويمسك بذراع هيثم:
- لا يا هيثم.. إنها ليست حمقاء.. إنها شيطانة بلا ريب.. سوف أعيدها إلى الاسطبل وأقفل عليها..
رد هيثم متعجبا:
- لماذا.. إنها لا تنفر منك ولا ترفضك..
فقال مصعب وهو يرتعش:
- قل لي.. أحقا لم ترني أطير؟
- هل أصابك الجنون؟.. كيف تطير؟!!.. إنك كنت تسير بالفرس فقط..
- لكن.. أنا متأكد أنني كنت أرى الأرض بعيدة عن قدمي.. كنت أحس أنني أطير صدقا..
***

"a.e.o"
27-03-2012, 19:07
آلسلآم عليكم ..
قصه جميله بحق ، آحدآثهآ مشوقه وقريبه للوآقعيه وآلصدق ..
آنتظرك عزيزتي آكآد آنفجر من شده آلحمآسه للبآرت آلقآدم ...
لآ تتآخري كثيرآ آرجوك ..
في حفظ آلمولى .،
:سعادة2:

_LoVeAnGeL_
27-03-2012, 23:17
شكرًا لك عزيزتي محبة كايبا :redface-new: ان شاء الله لن أتأخر

عزيزتي جميلة الصدى شكرًا لك :smile-new:

_LoVeAnGeL_
28-03-2012, 10:50
الفصل الرابع

المصدر (http://lavenderunder20.blogspot.com/2010/09/4.html)


قدم هيثم قدح القهوة مساء ذلك اليوم بعد أن تناولا العشاء وهو يقول لمصعب:
-  سوف تشعر الآن بالهدوء وتستطيع التفكير بشكل منطقي يا صديقي.. لقد أقسمت لك للمرة العاشرة أنني كنت أراقبك من النافذة، وعندما نزلت إلى الحديقة لم أرك تطير كما تزعم، لاشك أنك واهم..
رشف مصعب من قهوته وهو مغمض العينين وأخذ يفرك جبينه بأصابعه كمن أصيب بصداع وقال:
-  نعم..!!.. لا شك أنك رأيتني على الأرض يا هيثم.. لا شك في صدقك.. كما أن من المستحيل ان تراني أطير ولا تبدو عليك الدهشة ولا المفاجأة.. أو القلق والخوف على صديقك.. أعرف أن هذا مستحيل قطعا..
-      إذن هون عليك.. واعترف أنك كنت واهما..
فرد مصعب بهدوء:
-      لست واهما أيضا..
-  ماذا دهاك يا مصعب؟ إنه الخيال .. ألا تؤمن بشيء اسمه الخيال والوهم؟ حيث يتراءى لإنسان أنه فعل شيئا لم يفعله؟
-      بلى أؤمن بذلك يا صديقي.. لكن.. أؤمن أيضا بشيء اسمه السحر...
توقف  قدح القهوة في الطريق بينما كان هيثم يرفعه إلى شفتيه وهو يقول:
-      ماذا قلت؟ السحر؟ .. لم أفهم..
-      لم تفهم... لأنني أيضا لا أفهم شيئا... إن كل ما يحدث معنا هو أشبه بالسحر..
-      هلاّ شرحتَ لي بمَ تفكر يا أخي!...
وضع مصعب قدمه عى الطاولة وعقد ذراعيه على صدره وقال بوجه جاد:
-  حسنا... ألا ترى أن ما يحدث معنا ليس واضحا أبدا؟... كيف يمكن أن نجد الزهور على سريرينا دون أن يكون معنا أحد ثالث!!... والمال من أين جاء؟... هناك من وضعه لنا.. أو أن أحدنا يكذب..
سادت فترة قصيرة من الصمت.. ثم تابع مصعب حديثه قائلا:
-  ثم الفرس الرائعة التي كانت في الاسطبل.. لقد حكيت لك كيف اكتشفت وجودها.. من الذي وضعها هناك؟ ومنذ متى؟ ومن كان يطعمها إذا كانت قد بقيت ليومين او ثلاثة؟ فكما قلت لك إنني سمعت ارتطام حوافرها بالباب وكأنها كانت تريد الخروج.. لماذا لم تحاول الخروج مسبقا؟.. لماذا لم تحاول في النهار؟... سمعت ذلك الليلة الماضية.. وربما كانت هناك قبل ذلك.. ثم لماذا رأيت المفتاح على وسادتي حين عدت إلى الغرفة؟.. لقد كان ذلك الاسطبل مقفلا منذ إقامتنا.. فمع من كان المفتاح؟ وهل كان مقفلا حين أقام فيه من جاؤوا قبلنا من الناس؟... لماذا لم يظهر إلا الآن؟ .. ولماذا ظهر لي فقط؟.. بينما ظهر المال لك أنت فقط؟.. لماذا لم يحدث كما حدث مع الزهور؟ هناك شيء واحد هو اللغز نفسه.. وهو الشيء الذي لم نفهمه يا عزيزي.. هو الشيء الذي يفتح لنا كُنه هذه الحيرة التي نغوص فيها.. وربما سيحدث أغرب مما حدث في الأيام القادمة..
ازدرد هيثم ريقه وهو يقول:
-      هل تعني أن موت بعض أفراد العائلات تحت حوافر الخيل كان بسبب فرس جامحة مثلا؟..
-  لا أدري صدقا كيف تم ذلك ولا أستطيع التخمين!!.. لكن الذي أعرفه يقينا أنني رأيتني أطير عن الأرض كما أرى أنك الآن جالس أمامي..
-  الحقيقة أنه أمر محير فعلا يا مصعب!!... إذ كيف يمكن أن ترى شيئا وأرى أنا شيئا آخر؟!!...
-  إنني أتوقع أن هذا الذي حدث لي مع الفرس، هو رغبة في إيصالي إلى الجنون.. ربما حدث هذا مع عادل عزيز أو حدث معه ما يشبه ذلك.. لكن علينا يا صديقي أن نتفق منذ الآن على أن يَصدُق ويُصدّق أحدنا صاحبه.. وأن تكون الثقة بيننا قوية.. حتى لا يكون بيننا صدام.. ونستطيع معرفة سر هذا البيت الشنيع.. ومن يقف وراء هذه الأفعال السخيفة..
***

في صباح اليوم التالي.. بينما كان الصديقان يتناولان إفطارهما قال هيثم:
-      ألن تطلق الفرس لتأكل وتشرب؟ لا يجوز حبس البهائم كما تعلم...
-  تركت لها دلو ماء وبعض الأعشاب قبل أن أحبسها.. وسأفعل ذلك اليوم أيضا.. لن أتركها من غير طعام.. لكن لن أطلقها أيضا.. من يدري ماذا يحدث..
-      إذن .. فلنطعمها بعد تناول الإفطار..
ذهب الاثنان إلى الاسطبل.. وفتحه مصعب بالمفتاح الذهبي الذي كان يحتفظ به في جيبه منذ ذلك الحين ولم يفارقه.. لكنه .. لم يجد الفرس,,
ذهل الصديقان...
قال مصعب:
-  إنني أقسم أغلظ الأيمان، أن مفتاح الاسطبل لم يغب عني  لحظة، ولم يفارقني حتى في الحمام..
فقال هيثم مندهشا:
-  لا يوجد مكان لتخرج منه الفرس غير الباب.. الاسطبل صغير كما ترى وليس له باب آخر.. يبدو أن لدى (ذلك الشخص) مفتاح احتياطي..
-      ذلك الشخص؟
-      نعم.. لابد من وجود شخص غيري وغيرك في هذا البيت..
-      معك حق..
عندما عادا إلى داخل المنزل لم يكن لدى أحدهما شيء يقوله... كانت الحيرة وحدها من تتكلم..
في تلك الليلة لم ينم أحد منهما.. كان مصعب مستلقيا على سريره يحدق في السقف.. بينما هيثم كان قد فتح كتابا وأضاء مصباحه الصغير وأخذ يقرأ لعل النعاس يغلبه وينسى تلك الأفكار المخيفة التي تضرب رأسه كالمطرقة فتضيع عليه سطور الكتاب، ثم يعيد المقطع من جديد عشرات المرات..
كان الاثنان يجاولان النوم.. لكن النوم لم يجد سبيلا إلى أجفانهما..
التقطتْ أذن هيثم صوتا غريبا مثل صوت الخطوات.. فاعتقد أن مصعبا خرج من غرفته.. لكنه استغرب أنه يسمع خطواته.. ولم يسمع صوت باب غرفته التي تجاوره تماما.. فخرج ليتأكد.. لم يجد أحداُ في الممر أو الردهة في الطابق العلوي.. ثم ذهب إلى غرفة مصعب وطرق الباب... مرت لحظة ثم خرج مصعب في حذر.. وقال:
-      هيثم؟!!.. مالك؟.. هل حدث شيء؟!..
-      ألم تغادر غرفتك قبل قليل؟
-      لا .. لم أفعل أبدا..
-      لقد سمعت صوت خطوات في الممر.. كانت واضحة جدا..
عاد مصعب إلى داخل غرفته بسرعة وأخرج عصاه الغليظة من تحت السرير ومصباحه الذي يعمل بالبطارية ثم قال:
-      لنر من يكون صاحب تلك الخطوات.. يبدو أننا سنعرفه الليلة..
سارا بحذر من دون أن يضيئا أنوار الطابق العلوي.. وفتشاه جيدا.. ثم نزلا إلى الطابق السفلي.. دخلا الطبخ.. غرفة المعيشة.. الحمامات.. غرفة الطعام.. غرفة الضيوف.. لم يكن هناك أي شيء يشير إلى وجود أحد.. لا صوت.. ولا رائحة.. ولم يتحرك شيء من مكانه.. فقال مصعب:
-      لعلك سمعت شيئا آخر غير صوت الخطوات فحسبتها كذلك؟
-      لا لا.. أنا متأكد أنها خطوات..
-      لكن أليس من الغريب ان تسمع  صوت خطوات بالذات يا هيثم!!..
-      ماذا تعني؟
-      الممر مفروش بالسجاد.. كيف يمكن أن تسمع  الخطوات على السجاد..
فقال هيثم مندهشا:
-      معك حق.. لعله مشى على أرض الردهة.. لكنني لم أكن أتخيل صدقني..
-  أصدقك.. لكن الردهة بعيدة عنك لتسمع الخطوات عليها.. أظن أن صوت الخطوات مقصود لتسمعه عمدا..
-      هل تظن أن ذلك الشخص أراد استدراجي لمكان معين فعمد إلى ذلك؟
-      صه...!! أسمع صوتا قادما من المطبخ..
اندفعا بحذر نحو المطبخ.. كان الصوت يشبه صب ماء في كوب.. كان الصوت واضحا سمعه كلاهما.. لكن لم يكن في المطبخ أحد..
لاحظ هيثم وجود ضوء خافت تحت باب المستودع الصغير.. كان ذلك المستودع داخليا.. بحيث لا يمكنك دخوله إلا من خلال المطبخ.. فأشار إليه منبها مصعب دون أن يتكلم.. فتح مصعب باب المستودع بحذر.. كان الضوء لحظتئذٍ قد اختفى.. كان كل شيء في المكان لا يدل على وجود شخص ما.. وما من مكان يمكن الاختباء فيه.. خزانة مفتوحة ليس فيها الكثير من المؤونة.. وكيس قمح صغير لم يفتح بعد ملقى على الأرض.. كل شيء كان طبيعياً...
أطفأ مصعب مصباحه وقال:
-      يبدو أنه يتلاعب بنا..
-      انتظر يا مصعب.. عندما أطفأت المصباح الآن شعرت أن المكان فيه ضوء..
-      لعل عيناك تعودتا الظلام..
-      كلا.. أنا متأكد أن ضوءا خافتا في المكان يتحرك..
عاد الاثنان إلى المستودع وعيناهما تترصد مصدر الضوء المزعوم.. لكن كان حقيقة.. لاحظا أنه ينبعث من شق صغير في الأرض.. جثا مصعب ولعق سبابته وقربها من الشق  الصغير.. شعر بهواء خفيف.. فقال:
-      لعل تحت المستودع قبو!..
أحس هيثم بالمغص وهو يهمس:
-      وكيف يفتح هذا القبو يا ترى؟.. هل هذا باب في رأيك؟
لمس مصعب الأرض بيديه متحسسا مكانا يمكن أن يكون بابا أو ممرا سريا.. وفعلا أحس أن تلك الشقوق الصغيرة تجتمع وتتقاطع لتكون مربعا.. فهمس:
-      هيثم.. ناولني سكين المطبخ..
أسرع هيثم وأتى بالسكين.. ركزها مصعب في أحد الشقوق بينما كان هيثم يمسك بالمصباح.. لم يكونا  يريدان فتح أنوار  الكهرباء خوفا من هروب (ذلك الشخص) إذا أحس بهما.. وبعد فترة من المحاولة .. عرف مصعب أي الشقوق عليه أن يرفع من خلاله الباب بالسكين.. فتح ذلك الباب الصغير الذي كان يتسع لمرور شخص واحد.. سلط هيثم الضوء على الفتحة.. كانت أشبه بحفرة طويلة مربعة تتسع لقامة رجل..
من دون أدنى حذر قفز مصعب نازلا وسط الحفرة.. فقال هيثم:
-      مصعب !! انتظر..
-      لا عليك.. ناولني المصباح..
دهش مصعب حين وجد سلما يعلوه الغبار أمامه مباشرة حين أضاء المصباح المكان.. فقال هامسا:
-      هيثم انظر.. إنه قبو فعلا كما ظننت.. توجد درجات سلم هنا.. تعال معي..
نزل مصعب السلم ببطء.. ونزل هيثم وراءه قابضا في يمينه سكين المطبخ تحسبا لأي مفاجأة.. كان السلم قصيرا، في نهايته باب يظهر تحت الفرجة السفلية منه ذلك الضوء الخافت، فتح بمجرد أن دفعه مصعب بيده..
كانت غرفة صغيرة مضاءة بشمعدان قديم.. وفي الغرفة قفص كأنمما وضع لحيوان شرس.. لكن لم يكن في المكان أحد.. قال هيثم:
-  ما هذا؟ هل من المعقول وجود مكان كهذا في هذه الأيام؟!! كأنما أرى قصة من العصور الوسطى.. أيام كانت تحبس الوحوش والسحرة في الأقبية...
فرد مصعب باسما:
-  إن الأعجب يا صديقي وجود شمعدان فيه ثلاث شمعات مشعلة من دون وجود حاجة لها.. فلا إنسان واحد في المكان..



