PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : بقعة ضوء في ظلمة بئر .. ( الحلم الروائي )



Kikumaru Eiji
05-03-2011, 15:11
بقعة ضوء في ظلمة بئر








كل يوم يمر علي ألوم فيه نفسي، لأن قدمي وطئت أعتاب هذه القرية اللعينة، رغم صغرها وقلة عدد سكانها، إلا أنها لا تخلو من الحاقدين الأشرار الذين يطاردونني منذ ولادتي، لم يقدموا لي حتى غرفة أدفئ فيها جسدي النحيل من برد الشتاء القارص، كل ذلك لأنني أحمل قطة صغيرة، وجدتها ترتجف قرب مدخل القرية، وهي تنتظر الشفقة من أحدهم، لم أستطع منع نفسي من الابتسام فور رؤيتي لها، شعرت بأنها تنادي باسمي، متوسلةً إلي كي آخذها بين أحضاني، بدت لي كطفلِ رضيع فقد حنان والدته بسنِ مبكرة، مددت يدي إليها لأفرك رأسها المغطى بالفرو الأبيض الناعم، فور ملامستي لها انتقلت مشاعرها نحو قلبي مخترقة صدري، شعرت بمدى وحدتها وحاجتها للدفء والأمان، فعانقتها بذراعي اللتين كادتا أن تتجمدا من شدة البرد ليلاً، لكن ويا للأسف لم يكن جسدي كفيلاً بتدفئتها، فلا يغطيه سوى ثوب رمادي قصير ممزق الأطراف مع حزام يلتف حول خصري يكاد يقع من شدة ضعفي، نعم هذا صحيح.. فلم يدخل إلى جوفي أي طعام منذ أسبوع كامل، رغم ذلك لا أستسلم مطلقاً، فكلي أمل بأن حياتي ستصبح أفضل ذات يوم لا محالة.


سرت بمنتصف ذلك الشارع الضيق الذي تحيط به المنازل الخشبية من كل جانب، حاملةً القطة بين ذراعي، والابتسامة لا تفارق شفتي المتوردتين، فأنا لم أكن وحيدة على أية حال، بقيت أتبادل أطراف الحديث مع صديقتي الجديدة التي قدر لي الالتقاء بها، إنها القطة (إيري) فلقد قررت تسميتها بهذا الاسم وقد يتعجب البعض مني .. لكنها الحقيقة، إنه السبب الذي جعل الناس يتحاشونني ويتخلون عني كذلك.
قدرتي على فهم هذه المخلوقات الضعيفة جعلت مني شخصاً منبوذاً في المجتمع، لكني لا أهتم، سأواجه مصيري أياً كان.


