PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : صديقان و شيء ما



eman123
20-04-2006, 21:15
.ثلاثة مواعيد فقط


كانت جازلين تعلم بأنها لن تتزوج أبدا.ولم يكن هذا ليقلقها،فهي نادرا ما تفكر في الامر،رغم انها فكرة ثابتة في رأسها لا تتزحزح.
لكن هذا لا يعني انها تكره الرجال،فهي تخرج معهم كأي فتاة طبيعية في الثانية و العشرين من عمرها و غير مرتبطة بأحد.إنما حالما تلاحظ ان الرجل الذي تخرج معه بدأ ينظر الى علاقتهما جديا ،تقطع علاقتها به.و كان الحد الأقصى لعلاقتها باي شخص،عادة هو ثلاثة مواعيد.
و مساء يوم الأربعاء،و فيما كانت عائدة من عملها كسكرتيرة في إحدى اهم شركات لندن القانونية ، راحت تفكر في أن ما أعاد فكرة الزواج أو عدمه إلى رأسها هو أبوها الذي بدا أنه يأخذ علاقته مع صديقته الحالية بجدية أكبر.و غريس كرادوك صديقته تلك ، سيدة محترمة بعكس معظم صديقاته السالفات.
و نادرا ما استمرت علاقاته الأخرى لأشهر.إنما ها قد مضت ستة أشهر نذ أن عرفها أبوها على تلك المرأة التي تعرف إليها أبوها في حفلة عيد الميلاد.كانت غريس أكبر سنا من معظم النساء الاتي اعتاد أبوها أن يحضرهن إلى البيت.فقد بلغت الخامسة و الخمسين ، هي أصغر منه بسنتين ، مطلقة منذ سنوات عدة.لقد تزوج أبوها ثلاث مرات فهل يفكر في الزواج لمرة الرابعة؟
أدركت جازلين أن قلقها لهذا الاحتمال هو ما جعلها تفكر في الزواج كثيرا.أرادت لأبيها السعادة و كذلك لغريس فقد أولعت بها و لكن هل أبوها رجل مناسب للزواج؟ لا يبدو عليه كذلك.توفيت أمها و هي في الخامسة من عمرها عرفت بعدها زوجتان لأبيها و سلسلة من الخالاتو عاشت في بيت مشحون بثورات الغضب و المشاحنات و الاتهامات المخيفة أحيانا إلى حد يدفع أباها إلى إبعادها إلى منزل جديها و كانت تعود أحيانا قبل أن تهدأ الأحوال .....و لذلك أدركت جازلين في سن مبكرة أنها لا تريد لزواج إذا كن على هذه الشاكلة.
كانت سعيدة بعملها في شركة لاتيمر و براون و هي تعلم بأا ستنال ترقية هامة في آخر العام لأن إحدى السكرتيرات ستتقاعد قريبا. وبما أن مهنتها تعنى بالكثير من قضايا الطلاق المؤلمة ، فقد فضلتها على زواج يقتصر حظه من السعادة على ستين في المئة حسب الإحصاءات.

أوقفت جازلين سيارتها أمام بيتها في ضواحي باكنغهام شاير، و دخلت و لاقاها أخشن كلاب العالم مظهرا
ـ هالو يا ريمي
و رحبت به بحرارة و تذكرت كيف انه دخل متمهلا منذ سنوات إلى بيتها و أظهر رغبة في البقاء
وضعت جازلين إبريق الشاي على النار فلا بد أن أباها سمع صوت سيارتها إن لم يكن مستغرقا في الرسم و سيأتي لتناول الشاي.
وجهت كلامها للكلب :
ـ أظنك تريد بعض البسكويت
و أخذ الكلب يحرك ذيله بشدة عندما سمع كلمة بسكويت.
أطعمته و كانت على وشك ان تضع إبريق الشاي في الحوض عندما لمحت سيارة فارهة متوجهة نحو المنزل.
فتمتمت :
ـ يا لها من سيارة باهظة الثمن

و ذلك بالرغم من أنها اعتادت رؤية زبائن أبيها و خاصة الأثرياء منم الذين يقصدونه ليرسمهم.
كان يمكن لأبيها أن يصبح ثريا أيضا لو أنه قبل برسم ل ما يطلب منه من لوحات شخصية و لكنه فضل أن يرسم ما يتماشى مع مزاجه و كانت النتيجة أنهما لم يصبحا من الأثرياء و إن كان هذا لا يعني أنهما يهتمان للأمر مثقال ذرة.

