writer shir
10-03-2011, 20:38
ملحوظة : هذه القصة تتبع مسابقة الحلم الروائي .. و هي لفريق نبض حلم .. بقلمي أنا .. Writer shir
فتاة الســـــــــــــــــــــــايانور
العام 2060 م ..
في أحدى ليالي الشتاء ذات المطر الراقص بلمساته على صفحات الأرض الثلجية .. التي تميزت بها مملكة إتلانتس المعروفة بمبانيها الشاهقة الفائقة لأعتى الجبال .. ألا و هي (الدابلد سكاي) ..
توقفت .. (تايرون) .. و هي سيارة طائرة إلا أن هيئتها تختلف عن السيارات العادية التي بدت تنقرض منذ عام 2034 م ، عند الطابق الثلاثمائة بعد الألف .. التابع لأحدى (الدابلد سكاي) الأندلسية ...
نزلت منها سيدة صاحبة وجه بشوش حاملتاً أبنتها ذات الثالثة ربيعا .. و هي مسرعة إلى منزلها المضيء لتأوي إليه من المطر الغزير بعد أن سلمت الأجرة لسائق (تايرون) التاكسي ..
***
في المنزل ..
- ما رأيك يا حبيبتي بهذه الدمية .. أليست جميلة يا (بلقيس) ؟
قالت الأم بحنان قبل أن تجيب أبنتها بكلام الأطفال .. المبهم ذو نبرة المرح : هيه هاكيي يـ .. حـ.. حلة .
- يا إلهي ما أجملها .. و ما أحلى كلامك يا حبيبة أمك .
هكذا ألقت الأم ترانيمها الحنونة .. و هي تداعب بطن أبنتها بأصابعها البيضاء .
- (رابعة) .. (رابعة) هلمي تعالي .. لتنظفي مائدة الطعام قبل أن تضعيه هيا ..
خرجت من أحد أبواب الصالة .. فتاة بالثانية عشرة من عمرها عليها لبس متسخ و مرقع ببعض أركانه .. كأنها من متسولين العصر الفكتوري .. لتجيب قبل مسحها لطاولة الطعام العصرية و أخذ بعض الصواني من عليها ..
- إن شاء الله يا أماه .. ها أنا ذا ..
كانت الأم تعبس بوجه أبنتها التي بدت على عكس أختها و أمها النظيفتين ذوات الرائحة الطيبة .. نهرت الأم إبنتها لسبب أنها نسيت أن تأخذ صحن المكسرات الخالي من أمامها .. فرمتها به .. و لحسن الحظ أنه لم ينكسر ..
- ألم أقل لك .. أن تأخذي صحن المكسرات من أمامي إذا رأيته خاليا .. أم أنك تودين قهري .. يالك من..
أجابت البنت بتعلثم و خوف :
- ياا .. لــ .لي من حمقاء .. أ .. أسفة يا أمي أنني حقا أسفة .
فرجعت (رابعة) لتأخذ الصحن الصغير .. لكنها لم تستطع أخذه حيث أنها تحمل صواني أخرى .. فقالت بتوسل لأمها و حنان : أمي يا عزيزتي .. هل تستطيعين أن تساعديني بإعطائي الصحن من الأرض ..
قالت الأم التي تحولت إلى قطة بتصرفاتها و ضفدع لزج لا تود أن تقترب منه .. بسبب غضبها الذي أصبح عند ذروته إثر كلمات أبنتها الصاروخية ..
- كيف تـ..تتجرأين و تأمريني بأن أحمل الصحن .. بكبريائي و مقامي لك يا كتلة كتــ .. كتلة من الحثالة و القاذورات .. يا لك من وقحة ذات عين قوية .. ألا تستحين على وجهك بأن تأمري .. والد .. والدتــ .. سيدتـــك !!
و راحت باتريوتات و سيل من قذائف الكلمات على وجه (رابعة) الذي ألمها هذا في قلبها .. و الذي شبه أعتادت عليه .. منذ زواج أمها من ذاك الرجل المسمى (جليعاد) الشرير .. بحيث أن الفتاة كانت مدللة بترف قبل أن يجتاح هذا الرجل حياتها ..قبل أن تتحول أمها الحنون إلى وحش كرار .
