PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : حملة "لنساندهم بأقلامنا"، غزة تحت النار و الكلمة هي سلاحي ككاتبة قصص إلى جانب الدعاء



مِـدَاد`
07-01-2009, 22:17
هذا شيء مما فجره الظلم الذي يطوق غزة العزة، و للبقية تكملة بإذن الله، الجزء الثاني عبارة عن قصة تجيب عن سؤال هذه الخاطرة، أرجو أن أكون قد عبرت على بعض من المشاعر التي قد تخالجنا و نحن نرى إخواننا يموتون في صمت، و السلام عليكم...

مــــــــا ذنبــــــــــــــــــــــــــــــي؟

في مملكة السلام، حيث يحيا الحمام، دون أي آلام،
صرخت حمامة، حملتها غمامة، يا عرب أين الشهامة؟
من قتل طفل صغير، من حرق شيخ كسير، من صيد طير تطير،
يا جند أين البسالة؟ من كتم صوت الثكالا، من خوف رعب أطالا،
يا بوش أين الحقوق؟ و الطفل غطته الحروق، و البيت هدته الشقوق،
يا مون أين الحصون؟ من حرب ذل منون، من موت ظلم شجون،
ضيعتم شعوبكم أيها الحكام، رميتم عروبتكم بالسهام، فأقررتم جبنكم و السلام،
يا ناس التفتوا للحصار، اسمعوا خوف الصغار، أبعدوا عن منزلي النار،
تأرقت و الناس نيام، سهرت الليالي الظلام، و أيقظت للفجر الإمام،
انقطعت عن أهلي الكهرباء، و جفت حلوقنا في انتظار الماء، و جوعت بطوننا الخالية من الغذاء،
نزل علينا الموت من السماء، فتناثرت جثثنا و حرمنا الدواء، و غلقت المنافذ و استهدف مشفى الشفاء،
أزيز الطائرات يئز أزا، فوق رؤوس أطفالك يا غزة الصمود و العزة، و عروبة تركت يدك في مشهد يثير التقزز،
من خيانة و جبن في العرب ساد، و فساد و ظلم سرى في العباد، و منبر سلم بالحرب أشاد،
طرت فوق رؤوس الأطفال، عانقت بجناحي أيديهم فأهدوني الآمال، آمالهم التي تطمح لغد مغمور بالجمال،
أعطوني أحلامهم بنظرات حزينة، فرددت عليها بنظرات أمينة، أني سأوصل رسائلكم إلى كل مدينة،
ودعت أطفال فلسطين، بعد أن زرت كلا من جباليا و جنين، و لكن عندما دخلت أجواء القطاع الحزين،
لمحت عيناي العساكرا، فأحسست طغو الجبابرة، و لمحت في الأفق الظلم نصب أحد الأباطرة،
توغلت وسط القطاع، لم أستطع صم أذني عن صوت الجياع، و أنينهم الذي شق كبد السماء ليتيه في الأصقاع،
طرت فوق أجواء غزة فلم ألمح سوىالخراب، أين سكانها؟ هل وارتهم الأرض التراب؟ بحثت عن أحلام الصغار و لكني لم أعثر على غير السراب،
لمحت يدا من بعيد، فتوجهت نحوها بفرح شديد، حططت فوقها و بدأت بالتغريد،
تحركت اليد بحركات غريبة، و كأنها تقول لي هيا ابتعدي أيتها الحبيبة،مكانك ليس هنا فأنت فيه غريبة،
مكانك هناك في السماء، بين غيوم ناعمة بيضاء، طيري... طيري فقد غادر كل من يحبك هنا و لم يبق إلا الأعداء،
ثم سقطت اليد في إشارة إلى الفراق، فصرخت لا ترحلي فسيخلق بيننا حنين و اشتياق، عودي أيتها اليد الغزاوية إلى الحياة فهي تأبى الطلاق،
أدرت رأسي فوجدت مئات الأيادي تخرج من تحت الظلم، و قد رفعت رمز النصر فزعزعت الظلم و تهاوى لها الألم، نحن باقون فوق الأرض كنا أو تحتها بمليون قدم،
أهدتني تلك الأيادي أحلامها، و لأول مرة لم أفرق بين أحجامها و أصحابها، إن كانوا صغارا أم كبارا لفوا آمالهم في أحلام الصغار و رموا بها،
حلقت بتلك الأحلام التي أسكنتها حنايا قلبي، و طرت نحو السماء لأكمل دربي،
و لكن نيران العدو أمطرتني فسقطت متهاوية على جنبي،
غارقة في دمائي أتخبط و أبحث عن أحلام منحتها حبي، توجه نحوي يهودي دنيء فأحسست بالذنب، أني سأموت دون أن أوصل أحلام طفل حرم من أم و أب،
رفع ذلك المغتصب سلاحه نحوي فأدركت أن أجلي قربي، نظر إلي بنظرات حاقدة أن استشعري كرهي لك و غضبي، فأرسلت عيني إلى عينيه الشريرتين و صرخت أيها الجبان ما ذنبي؟
kaguesuki

$#زهرة الربيع#$
08-01-2009, 15:33
الموضوع جميل جداً

و لكن الخلل انها خاطره و المفترض ان تكون في قسم الخواطر و الاشعار اليس كذلك ؟!