أخذ ريمي ينبح قبل أن توقف السيارة عندما توقفت رأت من النافذة رجلا طويل القامة أسود الشعر في الثلاثينات من عمره يرتدي بذلة قاتمة و كأنه قادم لتو من مكتبه.ثم صاحت بالكلب ليهدأ .

غادرت المطبخ و أغلقت الباب خلفها لتحجز الكلب. و في الردهة و لسبب تجهله وقفت أمام المرآة تتفقد مظهرها.وجدت أنها تمكنت و بشكل ما من المحافظة على أناقتها رغم نهار العمل الشاق، باستثناء عدد من شعيرات الكلب القاسية.
بلغ طولها 170cm و بدت رشيقة في ثوبها الأزرق. تأملت شعرها الأشقر الطويل الكثيف المحيط بعينيها البنفسجيتين و بشرتها التي وصفت ذات مرة بالمذهلة. و رن جرس الباب


يا ترى هو هذا الرجل؟؟؟؟ و ما الذي سيحدث مع جازلين؟؟؟

و رن جرس الباب و اندفعت لتفتحه بسرعة فعليها ألا تدع زبائن أبيها ينتظرون.
وقف بالباب رجل أطول منها بحوالي 20cm و فيما تسارعت دقات قلبها قليلا ابتسمت للقادم بعفوية منتظرة أن يعلن عن غرضه متكهنة به سلفا.
لكنه و على أية حال لم يفعل ذلك على الفور بل حدق بها متأملا سحنتها الجميلة و عينيها و فمها الجميل قبل أن يقول بأدب :
ـ أود أن أرى السيد بالمر
كان صوته دافئا ساحرا يبعث الاضطراب في نفس من تسمعه
لقد شعرت فعلا بتسارع دقات قلبها لكنها ردت بحزم:
ـ لن يتأخر أبي هل تريد أن تتفضل و تنتظره
ـ شكرا
سارت جازلين أمامه قبل أن تنتبه أنها و لفرط تعبها نسيت أن تسأله عما أذا كان على موعد مع أبيها.
نوت أن تصحح هذا الخطأ حال دخولهما إلى غرفة الجلوس لكن رنين الهاتف منعها من ذلك.
فتحت باب الغرفة وهي تخاطب الزائر برقة قائلة:
ـ تفضل بالجلوس ريثما أجيب على الهاتف
ثم استدارت لترفع السماعة قائلة بمرح :
ـ آلو
وسرعان ما تبدد مرحها حين سمعت صوت توني جونستن الملهوف.
لقد خرجت معه اليلة الماضية و لآخر مرة و ظنت أنه أدرك من برودة تصرفاتها عندما راح يتصرف كعاشق ولهان أنها لن تخرج معه مرة أخرى لكن لا بد أنها أخطأت.
قال بحماسة:
ـ كنت واثقا من أنك وصلت إلى البيت
فأجابت:
ـ وصلت لتوي
ـ هل سأراك اليلة؟
آه تبا يبدو أنه لم يفهم فردت بأدب :
ـ لا مع الأسف
ـ غدا؟
عليها أن تكون فظة و أرغمت نفسها على القول :
ـ آسفة يا توني لقد استمتعت بصحبتك و لكن لن أخرج معك مرة أخرى
ساد صمت مطبق ما لبث أن خرقه صوت شبه باك :
ـ جازلين لقد ظننت أن هناك شعور ما بيننا

