تنين الظل
18-07-2008, 03:13
مدينة زاريوس مدينة جميلة وهادئة ، أهلها مسالمون لا يؤمنون بالحرب لأي سبب كان ، الملك "كيناي" وهو رجل نحيل أصلع له شارب كث وصوت جهوري يليق بملك وزوجته الشقراء "هايبي" يحكمان المدينة بعدل منقطع النظير ، لكن كلام أهل مدينة زاريوس والمدن القريبة منها هو الأميرة الحسناء لورا - شقراء يصل شعرها إلى أسفل خصرها وعيناها خضراوان كأمها وبشرتها بيضاء كالثلج وصوتها ناعم كأعذب لحن يمكن أن تسمعه أذن- والمدينة كلها تستعد للاحتفال منذ أسابيع لأن عيد ميلاد الأميرة الثامن عشر يقترب و الملك يجزل العطاء لمن يقدم عرضا يجعل الأميرة تبتسم، لكن حدث شيء مريع في ظُهر اليوم الذي يسبق الاحتفال وغيّر كل مظاهر السرور والفرح إلى خوف وبكاء فقد دخل المدينة مجموعة ملثمين عددهم يقارب المائة وهم أقوياء الشكيمة صعبي المراس لا يظهرون شفقة أو رحمة و راحوا يقتلون كل من يروه ولم يستطع جيش زاريوس معهم شيئا حتى وصلوا قصر الملك ، في تلك اللحظات كان الملك ممسكا بسيفه ليحمي ابنته وزوجته بينما الحرس الملكي احتشدوا أمام باب الغرفة عندها سمع الملك صراخا وجلبة وصوت تقارع سيوف و بعد لحظات هدأت الأصوات فبقي الملك وعائلته يترقبون عندها فُتح الباب على مصراعيه ودخل قائد الملثمين وحوله رجاله فشد الملك قبضته على سيفه فقال رئيس الملثمين بصوت هو أقرب لفحيح الأفاعي منه لصوت البشر : نحن لسنا هنا لقتلكم سنأخذ الفتاة ونرحل.
أنهى جملته وصار يضحك بتشفٍ وسخرية فاستشاط الملك غضبا وقال: خسئت أيها القذر ، لم يخلق بعد من سيمس شعرة من رأس ابنتي.
فضحك الملثم حتى كاد ينقطع نفسه من كثرة الضحك وقال وهو لا يزال يغالب ضحكه: لا تقلق، نحن لن نلمس شعر الأميرة لكننا سنبيعها لمن يدفع أكثر.
عندها اندفع الملك نحو الملثم وهو يقول: ستدفع ثمن كلامك أيها الشيطان اللعين.
دارت بين الملك والملثم معركة ليست بالطويلة فلا مجال لمقارنة القوة بين الملك المسالم النحيل و بين رجل المرتزقة الذي يعيش على دماء ضحاياه! وتلقى الملك طعنة في صدره فوقع على الأرض بلا حراك فأسرعت نحوه الأميرة وهي تبكي وقبل أن تصل له تلقت ضربة على مؤخرة عنقها من مقبض سيف أحدهم أفقدتها وعيها فحملها أحد الرجال وغادروا القصر وأخذوا الأميرة على خيل رئيسهم وتركوا المدينة ضاحكين متباهين بينما المدينة غارقة في الدماء.