توقفت عن السير عند هبوب ريح قوية جعلت خصلات شعري الذهبية الذابلة تتطاير في الهواء، ماءت (إيري) لي عند شعورها بمدى ضعفي، فقلت لها بصوتٍ مسموع:
ـ لا تقلقي، سنكون بخير ما دمنا معاً، أعدك بذلك.. سوف أوفر لكِ مكاناً آمناً تعيشين فيه يا صغيرتي.
حينها، لمعت عيناها الزرقاوات الجميلة بسعادة، رافقها مواءٌ جذاب مع ابتسامتها، دمعت عيناي للمرة الأولى أمامها وقلت بنبرة مرتجفة:
ـ أشكرك (إيري)، أشكركِ كثيراً على شعوركِ بي، لم أشعر بذلك منذ زمن طويل.
فركت عيني اليسرى بيدي محاولةً إيقاف دموعي، لكن دون جدوى فقد بدأت أجهش بالبكاء دون توقف، مع استمراري بالحديث معها:
ـ اسمعيني جيداً (إيري)، حتى لو تخلى كل العالم عنكِ، لا تضعفي أبداً.. عليكِ أن تكوني قوية، سوف تكبرين بالتأكيد وتنجبين العديد من الأطفال، من الآن وحتى ذلك الحين، ستفهمين إلى أي مدى هذه الحياة قاسية، لكن لا تهتمي حتى إن افترقنا أو مت أنا، تذكري كلماتي التي زرعتها بقلبكِ يا صغيرتي..و..
توقف لساني عن النطق عند تناثر الدماء من كتفي جراء طلقة نارية جاءت من الخلف، أعاقت حركتي لتسقط (إيري) أرضاً، بينما جثيت بركبتي على الأرض، وأنا أسمع صوت رجل يصرخ بعنف قائلاً بنبرة قاسية اعتدت عليها:
ـ أمازلتِ هنا أيتها الفتاة اللعينة؟ .. ارحلي حالاً وإلا قمنا باستدعاء الشرطة.
ـ لمَ لا تفعل ذلك إذن؟!
أدرت رأسي للوراء لأرى رجال ونساء القرية يجتمعون خلف ذلك الرجل الذي يحمل بندقيته مصوباً فوهتها نحوي، أغمضت عيني بعدما أخفضت رأسي لتنسدل خصلة من شعري على وجهي، مع ابتسامة رسمتها على شفتي وأنا أقول واضعةً كفي على كتفي الغارق بالدماء:
ـ أعلم بأنكم هنا، لا داعي للاختباء كالجبناء خلف مجموعة من الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة.
تغيرت نبرتي الهادئة إلى متوحشة غاضبة، مع اتساع عيناي لأقصى حدودها، وصراخي بألم:
ـ عرفت أنكم لن تتركونني وشأني ما دمت على قيد الحياة، لماذا لا تقومون بقتلي إذن؟ ألم تملوا من مطاردتي أينما ذهبت؟!
صككت على أسناني بشدة حين خرج رجلان من بين الحشود، يغطيهما السواد من رأسيهما لأخمص أقدامهم، لم أرى ملامحهم قط لكنني حفظت مظهرهم جيداً، فمنذ أن كنت بالسادسة من عمري لم يكفا عن مطاردتي من مكانِ لآخر ليحققوا ما يريدونه، اهتز حاجباي بانزعاج وقلت عاقدةُ قبضتي اليمنى:
ـ ما الذي تريدان مني فعله؟
نطق أحدهم بعبارات كثيرة كأنه آلة كانت تنتظر الأمر بالكلام، حيث قال بحزم وهو يقف باستقامة:
