PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : من اسرار القران الكريم الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية



justagirl
27-07-2006, 22:11
بقلم الدكتور زغلـول النجـار

ياأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون‏*‏

الآية القرآنية الكريمة جاءت في مطلع الربع الأخير من سورة المائدة‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها‏‏(120)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي ثامن أطول سور القرآن الكريم‏,‏ ومن أواخرها نزولا‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي المائدة التي أنزلها الله ـ تعالي ـ من السماء كرامة لعبده ورسوله المسيح عيسي ابن مريم ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ وشهادة له بالنبوة وبالرسالة‏.‏

ويدور المحور الرئيسي لسورة المائدة حول قضية التشريع الإسلامي بعدد من الأحكام اللازمة لإقامة الدولة‏,‏ وتنظيم المجتمع الإنساني‏,‏ علي أساس من الفهم الدقيق لرسالة الإنسان في هذه الحياة‏:‏ عبدا لله الواحد الأحد‏,‏ الفرد الصمد‏,‏ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ يعبده ـ تعالي ـ بما أمر‏,‏ ويجتهد في عمارة الأرض قدر طاقته‏,‏ ويقوم بواجبات الاستخلاف فيها بإقامة عدل الله وشرائعه‏,‏ ومراقبة هذا الخالق العظيم في السر والعلن‏,‏ والاستعداد لملاقاته بعد هذه الحياة الدنيا بصفحة مليئة بصالح الأعمال علها تكون شفيعا له عند رب العالمين‏,‏ ومسوغا للفوز بالجنة والنجاة من النار‏.‏

ويتخلل آيات التشريع في سورة المائدة التأكيد علي العقيدة الإسلامية وفي مقدمتها التوحيد المطلق لله ـ تعالي ـ بغير شريك ولا شبيه ولامنازع ولاصاحبة ولا ولد‏,‏ وتنزيهه ـ جل شأنه ـ عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ والإيمان ببعثة كل أنبياء الله ورسله وفي مقدمتهم النبي والرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏.‏

ويتخلل آيات التشريع كذلك استعراض عدد من قصص الأولين‏,‏ وتفنيد عقائد غير المؤمنين تثبيتا لإيمان المؤمنين‏,‏ ودرءا لادعاءات المبطلين في كل مكان وفي كل حين إلي يوم الدين‏.‏

وتبدأ سورة المائدة بالتأكيد علي وجوب الوفاء بالعقود‏,‏ سواء أكانت تلك العقود بين العبد وربه‏,‏ أو بين العبد وعبد آخر من عباد الله‏,‏ وبين الناس عامة أفرادا ومجتمعات ودولا‏.‏ وذلك لأن الوفاء بالعقود يدخل فيه مايتعاقد عليه الناس فيما بينهم‏,‏ وما تتعاقده الدول فيما بينها‏,‏ والعقد أصلا يكون بين طرفين‏,‏ وفيه معني الاستيثاق والشد لأن من معانيه‏:‏ الجمع بين أطراف الشيء كعقد الحبل وعقد البناء‏,‏ ثم استعير ذلك للعقد المعنوي من مثل عقود المعاملات كالبيع والشراء وغيرها فيقال‏‏sad.gif‏ ‏ عاقدته‏)‏ و‏(‏ عقدته‏)‏و‏(‏ تعاقدنا‏),‏ كما يقال‏‏sad.gif‏ ‏ بما عقدتم الأيمان‏)‏ وقرئ‏(‏ بما عقدتم الأيمان‏,‏

و‏(‏العقد‏)‏ مصدر استعمل اسما وجمع علي‏(‏ عقود‏)‏ وذلك من مثل قول الحق ـ تبارك وتعالي ـ في مطلع سورة المائدة‏‏sad.gif‏ ‏ ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‏).‏ و‏(‏ العقد‏)‏ بخلاف‏(‏ العهد‏)‏ الذي يكون من طرف واحد ويدخل فيه الالتزام بإرادة من أعطي العهد منفردا‏,‏ وهذا النص ومضة من ومضات الإعجاز اللغوي والتشريعي للقرآن الكريم‏,‏ سبق بها كل القوانين الوضعية في التفريق بين كل من العقد والعهد‏.‏ وهو دعوة جامعة إلي ضرورة الالتزام بجميع العقود والحرص علي الوفاء بها لأن العقد في الإسلام شريعة المتعاقدين‏

