PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : الضحك ألما (نزف قلم :محمد سنجر)



سارووونـــــــه
28-02-2007, 15:50
( الضــــحك ألمـــــــــــا )

( بينما كنت أجلس بنقابة التشكيليين أرتشف الشاي
أقلب بين الوجوه
أبحث عن ذكرى
مر خلال نظري وجهان
ظننت لوهلة أن أحدهما أعرفه
حاولت لملمة شتات الذاكرة
نعم إنه صديق الدراسة سعيد مصطفى
ناديت )
: على الأخ سعيد مصطفى الحضور فورا للإذاعة
( التفت على الفور و عندما زالت عن وجهه غشاوة الدهشة صرخ كعادته)
: ســــــنــــــجـــــــــــــــــــور
( تعانقنا نطفئ حرارة فراق سنين ،
داعبني كعادته )
: ما هي أخبارك أيها الخائن ( روزنكراتس ) ؟
ها ها
: أمازلت تذكرين ( روزنكراتس) يا ( مولاتي ) ؟
ها ها
: حد يقدر ينسى الممثل المشهور و الفنان الكبور محمد بن سنجور
( ضحكنا كعادتنا ) ها ها ها ها
أوه ، كنت ها تنسيني ، أعرفكم ببعض
( يتحدث إلى رفيقه )
هذا هو الفنان الكبير محمد سنجر اللي حكيت لك عنه( يغمز له بعينه )
: أهلا وسهلا ( مددت يدي للسلام )
: و هذا هو النحات الكبير محمود عبد السميع
( بمجرد ذكر هذا الاسم
زادت حرارة جسدي
اندفعت الدماء برأسي
كأنما صفعني على وجهي صفعة قوية ،
سحبت يدي بسرعة ، سألته )
: محمود عبد السميع ؟
مش إنت اللي عملت المية و خمسين تمثال بتوع سينا ؟
( قال في سعادة متفاخرا )
: آه و الله صح ، بس انته عرفت الموضوع ده ازاي ؟
هو أنا مشهور قوي كده ؟
( غضب الكون بأكمله انفجر برأسي
وجدتني ألملم غباء و جهالة العالم أجمع في قبضتي
و دون إبداء أية أسباب سددت لوجهه المتورد لكمة
تكسرت لها أصابعي
نزف لها أنفه الأشم )
( صرخت بأعلى صوتي )
: متى استعبدتم الناس ؟؟؟؟
( خرجت مسرعا رافضا التواجد مع شخص كهذا بنفس المكان
و رغم محاولات صديقي سعيد فهم سبب تهوري لهذه الدرجة )
( أجبته و الدموع تخنقني )
: اسأله عمل القالب بتاع التماثيل ازاي ابن ال .......؟؟؟

( رحلت مسرعا تسيل الدموع من عيني تغرق الكون حولي
خطفتني الذاكرة على جناحيها طارت بي عاليا
بدء في الهبوط بي رويدا رويدا
وضعتني برفق حيث كنت هناك منذ عامان

وجدتني مرتديا ملابسي العسكرية،
كنت ليلتها عائدا من أجازتي الأسبوعية
أدخل إلى عنبر الجنود
صوت نباح بعيد يقطع سكون الليل
أحاول التقدم
ذهبت إلى سريري الحديدي
حذرا أنا
أحاول جاهدا ألا أقلقهم بقدومي
أسير على أطراف أصابعي
بالكاد أتحسس طريقي وسط الظلام
وقفت للحظات

بدأت الغشاوة التي أسدلت على عيني ستائرها القاتمة تنجلي
رويدا رويدا بدأت الصورة تتضح
أسرة الجنود متراصة على الجانبين
غطيط الجنود المنهكين من التعب يملأ المكان
كونشرتو أنفاسهم تتردد هنا و هناك
أصل بعد عناء إلى سريري القابع في انتظاري في زاوية من العنبر

