C.F SWAT
30-04-2011, 17:29
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1474605&d=1309435671
http://www.lancing-postcards.bn15.net/images/cottage1.jpg
- مبارك لك سيد جون برادفورد هذا المنزل, اختيار موفق!
تعلمت من تجاربي السابقة في شراء المنازل أن لا أثق بكلام سمسار قط, فهم كالمحامين, لا يهمهم سوى ملأ جيوبهم بنقود المغفلين, وبكل وقاحة يتجرأ هذا السمسار على الكذب أمامي ظنا منه أني أحد هؤلاء الحمقى.
- دعني آخذ في جولة لأعرفك على أرجاء المنزل.
أومأت برأسي ومشيت خلف السمين الأصلع, بصراحة لم يكن المنزل بالسوء الذي توقعته, أتسائل لم باعه أصحابه بهذا المبلغ الزهيد؟ قيل لي أن عمره يقارب المئتي عام وتناقلته الأسر الغنية الواحدة تلو الأخرى, منزل من الخشب والأحجار كغيره, ذو طابقين وسرداب, المطبخ به ضخم بحق, لكن لا أعتقد بأني سأستفيد منه, إذ أن حياتي الرمادية تفتقد لمسة أنثوية منذ طلاقي من زوجتي الرابعة, حينها تأكدت أنه عندما يتعلق الموضوع بالنساء فأنا لا أفهم شيئا إطلاقا.
- أول ما تصادفه عند دخولك المنزل يا سيد برادفورد هي غرفة المعيشة كما ترى.
منظر المنزل الجميل والكلاسيكي من الخارج لم يختلف عنه من الداخل, فالجدران الخشبية إذا دمجت مع لوحاتي الفنية وكتبي النادرة فإنها ستصنع رونقا أنيقا يليق برجل مثلي, لكن على الرغم من إعجابي إلا أن الصرير الصادر عن الأرضية الخشبية أزعجني وبشدة, يبدو أن علي أن أقوم ببعض الإصلاحات, يا ترى أين تركت رقم ذلك النجار العجوز؟
تقدم السمين تجاه المطبخ, بالطبع! ومن سيذهب إلى المطبخ غير ذو البطن الضخم هذا؟
- هذا هو المطبخ يا سيد برادفورد, كما ترى فهو واسع وضخم كما أخبرتك, لكنه يحتاج إلى بعض الترميمات, يمكنك التكفل بها؟ أم تفضل أن أطلب من نجاري الخاص أن يرممه لك وبسعر رمزي كذلك؟
بالتأكيد هذا هو المطبخ أيها الأحمق! ومن قال إنه الحمام مثلا؟ ويريد مني أن أثق بنجار يعمل لسمسار, وكأني بالغباء الذي يتصوره! رددت عليه بهدوء.
- لا, لا بأس سأتكفل بالترميمات بنفسي لا داعي لذلك.
بدت معالم الخيبة جلية على محياه, وكأنه فعلا اعتقد بأني سأسقط في مصيدته الغبية, لن أدفع سنتا آخر لهذا المتحاذق حتى لو توقفت حياتي على ذلك!
خرج السمين من المطبخ ولحقت به بسرعة, صعد الدرجات بحماس, بصراحة ابتسامته الغبية بدأت تثير أعصابي, كم أتمنى أن يرحل قبل أن أقوم بفعل شيء يندم عليه كلانا.
- من هنا يا سيد برادفورد تجد ممر غرف النوم, كما شرحت لك من قبل: يوجد خمس غرف, ثلاثة على اليمين واثنتان على اليسار,
قاطعته ببرود:
- وماذا عن الغرفة السادسة تلك؟
ما إن أشرت إلى الغرفة الأخيرة من جهة اليسار حتى بدا التوتر واضحا على وجهه, هل يخفي سرا خلف هذا الباب يا ترى؟
- سيد برادفورد هذه الغرفة كانت مقفلة منذ زمن طويل, لا أعتقد بأن بها أمرا مهما, لا تشغل بالك بها.
أثارت كلماته حول هذه الغرفة فضولي, هل بها سر ما يا ترى؟ هل قتل أحد بها؟ أم هل يخبأ بها هذا السمين أكواما من الممنوعات؟
أنهى السمسار جولته حول المنزل بسرعة أثارت استغرابي, وكأنه أراد أن يخرج من المنزل بأسرع وقت رغم أنه أخذ وقته بالشرح قبل أن أشير إلى ذلك الباب المقفل.