ـ لن نقوم بقتلك طبعاً، فنحن نريد إجراء بعض الاختبارات عليكِ أولاً، لذا تعالي معنا دون مقاومة وإلا سنضطر إلى قتل أحد الأطفال المتواجدين هنا.
صرخت عليه دون أن أشعر بما نطق به لساني:
ـ إياك أن تفعل ذلك، سوف آتي معكم إلى أي مكان شرط أن تكفوا عن إيذاء الآخرين لأسباب سخيفة كهذه أيها المجرمون الأوغاد.
أرجع ذراعيه خلف ظهره وقال بنفس النبرة السابقة:
ـ حسناً، أسرعي من فضلك.
تذكرت في تلك اللحظة (إيري) التي تقف خلفي، التفت إليها لأرى حزن العالم بأكمله في عينيها، عرفت أنها تبكي بعمق من أجلي، رغم تلك الظروف ابتسمت لها بمرح وقلت:
ـ سأكون بخير، بالتأكيد.
فجأة، قفزت نحوي متشبثة بملابسي المهترئة، لعقت وجنتي بلطف لتمحو تلك الابتسامة كلياً، احتل الحزن مكانها، رفعت يدي إليها لأمسح على ظهرها هامسة:
ـ إنه وقت الفراق، لن أتمكن من أخذكِ معي، سامحيني لأنني لم أفي بوعدي... (إيري).. غادري هذه القرية حالاً، واهتمي بنفسكِ جيداً.
ما إن أنهيت كلماتي تلك حتى وضعتها على الأرض، والدموع تغرق عيني، انتصبت واقفة على قدمي مديرةً ظهري لها، سرت بخطوات متقاربة متأملة أن يتوقف الزمن، أو تنتهي حياتي قبل وصولي إليهم، لكن مواء (إيري) لي كان يزيد من عزيمتي مع مرور كل ثانية، فور وقوفي أمام أولئك الرجال ركضت القطة نحوي طالبةً مني عدم الرحيل وتركها وحيدة، قلت بتلك اللحظة بأعلى صوتي:
ـ لا تقتربي أكثر، ألا تفهمين ما قلته لكِ؟
أدرت رأسي إليها لترى اشتعال الغضب في عيني، تابعت قولي محركةً ذراعي بانفعال عندما توقفت عن الركض:
ـ ارحلي.. قلت لكِ ارحلي حالاً من هذه القرية، عيشي حياتك دون تراجع، أرجوكِ (إيري).
تراجعت للخلف مع ارتجاف جسدها، ولم تمر إلا بضع ثوانٍ حتى ركضت مغادرة بعيداً عني، الصديقة الوحيدة التي وقفت بجانبي، وأحست بمشاعري ونبض قلبي قد ذهبت الآن، شعرت بألم يعتصر صدري و كأن خنجراً حاداً يجتث أوردتي و ينغرس بداخلي، مسحت علامات الحزن عن ملامحي وبدلتها بملامح جادة أمام أولئك الرجال، حين أوشكت على الكلام صفق أحدهم بحرارة وقال بحماس:
ـ هذا ما توقعته من الفتاة الملعونة، ستكونين ثروة كبيرة للرئيس بالتأكيد.
انتكس رأسي للأسفل وقلت بهدوء:
ـ خذني إلى حيث تريد أرجوك، فلم أعد أطيق البقاء هنا أكثر.
طلبت ذلك لأنني لم أعد قادرة على تحمل نظرات الآخرين المتسلطة علي، عيون حاقدة حتى من الأطفال، بدأت أتسائل حقاً..(لماذا لم تغادر روحي هذا العالم يوم ولدتني أمي؟)..


