PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : حَملتك دموع الشوقِ يا جدي



Pirates Queen
12-09-2011, 03:11
أحييكم بتحية الإسلام وأرحب بكم بقصتي المتواضعة
لست مؤلفة صاعدة بل هاوية عاشقة لهذا المجال المتألق ..
لا تتوقعوا مني الكثير ، فهذا القلم له مشوار ومغامرات طويلة ليصبح أجمل !
لكن كل ما أتمناه و أوده هو متعة سيادتكم
فتفضلوا من ما أقدم ...



*
*
*



رجفة تخللت مفاصل ركبتيْ ، وجفاف تملك شفتي اللتين تحولتا إلى اللون الأزرق ، عقلي كان يقول لي " كابوس ، كابوس ، هذا ليس سوى كابوسٌ مرير ، أريد أن أفيق ، أريد أن أفيق من هذا الكابوس حالاً " ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، لم يكن حلم أو كابوس ، كانت حقيقةً مُرة ، مؤلمة ثقيلة على القلب و لا تتحملها الروح ..

أمسكت خالتي يديي وهي تكتم صرخة جارحة تخفف من ضخامتها دموعها التي لم تكن تنوي التوقف : لا، لا تذهبي هناك !!
كانت تشير إلى الدور العلوي وتنتفض بين ذراعي كما لو أن ريحاً عاصفة أرادت اختطافها ، ضعت بين رغبتي في الصعود إلى هناك و حاجتي للبقاء هنا ..

لمحت ظل صبي في الأعلى ، لم أكن أعلم من هو إلا أنني صرخت : عبدالله !!!!
سمعني فاقتطف نظرة يائسة للأسفل ، تلك النظرة اقتلعت كل أملٍ تبقى في قلبي حول مخاوفي من شيءٍ أعلم نهايته ، فقلت له بصوت مبحوح يكاد يكون متقطعاً ، خائفاً : أين جدي ! أخبرني !
أزاح نظره عني وأنزل رأسه نحو الأرض ، من المضحك أن تلك الإيماءات البسيطة كفيلةٌ بأن تعطي جملة كاملة مفيدة
صرخت بقوة : أجبــ !!
لكنني قطعت جملتي وأنا أدفع بقدميي المتخشبة إلى درجات السلم ، إلى حيث كان .
توقفت ..
نظرت إليه ...
أحسست أن الوقت توقف ، الكرة الأرضية تجمدت في محلها ! ، الجاذبية اختفت فجسدي غير قادرٍ على البقاء على الأرض ، كان مستلقي في الممر المؤدي إلى غرفته ، مغطى بوشاحٍ أبيض ، خالي يمسك بيده ويقرأ على روحه الطيبة ، كل شكوكي تبخرت ، جدي مات !

جدي الذي كان يجلس بجانبي ويقول لي " فوازيره " ليذهب عني الملل قد رحل ...
جدي الذي كان يُحضِر لي ألذ وأشهى طبق من " الهريس " قد رحل ..
جدي الذي كان يغني لي " هيونه تنام ، نومة الغزلان في البرية " عندما أكون مريضة ليخفف عني ولو قليل من هذا الألم ، قد رحل ..
جدي الذي كان يغضب عندما أتشاجر مع أخي الصغير فيقول له بتذمر " ما تعلمنا الولد يطق البنت ، عيب !! " ، قد رحل ..
جدي الذي كان يفضل أن يأكل غداءه في الثانية عشر ظهراً ويقول باغتضاب " زمان أول كنا ناكل بماعون واحد ، مو الحين كل واحد ياكل على مشتهاه " ، قد رحل ..

ذرفت دموع الألم ، الشوق ، السخرية على نفسي ، لقد مر وقتٌ طويل وأنا لم آتي لزيارته ، من المضحك عندما يموت من نحب نتذكر آخر لقاء لنا بهم ، فلم أره منذ شهر وربما أكثر.

