ΐηѕρΐяαтΐση
20-03-2010, 18:02
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهـ..
كيف حال الجميع ؟! إن شاء الله بخير !
بما أن الغد هو الحادي و العشرين من مارس..يعني عيد الأم في مصر !
و بما أنني لم أجد الوقت الكافي لشراء هدية مناسبة لأمي الغالية !
فقد قررت إهدئها هدية شئ أبرع فيه من وجهة نظري :سعادة2:
و أتمنى أن يعجبها و يعجبكم !
توكلنا على الله...
الصغير علمني !
سحب كثيفة ذات لون رمادي تزاحمت في تلك السماء الشاحبة ، رذاذ الضباب قد التصق بكل ما وجده بطريقه في الشارع الطويل .
أشارت عقارب ساعتي إلى التاسعة صباحاً ، و أنا بداخل سيارتي الصغيرة التي
تلونت بالأخضر الزاهي ، ذات النوافذ التي تجمعت عليها قطرات المطر الخفيف.
أنا أقود سيارتي منذ حوالي خمسة و ثلاثين دقيقة بصمت تام ،
أراقب الطريق شبه الخالي و ذهني مشغول بها..
اليوم سوف تحضر إلى محطة مصر بعد ثلاثة أعوام من العيش مع أخي رامز .
كم اشتقت إليها ! و لكن هل أجرؤ على قول هذه الكلمات لها ؟!
هززت رأسي نفياً ، بالطبع لا يمكنني فهذه ليست طباعي...
انتبهت فجأة أنني قد وصلت للمحطة ، فركنت سيارتي بموقف السيارات
ثم خرجت منها لأدخل إلى البناء الكبير.
كالعادة ، إنه مكان مزدحم آخر يشبه باقي الأماكن بمصر .
الكثير من الأشخاص يركضون للحاق بقطاراتهم ،
و آخرون يجلسون على مقاعد الانتظار يراقبون من يركضون .
أصوات عديدة متداخلة ، أصوات هواتف نقالة ترن و أصوات شاشات العرض الضخمة
التي تسلي المسافرين المنظرين..
تنهدت بملل ثم اتجهت لأجلس على أحد تلك المقاعد الكبيرة ، أرجعت رأسي للخلف لأحدق
بالسقف المرتفع و أخذت أتذكر يوم طلبت مني الرحيل للذهاب و العيش مع رامز..
لقد تألمت بشدة وقتها ، و لكنني ما كنت لأعارضها أبداً . ما كنت لأجرؤ ! و لا أعرف لماذا..؟!
عادة أنا صريح و واضح في التعبير عن مشاعري ، و لكن عندها أقف صامتاً ،
و لا أستطيع سوى أن أقول ( افعلي ما تشائين )...
أثناء تفكيري هذا ، تناهى لمسامعي صوت سيدة شابة تصرخ منادية ببكاء : يوسف ! أين أنت ؟!
اعتدلت في جلستي فرأيتها تتقدم مني و هي تمسح دموعها ، كانت ترتدي فستاناً أبيض من القطن ذو نقوش وردية صغيرة ، و عليه شال صوفي بلون النقوش .
وقفت باحترام أمامي و قالت : معذرة سيدي ! هل شاهدت طفلاً يرتدي قميصاً أبيض و سروالاً أزرق بهذا الطول تقريباً ؟!
ثم أشارت بيدها إلى ركبتيها ، فقلت لها بهدوء : لا ! أنا آسف !
لاحظت ازدياد الدموع بعينيها العسلية ، و لكنها قالت و هي تزيح خصلات شعرها السوداء عن عينيها : حسنا شكراً لك !
و استدارت لنذهب ، لكنني استوقفتها قائلاً و لا أدري لماذا : تمهلي سيدتي !
وقفت مكانها ثم استدارت إلي ، تقدمت منها أنا ثم قلت : هل أنتِ والدته ؟!
أومأت لي و هي تقول : لقد كان برفقتي ! ثم طلب مني الذهاب لشراء بعض السكاكر فسمحت له !
و من وقتها أنا لم أراه !
فقلت لها بأسف : كان الله بعونك !
ابتسمت لي بوهن ثم استدارت من جديد لتتابع البحث ، و بذلك عدت أنا إلى مقعدي بوضعية جلوسي القديمة و تفكيري السابق .
