يلدرم البلقاني
04-01-2009, 03:32
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=708323&stc=1&d=1231040184
ايفع النهار و ارتفع و أزال بردة الليل التي طال دثورها على الأرض و بلغت الشمس كبد السماء و انتشر جناح الضوء واحتذى كل شيء بظله حتى بلغ نوره اطراف الآفاق , وفي تلك الأرض التي كستها الشمس حلة ذهبية , توجد مدينة كأنها صورة جنة الخلد , غزيرة العلم , أسمها بيلجيستان , مدينة العلم , التي اخرجت لنا أسماءاً دخلت في التاريخ من أوسع ابوابه , و كتبت قبل عنوانه , احدهم رحالنا الجليل , مهلائيل.
في ذلك اليوم خرج مهلائيل و قد عزم على حضور أخر مجلس له في دار العالم الكبير عسقائيل , وما هي إللا لحظات حتى دخل على مجلسه و ألقى السلام فردوا و أزادوا , ولكن صاحب المجلس هذه المرة ابن عسقائيل و لم يحضر أباه بسبب علة به.
فرحب به ترحيباً يليق برحالتنا وقال له : نأمل في أن نوفق في سرد تاريخنا و في بلوغ هدفنا و هو أحياء أمجادنا و أكمل فيما وقف عنده , وكان حديثه عن الفتوحات الأسلامية في أوائل العصر العباسي وفي عهد المعتصم بالله و قد خص اليوم ذكر الصراع الذي كان مع المعتصم و ملك الروم توفيل بن ميخائل و قال فيه
في سنة 223 هـ أوقع ملك الروم بأهل ملطية من المسلمين ملحمة عظيمة و قتل فيها خلقاً كثيراً من المسلمين و أسر ما لا يحصى منهم , وكان مما أسر ألف امرأة مسلمة , و مثل في الأسرى اشكال كثيرة من التعذيب من قطع آذانهم و أنوفهم , و بلغ ذلك المعتصم و انزعج جداً لذلك , و على الفور أمر بتعبئة جيشه ,و حين التعبئة أرسل فرق من الجيش لأعانة القرى التي كانت بالقرب من ملطية ولكن طغيان الملك الرومي قد سبقهم الى هناك و فعل ما فعل و عاد الى بلاده , و عند اخبار المعتصم ما فعله الرومي , أشتد غضبه و سأل من معه من الأمراء , قال: أي مدن الروم أحصن و أمنع ؟ , قالوا : عمروية ولم يعرض لها احداً منذ كان الأسلام و هي اشرف عندهم من القسطنطينية .
و أكمل المعتصم في تجهيز جيشه و قد عزم على فتح عمورية , و جهز جيشاً لم يجهزه أحداً قبله من الخلفاء , و أخذ معه من آلات الحرب و الأحمال و القرب , شيئاً لم يسمع بمثله و سار الى عمورية في جحافل أمثال الجبال ,وبعث المعتصم أحد ابرز قادته و يدعى الأفشين فدخل جنوب بلاد الروم من نواحي طرسوس , و قد جمع ملك الروم جيشه و قصد المعتصم فتقاربا و اتاه الأفشين من خلفه , و الروم تفاجئوا في ذلك و ضاق ذرع ملكهم , و الأفشين يقترب منهم فسار إليه الملك الرومي في قلة قليلة من جيشه و ولى احد اقاربه على جيشه الباقي للتصدي للمعتصم , فالتقى الملك الرومي مع الأفشين فغلبه الأفشين بعد توفيق من الله و قتل من الروم خلقاً كثيراً , و فر الملك الرومي لبقية جيشه الأول فوجده أنحل و تفرق , فغضب لذلك و ضرب عنق قريبه , جاءت الأخبار للمعتصم فسره ذلك , فتوجه المعتصم على الفور الى أنقره و وافاه الأفشين هناك , فوجدوا أن أهلها قد فروا و هربوا , فأقتاتوا منها بما وجدوا من طعام , و خرجوا من أنقرة و قصدوا عمورية و الجنود في أعلى قوة