PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : الأمير الساحر



RED ROUS
29-07-2010, 00:44
الفصل الأول

أخترق المركب الجميل النهر بهدوء وانسيابية رائعة , جاذبا إليه مجموعة من الأطفال على الضفة , الذين قامو بملاحقته على الشاطئ ليتوقفوا بعد قليل ملاحظين إبتعاده. ليعودوا بعد ذلك بأقدامهم الحافية وملابسهم الممزقة إلى جانب أمهاتهم, اللواتي جلسن على ضفاف النهر يغسلن ملابسهن. وكانت البيوت الفقيرة المتداعية خلفية ملائمة لمنظر الفقر والبؤس البادي عليهم, في عالم توسعت فيه الهوة بين الفقراء والأغنياء, حيث زاد الفقراء فقرآ, والأغنياء ثراءً. وبينما يقضي الفقير حياته في محاولة سداد ديونه التي تزداد يوما بعد يوم ولا تنقص, صار الأغنياء يتنافسون في زيادة أرباحهم ورفع أسعارهم, غير مبالين بأنهم يقومون بذبح الفقراء والقضاء عليهم, وكأن الحرب والإستعمار لم تفعل ما يلزم .
وعلى مقدمة المركب وقف الشاب الوسيم إبن السابعة والعشرين يراقب منظر الأفق الجميل, حيث ظهرت الجبال الشاهقة بلون رمادي, لتتصل بالتلال الخضراء الجميلة, التي يخترقها النهر بلونه الأزرق الرائع راسماً لوحة في منتهى الجمال. وعلى مسافة من النهر فوق أحد التلال القريبة كان القصر الشاهق بشرفاته الواسعة وحدائقه الجميلة, مكملاً الجمال الساحر ولم يكن يفسد ذلك الإبداع الرائع غير تلك البيوت الحقيرة المصنوعة من أغصان الأشجار المدعومة ببعض الحجارة والقش بسكانها البؤساء.
استدار عائدا لمقطورته وهو يشعر بإحتقار وقرف, فهو لايشعر أنهم بشر مثله . فقد تعلم منذ طفولته أن هؤلاء الرعاع حوله خلقو من اجله, واجل راحته .ولم يكن يستطيع أن يتصور أن لهم مشاعر وأحاسيس مثله ,فهم مجرد شيء لا أكثر في حياته بعضهم وجد للتنظيف, والأخر للزراعة, والبعض للتعليم, وهناك من وجد فقط لتعكير صفو الجمال المحيط به .
كان يتمني لو أنه يستطيع إقتلاع هذه الأكواخ الحقيرة حول النهر, وأن ينهي منظر الأطفال القذرة من الوجود, ولكن للأسف الشديد هؤلاء الرعاع هم ما يسميهم والده الحبيب بالشعب.
شخر سيف حين وصل بتفكيره لهذا الحد : أي شعب ؟؟
للأسف تفكيره المتعالي هذا كان يبعده عن والده بينما يقرب شقيقه نور من أبيه.
نور الدين !! فكر سيف بذلك الشاب الطويل السريع الحركة المبتسم الثغر, ورغم أنهما متشابهان شكليا وجسديا إلا أنهما مختلفان تماماً في طباعهما مثل الليل والنهار فقد كان شقيقه يهتم كثيراً بالناس و يقوم بتعليم أطفال البلدة القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم وكذلك يقوم بمعالجة الناس على حسابه الخاص كيف بإمكان أمير أن يدرس الطب إن الطب فقط للجزارين حتى يرتدوا عباءة محترمة وتكون لهم سمعة طيبة بين الناس لكنهم في النهاية ليسو أكثر من جزارين قرويين حمقى .كيف قبل نور أن يكون واحد منهم وليس هذا فقط بل أن يفتح عيادة مجانية للأطفال.
فكر سيف ساخراً أن شقيقه يحب الأطفال كثيراً لابد أنه سيكون أبا رائعاً. وهنا ظهرت تكشيره على وجهه فقد تذكر والده الذي سيصبح في أي لحظة أب للمرة الثالثة.
فقد تزوج بعد سنوات من الحزن على زوجته المرحومة. واحضر شابة جميلة من أحد القرى في الجنوب الغربي من البلاد وأعلنها زوجة له من غير تمهيد وهاهي هذه الشابة تحمل له طفلاً ربما يكون صبياً ينافسه على مكانته عند والده كلا لن ينافسه فهو لم يكن يوما محبوب والده بل سينافس نور الإبن الغالي لوالده.
ولكن لم يشعر هو بهذه الغيرة القاتلة ولكن له عذره فكونه الإبن الأصغر فقد تعلق كثيراً بأبيه بعد وفاة والدته, ودلـله أباه كثيراً ليعوضه عن حنان الأم وعاطفتها وهاهو الأن يشتكي منه ويتذمر بأنه أفسده.
حتى نور رغم أنه يحاول إصلاحه إلا أنه يشعر في بعض الأحيان بنفاذ صبره .حاول سيف طرد هذه الأفكار من رأسه قائلاً:
- يالهما من معقدين لقد حرما الكثير بسبب القيم والمبادئ.
أم هو فقد أستمتع بأوقات رائعة في حياته وخاصة خلال الأيام الماضية. تذكر عندها تلك الفتاة الرائعة الجمال التي قضى معها وقتاً رائعاً ما أسمها, وظهرت تقطيبه على وجه فهو لا يتذكر أسمها هل هو حقا مبالغ في تصرفاته ؟؟
ولكن عاد فشخر ساخراً وأقترب من النافذة وراح يراقب المنظر الرائع للجبال البعيدة المكسوة بالخضرة بتدرجاتها الرائعة والقصر الذهبي الذي يقف شامخاً على تله غير بعيدة تحيط به الحدائق.
كم كان سعيداً هناك حين كان يركض بين الخمائل ووالدته تلعب معه, ورغم ما يشعر به من حزن لذكرياته, كان يشعر بالراحة عند عودته للقصر, بيته, هذا ما يشعر به هنا رغم صراخ والده ومواعظ شقيقه.
فجأة قطع حبل أفكاره طرق على الباب.
ودخل الخادم بعد الإستئذان وقال:
- مولاي الأمير سيف الدين, جاءت رسالة من القصر.
كان يبدو على الخادم الخوف مما جعل سيف يرتاب من الأخبار التي تنتظره ليته لم يعد.
- ما الأمر تكلم
تكلم سيف بهدوء يثير الرعب أكثر من الصراخ . عندها ركع الخادم على ركبتيه من الخوف وقال بصوت مرتجف:
- الأميرة جوهرة أنجبت صبياً.
وكان هذا كافياً ليسوٍد وجه سيف وصرخ هذه المرة بغضب:
- دعهم يرسون على المرفأ.