***

..فتاة الثقة..
28-03-2012, 10:59
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة جميلة ومفيدة
انتظر التكملة منك اختي حتى اقوم بطباعتها كلها
شكرا لك

_LoVeAnGeL_
28-03-2012, 11:06
فتاة الثقة
اشكرك جداً عزيزتي
الأهم ان يعجبك اختياري :acne:

Aisha-Mizuhara
28-03-2012, 12:53
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية عطرة إليكِ والى صديقتك الموهوبة لحن..!!
قرأت فصلين ولي عودة للتتمة
أرجوكِ لا تنقطعي فالاحداث تزداد سخونة :أوو:

بالتوفيق لكِ.ِ.^^

_LoVeAnGeL_
28-03-2012, 22:09
صاحبة الاسم الشاعري
جميلة الصدى
يسعدني انها اعجبتك
لانها شدتني منذ اللحظة الاولى
:friendly_wink:

_LoVeAnGeL_
28-03-2012, 22:10
الفصل الخامس


المصدر (http://lavenderunder20.blogspot.com/2010/09/5.html)




بعد مرور ثلاثة أيام على اكتشاف القبو.. لم يشعر خلالها الشابان بأي حركة غريبة تصدر منه أو من المستودع غير أن الشمعدان قد اختفى.. قال مصعب ملاحظة مفاجئة:
-      هيثم!! ألا ترى أن الأمر غريب؟
-      كل شيء غريب في هذا البيت.. لكن ما هو الأمر الذي يسترعي انتباهك تحديدا؟..
-  أعني أن القصة تعاد الآن.. قصة الفرس.. كنت أسمع صوتا.. ثم أذهب واستكشف فلا أرى سوى الاسطبل المقفل .. وحين أعود إلى سريري.. أرى المفتاح فجأة..
فقال هيثم يستحثه على الإكمال:
-      نعم!!..
-  ثم الأمر يتكرر معك.. تسمع صوت خطوات بينما الممر مفروش بالسجاد.. ثم نرى القبو مضاء بشموع تختفي كما اختفت الفرس... ثم نرى قفصا مقفلا كما كان الاسطبل مقفلا.. ويختفي الشمعدان كما اختفت الفرس وهكذا..
-      هل تعني أننا سنجد مفتاح ذلك القفص فيما بعد؟
-      بكل تأكيد..
ثم ومضت في عقله فكرة فقال:
-      هيثم!... لماذا لا يكون المفتاح الخاص بالاسطبل قادرا على فتح القفص الحديدي؟..
-      هل ستجرب؟
-      نعم.. والآن..
اندفع الاثنان نحو القبو.. وأدار مصعب المفتاح الذهبي الخاص بالاسطبل في قفل القفص الحديدي.. فإذا به يفتح فعلا..  فالتفت إلى هيثم وقال:
-      من غير شك.. إن كل شيء في هذا اللغز معد إعدادا محكما وربما منذ وقت طويل..
فقال هيثم وهما يجرجان من القبو:
-      إذن..
فأكمل مصعب:
-      إذن.. فهو شخص واحد ليس أكثر.. غريمنا شخص واحد يا صديقي..
-      ولماذا تركت القفص الحديدي مفتوحا؟..
فضحك مصعب وأجاب:
-      ربما وجدنا فيه بقرة هذه المرة..
-      لا تسخر يا مصعب.. إن هذه الأمور كلها مخيفة وليست للتسلية..
-  الا ترى أننا نعيد حوارا جرى بيننا سابقا؟ فليكن تسلية.. ما الضير في ذلك؟ إن ذلك الشخص بلا ريب يتسلى بنا..
***

كان هيثم يعد وجبة الغداء في ذلك اليوم.. بينما انهمك مصعب في البحث في الحديقة عن أي شيء غريب.. كان متأكدا أنه سمع صوت شيء يُحفر أو يُهال عليه التراب.. لكن ذلك الصوت اختفى بمجرد أن اقترب مصعب من نافذة غرفته المطلة على الحديقة..
كان يفكر مليا.. إن جميع نوافذ البيت ليس فيها ستائر.. كيف تسنى لذلك الشخص أن يعرف أنه اقترب من النافذة وسط الظلام الحالك؟.. هل يحمل منظارا.. هل كان معه جهاز للرؤية بالأشعة تحت الحمراء؟.. ثم استسخف تفكيره لأنه في الريف ولا يمكن أن يوجد جهاز مثل هذا عند شخص يقبع في بيت عمره أربعين سنة..
حين جلس مصعب على مائدة الطعام قال له هيثم:
-      عمّاذا أسفر بحثك؟
-      لا شيء..
-  لكنني متأكد أنك ستجد شيئا.. لأن ذلك الشخص لا يصدر صوتا أو حركة إلا إذا أرادنا أن نكتشف شيئا محددا.. كأنما يسير وفق خطة محكمة تماما..
-      هو ذلك.. لكنني تعبت ولم أعثر على شيء..
-      لعل الصوت لم يكن من الحديقة..
صرخ مصعب:
-      ما هذا؟؟؟؟
-      ماذا؟
-      يوجد دم على بنطالي.. من أين أتى؟!!...
اقترب هيثم من صديقه قائلا:
-      هل جُرحتَ؟
-      لا .. أبدا...
بسرعة خلع مصعب بنطاله وفحصه.. لم يكن ساقه مجروحا.. لكن على أحد ساقي البنطال كانت توجد بقعة دم كبيرة.. شمها وتأكد أنها دم فعلا..
فقال هيثم مندهشا:
-      ربما أتى من الحديقة!!.. هل اصطدمت بشيء ما؟
خرجا إلى الحديقة.. وبعد دقائق وجد هيثم بقعة دم مماثلة على شجرة الليمون الوحيدة:
-      انظر.. ربما كانت هي السبب..
وقف مصعب بجانب الشجرة.. كانت البقعة على ارتفاع مناسب ليتلطخ بنطاله بها.. فتعجب وأخذ يفحص المكان ويقول:
-      لم ألحظ هذه البقعة رغم البحث الطويل الذي بذلته منذ الصباح.. لا يمكن أنني لم ألحظها..
-      ربما كانت حديثة قبل أن تدخل البيت مرة أخرى..
-  هل تعتقد ذلك؟ كيف لم أحس بوجود أحد؟ لا يمكن أن يضع أحد هذه البقعة الكبيرة على جذع الشجرة من دون أن أنتبه له..
-      لكن هل هي من حيوان؟
-      لا يوجد أثر كما ترى لأي حيوان.. ولا أثر لدم على الحشائش.. كيف؟.. كيف؟...
كانت تساؤلاتهما تتلاحق .. لكنهما في النهاية عادا إلى قاعة الطعام واجمين حائرين.. غير أن هذا الوجوم تحول إلى رعشة وخوف عندما وجدا صحن الشوربة الخاص بهيثم ممتلئا بالدم.. بينما سكبت الشوربة التي كانت في الصحن على الطاولة..
***

بعد هذه الحادثة أصبح هيثم ومصعب حذرين في طعامهما.. كان هيثم يطبخ الطعام بينما يبقى مصعب معه في المطبخ حتى ينتهي.. ثم يأكلان معا فور انتهاء الطبخ.. ويتخلصان من بقاياه ولا يعاودان الأكل منه ثانية.. لاحتمال أن يدس ذلك الشخص لهما منوما أو سما في الطعام كما حدث مع الحساء..
واستمرا على هذه الحال أسبوعا.. ولم تحدث خلال ذلك الأسبوع أي أشياء غريبة.. لكنهما كانا متوقعين أي شيء وفي أي لحظة...
بعد فترة.. وجد هيثم بقعة من الدم على ملاءة سريره بعد أن عاد من الحمام.. ثم تكرر ذلك مرتين  كلما غادر هيثم غرفته.. اضطر مصعب إلى مراقبة غرفة هيثم حين يكون في الحمام أو المطبخ.. لكن لم تسفر تلك المراقبة عن شيء.. فبمجرد عزم مصعب على المراقبة لم تعد بقع الدم تظهر على السرير..
***

جلس مصعب وهيثم صبيحة يوم جميل من أيام سبتمبر في شرفة غرفة الضيوف المطلة على الحديقة في الطابق السفلي.. يتناولان الكعك ويشربان الشاي.. كان مصعب يقول:
-  أتعلم يا هيثم!.. هناك سؤال هام يحيرني، وكان يجب أن نسأل أنفسنا ذلك السؤال منذ البداية.. لكننا غفلنا عنه غفلة شديدة..
رد هيثم وهو يمضغ قطعة من البسكويت:
-      وما هو ذلك السؤال؟
-      لماذا يقوم غريمنا بكل ما يقوم به؟
-  هذا سؤال سهل نعرف جوابه منذ البداية.. بكل تأكيد هو يقوم بذلك كي يترك ساكنو المنزل الإقامة فيه ويرحلون عنه إلى الأبد..
-      لكن ذلك غير منطقي..
-      غير منطقي؟..
-  نعم.. إن من يريد أن يرعب ساكني المنزل عليه أن يقوم بذلك منذ أول ليلة .. لا ان يبدأ بالزهور- المال- الفرس- الشمع.. ثم الدم مؤخرا..
-      ماذا تعني؟
-      ألا ترى أنها أشياء ليست متجانسة معا؟ وباستثناء الدم فهي غير منفرة أو مرعبة؟
-  بلى.. لكن.. ربما كان غرضه المفاجأة وليس التخويف.. و.. ربما كان التسلية كما قلت أنت من قبل..
-  إذا كان غرضه التسلية فماذا بعد؟ الموت؟ الجنون؟ هذا يعني أن ذلك الشخص إنسان مريض أو مجنون ليفتعل كل تلك المآسي من أجل التسلية وحسب..
-      إنه فعلا أمر محير يا مصعب..
-  كما أنه ذكي جدا جدا ليتصرف بكل هذه الحبكة الدرامية المتقنة ويتنقل في المنزل والحديقة والقبو والاسطبل دون أن نكتشف من يكون مدة الأشهر الستة التي أقمنا فيها هنا..