و تمسكت بموقفها لقد أعجبها في البدأ و إلا لما خرجت معه كما كانت تكره أن تجرح شعور أي إنسان لكن ما هذا الاضطراب الذي يبدو عليه و هي لم تخرج معه سوى أربعة مرات!
قالت له بلطف :
ـ آسفة لأن هذا غير صحيح
ـ ولكن كنت أفكر بعلاقة طويلة الأمد!
بدا هذا جنونا فهما بالكاد يعرفان بعضهما
ـ انا آسفة إذا تكون لديك مثل هذا الانطباع
ـ ظننت أننا قد نفكر بالخطوبة بعد عدة لقاءات
ـ الخطوبة!
تفكيره بالزواج جعل شيئا ما في داخل نفسها الرقيقة يتجمد.
ـ لم يكن هذا واردا على الإطلاق بيننا يا توني
ـ لقد جرحت شعورك الليلة الماضية و لكنك كنت جميلة للغاية.....
كان هذا سخيفا! فأوقفته جازلين قائلة:
ـ اسمع يا توني كما قلت لك لقد استمتعت بصحبتك و لكن لن أخرج معك مرة أخرى
ـ و لكن....
ـ ولكي احتفظ بالذكريات الحلوة عن لقاءاتنا أرجوك لا تتصل مرة أخرى
ـ ولكن أريد أن أتزوجك
بعد أربع لقاءات!
ـ انا آسفة جدا و لكن لا أريد أن أتزوجك
ـ جازلين!
ـ وداعا يا توني
ـ هل ستتصلين بي إذا غيرت رأيك؟
ـ طبعا
أجابته بذلك رغم علمها بأنها ن تفعل ذلك
و اعتبرت سؤاله كلمة وداع فأغلقت السماعة وهي تشعر بالحزن و الضيق
ثم استدارت و إذ بها تصعق لما ترى!!!!
لقد محا طلب الزواج الذي تقدم به توني من ذاكرتها أن زائرا ينتظر أباها و لو تذكرت ذلك اطمأنت إلى دخوله إلى غرفة الجلوس و أغلقت الباب لكي لا يتناهى إلى مسمعه حديثها.
لكن هذا لم يحدث فالرجل الغريب و بعد أن تجال دعوتها للدخول لم يتزحزح قيد أنملة من حيث تركته إنما بقي واقفا يستمع بتمعن إلى كل كلمة قالتها و إلى رفضها لعرض توني جونستن!!
و ليثبت أنه ليس أصم..و دون أن يعتذر و لو بكلمة عن إصغائه الوقح لحديثها ، قال معلقا بالوقاحة نفسها :
ـ غير مهذب
شعرت جازلين بالانزعاج و الاحمرار ، وتمنت لو أنها تذكرت ما قالته حرفيا.
ـ اضطررت لقول هذا
جاء ردها أشبه بالاعتذار رغم أنها تمنت أن تقول له أن يهتم بشئونه الخاصة. لكنها تذكرت في الوقت المناسب أن هذا الرجل زبون أبيها.
و قال بجرأة :
ـ أكنت مضطرة حقا؟؟
لم تكن تنوي مواصلة الحديث إنما شيء ما في هذا الزائر أو لعل ميلها للصراحة دفعها إلى أن تجيب :
ـ إنه ذنبي كان من المفروض أن أتوقع هذا لكن يبدو أني لم أنتبه إلى الدلائل
ـ الدلائل؟
فحدقت به جازلين ، إنه يدرك ما تعنيه ، إنما يبدو أنه يريد معرفة كافة التفاصيل.لكن لماذا تجيبه على سؤاله؟
ـ بعد أربعة مواعيد أخذ يتحدث عن الزواج.ما كان علي أبدا الخروج في ذلك الموعد الرابع فأنا نادرا ما أفعل ذلك
ـ و هل تنهين علاقاتك عادة بعد ثلاثة مواعيد؟
لم تصدق أنها تناقش هذا الأمر معه و أنها تجيبه من جديد :
ـ نعم إلا إذا كان شخصا أعرفه منذ وقت طويل و يعلم أني لا أهتم بالاستقرار
و همت بتغيير الموضوع بأدب إذ شعرت بأنها أكثرت من الكلام و لكن يبدو أن الرجل الغريب لم ينته بعد.
ـ ألا يهمك الزواج؟
حملقت فيه و لم تدري هل عليها أن تضحك أم تبكي.
ـ الزواج فكرة جيدة بالنسبة لأي شخص آخر.
ـ ولكن ليس بالنسبة لك؟
خاض في الموضوع أكثر مما ينغي و لم يعجبها ذلك..فهي لا تعرفه.
و عندما لم تجب عاد ليسألها :
ـ هل تداوين قلبا جريحا؟
و لم تستطع إلا أن تضحك بصوت خافت مبرزة أسنانها الرائعة المنتظمة و همست لنفسها:
ـ لا فائدة
لم تعرف كيف تتصرف مع هذا الرجل الذي يضحكها دون جهد في حين أنها مستاءة حقا. حدق فيها و بان عليه الإعجاب بأساريرها المشرقة.راحت تتساءل عن السؤال الذي سيطرحه الآن، حين سمعت أصواتا تنبئ بقدوم أبيها ، فقالت بأدب:
ـ أرجو المعذرة
و أدركت أنه هو أيضا شعر باقتراب شخص ما. قابلت أباها في آخر الردهة و تمتت :
ـ لديك زائر.
قرت أن تخرج الكلب في نزهة فصعدت إلى غرفتها لتغير ملابسها، و ارتدت بنطلونا و كنزة.
غابت جازلين عن البيت قرابة الساعة و حين عادت توصلت إلى قناعة حول جرحها مشاعر توني.فصحيح أنها خرقت القاعدة التي وضعتها لنفسها وخرجت معه للمرة الرابعة، لكنها لم توهمه و لو للحظةبأنا تكن له مشاعر معينة. و لو أظهر لها أن مشاعره نحوها تتعدى مشاعر شخصين يستمتعان بوقتهما معا لرفضت الخروج معه الليلة الماضية.
لم تر أثرا للسيارة الفخمة أمام البيت ، لكنها لم تتوقع رؤيتها.
ـ هل شربت الشاي؟
طرحت هذا السؤال على أبيها ، حين رأته يتصفح مجلة فنية في غرفة الجلوس، و اعترفت لنفسها بأنه لم يكن أول سؤال خطر لها.
السؤال الأول الذي لم تطرحه ، أجاب عليه أبوها من تلقاء نفسه ، حين سألها :
ـ أتعرفين من كان الزائر؟