بعد عدة أشهر من الأحداث الأليمة استعاد الملك عافيته وإن كان يتمنى لو أنه مات فعلا! أما سكان المدينة فلم يعودوا أبدا لسابق عهدهم وكان شُغلهم الشاغل هو استعادت الأميرة وبعد شهور من البحث المضني عاد الرجال الذين أُرسلوا للبحث في المدن القريبة لكن لا أثر لها و أرسل حكام المدن القريبة من زاريوس بعضا من رجالهم ليساعدوا في البحث عن الأميرة فشكرهم الملك وأُعدت لهم غرف ليقيموا فيها، أما الملك فكان يخرج في الليل وحده ليزيح عن نفسه بعض الهم الذي يحرق فؤاده فسمع ذات ليلة أن هناك من يعرف مكان الأميرة! ، فسر الملك لسماع الخبر واستدعى الرجل الذي ادعى ذلك على الفور فكان رجلا أشيب الشعر متكأ على عصا وقد انحنى ظهره لتقدمه في السن وله حاجبان يغطيان عينيه وصوته ضعيف متقطع فلما مَثَلَ أمام الملك قال له الملك بقلق : أخبرنا أيها الرجل ، أتعرف أين ابنتي؟!.
قال الرجل بصوته الضعيف: أجل مولاي ، إن مختطفي الأميرة قد أخذوها إلى جبل سوشان حيث مقرهم.
سأله رئيس الحرس بشك: وكيف عرفت أنت ذلك؟
قال العجوز : لأنني كُنت أتأمل في الجبل كعادتي، و لكن ذات يوم رأيت مجموعة من الملثمين مقبلين فهممت بالهرب لكن استوقفني صوت بكاء مرير – هنا أمسك الملك بيد زوجته وهي تمسح دموعها – ورأيت فتاة معهم عرفت أنهم خطفوها لكن ما بيدي حيلة ولا أقدر على إنقاذها فَقَدِمتُ لأقرب أرض للجبل لأخبر الناس بأمرها حتى علمت أن تلك الأسيرة هي أميرة هذه الأرض فقطعت بعيراني عرض الفلاة وها أنا أمثل بين يديك أيها الملك.
فقال الملك وقد وقف على قدميه من شدة انفعاله وتوتره : حسنا فعلت أيها الشيخ سَنُعِد لك مكانا لترتاح عندنا.
فتقدم أحد الحرس ليرافق العجوز لغرفته فقال الملك : إيشاز - رئيس الحرس- أعد الرجال سننطلق إلى هناك حالا.
وقبل أن يجيب إيشاز قال العجوز وهو على باب الغرفة: عذرا مولاي ، الرجال هزموا حراسكم في أرضكم و أخذوا الأميرة من حجر أبيها فما ظنكم إن ذهبتم إليهم في أرضهم؟
هب رئيس الحرس صارخا في وجه الرجل بكل غضب : كيف تجرأ على قول ذلك في حضرة الملك؟!!
فقال الملك بشيء من الأسى : دعه يتكلم يا إيشاز – ثم وجه كلامه للعجوز – أنت صادق أيها الشيخ، يبدو أنك رجل حكيم فبم تنصحني؟
قال العجوز وهو يحدق أمامه: أعرف رجلا مناسبا لهذه المهمة.
اختلطت الأصوات و التساؤلات حتى بين الجواري اللاتي يتوارين وراء الستار فقال إيشاز باستنكار قاطعا لهذه الجلبة : رجل واحد!!.
قال العجوز وهو يبتسم : بلى بني ، رجل واحد.
اقترب الملك من الرجل حتى أمسك يديه وقال بفرح لأنه وجد ضالته وبلهجة لا تخلوا من ترجٍ: أخبرنا من هو ذلك الرجل أيها الشيخ؟
قال الرجل العجوز: إنه فارس لا يشق له غبار وصنديد حرب تخشى غضبه السباع، إنه رجل يسكن في الجبل القريب منكم لذا فهو عارف بأمر الجبال ومعتاد الحياة فيها.
فقال الملك بحماس : أخبرنا اسمه أيها شيخ ، أرجوك.
قال العجوز بنبرته الهادئة الحكيمة : إنه يدعى " فارس بن تمّام" .
قال إيشاز باستخفاف وسخرية : فارس! اسمه فارس!! هذا الاسم غريب! وكيف نأمن رجلا غريبا على حياة أميرتنا .