لم ترد الفتاة على والدتها ذات الكبرياء كما تقول .. بل أخذت الصحن بصعوبة من جانب التلفاز الأثيري المُخترع سنة 2030 م ، و الذي بالطبع أصبح حديث العالم بالنسبة لأجهزة التلفاز .. في الواقع هذا التلفاز كان في ما مضى ملك لـ(رابعة) .. و بعد شهرين تقريبا من جلوسه عندها أخذه (جليعاد) من بعد زواجه بأمها .. و الذي خدع (رابعة) بأنه سيكون أحسن من أبيها الذي لم تره .. و فعلا لقد أحبته (رابعة) لدرجة أنها ناقشة أمها بقوة لتتزوجه .. و لكن بعد الزواج أنقلبت الأم مائة و ثمانون درجة سلبيا .. سبحان الله .. حتى أن (رابعة) قالت لنفسها بأن (جليعاد) الذي أكتشفت أنه مخادع و ثعلب ماكر .. عنده أحدى قوى الـ(ما وراء الطبيعة) .. و من حينها أصبحت حياة (رابعة) تعسة مبكرا ..
ذهبت (رابعة) إلى المطبخ .. و هي في حيرة من أمرها .. ناحية أمها التي كانت طيبة القلب ، و ودود في ما مضى ، لقد كاد قلبها أن ينفطر من الهم و الحزن فهي مُنعت من المدرسة و التعليم و منعت من الصداقات و المعارف و من المتعة و التسلية أية متعة ؟! .. أنه أمر تافه لكنها منعت من الرحمة و الحنان من الحب و العطف .. منعت و حُرمت من أحب شخص لها في هذه الدنيا .. أمها .. ، .. غسلت (رابعة) الموانئ كالمعتاد ، و ذهبت لتأخذ الطعام الذي جهز .. لتقدمه لأمها .. و هنا سمعت صرير باب المنزل و بعدها سمعت الصوت الذي يقع حينما يتجاوز أحد شعاع الباب "الأزرق" .. فعرفت الفتاة البائسة أنه ، ذي وجه الماعز - كما ترسمه هي - ، (جليعاد) ، وضعت (رابعة) الطعام الشهي ذو الرائحة المسيلة للعاب على الطاولة .. و كالمعتاد ألقى الزوجان التحية على بعض بحب كما يبدو ، و الأم فرحة بلقاء زوجها كما لو أعطيتها كتلة ذهب خالص ، تكلم (جليعاد) بغرور "ذري" إلى حد البلاهة بعد أن جلس على المائدة : لقد تعاقدت مع رئيس الشركة التي بجانب شركتنا اليوم ..
فأشار إلى رابعة بأن تحمل حقيبته بكبرياء و دون كلام ، و الزوجة كانت مسلوبة إلى كلامه ، كانها قط سينقض على عصفور أمامه ..
- و لما ذلك يا أبا (بلقيس) ؟ .. نحن لسنا بحاجة للتعاقد معهم .. و خصوصا أنهم أعداؤنا .. و عدة مرات حاولوا أخذ شهرة شركتنا العريقة .. لكنهم باءوا بالفشل ..
- بل نحن بحاجة إلى ما هو بإيديهم .. يجب أن تفكري بإمعان و ذكاء .. أنهم إذا أستمروا على مخاصمتنا بهذه الحال .. فلربما يحالفهم الحظ و ترتفع شركتهم بينما .. يقع حظ شركتنا لذا من الحكمة أن نتعاون معهم لمصلحتنا .. أحسن من المخاصمة .. و كما تعلمين يا عزيزتي رغم أن شركتهم ليست شهيرة كشركتنا .. إلا ان نظامهم يفوق نظام شركتنا بكثير من حيث الأثاث الداخلي و الحجرات و ما إلى ذلك .. و هذا يدل على عظم دخل صاحبها .. أي سنجني مالأ أكثر من المعتاد و هكذا نتسطيع بني فيلا سحابية .. فنغادر (الدابلد سكاي) هذه ..
- فكرة سديدة و جيدة يا حبيبي .. أنك على سابق عهدك لم تتغير يا أيها العبقري ..
ألقت الزوجة هذه الكلمات و قد شُق فمها بإبتسامة كالثعلب ، و قد أمرت الفتاة بالوقوف على الحائط رافعة يديها و أحدى رجليها عقابا لما فعلته منذ قليل .. حيث أنها لم تنسى الأمر ..