ولايمكن لأي مشرع أن يأتي بهذا الأمر بمثل ما أتي به هذا النص في شموله ووضوحه ودقته‏.‏

وبعد ذلك تطرقت الآيات الكريمة إلي تحديد ما أحل للمسلمين من بهيمة الأنعام‏,‏ ومن الطعام‏,‏ وماحرم عليهم وإلي تحريم الصيد وهم حرم‏,‏ وتحريم استباحة حرمة شعائر الله وأحكامه‏,‏ وإلي الدعوة للتعاون علي الحق وعلي الخير‏,‏ وعدم التعاون علي مجاوزة الحدود بإرتكاب المعاصي وذلك خشية عقاب الله وبطشه وهو ـ تعالي ـ شديد العقاب‏.‏

ومن خلال هذا التشريع يأتي تثبيت المؤمنين علي إيمانهم وذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

...‏ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم‏*‏ ‏(‏المائدة‏‏:3)‏

وتستمر الآيات في تحديد ما أحل وما حرم من الطعام ومن الزوجات‏,‏ وفي سياق ذلك أيضا يأتي التثبيت علي الإيمان بقول ربنا ـ تبارك وتعالي‏:‏

...‏ ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين‏*‏ ‏(‏المائدة‏‏:5)‏

وتستمر الآيات في تحديد التطهر للصلاة بالوضوء أو التيمم مؤكدة فائدة ذلك للمؤمنين‏,‏ وذلك بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

...‏ مايريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون‏*‏ واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور‏*‏ يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون‏*‏ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم‏*‏ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم‏*(‏ المائدة‏‏:6‏ ‏ ـ‏‏10).‏

وتتوالي الآيات بذكر شيء من نعم الله علي عباده المؤمنين‏,‏ وباستعراض تقاعس أهل الكتاب عن القيام بواجبات الدين‏,‏ وعن الإيمان بخاتم الأنبياء والمرسلين وذلك في ثلاثة وعشرين آية منها قول ربنا ـ سبحانه ـ‏:‏

ياأهل الكتاب قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين‏*‏ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم‏*‏ (‏المائدة‏‏:16,15)‏

ومنها قوله ـ تعالي ـ‏:‏
ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم علي فترة من الرسل أن تقولوا ماجاءنا من بشير ولانذير فقد جاءكم بشير ونذير والله علي كل شيء قدير‏*(‏ المائدة‏‏:19)‏

ثم يأتي التثبيت للمؤمنين مرة أخري والتحذير للكافرين بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون‏*‏ إن الذين كفروا لو أن لهم مافي الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتقبل منهم ولهم عذاب أليم‏*‏ يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم‏*‏ ‏(‏ المائدة‏‏:35‏ ‏ ـ‏‏37).‏

وتنتقل الآيات إلي التشريع بحد السرقة‏,‏ وبالتوجه بالخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ له ملك السماوات والأرض‏...‏ يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله علي كل شيء قدير‏*(‏ المائدة‏‏:40)‏
وتستمر الآيات مهونة عليه كفر الكافرين‏,‏ ونفاق المنافقين‏,‏ وانحراف غير المؤمنين عما أنزل إليهم من ربهم ولذلك تكرر في هذه السورة الكريمة بأن من لم يحكم بما أنزل الله‏(‏ فأولئك هم الكافرون‏),‏ و‏(‏هم الظالمون‏),‏ و‏(‏هم الفاسقون‏).‏

وتعاود الآيات توجيه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فتقول‏:‏ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون‏*‏ وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون‏*‏ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‏*‏ ‏(‏ المائدة‏‏:48‏ ‏ ـ‏‏50).‏

وبعد ذلك تتوجه الآيات بالخطاب إلي المؤمنين‏,‏ موضحة لهم حقيقة علاقتهم بغير المؤمنين مشرعة لقضية الولاء والبراء وذلك في أربعة عشرة آية منها قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم‏*‏ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون‏*‏ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون‏*‏ ‏(‏ المائدة‏‏:54‏ ‏ ـ‏‏56).‏