ثم أردف مصعب بعد فترة من الصمت:
-  إن الشيء الذي أتعجب منه أكثر من غيره هو استعادته للفرس والشمعدان.. وإذا كان قد استعادهما فجأة كما ظهرا فجأة- والفرس بشكل خاص- فأين كان يخبئها؟ حتى القبو ليس فيه أثر لها.. أين يمكن أن يكون قد خبأها!!...
-  اسمع يا مصعب.. إننا لم نكن نعلم بوجود ذلك القبو لولا أن لفت (هو) انتباهنا إليه، من كان يتوقع ان يوجد ممر للقبو تحت المستودع؟
فلمعت عينا مصعب وقال:
-  هل تعني أننا لو بحثنا أكثر لربما وجدنا أبوابا ومنافذ أخرى سرية لم نلاحظها من قبل وهو يختبئ فيها؟...
هز هيثم رأسه بالإيجاب وهو يقول:
- بلا ريب يا صديقي.. إننا كل يوم نكتشف شيئا جديدا في هذا البيت..
- لكن شيء ما آخر يحيرني..
- وما هو؟
- عندما شاهدنا بقعة الدم في الحديقة وعلى البنطال لم نر البقعة مسبقا، كما أن دخول ذلك الشخص إلى قاعة الطعام واستبدال الدم بالحساء لهو أمر محير جدا ينطوي على الجرأة والمجازفة.. كان واثقا فيما يبدو أننا لن نلاحظه ولن نراه..
فكر هيثم ثم قال:
-  امممم!!... لقد استغل فترة انشغالنا وتشتت ذهنينا في البحث عن سبب بقعة الدم.. كما استغل فترة غيابي في الحمام..
-  إنه ذكي بالفعل.. فإن غيابك في الحمام قد استغله ثلاثة أيام متوالية لكن في أوقات مختلفه كل مرة..
-      وقد أحس فورا أنك ستراقب غرفتي..
-      إن هذا يعني.. أنه يبقى دائما قريبا منا.. يرانا.. ويسمعنا..
فمرت بجسم هيثم رعشة خفيفة فقال:
-      إنه مخيف فعلا..
فرد مصعب غاضبا:
-  ولكن كل هذه الأفعال لا يجوز أن تخيفنا أبدا.. إنها أشبه بالأفعال الصبيانية إن لم تتجاوز هذا الحد..
قال هيثم بقلق:
-      وإذا تجاوزته كما حدث مع غيرنا من الناس؟..
-      أتعلم؟ إننا مغفلان من دون شك..
-      لماذا تقول هذا الكلام؟..
-  لأننا لم نبحث في تفاصيل تلك الحوادث للناس الذي سكنوا البيت قبلنا.. لربما كانت قلوب بعضهم ضعيفة للحد الذي يجعل إنسانا يجن بمجرد حدوث شيء يشبه حادثة ركوبي على ظهر الفرس مثلا أو وجود الدم في طبقك..
فكر هيثم قليلا ثم قال:
-  معك حق.. ماذا إذا كانت تلك الحوادث أشبه بما يحصل لنا الآن؟ لكن ردود أفعال الناس وأعصابهم تختلف من فرد لآخر كما قلت تماما!!..
ثم أردف هيثم بعد لحظات:
-  ولكن كيف كان باستطاعتنا معرفة أي شيء عما حدث للناس الذي أقاموا قبلنا؟ إننا آخر الساكنين كما أننا لسنا من أهل القرية لنعاصر تلك المآسي.. ولا تنس أن أهل القرية لم يكونوا على علم بالتفاصيل.. وحين جاؤونا أول إقامتنا ونصحونا.. لم نسمع منهم شيئا ولم نرغب بمعرفة أي تفاصيل.. كنا مغترَين بنفسينا جدا.. ونظن أننا أذكى من شارلوك هولمز ولوبين وأغاثا كريستي..
تنهد مصعب وهو يقول:
-      الحق معك يا صديقي.. الحق معك..
***

عروس المحيط
29-03-2012, 12:24
حلوة

_LoVeAnGeL_
30-03-2012, 21:57
شكرًا لك عروس :love_heart:

_LoVeAnGeL_
30-03-2012, 22:00
الفصل السادس

المصدر (http://lavenderunder20.blogspot.com/2011/02/6.html)


استيقظ هيثم صباح أحد الأيام ولم يجد مصعبا.. لكنه وجد رسالة منه يخبره فيها أنه خرج للتبضع وسيكون معه على الإفطار..
عندما عاد مصعب كان يحمل بعض الخبز والجبن والفواكه.. فقال له هيثم:
-  أهذا ما اشتريت؟ لماذا لم تتركني أنا أذهب بدلا منك؟ إنك تبذر المال فيما لا نحتاج.. من قال لك إننا نريد جبنا؟ لدينا من الكثير..
-       لا بأس يا صديقي.. لا بأس..
فقال هيثم غاضبا:
-  كيف تقول لا بأس؟.. أنت تعلم أننا لم نحصل على عمل بعد.. وكل ما ننفقه هو من مدخراتنا ومن تلك الصرة التي وجدناها هنا...
-       أعرف .. أعرف..
ثم أردف  مصعب وهو يجلس إلى مائدة الإفطار:
-  إنني لم أخرج أصلا للتبضع.. كنت أريد معرفة أي خبر أو معلومات من أهل القرية عن هذا البيت المخيف.. لكنهم أمطروني بالأسئلة بدلا من ذلك.. فقلت لهم إننا حتى الآن لم نر شيئا ذا بال..
-       ربما فعل غيرنا مثلنا ولم يخبروا أحدا..
-       وهذا ما استنتجته..
فقال هيثم مستاءً:
-       هذا يعني أن خروجك كان بلا فائدة..
-       أظن ذلك فعلا..
-       على كل حال.. أنا لدي ما أخبرك به..
-       حقا؟!!.. هل حدث شيء غريب أثناء غيابي؟
-   لا لم يحدث شيء أثناء غيابك.. لكنني سمعت صوت عواء ليلة أمس وأنا غارق في النوم..
-       ولماذا لم توقظني؟!!..
-       في الحقيقة كسلت أن أقوم من السرير لأنني كنت في أشد حالات النعاس..
-       لعلك واهم أو حالم!..
-       لا.. لقد تكرر مرتين أو ثلاث قبل أن أصم أذني عنه وأتابع النوم..

***


في تلك الليلة سهر مصعب ليعرف سر الصوت، وليرَ إن كان سيسمعه ثانية.. ولدهشته.. كان الصوت واضحا قبل أن تدق الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.. وكان يسمع صوت عواء يشبه إلى حد كبير صوت ذئب.. لكن لا يعلم لماذا خُيل إلية أنه صوت إنسان يحاكي صوت الذئب.. ثم أرهف السمع أكثر.. فسمع نفس الصوت الذي سمعه منذ أسابيع مضت عندما قال لهيثم إنه خيل إليه أن شخصا ما يحفر في الحديقة أو يهيل التراب..

خرج من غرفته على أطراف أصابعه وطرق بأظافره على باب هيثم، فخرج هذا على الفور وكأنه كان واقفا خلف الباب مباشرة، وقال:
-       هل سمعت ما سمعت؟
فرد مصعب هامسا:
-       نعم.. نعم.. إنه صادر  من الحديقة هيا بنا بهدوء..
-       الن تأخذ معك المصباح؟
-       لا حاجة لذلك.. القمر بازغ هذه الليلة..
استمر صوت العواء منبعثا من الخارج، غير أنه انقطع فجأة بمجرد أن وطئت أقدام الصديقين تراب الحديقة، فقال هيثم:
-       يخيل إلي أنني رأيت شيئا أبيض اللون يتحرك بجانب شجرة الليمون..
لم تكن في الحديقة غير شجرة واحدة هي شجرة الليمون.. بينما جميع الشجيرات والزهور لا يمكن الاختباء وراءها.. فأسرع الاثنان إلى الشجرة، رأيا مجرفا ملوثا بتراب الحديقة الندي، فقال مصعب:
-       أرأيت!! هناك من يحفر تحت الشجرة كما سمعت منذ ليالٍ..
أخذ هيثم المجرف وبدأ يحفر تحت الشجرة، ولدهشته لم يجد مشقة في إيجاد صندوق خشبي صغير الحجم وعليه قفل.. تعجب الاثنان.. وهمّ هيثم بكسر الصندوق ليرى ما فيه.. غير أن مصعبا استوقفه وهو يقول:
-  على رسلك!!.. أظن أن المفتاح الذي فتح قفل الاسطبل والقفص الحديدي في القبو يمكنه فتح هذا أيضا.. هيا لندخل ولنر ما فيه على ضوء المصابيح في المنزل..
دخل الاثنان وأخرج مصعب المفتاح من جيبه وأضاء هيثم أنوار غرفة المعيشة، ومن دون مشقة فتح القفل فورا بمفتاح مصعب، وكان في الصندوق الخشبي كيس أسود من المخمل الجميل، وداخل الكيس وجد الاثنان عقدا رقيقا جدا من الماس، أخذ يبرق أمام أعينهما بجمال أخاذ.. فقال مصعب:
-       أظنه من الماس يا هيثم إن كنت أفهم في المجوهرات..
-       إنه عقد جميل.. لكنه صغير وكأنما هو لطفلة..
فأخذ مصعب يفكر قليلا ثم قال:
-  ربما كان لأحد سكان هذا المنزل القدامى!!.. لابنة عبد الله نعمان مثلا؟!!..
-  وهل تظن أن أحدا من أفراد تلك الأسرة ما يزال مختبئا في المنزل وهو الذي كان يحفر في الحديقة بحثا عنه؟..
-  ما أظنه يا صديقي أنه دفن الصندوق.. ولم يحفر ليبحث عنه.. وما صوت العواء إلا صوت إنسان يقلد صوت الذئب بلا شك، كي يجعلنا نخرج إلى الحديقة ونحفر من غير جهد لنجد الصندوق..
-       ولماذا يريدنا أن نجده؟..
-       لست أدري يا هيثم.. صدقا لست أدري..
***

قال هيثم وهو يحمل صينية الشاي إلى الشرفة في عصر اليوم التالي:
-  إلى متى ستظل تقلب هذا العقد في يديك يا مصعب؟.. هلا أرحت نفسك من التفكير قليلا وشربت قدحا من الشاي!..


