PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : الضاحك الباكي



^Princess^
11-01-2007, 13:50
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=234224&stc=1&d=1168522821
اليوم اقدم لكم الروايه العالميه
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=234226&stc=1&d=1168522902

الــضــاحــك الــبــاكـــي
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=234226&stc=1&d=1168522902
لـ:
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=234226&stc=1&d=1168522902
فــيــكـتــور هــوغـــو
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=234226&stc=1&d=1168522902

الغلام

ظلام دامس، وشاطئ مهجور، وسفينة صغيرة لا تملك من أمرها الرجاء أو الرسو.

وسبعة أشخاص، وغلام مذعور، وليل بهيم احتجبت مصابيحه وخليج بورتلاند الإنجليزي يشهد منظراً فريداً.

أحس الغلام بالرهبة، وجعل يصدع بالأمر وهو يختلس النظرات الوجلة إلى الأشخاص السبعة الذين انهمكوا في العمل.

سبعة أشخاص جمعت بينهم الجريمة، آلوا أن يسوموا الغلام ألواناً من الخسف! كانوا يزجرونه، ويزمجرون، ثم يطلقون أيديهم إلى رأسه بلطمة قاسية.

كان أبن العاشرة يئن، فلا ينفطر لأنينه كبد، ولا يرق لتوجعه فؤاد، بالرغم من وجود امرأتين مع الجماعة المجهولة الغاية و المقصد.

ولما انتهوا من حمل أثقالهم إلى السفينة، وصعدت المرأتان لآخر مرة، وهم الغلام باللحاق بهم، رفعه رجل من الرجال بخشونة، فألقاه أرضاً! وما هي إلا لحظة حتى رفع اللوح الخشبي الذي كان يصل المركب باليابسة.

وظل الغلام يحملق في الظلام فاغر الفم، لا يكاد يفهم شيئاً مما جرى.

و حاول أن يتكلم..حاول أن يعبر عن شعوره، بيد أن لسانه الجم فمه، فما نطق..إنما وجف قلبه ووجب، وشعر بالدوار .. والبوار!!

و شخص إلى قلوع السفينة المبتعدة! إنه وحيد-لم يعرف أحداً سواهم، مع أنه لم يشعر إلا بالنفور منهم! فما العمل؟ ليل مدلهم .. زمهرير .. وحدة مريعة .. جوع يضور !!

"اواه..." ندت الصرخة من صدره، وكأنه رجل يتضور من الشقاء ويتحرق على الرمضاء !!

ولم ير بدا مما ليس منه بد.. وأدار وجهه ومشى، وجعل يرقى الصخور ويتسلق المرتفعات..وهو كلما قطع شوطاً، خيل إليه أن الأرض تنبع من تحته!! وتعثر... فسقط ونهض، وأشرق بدمعة، ورقأ العبرات الهامية.

وترامت الأرض أمامه فجأة، والتفت خلفه فقيد لحظة قبس ضئيل يتراقص من بعيد-إنه ضؤ المركب-ورفع يديه إلى السماء وهتف بصوت يقطع نياط القلوب: "أواه......"


وزأرت العاصفة، فاستأنف السرى، ومشى.. مشى...

**********
كان أوروبا في القرن السابع عشر محصورة في إطار أغبر من الهمجية، وكانت الأحداث تملأ النفوس هلعاً، وقد اصطبغت إنكلترا بلون الدم، فسادتها الجريمة، وساهمت السلطة في البلبلة، فاتخذت من النكلة وسيلة لغاية، هي غاية الانتقام والاستعباد !!

وعرت ذوي القلوب هزة من الحزن، لما شاع من قيام العصابات بخطف الأطفال لقاء مبلغ من المال، وتشويه وجوههم، وتغيير أمائرهم بما يخضعون هذه التقاطيع لها من المسخ بالمشرط، ومن تمزيق أطراف العيون والأفواه، ومن جدع الأنوف والآذان.

كانوا يمثلون بالأطفال، حتى إذا ترعروا أمسوا كالمهرجين، يضحكون الناس بمنظرهم، ويبكون هم!!

وقد برع كثيرون في عملية التشويهـ ولجئوا إلى ضروب شيطانية.

في عهد الملك جيمس الثاني، نالت هذه الطغمة الشريرة الحظوة، فامتدت مشارطهم إلى وجوه طاهرة لا ذنب لها إلا نفور الملك وأعوانه من آبائهم..وقد طالما عبثت هذه المشارط في وجوه أطفال طمع زبانية البلاط في ثروة آبائهم، فعملوا على استئصال الوارث الوحيد !!

وكان الطفل متى نالت السكين وطرها من وجهه، تتغير معالم هذا الوجه !! والعجيب في الأمر أن الملك كان يعضدهم ويمنع أن يسيئ إليهم أحد. وكان هؤلاء الأطفال يفقدون الذاكرة مع فقدان المظهر....فكيف؟ ولم؟

ما أكثر ما كتب أصحاب الضمائر وقتذاك..ما أكثر ما كتبوا في ذم هذا ! ولكن .. ما أكثر ما فقد شجاع رأسه لأنه تجاسر فجهر بالحقيقة !!

كانت وحدة العمل تشج بينهم رغم تنوع أجناسهم، وتحث الواحد منهم على مظاهرة زميله، ولو ترتب على ذلك تعرضه للمعاطب..

فلما سقط جيمس الثاني وخلفه وليم الثالث في عام 1688، شهرها حربا عوانا على تجار الرقيق هؤلاء.. وطاردهم ونكل بهم، فتفرقوا شذر مذر، وهامو على وجوههم.

وكانت الشرذمة التي تركت الغلام وركبت متن البحر، إحدى هذه العصابات، فلما ضاقت في وجهها سبل العيش، وحاق بأفرادها الخطر، عمدت إلى الفرار مخلفة وراءها الفتى المسكين الذي شاهدناه يصارع الليل، ويقتحم الظلمة، ويخبط على غير هدى في تيه من الصخر والرمل والرد ....