جانا

مِـدَاد`
08-01-2009, 17:15
[quote=$#زهرة الربيع#$;15267710]الموضوع جميل جداً

و لكن الخلل انها خاطره و المفترض ان تكون في قسم الخواطر و الاشعار اليس كذلك ؟!

جانا[/
Quote
معك حق أختي، و لكن سبق و أن نوهت في الأعلى إلى أنها تمهيد للقصة التي سأضعها الآن، ارجو أنك قد فهمت الالتباس

مِـدَاد`
08-01-2009, 17:36
السلام عليكم، و الآن هذه هي القصة التي وعدتكم بها، هي غير منتهية مبدئيا و لكن المهم ان تفهموا المغزى منها و السلام عليكم، أرجو أن لا تبخلوا بالردود...
بسم الله الرحمن الرحيم

عيناك شوكة في قلبي تؤلمني...

نظر الجندي إلى الحمامة الجريحة و هو يهم بقتلها، و لكنه عدل عن ذلك و قال لها بمرارة كمن تذكر أسوأ شيء في حياته:
كان هناك نهر في أرض تدعى أرض الأنبياء، يشاع عن ذلك النهر السحري أنه مصدر كل الحمائم البيضاء، سمعت إحدى الفتيات الفلسطينيات عن ذلك النهر العجيب الذي بحثت بين كل أهالي القرية عمن يعلم و لو الشيء القليل عنه، كانت هذه الفتاة تدعى سرايا، إنها طفلة جميلة بعينين كحليتين و شعر أسود فحمي، تلمح في وجهها الطفولي براءة نقية، و ترى في حور عينيها فضولا فضوليا تأصل في أعماق أعماقها منذ أزل، سرايا فتاة يتيمة لم تعرف والديها قط، تعيش لوحدها في كوخ صغير اتخذته ملجأ لها منذ سنوات، بالتأكيد لن تحس بوحدتها فكل أهالي القرية يساعدونها و يحبونها كابنة لهم رغم أنهم أيضا لم يعرفوا شيئا عن والديها: هل ماتا؟ أم تخليا عنها؟ فذات ليلة عاصفة سمع بعضهم صراخ رضيع شق سكون ليلهم ليخترق كبد السماء و ينتشر في كل الضواحي، و لما بحثوا عن مصدر ذلك الصوت، عثروا على طفلة بهية الطلعة قد بلغت أياما من عمرها، كان البرد شديدا في الخارج،
و لولا ريش الحمام الأبيض الذي لف جسدها الضعيف من كل جانب فأبعد عنها الصقيع لكانت قد تجمدت من البرد، احتار سكان القرية من ذلك الريش في البداية، و لكنهم سرعان ما نسوا الأمر و لم يأبهوا به بقدر الطفلة التي فرضت نفسها عليهم و صارت شغلهم الشاغل، لقد نشرت بمجيئها الفرح في كل بيت من بيوت القرية، فقد تصالح الأعداء، و فرح المحزون، و غني الفقير، ولم يكن في استطاعة أقسى رجال القرية و نسائها أن يتحفظوا على الابتسامة في وجه مرحها الطفولي و حركاتها العفوية التي تنبع من براءة غير مألوفة، ببساطة، لم تكن تبدو لهم طفلة كباقي أطفالهم الذين يفرحون حينا
و يبكون أحيانا، هي لم تكن تعرف للحزن طعما، كانت البسمة عنوانها رغم وحدتها القاتلة، وكل من يراها كان يقتلع منه الهم و الحزن و اليأس من جذوره.لم يكن أقساهم يستطيع أن يتجنبها أو لا يلعب معها إذا مرت به، و كأن الأرض قد منحتها شيئا من جاذبيتها العجيبة.تقدم كل سكان القرية لتبنيها
و لكنهم فشلوا فهي لم تكن تستطيع العيش في بيوتهم المغلقة، إذ تبدأ في البكاء و تشعر بالاختناق كلما لجأت إليها، لقد كانت تعشق الحرية و تقضي معظم نهارها بالركض بين الحقول و الجبال دون أن تتوقف، لذلك رأى سكان القرية أن يبنوا لها كوخا صغيرا فيه نافذة كبيرة تستطيع أن تلمح من خلالها كل ما يحيط بها.
وحتى في الليل لم تكن سرايا تشعر بالوحدة، لأنها كانت تلجأ لأحلامها الطفولية البريئة كلما أحست بالعزلة و الوحدة، أما إذا هجرها النوم و حل عليها الأرق ضيفا، فكثيرا ما أطلت من نافذتها الزجاجية لتدعو لجلستهما المملة صديقها الحميم القمر، و في الشتاء عندما يغيب عنها خلف الغيوم، فإنها تسند وسادتها أقرب ما يكون إلى النافذة لتسمع أغاني الشتاء الصاخبة و تنام على وقعها، كل هذا يعني أن سرايا تعايشت مع ظروفها فصادقت كل ما يحيط بها على مر السنة كي يخلف الغائب بما آن أوانه.
