PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : صاحب القبعة السوداء



أسيرة القلم
16-12-2008, 18:30
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه إحدى خواطري المفضلة أتمنى أن تنال إعجابكم وأن تعطوني رأيكم الصريح فيها


صاحب القبعة السوداء

أصوات اعتدت سماعها, دقات توقعت موعدها, أضواء اعتدت رؤيتها, حتى في أحلامي كنت لا أفارقها,
وهاهي قد عادت في يقظتي لتبث سيطرتها عبر جهازي العصبي, وتستدعي ذكريات العصر الماضي,
ذكريات عشت في كنفها لسنوات طوال, ذكريات اتخذتها رفيقة وصديقة على طريق الظلامات, تأزرني وتشد
من همتي لتخطي محنتي, لقد عادت من جديد لتذكرني بمن أنقذني من بحر الظلامات... من بحر حياتي.

يا من سكنت ذكريات طفولتي, يا من كنت سبباً في تخطي محنتي, يا من كنت أتمنى أن أكون مثله... إلى
أين ذهبت يا صاحب القبعة السوداء؟ إلى أي أرض رحلت واختفيت؟ إلى أين ؟ يا من غيرت حياتي رغم أنني
كنت جاهلة بما كان يناديك به البشر, فكم من ألقاب وألقاب أطلقتُها عليك رغبة في اكتشاف أسمك الحقيقي
لكنني لم أجد ما يناسبك سوى بصاحب القبعة السوداء... تلك القبعة التي كانت تنبئني بوصولك الى حيّنا
المتواضع, وتميزك من بين مئات البشر المكتظين حول الأسواق, حين كانوا يحتمون داخلها من تلك القطيرات
الضغيرة, التي نزلت الى الأرض ظناً منها بأنها ستجد الجمال والأمان, ولكن كم من الأمال قد خاب, فهاهي
تتهاوي وتموت على كتوف الرجال تارة, وتلفظ أنفاسها الأخيرة على صخرة عابرة مع سيل البشر تارة أخرى,
ورغم حجمها الضئيل كان البشر ينزعجون قربها منهم, ويشمئزون من نتائج أفعالها لثيابهم الفاخرة, ويؤنبونها
وكأنها طفل شقي صغير قد قام بكسر آنية ثمينة, لكنك يا صاحب القبعة السوداء كنت ترحب بها وكما لو أنها
طفلك الصغير, تحتضنها ولا تبالي بما تفعله بمعطفك الغالي, اردت أن أمتلك عطفك ذاك لتلك القطيرات, أردت
ذاك العطف لكي أكفّ عن معاملتها بقسوةِ بقية البشر, ولكي أكفّ عن حقدي القديم لها وأتابع مسيرتي
على طريقٍ سلَكه ومازال يسلُكه بقية البشر, أردت ذاك العطف علّه يكسبني ما خسرته على مرِّ سنين
طفولتي المرة, علّه يعيد إلي من أحبه وأعزه, وها أنت تستمر بمفاجأتي بوقوفك ذاك, صامداً أمام وحش البرد
القارس, تتحداه وكأنك تقول له: "هات ما عندك فلست خائفاً منك, فأنا هنا لأرى صغيراتي العزيزات
ولن تمنعني ريحك العاتية, ولا برودتك القارسة من لقائهن"... يا ليتني كنت أملك نصف شجاعتك وتحديك ذاك,
لكي أحارب عدو الإنسان الأعظم, لكي أنتصر عليه وأسترد ما حرمني منه ظلمه وقسوته, لكي أستطيع أن
أرسم الإبتسامة على وجه والديّ مرة أخرى, ولأحقق أحلامي في هذه الحياة...