يتبع

^Princess^
12-01-2007, 13:38
المسافرون

القوا خيرهم وأبقوا شرهم وهاهم أولاء يركبون البحر طلباً للنجاة!
خمسة رجال وامرأتان والربان وملاحان.
قطعت السفينة في الماء فرسخاً فاطمئن القوم، وتراءى لهم أن السلامة باتت مضمونة..
أما رئيسهم مديد القامة، فقد دأب على التنقل وإصدار الأوامر..ولكن شيطانهم تخلى عنهم، والله لم يشأ، على شأنه-أن يرحمهم، فقد هبت عاصفةٌ هوجاء فاقتلعت الصارية الكبيرة ومع ذلك، فما روعتهم المفاجئة، وكانت حالتهم أشبه بحالة مشفٍ استنشأ النفس الأخيرة براحة فأيقن أن الوعكة زالت!!

واحدٌ منهم وخط الشيب رأسه أختلف رأيه-واحدٌ وخط الشيب رأسه واستسلم للتفكير-كان هذا الكهل مطرقاً يتأمل، وكان يشعر بالندم، ويرمق الربان بنظرةٍ متفحصة..كانت عيناه تقولان: " تلك هي المشيئة، وسنتحمل عاقبة جرائرنا... لقد بدأنا الشر، وللشر بقية لا تعود إلا مع بادئه! "

كان الاثنان-الشيخ والربان-في شغلٍ عن الجميع بأفكارهما. فالأول كان يرفع رأسه إلى الأفق المكفهر، والثاني يطيل التحديق إلى اللجة المزبدة..

وكأنهما يحاولان أن يستشفا الغيب!

ودنا رئيس العصابة من الربان وابتدأه قائلاً:
أي الرجال هذا؟؟
إنه أطولهم باعاً
وما هي لغته ؟؟
يلم بلغة الناس كافة
ما ذا يعلم من شؤون الدنيا ؟؟
كل شئن..
يعرف ما يجهله الناس
ما اسمه ؟؟
لا اسم له، ويكنى بالمجنون
وأنت تدعوه كذلك؟؟
أنا ؟!
كلا.. بل اسميه الحكيم
ما هي مكانته بينكم ؟؟
المرشد والملهم والعليم
أتدري أني أرى فيه لغزاً ؟
أتدري أنه مرآة صافية ؟؟
وشقة السفينة طريقها في اليم، وعاركت الأمواج، استسلمت لها مكرهة فتقاذفتها كأنها كرة..
وعبثت بها، فاهتزت..
ارتعشت القلوب. وتكاثف الظلام
وهدرت المياه
وزمجر الإعصار
وناح ملاك
وقهقه شيطان !!
أما المجنون أو الحكيم فجمد في مكانه، لا يحول عينيه عن جهة الشمال..
ودنا الربان منه، وجعل يتأمل فيه ولا يدري، أيحترمه أم يزدريه؟
أيتجاهله أم يعترف بوجوده ؟؟
وقال أخيراً : لي كلمةٌ معك يا سيدي
قال: تكلم.. فكلي أذان صاغية
ما دمت كذلك فعندي سؤال
سل ما بدا لك
أفي حوزتك جهاز الارتفاع والانخفاض ؟
كلا
وكيف يتسنى لك معرفة مركزك في البحر ؟؟
لنا نحن الأسبان خبرةٌ ودراية في الملاحة
على أن الليل بهيم فكن متحذراً ومحترساً
ليطمئن بالك، فلست من الجهلة
وكم ميلاً في الساعة تجري السفينة؟
خمسة أميال
إلى أين نقصد بها ؟؟
إلى مكان يقع بين ليولار و سان سبستيان
كن متيقظاً، فالهواء المتجه في تيار يسبب تجاوباً في البحر !
لا تقذع في البحر، فهو يسمع ويعي.. وهو غضوب حقود
أتؤمن بالخرافات ؟؟
قد يكون ذلك، وما عليك الآن إلا أن تصرف في المراقبة جهدك
لن تغمض لي عين..وإننا الآن مبتعدون عن التيارات..
وصمت الشيخ ثم رفع رأسه، وما كاد يفعل حتى قطب فزعاً، وتمتم: " كنت أتمنى على الله أن تكذب نبوءتي، ولكن .... "

وأخلد ثانية للصمت، وحدد طرفه في بقعة داكنة صغيرة، وما عتم أن قال " أنظر .. أنها تقترب! "
قال الربان: " أوضح يا هذا! "
فأشار الرجل بيده وأجاب: " أما ترى تلك الغمامة "


يتبع

^Princess^
12-01-2007, 13:40
نهاية مركب

حدث الربان نفسه وهو يبتعد عن الكهل : " تعسا له كان بودي أن ألقيه في البحر ! "
وشعر بقشعريرة تصيبه فتصطك ركبتاه، وأهرع إلى المقدمة، فأرسل بصره على سجيته، ثم استدار وهو يرد بحزن وأسى: " أنه على صواب، فالخطب يوشك أن يفدح، النهاية تقترب.. هاهي العاصفة تشتد عنفواناً..هاهو الهلاك يهجم على صرحنا ليعاجلنا بالردى؟ يا لكربي! إن الشجا يدوي في قلبي "

*********

هل وكل بهذا الشيخ باب جهنم ؟ إنه يتكلم كالواثق مما يقول !!
والتفت الربان إلى مكان الشيخ فلم يجده !!
و استدار ثانية إلى القبة الدامسة، فإذا الضباب يغشى الأفق ويملأ السماء !!
أما الشيخ فقد نزل إلى قاع السفينة، وأتجه من فوره إلى المطبخ فقعد القرفصاء قرب الرجل كان منكباً على إعداد الطعام، وأخرج من جيبه ورقاً وقلماً
ثم أخرج قطعة من الجلد الجاف الأبيض، بسطها أمامه وجعل يدون عليها كلمات .