لهم , فلما بلغوها , وجدوها وقد تحصنت تحصناً شديداً و ملؤا أبراجها بالرجال و السلاح , وهي مدينة عظيمة كبيرة جداً , وذات سور عالي و ابراج كبارة كثيرة , وقسم المعتصم قادته و ولى لكل برج قائد , وقعد المعتصم أمام مكاناً قد أرشد إليه من قبل , ارشده إليه بعضاً منْ مَنْ أسلم من الروم , وأعلمه بمكان في السور قد هدمه السيل و بني بناء ضعيفاً بلا أساس , فنصب المعتصم المناجيق حول عمورية , فكان ذلك الموضع أول موضع قد انهدم من سورها , فبادر اهل البلدة فسدوه بالخشب الكبار المتلاصقة , فألح عليها المنجنيق و هدمها مرة أخرى , وزاد الحصار على الروم , وزاد المعتصم في ادوات القتال من مناجيق و آلات الحرب , وسقط السور وفرح المسلمون لذلك فرحاً شديدا , ودخل المسلمون جميعهم منها , و الروم يحاولون ابعادهم عنها , فدخلوها قهرا , و المسلمون يكبرون , و تفرق الروم , و جعل المسلمون يقتلونهم يف كل مكان , و حشرو في كنيسة لهم هائلة , ففتحوها قسراً و قتلوا من فيها , و أحرقوا الكنيسة فأحترقت , فأحرقوا عن آخرهم , ولم يبقى مكاناً حصينا في المدينة إللا حصن واليها و يدعى مناطس , فراح إليه المعتصم و نادى منادي : ويحك يا مناطس أمير المؤمنين هنا واقف تجاهك , فقالوا : ليس مناطس ههنا , فغضب الخليفة فولى ,فنادى مناطس : هذا مناطس , فعاد الخليفة و نصب السلالم على الحصن و أرسل الرسل و قالوا له : ويحك أنزل على حكم أمير المؤمنين , فتمنع
في بادىء الأمر ثم بعد ذلك نزل متقلداً سيفاً , فوضعه في عنقه , فجيء به الى المعتصم و أوقف بين يديه , فضربه بالسوط على رأسه , و أمر أن يسحب مهاناً الى مخيم الخليفة
خارج عمورية فأوثق هناك , وغنم المسلمون أموالاً لا تعد ولا تحصى , فحملوا ما امكن حمله , فأمر المعتصم بأحراق الباقي و أحراق كل آلات الحرب لئلا يتقوى بها الروم , ورحل بعد هذا المعتصم الى طرسوس .
و توفى المعتصم بـ سر من رأى في يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول من سنة 227 هـ , وهو أمير المؤمنين أبو اسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي المنصور العباسي , وكان يقال له المثمن , لأنه ثامن ولد العباس , و أنه ثامن الخلفاء , وأنه فتح ثماني فتوحات , و انه اقام في الخلافة ثمان سنين و ثمانية اشهر و ثمانية أيام , و أنه توفي و له من العمر ثمان و أربعون , و أنه خلف ثمانية بنين و بنات , وكان أمياً لا يحسن الكتابة ..
أخذ أنفاسه ابن عسقائيل و قال : هذا تاريخنا المجيد حين نتمسك بحبل الدين فينصرنا الله و يذل عدونا و ...
و هنا قاطعه رجل لثم الوجه فأخفى علينا ملامحه و قال : ما اراك ذكرت تعذيبه للأمام أحمد ابن حنبل بسبب فتنة اختلقها المعتزلة .. فسكت ابن عسقائيل قليلاً . ثم اجاب : ماكان بعالم بأمر الفتنة بسبب جهله بأمرها , فرد عليه المجهول : هذا لا يشفع له كان يجب عليك ذكر هذا الأمر . فرد عليه ابن عسقائيل : كنت خصصتها في درس لأحمد ابن حنبل . فأنا اريد أن اذكر أخواننا بمجدنا الذي نسوه و ما علموه . و سأنبئكم بما لم يتضح لكم ..