سرايا الآن في الثالثة عشرة من عمرها، و هي تجوب كل بيوت القرية منذ أن سمعت عن ذلك النهر العجيب، لتسأل الأهالي عما يعرفونه عنه، و تسجل معلوماتهم في دفتر صغير عنونته ب:" حمامة السلام"، كل العجائز في القرية تتحدثن حوله ، و قصصهن الممتعة تمحورت معظمها عن هذا النهر الأسطورة، لذا فمن الطبيعي أن تحشر صديقتنا الفضولية نفسها في مثل هذه المجالس الشيقة بالنسبة إليها، جمعت سرايا الكثير من المعلومات عن النهر، و بعد أن نال منها التعب، و أيقنت أن كل الجدات انصرفن إلى أعمالهن و توقفن عن رواية الحكايا لأحفادهن، جلست تحت إحدى الأشجار في حقلها المفضل وهو حقل السيد ياسر، إنه رجل قاس يتجنب الحديث معه كل أهل القرية، و يرتجف عند رؤيته جميع الصغار، لقد كان يعيش وحيدا بلا زوجة و لا أولاد، لم يكن أحد من الأطفال يجرؤ على الاقتراب من حقله إلا سرايا، فهي لم تخشه يوما، إنه في نظرها شخص طيب يتصنع القسوة لأسباب يجهلها الجميع، ودائما ما عاتبت الأهالي قائلة أنهم يظلمونه، و ربما هو السبب الذي دفع السيد ياسر إلى السماح لها باللعب في حقله متى أرادت، جلست تحت شجرة برتقال وارفة الظل بهدوء و قد لفها هدوء و نور أضفيا على المنظر جوا ملائكيا، اتكأت على جذع الشجرة و فتحت دفترها الثمين و بدأت تقرأ، و صادف أن خرج العم ياسر من منزله حاملا عدة الفلاحة متجها نحو حقله الذي ناداه أن يحرثه، فلمح الفلاح الطفلة تجلس بهدوء و كأنها أميرة على أكف الملائكة، اقترب منها و نظراته شاخصة نحو هذا الوجه الملائكي الذي تجسدت فيه كل صور النقاء و الصفاء، جلس بقربها، نزع الدفتر من يديها وسط دهشتها، و حملق بعينيه الباهتتين شيبا بعينيها المشعتين شبابا، و بعد هذا اللقاء الغريب بينهما، دعاها إلى منزله ليتحدث إليها بأمر مهم.
و في المنزل، قال لها:" آسف يا صغيرتي لم أقصد إخافتك و لكن..." فقاطعته بأدب:" لا داعي لاعتذارك يا عم ياسر، أنا لم أخف أبدا"فشعر براحة جزئية غمرته، توجه حيث جلست سرايا في غرفة الاستقبال بعدما كان في المطبخ يعد شيئا ما ليحـتسياه أثناء حديثهما، جلس قبالتها و بقي صامتا شارد الذهن و قد ألم به الحزن من كل جانب، شعرت سرايا بذلك فتضايقت من حاله، نهضت من مكانها و توجهت نحوه، ربتت على كتفه بحنان و قالت بابتسامة تأملها العم ياسر بحيرة بادية:" عم ياسر، الحياة تيار جارف يحملنا نحو المجهول رغما عنا، فلماذا نحاول السباحة عكسه و نحن لا نستطيع ذلك؟ كف عن مقاومته و ستشعر بالتحسن أكيد" ، ظل الرجل المهزوم صامتا أمام كلماتها التي تقطر حكمة بليغة تكبر سنها بكثير، شعر بالخجل من نفسه، كيف تنصحه فتاة لم تر من الحياة إلا الشيء القليل و رغم ذلك اكتشفت ما لم يكتشفه، أو لنقل طبقت ما لم يطبقه فهو مدرك لما قالته بالطبع، و رغم ذلك صرخ في وجهها مصرا على خطئه:" أخبريني لماذا خرجت من هناك؟ لماذا لم أبق معها؟ لماذا عدت لأعيش وحيدا دونها؟" ، صدمت سرايا في البداية من صرخته، و لكنها أدركت حجم حزنه و قدرت معاناته الأليمة عندما شرع في البكاء كطفل صغير، فقالت و هي تمسح دموعه برقة و لطف:" إنه القدر يا عم، كل شيء أتى إلى هذه الحياة لينجز ما أوكل إليه ليعاود الرحيل بعدها، انتهى دورهم لذا رحلوا، و أنت لم تكمل مهمتك بعد فلم تغادر معهم"،هدأ كلامها الحكيم العم ياسر للحظات و لكنه أدخله في حالة هستيرية من البكاء المتواصل، ثم قال بصوت متقطع:" إنها نفس الكلمات التي قالتها"، ثم قرب إليه سرايا و أخذ يتحسس وجهها بأنامله الخشنة، فنظرت إليه بدهشة و قد انهمرت الدموع من عينيها رثاء لحاله التي تمزق القلب، قال لها:" هل أنت قدس؟ قولي أنك هي؟ أرجوك"، فحركت رأسها يمنة و يسرة:" لا، أنا اسمي سرايا و لست قدس"، فأبعد يديه عنها و غطى بهما وجهه الذي رسمت فيه الشيخوخة لوحاتها الإبداعية المعهودة، و نحتت على صفحته أخاديد ملتوية عميقة، و قال يندب تلك الفتاة التي يبدو أنها ابنته:" قدس، لقد كانت تشبهك كثيرا، لكنها طارت إلى أعلى مع البقية، لم تعد معي لأنها حلقت بعيدا"، فاقتربت منه سرايا من جديد:" من هي قدس؟ أهي ابنتك الصغيرة؟"، نظر إليها
و أجابها بحسرة كبيرة:" أبدا، إنها أختي التوأم، لقد رحلت و تركتها وحدها"، أرادت أن تسأله أكثر، و لكنه لم يتوقف عن البكاء، فآثرت أن تعود إلى منزلها و تزوره في الغد، و لكن قبل أن تتركه همست في أذنه بكلمات رقيقة:" عم ياسر، لن تكون قدس سعيدة إذا علمت أنها كانت سبب حزنك طيلة هذه السنوات"، ثم غادرت.
في قصرها الزمردي مثلما تشاء تسميته، دخلت سرايا إلى غرفتها و لاحت بتفكيرها إلى كلام العم ياسر، كانت تقول في نفسها:" قدس هي أخته التوأم؟ لقد قال بأنها حلقت بعيدا، ترى إلى أين؟ ربما قصد بذلك موتها؟ ربما، و لكن لماذا كان يلوم نفسه بالعودة دونها إذن؟ هل يمكن أن يكون قد؟..."، أما عند العم ياسر فقد جلس كعادته في السقيفة يتأمل النجوم المتلألئة التي لطالما أزعجها بحواراته المملة و كلماته الفلسفية، لكنهما لم يكونا وحدهما الليلة، أجل، كان معهما ضيف خاص، إنها كلمات سرايا، ما يزال يتردد وقعها على مسامع السيد ياسر:" الحياة تيار جارف يحملنا نحو المجهول رغما عنا، فلماذا نحاول السباحة عكسه و نحن لا نستطيع ذلك؟ كف عن مقاومته و ستشعر بالتحسن... لن تكون قدس سعيدة إذا علمت أنها كانت سبب حزنك طيلة هذه السنوات"، " صحيح"، و تنهد بعمق.
في الغد استيقظت سرايا باكرا كعادتها، مرت على بيت الجدة ذهبية، إنها أحكم حكيمات القرية،
و تعرف كثيرا عن النهر العجيب، دخلت عليها فوجدت بيدها مصحفا كريما و هي قابعة في ركنها المعتاد من غرفتها الصغيرة ترتله، لم تشأ أن تزعجها ففضلت الرحيل و زيارتها بعد قليل رغم أن الأمر بالنسبة لها لا يحتمل أي تأجيل، همت بالخروج فاستوقفتها الجدة ذهبية التي أقفلت المصحف قائلة" السلام عليكم يا سرايا، ما الأمر؟ لماذا زرتني اليوم؟ سؤال جديد دون شك"، فأسرعت إليها تقبل جبينها و هي تجيبها بنعم...( الجدة) حسنا، فهمت كل شيء، يبدو أنك تقدمت في بحثك كثيرا يا صغيرتي، صحيح، لقد كان ياسر هناك" فظهرت على وجه سرايا علامات الرضا عن نفسها لأنها توقعت ذلك، أكملت الجدة حديثها:" إنه الناجي الوحيد ، فلم يسبق لأحد أن خرج من تلك الغابة المهجورة، وهذا سبب تجنب أهل القرية لذلك المسكين"، قالت سرايا و عيناها تشعان فضولا:" هكذا إذن، ماذا عن أخته قدس؟ أين ذهبت بعد ذلك؟"، نظرت العجوز نحو الأرض بحزن و قد تغيرت ملامحها، ففهمت سرايا أن الجدة تخفي سرا دفينا لم يسبق أن باحت به لأحد، فقالت ملحة:"أرجوك يا جدة ذهبية، أخبريني بما تخفينه"، فأفاقت الجدة من شرودها و احتضنت سرايا في موقف أصاب صغيرتنا بالدهشة، صحيح أن الجدة ذهبية تحبها كثيرا و تعتبرها في مقام حفيدتها، و لكن لم يسبق لها أن ضمتها بهذه الطريقة،
و هذا ما جعلها تتأكد من شكوكها، قالت الجدة و قد انهمرت دموع حارة من عينيها المنكمشتبن
و تفرقت بين تجاعيدها المحفورة، و قالت:" أرجوك يا سرايا لا أريد ان أخسرك؟ يكفيني فارس يا حبيبتي"، فقالت لها سرايا بصوت مختنق من فعل العناق الشديد:" و لكن من هو فارس يا جدتي؟"...