عندها ضرب العجوز بعصاه على الأرض وقال بغضب شديد : إنه فارس عربي شهم شجاع و إن كان الملك يرغب في خلاص ابنته فلا أحد كفؤ لتخليصها غير فارس .
قال الملك ليهدأ من غضب الرجل : اهدأ أرجوك أيها الشيخ – واستدار مخاطبا أحد الحرس – رافق الرجل لغرفته.
عاد الملك بعد ذلك لكرسيه وقال بلهجة آمرة لا تقبل النقاش : إيشاز ، استدعي فارس بن تمام ، لكن أحضروه بلين وعِدوه أن له ما يشاء إن هو لبّى.
بعد أسبوع مر على الملك كأنه الدهر كله عاد إيشاز ومعه فارس فلما نظر له الملك وجد شابا دون الثلاثين طويل القامة عريض المنكبين سمّرته شمس الجبال وبادٍ عليه شديد بأسه وملامحه لا تخلو من وسامة فقال الملك : أهلا بك أيها الفارس.
رد فارس باحترام شديد : إنه شرف لي أن أمثل أمام الملك كيناي سيد زاريوس.
قال الملك وهو يذرع الغرفة ذهابا وإيابا في توتر واضح : اسمعني بني فارس ، أنت تعرف لمَ طلبتك وتدرك الخطر الجسيم الذي أنت مقدم عليه إن قبلت، فأخبرني هل أنت مستعد لتفعل هذا من أجل زاريوس؟
أجاب فارس بثقة : أجل مولاي.
فقال الملك و قد بدا عليه الرضا لشجاعة فارس: والآن فارس ، اطلب ما تشاء.
قال فارس: أريد قوسا ومائة سهم.
فقال الملك لإيشاز: أعد للشاب ما طلب حالا.
ثم استدار لفارس وقال له: ما تنوي أن تفعل؟ مهما كنت قويا فهم مائة و أنت وحيد!!.
قال فارس بابتسامه : لدي خطة مولاي فلا تقلق.
عاد إيشاز بعد أن أحضر ما طلبه فارس وقال: سنزودك بسيف وخيل أصيل ...
فقاطعه فارس : لا داعي للخيل سيد إيشاز ، معي "هزيم" وهو خيل عربي أصيل، أما السيف فورثته من أبي ، سيف جندل العديد من الشجعان –ثم وجّه كلامه للملك – مولاي ابنتك أمانة في عنقي و أعدك أن أعيدها سالمة .
وهكذا انطلق فارس متجها لجبل سوشان الذي تفصله مسيرة شهرين كاملين عن زاريوس وكان يتوقف في كل قرية ومدينة بين الجبل و زاريوس وينشر إشاعة أنّ تاجرا ثريا يريد شراء جارية جميلة وسيدفع كثيرا لمن يأت بواحدة- راجيا أن يصدق رجال العصابة ذلك فيرسلوا مجموعة منهم ليقابلوا هذا التاجر المزعوم - وبعد أن تأكد أن الخبر انتشر بين القرى المحيطة بالجبل انتظر بضعة أيام متخفيا في إحداها ثم توجه أخيرا نحو الجبل فكان له ما توقع إذ أن الحراسة عند مدخل الجبل لم تكن جيدة فاختبأ وراء صخرة بعد أن ترك هزيم على مقربة، وأطلق السهام فما التفت الرجال إلا وثلاثة منهم قتلوا بسهامه وقبل أن يتمكن الباقون من إنذار زملائهم كانت سهام فارس قد أطاحت بهم جميعا فصار فارس يصعد الجبل بسهولة فهو معتاد على هذه الأمور ثم سمع صوتا يقترب فاختبأ بجوار صخرة فرأى اثنين من العصابة ينزلان الجبل فلما تجاوزاه بعدة خطوات أطلق سهما أردى به أحدهما وقبل أن يستل الثاني سيفه كان سيف فارس يخترق قلبه ، واصل فارس تسلق الجبل متحاشيا بعض الفخاخ التي نشرتها العصابة هنا وهناك فلما وصل قُرب قمة الجبل وجد أمامه كهفا كبيرا ولمح ضوءا وظلالا تتراقص مع حركة الضوء فأسرع بالاختباء عند باب الكهف وأطل برأسه فرأى رجلا ميز فيه رئيس العصابة لأنه كان ضخما مفتول العضلات وكان الرجال حوله يقدمون له الشراب فتمكن فارس من عد أربعة رجال بقائدهم -يعني خمسة فرسان أشداء- ورأى بجانب الجدار أجمل كائن يمكن أن تراه عيناه ، حورية لم تلد النساء بمثلها فبرغم الأسر الطويل كان جمال لورا يُخرس الألسن لكن فارس تنبّه من شروده فليس هذا وقت التفكير بتلك الأمور عندها أصغى جيدا فسمع أحدهم يتكلم بصوت خشن : ... و إذا لم يجد الرجال ذلك التاجر اللعين فسنبيعها لأحد السحرة فهم دائما يُضحون بدم فتاة عذراء.