أما فتنة خلق القرن , أبتدعتها فرقة من الفرق الضالة في العصر العباسي و تدعى بالمعتزلة , و تعددت الأسباب في تسميتهم بالمعتزلة و الأرجح منها هو عندما خرج واصل ابن عطاء من مجلس العالم الجليل الحسن البصري بعد أن اختلفا في مصير مرتكب الكبيرة و قال الحسن البصري : اعتزلنا واصل , فسموا بذلك . و المعتزلة فرقة كلامية تعطل النقل و تعمل بالعقل في كل شيء , حيث أبطلوا كل صفات الله بعدما أساءوا فهم الأية (ليس كمثله شيء) .
و أما فتنة خلق القرآن , فلقد بدأت في عصر الخليفة العباسي المأمون حين أعلن عنها مرتان ففي المرة الأولى اعلنها سنة 212 هـ و ترك الناس احراراً فيما يعتقدون الى عام 218 هـ ونت لا يجب الى هذا المعتقد كان مصيره أما الجلد أو السجن أو الموت , و بدأ بامتحان كل ما يتصل به بأي نوع من الأتصال سواء
كان أحد الأمراء أو القضاة أو الشيوخ أو حتى الشهود في النزاعات القضائية , جل من أمتحنهم اجابوا بالمحنة و قلة قليلة من لم يجب بذلك , و منهم الأمام القدير أحمد ابن حنبل أمام المسلمين , فجزاءاً لرفضة فكرة خلق القرآن , قيده بالحديد و سير به الى المأمون , ولما بلغا مقر الخليفة , جاء خادم و اخذ يمسح دموعه بطرف ثوبه و قال : (يعز علي إن المأمون قد سل سيفاً لم يسله من قبل ذلك , و انه يقسم
بقرابته من الرسول صلى الله عليه و سلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف)
فجثا الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه الى السماء و قال : ( سيدي غر حلمك هذا الفاجر , حتى تجرأ على أولئك بالضرب و القتل , اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق , فاكفنا مؤونته ) و على الفور اتى خبر موته و فرح أحمد و من معه , ولكن هيهات للفرحة أن تدوم , فبعد أن تولى المعتصم الخلافة , أقنعه الشيطان أحمد ابن أبي دؤاد صاحب الفتنة , بقول خلق القرآن مستغلاً جهل الخليفة المعتصم , و اكمل التعذيب بتوصية من أخيه المأمون , و كل يوم يرسل له رسولان كي يناظراه في السجن و كان كلما يفحمهم و ينكر عليهم يزيدون في قيوده الى أن بلغت أربعة قيود في قدمه , و لا يزال صامداً , وعدما شعر المعتصم بأصراره , جعل يُضرب و يجلد , و ألقاه في مكان لا يرى فيها الشمس , و بعد أن سجن في ذلك المكان المظلم , دعاه المعتصم و أدخل عليه , وما زال يدنيه حتى أجلسه قريباً منه , ثم تكلم الأمام أحمد بكلام مقنع فقال المعتصم : لولا اني وجدتك في يد من كان قبلي ما تعرضت لك , و طلب المعتصم من رجاله أن يناظروا أحمد فجعلوا يسألونه ماتقول في كذا ؟ و قال الله كذا , و حديث كذا , و هو يجيبهم و يبين لهم وجوه الصواب , و ابن أبي دؤاد ينظر له في حنق و غيظ , و ايضاً جلس المعتصم معه لوحده وحاول اقناعه ولكنه كان راسخاً كالجبل و ظل صامداً ثابتاً لم يزعزعه ترغيب ولا ترهيب , حتى اصبح المعتصم يقول (قهرنا احمد , قهرنا أحمد) حتى صفعه في وجهه وخار مغشياً عليه , ولما شتد أصراره , جيئ بالجلادين و أخذوا يجلدوه حتى ملئوا الأرض من دمائه , و أصبح الأمام حمد يعذب الى أن جاء الخليفة العباسي المتوكل