انغمست في ظلام تلك العصبة التي ربطوها على عيني، قدمي كانت تسير حسب إرادتهم هم لا إرادتي أنا، لم أشعر بالخوف مطلقاً وكأن المشاعر قد انتشلت من قلبي تاركة إياه ينبض في برود مطلق ويتجمد ببطء، كنت على أتم الاستعداد لمجابهة قدري المحتوم، كل ما قدر لي منذ ولادتي، سيحدث الآن، لن أندم للحظة على ما فعلته بحياتي، ها قد وصلت لربيعي الثامن عشر، ولن أخشى شيئاً بعد الآن..


أوقفوني عن متابعة السير بعد لحظات ثم أدخلوني إلى قفص استشعرت صغر حجمه بعدما ضاقت أركانه على جسدي النحيل ، وفهمت من خلاله مشاعر تلك المخلوقات الضعيفة التي تُحبس هنا، يبدو أنني لم أعد أختلف عنهم في شيء، لا أدري لماذا انتابتني رغبة في الضحك، ضحكت بصوتٍ غير مسموع يجعل البعض يظن أنني غريبة الأطوار لكني لست كذلك، أنا سعيدة، لن أهرب بعد الآن، مطلقاً..
احتضنت ساقي بين ذراعي متذكرةً برودة (إيري) اللطيفة، ترى ما الذي تفعله صغيرتي في هذا الوقت؟!
تنهدت بعمق وقررت الخلود للنوم، لربما أتمكن من رؤية حياة سعيدة بداخل أحلامي، بدلاً من مواصلة الكابوس الذي أشاهده يومياً في حياتي الواقعية، ما زلت أجهل حقاً ما سيفعلونه بي أولئك الأشخاص، ولا ارغب بمعرفته أيضاً، غفوت لا شعورياً من شدة الإعياء، نمت وأنا أهمس لنفسي:
ـ ليتها تكون الأخيرة.