eman123
20-04-2006, 21:16
ـ زبون؟
فهز إدوين بلمر رأسه ، وأجاب: إنه هولدن هاتاواي
هولدن هاتاواي؟ بدا لها هذا الاسم مألوفا ، فسألته : أين سمعت هذا الاسم من قبل؟
ـ كنت لتسمعي به و أن شركتك تتعامل مع شركة مشاريع زورتك إنه عضو في مجلس إدارتها..ولكن...
ـ مشاريع زورتك؟
لم يعن لها هذا الاسم شيئا.
ـ هي جزء من مشاريع ضخمة متنوعة..تتعلق بالهندسة ، و التصميم...
أجابها أبوها عن سؤالها بغموض ، وقد بدا أن معلوماته لا تزيد كثيرا عن معلوماتها.
قالت و قد راودها إحساس غامض: و هل يفترض بي أن أعرف اسمه؟
ـ لا بد أنك سمعت غريس تذكر اسمه.
هذا صحيح ، لم ترزق غريس بأولاد ، لكن لها ابن أخت.
ـ إنه ابن أخت غريس الذي تفكر به كثيرا.
لقد تذكرت الآن ، م تأت غريس على ذكر شهرته قط ، لكنها رددت اسمه مرين أو أكثر ، هولدن ، أثناء الحديث عن تقديمه خدمة ما لها.
و تابعت قبل أن يستطيع الرد ، ظنا منها أن غريس أقنعت أباها بذلك:
ـ ما الذي كان يفعله هنا هل سترسم صورته؟
ـ آه ، كلا.كما أشك في أن يتمكن من البقاء ساكنا لمدة طويلة إلا إذا كان أمامه كومة من المعاملات ، فهو رجل مشغول جدا.
إذا كان مشغولا إلى هذا الحد فلماذا زار أبيها إذا؟ سألت والدها بسرعة:
ـ هل غريس بخير؟
شعرت بالعطف على صديقة أبيها ، وبالقلق أيضا.
ـ غريس بخير وهي تمضي بعض الوقت في منزل شقيقتها الكبرى ، والدة هولدن. لقد بحث عن رقم هاتفنا بالدليل ليتصل بنا ، لكنه عندما رأى عنواننا أدرك أنه سيمر من هنا اليوم. و بما أنه يعرف أن خالته في كورنوال فكر أن يزورنا شخصيا.
لم تفهم جازلين شيئا ، فسألته : و لما لا يريد أن تكون غريس هنا عندما يأتي؟
ـ لأن عيد ميلادها يصادف بعد أسبوع ، كما تعلمين. و قد اعتاد أن يصطحبها إلى سهرة في مكان ما يوم عيد ميلادها.
سألته جازلين و قد خمنت أن هولدن يريد أن يستشير أباها في الأمر:
ـ هل يخطط لمفاجأة ما؟
ـ لا، لا.يبدو أن غريس قد حدثت أختها عني ، و عن علاقتنا التي تتقوى وما بعد يوم ، مما جعل هولدن يتساءل عما إذا كنت سأستاء في حال وضعت خطة ما لعيد ميلادها.
فقالت بإعجاب : هذا تصرف حسن منه. و أنت هل خططت لشيء ما؟
ـ بالنسبة لها؟ حسنا كنت أخط للخروج مع غريس لتناول العشاء في مكان ما.
ـ و هل أخبرته بذلك؟
ـ نعم
ـ و ماذا قال؟

