PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : الرهــــــان



غرشوية الجير
24-04-2008, 13:03
الرهــــــان


******



اخترق ( مازن ) الدغل الواقع على أطراف بلدته ، و قد وضع بندقية الصيد خاصته على كتفه ممسكاً بها فى هدوء .. و إلى جواره سار ( شهاب ) صديقه و زميل رحلات الصيد التى يخرجان فيها كل أسبوع ..
كان يمسك هو الآخر ببندقيته بكلتى يديه و كأنه فى طريقه إلى الحرب .. و كللت الشمس مسيرتهما بأشعتها الساخنة التى استطاعت أن تنقب عن حبيبات العرق أسفل جلد وجهيهما و تخرجه ليسيل على أخاديد الوجهين التى تكونت بفعل تقطيبهما الذى يقيهما من وهج الشمس الحارق ..
" كم طيراً ستعود به اليوم ؟ "
تساءل ( شهاب ) و هو يخطو فوق الأرض المعشوشبة الطرية ، فابتسم ( مازن ) ابتسامة تجمع بين الثقة و اللامبالاة و الهدوء و قال :
- ما تقع عليه عيناى ..
ضحك ( شهاب ) و قال :
- أتقصد أنك ستصطاد كل ما تقع عليه عيناك دون أن تخطئ واحدة ؟
هز ( مازن ) رأسه فى صمت دون أن يعلق .. و أخذ يتوغل دون إضافة كلمة أخرى ..
كان الطريق يعج بالمعوقات الطبيعية .. جذور أشجار تتمتد عرضياً فوق سطح التربة .. صخور بارزة صغيرة لكن مدببة .. بعض السيقان المتسلقة .. بعض الأغصان المتهدلة من فوق جذوع الأشجار ..
ثم برز ذلك العصفور الطائر فوق رأسيهما و هو يحلق بسرعته المعقولة ضارباً بجناحيه الهواء بروتينية ..
فتوقف ( مازن ) عن السير ، و التفت إلى ( شهاب ) ثم عاد ينظر للعصفور مرة أخرى جاذباً بندقيته ثم صوبها نحوه و هو ما زال يحلق أمامه ..
و التقط نفساً عميقاً .. ثم كتم أنفاسه كى يحكم التصويب .. و بحركة لا إرداية كتم ( شهاب ) أنفاسه بدوره فى ترقب ، و أخذ يراقب ( مازن ) الذى أخذ يسير بفوهة بندقيته خلف الطائر .. حتى اتخذ قراره أخيراً و أطلق النار ..
وانطلقت الرصاصة .. و شقت الهواء خلف الطائر المحلق ..
و رفع ( مازن ) عينه عن دائرة التصويب الصغيرة .. و أخذ يراقب المشهد ..
و انخفض العصفور فجأة لتعبر الرصاصة من فوقه و تطيش مصيبة المجهول ..
و بهدوء أنزل ( مازن ) البندقية و استند بها إلى الأرض ، قائلاً :
- لقد فر المحظوظ ..
تطلع ( شهاب ) بصمت إلى ( مازن ) .. و هو يكاد يقرأ ما بذهنه .. إنه يكاد يجن لفشله فى اصطياد العصفور .. خاصة و أن الهدف كان سهلاً للغاية ..
هنا رفع ( مازن ) بندقيته و انطلق إلى الأمام قائلاً :
- هيا .. سأذهب وراءه ..
ابتسم ( شهاب ) قائلاً لنفسه :
- هكذا ( مازن ) ..
لم يسمعه ( مازن ) و هو ينطلق و قد بدأت خطوات قدميه تسرع قليلاً ، فرفع صوته قليلاً ليقول :
- أعتقد أنك لن تستطيع إصابة ذلك العصفور اليوم ..
حز ( مازن ) على أسنانه فى صمت و هو يقول :
- سأنال منه بكل تأكيد .. هى مسألة وقت ..
أراد ( شهاب ) أن يثير حفيظته الباردة بعض الشئ فقال :
- أتراهننى ؟
أصابت عبارته ( مازن ) فى الصميم .. جعلته يشعر بشعور غريب للغاية .. حيث شعر فجأة أنه يكره هذا العصفور بالذات و أنه لابد أن يصيده انتقاماً منه ..
و بكل ما يعتمل بداخله من كراهية وليدة أصبحت فى عنفوان شبابها فجأة ، قال :
- أراهنك أننى سأتصيده .. و من المرة الأولى ..
و انطلق فى نفس الاتجاه الذى اختفى فيه العصفور ..
كان العصفور لا يزال يطير .. يتنقل بين غصن و آخر دون أن يشعر بتلك الحركة أسفله ..
العجيب أنه لم يكن هناك غيره فى أرجاء الدغل ..
لذلك كان من السهل تعقبه .. و كان من السهل كذلك اصطياده .. بالذات و الصياد هو ( مازن ) ..
أبرع صياد هاوٍ فى تلك البلدة ..
و ظهر العصفور فى منطقة خالية من الأغصان إلى حد ما ..
و توقف ( مازن ) .. و باعد بين قدميه و هو يصوب بندقيته من جديد ..
و من خلفه توقف ( شهاب ) .. و أخذ يلتقط أنفاسه ببطء خشية أن يفسد رهبة الموقف ..
و ساد صمت عجيب .. صمت لم يقطعه سوى صوت خفقان أجنحة العصفور .. و خفقات قلب ( مازن ) .. و صوت أنفاس ( شهاب ) البطيئة ..
ثم شق الصمت دوى الرصاصة ..
و انطلقت مرة أخرى تشق الهواء و تنطلق نحو العصفور الذى بدأ يشعر أن هناك خطأ ما ..
ثم ضرب الهواء بجناحيه الضربة الأخيرة ..
قبل أن تصطدم به الرصاصة ..
و سقط العصفور فى صمت ..
لم يصرخ .. و لم يعو .. و لم ينتفض ..
و استقر على الأرض بلا حراك ..
و تجمدت الصورة للحظة ، قبل أن يلتفت ( مازن ) إلى ( شهاب ) المبهور و يقول :
- كم كانت قيمة الرهان ؟
تطلع إليه ( شهاب ) فى صمت .. قبل أن تنشق شفتاه عن ابتسامة واسعة و هو يسترخى قائلاً :
- كنت أعرف أنك ستفعلها ..
و فى هدوء و ثقة تقدم ( مازن ) من جثة العصفور .. و وقف يتطلع إليه .. ثم اهتز بضحكة ساخرة مكتومة ، قبل أن ينحنى و يلتقطه ..
هنا اقترب منه ( شهاب ) و قال :
- هل اكتفيت اليوم ؟
التفت إليه ( مازن ) و أجاب :
- أعتقد هذا .. هيا بنا ..
و أخذا طريق العودة إلى خارج الدغل .. و أخذ الهدوء يعود رويداً إلى الدغل ..
حتى اختفيا تماماً ..