هذه حياة الفتاة البائسة المسكينة .. فربما اليوم هو أرحم من أيام كثيرة قد مرت عليها بالتوبيخ و العذاب من الزوجان .. و بعد أن أنتهت من نقل الأوني إلى المطبخ ذهبت إلى حجرتها التي أصبحت ذابلة ذات رائحة كريهة .. ذات حشيش منثور بدلا من السرير الذي كأنه لم يكن هنا قبل مدة طويلة .. و بالرغم من ذلك فإن هذا المكان هو أحب مكان لـ(رابعة) حيث به تجد راحتها و طمئنينتها ... أخذت (رابعة) تتذكر أيامها الربيعية القديمة مع أمها .. و هي تتبسم .. و هنا وقع بصرها على كتب ملقية .. فشرعت بالبكاء .. لحزنها على أمها التي كانت صديقة و أم حنونة بدل صداقة هذه الكتب التي غالبا ما تخفيهم عن أعين (جليعاد) ... خففت البائسة من صوتها خيفة من أن يسمعها ذلك الوغد حيث أنها تفضل ألا تبكي أمامه ..
***
- ماذا بك (رابعــــة) ؟ ، لماذا تبكييين ؟.
سمعت (رابعة) هذا الصوت الناعم الذي بدا كحفيف أشجار ممزوج بأوتار الغناء ، فأجابت (رابعة) : مــ .. من هنــ هناك ؟؟ ..
فألتفت لتنظر من خلف عواميد النافذة الليزرية الزرقاء ، لم يجب صوت و لكن بلحظتها أندهشت (رابعة) لحد الرعب ، حيث أنها رأت إمرأة محلقة ، شبه شفافة لونها كلون العسل يحل محل أرجلها شيء كالوردة المقلوبة ، شعرها شبه متطاير بالهواء يتربع على رأسها تاج مٌجوهر .
تراجعت (رابعة) للخلف خيفة من هذه المخلوقة ، التي أمطرت عينها بضع دمعات و هي تنظر لـ(رابعة) بحنان ، أحست (رابعة) بدفئ الرحمة لم تحسه منذ زمان .. بادرت المخلوقة الغريبة : لا تخافي مني يا حبيبة أمكِ !..
لم تفهم (رابعة) ماذا تعني بالضبط من كلامها المبهم بالنسبة لها .. إلا أنها قالت : من تكونين أنتي ، ماذا تريدين مني ؟!
قالت الغريبة برحمة : أنتي من أستدعيتني !.
قالت (رابعة) بإرتباك : أنا ؟ لماذا وكيف ؟ أنني حتــ .. !
قاطعتها الأخرى : أنتي بكيتي و حزنتي فأحسست بك و أتيت إليك ..
قالت (رابعة) بإستغراب : و هل تأتين أي أحد يبكي ؟
أجابت الغريبة : كلا ، بل أتيت لأنك أختي !.
صعقت (رابعة) لتقول : أنا لست بأختك ، أنتي لست بشرية أما أنا فبلى ..
قالت الأخرى : و كيف علمتي بأنك بشرية ؟!
أجابت (رابعة) و هي تفكر بكلام الغريبة الغريب ، فهل يعقل أن يكون مها حق ؟ :
- لأنني لست مثلك بتاتا فأنا لي رجلين و لا أستطيع الطيران مثلا !.
- أن معلوماتك خطأ يا (رابعة) .. ألم تستغربي أنني أعرف أسمك ؟.. و ألم تستغربي كيف تغيرت أمك لوحش بالنسبة لك ؟
- أه .. أجل كيف عرفتي أسمي .. و هل لك دخل بتغير أمي علي ؟
- حسنا ، سأخبرك كيف .. لكن أريدك أن تعلمي الكثير .. أشياء كثيرة مهمة يجب أن تضعيها بالعقل و الحسبان !.
قالت (رابعة) بدهشة حيث أنها لوهلة حسبت نفسها بحلم ما ، فهذا الذي يحدث أمامها يكاد لا يصدقه عقل : حسنا ..
فأخترقت الغريبة حجرة (رابعة) و قالت بتوهجها و شموخها : أعلمي يا (رابعة) أن أمك الحقيقية ليست موجودة على هذه الأرض ..