وأسترع انتباهه زجاجة كان الرجل الآخر يرفعها إلى فمه من حين إلى حين، فحدد طرفه فيها، وقرأ عليها اسم ما كاد يتبينه حتى جمدت يداه !
لقد قرأ اسم –هركانون- فما معنى هذا ؟؟
ورأى أن يسأل، فقال الرجل : "هل الزجاجة التي في يدك لهركانون؟ "
فأجابه الرجل: " إنها له..يا للشقي .. ما أتعسه !! "
أهو نزيل السجن ؟ ألم يطلق سرحه ؟؟
كلا بل ما برح يقاسي ألوان العذاب
في سجن شاتام ؟
أجل، وقد احتفظت بالزجاجة كي أتذكره، فهو خل وفي لا يخنث

واستأنف الكهل الكتابة، فلما انتهى ..
وكأنه كان على ميعاد مع الطبيعة، زمجر البحر ولعلع البرق، وقصف الرعد، ارتجفت السفينة انخلعت، حتى قذف في روع من قيها إنه يوم الحشر، وهب الرجل واقفاً، فجفف المداد على نار الموقد، ثم وضع الجلد في جيبه، وهرول صاعداً

هدأت العاصفة بعض الشيء، فعادت الطمأنينة إلى القلوب، وغلب المرح على الركاب، فانساقوا مع التفاؤل، وأخذوا يصخبون ويفكهون-وهذه فطرة الإنسان، ينسى دقيقة ماحصل قبل دقيقة.

هكذا الإنسان، أما كهلنا الآسيان فلأنه راح يراقب الغمام الأسود، ويصيخ إلى زئير الريح.

وأرتفع صوت الرئيس الجمهوري يقول: " هانحن أحرار أيها الرفاق، فانعموا بالا، و اهتفوا معي: ((حمداً حمداً !))

ولكن صوتاً أهاب بهم: "كفوا عن الضجيج، فالبحر موردكم حتفكم !! أسكتوا ، هذا الجرس قد أرتفع في البحر صوته .. أرهفوا السمع !! "
وصمت الجميع كأن على رؤوسهم الطير .. ودوى الصوت .. ما هذا ؟ أجرس يقرع ؟
ومن يقرعه ؟ وما هذه الليلة القبيحة ؟أليس لها من آخر مع النهار؟
لابد أن الشر قد استيقظ وأنطلق من إساره !!

وشاء الربان أن يسري عنهم، فقهقه يضحك وهو يقول : "لا ريب في أننا اقتربنا من اليابسة"

فأجاب الكهل بصوت حزين: " كلا، بل نحن على بعد سحيق! "

فقال الربان : "بل إننا أقرب ما نكون إليها، وإلا فمن أين يقرع الجرس؟ "

من الأعماق .. من اللجة ..
هذا هراء!!
إن لم يكن قولي الحقيقة، فلا كنت إلا رجلاً يستأهل الموت !

وساد الصمت ثانية، وتعلقت إحدى المرأتين بعنق رفيقتها، وأخذت تبكي.

و أستمر الصوت يدوي، وأستطرد الكهل : ( غريب أن ينبعث الصوت من قاع البحر، إلا أنه يصدر بقدرة قادر، ومتى أرتفع فمعنى ذلك أن البحر يستعد لالتهام لقمته، ونحن الليلة لقمته! )

وصرخت امرأة: يا للخسارة !

وأعولت الثانية، وأرتفع صوت هائل .. وتحطمت السارية !

نشطوا يعملون ويقاومون البحر.

غير أن الكهل بدا بمظهر الاسيف القانط ..

واحتاجت السفينة موجة هائلة، فكسحت الدفة،و حملت معها الربان، وغدت السفينة كريشة في مهب الريح، ولم يعد في مقدور أحد أن يعلم مكان البعد ومكان القرب في هذا البحر ، وهذا الظلام ..

وومض على حين غرة، بصيص من نور أحمر أحيا ميت الأمل، فصاح رجلان بصوت واحد: "إنه ضؤ الشاطئ الأمين "

كان هذا بالفعل فنار كاسكنس، وخيل إلى الشاردين في البحر أنهم لن يلبثوا أن يطأوا اليابسة.

وتلاشى أملهم بسرعة، وعصفت الريح بالمركب.

ودفعته الصخور، وبدأت المياه تخف، فتأرجحوا في مياه ضحلة، وتناهى إلى مسامعهم صوت تكسر الموج على الصخر، فزاغت عيونهم، ثم ما هو إلا قليل حتى أغمضوا هذه العيون.

ولما فتحوها رأوا المشهد المهول، رأوا الصخور الشماء كالأشباح السود، تقف حائلاً بينهم وبين الخلاص !!

وأقترب المركب من الصخور، ولاحت لهم صخرة رهيبة تناطح السحاب، فصرخوا بصوت واحد: "بيبلت .. الصخرة الملعونة .. بيبلت ! "

وهتف رئيسهم : " أفيكم من يركب متن الأخطار ؟
أفيكم شجاع ينطلق كالشيطان إلى الصخرة بحب قد تكون فيه نجاتنا ؟ "

ولما لم يرتفع صوت بجواب، جاء بلوح خشبي عريض، ألقاه على حافة المركب، وأمر رجاله أن ينطرحوا عليه، حتى إذا اصطدموا بالصخرة، تحمل اللوح وطأة الصدمة ونجا الركاب.

وخفقت قلوب الرجال، ففضلا عن تعرضهم لصدمة قاضية، فالناجي منهم يسقط لا محالة في البحر، ولكنهم لم يجدوا مناصاً من المجازفة، ففي صمودهم الأمل والرجاء ..

فهل نجوا ؟

خفت صوت الجرس، واكتنفتهم ظلمة دامسة..
وأرغت الشياطين وأزبدت ....



إنها غاضبة ..
غاضبة ....

يتبع

^Princess^
12-01-2007, 13:41
فناء

أصبحت السفينة كرة تتقاذفها الأمواج والأنواء.