وتعاود الآيات في سورة المائدة توجيه الخطاب إلي المؤمنين مؤكدة التشديد علي الأكل مما أحل الله‏,‏ وتحريم ماحرم‏,‏ وآمرة بالمحافظة علي الإيمان‏,‏ ومشرعة لكفاراتها‏,‏ وناهية نهيا قاطعا عن معاقرة الخمر والميسر أو الأنصاب‏(‏ وهي أحجار كان المشركون قد نصبوها حول الكعبة‏,‏ وكانوا يعظمونها‏,(‏ ويذبحون عليها‏),‏ ويلطخونها بالدماء‏)‏ أو الأزلام‏(‏ أي القداح الثلاثة أي السهام التي كانت لديهم في الجاهلية يطلبون بواسطتها علم ما قسم لهم من سفر أو غزو أو غير ذلك من الأمور‏,‏ مكتوب علي أحدها‏(‏ أمرني ربي‏),‏ وعلي الآخر‏(‏ نهاني ربي‏),‏ والثالث غفل من الكتابة‏,‏

فإن خرج الآمر أقدموا علي الأمر‏,‏ وإن خرج الناهي أمسكوا عنه‏,‏ وإن خرج الغفل أجالوها حتي يخرج الآمر أو الناهي‏),‏ ومشرعة كذلك لكفارة صيد البر أثناء الإحرام‏,‏ ولحل صيد البحر‏,‏ ومعظمة شأن كل من الكعبة البيت الحرام‏,‏ والشهر الحرام‏,‏ والهدي والقلائد‏(‏ أي مايهدي إلي الكعبة من الأنعام‏,‏ ومايوضع في أعناقها من القلائد لإشعار كل من يراها بأنها مهداة إلي البيت الحرام‏,‏ ومؤكدة عدم تساوي ما أباحه الله من الطيبات‏,‏ وما حرمه من الخبائث‏,‏ ولو كثرت الخبائث وزينتها الشياطين في أعين الناس‏,‏

وهنا يتضح دور تقوي الله ـ تعالي ـ في الوقاية من عقابه‏,‏ وللفوز بثوابه في الدنيا والآخرة‏.‏

ثم ترجع الآيات إلي خطاب الذين آمنوا مرة أخري ناهية إياهم عن سؤال خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن أمور أخفاها الله ـ تعالي ـ عنهم لحكمة يعلمها ـ سبحانه وتعالي ـ إما إخفاء مطلقا أو مرحليا سوف يبينها لهم القرآن الكريم إذ يتنزل منجما إليهم‏,‏ وقد سألها من قبلهم ثم بعد تكليفهم بها عجزوا عن أدائها وكانوا بها كافرين ولها منكرين‏.‏

وتؤكد الآيات أن التشريع من حق الله ـ تعالي ـ وحده وقد يأذن في بعض ذلك لأنبيائه‏.‏

وتشرع الآيات للوصية‏,‏ وتذكر بيوم الحساب‏,‏ وتروي جانبا من نعم الله ـ تعالي ـ علي عبده ورسوله عيسي ابن مريم ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ ومنها إنزال الله ـ تعالي ـ له مائدة من السماء‏.‏ ثم تستعرض حوارا سوف يقع في يوم الحساب بين الله ـ تعالي ـ وعبده ونبيه عيسي ابن مريم وتختتم السورة الكريمة بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

...‏ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم‏*‏ لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو علي كل شيء قدير‏*‏‏(‏المائدة‏‏:120,119).‏

وقد سبق لنا استعراض كل من التشريعات وركائز العقيدة الإسلامية التي جاءت في سورة المائدة ولا أري حاجة إلي إعادة ذلك هنا‏.‏ كذلك سبق تلخيص الإشارات العلمية التي وظفتها هذه السورة المباركة في التأكيد علي حقيقة ألوهية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ وربوبيته ووحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ وعلي إبداع صنعته في الخلق وشهادة ذلك في التأكيد علي حتمية البعث وحقيقته‏,‏ وضرورته‏,‏ ويسره علي الخالق البارئ المصور‏,‏

وفي التأكيد علي ضرورة استخدام هذه الحقائق في الشهادة علي ربانية القرآن الكريم وعلي صدق نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ـ في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه‏,‏ ولا أري ضرورة لإعادة ذلك مرة أخري في هذا المقال الذي سوف أخصه في نصفه القادم بالتركيز علي حكمة‏,‏ تحريم كل من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وإلي ذلك الحين أستودعكم الله الذي لاتضيع عنده الودائع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏
__________________

~·.¸¸Mr.UAE¸¸.·~
28-07-2006, 14:05
جزاااكي الله خيراااا اختي الكريمه ..

justagirl
31-07-2006, 07:15
شكرا على الرد