***************************

كانت الأميرة جوهرة تهدهد المهد وتنظر بعينيها العسليتين الناعستين إلى طفلها الصغير الذي كان يقاوم النوم وتغني له بحنان لعله يقبل وينام . كم هو حبيب هذا المخلوق الصغير حتى بكاءه كان في منتهي الروعة.
- من الأفضل أن تحكي له قصة.
تفاجاءت الأميرة بهذا الصوت وخاصة بالشخص صاحب الصوت كانت تعتقد أنه سيعود الأسبوع القادم فمالذي أعاده الأن . إنها لا تشعر بالراحة بوجوده فدائماً تشعر بعينيه الساخرتين تنظران إليها بسخرية وإحتقار لطالما شعرت أنه يتهمها بأنها تزوجت والده عن طمع.
إنه لا يفهم. لا يمكنها أن تدعي أنها تزوجت الحاكم بسبب الحب, لكن في مجتمع قروي في منطقة نائية بعيدة , تتوقع الفتاة الأسوء. فالزواج الذي يبدو كحلم للفتيات يصبح في هذه القرى كالكابوس. فعلى الأمهات أن يجهزن بناتهن منذ الصغر لدخول غابة الزواج, عليهن أن يعلموهن أن يأكلن قبل أن يؤكلن. فهناك والدة وأقارب الزوج الذين لا محال يبحثون عن أي نقطة ضدها ليخضعوها. فالسيدة المحسودة هي من تستطيع إخضاع كناتها وجعلهن خادمات لها ولبناتها . وبالنسبة للأزواج فهم أولا يخضعون لسيطرة أمهاتهم , وثانية لقوانين المجتمع الذي يسخر ممن يعامل زوجته بالطيبة , فيدعون أنه ليس رجلاً , فحسب إعتقادهم الرجل هو من يضرب زوجته ويهينها ويخضعها . وفوق هذا كله كثيراً ما شاهدت في غياب القانون قتل هؤلاء الفتيات على يد أزواجهن ,أو على يد أهل الزوج , وذلك أمام مرئ من أهل الفتاة العاجزين عن أي أمر .
وربما لذلك السبب سن القدماء قانون البدل لحماية هؤلاء الفتيات. فعلى الرجل الذي يريد الزواج أن يعطي فتاة مقابل المرأة التي يريد الزواج بها, وهذه الفتاة يمكن أن تكون أخته أو إبنته أو إبنة أخيه أو إبنة أخته. في هذه الحالة يخاف الزوج وأهله من إيذاء الزوجة مخافة من أن تتعرض إبنتهم بالمقابل للإيذاء على يد أهل الزوجة.
وحتى في هذه العادة التي كان القصد منها حماية الفتيات, ظُلمت الفتيات. فكثيراً ما تعذبت فتاة بغير سبب لأن شقيقها قام بتعذيب زوجته التي هي شقيقة زوجها . لهذا في مجتمع لا عزاء فيه للمرأة. تكون المرأة التي يتقدم للزواج منها رجل متعلم وثري محظوظة جدا, حتى ولو كان هذا الرجل بعمر جدها, فما أجمل أن تسمع المرأة كلمة جميلة من زوجها, ونظرة حانية, ومعاملة عادلة. هل بالإمكان بعد ذلك أن لا تغرم وبجنون من منقذها؟! و تحمد ربها كل ليلة على هذا الزوج الرائع .
ولكن أين لهذا الإبن المتغطرس أن يفهم هذا. فهو رجل, وأيضا عاش في مجتمع متحضر نسبيا أمام مجتمعها, غير حياة القصر الراقية التي تربى فيها. كم تتمنى أن يكون إبنها راقياً مثله, كلا ليس مثله بل مثل نور هذا الشاب الرائع المختلف عن سيف . والذي فتح ذراعيه لها وعاملها كأخت له, إنها تحبه وتقدره كثيراً على عكس شقيقه الذي تخافه وتكرهه.
عادت إلى الواقع على صوت سيف .
- في الغناء لن يتعرف على صوتك جيداً, مثلما يمكنه التعرف عليه في قراءة القصة.
ردت عليه بابتسامة محاولة التعامل معه بهدوء:
- ولكنه لن يفهم القصة.
فقال بسخرية:
- ولن يفهم الأغنية.
ثم تراجع حين أحس بارتباكها وحرجها.
- ما يهمه هو أن يسمع صوتك لكي يعرف أنك موجودة بقربه ومن أجله. وحين يكبر قليلاً سيفهم القصص أسرع ويستوعبها أكثر.
فضحكت بإرتباك حين لمست منه قليلاً من عطف لم تكن تعرف أنه يمتلكه.
- وأي قصة تنصحني بقراءتها له.
فقال ساخراً:
- إختاري أنت القصة وسيختار هو الشخصية.
وحين لاحظ الإرتباك وعدم الفهم على وجهها أجاب:
- بإمكانك إختيار أي قصة علاء الدين والمصباح السحري مثلاً أو علي بابا والأربعين حرامي أو سندباد البحري بإمكانك إختيار أي قصة فالقصص تربي , أنشانا والدنا على القصص , تعلمنا من صغرنا الخير والشر, والصح والخطأ, وكذلك المبادئ السامية من القصص .
ثم أكمل بسخرية مرة:
- وحين يكبر سيختار هو أي شخصية منها يختار, أيختار دور البطل أم
الشرير ؟؟
- وهل هناك من يختار شخصية الشرير؟!
وكانت هذه المقاطعة من والده الذي دخل الغرفة وسمع حوارهم الأخير وكان نور كالعادة يتبعه.
فتقدم سيف وقبل والده على يده فسحبه الأب إلى حضنه وضمه وقال له:
- لقد اشتقت إليك كثيراً بني . يجب أن تقلل من رحلاتك. أعتقد أن علينا أن نبحث لك عن عروس لتستقر.
رد سيف :
- لم اُخلق للإستقرار يا أبي.
هنا تدخل نور حين راء أن الأجواء قد تتصاعد بين والده وشقيقه:
- ألن تصافحني أخي.
حينها تقدم سيف من أخيه معانقاً بينما ذهب الوالد بقرب زوجته وابنه المولود وحمل صغيره وراح ينظراليه بحنان وحين أستدار سيف وراء ذلك المنظر شعر بخنجر يطعن قلبه لقد سلب الصغير قلب أبيه.
نظر الوالد إلى إبنه سيف متذكراً.
- كنت تقول إن هناك من سيختار دور الشرير ؟؟
فأجاب سيف بجدية مصطنعة:
- طبعا أبي فالشرير شخصية محبوبة.
نظر الوالد إليه بإستغراب يصل لدرجة الصدمة:
- محبوب؟؟
قال سيف ساخراً:
- الشرير يصنع القصة بينما كل ما يفعله البطل هو إنهاء القصة, وقتل الشرير المسكين.
ضحك نور:
- لم أكن أعرف أن الشرير مسكين.
رد سيف بسخرية:
- حسناً الم يكن ريئس العصابة في على بابا مسكيناً, لقد جمع ثروة طائلة عبر سنين ليأتي صبي تافه ويأخذها منه . ألم يكن يحق له إسترجاع ماله ؟.
فقال الأب بإعتراض:
- ولكنه كسبها عن طريق السرقة ونهب الناس.
فرفع سيف حاجبه وقال باستغراب:
- وبأي طريقة كسبها على بابا ؟
قال الأب بإعتراض:
- لا يمكن أن تكون مقتنعاً بذلك.
قال سيف بتمرد:
- أبي الحبيب الحياة ليست جانباً واحداً والبشر ليسو ملائكة أو شياطين.لكن المجتمع والقصص علمتنا أن نأخذ جانبا واحداً, وأن نشجع البطل مهما فعل , ندين غيره إذا ما أجرم ,ونبرر تصرف البطل , لا يمكن أن تكون شخصيتنا محكومة من جانب الأبطال فقط .
فقال الأب وقد هدأ قليلاً:
- وأي شخصية تختار أنت.
فأنحنى سيف محيياً أبيه بسخرية:
- طبعا الشرير.
- ماذا.
كان الأستغراب من الجميع.
فقال هو بإستغراب:
- لقد تركت شخصية البطل لشقيقي نور الدين.
ورحل تاركاً الغرفة في جو من الأستغراب والحزن والكره ...