مضى الكثير من الوقت ، و أصبحت الساعة العاشرة و النصف..
و أنا جالس في نفس مكاني أعيد تلك اللحظة في ذهني مراراً و تكراراً ! عدلت من وضعية رأسي..
انتقل إلى آذاني صوت بكاء هادئ مع شهقات عديدة ، فنظرت إلى جواري
لأرى فتى صغير يبدو بالسادسة .
اتسعت عيني و أنا أرى أنه بنفس مواصفات ابن السيدة منذ قليل..
كان يمسك بيده كيس صغير من الحلوى الملونة ، و يده الأخرى تعمل جاهدة لمسح فيضان دموعه اللامع على وجنتيه الصغيرتين .
دنوت منه هادئاً ، ثم قلت بعد تفكير قليل : مرحباً أيها الرجل !
لم ينظر إلي حتى ، بل أزاح يده عن وجنته اليمنى ثم قال بعبوس : أنا لم أعد رجلاً ! ألا ترى أنني أبكي ؟!
تبسمت رغماً عني ، فكلماته أضحكتني قليلاً ، ثم قلت بقليل من المرح : و لكن من قال أنك
لن تعود رجلاً إن بكيت؟! البكاء راحة و إفضاء للمشاعر المكبوتة !
نظر إلي بطرف عينه ثم قال بتعجب : ماذا تعني كلمة مكبوتة ؟!
فضحكت بصوت عالٍ قليلاً ، لكنني قلت مجدداً ماداً إليه يدي لمصافحته : أنا رامي ! كيف حالك ؟!
لم يصافحني ، بل حول بصره إلى الأرض و أخذ بتحريك قدميه القصيرتين و هو يقول
بشهقات متقطعة : أنا لا أتحدث مع الغرباء !
فقلت أنا متصنعاً التفكير : و لكنك تحدثت معي منذ قليل !
لم يرد ، و التزم الصمت محدقاً بالأرضية البيضاء . لقد شعرت بالإشفاق عليه !
أشعر بأنه يشبهني قليلاً عندما كنت صغيراً ، فقلت و أنا أضع يدي خلف رأسي : حسناً ! لا تتحدث ! و لكنني أعرف أمك و أعرف أنها تبحث عنك !
عندها نظر إلي بسرعة مما جعل دموعه تتناثر من على وجهه ، صرخ بنحيب باكٍ : حقاً ؟! أتعرف مكانها ؟!
تنهدت و قلت : لقد كانت تبحث عنك منذ حوالي ساعة و نصف !
التوى فمه قليلاً و هو يعاود البكاء من جديد قائلاً : إذاً فهي سافرت بدوني ! قطارنا كان بالتاسعة و النصف !
لم يتسنى لي الوقت لأخبرها كم أحبها !
قلت نافياً : لا ! لا يمكنها أن تتركك و ترحل !
و لكنني رددت على نفسي على الفور : مع أن أمي قد تركتني و رحلت !
ثم أردفت متعجباً : و هل تخبر أمك بأنك تحبها ؟! ألا يعتبر هذا ضعفاً ؟!
نظر إلي و قال : أنا لم أفهم ! و لكنها أمي حبيبتي ! من العادي أن أخبرها كم أحبها !
ضحكت بخفة و كدت أتحدث ، لولا صوت قطار العاشرة و النصف العائد من مدينة الإسكندرية الذي أطلق صفارته عالياً لتدوي في جميع أرجاء المحطة .
نظرت إلى يساري لأرى أنه قد بدأ بالتوقف ، فقلت للصغير : أمي بداخل هذا القطار ! هلا ذهبنا لإحضارها ؟!
نظر إلي باستنكار و قال غاضباً : لا ! أنا لا أعرفك !
فقلت بضيق : و لكنني أخبرتك بأنني أعرف والدتك !
قال بذكاء : إذا كنت تعرف أمي فماذا كانت ترتدي ؟!
قلت و أنا أحك ذقني : أظنها كانت ترتدي ثوباً أبيضاً به نقوش وردية و عليه شال من الصوف بنفس لون النقوش !
بدا و كأنه يفكر قليلاً ، لكنه قال بالأخير : حسناً لنذهب إلى أمك !
ابتسمت بسعادة ، ثم أمسكت بيديه و اتجهنا إلى الرصيف الذي ينزل عليه الركاب .