خرجنا من المنزل أخيرا, وقف الأصلع السمين أمامي يفرك يديه ببعضهما, وكأن سمينا مثله لا يمتلك من الشحم ما يكفي للتدفئة, ابتسامته السخيفة عادت لتضفي المزيد من القبح على وجهه, لكني عرفت أسئلته قبل أن يسئلها: هل أعجبني المنزل؟ وهل أريد شراءه؟ أم أحتاج وقتا للتفكير؟
بصراحة لا أعتقد بأني بحاجة لوقت للتفكير, فالنزل الذي أقيم فيه تجاوز حدود القذارة بشكل لا يحتمل, كما أن سعر هذا المنزل يفرض علي شراءه, فعشرين آلف دولار سعر لا يعرض عنه سوى المجانين, كما أني أحضرت كل أغراضي معي في السيارة وهذا يعني شيئا واحدا, سأبات الليلة في منزلي الجديد.
- بصراحة أعجبني المنزل, لكن لم باعه أصحابه بهذا الزهد؟
رد السمسار بحماسة خصوصا بعد أن سمع أن المنزل قد حاز على إعجابي أخيرا:
- صاحب المنزل أراد أن يبيعه بسعر أعلى من هذا بكثير, لكنه كان مستعجلا حيث أنه سينتقل إلى لندن, فحرصا على زبائني أقنعته بأن يبيع المنزل بهذا السعر الخيالي, وأتمنى أن تحصل على هذا المنزل حقا, إذ يبدو عليك أنك شخص راقي وتستحق أن تسكن ببيت كلاسيكي مثل هذا.
هل يظنني غبيا لهذه الدرجة حتى تنطلي على أكاذيبه السخيفة؟ حرصا على الزبائن؟ أم حرصا على جيوبك؟ لكني استسلمت أخيرا, سآخذ البيت وما بداخله من جرذان وصراصير, المهم أني سأنام في مكان أملكه الليلة.
- حسنا سآخذه, تفضل الشيك, أين أوقع؟
منتصف الظهيرة.
مضت ثلاث ساعات على الأقل منذ رحيل السمسار القبيح من بيتي, نعم بيتي الذي امتلكته منذ ثلاث ساعات أيضا, بيتي الذي يخلو من الأثاث حاليا غير هذا الكرسي الذي أحضرته معي من النزل لأجلس عليه ريثما أشتري الأثاث المناسب غدا, وكيس النوم الأزرق الذي استخدمته كثيرا في النزل لقذارة أَسِرَّتِهِمْ حتى بدأت أعتاد على النوم فيه ونسيت الشعور الذي يعتري المرء عندما ينام على سرير حريري مريح.
أحدهم يطرق الباب.
توجهت نحو الباب بخطوات متكاسلة, من عديم الأخلاق هذا الذي يزعج الناس في الظهيرة؟ فكرت في أن أتجاهل الطرقات, لكن لربما كان هنالك طارئ ما, أو أن السمسار عاد لخلل في الشيك الذي وقعته له, لا أدري, لكني سأعلم ما الأمر في ثوان فلا داعي للاستعجال.
وقفت أمام الباب لفترة قصيرة, أخذت نفسا عميقا وفتحت الباب.
خلف الباب وقف طفل يبدو بأنه في العاشرة أو الحادية عشر من العمر, نحيل البنية, يرتدي نظارات كبيرة, من الواضح بأن عدد الكتب لديه يفوق عدد أصدقاءه بأضعاف, ذو شعر أشقر وعينان زرقاوتان, شيء طبيعي لطفل أمريكي, يمسك بيده طبقا مغطى بقطعة قصدير لتمنع الحشرات والبكتيريا عن ما بداخله, هدية من أحد الجيران على ما أعتقد, لست بمزاج لعقد صداقات جديدة, لكن على الرغم من ذلك لا أريد أن يراني الجيران على أني شخص غير مهذب, فقد أحتاج لهم اليوم أو غدا, من يدري؟ حاولت أن أكون لطيفا قدر الإمكان:
- مرحبا يا صغير, هل من خدمة؟
ابتسم الصغير ابتسامة بانت على إثرها أسنانه, من الواضح بأن أحدهم لكمه على وجهه مسقطا بعض أسنانه الأمامية, أو أن أسنانه اللبنية بدأت تخلي فمه لتفسح المجال للنزلاء الجدد من الأسنان الدائمة. قال بمرح:
- مرحبا يا ثيد, أدعى ديريك ثبنثر, أرثلتني والدتي بهذا الطبق من البثكويت المنزلي لنرحب بك في الحي, ما اثمك؟
أخذت الطبق منه, لم يكن ساخنا وهذا دل على أن السيدة اللطيفة أعدت البسكويت خصيصا من أجلي من فترة ليست بطويلة فهي لم تعد تسخينه, وما إن اقترب الطبق مني حتى وصلت رائحة البسكويت الساخنة إلى أنفي المشتاق لرائحة الطبخ المنزلي, مضى زمن طويل لم أذق به طعاما منزليا قط, حيث أن طهوي ترفض أكله حتى قطط الشوارع.