تنفس مصعب بعمق وقال باسما:
-       اتعلم أنني أحببت البقاء هنا يا هيثم!..


فضحك هيثم وقال:
-  ربما لو سمعك ذلك الشخص لزمجر غيظا.. إنه يريد أن نكره المنزل لا أن نحبه..
-  أنا لا أحبه لذاته.. إنما يوجد لدينا ما يقتل الملل يا صديقي بسبب هذه الألغاز..
-       ألم تجد لنا أو لأحدنا عملا حتى الآن في القرية؟
-  لقد تعبت من هذا الموضوع يا هيثم.. الناس هنا بسطاء جدا.. وأعمالهم تقتصر على الزراعة والرعي والصيد والتجارة البسيطة جدا وتلك الحرف اليدوية التي لا يتقنها واحد منا..


قال هيثم وهو يناول القدح لمصعب:
-       معك حق.. من يحتاجنا في هذا الريف؟.. إن..


قبل أن يكمل هيثم جملته سمع الاثنان كسر طبق في المطبخ.. فأسرعا راكضين إلى هناك..


ولشد ما عجبا أن كل شيء في المطبخ كما هو.. فقال مصعب:
-       ربما كان مصدر الصوت مكان آخر..
ركضا معا إلى غرفة الطعام.. وفعلا وجدا زهرية زجاجية محطمة على الأرض.. وبجانب الزهرية المكسورة ورقة صفراء صغيرة.. لكن لم يكن في الورقة شيء..


التقطها هيثم وقلبها بين يديه وهو يقول:
-  ما معنى هذا؟!! لا يوجد شيء مكتوب على الورقة.. وليس لدينا هذا النوع من الورق كي أظن أنه وقع من أحدنا ، كما لن يكون الورق هو المتسبب في هذه الضجة.. من الذي يكسر الزهرية ليرغمنا على رؤية الورقة؟..
-  واضح أنه كسر الزهرية ووضعها بجانبها كيلا نرى الورقة فنعتقد أنها بلا أهمية فنرميها..
-       إنها طريقة فظة.. وفي رابعة النهار؟!!

وضع مصعب كفه على ذقنه وصمت مفكرا.. ثم قال فجأة:
-       هذه ورقة كتبت بحبر سري من غير شك..
فقال هيثم:
-       هل تعني أننا سنرى ما كتب عليها إذا قربنا منها شمعة؟
لم يجب مصعب، ولكنه ركض إلى المطبخ وأحضر شمعة وأشعلها، ولشدة عجبهما أن حروفا بدأت تظهر حتى تشكلت جملة: "هل تحبني؟ إذن ألبسني العقد"..


فقال هيثم:
-  إذن الورقة لها علاقة بالعقد.. ثم.. أكاد أشم رائحة عطر تنبعث من الورقة..


قرب مصعب الورقة من أنفه واستنشق ملء رئتيه ثم قال:
-       لا أشمّ شيئا..
-  لكن ما معنى كل هذا؟ هل هذا يعني أن العقد لفتاة تسأل الحب؟ إنه يبدو لي كأنما يخص طفلة..
-       ....
-  لكن ربما كانت الطفلة تلك قد خطبت منذ الصغر لفتى من العائلة.. ثم ماتت.. أو مات قبل أن يكبرا ويتزوجها.. ما رأيك في هذا التفسير..
-  الحق أنني في حيرة كبيرة.. كما أن تفسيرك يبدو ملتويا عن الواقع.. على كل حال.. احتفظ أنت بالورقة والعقد حتى نرى السر المخبوء خلفهما..
***

_LoVeAnGeL_
01-04-2012, 11:59
الفصل السابع




أحس مصعب بانزعاج أثناء نومه، فاستيقظ في الخامسة صباحا، ونهض من فراشه وأراد أن يأخذ حماما طويلا دافئا.. لكن.. بعد أن عاد إلى غرفته كانت قد بقيت عشر دقائق لتكتمل الساعة السادسة.. أخذ يجفف شعره بالمنشفة ببطء حينما وقعت عيناه على سريره فجأة.. فرأى هيثما ينام في سريره ويغطي نفسه بلحافه حتى لا يظهر منه شيء..
مط مصعب شفتيه وقال:
-  يالها من مزحة ثقيلة سمجة يا هيثم.. لم نعد صغارا على هذه الحركات الصبيانية..
لكنه لم يتلقَ جوابا.. فقال:
-  بدلا من استلقائك هنا كالصبيان قم بإعداد الإفطار والقهوة الساخنة ما دمت قد صحوت مبكرا.. وإنها لفرصة أن نتناولها في الشرفة في هذا الجو البديع اللطيف.. هيا.. هيا.. قم بسرعة..
قال هذا وهو ينزع اللحاف بعنف.. لكنه تجمد مكانه.. لم يكن النائم هو صديقه هيثم.. لقد كانت فتاة جميلة تلبس ملابس فاتنة وتغط في نوم عميق..
توقف فترة يشعر بالفزع.. فرك عينيه غير مصدق.. كان ما يراه حقيقة فعلا.. كان كل شيء حوله صامتا ساكنا.. لم يكن يسمع غير صوت تنفسها المنتظم.. و.. دقات قلبه هو..
فر من غرفته إلى الخارج.. وبقي لحظات يلتقط أنفاسه.. ثم استدار إلى غرفته لينظر.. كانت ما تزال هناك نائمة.. إنها ليست خيالا بلاريب.. تذكر في تلك اللحظة هيثما.. هب إلى غرفة صديقه بسرعة البرق.. نزع لحافه وصرخ..
-       هيثم.. أسرع تعال معي..
وجره من ذراعه بقوة وهيثم يقول متذمرا:
-  مالك؟.. ماذا حدث؟... انتظر لأغسل وجهي على الأقل.. مصعب... مالك؟!!...
لكنه توقف عن الكلام حين وصل إلى حيث كانت تنام الفتاة.. كان صوت تنفسها فقط ما يسمعان.. كانا من المفاجأة والحيرة قد توقف كلاهما عن التنفس..
***

كان الصديقان قد استبدلا ملابسهما وجلسا في غرفة المعيشة حائرين.. لم يقل مصعب غير جملة واحدة:
-       ذهبت لأستحم، ثم عدت فوجدتها نائمة في فراشي..
إنهما يعلمان أن أسرار هذا البيت ومفاجآته لا يمكن توقعها.. لكن لم يخطر ببالهما مفاجأة كهذه أبداً..
قال هيثم:
-       هل تظن أنها استيقظت الآن؟
-       لست أدري.. هل  نذهب؟
-       لا أدري... هل.. هل نوقظها؟..
فهب مصعب واقفا وهو يقول:
-  نعم.. يجب أن نوقظها ونفهم من تكون ولماذا جاءت هنا؟ لا بد أن لديها جوابا لكل سؤال في هذا البيت الغريب..
ثم أسرعا صاعدين إلى غرفة مصعب.. عندما دخلا كانت الفتاة تستلقي على ظهرها.. إذن غيّرت وضعيتها.. من الواضح أنها على وشك الاستيقاظ..
فتحت عينيها بهدوء فخفق قلباهما.. نظرتْ إليهما بهدوء وكأنها تعرفهما منذ مدة.. لكنها لم تقل شيئا..
سألها مصعب قائلا:
-       من أنت؟
فابتسمت ونزلت من السرير ببطء شديد، أنزتل إحدى قدميها على الأرض أولا، ثم أنزلت الأخرى برشاقة وهي تتثاءب بحركة أنثوية مغرية احمر لها وجها الشابين..
سألها مصعب مرة أخرى بقلق:
-       من أنت؟ ولماذا نمتِ هنا؟
عندما وقفت بدت رشيقة القد، كانت أكبر منهما سنا.. لكنها كانت فاتنة بكل معنى.. كانت تنقل عينيها بين وجهيهما ببرود شديد.. ثم قالت وهي تبتسم:
-       من أنتما؟؟! هذا منزلي..
صمت الشابان برهة.. كانا يتوقعان أي جواب إلا هذا.. أخذ كل منهما ينظر إلى الآخر محتارا.. ثم قال هيثم:
-       ماذا تعنين بأن هذا منزلك؟ ونحن لم نرك ألا اليوم؟
ولكنها لم تجب بل فتحت خزانة ملابس مصعب، ولشدة دهشته.. أخرجت من بين ملابسه ملابس نسائية فاضحة وقالت وهي تستدير إليهما بابتسامة:
-       هل تسمحان أن أغير ملابسي؟
أسرعا مرتبكين إلى الخروج وأقفلا الباب وراءهما.. ومصعب يقول:
-  متى جاءت هذه الملابس إلى خزانتي؟ عندما أخذت ملابسي هذا الصباح وهي كانت نائمة في السرير لم أر تلك الملابس أبدا..!!!!
ثم أردف قائلا:
-  لكن دعك من كل هذا !.. كيف تقول إن هذا منزلها؟ ومتى جاءت ومن أين؟ أكاد أصاب بالجنون فعلا..
عقد مصعب كفيه تحت ذقنه وصمت.. بعد لحظات.. نزلت الفتاة تلبس فستانا قصيرا من غير اكمام لا يكاد يستر إلا نصف فخذيها.. وجلست تضع ساقا على ساق أمام الشابين في غرفة المعيشة، وأخذت تبتسم وتلعب أصابعها في خصلات شعرها الكستنائي.. كانت جميلة كفاية لتثق كم هي فاتنة.. لا يسعك أن ترفع عنها عينيك، إلا لتعيدهما مرة أخرى..
قال مصعب بهدوء:
-       ألن تخبرينا الآن من أنت؟
فابتسمت له ابتسامة ساحرة وهي تقول:
-       أنا من يسأل.. لأن هذا منزلي أنا منذ أربعين سنة..
-       ماذا قلتِ؟!!..
ثم التفت إلى هيثم محتارا فقال هذا:
-  هل تعنين أنك ولدت هنا؟ كما أرى أنتِ أصغر من أربعين سنة!...  إذن لماذا لم تظهري إلا الآن؟ نحن استأجرنا هذا المنزل من وريث المالك الأصلي منذ ستة أشهر.. أين كنتِ كل هذه المدة؟
فضحكت الفتاة ضحكة هادئة مغناج ثم قالت:
-       هل تريد أن أجيب على كل هذه الأسئلة؟ أوه!! كم هذا ممل ومتعب!!...
ثم نهضت برشاقة وهي تقول:
-       ياه!!. كم أنا جائعة!!..
ثم ذهبت إلى المطبخ..
التفت مصعب إلى هيثم وهو يقول:
-       إما أننا مجانين، أو أن هذه الفتاة كاذبة بارعة في الخداع..
-  إنني متعجب فعلا.. لكنها جميلة جدا.. و.. أقصد... إنها لم تبدُ خائفة منا عندما استيقظتْ..
-  معك حق يا هيثم.. إنها لم تكن خائفة، لأنها أصلا تسللت إلى السرير خلسة حين كنت أستحم.. وتصنعتْ أنها نائمة بلاريب.. لابد أنها كانت تستمتع بدهشتنا حين رأيناها مستلقية على السرير..
ثم صمت قليلا وعاد يقول:
-  ربما كانت تخبئ ملابسها أيضا تحت السرير.. لأنني حن أخذت ملابسي من الخزانة لم أجد لملابسها أثرا آنذاك.. هذا يعني أننا حين خرجنا من غرفتي قامت هي ثم وضعت ملابسها في الخزانة وتابعت تصنّع النوم.. ما رأيك؟
قال هيثم محتارا:
-       لا أدري صدقا.. أنا اليوم لا أكاد أفهم شيئا حولي..
ثم نهض الشابان حين سمعاها تناديهما باسميهما إلى غرفة الطعام، فقال هيثم:
-       هل قلت لها أسمينا؟
-       لا .. أبداً.. لا تستبعد أنها تتنصّت علينا يا صديقي..
وعندما دخلا قاعة الطعام، استغربا أنها أعدت كل هذه الأطباق في زمن الدقائق الخمس التي كانا يتحدثان فيها.. فقال هيثم:
-       كيف أمكنك إعداد كل هذا بهذه السرعة؟!!..
فضحكت بغنج وهي تقول:
-       ألن تشاركاني؟.. أنا أحب ان أكون صديقتكما...
ثم أتبعت كلامها  بنظرة ساحرة وابتسامة جذابة..
فجلس الصديقان يأكلان الفطور بصمت.. كان لذيذا.. وكانت نظرات الفتاة إليهما شيء مثل الخيال.. أحس الاثنان بمدى جاذبية هذه الأنثى.. وجمال المائدة لأنها معهما.. ربما كانا يأكلان بأدب أكثر من أي مرة في حياتهما..
***