بالكاد لمحته نائما كعادته
علامة استفهام رسمها بجسده الضعيف
طفلا في مهده ينتظر هدهدة أمه الحانية
حاولت ألا أتسبب في تعكير صفو أحلامه الوردية
كثيرا ما قص علي بعضا من هذه الأحلام البريئة
كثيرا ما انتفضت ضحكا من إفراط براءتها
يقطن الدور السفلي من نفس السرير
بينما أسكن أنا الدور العلوي
تذكرت عندما طلب مني على استحياء أن أسمح له بالنوم بالدور الأول
شكا لي ( فوبيا ) الأماكن العالية
بالرغم من أننا كنا زملاء دراسة بكلية الفنون الجميلة
لكن للأسف لم تسعدني الظروف أن أتعرف وقتها على هذا الوجه الذي فاضت عليه طيبة قلب ناصع البياض
كم حاولت جاهدا تذكر هذا الوجه القمحي
و لكن كانت دائما ما ترتد في وجهي أبواب الذاكرة منغلقة
ربما كان نتيجة اهتماماتنا البعيدة كل البعد
كان يدرس ( العمارة )
بينما كنت أدرس ( الرسم و التصوير )
كان يرحل إلى منزله في الواحدة ظهرا
بينما كانت الكلية بالنسبة لنا بيتا لا نبرحها إلا منتصف الليل

حاولت تحسس موضع قدمي بجواره للصعود إلى مرقدي
فوجئت بصوته الحاني هامسا
: حمد الله ع السلامة يا أبو حميد
( أسفت لفشلي في الحرص على عدم إيقاظه ) ( همست )
: ما فيش فايدة ؟ برضه صحيتك ؟
: لا و المسيح ، أنا عارف إنك ها تيجي النهاردة عشان كده فضلت صاحي مستنيك ، حمد الله ع السلامة يا حاج
: الله يسلمك يا أبو جرجس
: أخبار الأهل إيه ؟
: الحمد لله ، كله تمام
: ما تيجي نخرج بره عشان ما نزعجش الجماعة
و إلا انت تعبان ؟
: و لا تعبان و لا حاجة ، ياله بينا

( خرجنا إلى جلستنا المعتادة خلف العنبر ،
القمر كان ليلتها بدرا ينير المكان من حولنا )
: أسكت يا محمد يا خويا أما أنا اتبهدلت من بعدك بهدلة
: ليه ؟ خير إن شاء الله
: صلي على النبي
: عليه الصلاة و السلام
: بعد ما أنت مشيت بيومين جانا القائد و قالي عاوزينك في القيادة
يا باشمهندس هاني أنت و الفنان بتاعنا
قلت له بس محمد في أجازة يافندم و قدامه أسبوع على الأقل
خير يافندم ؟
قال لي إنهم عوزينا في مشروع كبير في سينا
و القيادة بتلم كل بتوع الفنون