و أنهى الفتنة بعد أن اريق كثير من دماء المحدثين و الأئمة , وهنا نرى القدوة الحسنة في هذا الأمام الجليل العظيم , فكرس حياته في طلب الحديث منذ نعومة اظافره , و الشكر لله ثم لأمه صفية بنت عبد الملك الشيباني , فقد كانت ارملة و تفرغت في تربية أبنها أحسن تربية , هؤلاء هم النساء أن وفقوا في التربية , يخرجون لنا أحسن الناس و أفضلهم , و تلقى الأمام أحمد بن حنبل العلم من علماء كثر أبرزهم , الأمام الشافعي , يزيد بن هارون , هشيم بن بشير , اسماعيل بن علية , سفيان بن عيينة , عبدالقارد الصنعاني , و أسم أمامنا هو (أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن شيبان , و ولد سنة 164 هـ و توفي سنة 241 هـ وله من العمر 77 عاماً .
هنا وقف المجهول و خلع لثمته , فتفاجئنا , فإذ به هو عسقائيل و تقدم إلى أبنه و ربت على كتفه و قال :
لقد ابليت حسناً يا أبني فلم تخيب ظني بك , ويجب عليك أن تكمل طريقي في أحياء الأسلام اللذي أصبح غريباً في هذه الأيام , ثم نظر الى مهلائل و قال : متى أنت راحل عنا , قال : حين يحل الغروب , قال عسقائيل : كأني أرى في وجهك طلباً , قال مهلائيل : ما خيبك ظنك أبداً , أريدك أن تنصحني فأنت صاحب حكمة و علم .. فقال عسقائيل :
ايفع النهار و ارتفع و أزال بردة الليل التي طال دثورها على الأرض و بلغت الشمس كبد السماء و انتشر جناح الضوء واحتذى كل شيء بظله حتى بلغ نوره اطراف الآفاق , وفي تلك الأرض التي كستها الشمس حلة ذهبية , توجد مدينة كأنها صورة جنة الخلد , غزيرة العلم , أسمها بيلجيستان , مدينة العلم , التي اخرجت لنا أسماءاً دخلت في التاريخ من أوسع ابوابه , و كتبت قبل عنوانه , احدهم رحالنا الجليل , مهلائيل.
في ذلك اليوم خرج مهلائيل و قد عزم على حضور أخر مجلس له في دار العالم الكبير عسقائيل , وما هي إللا لحظات حتى دخل على مجلسه و ألقى السلام فردوا و أزادوا , ولكن صاحب المجلس هذه المرة ابن عسقائيل و لم يحضر أباه بسبب علة به.
فرحب به ترحيباً يليق برحالتنا وقال له : نأمل في أن نوفق في سرد تاريخنا و في بلوغ هدفنا و هو أحياء أمجادنا و أكمل فيما وقف عنده , وكان حديثه عن الفتوحات الأسلامية في أوائل العصر العباسي وفي عهد المعتصم بالله و قد خص اليوم ذكر الصراع الذي كان مع المعتصم و ملك الروم توفيل بن ميخائل و قال فيه
في سنة 223 هـ أوقع ملك الروم بأهل ملطية من المسلمين ملحمة عظيمة و قتل فيها خلقاً كثيراً من المسلمين و أسر ما لا يحصى منهم , وكان مما أسر ألف امرأة مسلمة , و مثل في الأسرى اشكال كثيرة من التعذيب من قطع آذانهم و أنوفهم , و بلغ ذلك المعتصم و انزعج جداً لذلك , و على الفور أمر بتعبئة جيشه ,و حين التعبئة أرسل فرق من الجيش لأعانة القرى التي كانت بالقرب من ملطية ولكن طغيان الملك الرومي قد سبقهم الى هناك و فعل ما فعل و عاد الى بلاده , و عند اخبار المعتصم ما فعله الرومي , أشتد غضبه و سأل من معه من الأمراء , قال: أي مدن الروم أحصن و أمنع ؟ , قالوا : عمروية ولم يعرض لها احداً منذ كان الأسلام و هي اشرف عندهم من القسطنطينية .