kaguesuki

مِـدَاد`
08-01-2009, 17:39
سرايا تمشي وحيدة نحو بيت العم ياسر و هي تحدث نفسها:" قدس و فارس و ربما آخرون، لم أعلم أن للجميع هنا جرحا عميقا يواريه بابتسامة تموه ما في القلب، إن أهل قريتي فعلا أبطال"، وصلت سرايا إلى بيت العم ياسر، طرقت الباب فلم يفتح، و لكنها تفاجأت أن الباب مفتوح، فأسرعت بالدخول لتطمئن عليه، بحثت عنه في كل المنزل فلم تعثر عليه، خرجت راكضة نحو الحقل، فلمحته تحت شجرة الزيتون العظيمة جالسا و كأنما ينتظر شخص ما، قد تكون هي ذلك الشخص، لذلك أسرعت إليه لتعلمه بحضورها، (سرايا) :"السلام عليكم يا عم ياسر"، رفع عينيه اللتان بدتا مرهقتين تماما، و ابتسم إليها ابتسامة نبعت من أعماقه، قال بصوت متعب:" تعالي يا ابنتي، هيا اجلسي إلى جانبي"، فما كان منها إلا أن لبت طلبه: " صغيرتي، أرني ذلك الدفتر الذي تحفظين فيه معلوماتك، هيا اقرئي لي ما جمعته من معلومات"، فنظرت إليه ثم أدخلت يدها في جيبها و أخرجت الدفتر، ثم استرسلت في القراءة: " إنه نهر سحري يقع في غابة مخيفة يطلقون عليها اسم غابة الظلام، و هي غابة كثيفة الأشجار كل من يدخلها يتملكه شعور غريب بحب السيطرة و النفوذ، فيدخل في حروب دامية ...
نظر العم ياسر إلى سرايا و قد شده لكم المعلومات الذي استطاعت أن تجمعه، فقال لها فخورا :
" أحسنت يا صغيرتي، أنت مجتهدة فعلا، و لكن هلي بسؤال؟"، فأجابته بعفوية لم تدل إلا على براءتها المحبوبة : "أكيد"، فابتسم وقال لها : " ما الذي يدفعك إلى هذا؟ أعني ما سبب جمعك لهذه المعلومات؟"، انتظر العجوز أن تظهر على الطفلة علامات الحيرة والارتباك من سؤاله الذي ظنه سيعجزها، و لكنه فوجئ بها تستدير نحوه مبتسمة ثم قالت : " ربما لأن هذه هي مهمتي في الحياة وقد اهتديت إليها مصادفة"، توقع العم ياسر أن يربك سؤاله الصغيرة و لكن جوابها سبقه إلى ذلك رغم تأخره عنه، فعلق عليها قائلا : " حسنا أيتها الذكية، و كيف لكل شخص أن يعرف مهمته في هذه الحياة؟" فنظرت نحو السماء و قالت : " ترى من قال لهذه السماء أن عليها أن تنزل ماء و تعكس لونها على البحار؟"، العم ياسر مبتسما : " إنه الله"، فقالت و هي تمد يدها إلى شجرة الزيتون التي يتكئان عليها(سرايا): و الله أيضا من أمر هذه أن تكون رمزا للسلام و الصمود"، هز العم رأسه بنعم و قال : " لكن كلامك لا ينطبق علينا نحن البشر، أليس كذلك يا ابنتي؟"، فابتسمت و أجابت بالنفي :
" ليس صحيحا، كل شخص يولد إلى هذه الحياة لابد من أن يصادف شيئا يجعله يعرف مهمته، و لكن الأذكى هو الذي يبحث عن ذلك بنفسه و لا ينتظر قدومه، و هذا ما قمت به أنا، ألا تعتبر هذا رسالة ربانية لكل إنسان وصل إلى غايته؟"، جعل كلامها الحكيم العم ياسر يبتسم متعجبا من حكمة تأصلت في الصغيرة التي تجلس أمامه منذ الآن، فقال لها مازحا : " أعتقد بأن مهمة أحدهم هي أن يكون حكيما ينصح الناس"، فتعالت ضحكاتهما في أجواء الحقل، جلسا كل النهار و هما يتحدثان، يتفقان مرة و يختلفان مرة، و هذا ما يثبت أن لكل جيل صوته حقا، و من المستحيل أن تتفق فتاة صغيرة مع عجوز مسن، في المساء، حيث ما يزالان يتسامران منذ الصباح لاحظت سرايا أن العم ياسر بدا يظهر عليه التعب، فرأت أنه من الأفضل تركه الآن : " حسنا يا عم ياسر، علي العودة إلى البيت الآن"، ( العم ياسر) "صحيح، لقد تأخر الوقت و سيقلق عليك أهل القرية، هيا إذن اذهبي"، فسلمت الصغيرة على رأس العجوز باحترام و همت بالرحيل لكنه استوقفها بيده الضعيفة التي حاولت مقاومة الرغبة في الابتعاد بعد أن عجزت عن ذلك ذات يوم، استند العم ياسر إلى شجرة الزيتون و حاول النهوض، توجه إلى أغصانها المتدلية و بدأ يقلبها و يشابكها كأنما يبحث عن شيء ما، إلى أن وقعت يده على أحد الأغصان الغضة النظرة، فقطعه بقوة الساعد الفلسطينية التي اعتادت إبعاد الأخطار التي تحدق بأي شيء ثمين لها، اتجه نحو سرايا التي رمقت تصرفاته الغريبة بنظرات أغرب، أمسك العم ياسر يدها، و وضع على كفها غصن الزيتون ذاك و أقفل عليه برص أناملها إليها، و قال دامع العين : " هذا جزء من فلسطين، لقد اخترت لتكوني الحمامة الرسولة أيتها الفتاة العظيمة"، نظرت سرايا إليه باستغراب، ماذا يقصد بكلامه؟ أنها حمامة مثلا؟ أبدا، ما هذا السخف؟ كل هذه الأفكار تعالت في رأسها في معركة ضارية و هي تستلقي على فراشها الدافئ، أغمضت سرايا عينيها بصعوبة و هي لم تكف عن التفكير بكلام العم ياسر.