أنهى جملته وصار يضحك بتشفٍ وسخرية فاستشاط الملك غضبا وقال: خسئت أيها القذر ، لم يخلق بعد من سيمس شعرة من رأس ابنتي.
فضحك الملثم حتى كاد ينقطع نفسه من كثرة الضحك وقال وهو لا يزال يغالب ضحكه: لا تقلق، نحن لن نلمس شعر الأميرة لكننا سنبيعها لمن يدفع أكثر.
عندها اندفع الملك نحو الملثم وهو يقول: ستدفع ثمن كلامك أيها الشيطان اللعين.
دارت بين الملك والملثم معركة ليست بالطويلة فلا مجال لمقارنة القوة بين الملك المسالم النحيل و بين رجل المرتزقة الذي يعيش على دماء ضحاياه! وتلقى الملك طعنة في صدره فوقع على الأرض بلا حراك فأسرعت نحوه الأميرة وهي تبكي وقبل أن تصل له تلقت ضربة على مؤخرة عنقها من مقبض سيف أحدهم أفقدتها وعيها فحملها أحد الرجال وغادروا القصر وأخذوا الأميرة على خيل رئيسهم وتركوا المدينة ضاحكين متباهين بينما المدينة غارقة في الدماء.
بعد عدة أشهر من الأحداث الأليمة استعاد الملك عافيته وإن كان يتمنى لو أنه مات فعلا! أما سكان المدينة فلم يعودوا أبدا لسابق عهدهم وكان شُغلهم الشاغل هو استعادت الأميرة وبعد شهور من البحث المضني عاد الرجال الذين أُرسلوا للبحث في المدن القريبة لكن لا أثر لها و أرسل حكام المدن القريبة من زاريوس بعضا من رجالهم ليساعدوا في البحث عن الأميرة فشكرهم الملك وأُعدت لهم غرف ليقيموا فيها، أما الملك فكان يخرج في الليل وحده ليزيح عن نفسه بعض الهم الذي يحرق فؤاده فسمع ذات ليلة أن هناك من يعرف مكان الأميرة! ، فسر الملك لسماع الخبر واستدعى الرجل الذي ادعى ذلك على الفور فكان رجلا أشيب الشعر متكأ على عصا وقد انحنى ظهره لتقدمه في السن وله حاجبان يغطيان عينيه وصوته ضعيف متقطع فلما مَثَلَ أمام الملك قال له الملك بقلق : أخبرنا أيها الرجل ، أتعرف أين ابنتي؟!.
قال الرجل بصوته الضعيف: أجل مولاي ، إن مختطفي الأميرة قد أخذوها إلى جبل سوشان حيث مقرهم.