فتحت عيني على اهتزاز القفص الذي أمكث فيه، فرفعت رأسي لعلي أعرف ما يجري، لكن لا جدوى من ذلك، عيناي لا تزالان على حالها، و قد تم ربط حبل غليظ حول معصمي يمتد منه حبل آخر ملتفٌ حول عنقي، ربما فعلوا ذلك أثناء نومي ولم أشعر بهم، ترى ما الذي يحدث لي؟..! نبضات قلبي بدأت تتسارع وكأنه يحاول الهرب بعيداً عني ! حتى أعضائي ترغب بالتخلي عني؟.. من يريدني إذاً؟.. كانت تلك هي المرة الأولى التي أندم فيها على العيش، إحساس قاتل أن تحيا كشخص منبوذ بين الجميع ، أليس من المفترض أن أعتاد عليه! عضضت شفتي السفلى بقوة حتى نزفت دماً، رافقتها دموعي التي بدأت تنهمر دون توقف..
أنا خائفة، لماذا أنا خائفة؟!.. جسدي يرتعش بصورة غريبة، أريد الموت.. أرغب بالموت في هذه اللحظة..

Kikumaru Eiji
05-03-2011, 15:12
فجأةً، سمعت الكثير من الضوضاء لم أفهم شيئاً منها، كنت أتطلع لمعرفة ما يجري، أخيراً أحسست بضوء ساطع يدخل إلى قفصي، رافقه صوت رجل ضخم بدا في الأربعينات من عمره، رغم عدم مشاهدتي له إلا أنني أيقنت ذلك من سماعي لنبرة صوته، ركزت في كلماته جيداً وهو يقول:
ـ أخيراً، جاء اليوم الذي انتظرتموه طويلاً.. يوم المزاد العالمي حيث سنعرض لكم تحفة فنية فريدة من نوعها، قد قمنا بالتقاطها من أعماق الأرض لنحضرها لكم، هل أنتم مستعدون لرؤيتها؟.. إذن تفضلوا..
شعرت حينها بشخصٍ يزيل العصبة عن عيني لأتمكن من فتحها وأرى ذلك المنظر الرهيب، الكثير من النبلاء يقفون أسفل خشبة المسرح مندهشين لرؤيتي، لدرجة أنهم فقدوا كلماتهم، لم ينطق أحدهم بكلمة فور مشاهدته لي، ألست بشرية مثلهم؟!.. تلك الأعين الحقيرة التي أكرهها ترمقني بنظرات قاسية لا تعرف معنى الرحمة، وسط هذا الهدوء تابع الرجل الضخم ذو الملابس الرسمية كلامه مشيراً بيده القذرة نحوي:
ـ قد تبدو بشرية من الوهلة الأولى، لكنها الفتاة الملعونة القادرة على التخاطب مع الحيوانات كما لو أنها واحدة منهم, أنظروا جيداً إلى عينيها القرمزية، ستحصلون على مبالغ هائلة لو قمتم ببيع العين فقط، هيا من يرغب بشراء هذا المخلوق؟!.. سنبدأ بمليون ين.
اتسعت عيناي ورمقت الرجل بنظرات مستغربة، بينما رسم هو ابتسامته الخبيثة على شفتيه، استسلمت للأمر فقد راهنت حياتي به، أنزلت نظري للأسفل وأنا أستمع إلى تلك الملايين التي تعرض لشرائي، شيئاً فشيئاً بدأت بالتساؤل في أعماقي:
ـ هل سأكون سعيدة لو امتلكت المال؟
ثم حركت بؤبؤ عيني يميناً ويساراً متأملة الحشود، ذاك يصرخ بمبلغ خمسة ملايين وساعة ألماس تلتف حول معصمه، أما تلك المرأة السمينة لا أكاد أن أرى عنقها بسبب كثرة الحلي والأساور التي تغطيه وتطلبني بمبلغ ستة ملايين هي الأخرى، لطالما كانت حياتي بائسة، أليس من المفترض أن أكون معتادة على هذا؟
رفعت رأسي للأعلى لتنعكس الأضواء الذهبية على دموعي المنهمرة بغزارة, وقلت بمرارة:
ـ كيف لي أن أعتاد على البؤس؟
صرخت بأعلى صوتي قائلة:
ـ أريد العيش بسعادة ولو لـ ساعة واحدة في هذا العالم.
تناثرت دموعي اللامعة في الهواء، تابعت الحديث بنبرة باكية مرتجفة في ذلك الصمت الغريب الذي عم أرجاء القاعة:
ـ أنا بشرية مثلكم أيضاً، لماذا تعاملونني بهذه الوحشية؟.. ألا تملكون قلباُ ينبض بالمشاعر كما لدي؟..
تبسمت ضاحكة وسط حديثي:
ـ أليس ذلك صحيحاً؟!.. أنا..
توقف لساني عن النطق عندما صرخ مقدم العرض علي وهددني بسوطه قائلاً بعصبية:
ـ اخرسي، أيتها الحقيرة.. أنتِ لا تستحقين العيش حتى، فكيف تجروئين على التحدث مع النبلاء بهذه الوقاحة؟ سأوسعك ضرباً إن...
ـ عشرون مليون ين.
خرج هذا الصوت من بين كل الناس المتواجدين هنا، ناطقاً بذلك المبلغ الهائل، حركت رأسي نحو مصدره لأرى شاباً بدا في الثلاثينات من عمره، يرتدي بذلة رسمية، ويدخل يديه في جيوب بنطاله الأسود، لقد كان مختلفاً عن الآخرين بابتسامته الواثقة وبريق يشع من عينيه ، توقفت دموعي المتمردة وارتسم على ثغري ابتسامة صغيرة دون أن أدرك السبب، أشار علي حينها غامزاً بعينه اليسرى ثم قال:
ـ لقد أعجبت بها، هل يمكنني شراؤها؟!
ارتبك مقدم العرض بعض الشيء لكن لم يلبث أن انتصب واقفاً وهو يخاطب الجميع بقوله:
ـ ألن يدفع أحدكم مبلغاً أكثر من عشرون مليون؟
تبادل كل شخص النظرات مع الآخر أما أنا فلم أبعد ناظري عن ذلك الشاب الذي تقدم نحوي لتظهر لي ملامحه الجذابة بزرقة عينيه وطول قامته، وقف أمام القفص مباشرةً وهمس لي بنبرة اخترقت طبلة أذني دون استئذان أو تردد:
ـ ستعيشين بسعادة برفقة الأشخاص المقدرين لكِ فقط.
ـ الأشخاص المقدرين لي؟!.. ما الذي يعنيه بقوله؟
لم أفهم ما يقصده بتلك اللحظة، وليتني لم أفهمها على الإطلاق، لكني حقاً ومنذ ذلك اليوم و أنا مدينةٌ لهذا الشخص.. أجل لن أنسى أبداً ما فعله لي..فقد جعلني على الأقل أبتسم بصدق للمرة الأولى في حياتي.