و أكمل المعتصم في تجهيز جيشه و قد عزم على فتح عمورية , و جهز جيشاً لم يجهزه أحداً قبله من الخلفاء , و أخذ معه من آلات الحرب و الأحمال و القرب , شيئاً لم يسمع بمثله و سار الى عمورية في جحافل أمثال الجبال ,وبعث المعتصم أحد ابرز قادته و يدعى الأفشين فدخل جنوب بلاد الروم من نواحي طرسوس , و قد جمع ملك الروم جيشه و قصد المعتصم فتقاربا و اتاه الأفشين من خلفه , و الروم تفاجئوا في ذلك و ضاق ذرع ملكهم , و الأفشين يقترب منهم فسار إليه الملك الرومي في قلة قليلة من جيشه و ولى احد اقاربه على جيشه الباقي للتصدي للمعتصم , فالتقى الملك الرومي مع الأفشين فغلبه الأفشين بعد توفيق من الله و قتل من الروم خلقاً كثيراً , و فر الملك الرومي لبقية جيشه الأول فوجده أنحل و تفرق , فغضب لذلك و ضرب عنق قريبه , جاءت الأخبار للمعتصم فسره ذلك , فتوجه المعتصم على الفور الى أنقره و وافاه الأفشين هناك , فوجدوا أن أهلها قد فروا و هربوا , فأقتاتوا منها بما وجدوا من طعام , و خرجوا من أنقرة و قصدوا عمورية و الجنود في أعلى قوة لهم , فلما بلغوها , وجدوها وقد تحصنت تحصناً شديداً و ملؤا أبراجها بالرجال و السلاح , وهي مدينة عظيمة كبيرة جداً , وذات سور عالي و ابراج كبارة كثيرة , وقسم المعتصم قادته و ولى لكل برج قائد , وقعد المعتصم أمام مكاناً قد أرشد إليه من قبل , ارشده إليه بعضاً منْ مَنْ أسلم من الروم , وأعلمه بمكان في السور قد هدمه السيل و بني بناء ضعيفاً بلا أساس , فنصب المعتصم المناجيق حول عمورية , فكان ذلك الموضع أول موضع قد انهدم من سورها , فبادر اهل البلدة فسدوه بالخشب الكبار المتلاصقة , فألح عليها المنجنيق و هدمها مرة أخرى , وزاد الحصار على الروم , وزاد المعتصم في ادوات القتال من مناجيق و آلات الحرب , وسقط السور وفرح المسلمون لذلك فرحاً شديدا , ودخل المسلمون جميعهم منها , و الروم يحاولون ابعادهم عنها , فدخلوها قهرا , و المسلمون يكبرون , و تفرق الروم , و جعل المسلمون يقتلونهم يف كل مكان , و حشرو في كنيسة لهم هائلة , ففتحوها قسراً و قتلوا من فيها , و أحرقوا الكنيسة فأحترقت , فأحرقوا عن آخرهم , ولم يبقى مكاناً حصينا في المدينة إللا حصن واليها و يدعى مناطس , فراح إليه المعتصم و نادى منادي : ويحك يا مناطس أمير المؤمنين هنا واقف تجاهك , فقالوا : ليس مناطس ههنا , فغضب الخليفة فولى ,فنادى مناطس : هذا مناطس , فعاد الخليفة و نصب السلالم على الحصن و أرسل الرسل و قالوا له : ويحك أنزل على حكم أمير المؤمنين , فتمنع
في بادىء الأمر ثم بعد ذلك نزل متقلداً سيفاً , فوضعه في عنقه , فجيء به الى المعتصم و أوقف بين يديه , فضربه بالسوط على رأسه , و أمر أن يسحب مهاناً الى مخيم الخليفة
خارج عمورية فأوثق هناك , وغنم المسلمون أموالاً لا تعد ولا تحصى , فحملوا ما امكن حمله , فأمر المعتصم بأحراق الباقي و أحراق كل آلات الحرب لئلا يتقوى بها الروم , ورحل بعد هذا المعتصم الى طرسوس .