سأله رئيس الحرس بشك: وكيف عرفت أنت ذلك؟
قال العجوز : لأنني كُنت أتأمل في الجبل كعادتي، و لكن ذات يوم رأيت مجموعة من الملثمين مقبلين فهممت بالهرب لكن استوقفني صوت بكاء مرير – هنا أمسك الملك بيد زوجته وهي تمسح دموعها – ورأيت فتاة معهم عرفت أنهم خطفوها لكن ما بيدي حيلة ولا أقدر على إنقاذها فَقَدِمتُ لأقرب أرض للجبل لأخبر الناس بأمرها حتى علمت أن تلك الأسيرة هي أميرة هذه الأرض فقطعت بعيراني عرض الفلاة وها أنا أمثل بين يديك أيها الملك.
فقال الملك وقد وقف على قدميه من شدة انفعاله وتوتره : حسنا فعلت أيها الشيخ سَنُعِد لك مكانا لترتاح عندنا.
فتقدم أحد الحرس ليرافق العجوز لغرفته فقال الملك : إيشاز - رئيس الحرس- أعد الرجال سننطلق إلى هناك حالا.
وقبل أن يجيب إيشاز قال العجوز وهو على باب الغرفة: عذرا مولاي ، الرجال هزموا حراسكم في أرضكم و أخذوا الأميرة من حجر أبيها فما ظنكم إن ذهبتم إليهم في أرضهم؟
هب رئيس الحرس صارخا في وجه الرجل بكل غضب : كيف تجرأ على قول ذلك في حضرة الملك؟!!
فقال الملك بشيء من الأسى : دعه يتكلم يا إيشاز – ثم وجه كلامه للعجوز – أنت صادق أيها الشيخ، يبدو أنك رجل حكيم فبم تنصحني؟
قال العجوز وهو يحدق أمامه: أعرف رجلا مناسبا لهذه المهمة.
اختلطت الأصوات و التساؤلات حتى بين الجواري اللاتي يتوارين وراء الستار فقال إيشاز باستنكار قاطعا لهذه الجلبة : رجل واحد!!.
قال العجوز وهو يبتسم : بلى بني ، رجل واحد.
اقترب الملك من الرجل حتى أمسك يديه وقال بفرح لأنه وجد ضالته وبلهجة لا تخلوا من ترجٍ: أخبرنا من هو ذلك الرجل أيها الشيخ؟
قال الرجل العجوز: إنه فارس لا يشق له غبار وصنديد حرب تخشى غضبه السباع، إنه رجل يسكن في الجبل القريب منكم لذا فهو عارف بأمر الجبال ومعتاد الحياة فيها.
فقال الملك بحماس : أخبرنا اسمه أيها شيخ ، أرجوك.
قال العجوز بنبرته الهادئة الحكيمة : إنه يدعى " فارس بن تمّام" .
قال إيشاز باستخفاف وسخرية : فارس! اسمه فارس!! هذا الاسم غريب! وكيف نأمن رجلا غريبا على حياة أميرتنا .
عندها ضرب العجوز بعصاه على الأرض وقال بغضب شديد : إنه فارس عربي شهم شجاع و إن كان الملك يرغب في خلاص ابنته فلا أحد كفؤ لتخليصها غير فارس .
قال الملك ليهدأ من غضب الرجل : اهدأ أرجوك أيها الشيخ – واستدار مخاطبا أحد الحرس – رافق الرجل لغرفته.
عاد الملك بعد ذلك لكرسيه وقال بلهجة آمرة لا تقبل النقاش : إيشاز ، استدعي فارس بن تمام ، لكن أحضروه بلين وعِدوه أن له ما يشاء إن هو لبّى.
بعد أسبوع مر على الملك كأنه الدهر كله عاد إيشاز ومعه فارس فلما نظر له الملك وجد شابا دون الثلاثين طويل القامة عريض المنكبين سمّرته شمس الجبال وبادٍ عليه شديد بأسه وملامحه لا تخلو من وسامة فقال الملك : أهلا بك أيها الفارس.
رد فارس باحترام شديد : إنه شرف لي أن أمثل أمام الملك كيناي سيد زاريوس.