لم أستطع أن لا أبتسم بعدما لاحظت مشكلة الصغير مع حرفي السين والشين, فقد بدا لطيفا وهو يحاول أن يخفيها عني, رغم أنه كلما حاول إخفاءها, زاد حرف الثاء وضوحا وحدة, قلت له بلباقة:
-اسمي جون برادفورد, وهذا لطف منكم عزيزي, اشكر أمك بالنيابة عني لو سمحت.
فعلا قد ينعمك الرب بعض الأحيان بجيران يوزنون بذهب الدنيا كلها, لطالما كنت كثير التنقل في البلدان والولايات وكان لي جيران من مختلف الأصناف, فهنالك الحمقى الذين يريدون أن يؤذوك لأتفه الأسباب وكأنه ليس لديهم شيء أفضل يفعلونه, وهنالك الغامضون الذين قد تأتي وتذهب ولم تكلمهم قط, وهنالك اللطفاء أمثال السيدة التي أرسلت ابنها بطبق البسكويت هذا.
استدرت وهممت أن أغلق الباب خلفي لكن الصغير قال:
-غريب, أنت خامث ثخص يثتري هذا المنزل هذه الثنة, يا ترى هل ما يقال عنه صحيح؟
شد انتباهي كلام الصغير, ماذا قصد عندما قال ذلك؟ هل في البيت عيب كما توقعت؟ أم هو شيء آخر؟ وفعلا لم يباع هذا البيت خمس مرات في سنة واحدة؟ هذا أمر غير منطقي بتاتا. التفت نحوه مجددا وقلت:
-عفوا؟
رد علي وبدا مزيج الاستغراب والحيرة واضحين في عينيه:
-أول ثخص اثترى المنزل من صاحبه الأثاثي هو الثيد براين جاكثون, أمضى في البيت أثبوعا على الأقل ثم باعه وانتقل إلى ولاية أخرى, اثترى المنزل منه الثيد روبرت براون الذي مكث فيه ثهرا وبضع أيام ثم انتقل كذلك, ثم اثترت الثيدة هيلين روبنثون المنزل وأمضت فيه ثلاث أيام ثم أخذت إلى المصح العقلي, ثم الثيد ليون غارثيا أمضى فيه ثلاث أثابيع ثم خرج, بقي المنزل غير مثكون لأثابيع عديدة, وبعدها أتيت أنت.
مصح عقلي؟ هل يمزح معي هذا الصغير؟
-لكن هل عرف أحد سبب تناقل البيت هكذا؟ هل به علة ما؟
أكمل الصغير شارحا الأحداث بأنه يقال أنه في الليلة الثالثة خرجت السيدة روبنسون من المنزل وهي تصرخ "البيت تسكنه الأشباح! البيت تسكنه الأشباح! أنقذوني!" وهذا كان سبب أخذها إلى المصح العقلي, أما السيد غارسيا فقد أخبر والد ديريك بأنه سمع صوت همسات خافتة تأتي من بين الجدران, وأنه يعتقد بأن روحا تسكن هذا المنزل ومن باب احترام الأرواح فقد أخلى السيد غارسيا المنزل.
شكرت الصغير على هذه الحكاية المثيرة وأغلقت الباب خلفي, من الواضح أنه يكثر من قراءة القصص الخيالية, فمن يصدق بأن الأرواح تنادي سكان المنزل من بين الجدران, وألم يكن من الأسهل على الأرواح أن تظهر نفسها لتخيف السكان الجدد وتجبرهم على الرحيل؟ يبدو أن ديريك الصغير يتابع أفلام الرعب بكثرة.
http://www.lancing-postcards.bn15.net/images/cottage1.jpg
- مبارك لك سيد جون برادفورد هذا المنزل, اختيار موفق!