وقعت عيني عليها أخيراً و بعد ثلاثة أعوام ، واقفة ترتدي ثوبها البنفسجي المفضل و بجوارها حقيبتيها الاثنتين اللتين تلونتا بالأخضر القاتم ...
ابتلعت ريقي بصعوبة ، ثم صحت عالياً : أمي !
على الفور أدارت وجهها الأبيض لي ، ثم اتسعت شفتيها الورديتين بابتسامة رقيقة عذبة لطالما أحببتها .
اتجهت إليها و معي الصبي حتى وقفنا أمامها ، وقف الصبي بيننا ينظر إلي متعجباً .
كيف لا ؟! و أنا أقف جامداً واجماً بلا حراك أحدق بعينيها البنيتين ، بينما اختفت الابتسامة
من على شفتيها و كأنها تعلم ما أفكر به .
قالت فجأة بعدما انتبهت للصبي : من هذا ؟!
ارتبكت قليلاً لكنني قلت : إنه طفل تائه ! كانت أمه تبحث عنه ! و الآن نحن من يبحث عنها !
نزلت إلى أن أصبحت بنفس مستوى الطفل ، ثم قالت بحنان يفيض من مقلتي عينيها : ما اسمك يا صغيري ؟!
قال بهدوء : يوسف !
ابتسمت و هي تقول : اسم رائع بالفعل ! هل يمكنك أن تخبرني كيف تهت من أمك ؟!
أومأ لها ، ثم بدأ بسرد الحكاية . و ما هي إلا دقيقتان حتى قالت أمي بسعادة : أظنني أعرف أين هي !
بعد قليل كنا الثلاثة أمام متجر الحلويات الصغير نسأل صاحبه..
قلت بصوت مرتفع بسبب الضجة التي يسببها الزحام : هل رأيت سيدة شابة ترتدي شالاً صوفياً وردي اللون...؟
قاطعني الرجل و هو يشير إلى جوار المتجر : و تبحث عن ابنها ؟! إنها تجلس هناك منذ حوالي ساعتين !
فأشرق وجه الصغير بابتسامة واسعة و هو يصرخ : أمــــــــــي !
انتفضت السيدة واقفة محولة بصرها نحونا ، و ما هي إلا لحظات حتى كان الصغير بصدر أمه الباكية يبكي مثلها .
أخذت تقبل كل وجهه و هي تقول بصوت متهدج : بني ! حبيبي ! الحمد لله !
و ما كان مني إلا أنني تبسمت كما فعلت أمي التي شكرتها السيدة كما شكرتني ، و قمنا بتوديعهما ثم اتجهنا للسيارة .
كانت السماء قد توقفت عن المطر و قد بدأت الشمس تظهر مجدداً لتتألق ببريق ذهبي لامع أطلق العنان لقوس قزح ذي الألوان المبهجة الجميلة...
قلت و أنا أغلق حقيبة السيارة : كيف عرفتِ مكانها ؟!
ابتسمت أمي ثم قالت : عندما كنت صغيراً..تقريباً بمثل عمر الفتى ! ضعت مني أيضاً ! قلت أنك ستذهب لشراء هدية لوالدك لأننا كنا مسافرين إليه ! و ظللت أبحث عنك بكل مكان ! لكنني عدت في النهاية لنفس المكان الذي قلت أنك ذاهباً إليه ! و هناك وجدتك تبكي !
ثم ابتسمت مجدداً و استدارت لتركب السيارة ، فأوقفتها قائلاً : لم أكن أريد شراء هدية لأبي !
نظرت إلي بتعجب ، فأردفت : كنت أريد شراء هدية لكِ ! لأن ذلك اليوم كان بتاريخ الحادي و العشرين من مارس! إنه عيد الأم يا أمي ! لكنني خشيت إعطائها لكِ بعدما وبختيني بشدة !
قالت بهدوء و وجهها يلمع تحت أشعة الشمس الذهبية : إذاً شكراً لك !
فاقتربت منها قائلاً : أنا أحبكِ ! و لا أريدكِ أن ترحلي مجدداً !
وضعت يدها على وجنتي اليمنى ، ثم قالت و الدموع قد بدأت بالظهور في عينيها : و أخيراً قلتها لي !
ضحكت قليلاً و قلت : ربما لم أكن أعرف كيف أقولها ! و لكن الصغير علمني !!