كان يوماً صيفياً حاراً وكنت للتو قد تحررت من مخالب الجامعة لأرحب بعطلة الربيع الجميلة ، دخلت إلى غرفته وأنا أتأمل أركانها بدقة ، هل أصبحت صغيرة ؟ ، أما أنا التي كبرت ..
أما هو فكان يجلس على كرسيه الخشبي ، يمسك الصحيفة بين يديه ويرتدي نظارته الطبية المبالغ في عدساتها ، يداه ترتجف بشدة ، لم يكن هكذا سابقاً ، مما أدخل قليلاً من الألم في قلبي ..
قلت بمرح وأنا أنحني لأقبل رأسه : كيف حالك جدي .؟
ابتهج وجهه واتسع فمه بابتسامة جميلة أريد أن أراها اليوم والآن من كل قلبي وقال بصوت مرتجف : هيونة !!!
انحنى قليلاً نحو الدرج الذي يقربه ليخرج محفظته الجلدية الصغيرة ، وبادرتني فكرة "تلك المحفظة نفسها " ، أخرج منها عشرة دنانير وقدمها لي بسعادة ..
كان يفعل هذا دائما ..
ابتسمت بمرح وخجل وأنا أقول له : شكراً
وضع محفظته في مكانها ، ثم أخرج عُلبة حلوى صغيرةٌ جداً كانت من النوع الذي يفضل وقال لي وهو يقدم لي أحدها : " وهيونة تحب الليمونه "
فعلاً كنت أحب نكهة الليمون وهو لم ينسى ذلك أبداً ، التقطتها منه شاكرة ممتنة ، ثم قبلت رأسه للمرة الأخيرة وأنا أخرج مستعجلة ويا ليتني لم أفعل ..

كل جزءٍ في جسدي مشتاقٌ لك يا جدي ، روحي تتمنى عناقك ، وكلي يتمنى أن يسمع صوتك مرة أخيرة ، فيك أشتم رائحة الماضي وأحن إليه رغم أني لست من أبنائه ..

كُنتَ تجلس على كرسيك المفضل في الحديقة لأنك تحب الهواء الطلق ، تمسك بجهاز الراديو وتضعه على أذنك مباشرة وتبتسم بسعادة وكأنك تشاهد مسرحيةً من أربعة فصول ، وكنت تقف على عتبة السلم وتضرب بعصاك سوره من الطابق العلوي ، بينما كنا نلعب في الأسفل، وتقول لنا بتذمر : " بدون ازعاج ، بنام " !
لم تستطع الاستغناء عن غفوتك الصغيرة في وقت الظهيرة .
ولن أنسى اليوم الذي قررت أنا و ابنة خالتي أن نلعب لعبة الزراعة ، وانتهى الأمر بكارثة كبيرة حلت في حديقتك العزيزة ، فقررت أن تلحق بنا في أرجائها حالفاً أن تضربنا بعصاك ، لأن في أيامك كان المشاغبين يُضربون بالعصا ..

لم تكن درساً ، لم تكن كتاباً ، كنت جَداً علمني أصول الماضي وحلاوة العادات والتقاليد ، تخبرنا أن الكويت في الماضي كانت جنة رغم صعوبة العيش و قفر الأرض ، تحكي لنا عن تلك البطولات التي خاضها الغواصين في البحث عن اللؤلؤ وكنا نتخيل سفينتهم ، سفينة قراصنة محملة بأشجع فرسان البحر وننصت لك بتمعن ..
وتخبرنا عن بيوتها الطينية ومنازلها الصغيرة ونحن ننظر في وجوه بعضنا البعض لنتبادل التعجب والاستنكار ..

علماً ثميناً ، وقلباً عزيزاً طيباً كفاية لتذهب لشراء المثلجات التي نحبها وتفاجئونا بها وعلى وجهك السمح تلك الابتسامة السحرية وكأنها صُنعت لتكون معدية فنبتسم بتلقائية ..
حملتك دموع الشوق يا جدي ...

t o s h i r u_
10-10-2011, 12:47
الفكرة جميلة وأيضاً البساطة في اسلوبك ..
أعجبتني القصّة رغم غلاف الحزن ..
أتمنى أن تواصلي الكتابة ..