تعلمت من تجاربي السابقة في شراء المنازل أن لا أثق بكلام سمسار قط, فهم كالمحامين, لا يهمهم سوى ملأ جيوبهم بنقود المغفلين, وبكل وقاحة يتجرأ هذا السمسار على الكذب أمامي ظنا منه أني أحد هؤلاء الحمقى.
- دعني آخذ في جولة لأعرفك على أرجاء المنزل.
أومأت برأسي ومشيت خلف السمين الأصلع, بصراحة لم يكن المنزل بالسوء الذي توقعته, أتسائل لم باعه أصحابه بهذا المبلغ الزهيد؟ قيل لي أن عمره يقارب المئتي عام وتناقلته الأسر الغنية الواحدة تلو الأخرى, منزل من الخشب والأحجار كغيره, ذو طابقين وسرداب, المطبخ به ضخم بحق, لكن لا أعتقد بأني سأستفيد منه, إذ أن حياتي الرمادية تفتقد لمسة أنثوية منذ طلاقي من زوجتي الرابعة, حينها تأكدت أنه عندما يتعلق الموضوع بالنساء فأنا لا أفهم شيئا إطلاقا.
- أول ما تصادفه عند دخولك المنزل يا سيد برادفورد هي غرفة المعيشة كما ترى.
منظر المنزل الجميل والكلاسيكي من الخارج لم يختلف عنه من الداخل, فالجدران الخشبية إذا دمجت مع لوحاتي الفنية وكتبي النادرة فإنها ستصنع رونقا أنيقا يليق برجل مثلي, لكن على الرغم من إعجابي إلا أن الصرير الصادر عن الأرضية الخشبية أزعجني وبشدة, يبدو أن علي أن أقوم ببعض الإصلاحات, يا ترى أين تركت رقم ذلك النجار العجوز؟
تقدم السمين تجاه المطبخ, بالطبع! ومن سيذهب إلى المطبخ غير ذو البطن الضخم هذا؟
- هذا هو المطبخ يا سيد برادفورد, كما ترى فهو واسع وضخم كما أخبرتك, لكنه يحتاج إلى بعض الترميمات, يمكنك التكفل بها؟ أم تفضل أن أطلب من نجاري الخاص أن يرممه لك وبسعر رمزي كذلك؟
بالتأكيد هذا هو المطبخ أيها الأحمق! ومن قال إنه الحمام مثلا؟ ويريد مني أن أثق بنجار يعمل لسمسار, وكأني بالغباء الذي يتصوره! رددت عليه بهدوء.
- لا, لا بأس سأتكفل بالترميمات بنفسي لا داعي لذلك.
بدت معالم الخيبة جلية على محياه, وكأنه فعلا اعتقد بأني سأسقط في مصيدته الغبية, لن أدفع سنتا آخر لهذا المتحاذق حتى لو توقفت حياتي على ذلك!
خرج السمين من المطبخ ولحقت به بسرعة, صعد الدرجات بحماس, بصراحة ابتسامته الغبية بدأت تثير أعصابي, كم أتمنى أن يرحل قبل أن أقوم بفعل شيء يندم عليه كلانا.
- من هنا يا سيد برادفورد تجد ممر غرف النوم, كما شرحت لك من قبل: يوجد خمس غرف, ثلاثة على اليمين واثنتان على اليسار,
قاطعته ببرود:
- وماذا عن الغرفة السادسة تلك؟
ما إن أشرت إلى الغرفة الأخيرة من جهة اليسار حتى بدا التوتر واضحا على وجهه, هل يخفي سرا خلف هذا الباب يا ترى؟
- سيد برادفورد هذه الغرفة كانت مقفلة منذ زمن طويل, لا أعتقد بأن بها أمرا مهما, لا تشغل بالك بها.
أثارت كلماته حول هذه الغرفة فضولي, هل بها سر ما يا ترى؟ هل قتل أحد بها؟ أم هل يخبأ بها هذا السمين أكواما من الممنوعات؟
أنهى السمسار جولته حول المنزل بسرعة أثارت استغرابي, وكأنه أراد أن يخرج من المنزل بأسرع وقت رغم أنه أخذ وقته بالشرح قبل أن أشير إلى ذلك الباب المقفل.