انتهى بحمد الله ^.^
أتمنى أن تعجب أمي !
كيف حال الجميع ؟! إن شاء الله بخير !
بما أن الغد هو الحادي و العشرين من مارس..يعني عيد الأم في مصر !
و بما أنني لم أجد الوقت الكافي لشراء هدية مناسبة لأمي الغالية !
فقد قررت إهدئها هدية شئ أبرع فيه من وجهة نظري :سعادة2:
و أتمنى أن يعجبها و يعجبكم !
توكلنا على الله...
الصغير علمني !
سحب كثيفة ذات لون رمادي تزاحمت في تلك السماء الشاحبة ، رذاذ الضباب قد التصق بكل ما وجده بطريقه في الشارع الطويل .
أشارت عقارب ساعتي إلى التاسعة صباحاً ، و أنا بداخل سيارتي الصغيرة التي
تلونت بالأخضر الزاهي ، ذات النوافذ التي تجمعت عليها قطرات المطر الخفيف.
أنا أقود سيارتي منذ حوالي خمسة و ثلاثين دقيقة بصمت تام ،
أراقب الطريق شبه الخالي و ذهني مشغول بها..
اليوم سوف تحضر إلى محطة مصر بعد ثلاثة أعوام من العيش مع أخي رامز .
كم اشتقت إليها ! و لكن هل أجرؤ على قول هذه الكلمات لها ؟!
هززت رأسي نفياً ، بالطبع لا يمكنني فهذه ليست طباعي...
انتبهت فجأة أنني قد وصلت للمحطة ، فركنت سيارتي بموقف السيارات
ثم خرجت منها لأدخل إلى البناء الكبير.
كالعادة ، إنه مكان مزدحم آخر يشبه باقي الأماكن بمصر .
الكثير من الأشخاص يركضون للحاق بقطاراتهم ،
و آخرون يجلسون على مقاعد الانتظار يراقبون من يركضون .
أصوات عديدة متداخلة ، أصوات هواتف نقالة ترن و أصوات شاشات العرض الضخمة
التي تسلي المسافرين المنظرين..
تنهدت بملل ثم اتجهت لأجلس على أحد تلك المقاعد الكبيرة ، أرجعت رأسي للخلف لأحدق
بالسقف المرتفع و أخذت أتذكر يوم طلبت مني الرحيل للذهاب و العيش مع رامز..
لقد تألمت بشدة وقتها ، و لكنني ما كنت لأعارضها أبداً . ما كنت لأجرؤ ! و لا أعرف لماذا..؟!
عادة أنا صريح و واضح في التعبير عن مشاعري ، و لكن عندها أقف صامتاً ،
و لا أستطيع سوى أن أقول ( افعلي ما تشائين )...
أثناء تفكيري هذا ، تناهى لمسامعي صوت سيدة شابة تصرخ منادية ببكاء : يوسف ! أين أنت ؟!
اعتدلت في جلستي فرأيتها تتقدم مني و هي تمسح دموعها ، كانت ترتدي فستاناً أبيض من القطن ذو نقوش وردية صغيرة ، و عليه شال صوفي بلون النقوش .
وقفت باحترام أمامي و قالت : معذرة سيدي ! هل شاهدت طفلاً يرتدي قميصاً أبيض و سروالاً أزرق بهذا الطول تقريباً ؟!
ثم أشارت بيدها إلى ركبتيها ، فقلت لها بهدوء : لا ! أنا آسف !
لاحظت ازدياد الدموع بعينيها العسلية ، و لكنها قالت و هي تزيح خصلات شعرها السوداء عن عينيها : حسنا شكراً لك !
و استدارت لنذهب ، لكنني استوقفتها قائلاً و لا أدري لماذا : تمهلي سيدتي !
وقفت مكانها ثم استدارت إلي ، تقدمت منها أنا ثم قلت : هل أنتِ والدته ؟!
أومأت لي و هي تقول : لقد كان برفقتي ! ثم طلب مني الذهاب لشراء بعض السكاكر فسمحت له !
و من وقتها أنا لم أراه !
فقلت لها بأسف : كان الله بعونك !
ابتسمت لي بوهن ثم استدارت من جديد لتتابع البحث ، و بذلك عدت أنا إلى مقعدي بوضعية جلوسي القديمة و تفكيري السابق .
مضى الكثير من الوقت ، و أصبحت الساعة العاشرة و النصف..