قال مصعب لهيثم وهو يدخل غرفته:
-       لا بأس.. اسمح لي أن أنام معك..
قال هيثم متلعثما:
-       آ.. نعم.. معك حق.. لقد احتلتْ غرفتك.
-  صحيح.. عموما.. سآخذ مكانا آخر .. سأنام معك الليلة فقط حتى أجهز لنفسي سريرا ومكانا ملائمين.. الليلة أستطيع النوم على الأرض..
-  لا لا .. سريري كبير كما ترى ويسعنا معا وثالث أيضا إذا استدعى الأمر..
ثم ضحك بمرح، فقال مصعب:
-       جيد.. إن مزاجك عال كما أرى..
-       صحيح..
-       ترى هل السر هو جمال تلك الفتاة.
-       آ..!!.. ماذا؟!!.. أه تعني سحر..
فرد مصعب وهو يستلقي بجوار صاحبه:
-  ألا ترى أن كل ما نعرفه عنها هو أن اسمها "سحر"، وأن والديها توفيا، وأن صاحب المنزل هو الوصي عليها..
-       صحيح.. معك حق..
فقال مصعب مغمض العينين:
-  إنها تقريبا في الثامنة والعشرين.. إنها ليست صغيرة ليكون عليها وصي كما تعلم.. هذه الفتاة كاذبة من دون شك..
-  إممم.. يخيل إلي أنها أصغر من الثامنة والعشرين.. وفي الحقيقة لدي شعور ما بأنها لا تكذب..
-       ماذا؟...
قال مصعب هذا وهو يلتفت إلى صديقه:
-  يبدو أن جمالها أعماك يا هيثم، أين كانت طوال هذه السنوات حتى تخرج فجأة وتجد رجلين في بيتها من دون أن تتفاجأ وتلبس ملابس فاضحة أمامهما بلا حياء؟!!..
-  لا تكن فظا يا مصعب!!... إنها ستخبرنا بكل شيء من غير شك.. إن الأمر يحتاج إلى وقت وهي خجولة كما يبدو لي
رد مصعب بلهجة ساخرة:
-       نعم هي خجولة.. سبحان الله!!..
ثم التفت إلى الجهة المقابلة وقال:
-       تصبح على خير..


***

_LoVeAnGeL_
04-04-2012, 13:10
الفصل الثامن


لم يستطع النوم أن يجد إلى عيني مصعب سبيلا، فقد أخذ يفكر بكل ما مر به ذلك اليوم، كيف وجد الفتاة نائمة، وكيف شعر وهي تبتسم ابتسامة ساحرة لهما حين كانا يتناولان معها طعام الافطار..

كان يفكر في ذلك الزمن الخرافي الذي استطاعت أن تعد فيه وجبتي الافطار والعشاء، وفي الوقت الذي استغرقه هيثم لإعداد وجبة الغداء لهم في نفس هذا اليوم..

كما أنه استرجع كل كلماتها وقصتها التي روتها لهما أكثر من مرة والتي لم يفهم منها شيئا غير أنها يتيمة وأن صاحب المنزل وصي عليها وأنها كانت في سفر ثم عادت إلى غرفتها متعبة- غرفته هو- والقت بجسدها لتغط في نوم عميق من دون أن تشعر..

كان كل كلامها غير منطقي ولا يدخل العقل البتة، لكن ما يثير عجبه أكثر من أي شيء هو تصديق هيثم لها رغم ذلك.. ترى؟.. هل هيثم أعمى وأبله لهذا الحد؟!!..

ولشد ما أثار انتباهه رد فعلها في كثير من المواقف التي كان الأولى بها أن تخاف أو تندهش أو حتى ترتبك، لكنها كانت هادئة دائما..

كانت هادئة عندما فتحت عينيها لنجد أمامها شابين ينظران إليها وهي في ملابس النوم، كما كانت هادئة عندما قال لها هيثم:
-       أهذا العقد لك؟..
فأجابت ببرود وابتسامة رقيقة:
-أوه! نعم لقد كان لي يوما..
والغريب أنه عندما أعطاها الوقة الصفراء التي كتب عليها بالحبر السري، لمعت عيناها ثم قالت:
-       لم أفهم شيئا من هذه الورقة..

كان مصعب مشتت الذهن لدرجة الصداع، وأثناء تفكيره بكل ذلك التفت إلى هيثم الذي كان يتقلب كثيرا بجواره على السرير فقال له هذا:
-       الم تنم أنت ايضا يا مصعب؟..
-       لا.. لا أستطيع أن أنام بسبب الصداع..
-       أنا أيضا لا أستطيع..
-       هل تشكو من الصداع أنت أيضا؟
-       أنا.. نعم .. قليلا..

ثم سادت فترة من الصمت، فقال مصعب وهو ينظر إلى السقف:
-       هل تلاحظ شيئا؟..
-       ماذا؟!!..
-   الليلة هادئة جدا.. حتى زجاج النافذة لا يصرصر.. لا أصوات... لا طرق على الأبواب.. لا عواء.. لا صوت للحفر في الحديقة..
فأخذ هيثم نفسا عميقا وقال باسما:
-       نعم.. قلما حظينا بليلة هادئة كالليلة..
-       لا يا صديقي.. إننا مذ أقمنا في هذا المنزل لم نـحظَ (أبدا) بليلة هادئة..
-       ربما..
-       بل بالتأكيد..

فالتفت هيثم لصديقه وهمس:
-       ماذا تعني؟..
-       أعنني أننا لن نسمع إلا الهدوء من اليوم فصاعدا..
-       ولمَ؟!!.
-       لأنه لم يعد أحد يريد أن يزعجنا أو يلفت انتباهنا..
-       هل تقصد أن سحر هي السبب؟..
-       لا.. أنا لا أقصد  شيئا.. أنا أفكر وحسب..

بدا هيثم منزعجا من تفكير صاحبه، لكنه لم يتكلم..

****

أفاق مصعب متأخرا في اليوم التالي، لا يتذكر كيف نام ومتى، كان غارقا في التفكير مشوش الذهن، لم يكن هيثم بجواره.

عندما نزل إلى غرفة الجلوس لم يجد أحداً، لكنه سمع ضحك هيثم في الشرفة السفلية التي كان الصديقان يحبان تناول شاي العصر عندها..

كان هيثم يثرثر بانبساط ومرح كبيرين، بينما سحر تستمع إليه بابتسامتها الفاتنة، واضعة أحمر شفاه فاتح جعلها تبدو رقيقة كما لو كانت في الرابعة عشرة من العمر..

عندما لمحت مصعبا ابتسمت له قائلة:
-       صباح الخير.. كيف كانت ليلتك؟
فأجابها ببرود:
-       لا بأس..
فقال هيثم:
-       هل أحضر لك شيئا لتأكل؟
-       هل تناولتما الإفطار قبلي..
-       آ.. نعم.. كانت سحر جائعة ولذا..فـ
فقاطعه مصعب :
-       أنا سأعد لنفسي شيئا لا تشغل بالك..
قال هذا وغادر..

كان لا يزال مشغول الفكر، لا يتوقف عن التفكير فيمن تكون هذه الفتاة وماذا عساها تريد.. إنها حتى لم تقل لهما أن يتركا المنزل ويستأجرا غيره بما أنه ملكها وهما شابان لا يصح أن يقيما معها تحت سقف واحد..

ترى!.. ألا تفكر فيما قد يقوله عنها أهل القرية؟ وهل يعرفونها؟ نعم.. لابد أن يسأل أهل القرية اليوم ليعرف.. سيتعذر بشراء شيء ويخرج ليسأل كل من يقابله..

خُيل إليه أنه سيعرف شيئا جديدا لو سأل الناس هنا، من يدري لعل أحدا رآها، لكن كيف؟ ألم يقل اهل القرية لهم سابقا أن هذا البيت مشؤوم وأن كل من يسكنه كان يموت أو يحدث له شيء مخيف أو مصيبة ما؟!!!

لو كانوا يعرفون عنها شيئا لمَ لمْ يخبروهما إذن؟!! لابد أنهم هم مثله يجهلون تماما من عساها تكون تلك الفتاة اللعوب الغامضة..

فيما هو يفكر فتح أحد الأدراج في المطبخ ليأخذ ملعقة، لاحظ في الدرج مظروفا صغيرا احمر اللون، فتحه فإذا فيه مفتاح صغير جدا كأنما هو لحصالة أطفال، فكر قليلا ثم وضعه مرة أخرى في المظروف وأغلق الدرج وكأنه لم يلاحظ شيئا..

لم تكن لدى مصعب خطة معينة، ولم يكن يعرف لماذا تصرف على هذا النحو، لكن في قرارة نفسه أحس أن هناك من يحاول أن يسيره إلى تصرف ما، إلى خط سير محدد، أبى بغريزته أن ينقاد إلى هذا الخط الذي رسمه شخص آخر، هذا الشخص من غير شك هو سحر..

عندما عاد إلى حيث يجلس صديقه مع الفتاة تعمد ألا ينظر إليها، كان يريد مراقبة رد فعلها، ربما تتساءل الآن إذا كان قد لاحظ الظرف الأحمر في الدرج أم لا، كما تعمد أن يقلب السكر في كوب قهوته مرارا بالملعقة لتعرف أنه فتح الدرج..

لكن كل ما لاحظه ان الفتاة كانت باسمة وتتحدث إلى هيثم بمرح..
"يا إلهي!!" قال مصعب في نفسه.. "إما أن تكون الفتاة بريئة من قصة المفتاح، أو تكون خبيثة جدا على نـحو مخيف"..

_LoVeAnGeL_
11-04-2012, 01:43
[الفصل التاسع


عندما عاد مصعب إلى البيت في ذلك اليوم استقبله هيثم بفزع شديد، كان وجهه مصفر اللون وهو يقول:
- مصعب!! أخيرا وصلت!! أين كنت؟
- مالك؟ ماذا حدث؟
- سحر أغمي عليها ولا أعرف كيف أتصرف..

جلس مصعب بهدوء وهو يقول:
- ظننت أن شيئا مهما قد حدث..
- ما الذي تقوله يا مصعب أقول لك أغمي عليها لابد أنها مريضة جدا ...  لم تستيقظ بالرغم من كل محاولاتي لإيقاظها..
- دع عنك كل هذا ستستيقظ حالما ارادت هي ذلك.. أنا متعب وذاهب لأرتاح..

دخل مصعب غرفته التي أعدها لنفسه في الطابق السفلي تاركا هيثما مندهشا للغاية..