RED ROUS
29-07-2010, 00:45
شعر سيف بالضيق وهو يقف على شرفة القصر الرئيسية يراقب غرو ب الشمس لم يكن يجب عليه العودة للبلاد.
لقد بحث عن والده في القصر, ولم لم يجده ذهب لغرفة الطفل لرؤيته ورأى هناك زوجة والده, وحصل ما حصل. كل رغبة منه في التقرب إلى والده يفسدها فوراً بتصرفاته. ورغم ندمه لاحقاً وتصميمه على تحسين تصرفه إلا أنه يعود فيكرر تصرفاته التي تغضب والده. وفجأة سمع حركة خلفه.
وعرف من غير أن يستدير أنه شقيقه نور. لا بد أنه قادم لإلقاء موعظة أخرى من مواعظه التي لا تنتهي.
توقف نور بجوار شقيقه وقال:
- ما أجمله من منظر.. توقعت أن أجدك هنا.
لم يجبه سيف فتنهد وأكمل:
- كم هي جميلة تلك الأيام الماضية حين كنا نركض هناك في الحدائق مع أمنا وبعد أن نتعب من اللعب نصعد على الشرفة لنستلقي على الأرائك ونشرب مشروب بارد وفي نفس الوقت تبدأ والدتنا برواية قصة لنا. أعتقد إننا تربينا على تلك القصص وتعلمنا منها أكثر مما تعلمنا من المعلمين الذين أحضروهم لنا.
فقال سيف بحزن ومرارة:
- وهنا على هذه الشرفة وقفت أياما وأسابيع أنتظر حتى غروب الشمس ربما تظهر أمي بسحر ما من بين الخمائل وتصعد وتقول لي لقد عدت أو حتى أن تقول لي تعالى معي.
قال نور مواسياً:
- كنت صغيراً.
فقال سيف بغضب:
- ولكنه كان جرحا كبيراً ولقد كبرت وكان ينبغي أن يصغر ولكنه كبر معي.
قال نور:
- ربما لأنك أخترت أن تكون وحيداً وأن تبتعد عن كل من تحبهم. الألم يصغر بوجود الأحبة حولك.
فقال سيف بهدوء:
- من الأفضل أن لا تحب أحد حتى لا تتألم.
وضع نور يده على ذراع شقيقه وقال:
- أنا شقيقك سيف الدين ولست عدوك.
فقال سيف:
- لست عدوي ولكنك خصمي . منذ صغرنا وضعنا والدنا في كفتين إذا أرتفع أحدنا هبط الأخر لا يمكن أن ترجح الكفتين معا أبدا فلسنا مثل بعض.
فقال نور مفكرا :
- ربما كان هذا التصرف خاطئاً من والدي ربما توقع منك أن تكون مثلي.
فقال سيف بغضب:
- ولكني لست مثلك.
قال نور بهدوء:
- أعرف . لديك مميزات رائعة وشخصية قوية أحسدك عليها.
رد سيف بمرارة:
- وكل ذلك يبهت ويختفي في حضورك الملائكي ولهذا اخترت أن أكون شيطان.
رد نور بعصبية:
- كلا لست شيطان لقد قلت بنفسك نحن بشر ولسنا شياطين أو ملائكة.
رد سيف بهدوء هذه المرة:
- هذا ما نعرفه أنا وأنت , أم الناس فهم لا يؤمنون باللون الرمادي , أم ابيض أو أسود .ولأني مختلفاً عنك فقد جعلوا مني شيطان. لا بد أن والدي كل ليلة يدعو الله أن يصلحني.
قال نور:
- كل الأباء يدعون بذلك لأولادهم.
رد سيف ساخراً:
- ولكنه يحمد الله لأنه رزق بك .
ترك الشرفة ودخل غاضباً . بينما وقف نور حائراً مالذي يصنعه ليعيد تلك المحبة بينه وبين أخيه.