و توفى المعتصم بـ سر من رأى في يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول من سنة 227 هـ , وهو أمير المؤمنين أبو اسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي المنصور العباسي , وكان يقال له المثمن , لأنه ثامن ولد العباس , و أنه ثامن الخلفاء , وأنه فتح ثماني فتوحات , و انه اقام في الخلافة ثمان سنين و ثمانية اشهر و ثمانية أيام , و أنه توفي و له من العمر ثمان و أربعون , و أنه خلف ثمانية بنين و بنات , وكان أمياً لا يحسن الكتابة ..
أخذ أنفاسه ابن عسقائيل و قال : هذا تاريخنا المجيد حين نتمسك بحبل الدين فينصرنا الله و يذل عدونا و ...
و هنا قاطعه رجل لثم الوجه فأخفى علينا ملامحه و قال : ما اراك ذكرت تعذيبه للأمام أحمد ابن حنبل بسبب فتنة اختلقها المعتزلة .. فسكت ابن عسقائيل قليلاً . ثم اجاب : ماكان بعالم بأمر الفتنة بسبب جهله بأمرها , فرد عليه المجهول : هذا لا يشفع له كان يجب عليك ذكر هذا الأمر . فرد عليه ابن عسقائيل : كنت خصصتها في درس لأحمد ابن حنبل . فأنا اريد أن اذكر أخواننا بمجدنا الذي نسوه و ما علموه . و سأنبئكم بما لم يتضح لكم ..
أما فتنة خلق القرن , أبتدعتها فرقة من الفرق الضالة في العصر العباسي و تدعى بالمعتزلة , و تعددت الأسباب في تسميتهم بالمعتزلة و الأرجح منها هو عندما خرج واصل ابن عطاء من مجلس العالم الجليل الحسن البصري بعد أن اختلفا في مصير مرتكب الكبيرة و قال الحسن البصري : اعتزلنا واصل , فسموا بذلك . و المعتزلة فرقة كلامية تعطل النقل و تعمل بالعقل في كل شيء , حيث أبطلوا كل صفات الله بعدما أساءوا فهم الأية (ليس كمثله شيء) .