أحست (رابعة) بأن قلبها أنقبض .. لكنها تماسكت نفسها لتستمع :
يتبــــــــــــــــــــــــــــع
فتاة الســـــــــــــــــــــــايانور
العام 2060 م ..
في أحدى ليالي الشتاء ذات المطر الراقص بلمساته على صفحات الأرض الثلجية .. التي تميزت بها مملكة إتلانتس المعروفة بمبانيها الشاهقة الفائقة لأعتى الجبال .. ألا و هي (الدابلد سكاي) ..
توقفت .. (تايرون) .. و هي سيارة طائرة إلا أن هيئتها تختلف عن السيارات العادية التي بدت تنقرض منذ عام 2034 م ، عند الطابق الثلاثمائة بعد الألف .. التابع لأحدى (الدابلد سكاي) الأندلسية ...
نزلت منها سيدة صاحبة وجه بشوش حاملتاً أبنتها ذات الثالثة ربيعا .. و هي مسرعة إلى منزلها المضيء لتأوي إليه من المطر الغزير بعد أن سلمت الأجرة لسائق (تايرون) التاكسي ..
***
في المنزل ..
- ما رأيك يا حبيبتي بهذه الدمية .. أليست جميلة يا (بلقيس) ؟
قالت الأم بحنان قبل أن تجيب أبنتها بكلام الأطفال .. المبهم ذو نبرة المرح : هيه هاكيي يـ .. حـ.. حلة .
- يا إلهي ما أجملها .. و ما أحلى كلامك يا حبيبة أمك .
هكذا ألقت الأم ترانيمها الحنونة .. و هي تداعب بطن أبنتها بأصابعها البيضاء .
- (رابعة) .. (رابعة) هلمي تعالي .. لتنظفي مائدة الطعام قبل أن تضعيه هيا ..
خرجت من أحد أبواب الصالة .. فتاة بالثانية عشرة من عمرها عليها لبس متسخ و مرقع ببعض أركانه .. كأنها من متسولين العصر الفكتوري .. لتجيب قبل مسحها لطاولة الطعام العصرية و أخذ بعض الصواني من عليها ..
- إن شاء الله يا أماه .. ها أنا ذا ..
كانت الأم تعبس بوجه أبنتها التي بدت على عكس أختها و أمها النظيفتين ذوات الرائحة الطيبة .. نهرت الأم إبنتها لسبب أنها نسيت أن تأخذ صحن المكسرات الخالي من أمامها .. فرمتها به .. و لحسن الحظ أنه لم ينكسر ..
- ألم أقل لك .. أن تأخذي صحن المكسرات من أمامي إذا رأيته خاليا .. أم أنك تودين قهري .. يالك من..
أجابت البنت بتعلثم و خوف :
- ياا .. لــ .لي من حمقاء .. أ .. أسفة يا أمي أنني حقا أسفة .
فرجعت (رابعة) لتأخذ الصحن الصغير .. لكنها لم تستطع أخذه حيث أنها تحمل صواني أخرى .. فقالت بتوسل لأمها و حنان : أمي يا عزيزتي .. هل تستطيعين أن تساعديني بإعطائي الصحن من الأرض ..
قالت الأم التي تحولت إلى قطة بتصرفاتها و ضفدع لزج لا تود أن تقترب منه .. بسبب غضبها الذي أصبح عند ذروته إثر كلمات أبنتها الصاروخية ..
- كيف تـ..تتجرأين و تأمريني بأن أحمل الصحن .. بكبريائي و مقامي لك يا كتلة كتــ .. كتلة من الحثالة و القاذورات .. يا لك من وقحة ذات عين قوية .. ألا تستحين على وجهك بأن تأمري .. والد .. والدتــ .. سيدتـــك !!
و راحت باتريوتات و سيل من قذائف الكلمات على وجه (رابعة) الذي ألمها هذا في قلبها .. و الذي شبه أعتادت عليه .. منذ زواج أمها من ذاك الرجل المسمى (جليعاد) الشرير .. بحيث أن الفتاة كانت مدللة بترف قبل أن يجتاح هذا الرجل حياتها ..قبل أن تتحول أمها الحنون إلى وحش كرار .