***************************

دخل سيف غرفته فأحس بوجود شخص ما. تقدم تجاه سريره وخلع الأجرك ( رداء كالشال يرتديه مثل رداء الإحرام ) ورماه على السرير وقال دون أن ينظر خلفه:
- هل كنت بانتظاري.
خرج من الظل رجل نحيل جداً على رأسه عمة كبيرة بينما تصل لحيته الرمادية إلى تحت صدره ورغم طوله فقد كان محنياً ظهره وتحرك بهدوء تجاه سيف وكأنه يسحب في الأرض وقال بصوت عميق:
- مولاي.
أستدار سيف ورفع يديه في إبتسامة صادقة فتقدم الرجل منه وتعانقا في محبة صادقة وقال سيف:
- أنت الوحيد الذي أشعر بالفرحة للقائه هنا.
أبتسم الرجل بحنان وقال:
- إنه شعور متبادل بني.وكم هو خالي القصر من دونك.
أبتعدا عن بعض ولكنهما ظلا قريبين وقال سيف:
- قلت لك كثيراً أن تأتي معي.
أنحنى الرجل ليلتقط الأجرك الذي سقط على الأرض وقال:
- بني أنت تعلم أنى لا أستطيع البقاء في المركب حتى لفترة قصيرة.
فقال سيف وهو ينزع الصدير القصير المطرز بخيوط الذهب الخالص , الذي يرتديه على ملابسه:
- أجل . للأسف. وإلا لما تركتك مطلقا.
ضحك الرجل ونظر سيف إليه بحنان لقد كان العزاء الوحيد له بعد وفاة والدته. وتذكر يوم هرب من منزله بعد شهر من وفاة والدته وبعد يومين من الجوع وجده مهتاب في الغابة يبكي من الجوع والخوف فأخذه إلى منزله وأطعمه وبقي معه يواسيه ويقنعه بالعودة للقصر وقام سيف الطفل بإخراج ما في صدره من ألم ومعاناة لمعلم التاريخ الذي أستمع إليه بصبر وبعد كثير من محاولات الإقناع وافق سيف على العودة بشرط أن يبقى مهتاب في القصر معه وهكذا أنتقل مهتاب للقصر وعاش مخلصاً للأمير سيف الدين , ولم يتزوج أبدا . وقد علمه الكثير حتى أصبح سيف لا يستطيع الإبتعاد عنه وربما كان مهتاب هو السبب الوحيد الذي يشجع سيف للعودة إلى القصر.
قال الرجل باستحياء:
- هل أحضرت ما طلبته منك مولاي.
فقال سيف متذكراً:
- آه .أجل.. ولكن الحقيقة كلف ذلك الشيء الكثير.
وحين رأى الإحراج على وجه مهتاب أجاب بحنان:
- ولكنك تستحق كل غالي.
وتقدم سيف إلى حقيبة صغيرة كان قد وضعها سابقا على مقعد حين قدم وأخرج منها صندوق صغير من الرصاص المنحوت وأعطاه لمهتاب فشكره الرجل كثيراً وعندما فتحه . برقت عيناه من الفرحة, التي كانت كافيه لسيف ليشعر هو الأخر بالفرح لأنه أسعد معلمه المخلص.