جلست بجانب نافذتي الصغيرة أنتظر قدومك الى حيّنا, أنتظر قدومك لكي أراقب ما ستفعله في هذه الليلة
أمام دكان أبو حسّان, وهاهي قبعته الشهيرة تبرز من بين مئات القبعات فتسير وتتقدم وتقف بجانب مصباح
الطريق, وإذ بصاحبها يشعل سيجارة لمع ضوؤها في الظلام, مرت دقائق طوال قبل اختفاء ضوؤها الخافت
في الظلام, وإذ بصاحبها يتنهد بقوة ويرفع رأسه إلى السماء داعياً الله بشيء لم أعلمه, ويدع تلك القطيرات
تغسل وجه علّها تزيح بعضاً من هموم الحياة التي رسمت خطوطها بوضوح على وجهه الشاب, ولكن هذه
المهمة ليست بتلك السهولة التي يظنها البشر, وإذ به يهم بالرحيل...! ماذا حدث؟ هذه ليست عادته, لم
الأن؟ ماذا ستعلمني اليوم ؟ أرجوك لا ترحل... ولكنه لم يسمع رجاءي فانطلقت مسرعة باتجاه باب البيت
وفتحته وانطلقت مسرعة, متجاهلة نداءات أمي وأبي بالعودة في الحال... ركضت خلف صاحب القبعة
السوداء لأسأله عما حصل له؟ لم غادر المكان؟ لم يخون قطيراته العزيزات؟ ألم تعلمني على حبها والعناية
بها؟ فلم الرحيل الآن؟ لم؟! بحثت عنه ولكن ما من فائدة لقد تم محوّه من على وجه الأرض لقد رحل,
أختفى ,ولن يعود مرة أخرى....

أمسك بي أبي وأعادني الى البيت مؤنباً إياي ولكنني لم أسمع كلمة واحدة مما قاله, كنت أبكي وأبكي من
دون توقف, لقد رحل معلمي, لقد غادر من دون عودة, لقد ذهب صاحب القبعة السوادء...

جاء طبيبي الخاص مرتجفاً لا من البرد بل من الغضب علي, وعلى والديّ لتركي أخرج في هذا البرد القارس,
ولكنه سحب كلامه فور إنتهائه من فحصي, فسألني: ماذا حدث لك في هذه الأيام أيتها الصغيرة
المشاكسة؟... ابتسمت ,رغم الحزن الذي كان قابعاً في قلبي, لتعليقه وأجبته: لقد ألتقيت بمعلم عظيم...
لقد التقيت بصاحب القبعة السوداء!"... " ومن هو صاحب القبعة السوداء؟" سألني مستغرباً ... تنهدت
بصعوبة وألم قبل أن أجيبه " شخص أردت أن أكون مثله...فكان انسان في وقت واحد,ولكن أسد جامح شُجاع
تارة, وحمامة سلام رقيقة تارة آخرى... علمني أن أحب المطر وقطيراته الصغيرة, لا أن أخافها وأختبىء خلف
ملاءتي الدافئة... علمني أن أتحدى الرياح والبرد, لا أن أضعف وأجلس خلف مدفئة طوال عمري خوفاً من
الموت... علمني معنى الحياه.... علمني أن لا أستسلم لوحش المرض وأموت في فراشي ضعيفة, بل أن
أريه قوة بني البشر وأتخطاه الى حياة أفضل... هذا ما تعلمته من صاحب القبعة السوداء" أكملت كلامي ولم
أكن أعلم أن دموعي كانت تسيل بغزارة مطر الشتاء, أغرقت ثيابي مرة أخرى...." يا له من معلم, وهل لي
بأسمه؟"... أجبته ببراءة الأطفال" لا أعلم" فابستم لي وربت على رأسي ثم طلب من أمي أن تعد لي
الحساء الدافئ وتناول الدواء, فسأله والدي بإستعجال: مابها صغيرتي؟ هل هي بخير؟ أجبني أيها الطبيب
أرجوك" سمعته يجيبه بصوت خافت لا يكاد يرتفع عن الهمس:" لقد التقت بمعلم علمها معنى الحياة!.... لا
تقلق ستكون على مايرام بإذن الله"... ابتسمت وحمدت الله لأنه بعث لي بمعلمي... صاحب القبعة السوادء,
والذي لم ألتقه مرة أخرى طيلة حياتي السالمة من فايروس المرض, فربما كان ملاكاً أرسله الله لي, ليعيدني
على طريق الحياة , فلم أعلم عندها ولن أعلم أبداً...



النهاية

Silent Breaths
16-12-2008, 23:16
الســلام عليكم..~
ماقراتة رائع جداً..~
كلامات منقاة
كالوحة رسمت بحتراف..~
اقتباس من الخــاطر:

علّه يعيد إلي من أحبه وأعزه, وها أنت تستمر بمفاجأتي بوقوفك ذاك, صامداً
كلام معبــر ومنظوم بشكل رائع..~
قد تال اعجباي الخاطر كثيرا^^..~
اتمنا لكي المزيد من التقــدم..~
في حفظ البــاري...~