وذهلت نفوس من فيها، فهم هالكون لا محالة، وتهاووا على الأرض، وغرسوا أظفارهم في الخشب..
وخيل إليهم أن الله لبى استغاثتهم، فقد هدأت العاصفة، و تقشعت السماء عن نجومها..

ما لبثوا أن وقفوا بعد تهالك، وشعروا بدبيب الحياة وعودة الروح، فتجاذبوا أطراف الحديث، وضحكوا بعد بكاء..وقالوا، أو قالت مشاعرهم-إننا في آمان، ولن نلبث أن نصل شاطئ السلامة !!

ولكن فزعهم المولي أطبق على قلوبهم من جديد، ساعة قال نوتي :-
ويلنا .. قد هلكنا ! الماء يتسرب ويعلو !

و عقب آخر بصوت متحشرج: " إننا هالكون، أننا غرقون "

حاول رئيس العصابة أن يعرف مكان الثغرة إلا أنه أخفق في محاولته، فعاد إلى السطح وقال : " ضاع الأمل، فاستعدوا لمواجهة الموت "

و أرتفع الماء، وغاصت السفينة، ولكنهم لم يستسلموا ، و شرعوا ينزحون الماء بالدلاء على أنهم لم يستفيدوا شيئاً، فقد ضحك منهم البحر وأرتفع باستمرار.

وحث الرئيس رجاله على قذف الأمتعة إلى البحر، ففعلوا ما أشار به، فخفت السفينة، لكنها ما برحت تتقدم نحو الهاوية..

وقال احدهم : " أمن شيء آخر يمكن أن نقذف به؟ "

فأجابه الكهل دون إكتراث: "أجل .. يتوجب علينا الآن أن نقذف جرارئرنا وجرائمنا "

ولغطوا فيما بينهم، وتأمل الكهل في السماء وأردف بصوت لا ينم عن خوف: "هلموا..ألقوا قرائفكم وأوزاركم..ألقوا بها حتى تطرقوا باب الرحمة بالتوبة.. لنتضرع إلى الله فقد يتقبل توبتنا.."

ما أكثر ما جنيتم أيها التعساء!!

لقد أضررتم بغلام بريء فشوهتموه، ثم تركتموه في بهيم الليل يموت من الخوف، أو من العاصفة، أو من وحش ضار جائع يجد فيه ما ينشد !!

إننا ماضون إلى المجهو، فلنُكفِر بالصلاة !
أجثوا .. أجثوا ..
نكسوا عيونكم ..
والطموا رؤوسكن، وأذرفوا الدمومع..


وأرتفعت أصواتهم : ((اللهم أرحمنا))
ثم أتجهت أبضارهم وعقولهم إلى الكهل، وخاطبوه بصوت خاشع خاضع :
( وأنت أيها الحكيم، مر نصدع، قل نفعل ما تقول )

وأجابهم الرجل: " معضلتنا عظيمة، فأمامنا هاوية هائلة مجهولة الإتساع والعمق، أمامنا هاوية رهيبة، فكيف لنا أن نجتازها دون أن نسقط في جوفها ؟ "

أنقطع الكلام، وأنصت..
وأرهف الرجال والمرأتان السمع.. وأنتظروا على أحر من الجمر

قال الكهل متسائلاً : " أخبروني، كم بقي لنا من الوقت الذي نحيا فيه بأجسامنا ؟ "

فأجاب أحدهم: "ربع ساعة"

قال: " هذا يكفي "

وأخرج من جيبه حبراً وقلماً والرقعة الجلد التي خط عليها ما عن له من خواط، وقال:-
" هل لي بضؤ ؟ "

وأسرع نوتي فأحضر المصباح ووضعه قريباً منه وعاد إلى مكانه.

وأنحنى الكهل فرفع الرقعة الجلدية وطفق يتلو الكلمات الرهيبة ببطء، وكأنه يتخير اللفظ الأخير.

وأنتعت الوجوه، وزاغت العيون، وشردت الأفكار..
وأنبجست إبان ذلك العبرات من مآقي العتاة !

غاصت السفينة.. وأقترب شبح الهلاك، و أنتهى الرجال من القراءة، فبسط الرقعة على لوح الخشب، وشرع قلمه فوقعها باسمه، وكان اسمه جرنادوس جيستموند.

ثم أنثنى الآخرين فدعاهم إلى التوقيع.
ولم يتردد أحد منهم، بل ذيلوا الإعتراف الرهيب بأسمائهم.

ولما أنتهوا، كتب الكهل هذه العبارة تحت الاسما:
( قاد السفينة ربان واحد وبحاران، إنني أسطر هذه الكلمات والردى ينشر علينا ظلاله الحالكة )

ونادى على الطاهي فأمره أن يأتيه بزجاجة خاوية، فلما جاء بها فتح الكهل سدادتها ووضع فيها الرقعة، وأرجع السدادة مكانها، وغطسها بالقطران الغالي حتى لا يتسرب إليها الماء.

وأحنى الرجال رؤوسهم، وأغمضوا عيونهم، وأرتفع صوت الكهل يقول :- "الموت يدنو..فلنستقبله"

وتناول المصباح فقذف به في اليم، ثم جثا، وحذا الجميع جذوه..

وعاد فانتصب، وتساقطت الثلوج فكسته بلون أبيض، فأمسى شبحاً لا انساناً..

وصلى بصوته، وصلى بقلبه، حتى إنعكست ندامته على رفاقه، فغرقوا في دموع التوبة،وغرقوا بعد دقائق في مياه البحر..ولم يبق في قيد الحياة إلا الكهل الوقف على قدمين ثابتتين !

وأرتفعت المياه إلى كتبه، فرفع الزجاجة إلى أعلى...

ومرت دقيقة، زال على أثرها الكهل، وزالت الزجاجة، وغاص المركب إلى الأبد ....

تلاشت حياة وأمحى مجهود، وتخرمت الحتوف نفوساً ضالة غادرة ...

ذهب كل شيء، إلا زجاجة طفت على صفحة الماء، و إنطلقت مع الموج، وكأنها تبغي التغلب على العدم !!