****************************

جلس سيف في الشرفة الواسعة يتناول إفطاره على زقزقة العصافير حين قدم نور إليه وجلس على الأريكة ولم تمضي لحظات حتى قدم الوالد بلحيته البيضاء وعمامته التي تتوسطها جوهرة كبيرة.
وكان السرور يطل من عينيه وبدأ يشرح لهما خططه في إقامة حفل كبير يستمر أربعون يوما وليلة بمناسبة ولادة إبنه ودعوة أمراء الدول المجاورة وكبار شخصيات البلاد بالإضافة لبعض جنرالات الإنجليز مما سبب إنزعاج لإبنه نور المعترض على التودد للإنجليز وللهنود الغير مسلمين.
وأستمر النقاش الدائم بينهما نور ووالده يتناقشان وسيف يشعل فتيل النقاش فقط للتسلية.
- إنهم حلفاء وأصدقاء وقد أظهرو لنا ذلك في مناسبات كثيرة.
كان هذا رأي والدهما.
قال نور بسخرية مريرة:
- أرجوك أبي منذ إحتلالهم البلد , كان هدفهم الأساسي هو الإستيلاء على خيرات البلد .لا تنسى سفنهم التي غادرت مؤاني البنغال, محملة بأطنان الذهب , مما جعل المنطقة من أفقر المناطق في البلاد بعد أن كانت من أغناها . ولن يختلف الأمر معنا.
- كلا إن الوضع الآن مختلف. لقد أصبحنا في حالة سلم.
- لسنا أبداً في حالة سلم مع الإحتلال أبي.
- بني إنهم أصدقاء أعزاء.
قال نور بيأس:
- صدقني لن تكون أعز عليهم من بشاودر شاه حين قاموا بنفيه بعد إعدام أولاده الستة عشر.
رد الوالد بتأفف:
- أرجوك إنك تدور حول نفس النقطة مالذي تريده بالضبط.
- الجهاد طبعا. أبي لدينا جيش كامل ومعدات فلما لا نجاهد.
هنا تدخل سيف بجدية:
- أخي الغالي الجيش فقط لتسليتنا بالإستعراضات العسكرية وليرفعو رأسنا أمام الضيوف إن ما يعرفه عمال المناجم عن الديناميت أكثر مما يعرفه الجنود.
رد نور بألم ومرارة:
- وهذه الحقيقة المرة أخي.
قال الأب:
- لا تكن دراميا.
- ليست دراما. ياللهي , سجل لنا التاريخ هذا العار , كل الدول تُحتل بواسطة الدول بينما نحن تم إحتلالنا من قبل شركة مجرد تجار مرتزقة إنه العار بعينه.
صفق الأب بيديه:
- دعونا ننهي هذه المناقشة إن هذه الأيام هي أيام فرح بقدوم سلار.
قال سيف بتمهل:
- سلار.
- إنه إسم شقيقك الصغير على إسم مؤسس عائلتنا.
نظر سيف نظرة ذات معنى لأخوه نور ساخراً ثم أبتسم لوالده قائلاً:
- إسم جميل أبي.
*********************