لم ترد الفتاة على والدتها ذات الكبرياء كما تقول .. بل أخذت الصحن بصعوبة من جانب التلفاز الأثيري المُخترع سنة 2030 م ، و الذي بالطبع أصبح حديث العالم بالنسبة لأجهزة التلفاز .. في الواقع هذا التلفاز كان في ما مضى ملك لـ(رابعة) .. و بعد شهرين تقريبا من جلوسه عندها أخذه (جليعاد) من بعد زواجه بأمها .. و الذي خدع (رابعة) بأنه سيكون أحسن من أبيها الذي لم تره .. و فعلا لقد أحبته (رابعة) لدرجة أنها ناقشة أمها بقوة لتتزوجه .. و لكن بعد الزواج أنقلبت الأم مائة و ثمانون درجة سلبيا .. سبحان الله .. حتى أن (رابعة) قالت لنفسها بأن (جليعاد) الذي أكتشفت أنه مخادع و ثعلب ماكر .. عنده أحدى قوى الـ(ما وراء الطبيعة) .. و من حينها أصبحت حياة (رابعة) تعسة مبكرا ..
ذهبت (رابعة) إلى المطبخ .. و هي في حيرة من أمرها .. ناحية أمها التي كانت طيبة القلب ، و ودود في ما مضى ، لقد كاد قلبها أن ينفطر من الهم و الحزن فهي مُنعت من المدرسة و التعليم و منعت من الصداقات و المعارف و من المتعة و التسلية أية متعة ؟! .. أنه أمر تافه لكنها منعت من الرحمة و الحنان من الحب و العطف .. منعت و حُرمت من أحب شخص لها في هذه الدنيا .. أمها .. ، .. غسلت (رابعة) الموانئ كالمعتاد ، و ذهبت لتأخذ الطعام الذي جهز .. لتقدمه لأمها .. و هنا سمعت صرير باب المنزل و بعدها سمعت الصوت الذي يقع حينما يتجاوز أحد شعاع الباب "الأزرق" .. فعرفت الفتاة البائسة أنه ، ذي وجه الماعز - كما ترسمه هي - ، (جليعاد) ، وضعت (رابعة) الطعام الشهي ذو الرائحة المسيلة للعاب على الطاولة .. و كالمعتاد ألقى الزوجان التحية على بعض بحب كما يبدو ، و الأم فرحة بلقاء زوجها كما لو أعطيتها كتلة ذهب خالص ، تكلم (جليعاد) بغرور "ذري" إلى حد البلاهة بعد أن جلس على المائدة : لقد تعاقدت مع رئيس الشركة التي بجانب شركتنا اليوم ..
فأشار إلى رابعة بأن تحمل حقيبته بكبرياء و دون كلام ، و الزوجة كانت مسلوبة إلى كلامه ، كانها قط سينقض على عصفور أمامه ..
- و لما ذلك يا أبا (بلقيس) ؟ .. نحن لسنا بحاجة للتعاقد معهم .. و خصوصا أنهم أعداؤنا .. و عدة مرات حاولوا أخذ شهرة شركتنا العريقة .. لكنهم باءوا بالفشل ..
- بل نحن بحاجة إلى ما هو بإيديهم .. يجب أن تفكري بإمعان و ذكاء .. أنهم إذا أستمروا على مخاصمتنا بهذه الحال .. فلربما يحالفهم الحظ و ترتفع شركتهم بينما .. يقع حظ شركتنا لذا من الحكمة أن نتعاون معهم لمصلحتنا .. أحسن من المخاصمة .. و كما تعلمين يا عزيزتي رغم أن شركتهم ليست شهيرة كشركتنا .. إلا ان نظامهم يفوق نظام شركتنا بكثير من حيث الأثاث الداخلي و الحجرات و ما إلى ذلك .. و هذا يدل على عظم دخل صاحبها .. أي سنجني مالأ أكثر من المعتاد و هكذا نتسطيع بني فيلا سحابية .. فنغادر (الدابلد سكاي) هذه ..
- فكرة سديدة و جيدة يا حبيبي .. أنك على سابق عهدك لم تتغير يا أيها العبقري ..
ألقت الزوجة هذه الكلمات و قد شُق فمها بإبتسامة كالثعلب ، و قد أمرت الفتاة بالوقوف على الحائط رافعة يديها و أحدى رجليها عقابا لما فعلته منذ قليل .. حيث أنها لم تنسى الأمر ..