كان مصعب متعبا بالفعل، فلم يترك إنسانا رآه في القرية إلا سأله عن البيت والفتاة والوصي عليها ومالك البيت وغير ذلك.. لكن كما توقع لم يصل إلى نتيجة..

كان كل ما عرفه، هو نفسه ما كان يعرفه من قبل، صاحب المنزل ليس له أولاد وورثته كانوا أبناء أخيه الذي هاجر البلاد مع عائلته منذ سنوات، ومحاميه هو من يؤجر البيت ليس غير..

لم يصل إلى أي معلومة تفيده حول الفتاة وعائلتها التي سكنت البيت منذ أربعين سنة كما تزعم..

لم يلاحظ انه نام من التعب، عندما أفاق سمع صوت حديث خافت، وحين استعاد وعيه كاملا لم يعد يسمع شيئا.. خرج إلى غرفة المعيشة ليجد هيثما يتناول الفطائر، فلما رآه ابتسم وقال:
- هل تشاركني؟
- غريب، كنتَ منزعجا قبل قليل..
- آه!! .. نعم .. أنا مرتاح الآن فقد استعادت سحر عافيتها بعد أن وجدنا الدواء..

فقال مصعب وهو يلتهم أحد الفطائر:
- أي دواء هذا؟..
- الدواء الذي وضعتْه في صندوق حاجياتها، فقد أضاعت المفتاح فوجدناه أخيرا..

فابتسم مصعب.. ثم قال بفتور:
- جيد..
- أين كنت اليوم؟ خرجت منذ الصباح ولم تعد حتى العصر..
- قلت لك ذهبت لشراء بعض الأغراض..
- لكنك عدت وليس معك شيء..
- لم أجد ما كنت ابحث عنه.. أخبرني.. مع من كنت تتحدث قبل قليل؟
- لم أتحدث مع أحد.. حتى سحر تركتها نائمة فوق..

صمت مصعب، لابد أن ما سمعه كان حديثا، لكنْ هيثم لا يكذب ولا يوجد سبب يجعله يخفي شيئا تافها مثل هذا عنه.. إذن.. صوت مَن كان قبل قليل!! لم يكن متوهما وقتها!!

ثم خطر بباله أن يذهب إلى القبو، لكنه أجّل فكرته تلك حتى وقت النوم..
***

بعد منتصف الليل، تأكد مصعب أن صديقه قد نام، ثم تسلل إلى غرفة سحر، كانت نائمة في سريرها هي ايضا، فنزل إلى القبو بهدوء، ولشد ما أثار دهشته ذلك النور الذي ينبعث من القبو في مثل هذا الوقت من الليل..
عندما دخل وجد كل شيء كما تركاه في تلك الليلة، القفص.. الشمعدان المضاء.. كيف يمكن أن تستمر شمعة في الاشتعال كل هذ الوقت، لقد مضى على دخولهما القبر ثلاثة أو اربعة أيام ربما..

سمع حركة خفيفه خلفه، فالتفت بسرعة، كانت سحر واقفة تبتسم ابتسامة جذابة، كم كره هذه الابتسامة!..

سألها:
- إذن هذه انت من أشعل الشمعة، أنت سبب كل هذه الحوادث الغريبة في البيت.. أليس كذلك؟
- مممم .. لا أعرف كيف يمكن لفتى ذكي مثلك أن تخدعه وسادة مغطاة في السرير.. ههههههه .. هل ظننت أنني نائمة؟

فقال مصعب مزمجرا:
- ما غرضك من كل ما تفعلين؟ ما وجه التسلية في كل هذه الحوادث لهذا البيت؟
فردت باسمة بهدوء:
- لا أعرف عم تتحدث بالضبط..
- كفاكِ تغابيا !!.. أعرف أن الفرس والشمعدان المضاء في القبو والعواء وتلك الأصوات والمفتاح والعقد والرسالة.. كل ذلك كان من فعلك أنت... فلا أحد هنا معنا سواكِ.. لماذا؟ لماذا تفعلين بنا كل هذه الأشياء ؟ ما الفائدة التي تحصلين عليها؟!!! تكلمي..
 - عليك أن تراعي ثلاثة أمور يا عزيزي مصعب.. أولا أنت هنا في بيتي أنا..

قالت هذا وهي تشير إلى نفسها بكبرياء.. ثم تابعت :
- وثانيا أنت رجل وأنا فتاة ضعيفة، وسوف يصدقني هيثم من غير شك حين أقول له إنك آذيتني وأبكي، فأنت أقوى مني جسدا لا تنس ذلك.. وثالثا أنا أكبر منك سنا ومن العيب أن تتحدث معي بهذا الشكل.

ثم ختمت كلامها بضحكة حلوة.. فقال مصعب غاضبا:
- كنت أعرف أنك لئيمة، فهمت الآن الكثير من الأمور.. المشاكل والمصائب التي كانت تحدث لمن يسكن هذا البيت كانت من صنعك.. كنت تسكنين هذا القبو فلا يعرف أحد مكانك حتى تفاجئي الجميع بأمثال الزهور والفرس والمفتاح..

عندئذ ضحكت سحر وهي تقول:
- لا شك أنك مجنون لتعتقد هذا !!.. كيف يمكن أن أكون سببا في تلك المصائب؟ انا الفتاة الضعيفة الرقيقة.. هذا غير ممكن بطبيعة الحال.. أنا أتعجب أصلا من كلامك..
- إذن لماذا أنت الآن في القبو..
- هههههه أنا أتسلى، جئت خلفك لأعرف ماذا ستفعل.. هل مجرد وجودي هنا يضايقك؟ هل مجرد وجودي يجعلني متهمة في نظرك؟ هذا حقا غريب.. أنت أذكى من ذلك يا عزيزي..

ثم قالت وهي تغادر القبو:
- على كل حال إذا رغبت في الاعتذار فسوف أسامحك..

Aisha-Mizuhara
11-04-2012, 04:24
لي عودة ان شاء الله لتعويض ما فات

_LoVeAnGeL_
12-04-2012, 09:21
جميلة الصدى
مرحباً بك في اي وقت

_LoVeAnGeL_
12-04-2012, 09:22
الفصل العاشر




كما توقع مصعب، لم تخبر سحر صديقه بما جرى بينه وبينها، كما أنه هو أيضا كتم الأمر عن هيثم، لا يعرف لماذا، لكن ربما لأنه شعر أن هيثما لن يصدقه مهما قال، لقد سحرته سحر بفتنتها وحلاوتها..

لكن في المقابل، كان مصعب عازما على أن يضع حدا لهذه المهزلة، فقال لهيثم في الصباح:
- علينا الرحيل.
- مـ ماذا؟
- ماذا؟ هل كنت تظن أننا سنبقى هنا مثلا؟ لقد وجدت مكانا نذهب إليه، يكفي أننا بقينا يومين معها تحت سقف واحد وهذا لا يرضي الدين ولا الشرع.
- صـ صحيح.. هو .. سنغادر لكن.. ألن نقول لها..

فقاطعه مصعب بامتعاض:
- هل ستأخذ الإذن منها بالرحيل؟  لقد أبدى القرويون استعدادا وكرما كبيرا عندما علموا أننا سنترك المنزل، ثم أنا عازم على ترك القرية كلها والبحث عن عمل في مكان آخر.. هذا ليس مكاننا يا صديقي..

فقال هيثم شارد الذهن:
- إذن سنغادر هذا البيت في النهاية!!..

فجاءه صوت سحر المغناج يقول:
- لا يمكنكم المغادرة هكذا..

فالتفت إليها مصعب وقال ساخرا:
- عفوا أيتها الملكة.. ربما علينا استعطاف جلالتك ..

فردت باسمة:
- هذا صحيح.. إن الإيجار الذي تدفعه للمحامي لم أتفق معكما عليه، وأنا صاحبة هذا البيت، وأنا من أحدد الثمن..

قال مصعب:
- ماذا تعنين!!..
- اعني يا عزيزي أن عليك دفع ضعف ما دفعته للمحامي كي أدعكما ترحلان بسلام.. وهذا من حقي.. أليس كذلك؟..

وختمت حديثها بابتسامة وهي تدير لهما ظهرها..
عندئذ احس مصعب بحرارة الغضب تتصاعد إلى وجهه فقال لصديقه:
- أرأيت يا هيثم؟!! أرأيت!! هذه المرأة التي قلت لي إنها لطيفة وخجولة وغير ذلك من الألفاظ التي لم يخلقها الله لأمثالها !!..
- هون عليك يا صديقي.. دعنا نتفاهم معها، دع الأمر لي أنا أتفاهم معها  لا تغضب..

ثم انطلق هيثم خلفها، وعاد بعد لحظات متغير الوجه، فسأله مصعب:
- ماذا حدث؟ هل خفضت لك السعر؟..

فرد هيثم بعينين شاردتين:
- لا.. قالت إنها ستمهلنا يومين آخرين لندفع لها المال قبل أن نغادر أو تشكونا للشرطة..
- استغفر الله العظيم,, حسنا سأتدبر أنا أمر المال سريعا اليوم بحد أقصى.. لا أريد البقاء هنا أكثر مما بقيت..
- أنت على حق.. لا يمكن أنك تريد البقاء أكثر..
- ماذا تعني يا هيثم؟..
- أبدا..
ثم ابتسم هيثم بمرارة وأكمل:
- لا شيء يا أخي وصديقي.. لا شيء مطلقا..
- كيف لا شيء؟!!! ذهبت بوجه، وعدت بوجه آخر.. مالك؟ ماذا قالت لك تلك الإبليسة !!..
- أليس من الغريب أن تصفها بهذا الوصف!!
- في الحقيقة لا أجد وصفا أفضل منه ليليق بها..

فتنهد هيثم وقال:
- على كل حال، كما قلت أنت،  نحن بحاجة للمال لنغادر..

***

_LoVeAnGeL_
19-04-2012, 12:31
الفصل ١١





- إلى أين أنت ذاهب؟
جاءه صوت سحر من خلفه، أول مرة يسمعها جادة في الحديث، فرد قائلا:

- ذاهب لأجد حلا، ألم تقولي إنك قد ضاعفت أجر البيت؟ ذاهب لأجد طريقة للدفع..
- لا يمكنك، خاصة أن صاحبك مريض الآن..
- ماذا؟.. مريض.. هيثم.. ماله؟!!

ابتسمت، فشعر مصعب بالقلق، فقد صار يكره هذه الابتسامة الخبيثة، فعاود السؤال:
- ماله هيثم؟
- اذهب لترَ..

اندفع مصعب لغرفة صديقه، لم يجده، سمعه يناديه من المطبخ، فركض إلى هناك، كان هيثم منكفئا على وجهه يسعل ويتقيأ بشكل هستيري..
أخذ مصعب ينظر إليه بعجب:
- ماذا حدث؟!! هيه.. هيثم.. ما بك هكذا فجأة!!..
فرد هيثم وهو يسعل بشدة بكلمات لا تكاد تُفهم:
- لا أعرف.. شربت... ماء فقط... فحدث لي ما حدث..

عندئذ أمسك مصعب بكتفي سحر وهزها بشدة وهو يقول صارخا:
- ماذا فعلت لهيثم أيتها الشيطانة؟ هل وضعت شيئا في الكأس..
- لا أرجوك لا تقل هذا..
ثم أخذت تبكي بدلال..

فقال هيثم:
- لا دخل لها هي .. لا أعرف ماذا ... حدث لي لقد شربت ماء من.... الوعاء الذي نشرب منه جميعا..
- اسكت أنت يا هيثم.. أنت لا تعرف...  إن هذه الشريرة هي سبب كل ما يحدث وحدث لنا.. بسرعة سآخذك إلى الطبيب..