eman123
20-04-2006, 21:18
ـ سألني على الفور عما إذا بإمكانه أن يدعونا نحن الأربعة ، فأجبته بأن هذا يسرني جدا.
و ابتسم أبوها الذي كان نحيلا معتدل الطول ثم أضاف: هل يناسبك هذا يا جازلين؟
ـ نعم لا بأس في هذا.إلى أي مطعم ستذهبون؟
ـ قلت نحن الأربعة مما يجعلك واحدة منا.
قالت له بدهشة : أنا؟
ثم ابتسمت له وتابعت تقول : آسفة! عندما قلت إنكم الأربعة ، ظنت أنك تعني أنت و غريس و هولدن هاتاواي و زوجته.
ـ إنه عازب و لم يتزوج قط. لا يبدو لي بعيدا عن أجواء اللهو و التسلية.
و تذكرت جازلين الرجل. عينان رماديتان ثاقبتان فك حازم و ذلك الفم..نعم إنه ساخر هازل لكنه و الحق يقال جذاب للغاية.
و سألها أبوها :
ـ هل ستأتين؟
فأجابت دون تردد :
ـ يسرني هذا جدا
لم تكن تعلم ما إذا علم هولدن بوجودها من قبل ، و ما إذا كانت فكرة اضافتها الى لائحة المدعوين على العشاء وليدة ساعة لكن حتى وان لم يشأ ابوها ان تكون معهم فهي تحب غريس وتود ان تحتفل معها في عيد ميلادها.