مِـدَاد`
08-01-2009, 17:41
في الصباح استيقظت الفتاة على صوت مذعور يطرق صاحبه بابها بقوة : " سرايا، افتحي الباب، هيا"، فانتفضت مسرعة تستطلع الأمر، فتحت الباب فتفاجأت بابن الجيران منير و هو يقول لها : " أسرعي يا سرايا العم ياسر يحتضر، لم تدرك سرايا في تلك اللحظة شيئا غير أن قدميها حملتها على أكف من ريح نحو بيت العم ياسر و أقعدتها إلى جانب سريره الذي افترشه جسم هزيل أعياه الكبر و المرض، نظر الطبيب الذي كان هنا طوال الوقت إليها و سألها : " هل أنت ابنته يا صغيرتي؟"، فأجابته بلا : " أنا أخته"، دهش الطبيب في البداية و لكنه تجاهل ذلك و قال لها : " آسف يا صغيرتي و لكنها لحظاته الأخيرة"، ثم غادر و هو محزون فالطبيب لا يعز عليه شيء أكثر من موت مريضه ين يديه. جلست سرايا قرب العم ياسر طيلة النهار و هي تغني له بصوتها الدافئ الذي يرى فيه الأهالي صوت الحرية و الانتفاضة الفلسطينية، ثم توقفت برهة لتستعيد أنفاسها و لكن العم ياسر أصدر أنينا محتجا على هذا التوقف المفاجئ، و قال بصوت متقطع : " يجب أن لا يخمد هذا الصوت يا ابنتي، إنه صوت الحرية التي تصدح به الحمامة الرسولة"، فأمسكت سرايا بيده و قالت و الدموع في عينيها : " لماذا صرت تناديني بهذا الاسم يا عم ياسر؟ أنا اسمي سرايا، إنه الاسم الذي اختاره لي والداي و نقشاه على قلادتي قبل أ يرحلا و يتركانني"، فشخص نظره إلى السماء و بدأ يتكلم بكلام شد كل انتباه الصغيرة المحزونة : " طفلة فلسطينية وحيدة تغلبت على وحدتها، نشرت الحب بين الناس، بريئة و جريئة و ذكية، ستوجد ذات يوم ملفوفة وسط ريش حمام السلام الأبيض"، أصيبت سرايا بالدهشة من كلامه، و كأنه يعلم كل شيء عن حياتها رغم أنها لم تخبره عنها، واصل العم ياسر حديثه بصعوبة لأنه كان فعلا يحتضر : " إنه نهر سحري يقع في غابة مخيفة يطلقون عليها اسم غابة الظلام، و هي غابة كثيفة الأشجار كل من يدخلها يتملكه شعور غريب بحب السيطرة و النفوذ، فيدخل في حروب دامية مع ساكني الغابة تنتهي بموت الجميع و هذا ما جعلهم يسمونها أيضا : " غابة الموت "، لم يخرج أحد دخل إلى تلك الغابة صغيرا أو كبير، تلف هذه الغابة إشعاعات غريبة تحرق كل من يلمسها، أما النهر فهو في قلب تلك الغابة، و في 16 مارس من كل سنة