و أما فتنة خلق القرآن , فلقد بدأت في عصر الخليفة العباسي المأمون حين أعلن عنها مرتان ففي المرة الأولى اعلنها سنة 212 هـ و ترك الناس احراراً فيما يعتقدون الى عام 218 هـ ونت لا يجب الى هذا المعتقد كان مصيره أما الجلد أو السجن أو الموت , و بدأ بامتحان كل ما يتصل به بأي نوع من الأتصال سواء
كان أحد الأمراء أو القضاة أو الشيوخ أو حتى الشهود في النزاعات القضائية , جل من أمتحنهم اجابوا بالمحنة و قلة قليلة من لم يجب بذلك , و منهم الأمام القدير أحمد ابن حنبل أمام المسلمين , فجزاءاً لرفضة فكرة خلق القرآن , قيده بالحديد و سير به الى المأمون , ولما بلغا مقر الخليفة , جاء خادم و اخذ يمسح دموعه بطرف ثوبه و قال : (يعز علي إن المأمون قد سل سيفاً لم يسله من قبل ذلك , و انه يقسم
بقرابته من الرسول صلى الله عليه و سلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف)
فجثا الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه الى السماء و قال : ( سيدي غر حلمك هذا الفاجر , حتى تجرأ على أولئك بالضرب و القتل , اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق , فاكفنا مؤونته ) و على الفور اتى خبر موته و فرح أحمد و من معه , ولكن هيهات للفرحة أن تدوم , فبعد أن تولى المعتصم الخلافة , أقنعه الشيطان أحمد ابن أبي دؤاد صاحب الفتنة , بقول خلق القرآن مستغلاً جهل الخليفة المعتصم , و اكمل التعذيب بتوصية من أخيه المأمون , و كل يوم يرسل له رسولان كي يناظراه في السجن و كان كلما يفحمهم و ينكر عليهم يزيدون في قيوده الى أن بلغت أربعة قيود في قدمه , و لا يزال صامداً , وعدما شعر المعتصم بأصراره , جعل يُضرب و يجلد , و ألقاه في مكان لا يرى فيها الشمس , و بعد أن سجن في ذلك المكان المظلم , دعاه المعتصم و أدخل عليه , وما زال يدنيه حتى أجلسه قريباً منه , ثم تكلم الأمام أحمد بكلام مقنع فقال المعتصم : لولا اني وجدتك في يد من كان قبلي ما تعرضت لك , و طلب المعتصم من رجاله أن يناظروا أحمد فجعلوا يسألونه ماتقول في كذا ؟ و قال الله كذا , و حديث كذا , و هو يجيبهم و يبين لهم وجوه الصواب , و ابن أبي دؤاد ينظر له في حنق و غيظ , و ايضاً جلس المعتصم معه لوحده وحاول اقناعه ولكنه كان راسخاً كالجبل و ظل صامداً ثابتاً لم يزعزعه ترغيب ولا ترهيب , حتى اصبح المعتصم يقول (قهرنا احمد , قهرنا أحمد) حتى صفعه في وجهه وخار مغشياً عليه , ولما شتد أصراره , جيئ بالجلادين و أخذوا يجلدوه حتى ملئوا الأرض من دمائه , و أصبح الأمام حمد يعذب الى أن جاء الخليفة العباسي المتوكل و أنهى الفتنة بعد أن اريق كثير من دماء المحدثين و الأئمة , وهنا نرى القدوة الحسنة في هذا الأمام الجليل العظيم , فكرس حياته في طلب الحديث منذ نعومة اظافره , و الشكر لله ثم لأمه صفية بنت عبد الملك الشيباني , فقد كانت ارملة و تفرغت في تربية أبنها أحسن تربية , هؤلاء هم النساء أن وفقوا في التربية , يخرجون لنا أحسن الناس و أفضلهم , و تلقى الأمام أحمد بن حنبل العلم من علماء كثر أبرزهم , الأمام الشافعي , يزيد بن هارون , هشيم بن بشير , اسماعيل بن علية , سفيان بن عيينة , عبدالقارد الصنعاني , و أسم أمامنا هو (أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن شيبان , و ولد سنة 164 هـ و توفي سنة 241 هـ وله من العمر 77 عاماً .
هنا وقف المجهول و خلع لثمته , فتفاجئنا , فإذ به هو عسقائيل و تقدم إلى أبنه و ربت على كتفه و قال :
لقد ابليت حسناً يا أبني فلم تخيب ظني بك , ويجب عليك أن تكمل طريقي في أحياء الأسلام اللذي أصبح غريباً في هذه الأيام , ثم نظر الى مهلائل و قال : متى أنت راحل عنا , قال : حين يحل الغروب , قال عسقائيل : كأني أرى في وجهك طلباً , قال مهلائيل : ما خيبك ظنك أبداً , أريدك أن تنصحني فأنت صاحب حكمة و علم .. فقال عسقائيل :