خرجنا من المنزل أخيرا, وقف الأصلع السمين أمامي يفرك يديه ببعضهما, وكأن سمينا مثله لا يمتلك من الشحم ما يكفي للتدفئة, ابتسامته السخيفة عادت لتضفي المزيد من القبح على وجهه, لكني عرفت أسئلته قبل أن يسئلها: هل أعجبني المنزل؟ وهل أريد شراءه؟ أم أحتاج وقتا للتفكير؟
بصراحة لا أعتقد بأني بحاجة لوقت للتفكير, فالنزل الذي أقيم فيه تجاوز حدود القذارة بشكل لا يحتمل, كما أن سعر هذا المنزل يفرض علي شراءه, فعشرين آلف دولار سعر لا يعرض عنه سوى المجانين, كما أني أحضرت كل أغراضي معي في السيارة وهذا يعني شيئا واحدا, سأبات الليلة في منزلي الجديد.
- بصراحة أعجبني المنزل, لكن لم باعه أصحابه بهذا الزهد؟
رد السمسار بحماسة خصوصا بعد أن سمع أن المنزل قد حاز على إعجابي أخيرا:
- صاحب المنزل أراد أن يبيعه بسعر أعلى من هذا بكثير, لكنه كان مستعجلا حيث أنه سينتقل إلى لندن, فحرصا على زبائني أقنعته بأن يبيع المنزل بهذا السعر الخيالي, وأتمنى أن تحصل على هذا المنزل حقا, إذ يبدو عليك أنك شخص راقي وتستحق أن تسكن ببيت كلاسيكي مثل هذا.
هل يظنني غبيا لهذه الدرجة حتى تنطلي على أكاذيبه السخيفة؟ حرصا على الزبائن؟ أم حرصا على جيوبك؟ لكني استسلمت أخيرا, سآخذ البيت وما بداخله من جرذان وصراصير, المهم أني سأنام في مكان أملكه الليلة.
- حسنا سآخذه, تفضل الشيك, أين أوقع؟
منتصف الظهيرة.
مضت ثلاث ساعات على الأقل منذ رحيل السمسار القبيح من بيتي, نعم بيتي الذي امتلكته منذ ثلاث ساعات أيضا, بيتي الذي يخلو من الأثاث حاليا غير هذا الكرسي الذي أحضرته معي من النزل لأجلس عليه ريثما أشتري الأثاث المناسب غدا, وكيس النوم الأزرق الذي استخدمته كثيرا في النزل لقذارة أَسِرَّتِهِمْ حتى بدأت أعتاد على النوم فيه ونسيت الشعور الذي يعتري المرء عندما ينام على سرير حريري مريح.
أحدهم يطرق الباب.
توجهت نحو الباب بخطوات متكاسلة, من عديم الأخلاق هذا الذي يزعج الناس في الظهيرة؟ فكرت في أن أتجاهل الطرقات, لكن لربما كان هنالك طارئ ما, أو أن السمسار عاد لخلل في الشيك الذي وقعته له, لا أدري, لكني سأعلم ما الأمر في ثوان فلا داعي للاستعجال.
وقفت أمام الباب لفترة قصيرة, أخذت نفسا عميقا وفتحت الباب.
خلف الباب وقف طفل يبدو بأنه في العاشرة أو الحادية عشر من العمر, نحيل البنية, يرتدي نظارات كبيرة, من الواضح بأن عدد الكتب لديه يفوق عدد أصدقاءه بأضعاف, ذو شعر أشقر وعينان زرقاوتان, شيء طبيعي لطفل أمريكي, يمسك بيده طبقا مغطى بقطعة قصدير لتمنع الحشرات والبكتيريا عن ما بداخله, هدية من أحد الجيران على ما أعتقد, لست بمزاج لعقد صداقات جديدة, لكن على الرغم من ذلك لا أريد أن يراني الجيران على أني شخص غير مهذب, فقد أحتاج لهم اليوم أو غدا, من يدري؟ حاولت أن أكون لطيفا قدر الإمكان:
- مرحبا يا صغير, هل من خدمة؟
ابتسم الصغير ابتسامة بانت على إثرها أسنانه, من الواضح بأن أحدهم لكمه على وجهه مسقطا بعض أسنانه الأمامية, أو أن أسنانه اللبنية بدأت تخلي فمه لتفسح المجال للنزلاء الجدد من الأسنان الدائمة. قال بمرح:
- مرحبا يا ثيد, أدعى ديريك ثبنثر, أرثلتني والدتي بهذا الطبق من البثكويت المنزلي لنرحب بك في الحي, ما اثمك؟
أخذت الطبق منه, لم يكن ساخنا وهذا دل على أن السيدة اللطيفة أعدت البسكويت خصيصا من أجلي من فترة ليست بطويلة فهي لم تعد تسخينه, وما إن اقترب الطبق مني حتى وصلت رائحة البسكويت الساخنة إلى أنفي المشتاق لرائحة الطبخ المنزلي, مضى زمن طويل لم أذق به طعاما منزليا قط, حيث أن طهوي ترفض أكله حتى قطط الشوارع.