و أنا جالس في نفس مكاني أعيد تلك اللحظة في ذهني مراراً و تكراراً ! عدلت من وضعية رأسي..
انتقل إلى آذاني صوت بكاء هادئ مع شهقات عديدة ، فنظرت إلى جواري
لأرى فتى صغير يبدو بالسادسة .
اتسعت عيني و أنا أرى أنه بنفس مواصفات ابن السيدة منذ قليل..
كان يمسك بيده كيس صغير من الحلوى الملونة ، و يده الأخرى تعمل جاهدة لمسح فيضان دموعه اللامع على وجنتيه الصغيرتين .
دنوت منه هادئاً ، ثم قلت بعد تفكير قليل : مرحباً أيها الرجل !
لم ينظر إلي حتى ، بل أزاح يده عن وجنته اليمنى ثم قال بعبوس : أنا لم أعد رجلاً ! ألا ترى أنني أبكي ؟!
تبسمت رغماً عني ، فكلماته أضحكتني قليلاً ، ثم قلت بقليل من المرح : و لكن من قال أنك
لن تعود رجلاً إن بكيت؟! البكاء راحة و إفضاء للمشاعر المكبوتة !
نظر إلي بطرف عينه ثم قال بتعجب : ماذا تعني كلمة مكبوتة ؟!
فضحكت بصوت عالٍ قليلاً ، لكنني قلت مجدداً ماداً إليه يدي لمصافحته : أنا رامي ! كيف حالك ؟!
لم يصافحني ، بل حول بصره إلى الأرض و أخذ بتحريك قدميه القصيرتين و هو يقول
بشهقات متقطعة : أنا لا أتحدث مع الغرباء !
فقلت أنا متصنعاً التفكير : و لكنك تحدثت معي منذ قليل !
لم يرد ، و التزم الصمت محدقاً بالأرضية البيضاء . لقد شعرت بالإشفاق عليه !
أشعر بأنه يشبهني قليلاً عندما كنت صغيراً ، فقلت و أنا أضع يدي خلف رأسي : حسناً ! لا تتحدث ! و لكنني أعرف أمك و أعرف أنها تبحث عنك !
عندها نظر إلي بسرعة مما جعل دموعه تتناثر من على وجهه ، صرخ بنحيب باكٍ : حقاً ؟! أتعرف مكانها ؟!
تنهدت و قلت : لقد كانت تبحث عنك منذ حوالي ساعة و نصف !
التوى فمه قليلاً و هو يعاود البكاء من جديد قائلاً : إذاً فهي سافرت بدوني ! قطارنا كان بالتاسعة و النصف !
لم يتسنى لي الوقت لأخبرها كم أحبها !
قلت نافياً : لا ! لا يمكنها أن تتركك و ترحل !
و لكنني رددت على نفسي على الفور : مع أن أمي قد تركتني و رحلت !
ثم أردفت متعجباً : و هل تخبر أمك بأنك تحبها ؟! ألا يعتبر هذا ضعفاً ؟!
نظر إلي و قال : أنا لم أفهم ! و لكنها أمي حبيبتي ! من العادي أن أخبرها كم أحبها !
ضحكت بخفة و كدت أتحدث ، لولا صوت قطار العاشرة و النصف العائد من مدينة الإسكندرية الذي أطلق صفارته عالياً لتدوي في جميع أرجاء المحطة .
نظرت إلى يساري لأرى أنه قد بدأ بالتوقف ، فقلت للصغير : أمي بداخل هذا القطار ! هلا ذهبنا لإحضارها ؟!
نظر إلي باستنكار و قال غاضباً : لا ! أنا لا أعرفك !
فقلت بضيق : و لكنني أخبرتك بأنني أعرف والدتك !
قال بذكاء : إذا كنت تعرف أمي فماذا كانت ترتدي ؟!
قلت و أنا أحك ذقني : أظنها كانت ترتدي ثوباً أبيضاً به نقوش وردية و عليه شال من الصوف بنفس لون النقوش !
بدا و كأنه يفكر قليلاً ، لكنه قال بالأخير : حسناً لنذهب إلى أمك !
ابتسمت بسعادة ، ثم أمسكت بيديه و اتجهنا إلى الرصيف الذي ينزل عليه الركاب .