لكنه توقف عن الكلام، كان هيثم يسعل بشكل متواصل، حتى ظن مصعب أنه سيموت، فاقتربت سحر من هيثم ومسحت شعره بيدها، فأبعد مصعب يدها عنه وهو يقول:
- لا تقتربي من صديقي أيتها المجرمة..

لكنها نظرت إليه نظرة صارمة جعلته يسكت، ووضعت في فم هيثم قرصا صغيرا أشبه بقرص الدواء وهي تقول:
- ابتلع هذا يا عزيزي..

وشيئا فشيئا بدأ سعاله يهدأ وأخذ يتنفس بصعوبة، ثم قال:
-      لا بأس يا مصعب.. أشعر أنني الآن بخير.. أريد أن أرتاح.. خذني إلى السرير إذا سمحت..

كان عقل مصعب متوقفا عن التفكير، فحمل صديقه على كتفه إلى غرفة المعيشة، ولاحظ للمحة خاطفة ابتسامة سحر من خلفه...

***




مضت عدة ساعات، كان هيثم خلالها قد استعاد وعيه بشكل كامل، فسمع سحر تقول له:
- أرى أنه من الأفضل أن تؤجلا الرحيل حتى تتحسن صحتك يا عزيزي..

فرد هيثم بصوت مبحوح:
- أجل لكن هذا سيزيد من الإيجار يا سحر، كل يوم يمر يزيد في المبلغ..

فردت ضاحكة:
- لا عليك لن أكون فظة، لن أحسب هذه الأيام التي ستقضيها مستقبلا..

فجاءها صوت مصعب الجاد:
- ما غرضك؟
- ماذا؟
- أقول ما غرضك؟ ماذا تستفيدين؟ وإلى أين تريدين الوصول؟
- يااااااه!! أنت عجيب يا مصعب.. عندما يكون هيثم معنا تتحدث معي بخشونة.. أعرف أنك لا تريد جرح مشاعره ولكن..

فقاطعها مصعب قائلا:
- ماذا؟!! ماذا تقولين؟؟ منذ متى كنت أتكلم معك برقة حتى اراعي شعور أحد ما يا هذه!!

فغمزت له بعينها وأشارت بشكل خفي إلى هيثم الذي كان يتابع تعابير وجهيهما، فاستشاط مصعب غضبا وقال:
- ما هذه الإشارات الغريبة؟!! قولي ما تريدين قوله بصراحة.. ليس عندي ما أخفيه عن هيثم، وتجاهك بشكل خاص..

فقالت باكية:
- أنت تعاملني بفظاظة يا مصعب..
ثم ركضت إلى غرفتها..

كان مصعب مصعوقا من شدة الدهشة ، بينما أخذ هيثم ينظر إليه متفحصا، فقال هذا:
- لا تنظر إلي بهذا الشكل، هذه الكاذبة تخدعني وتخدعك..
- إنها قبل قليل ساعدتني، لولاها لكنت ما أزال اتالم الآن يا مصعب..
- طبعا بكل تأكيد.. من يعرف ترياق السم إلا من صنع السم نفسه..
- ماذا تقصد؟
- أقصد أنها وضعت شيئا في الماء الذي شربته من غير شك فلما..

لكن سحر عادت وبيدها صندوق صغير وقالت:
- كفى يا مصعب كفى أرجوك.. ألست من طلب مني الاحتفاظ بهذا الصندوق..
- أيتها الكاذبة ما هذا الصندوق أصلا؟

فأجابت باكية:
- وما أدراني، لقد طلبت مني المحافظة عليه ولم أعرف ما بداخله إنه مقفل كما ترى ومفتاحه معك..

فنظر هيثم إلى صديقه بدهشة وتساءل:
- ماذا يوجد في هذا الصندوق يا مصعب؟..
- وما أدراني ماذا تخبئ الشياطين في الصناديق؟!!

فقالت سحر ببراءة متناهية:
- قال لي إنه يحتفظ بالمفتاح في المطبخ يا هيثم.

قال مصعب:
- في المطبخ، تبا لك أيتها المخادعة ألم يكن  ذلك المفتاح هو الذي أنقذك من إغمائك المزعوم؟ ألستَ من قال هذا يا هيثم ؟ تكلم!!.
- لكن ذلك المفتاح مفتاحها وجدناه في حقيبتها..
- صبرا يا هيثم صبرا دعني أفهم.. اسمع ألست تعرف أن هذه المرأة أفاقة لم تصدق في حرف واحد منذ اقتحمت حياتنا!!... هل تصدقها أم تصدق صاحبك؟

لكن هيثم لم يرد، بل أطرق برأسه إلى الأرض.. فقال مصعب:
- مالك صامت؟ ....لمَ لا ترد؟ .. هيثم..

لكن هيثم قال بعد لحظة من التردد:
- أين... أين المـ.. ــفتاح يا مصعب؟
فرد مصعب بصوت جريح:
- ماذا؟..........
- أعني.. إذا كان في المطبخ.. سأذهب للبحث عنه..

قال ذلك وذهب إلى المطبخ بينما المفاجأة تعقد لسان مصعب فلم يستطع الكلام.. ولا الحراك..
وجد هيثم الظرف الأحمر والمفتاح بداخله، وعاد ليفتح الصندوق، كان بداخله قارورة صغيرة فيها سائل شفاف يشبه الماء، عندما رأت سحر القارورة شهقت ووضعت يديها على خديها متفاجئة..

نظر هيثم إلى صديقه متسائلا، لكن مصعب لم يقل شيئا، كان يتفحص وجه هيثم بمرارة وحزن.. فقال هذا:
- هل هذا هو السائل الذي.. لكن.. لا يمكن..
فقالت سحر:
- أوه يا مصعب سامحني لم أراعِ شعورك وأبديت تعاطفا نحو هيثم قبل قليل، لقد أبعدت يدي عنه غاضبا لم أكن أقصد.. آسفة لأنك كرهته بسببي يا عزيزي..

لكن مصعب لم يلتفت إليها ولا إلى ما تقول، كان يحدق بوجه صديقه الذي بدا حائرا يوزع نظراته بين مصعب وسحر ويتنفس بصوت مسموع..

_LoVeAnGeL_
19-04-2012, 12:36
[size=5]
]

الفصل ١٢




الفصل الثاني عشر والأخير



مرت لحظات صمت.. مصعب جامد لا يتحرك.. هيثم ينظر في حيرة وقلق... سحر تبكي بهدوء..
كان هناك قلب ينبض بالقهر والغضب والإحباط.. كان قلب مصعب.. ومن دون سابق إنذار، وعلى غير توقع من الجميع، أمسك مصعب بيد سحر وجرها بعنف إلى المطبخ، أخذت سحر تصرخ:

- مصعب انتظر اترك يدي..
لحق هيثم بهما.. رأى مصعب يرمي سحر في فتحة القبو ثم ينزل خلفها.. فتبعه.. لم يسبق أن رأى صديقه غاضبا إلى هذا الحد..

رمى مصعب بسحر في القفص الحديدي في القبو وأقفل عليها بالمفتاح الذي لم يفارقه منذ حادثة الاسطبل والفرس..
كانت تصرخ بشكل هستيري:

- مصعب لا تفعل.. افتح الباب.. هيثم ساعدني افتح الباب.. هيثم..

كانت سحر تتحدث برعب حقيقي..
فقال هيثم بدهشة:
- لماذا تفعل هذا يا مصعب؟!!..
- لماذا؟ أحقا؟!!  حتى الآن لم تفهم يا هيثم لماذا؟..
- ألا تراها تصرخ خائفة افتح الباب فورا!!..
- لقد سئمت من تعاطفك معها يا هيثم.. كفى.. كفى انخداعا بهذه الصورة الكاذبة.. إنها منظر جميل من الخارج فقط.. لكنها قبيحة كل القبح في داخلها.. حتى الآن لم تفهم يا هيثم..

أجاب هيثم بغضب:
- لست  غبيا ولا متعاطفا، إنني فـ..

قاطعه مصعب صارخا:
- أنت مفتون بجمالها وحسب.. مأخوذ بسحرها وابتسامتها منذ البداية..
- سبحان الله!! من هو المفتون منا.. عندما كنت أريد التفاهم معها على مبلغ الإيجار صارحتني بما قلت لها.. ألم تطلب منها الزواج والتخلص مني؟ .. ألم تكن أنت المفتون والمسحور يا مصعب؟!!..
- أرأيت؟!! ها هي ذي خدعتك مرة أخرى ووضعت في ذهنك عكس الحقيقة..
- الحقيقة أنك صرت تبغضني منذ رأيتها..
- هيثم ألا تفكر؟.. أنسيت  كيس المال والفرس الذيَن تشاجرنا بسببهما؟ لقد كانت هي السبب.. كانت تريد أن نتعارك.. ألا تذكر؟

لكنْ هيثم لم يكن يستمع، مد يده بغضب وقال:
- هات.. هات المفتاح سأخرجها أنا.. مصعب هات المفتاح..

هز مصعب رأسه نفيا وهو يقول:
- لن أفعل، لن أدعك تخرج هذا الشيطان من مكانه الذي يجب أن يكون فيه، ما أدراك أن هذا القفص وضع لهذه الشيطانة في الأصل.. انظر.. انظر إليها كيف ترتعش من الخوف.. لماذا تفعل ذلك الآن بينما كل ما كانت تبذله من مجهود ابتسامة قذرة متشفية..
- مصعب هات المفتاح لن أتركها خائفة.. هات..

وانقض هيثم على صديقه يريد انتزاع المفتاح، بينما كانت سحر تقول:
- بسرعة يا  هيثم أخرجني.. خذ منه المفتاح أرجوك..

قال مصعب وهو يلهث:
- أسمعت.. كل اهتمامها في الخروج حتى لو قتل أحدنا الآخر.. هيثم اسمعني.. من كان سبب الكوارث التي حدثت في هذا البيت؟ الطمع؟.. الحقد؟.. الكراهية؟.. إن هذه الفتاة وراء كل شيء منذ البداية.. لا تـ...

لكن أسكتته لكمة قوية من هيثم الذي انتزع المفتاح  أخيرا:
- لم أكن أريد ضربك..

قال هيثم ذلك وهو يلهث، بينما تمدد مصعب على الأرض ولم يتكلم، كان متفاجئا..
- لم أكن أظن أنني سأضربك يوما.. لماذا جعلتني أفعل هذا؟..

نهض مصعب على قدميه ينظر إلى صديقه بوجه يسيل من فكه الدم بهدوء..

- لماذا يا مصعب؟..  ليس من الضروري أن تشرح لي.. ليس من المهم أن أعرف..

جاء صوت سحر من جديد..
- هيثم أخرجني بسرعة.. لا تدعه يسترجع المفتاح منك.. أرجوك.. هيثم..

لكن هيثم لم يستمع، أخذ يتكلم بصوت مبحوح..
- عندما تقول هي السبب.. عندما تريدني أن أدرك الحقيقة.. حين تتهمني بأنني مأخوذ .. مسحور.. متعاطف.. أ هذا كل ما يمكنك أن تقول؟!! ألم يحوي قاموس كلماتك الرائعة غير هذه التفاهات..

كان هيثم يصرخ.. بينما مصعب يحدق فيه بدهشة.. لأن دموع هيثم لم تتوقف... إنها المرة الأولى التي يراه فيها يبكي..