لم أستطع أن لا أبتسم بعدما لاحظت مشكلة الصغير مع حرفي السين والشين, فقد بدا لطيفا وهو يحاول أن يخفيها عني, رغم أنه كلما حاول إخفاءها, زاد حرف الثاء وضوحا وحدة, قلت له بلباقة:
-اسمي جون برادفورد, وهذا لطف منكم عزيزي, اشكر أمك بالنيابة عني لو سمحت.
فعلا قد ينعمك الرب بعض الأحيان بجيران يوزنون بذهب الدنيا كلها, لطالما كنت كثير التنقل في البلدان والولايات وكان لي جيران من مختلف الأصناف, فهنالك الحمقى الذين يريدون أن يؤذوك لأتفه الأسباب وكأنه ليس لديهم شيء أفضل يفعلونه, وهنالك الغامضون الذين قد تأتي وتذهب ولم تكلمهم قط, وهنالك اللطفاء أمثال السيدة التي أرسلت ابنها بطبق البسكويت هذا.
استدرت وهممت أن أغلق الباب خلفي لكن الصغير قال:
-غريب, أنت خامث ثخص يثتري هذا المنزل هذه الثنة, يا ترى هل ما يقال عنه صحيح؟
شد انتباهي كلام الصغير, ماذا قصد عندما قال ذلك؟ هل في البيت عيب كما توقعت؟ أم هو شيء آخر؟ وفعلا لم يباع هذا البيت خمس مرات في سنة واحدة؟ هذا أمر غير منطقي بتاتا. التفت نحوه مجددا وقلت:
-عفوا؟
رد علي وبدا مزيج الاستغراب والحيرة واضحين في عينيه:
-أول ثخص اثترى المنزل من صاحبه الأثاثي هو الثيد براين جاكثون, أمضى في البيت أثبوعا على الأقل ثم باعه وانتقل إلى ولاية أخرى, اثترى المنزل منه الثيد روبرت براون الذي مكث فيه ثهرا وبضع أيام ثم انتقل كذلك, ثم اثترت الثيدة هيلين روبنثون المنزل وأمضت فيه ثلاث أيام ثم أخذت إلى المصح العقلي, ثم الثيد ليون غارثيا أمضى فيه ثلاث أثابيع ثم خرج, بقي المنزل غير مثكون لأثابيع عديدة, وبعدها أتيت أنت.
مصح عقلي؟ هل يمزح معي هذا الصغير؟
-لكن هل عرف أحد سبب تناقل البيت هكذا؟ هل به علة ما؟
أكمل الصغير شارحا الأحداث بأنه يقال أنه في الليلة الثالثة خرجت السيدة روبنسون من المنزل وهي تصرخ "البيت تسكنه الأشباح! البيت تسكنه الأشباح! أنقذوني!" وهذا كان سبب أخذها إلى المصح العقلي, أما السيد غارسيا فقد أخبر والد ديريك بأنه سمع صوت همسات خافتة تأتي من بين الجدران, وأنه يعتقد بأن روحا تسكن هذا المنزل ومن باب احترام الأرواح فقد أخلى السيد غارسيا المنزل.
شكرت الصغير على هذه الحكاية المثيرة وأغلقت الباب خلفي, من الواضح أنه يكثر من قراءة القصص الخيالية, فمن يصدق بأن الأرواح تنادي سكان المنزل من بين الجدران, وألم يكن من الأسهل على الأرواح أن تظهر نفسها لتخيف السكان الجدد وتجبرهم على الرحيل؟ يبدو أن ديريك الصغير يتابع أفلام الرعب بكثرة.