حُملت بعد ذلك إلى سيارة سوداء ذات طراز حديث فاخر وأنا لا أزال حبيسة القفص لسبب بدا مجهولاً بالنسبة لي، لماذا ما أزال مربوطةً هكذا!.. ألن يقوم هذا الشاب بإسعادي أم أنها حيلة أخرى من حيل البشر..!
وضعت في المقعد الخلفي من السيارة، بينما جلس الشاب بجوار السائق وحدثه بلغة لم أتمكن من فهمها، حاولت النظر من خلال النافذة للطريق على الأقل، لكنها حجبت بالستائر السوداء التي تمنع الرؤية، أطلقت تنهيدة عميقة تصور مدى ضجري، و عندما أحسست بطول الطريق غفوت دون أن أشعر..


ـ استيقظي... قلت استيقظي..!
نهضت على صوت الشاب وهو يوقظني، فتحت عيني بسرعة لأراه يقف بجانب الباب الذي أجلس بقربه، ويرمقني بنظرات عادية لم أتوقعها، حتى أنني شعرت بالطمأنينة تجاهه، ثم جاء السائق وحمل قفصي إلى الخارج ، لقد سمح لي برؤية أغرب الأمور، نحن نقف في مكان فارغ مغطى بالأعشاب الخضراء وأمامنا مباشرة تلك الغابة الكثيفة، أجزم أن من يدخلها لن يعرف نهاره من ليله، لكن لحظة واحدة...
أليس هذا هو ما تمنيته؟.. سماء صافية.. عصافير مغردة.. أشجار كثيفة.. أماكن هادئة..! لمَ؟ لمَ أحضرني إلى هنا بالذات؟
أردت سؤاله لكنه سبقني بالإجابة المباشرة:
ـ هذا هو المكان المقدر لكِ، هناك الكثير من الحيوانات المفترسة في الداخل، ستكونين محظوظة إن نجوتِ وعدتِ إلي خلال شهر واحد، سأعدك حينها بتوفير كل سبل الراحة لكِ... هذا هو شرطي، ما رأيك؟
تبدلت ابتسامته اللطيفة وحل محلها الخبث ، كما توقعت لم يكن مختلفاً عن البقية، لكن الخير الوحيد الذي فعله هو فتحه لباب القفص وإطلاق سراحي ، تقدمت نحوه وقلت متسائلة بجدية:
ـ ماذا سيحدث إن لم أعد إليك خلال شهر؟
زفر بضجر وقال متظاهراً بالشفقة:
ـ ستكونين ميتة لا محالة، وسأنسى أمركِ كذلك.. أم أنكِ تظنين بأنني سأضحي بنفسي بحثاً عن شخص مثلك؟
هبت ريح قوية داعبت خصلات شعري الذهبية الناعمة، وقلت بأعماقي:
ـ لقد قررت فعلها، (إيري) لقد قررنا أن نواجه مصيرنا أيا كان، كلٌ منا سيواجه مصيره بمفرده، وإن صمدنا..
سرت نحو أعماق الغابة مخاطبة نفسي, أمشي بين الأشجار الخضراء الكثيفة:
ـ إن صمدنا سوف نلتقي ذات يوم لا محالة، وتذكري دائماً بأنني لن أنسى فروك الناعم ولا موائك اللطيف.
فور دخولي إلى أعماق هذه الغابة الموحشة، قررت بدء حياة جديدة فيها، بعيداً عن ظلمات البشر، هروباً من الواقع البائس والعالم الذي كنت أعيش فيه، إنه كما قال ذلك الشخص.. المكان المقدر لي.. هذا قدري..و سوف أواجهه ما دمت على قيد الحياة...







The End

orrora
05-03-2011, 19:46
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

كيف الأحوال صديقتى الحبيبة كيكو؟؟

لقد اشتقت كثيراً لكتاباتك الرائعة...

عن جد أنا عاجزة عن التعبير..

قصتك رائعة بكل معنى الكلمة,, مذهلة...

ولو كانت هناك كلمات أقوى أعرفها لكنت أول من قالها...

حبكة درامية راااائعة, ومغزى رفيع...

ووصف يجذب القارئ إلى النهاية..

أنت دوماً كما عهدتك كيكو...

بالتوفيق لك ولفريقك فى المسابقة....

دمت لنا مبدعة...

glass lady
05-03-2011, 20:49
~

حجز ..


فلم أُنهي قرائة سوى اول سطور لكني أُعجبت حقاً بخيالك الخصب وأوصافك التي لم تخلوا من لمسات الابداع ..

أبهرني اسلوبك فعلاً

لي عودة ..


~

ايفا واي
06-03-2011, 14:08
يالاهي يافتاة راااائعة القصة
الوصف فيها ممتاز ويجعلك تعيشين في داخلها تماما
رغم انني وجدت العلاقة العميقة تلك بين فتاة و قطة غريبة بعض الشيئ>< لربما لانني تقليدية جدا :لعق:
جيد جدا فعلا رائعة نهاية القصة المؤثرة
بالتوفيق لكنّ~

تحياتي واعذري لي قصر ردي ><

همس اعماق البحر
07-03-2011, 15:49
الســلام علـيكم ورحـمة الله وبـركـاته

كيـــــف حالـــــك :D .. :لعق:
القصة جميلة جدا ومؤثرة :بكاء:
وصفك سلس واختيارك للالفاظ دقيق ومتنوع :سعادة2:

القصة رغم انها قصيرة قليلا الا انني لم اقفز او ازحف فيها ( سيتم الشرح حالا :نينجا:) كما في أغلب القصص القصيرة :غياب:
في الحقيقة انا معتادة على النقد السلبي اكثر من النقد الايجابي :لقافة: <~ :ضحكة:~

وبما ان قصتك ما شاء الله :سعادة2: لم اجد فيها اي شيء لتصطاده شبكتي الصغيرة فلا يسعني القول الا مبدعة بكل معنى الكلمة ::جيد::
علامات الترقيم ، تسلسل الاحداث ، حبكة القصة ، خلوها من الاخطاء الاملائية ، تنسيق النص وترتيبه كل هذا نادرا ما اراه ::سعادة::

وايضا طريقة تعبيرك عن مشاعر الشخصيات ووصفك لحركاتهم رائعة وتدخل القلب بسرعة وتؤثر فيه :أوو:
النهاية رااائعة ومناسبة جدا للقصة شعرت بالسعادة وانا اقرأ فيها وكأنني الفتاة نفسها :d

اشعر ان ردي به خطأ ما :بكاء:
لست معتادة على الردود القصيرة :جرح:
لكنها افضل من الحيرة والقراءة بصمت خلف الستائر البراقة :ضحكة:~

عزيزتي سلمت اناملك على ما ابدعت من لمسات فنية جميلة :)
اتمنى لكم التوفيق في المسابقة :).. والفوز للأفضل :مكر:

فــي حفظــ الله ورعايته ..~

♥ نـوال ♥
07-03-2011, 23:48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال عزيزتي؟
بخير إن شاء الله
قصتكِ رائعة بمعنى الكلمة
في البداية
العنوان جذاب جدا
منه ينبعث الأمل المتجسد بذلك الضوء
شدني كثيرا لأدخل وأقرأ ما خبأته سطوركِ المبهرة
ما شاء الله
الأحداث جميلة جدا
أحزنتني حال تلك الفتاة كثيرا
بقصتكِ هذه صورتِ حال الوحوش البشرية
وكيف أنهم يحاولون استغلال كل ما يقع بين أيديهم
هم يحقدون على الفتاة لأنها مختلفة ، وفي نفس الوقت يسعون خلفها لتكون سببا في ثرائهم
حقا أبدعتِ وأحسنتِ بتصوير ذلك
حياة الفتاة كانت شاقة لكنها مع ذلك لم تفقد الأمل أبدا
أحببت كثيرا إلتقاءها بالقطة ، وحزنت كثيرا لفراقها عنها
لوهلة ، عندما قال الرجلان أنها ستكون ثروة لرئيسهم ظننتهم سيجرون عليها تجارب مثلا ليعرفوا لمَ هذه الفتاة مميزة
لم أتوقع أن أدمغتهم المتحجرة ستقودهم إلى عرضها في المزاد
وماذا عن ذلك الشاب أيضا
ظننته سيكون الشخص الذي سيخلصها من معاناتها
خصوصا عندما ابتسم لها
لكن يال الأسف :محبط:
المهم
النهاية كانت رائعة بحق
نالت إعجابي كثيرا
نهاية مفتوحة تجعلني أتخيل أنها ستلتقي بايري مرة ثانية :rolleyes:
حقا اسمتعت وأنا أتنقل بين أسطركِ المتألقة
وصفكِ جعلها لوحة فنية متكاملة حقا
بالتوفيق لكِ في المسابقة ^^
في أمان الله
تحياتي

حلم بعيد
27-07-2011, 13:52
قصة بالفعل مميزة

ღ♥ღ klara ღ♥ღ
28-08-2011, 10:55
قصة رائعة

جعلتني اعيش احداثها و كانني معهم

تحياتي

نــسيتـ انسـاكـ
21-09-2011, 22:05
ارفع قبعتي وكلي يقين اني ارفعها لمن يستحق واكثر

فأقف عاجزا امام كتاباتك عزيزتي Kikumaru Eiji

لكي مني خالصالشكر والامتنان مع الدعوة بالتوفيق والسداد