تابع هيثم:
- تمنيت لو أنك من ضربني وليس العكس.. تمنيت لو قلت لي أعرف أنك لن تصدقها يا هيثم، تمنيت لو كنت واثقا بي.. بتفكيري.. لكنك لم تر غير جاذبيتها.. رأيتني مشدودا إليها.. فقط؟.. أهذا كل ما رأيت؟.. تريدني أن أعترف أنها جميلة؟ سأفعل.. تريدني ان أعترف أنني غرت منك حين ادعت انك معجب بها؟.. سأفعل.. تريدني أن أعترف بأنني رغبت بامتلاك الفرس.. المال.. الزوجة.. البيت كله.. الدنيا كلها؟.. سأفعل.. لكن.. لا تشك بأنني أصدقك..

- هيثم أنا..
- اصمت.. إذا كنت ستتابع اتهاماتك لي فلتصمت..

مرت فترة صمت لا يقطعها غير توسلات سحر وبكائها..
بعد لحظات.. سُمع صوت المفتاح ساقطا على الأرض..


***

بعد عدة أيام، انتشرت في القرية شائعات جديدة عن البيت الأسود الحزين.. فقد أخذ الناس يسمعون صوت امرأة تبكي بعد منتصف الليل..
عندما رحل مصعب وهيثم، لم يسكن البيت أحد من ذلك الحين.

_LoVeAnGeL_
25-04-2012, 13:02
ولا رد واحد بعد اكتمال القصة ؟

فَراغ
25-04-2012, 14:46
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ^^
كيف الحال ؟^^
أرجوا أن تكونِ بخير :لقافة:
المهم نأتي للرواية ^^
لقد أعجبتني وجعلتني أتعمق فيها وأنذمج للغاية في كل كلمة وحرف ^^
هنيئاً لكِ على هذه الرواية الرائعة ^^
لكن النهاية لم تعجبني بتاتاً :نوم:
لم أضن أن صداقة أعوام ستفسدها إنسانة كسحر :غياب:

شكراً لكِ مجدداً على هذا الطرح ^^
وأنتظر منكِ المزيد ^^

funny_star_1995
14-05-2012, 13:51
ياالله ماهذا الابداع
ولكنى حزنت على صداقة الاثنين
لكن كنت اريد معرفة سر المنزل

شكرا لكى وفى انتظار المزيد منكى

_LoVeAnGeL_
14-04-2013, 10:03
مشكورين يا اصدقائي

لكن الصداقة ما انتهت
لان هيثم رمى المفتاح وترك سحر في السجن
ورحل مع صديقه :redface-new:

×hirOki×
16-04-2013, 16:36
القصصصة اعجججبتنيييي كثييييييييرررا وانسجججمت معهآآآ كذلك والنهآآية مميزة بحق فعلآ إنها كآتبة رآآآئعة...ولدي سؤال هل انت من كتبتها ام صديقتك ؟؟ أود ان اخبرك أن القصة راائعة بحق وأحببتها كثيرا

عروس المحيط
22-09-2013, 12:52
اوه نسيت هذي القصة وجيت اكملها

شكرا لك لوف انجل
نريد المزيد
القصة روعة
تحياتتتتتتتتتتتي :e106:

_LoVeAnGeL_
27-07-2015, 19:31
أود الاعتذار انني نقلت الفصل الاخير قبل تعديل الكاتبة
اسفة لهذا الخلل بسبب استعجالي

الفصل الاخير كما هو كالتالي:



الفصل الثاني عشر والأخير



مرت لحظات صمت.. مصعب جامد لا يتحرك.. هيثم ينظر في حيرة وقلق... سحر تبكي بهدوء..
كان هناك قلب ينبض بالقهر والغضب والإحباط.. كان قلب مصعب.. ومن دون سابق إنذار، وعلى غير توقع من الجميع، أمسك مصعب بيد سحر وجرها بعنف إلى المطبخ، أخذت سحر تصرخ:

- مصعب انتظر اترك يدي..
لحق هيثم بهما.. رأى مصعب يرمي سحر في فتحة القبو ثم ينزل خلفها.. فتبعه.. لم يسبق أن رأى صديقه غاضبا إلى هذا الحد..

رمى مصعب بسحر في القفص الحديدي في القبو وأقفل عليها بالمفتاح الذي لم يفارقه منذ حادثة الاسطبل والفرس..
كانت تصرخ بشكل هستيري:

- مصعب لا تفعل.. افتح الباب.. هيثم ساعدني افتح الباب.. هيثم..

كانت سحر تتحدث برعب حقيقي..
فقال هيثم بدهشة:
- لماذا تفعل هذا يا مصعب؟!!..
- لماذا؟ أحقا؟!! حتى الآن لم تفهم يا هيثم لماذا؟..
- ألا تراها تصرخ خائفة افتح الباب فورا!!..
- لقد سئمت من تعاطفك معها يا هيثم.. كفى.. كفى انخداعا بهذه الصورة الكاذبة.. إنها منظر جميل من الخارج فقط.. لكنها قبيحة كل القبح في داخلها.. حتى الآن لم تفهم يا هيثم..

أجاب هيثم بغضب:
- لست غبيا ولا متعاطفا، إنني فـ..

قاطعه مصعب صارخا:
- أنت مفتون بجمالها وحسب.. مأخوذ بسحرها وابتسامتها منذ البداية..
- سبحان الله!! من هو المفتون منا.. عندما كنت أريد التفاهم معها على مبلغ الإيجار صارحتني بما قلت لها.. ألم تطلب منها الزواج والتخلص مني؟ .. ألم تكن أنت المفتون والمسحور يا مصعب؟!!..
- أرأيت؟!! ها هي ذي خدعتك مرة أخرى ووضعت في ذهنك عكس الحقيقة..
- الحقيقة أنك صرت تبغضني منذ رأيتها..
- هيثم ألا تفكر؟.. أنسيت كيس المال والفرس الذيَن تشاجرنا بسببهما؟ لقد كانت هي السبب.. كانت تريد أن نتعارك.. ألا تذكر؟

لكنْ هيثم لم يكن يستمع، مد يده بغضب وقال:
- هات.. هات المفتاح سأخرجها أنا.. مصعب هات المفتاح..

هز مصعب رأسه نفيا وهو يقول:
- لن أفعل، لن أدعك تخرج هذا الشيطان من مكانه الذي يجب أن يكون فيه، ما أدراك أن هذا القفص وضع لهذه الشيطانة في الأصل.. انظر.. انظر إليها كيف ترتعش من الخوف.. لماذا تفعل ذلك الآن بينما كل ما كانت تبذله من مجهود ابتسامة قذرة متشفية..
- مصعب هات المفتاح لن أتركها خائفة.. هات..

وانقض هيثم على صديقه يريد انتزاع المفتاح، بينما كانت سحر تقول:
- بسرعة يا هيثم أخرجني.. خذ منه المفتاح أرجوك..

قال مصعب وهو يلهث:
- أسمعت.. كل اهتمامها في الخروج حتى لو قتل أحدنا الآخر.. هيثم اسمعني.. من كان سبب الكوارث التي حدثت في هذا البيت؟ الطمع؟.. الحقد؟.. الكراهية؟.. إن هذه الفتاة وراء كل شيء منذ البداية.. لا تـ...

لكن أسكتته لكمة قوية من هيثم الذي انتزع المفتاح أخيرا:
- لم أكن أريد ضربك..

قال هيثم ذلك وهو يلهث، بينما تمدد مصعب على الأرض ولم يتكلم، كان متفاجئا..
- لم أكن أظن أنني سأضربك يوما.. لماذا جعلتني أفعل هذا؟..

نهض مصعب على قدميه ينظر إلى صديقه بوجه يسيل من فكه الدم بهدوء..

- لماذا يا مصعب؟.. ليس من الضروري أن تشرح لي.. ليس من المهم أن أعرف..

جاء صوت سحر من جديد..
- هيثم أخرجني بسرعة.. لا تدعه يسترجع المفتاح منك.. أرجوك.. هيثم..

لكن هيثم لم يستمع، أخذ يتكلم بصوت مبحوح..
- عندما تقول هي السبب.. عندما تريدني أن أدرك الحقيقة.. حين تتهمني بأنني مأخوذ .. مسحور.. متعاطف.. أ هذا كل ما يمكنك أن تقول؟!! ألم يحوي قاموس كلماتك الرائعة غير هذه التفاهات..

كان هيثم يصرخ.. بينما مصعب يحدق فيه بدهشة.. لأن دموع هيثم لم تتوقف... إنها المرة الأولى التي يراه فيها يبكي..

تابع هيثم:
- تمنيت لو أنك من ضربني وليس العكس.. تمنيت لو قلت لي أعرف أنك لن تصدقها يا هيثم، تمنيت لو كنت واثقا بي.. بتفكيري.. لكنك لم تر غير جاذبيتها.. رأيتني مشدودا إليها.. فقط؟.. أهذا كل ما رأيت؟.. تريدني أن أعترف أنها جميلة؟ سأفعل.. تريدني ان أعترف أنني غرت منك حين ادعت انك معجب بها؟.. سأفعل.. تريدني أن أعترف بأنني رغبت بامتلاك الفرس.. المال.. الزوجة.. البيت كله.. الدنيا كلها؟.. سأفعل.. لكن.. لا تشك بأنني أصدقك..

- هيثم أنا..
- اصمت.. إذا كنت ستتابع اتهاماتك لي فلتصمت..

مرت فترة صمت لا يقطعها غير توسلات سحر وبكائها.. بعد لحظات.. سُمع صوت المفتاح ساقطا على الأرض.. .
سقط المفتاح من يد هيثم المرتعشة.. وتوقف ذهنه عن التفكير كما توقف جسده الا من الرعشة المستمرة.. عندما عاد الى وعيه .. كان مصعب قد خرج من القبو..
بينما لم تكف سحر عن التوسل لهيثم..تارة بغضب.. وتارة بخوف مجنون..
لم يلتقط هيثم المفتاح.. لقد ادار ظهره للقفص وخرج بخطوات بطيئة يائسة...
ثم ازدادت خطواته سرعة.. ثم أسرع.. وأسرع... كانت أعظم أمنية يريدها ان تتحقق الآن ، أن يجد مصعبا ينتظره في الخارج بوجهه الباسم.. بقلبه المحب.. وصداقتهما الغالية..
.

. ***


***

بعد عدة أيام، انتشرت في القرية شائعات جديدة عن البيت الأسود الحزين.. فقد أخذ الناس يسمعون صوت امرأة تبكي بعد منتصف الليل..
عندما رحل مصعب وهيثم، لم يسكن البيت أحد من ذلك الحين.

_LoVeAnGeL_
27-07-2015, 19:35
القصصصة اعجججبتنيييي كثييييييييرررا وانسجججمت معهآآآ كذلك والنهآآية مميزة بحق فعلآ إنها كآتبة رآآآئعة...ولدي سؤال هل انت من كتبتها ام صديقتك ؟؟ أود ان اخبرك أن القصة راائعة بحق وأحببتها كثيرا

شكرا لك عزيزتي واسفة لردي المتأخر
نعم هي صديقتي واسعدي انها اعجبتك
واكيد هي ستسعد انها اعجبتك :e418:

_LoVeAnGeL_
27-07-2015, 19:36
اوه نسيت هذي القصة وجيت اكملها

شكرا لك لوف انجل
نريد المزيد
القصة روعة
تحياتتتتتتتتتتتي :e106:

انت الروعة يا عسل :e106:

HIUKA13
21-01-2016, 02:19
مخيغة ممتازة فقط لو كانت النهاية واضحة اكثر كان يسقط المفتاح فيتهاوى هيثم على مصعب وهو يقول:لاتشك بي ثانية لا تفعل لا تفعل
غير ذلك رائعة تعلمت منها و رايت فيها واحدا من اروع تجسيد لوجوب حسن الظن بالصديق والثقة به شكرا شكرا شكرا شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااا يارب يوفقك