قفز سيف من الفحل العربي الأسود الذي كان يركبه وتقدم تجاه القصر حين أسرع إليه معلمه مهتاب محيياً ومشيا معا يتحدثان و تقدما من الشرفة حيث كان نور يقف مراقباً, فأنسحب المعلم بهدوء.
فقال نور ساخراً:
- يبدو إنه لا يحبني.
فأجاب سيف بسخرية مماثلة:
- المشاعر متبادلة .
- تعرف أني لا أرتاح لوجوده هنا.
فقال سيف بملل:
- أنت لا تحب وجود غير المسلمين حتى لو كانوا أطفالاً.
قال نور مدافعاً:
- تعلم إنك مخطئ إني أمل في الكثير من غير المسلمين, أن يدخلوا في الدين الإسلامي. لكن هناك أشخاص أحس إنهم يبيتون للمسلمين نية سيئة وهم من لا أحبهم.
- إذاً يجب أن تحبه فهو مخلص ويحبني ويحب والدي.
فقال نور بارتياب:
- أشك في ذلك.
قال سيف بضجر:
- كفى نور الدين . سيبقى مهتاب في هذا القصر ما كتبت له الحياة إنه الشخص الذي أثق فيه.
- ربما يجب ألا تفعل.
- إنك تغار منه.
فقال نور بحزن:
- ربما لأنك تفضله علي.
- ربما لأني أعرف أنه الشخص الوحيد الذي يحبني حقاً.
ظهرت الصدمة والألم على وجه نور الجميل.
- أتعتقد أنه يحبك أكثر مني.
وحين رآى ملامح شقيقه أمسكه بعنف من ذراعيه.
- يجب أن تفهم يا سيف الدين أني أحبك كما لم أحب أحد حتى والدينا وصدقني أنا مستعد للتضحية بحياتي من أجلك.
ظهر الألم في عيني سيف , وقال بمرارة:
- لا أحتاج حبك.
وترك شقيقه ومضى.
فصرخ نور:
- سيف.
توقف سيف بجانب باب الشرفة وقال بهدوء:
- إني راحل بلغ تحياتي لأبي.
- إلى أين ؟
- سأرحل فأنا لا أستطيع المشاركة في الإحتفالات.
فقال نور بيأس:
- ولكن أبي يحتاجك أن تكون معه.
- لكنك معه وهذا يكفي.
ورحل سيف وفي نيته هذه المرة أن لا يعود أبداً

RED ROUS
29-07-2010, 00:46
انتظر رأيكم

كورابيكا-كاروتا
29-07-2010, 06:02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال اختي العزيزة ؟
ان شاء الله بخير

ما شاء الله اسلوبك جميل حقا
الاحداث سلسة و ممتعة

اعجبني نقاش سيف عن القصص وكيف ان الشرير مسكين وجه نظر مختلفة لكنها تحمل شئ من الصحة
و ايضا ان الناس لا يرون اللون الرصاصي
اعتقد انه محق الى حد كبير
و ارى ان نور يعيش بعالم الاحلام
على اي حال

اعجبني كثيرا ما خطته اناملك
و سعيدة لأنك شاركتنا به
لكن
عزيزتي
النقطة الوحيدة التي لا بد ان اقولها
هي العنوان

الحقيقة العنوان لا يعطي القصة حقها ابدا
تخيل لي وانا ابدأ القراءة بأني على وشك الاحساس بالملل
اعذريني على صراحتي

لكن الشئ الوحيد الذي يؤخذ على قصتك الرائعة هو العنوان
لذا اختي العزيزة
اطلبي من المراقبين تغيره
لأني اعرف المعاناة التي تنتج عن كون القصة رائعة
و العنوان غير جذاب

اكثرت الكلام ^^" ارجو المعذرة

احسنت اختي العزيزة
انتظر التكملة بفارغ الصبر

RED ROUS
29-07-2010, 12:49
شكرا لك اختي على التشجيع
الواقع اني حتى الآن لم اجد عنوانا مناسبا للقصة
ولكن هذا اول عنوان خطر على بالي
لأن البطل له حقيقة مخفية عن شقيقه ووالده وهو انه ساحر
فيريت لو يعطيني الاعضاء اسماء تناسب القصة