هذه حياة الفتاة البائسة المسكينة .. فربما اليوم هو أرحم من أيام كثيرة قد مرت عليها بالتوبيخ و العذاب من الزوجان .. و بعد أن أنتهت من نقل الأوني إلى المطبخ ذهبت إلى حجرتها التي أصبحت ذابلة ذات رائحة كريهة .. ذات حشيش منثور بدلا من السرير الذي كأنه لم يكن هنا قبل مدة طويلة .. و بالرغم من ذلك فإن هذا المكان هو أحب مكان لـ(رابعة) حيث به تجد راحتها و طمئنينتها ... أخذت (رابعة) تتذكر أيامها الربيعية القديمة مع أمها .. و هي تتبسم .. و هنا وقع بصرها على كتب ملقية .. فشرعت بالبكاء .. لحزنها على أمها التي كانت صديقة و أم حنونة بدل صداقة هذه الكتب التي غالبا ما تخفيهم عن أعين (جليعاد) ... خففت البائسة من صوتها خيفة من أن يسمعها ذلك الوغد حيث أنها تفضل ألا تبكي أمامه ..
***
- ماذا بك (رابعــــة) ؟ ، لماذا تبكييين ؟.
سمعت (رابعة) هذا الصوت الناعم الذي بدا كحفيف أشجار ممزوج بأوتار الغناء ، فأجابت (رابعة) : مــ .. من هنــ هناك ؟؟ ..
فألتفت لتنظر من خلف عواميد النافذة الليزرية الزرقاء ، لم يجب صوت و لكن بلحظتها أندهشت (رابعة) لحد الرعب ، حيث أنها رأت إمرأة محلقة ، شبه شفافة لونها كلون العسل يحل محل أرجلها شيء كالوردة المقلوبة ، شعرها شبه متطاير بالهواء يتربع على رأسها تاج مٌجوهر .
تراجعت (رابعة) للخلف خيفة من هذه المخلوقة ، التي أمطرت عينها بضع دمعات و هي تنظر لـ(رابعة) بحنان ، أحست (رابعة) بدفئ الرحمة لم تحسه منذ زمان .. بادرت المخلوقة الغريبة : لا تخافي مني يا حبيبة أمكِ !..
لم تفهم (رابعة) ماذا تعني بالضبط من كلامها المبهم بالنسبة لها .. إلا أنها قالت : من تكونين أنتي ، ماذا تريدين مني ؟!
قالت الغريبة برحمة : أنتي من أستدعيتني !.
قالت (رابعة) بإرتباك : أنا ؟ لماذا وكيف ؟ أنني حتــ .. !
قاطعتها الأخرى : أنتي بكيتي و حزنتي فأحسست بك و أتيت إليك ..
قالت (رابعة) بإستغراب : و هل تأتين أي أحد يبكي ؟
أجابت الغريبة : كلا ، بل أتيت لأنك أختي !.
صعقت (رابعة) لتقول : أنا لست بأختك ، أنتي لست بشرية أما أنا فبلى ..
قالت الأخرى : و كيف علمتي بأنك بشرية ؟!
أجابت (رابعة) و هي تفكر بكلام الغريبة الغريب ، فهل يعقل أن يكون مها حق ؟ :
- لأنني لست مثلك بتاتا فأنا لي رجلين و لا أستطيع الطيران مثلا !.
- أن معلوماتك خطأ يا (رابعة) .. ألم تستغربي أنني أعرف أسمك ؟.. و ألم تستغربي كيف تغيرت أمك لوحش بالنسبة لك ؟
- أه .. أجل كيف عرفتي أسمي .. و هل لك دخل بتغير أمي علي ؟
- حسنا ، سأخبرك كيف .. لكن أريدك أن تعلمي الكثير .. أشياء كثيرة مهمة يجب أن تضعيها بالعقل و الحسبان !.
قالت (رابعة) بدهشة حيث أنها لوهلة حسبت نفسها بحلم ما ، فهذا الذي يحدث أمامها يكاد لا يصدقه عقل : حسنا ..
فأخترقت الغريبة حجرة (رابعة) و قالت بتوهجها و شموخها : أعلمي يا (رابعة) أن أمك الحقيقية ليست موجودة على هذه الأرض ..
أحست (رابعة) بأن قلبها أنقبض .. لكنها تماسكت نفسها لتستمع :
يتبــــــــــــــــــــــــــــع