PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : ][ربيــــــــــــع المؤمن تذوق][



][روائع الزمن][
17-10-2001, 22:04
ربــــــيـــع المـــؤمـــن ... تذوق
ربيع المؤمن
تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعامين نذيرا ، والحمد لله الذي جعل الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ، سبحانه ؛ يسبح الرعد بحمده والملائكة من خِـيفته ، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ، سبحانه متصف بصفات الكمال والجلال ، منزه عن النقص والمثال ، أشهد أنه ربي حقا حقا والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبي الرحمة للعالمين ، خير ولد آدم ، وأعبدهم وأتقاهم لربه ؛ صلى الله عليه مادام الليل والنهار صلاة تامة دائمة إلى يوم التغابن، أشهد بحبه وأنه رسول الله حقا حقا ، ورضي الله عن الصحابة الكرام خير خلق الله بعد الرسل الكرام ، رافعي لواء المجد ، حاملي لواء الدين ، ومن سار على دربهم ولزم غرهم إلى يوم تبلى فيه السرائر .

أيها الأحبة :

لم يتغزل الأدباء في فصل من فصول العام كمثل تغزلهم ووصفهم للربيع ، فأمسوا يصفونه ويتغزلون في حسنه وجماله ، وما يعود على النفس من بهجة وسرور ، فعند إقبال الربيع ؛ تتزين الأرض وتلبس أجمل الحلل ، تغري بها أصحاب الذوق الرفيع ، ومتذوقي الجمال ..

حتى قال قائلهم :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما
في غسق الدجى أوائل ورد كن بالأمس نوما
يفتحها برد الندى فكأنما يبث حديثا بينهن مكتما
ومن شجر رد الربيع رداءه كما نشرت ثوبا عليه منمنما
أحل فأبدى للعيون بشاشة وكان قذى للعين إذ كان محرما
ورق نسيم الجو حتى كأنما يجيء بأنفاس الأحبة نعما

وقال آخر ..

أو ما ترى الأيام كيف تبرجت وربيعها وال عليها قيم
لبست به الأرض الجمال فحسنها متأزر ببروده متعمم
نظر إلى وشي الرياض كأنه وشي تنشره الأكف ينمنم
والنور يهوى كالعقود تبددت والورد يخجل والأقاحي تبسم
والطل ينظم فوقهن لآلئا قد زان منهن الفرادى التوأم
ويكاد يذري الدمع نرجسها إذا أضحى ويقطر من شقائقها الدم
ومنها أرض تباهيها السماء إذا دجا ليل ولاحت في دجاها الأنجم
فلخضرة الجو اخضرار رياضها ولزهره زهر ونور ينجم
وكما يشق سنا المجرة جره واد يشق الأرض طام مفعم
لم يبق إلا الدهر إذ باهت به وحيا يجود به ملث مرهم

الأديب الحق له مزيتان : إحداهما تذوقه لما يراه ويسمعه ذوقا عميقا كأنه يجد حلاوته في فمه ، لكنه يجدها في نفسه ، وثانيهما قدرته على تحويل تلك المعاني التي يجدها في نفسه إلى كلمات تعبر أصدق التعبير عما يجول في خاطره وما يتذوقه .

هذا هو الربيع ... وهذا هو الأديب ...



غير أن المؤمن الحصيف يمتلك مزيتان أكثر مكانه مما يملكه الأديب هما : أسساً وحساً تؤهلانه لأن يتذوق ما حوله ، وأن يعبر عن هذا التذوق في صورة عمل ، ليس بالضرورة أن يكون بيانا بألفاظ ، بقد ما يكون بيانا بأعمال ، هذا دأب المؤمن ؛ فإن كان أديبا مسلما فذلك الزبد بالعسل ؛ كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

أسساً تمكنه من فهم ما حوله ربما بطريقة يميزها حسه الإيماني ونظرته إلى الدنيا والآخرة ... وحساً يمسيه متأثرا غاية التأثر بما يسمع ويرى ويعقل .

قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (لأنفال:2).

وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره . وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم , وكأنهم بين يديه .

وقال سبحانه (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23)

تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد . وقال زيد بن أسلم : ذرأ أبي بن كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فرقوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة ) . وعن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا اقشعر جلد المؤمن من مخافة الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها ) . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اقشعر جلد عبد من خشية الله إلا حرمه الله على النار ) . وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت : إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة , أما تجد إلا قشعريرة ؟ قلت : بلى ; قالت : فادع الله فإن الدعاء عند ذلك مستجاب . وعن ثابت البناني قال : قال فلان : إني لأعلم متى يستجاب لي . قالوا : ومن أين تعلم ذلك ؟ قال : إذا اقشعر جلدي , ووجل قلبي , وفاضت عيناي , فذلك حين يستجاب لي .
راجع تفسير القرطبي.

والمسلم إذ هو كذلك لا ينسى ما رواه مسلم في صحيحه (‏ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ )

فهو يسعى للجمال يتذوقه ويحبه ويحرص عليه لأن الله جميل يحب ذلك منه .