( تاريخ وفاة الإنسانة العظيمة رشال كوري ) يتسنى لسكان القرى المحيطة رؤية أسراب الحمام الأبيض التي تخرج من قلب الغابة"،ثم واصل و قد انهمرت من عينه دمعة حارة : " و قد رحلت قدس مع تلك الحمائم"، فنظرت إليه سرايا باستعطاف و شفقة، (العم ياسر) : " إن تلك الحمائم ما هي إلا أطفالنا الفلسطينيون"، دهشت سرايا لكلامه و قد لاحت في ذهنها وجوه أهالي القرية المحزونة و هي تنظر إلى السماء كلما انتصف شهر مارس، لقد عرفت الآن سبب حزنهم، فكل أسرة فلسطينية من قريتها كانت قد بعثت بأحد أبنائها إلى الغابة، فأكمل : " أجل غنها قدس أختي، و فارس ابن الجدة ذهبية، و كل الأطفال الذين لعبوا يوما بين شعب هذه القرية الغالية، لكن أنا خرجت لأنني كنت جبانا و لم أستوف الشروط، سرايا أنت الحمامة الرسولة التي قد تخلص الأهالي من هذا العذاب الذي ينتزع أطفالهم من أحضانهم كل سنة، و لكن احذري، فعينا الحمام الأبيض التي تشع عزما فلسطينا كان قد اختزن في قلب ذلك الطفل الذي دخل إلى مياه النهر السحرية ليتحول إلى حمامة سلام، عيناه المتقدتان هي التي تدفع اليهود لاغتصاب حمام السلام و تدمير السلام، فهم يرون فيها عيون المقاومة و الصمود"...
فقال الجندي و قد ضغط الزناد : " و لهذا فقط أقتل أخواتك أينما كانوا..."

مِـدَاد`
12-03-2009, 16:12
ليحيا الموضوع المنسي...

بامبل بي
12-03-2009, 16:19
لي عودة للقراءة,,,
وعد بإذن الرحمن

skq-uzw 2
12-03-2009, 16:44
راااااااااااااااااااااااااااااااااائع::جيد::

هذا أجمل ما رأت عيناي :eek:

إنك مبدعة أختي بل أكثر من ذلك :D

لم أقرأها كلها بعد و لي عوده بإذن الله :أوو:

إن الموضوع الذي إنتقيته لتكتبي عنه يشد الإنتباه

و شكراً لك على هذا و علينا كلنا أن نساند غزه

و أرجو لك التقدم

سلمت أناملكي::جيد::

بامبل بي
26-03-2009, 15:56
لي عودة للقراءة,,,
وعد بإذن الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا أعرف ماذا أقول لكن..قلبي خفق بشدة مع قراءة كلماتك...
القصة التي كتبتها....لا أعلم ماذا أقول..
أشعر بالحزن عندما أري تلك المواضيع >>>هذا النوع من المواضيع خاصة..
بلا ردود...
أشعر بالسوء كثيرا ...
أنت أطلقتي العنان لقلمك ليكتب..
لكن الكثيرين لم يفعلوا...حتي أنني منهم...>>أنوي قريبا بإذن الله,
لا يسعني إلا ترديد كلمتك..
يحيا الموضوع المنسي...
لا بل تحيا فلسطيني...