********

و حين غربت الشمس ..
و حل الظلام على ذلك الدغل ..
و فى ذلك العش الصغير المصنوع من الأغصان الجافة ..
استقر ذلك العصفور الصغير الذى لم يكمل يومين من عمره بعد ..
كان يغمض عينيه فى ألم .. و جسده يرتجف فى خوف ..
كان يخاف الظلام الذى يتسلل ليسيطر على العالم فى ذلك الوقت ..
الظلام الذى لم يعتد عليه بعد ..
و يشعر بالجوع يمزق أحشاءه ..
جوع لأول مرة يجرب الشعور به .. لماذا تأخرت أمه فى العودة بالطعام ؟
و فى عقله الصغير غير الواعى كان يتساءل : " ترى أين ذَهَبَتْ أمى ؟! "
كانت هناك أصوات تأتى من بعيد ..
أصوات الأمهات التى عدن لأطفالهن ..
لكن صوت أمه ما كان هنالك ..
حاول أن يتحرك .. أو يحرك جناحيه الرقيقين .. لكنه فشل تماماً ..
الوهن يغزو جسده ..
يحاول أن يفتح عينيه لكنه لا يستطيع .. إنه الألم مرة أخرى ..
حاول حتى أن يصدر صوتاً ..
ثم شعر بالدنيا تظلم من حوله ..
و الأصوات تخفت و تبتعد ..
لم يقاوم لأنه لم يتعلم بعد كيف يفعل ..
فأغمض عينيه .. و استسلم للإظلام ..
و ..
سكن جسده المرتجف .. إلى الأبد ..

آيرون
24-04-2008, 17:05
القصة حلوة بس يبغالها تحسين::جيد::

deease
24-04-2008, 17:35
قصة رائعة و مؤثرة بس ما أعرف إذا في لها تكملة و لا لأ