يتبع

^Princess^
12-01-2007, 13:43
مع الموت في تيه

هل سلمت اليابسة من تلك العاصفة؟ هل كانت الطبيعة أرأف بالأرض من البحر؟ هل نجا الغلام؟

كان الضباب كثيفاً، والظلام حالكاً، وأرتعش الغلام..و ضرخ ..
وتخبط في تيه. كما يتخبط الأعمى في ظلامه.. ومشى لآنه شعر أن الجمود يزيد قنوطه، وتعثر ووقع..

وبكى !!

مضى الوقت بطيئاً متثاقلاً، وأنتهى الغلام من الأرض الوعرة إلى أرض منبسطة مترامية، وتضاعف البرد.. ومع كل ذلك فما كل، بل حث الخطو، حتى إنتهى به السرى إلى أرض فرشها الجليد بطبقة صلبة.

وأكتشف ممراً ضيقاً، وآثار خطى لامرأة.
وتبع الأثر، وأنتهى إلى مكان أيقن مما وجده فيه أنها مرت منذ أقل من ساعة..فانتعش أمله، وتجدد نشاطه.

وتوقف الأثر، فلم يدر أين أختفت محدثته، وبينما هو محتار يتلفت، إذ به يسمع ركزا خافتاً أرتعدت له فريصته !!

وأصاخ، فلم يسمع الحس، وهم بمواصلة السرى ولكن الحسن الخقي سمره ثانية، وتكرر الصوت، ولما أكتشف الجهة التي أنبعث منها، تقدم وهو يغالب فزعه، حتى إنتهى إلى بقعة خيل إليه أن الجليد حفر فيها، وأن ناووساً قد أدخل في الحفرة.

وصدر من الحفرة صوت بكاء، فانكب على وجهه ونبش الثلج، وطالعه بعد قليل وجه علته صفرت الموت.

لم يتحرك الوجه، أو تنفتح العينان.
وسمع الصوت بكائ، فمد يده ولم الوجه، و لكن يديه أرتدت لآنها مست الموت..

كانت المرأة بلا حياة في ذلك التيه!
غير أن الحياة دبت في مكان قريب .. وبحث بيديه، حتى اصطدمتا بشيء، فتناوله، فإذا به انسان
انسان صغير لا يتجاوز السنة..

كانت اسمال الطفل تقطر ماء.. إنها أنثى مشرفة على الموت.
فضمها بحنان إلى صدره عله بذلك يصونها ويقيها !

كانت إبنه امرأة برح بها الضنك، فهامت على وجهها، ضاربة في هذا التيه.
ولما دهمتها العاصفة، فتكت بها وأبقت على طفلتها.

وتحست الطفلة وجهه بشفتيها الباردتين كأنه ندى أمها.
فأخافته برودهما، فخلع سترته ولف بها الطفلة، ثم أبتعد عن الجثة..
ومشى مسرعاً، وجسده العاري يرتعد .

وبالرغم من وهنه، فقد تمسك بالطفلة، وبذل طاقته ليتغلب على الطبيعة الشرسة.

فلو كان ابن نعمة وترف لعجز عن تحمل تلك الألام الهائلة، ولمات قبل أن يصل إلى المرأة فينقذ إبنتها.

صبر الغلام أنقذه، صبره حثه على الكفاح..
فمضى إلى الأمام، يقع فينهض، ولا يكاد ينهض حتى يقع .

ولاح له بغتة بصيص خافت، فانتعشت آمالهـ وأقترب من النور، فساهد من بعيد بضعة منازل، وشاهد شارعاً ممتداً.

وعرج على بيت كبير، فطرق الباب وأعاد الطرق، فلم يستجب أحد.
فتحول إلى بيت أصغر وكرر المحاولة .. فأخفق.
لقد نام أصحاب البيتين، نام الغني إلى جوار الفقير.

هل نام أصحاب البيتيتن حقيقة؟
أو هل أناخ عليهم شبح الموت ؟
أهي مقبرة عامة أم بيوت مقفرة؟
ماذا جرى ؟
هل أنقلبت الدنيا إلى قفر يباب؟
وهل تلاشت الحياة؟
ماذا جرى؟
ولم لا يستجيب الناس؟
أهو الطاعون ؟

أجل ..
إنه الوباء الأسود الذي لا يبقي ولا يذر!
الطاعون الذي جعل كل امرئ يحصن بابه

وتنقل الغلام بين البيوت دون جدوى، حتى أرهقه الهم فبكى بكاء مر.
وتساءل وهو يكفكف عبراته عن سبب هذا الصمت والإعراض ..

وعضته أنيا الجوع، فأن من اليأس، وضم إليه الطفلة فقبلها وغسل وجهها بدموعه ....


وضخ سمعه صوت مخيف ينذر بالخطر !!

يتبع

sugar lips
12-01-2007, 20:59
princess..

قصة رائعة تنم عن روعة ذوقك..

ولكن أرجوووووووووووووووووووك .. أكمليها بأسرع وقت .. أتحرق شوقا لمعرفة ماسيحل بالطفلين ..

وأعرف سبب الغموض الذي أشعر به يلف هذه القصة..

لا تتأخري صديقتي..

أنتظرك بفارغ الصبر ..

لك مني كل الود::

ودمت::

^Princess^
14-01-2007, 18:53
مرحبا اختيsugar lips

شكرا على مرورك الرائع والمشجع

^Princess^
14-01-2007, 18:56
هومو و ارسوس الفيلسوف

ما هذا الصوت؟ أدمدمة؟ أزمجرة؟ أطحن انسان؟
لو كان رجلاً لفر خوفاً..
ولكنه صغير، رأى في ليلة ما أستل من قلبه شعور الخوف، لآنه رأى الموت.

واستمرت الزمجرة، ولكنه تقدم.. فثمة كائن مستيظ، وبدت له بعد كل لحظات مركبة عظيمة، تعلوها غرفة مصنوعة من خشب.
وقد ركب فوقها داخون. كما شاهد باباً ونوراً ينبعث من نافذة.