قال الملك وهو يذرع الغرفة ذهابا وإيابا في توتر واضح : اسمعني بني فارس ، أنت تعرف لمَ طلبتك وتدرك الخطر الجسيم الذي أنت مقدم عليه إن قبلت، فأخبرني هل أنت مستعد لتفعل هذا من أجل زاريوس؟
أجاب فارس بثقة : أجل مولاي.
فقال الملك و قد بدا عليه الرضا لشجاعة فارس: والآن فارس ، اطلب ما تشاء.
قال فارس: أريد قوسا ومائة سهم.
فقال الملك لإيشاز: أعد للشاب ما طلب حالا.
ثم استدار لفارس وقال له: ما تنوي أن تفعل؟ مهما كنت قويا فهم مائة و أنت وحيد!!.
قال فارس بابتسامه : لدي خطة مولاي فلا تقلق.
عاد إيشاز بعد أن أحضر ما طلبه فارس وقال: سنزودك بسيف وخيل أصيل ...
فقاطعه فارس : لا داعي للخيل سيد إيشاز ، معي "هزيم" وهو خيل عربي أصيل، أما السيف فورثته من أبي ، سيف جندل العديد من الشجعان –ثم وجّه كلامه للملك – مولاي ابنتك أمانة في عنقي و أعدك أن أعيدها سالمة .
وهكذا انطلق فارس متجها لجبل سوشان الذي تفصله مسيرة شهرين كاملين عن زاريوس وكان يتوقف في كل قرية ومدينة بين الجبل و زاريوس وينشر إشاعة أنّ تاجرا ثريا يريد شراء جارية جميلة وسيدفع كثيرا لمن يأت بواحدة- راجيا أن يصدق رجال العصابة ذلك فيرسلوا مجموعة منهم ليقابلوا هذا التاجر المزعوم - وبعد أن تأكد أن الخبر انتشر بين القرى المحيطة بالجبل انتظر بضعة أيام متخفيا في إحداها ثم توجه أخيرا نحو الجبل فكان له ما توقع إذ أن الحراسة عند مدخل الجبل لم تكن جيدة فاختبأ وراء صخرة بعد أن ترك هزيم على مقربة، وأطلق السهام فما التفت الرجال إلا وثلاثة منهم قتلوا بسهامه وقبل أن يتمكن الباقون من إنذار زملائهم كانت سهام فارس قد أطاحت بهم جميعا فصار فارس يصعد الجبل بسهولة فهو معتاد على هذه الأمور ثم سمع صوتا يقترب فاختبأ بجوار صخرة فرأى اثنين من العصابة ينزلان الجبل فلما تجاوزاه بعدة خطوات أطلق سهما أردى به أحدهما وقبل أن يستل الثاني سيفه كان سيف فارس يخترق قلبه ، واصل فارس تسلق الجبل متحاشيا بعض الفخاخ التي نشرتها العصابة هنا وهناك فلما وصل قُرب قمة الجبل وجد أمامه كهفا كبيرا ولمح ضوءا وظلالا تتراقص مع حركة الضوء فأسرع بالاختباء عند باب الكهف وأطل برأسه فرأى رجلا ميز فيه رئيس العصابة لأنه كان ضخما مفتول العضلات وكان الرجال حوله يقدمون له الشراب فتمكن فارس من عد أربعة رجال بقائدهم -يعني خمسة فرسان أشداء- ورأى بجانب الجدار أجمل كائن يمكن أن تراه عيناه ، حورية لم تلد النساء بمثلها فبرغم الأسر الطويل كان جمال لورا يُخرس الألسن لكن فارس تنبّه من شروده فليس هذا وقت التفكير بتلك الأمور عندها أصغى جيدا فسمع أحدهم يتكلم بصوت خشن : ... و إذا لم يجد الرجال ذلك التاجر اللعين فسنبيعها لأحد السحرة فهم دائما يُضحون بدم فتاة عذراء.