الصوت الحالم
26-03-2009, 20:35
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...

كنت أحتاج لكثير من التركيز و أنا أقرا
أبدعتي بما للكلمة من معنى

أشد ما جذبني استخدامك المتقن للرموز
ريش الحمام الملتف حول جسدها
غصن الزيتون
الحمامة البيضاء
توقها للحرية ، التكيف مع الوضع و الرغبة في المقاومة
كلها رموز ترن كجرس يقرع في ذاكرتنا ليذكرنا بشيء من المستحيل أن ننساه
"فلسطين الحبيبة"

بارك الله بكِ أختي كوثر << هكذا يسمونك إن لم تخني الذاكرة
و بقلمكِ المبدع و أعانكِ دائما على كل خير


نسيت ان انوه عن ان الخاطرة كانت بمنتهى الروعة كمقدمة
تقبلي مني خالص احترامي و تقديري

بسمة براءة
27-03-2009, 15:42
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


عدت بعد أمد طويل من قراءتي لما خطته أناملك
لأعبر عن الاحساس الجنوني الذي انتابني عند قراءتها ذات يوم وانقطاع النت كان أحد أسباب عدم ردي عليك ذلك اليوم وطبعا التكاسل فالى هذه اللحظة لم أرد على همس القلوب بما يليق
أولا لا أدري كيف أعبر عن روعة ما قرأت هنا
أعجني كثيرا استعمالك للرمزية ،لا أدري ماذا أقول
سوى أني لما قرأتها أحسست باستصغار كبير لنفسي واكبار لك
أنت هي سرايا وأنت من يحمل قضيته في قلبه ويبدع الابداع الهادف الحقيقي
في هذه الأمواج المتلاطمة من القصص
نعم أنت أيضا صغيرة السن وحكيمة جدا ووراعية عقلك توزن به جبال
حقا قد شحذت همتي وفي نفس الوقت انتابني غضب كبير لأن قليلين هم من ردو عليك
فلسطين تعيش في قلوبنا فرغم أني لم أسجل أيام لعدوان إلا أني توقعت تفاعلا أكبر
تماما كما كانت أسرتي كلها متعلقة بغزة وحياتنا كلها حصرت هناك
فمن الجدير لمن له فضاء كالمنتدى أن يقوم فيه بواجبه تجاه قضيته
ماذا أقول يا كوثر سوى أنك حملت المشعل وأكيد أن هناك من سيستنير به ويتبعك
رغم أني حاليا لا أملك قصة عن فلسطين ولا حتى خاطرة
لكني أكتب أفكاري ومقالاتي ورِؤيتي للوضع وواثقة بأن الموضوع سيعود ليحي
ومتأكدة أن قصتك تستحق الفوز بالمهرجان
كل شيء فيهخا رائع الوصف الاسلوب الاحداث الحبكة
لقد كتبتها بقلبك وبصدق مشاعرك وباحساسك أنه واجب عليك وليس أمرا تتفضلين به على فلسطين
وكل بلاد المسلمين المستعمرة
لم أقل ما قلته بناء على العلاقة الرائعة التي تربطني بك فأنت أختي وصديقتي واكثر من ذلكوأنا حقا فخورة بك
ولكن هذا رأيي بصراحة حتى أني عشقت اسم سرايا ودعوت أمي وأختي لقراءتها
وأعتزم اعطاءها لصديقاتي قصدي ليس الاشهار لكن لنحس جميعا بواجبنا
لاتستطيع الحروف أبدا وصف ما أحس به
ما أقوله ختاما هو بارك الله فيك وجزاك كل خير و جعله في ميزان حسناتك
في أمان الله

بسمة براءة
28-03-2009, 09:29
السلام عليكم
كاغيرو
التطبيق يخص قصة قصيرة عن ما وراء الطبيعة
وقد كانت المهلة المحددة هي يوم أمس
وأنا أيضا مثلك فلم استطع ارسال التطبيق لظروف خارجة عن ارادتي وعندما حاولت ذلك على 11:30
كان الموقع معطلا
اخترت هذه القصة عمدا حتى تعودي اليها ويحيا الموضوع المنسي
ولأنني نسيت أن أطلب منك في المشاركة السابقة أن تعودي لخاطرتك المهجورة
سلام