وتقدم من المركبة، فاشتد صوت الزمجرة، فلم يأبه لذلك، وخيل إليه أن الوحش مشدود بسلسلة..
ثم تألقت عينان ناريتان، ولمعت أنياب حادة، ولم يشك في أنها مصيدة، أو حظيرة وحوش يستغلها صاحبها في شؤون العرض و التسلية.

وأرتفع صوت يزجر الحيوان، ويقول: (( اصمت، اصمت يا هومو)).

وصمت الصوت، ثم أنبعث ثانيةً يقول: (( من هنا ؟ ))

فأجابه الغلام:- "إنسان يطلب الآمان"
"أنا..أنا.."
"أنا؟عجباً! لسمع صوت فتى، فمن أنت؟"
"غلام ضائع ينشد الراحة بعد العناء"
"أفي مثل هذه الساعة يجيئنا غلام؟"
"غلام هرأه البرد !"
" ولم تتجول في هذا الهزيع؟"
"أكاد أموت جوعاً"
"أغرب عن وجهي"

و اختفى الضوء، وأحنى الغلام العاثر الحظ رأسه وبكى. ثم ضم إليه الطفلة ومشى متعثراً..

وفتح باب المركبة، وتدلى منه سله، وهتف صوت خشن: "تباً لك! أدخل..أدخل.."
ووقف الغلام غير مصدق، وتناهى إليه الصوت الأجش يقول في تبرم: "أدخل ويحك! أنت جائع.. أنت منهوك.. أنت مبرود..فمن دهاني بك؟؟"

لم يتحرك الغلام من مكانه. وأردف الصوت مهدداً: "ألا تصعد وتمتثل ؟!"

وهم الغلام بالسلم يزمع أن يرقاه، ولكنه تراجع منذعراً..فقد هدر صوت الوحش !

وصاح الرجل رادعاً: (كفى يا هومو)
و اختفت الأنياب، و استتلى الرجل: "لا ترع .. أصعد !! "

ورقي الغلام السلم، ولما أشرف على مدخل المركبة، وقف متأملاً، فرأى موقداً يؤج، وعاء ينفث البخار.

ورأى في الداخل مقعداً وصندوقاً أو قنديلاً غير مستعمل، وخزانة صفت على رفوفها أوان وقنينات وأنابيب، وكانت تستعمل للتحضيرات الكيميائية.

كانت العربة أشبه بصندوق ضخم بيضاوي، وقد خط عليها بالحرف العريض:
"أرسوس..من الفلاسفة"

***

وقف الفيلسوف أرسوس في ركن من المركبة، وكان مديد القامة، نحيلاً وخط الشيب رأسه، وتغصن جبينه.

أرسوس فيلسوف في طريقته وفي حياته، لأنه فيهما يختلف عن سائر البشر.. فمن غيره يعيش في مركبة متجولة؟
ويستأنس بصحبة ذئب؟
فالذئب هومو كان أليفه و عشيرة ورفيقه في حله وترحاله !

كان هومو أميناً له كالكلب، وحارساً شديد البأس، وقد قضى أرسوس السنين في مركبته يتنقل من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، فيبيع للأهلين عقاقيره، ويعرض عليهم حركات مدهشة يؤديها الذئب هومو.

و أرسوس رجل كامل، متبحر في علم الإنسان، متعمق في خلجات الإنسان ونزعاته.. أرسوس طبيب ومشعوذ وكاتب وحكيم وفيلسوف وشاعر !

أرسوس كل شيء- فهو عظيم في شخصه وتفكيره وإنسانيته.. إلا أنه لا يعرف لنفسه بفضل.

هو متهكم بارع النكته، يسخر حينا يجد، ويقلد الحيوان والطير، ويتكلم فلا تتحرك شفتاه، ويخرج صوته الجهير، فلا تعلم من نطق ..

آثر حياة العزلة، واصطفى الذئب وعاشا معاً في سلام و انسجام!

وهومو ذئب..ولكنه ذئب فيلسوف..فهو قانع مكتف.. وهو متفاهم مع مولاه بالعين وحاسة السمع والشم..
فهو فيلسوف كما قلنا، وفلسفته مبنية على الحواس فحسب..

وقال الفيلسوف للغلام: "ألف ما في يدك"

وصعد الغلام، فوضع حمله برفق على صندوق صغير ورأى الشيخ في حركته حرصاً لا موجب له، فقال ساخراً:
(( أخائف أنت على كنزك؟ ويلك! إنه أسمال وخرق! قل،قل، من أنت؟ تكلم..لا، بل اصمت وأقترب من النار، فأنت مقرور ))

ووضع الشيخ يده على ذراعه وشده قليلاً، فتناثر قميصه، فصاح: " يالك من تاعس! خذ..خذ.."

ولم يكتف أرسوس، بل أخذ الغلام بين يديه، ومرر راحتيه بقوة على جسده، إلى أن تدفق الدم دافئاً في ذلك الجسد الضامر.
ومالبث الشيخ أن أشار إلى المقعد متداع، فجلس الغلام عليه، وقال الشيخ:
(( كل! أنت طاو.. كل ما في الإناء إنه اللحم والخضار ))

وذهل أرسوس، فقال وهو يحدج الغلام: "ولم البكاء؟"

ولكنه سرعان ما أدرك أن البكاء لم يصدر عن الغلام!!

فتحرك من مكانه،و انحنى فوق الصندوق، ثم رفع اللفافة وهو مبهوت

وقال: ((هذا هو الشيء الذي يبكي! الويل لك أيها الشرير! بقد ارتكبت منكراً! أنت تلتهم طعامي، وطفلتك تسلبني حليبي! ))

وأسرع فجلب قطعة قماش، وجاء بزجاجة فملأها حليباً، وبعد أن ربط فوهتها بقطعة القماش، ثم نزع عنها أسمالها، ولفها بملاءة، و لما اطمأن إلى نظافة الحليب والطفلة، رفع قطعة القماش، واسقط في الزجاجة خيطاً، و وضع طرفه في فم الطفلة.