وقعت عيني عليها أخيراً و بعد ثلاثة أعوام ، واقفة ترتدي ثوبها البنفسجي المفضل و بجوارها حقيبتيها الاثنتين اللتين تلونتا بالأخضر القاتم ...
ابتلعت ريقي بصعوبة ، ثم صحت عالياً : أمي !
على الفور أدارت وجهها الأبيض لي ، ثم اتسعت شفتيها الورديتين بابتسامة رقيقة عذبة لطالما أحببتها .
اتجهت إليها و معي الصبي حتى وقفنا أمامها ، وقف الصبي بيننا ينظر إلي متعجباً .
كيف لا ؟! و أنا أقف جامداً واجماً بلا حراك أحدق بعينيها البنيتين ، بينما اختفت الابتسامة
من على شفتيها و كأنها تعلم ما أفكر به .
قالت فجأة بعدما انتبهت للصبي : من هذا ؟!
ارتبكت قليلاً لكنني قلت : إنه طفل تائه ! كانت أمه تبحث عنه ! و الآن نحن من يبحث عنها !
نزلت إلى أن أصبحت بنفس مستوى الطفل ، ثم قالت بحنان يفيض من مقلتي عينيها : ما اسمك يا صغيري ؟!
قال بهدوء : يوسف !
ابتسمت و هي تقول : اسم رائع بالفعل ! هل يمكنك أن تخبرني كيف تهت من أمك ؟!
أومأ لها ، ثم بدأ بسرد الحكاية . و ما هي إلا دقيقتان حتى قالت أمي بسعادة : أظنني أعرف أين هي !
بعد قليل كنا الثلاثة أمام متجر الحلويات الصغير نسأل صاحبه..
قلت بصوت مرتفع بسبب الضجة التي يسببها الزحام : هل رأيت سيدة شابة ترتدي شالاً صوفياً وردي اللون...؟
قاطعني الرجل و هو يشير إلى جوار المتجر : و تبحث عن ابنها ؟! إنها تجلس هناك منذ حوالي ساعتين !
فأشرق وجه الصغير بابتسامة واسعة و هو يصرخ : أمــــــــــي !
انتفضت السيدة واقفة محولة بصرها نحونا ، و ما هي إلا لحظات حتى كان الصغير بصدر أمه الباكية يبكي مثلها .
أخذت تقبل كل وجهه و هي تقول بصوت متهدج : بني ! حبيبي ! الحمد لله !
و ما كان مني إلا أنني تبسمت كما فعلت أمي التي شكرتها السيدة كما شكرتني ، و قمنا بتوديعهما ثم اتجهنا للسيارة .
كانت السماء قد توقفت عن المطر و قد بدأت الشمس تظهر مجدداً لتتألق ببريق ذهبي لامع أطلق العنان لقوس قزح ذي الألوان المبهجة الجميلة...
قلت و أنا أغلق حقيبة السيارة : كيف عرفتِ مكانها ؟!
ابتسمت أمي ثم قالت : عندما كنت صغيراً..تقريباً بمثل عمر الفتى ! ضعت مني أيضاً ! قلت أنك ستذهب لشراء هدية لوالدك لأننا كنا مسافرين إليه ! و ظللت أبحث عنك بكل مكان ! لكنني عدت في النهاية لنفس المكان الذي قلت أنك ذاهباً إليه ! و هناك وجدتك تبكي !
ثم ابتسمت مجدداً و استدارت لتركب السيارة ، فأوقفتها قائلاً : لم أكن أريد شراء هدية لأبي !
نظرت إلي بتعجب ، فأردفت : كنت أريد شراء هدية لكِ ! لأن ذلك اليوم كان بتاريخ الحادي و العشرين من مارس! إنه عيد الأم يا أمي ! لكنني خشيت إعطائها لكِ بعدما وبختيني بشدة !
قالت بهدوء و وجهها يلمع تحت أشعة الشمس الذهبية : إذاً شكراً لك !
فاقتربت منها قائلاً : أنا أحبكِ ! و لا أريدكِ أن ترحلي مجدداً !
وضعت يدها على وجنتي اليمنى ، ثم قالت و الدموع قد بدأت بالظهور في عينيها : و أخيراً قلتها لي !
ضحكت قليلاً و قلت : ربما لم أكن أعرف كيف أقولها ! و لكن الصغير علمني !!
انتهى بحمد الله ^.^
أتمنى أن تعجب أمي !