المهم ما اطولش عليك ـ قول طول ،
رحنا هناك يا سيدي لقينا واد خريج تربية فنية اسمه
محمود عبد السميع ، منه لله ، منه للـــــــــــه
: ليه بس ؟
: جايلك في الكلام ،
قال إيه يا سيدي عايزين يعملوا تماثيل على القنال ،
شوية جنود بحركات مختلفة اللي كده و اللي كده ،
كام تمثال بقى يا سيدي؟
مية و خمسين تمثال ،
و صاحبنا ده بقى هو النحات الكبير المسئول عن المشروع
: وبعدين ؟
: و لا قبلين ، سعادة الفنان الكبير قعد معانا و قال يا جماعة طبعا الكمية دي من التماثيل صعب نعملها ـ نحت مباشر ـ
لازم نعمل لهم كام قالب و نصب عليهم الكمية كلها
: كلام جميل و كلام معقول ما قدرش أقول حاجة عنه
: لغاية كده حلو قوي ، لكن ما خفي كان أعظم
: احكي ، احكي
: صاحبك بقى بعد يومين حاول فيهم يعمل التماثيل اللي ها نعمل عليهم
القالب طبعا فشل فشل ذريع
شكله أصلا لا نحات و لا يفقه شيء في النحت
: و لما هو ما لوش في النحت دخل في الموضوع ده ليه من أصله ؟
: ما تعرفش إن كان ورط نفسه و الا حد ورطه
المهم ، صاحبك ساعة لما لقي نفسه ها يتكشف قدام الكل ،
هداه مخه النور إنه ياخد القالب على إيه ؟
: قول انت بقى
: عليا أنا
: نعم ؟ بتتكلم بجد ؟
: آه و المسيح
: إزاي يعني ؟
: يحط على جسمي أنا الجبس و يعمل القالب عليا
: يا راجل ؟
: مش مصدقني ؟
طيب بص دراعي
( كشف لي عن ذراعه
فإذا به ناعم كالحرير لا يوجد به شعرة واحدة،
أبيض ناصع البياض كذراع العروس ليلة دخلتها )
( صرخت )
: إيه ده إن شاء الله ؟
: عمل القالب على دراعي و رجلي
: نعم ، نعم ؟
إنت اتجننت و الا إيه ؟
إنت عاوز تقول لي إنه حط الجبس اللي ها يعمل بيه القالب مباشر على دراعك و رجلك ؟
: أنا ماعرفش في شغلكم
: شغل إيه و زفت منيل على عينك إيه بس يا أخي ،
واستحملت إزاي يا ابن الناس و هو بيطلع القالب الجبس بعد ما نشف ؟
: عذاب يا محمد يا خويا ، عــــــــــــــــــــــذاب
شوف انت بقى لما الجبس ينشف على شعر أيدك
بقى يشد القالب و أنا أرقع بالصوت ، ها ها هاي
يشد و أنا أرقع بالصوت ، ها ها
دي الفراخ بتتعذب قوي يا أخي و هما بينضفوها ، ها ها ها ها
: إزاي تسيب المجنون ده يعمل فيك كده ؟ ليه يعني ؟
إنت اتهبلت و الا إيه يا هاني ؟
: و أنا أعمل إيه يعني ؟ أنا فاكر إنه فاهم هو بيعمل إيه
: و الله العظيم حرام عليك
: أمال لو شفته و هو بيعمل القالب بتاع الوش ؟
يا لهوي يا محمد يا خويا يا لهوي
( لم أستطع أن أمسك ضحكي ألما الذي أحاول كبته
أحاول حبس الدموع التي انفجرت رغما عني
انهمرت حزنا و ألما على ما لاقاه صديقي هاني )
: ها ها هو هو هي هيء هيء
لا يا هاني لا ــــــ هيء هيء
و الله حرام عليك اللي بيحصل ده ــــــ هو هو ها ها
إنت إيه ما لكش مخ خلاص ـــــ هيء هيء هيييء
تسيبه يعمل ــــ هو هو هو
تسيبه يعمل كمان جبس على وشك ـــ هيء هيء
( أخذ يضحك المسكين )
: آه لو شفت يا محمد يا خو يا ـــــ ها ها ها ها
و أنا حاطط مصاصتين في مناخيري عشان اتنفس ـــــ ها ها ها
و الجبس لما سخن على وشي ــــــ هو هو هوي
أقوله إنت عاوزني محمر و الا نص سوا ـــــ هو ها هي
و هو يقول لي ـ استحمل يا هاني ـــــ هي هي هي هي
عشان نخلص بسرعة يا هاني ــــــ ها ها ها ها
بدل مضيعة الوقت يا هاني ــــــ هو هو هو هوي
آه يا محمد يا خويا لو تشوف التماثيل اللي طلعت ــــــ ها ها ها
كلهم الخالق الناطق أخوك هاني ـــــ ها ها ها
ميه و خمسين تمثال كلهم هاني ـــــ هو هو ها ها ها هي هي
( عندها ضممته لصدري أحضنه أضحك ، يختلط ضحكي بدموعي ببكائي بضحكه ،
كلما تذكرت المائة و خمسون هاني المرابطين على شاطئ القنال يحرسونها من المجهول يزداد ضحكي و يزداد
تنهمر دموعي أكثر فأكثر تغرق الكون من حولي
لم تحتملنا أرجلنا من شدة الضحك
سقطنا جلوسا على الأرض ،
نركل الأرض بأقدامنا من شدة الضحك المختلط بالدموع ،
يحاول كل منا الإمساك ببطنه التي تكاد أن تنفجر من كثرة الضحك
و الدموع فنفشل فنحاول و نفشل
و نحاول ف .. ن .. ف .. ش .. ل ........ )