وكفت الطفلة عن البكاء، وجعلت تمتص الحليب بشراهة.

وتتبع الغلام حركتها وقد أبرقت أساريره، وأختلس إلى أرسوس نظرات الشكر، ورمقه باحترام.
ولكن الشيخ قال بغتة: "ماذا دهاك؟ ألا تأكل؟"
فأجابه وهو يجهش: "كلا، لا أريد، فأنت لم تطعم!"
قال: "وما شأنك بي؟ كل ما في الإناء!"
ولكن الغلام تردد، فصاح به وزجره.
وأمتثل الغلام، فأفرغ ما في الإناء بإقبال وشغف.
وامتصت الطفلة الحليب، فابتسم أرسوس مسروراً، و أحضر حشوة من قطن، وألقاها على الصندوق، ووضع الطفلة فوقها فنامت.

ودنا من الغلام، فربت كتفه وهو يقول:-
" ملأت معدتك، والآن هيا نتجاذب بعض الحديث"
وهز الغلام رأسه وأنصت..
وقال أرسوس: "أين كنت؟ ومن أين أتيت؟"
فأجابه: " لا أدري"
"أتسخر بي؟ من أين أتيت؟"
" لا أدري.. غادروني على الشاطئ وأبحروا!"
" ومن هم ذووك؟"
"لا أعرف لي أباً أو أماً أو أخوة!"
"والطفلة أيها الكاذب؟ أليست أختك ؟؟"
" كلا ليست أختي"
" من أين جئت بها ؟ "
" وجدتها وأنا أتخبط في التيه "
"كيف وأين؟"
" كانت تبكي وهي متشبثة بصدر أمها الميتة"
" منذ متى ؟"
" منذ ساعة، وفي مكان يبعد ميلاً"

أطرق أرسوس مفكراً، وقال كأنه يناجي نفسه:-
" الموت راحة أبدية، فلترقد حيث هي هذه الأم الشقي.."

وعمد بعد ذلك إلى دثار ألقاه على الطفلة، وأمر الغلام أن يرقد قريباً منها، ولم يعتم أن ربط وسطه بسيور من الجلد تتصل به جعبة فيها زجاجات مليئة بالعقاقي والآلات، ورفع المصباح من مكانه وغادر المركبة.

ونادى على الذئب، فوثب الوحش وهو يزمجر، فقال: " أصمت ياهومو"

ثم رفع صوته متسائلاً: " وأنت أيها الغلام، هل نمت ؟"
فأجابه: " كلا..لم أنم بعد"
"لا تنس أن تقدم بقية الحليب للطفلة إن استيقضت باكية"

وابتعد أرسوس وهومو، وغفا الغلام، ورقص ملاك الطهر فوق رأسي طفلين بريئين، وكان القدر في تلك الليلة يحوك خيوط أيامهما.....

***
هب الغلام من رفاده، فتلفت مبهوتاً لا يكاد يصدق عينيه.
وسمع بغته صرؤير المفتاح، ودخل أرسوس والذئب وكان الفيلسوف يتمتم بصوت متقطع: "لقد أراحها الموت! إنها متخشبة، وكأنها الموت بعينه!:

ونكت النار بقضيب من حديد واستأنف كلامه:
"لولا هومو، لما وجدتها، كانت جثتها باردة متجمدة..ويدها، طننتها قطعة من الجليد..
كيف ترضى بالموت ومعها مثل هذه الرضيعة؟"

وضحك الفيلسوف، وأردف:
" أصبحت رب عائلة.. بيتي صغير، ولكننا سنتدبر أمورنا"

وكان هومو خلال ذلك يلعق يد الطفلة، وكأنه أم رؤوم، فقال أرسوس:
" سقيا لك ياهومو، أصبحت عماً، كما أصبحت أنا أباً"

وأنثنى ينظر إلى الغلام، وقال وهو يصرف بأسنانه:
"ويلك أيها الصبي! لماذا تضحك؟"
فقال الغلام وهو يرتعش: "إنني لا أضحك!"

وأختلجت أهداب الرجل، وقال بلسان متلعثم: "أنت مخيف...أنت مسكين!"

ثم خطا نحوه فأمسك به، وعاد فقال: "لاتضحك..لاتضحك"

فأجابه الغلام وهو يشرق بدمعه: "إنني لا أضحك"


وسرت قشعريرة مثلوجة في ظهر أرسوس، وأصابه إنفعال شديد، وقال بصوت متهدج:
" أنت تضحك، فلا تكذب"

ولطمه، ثم قال مسترضياً: " من أنزل بك هذه الكارثة؟"
"ماذا تعني؟"
"متى بدأت تضحك ضحكتك الأبدية ؟"
"لا أذكر نفسي خلافاً لما أنا عليه"

فأشاح الفيلسوف بوجهه وهو يتمتم بصوت يسيل رقة وألماً:
" قبحاً للإنسان! لن يتورع عن فظائع!
أبق يا غلام كما أنت.. أضحك ما شاء لك الضحك"

وأستمر الغلام يضحك .. في الليل والنهار.

وتنبهت الطفلة، وأرتفع صوت بكائها، فأهرع إليها أرسوس بالحليب.

وبزغت الشمس على العائلة الجديدة-على الأب أرسوس، والعم هومو، والغلام الضاحك...
والطفلة..الطفلة التي فتحت عينيها فلم تبصر بهما

وصرخ الغلام ملتاعاً:- "اواه!"

وعقب أرسوس:
"إنها عمياء..عمياء..ياللشقية !"

يتبع.......

^Princess^
14-01-2007, 18:57
اللورد كلانشار

لكل عصر رجال.
عاش في ذلك الحين وقبله وبعده نبلاء سطروا تاريخ البلاد بأفعالهم، وعينوا الإتاه الذي تنهجنه.

فاللورد كلانشار تحمس للجمهورية التي انشأها كرومويل على أنقاض الملكية.
بيد أنه لم يكتب لها طول عمر، فزالت وأسترجع الملك سلطته.
إلا أن اللورد كلانشار تشبث بعقيدته، وأبى أن يتملق الملك، وأرتحل عن إنكلترا وأقام في قصر قديم في جنيف.

من جراء ذلك صادرت الحكومة أمواله، ومع ذلك فلم يتراجع عن موقفه استرضاء الملك شارل الثاني.

وبلغ الرجل من العمر أرذله.
وكان قد أتخذ له خليلة إبان الشباب تنتمي إلى الطبقة المترفة.
وأنجب منها إبناً كان مولده في يوم إنهزام الجمهورية وأرتحال اللورد إلى منفاه.

كانت الخليلة من الصفوة كما ذكرنا، لهذا بقي البلاط مباحاً لها.
وكانت جميلة فاتنة، وعرفت كيف تفسح لابنهما المجال في معترك الحياة.

وأحبها الملك، فاتخذها محظية له، وحبا أبنها النغل بأحسانه، فأصبح ضابطاً في بحرية جلالته، وأحد أفراد الحاشية الملازمة للملك.
وقد اطلق عليه اسم اللورد ديفد موير، فتناسى الناس أنه ابن الزناء ، وأعتبروه من النبلاء.

وكان أبوه يقاسي شظف العيش في منفاه، وقد هرم وأصابه الوهن.

وأعتلى العرش الملك جيمس الثاني، فنال اللورد ديفد حظوة كبرى لديه.. ولن نغمط الشاب حقه، فهو وسيم شجاع، وهو خفيف الظل قريب إلى القلب.
وهو إلى جانب هذا كان بارعاً يتلمس طريقه في حذر وتريث.

واللورد ديفد أكتسب من اللقب إكتساباً ممالأة من الملك لأمه.
وتواترت بعد حين شائعات عن موت اللورد كلانشر، وأنه أقترن بامرأة تسمى آن برادشو قبل وفاته، وأنجب منها طفلاً.

وطمس الملك جيمس هذه الشائعة، ثم أصدر أمراً ملكياً يخطلها، ويسجل في قيود مجلس اللوردات أن الرجل قضى نجبه دون أن يعقب وارثاً شرعياً، وأن اللورد ديفد هو وارث أبيه الوحيد، ور يحق لغيره أن يحمل اللقب ويستولي على التركه، شرط أن يتزوج بفتاة كانت في تلك الأيام طفلة وأحاطها الملك بكل ضروب الحب، ووهبها لقب الدوقة جوشيانا.

لم يكن إخلالهما بإرادة الملك نفوراً متبادلاً.. بل أن رغبتهما عن الزواج كانت وليدة أمل جياش في صدر الفتاة في الإحتفاظ بحريتها، وتهافت ديفد على المتعة، وخوفه من الحرمان أن هو تقيد بأغلال الزواج.

والعجيب أنهما تراضيا على إتباع هذه الحياة المستقلة، وإن كانت عرى الصداقة تشج القلبين برباط وثيق.
كانت الفتاة ذات رواء..مذهبة الضفائر، مليحة القسمات،ممشوقة ملتهبة الذكاء، معتزة متعجرفة.

كانت خليطاً متناقضاً من المشاعر، وكانت لغزاً غامضاً.

أما ديفد فكان من أقطاب المجتمع، لبق، أنيق، يحب الميسر والرقص والقنص والملاكمة..
وكان محترماً موثوق برأيه، ترجح كلمته كفة على كفة.

وله أيضاً علاوة على هواياته الكثير من الميل الخاص إلى الحيل التي يجريها المشعوذون، ويؤديها المهرجون.
وكان يرود تلك الأمكنة متنكراً، ويمتزج بكل طبقة، حتى عرفه الكثيرون بالبحار الطيب، لآنه كثيراً ماكان يظهر بينهم في لباس بحار.
وكذلك أطلقوا عليه اسم طوم جيم جاك، حتى أشتهر بهذا الاسم، كما أشتهر بقوته وبسالته.

وعرفت الدوقة جوشيانا أخباره، فلم تلمه، بل سرها ذلك منه، وأعجبت بشخصه وعاداته.

***

مات الملك جيمس وخلفه العرش الملكة آنا.

وكانت في البدء لا تضم بين جوانحها إلا الطيبة وحب الناس.
غير أن الحكم سلبها رحابة صدرها، فأضحت بعد سنة متقلبة، تثور وتهيج لأدنى سبب..
وشاب طيبتها شوائب من الشر وحب الأذى.

كانت إنساناً لين العريكة لا تستطيع التحكم بإرادتها إذا دخلت عوام أخرى في حياتها..
ولهذا فقدت عادات وتطبعت بعادات بعد أن تسمنت الذروة وأعتلت العرش..
وتطبعت بعادات بعد أن تسنمت الذروة وأعتلت العرش..وسرعان ما مالت بعاطفتها إلى الناحية التي تجري مع نزغ لاشيطان..
فارتاحت نفسيتها إلى الكوارث والمضائب، وكانت تنزع إلى السخرية والعبث والفكاهة العنيفة.

كانت بعيدة عن الجمال، عكر جمال الغير حياتها، وأرث نار غيرتها..
وقد نقمت على الدوقة جوشيانا لآنها فاتنة تخلب الألباب..والسبب الأهم في حقدها، هو أنهما كانتا في الواقع شقيقتين،إلا أن البون كان شاسعاً بينهما، فهي ملكة، ولكنها ملكة لا يرتاح لمرآها النظر!
ولتك دوقة، ولكنها مطمع كل سمع وبصر...

يتبع......

AMO0OR
15-01-2007, 12:08
قصه بتعقد شكراً جزيلاً عليها

sola
16-01-2007, 05:08
^Princess^

شكـــرا علــى الروايهـ

شكلهــا حلـوهـ بس

مــاراح اقـرائهــا الا بعـد
مــاتكمليهـــا


^^