وفي الايام التالية وجدت نفسها تفكر غالبا فيه وهذا مااستغربته.فقد كان لديها العديد من الاصدقاء من الجنس الاخر ولم يكون من عاداتها التفكيربهم لكن هولدن اختفى من ذهنها يوم السبت عندما تلقت رسالة من توني يخبرها فيها بانه يحبها و يطلب منها الاتصال به

شعرت بأنها لن تستطيع الاتصال به فكتبت إليه تخبره برقة بأنها لا تحبه و أنها أركت بأنها لن تحبه أبدا رغم استمتاعها بصحبته.
لكن مساء الاثنين اكتشفت أن رقتها شجعته و منحته الدفع الذي يتطلع إليه فاتصل بها. كانتقد وصلت لتوها منالعمل و لم تكد تحيي غريس التي عادت عصر ذلك اليوم و وقفت في المطبخ تحضر طعاما لذيذا حين رن جرس الهاتف.

و طال الاتصال من جانب توني على الأقل و لكن كلما طال حديثه كلما شعرت هي بالبرودة نحوه ما أرغمها على إنهاء الحديث بعد أن كررت له بأنها لن تخرج معه مرة أخرى قائلة:
ـ أنا آسفة يا توني أنا مشغولة الآن عندنا زائرون.

ونظرت الى غريس تلتمس عذرا.وعندما وضعت السماعة وجاءت لتقف قربها قالت:
ـ يبدو عليكي القلق هل بامكاني مساعدتك؟

eman123
20-04-2006, 21:19
هزت جازلين راسها وابتسمت وهي ترى نظرات الاهتمام في عينيها ثم سألتها بمرح :
ـ كيف يمكن التخلص من عريس لا تريدينه دون ان تجرحي مشاعره؟

لا اعرف اية طريقة تزوجت وانا عمري 18 سنة من كي لا اغليك بيبي في وجه الخاطبين وامضيت بعد ذلك ذلك 30 عاما اتعلم الندم
و زمت شفتيها بجفأ فاندفعت تعتذر اسفة ابتسمت المرأة وقالت لا تاسفي فالآلام انتهت يمكنني ان أتحدث الى آرشي الان دون ان اشعر بالغضب فأسرعت تقول:
ـ اما زلتم على اتصل هل لديكي مانع من هذا السؤال

ـ أبدا و نعم ما زلت على اتصال معه. لا يمكنني مهما كان آرشي سيئا أن أبتر من حياتي ثلاثين عاما أمضيتها و نا أحاول إنجاح زواجنا ثم أتابع حيتي و كأنني لا أعرفه. و لكن آرشي هو لذي يتصل و ليس أنا و خاصة عندما يواجه مشكلة ما.

قاطعهما دخول أبيها:
ـ كيف حال اجمل فتاتين عندي؟
و رأته جازلين سعيدا
أخذت القلب في نزهة وتوقعت ان يشغل بالها توني المزعج ولكن وجدت نفسها تفكر في هولدن لم تعرف السبب ولكن الم يكن عليه ان يعرفها بنفسه بدلا من ان يجعلها تظن بأنه من زبائن أبيها؟
ولكن! لماذا يعرفها بنفسه ما دام كاد جاء لرؤية أبيها فقط؟ انما هي مدعوة على العشاء ايضا.هولدن لم يعلم خطط أبيها قبل مقابلته ومع ذلك هذا ليس سبب يمنعه من ان يقول انه ابن اخت غريس.
أخذت جازلين تتساءل عما إذا كان عليها أن تتخذ مهنة أخرى فقد علمها العمل في شركة المحامين ان لا تأخذ الامور بظواهرها فقط!
عادت إلى البيت و هي تقاوم شعورا بالسوء.




كانت غريس تمضي عندهم بضعة أيام و جازلين استمتعت بصحبتها بقدر أبيها كانت تشعر بالسرور عندما تعود من العمل لتجد غريس في البيت هادئة رقيقة حنون و قد أعدت أطباقا لذيذة شهية.كما أنها وجدت صديقة تثق بها و تشي إليها توني الذي أصبح مزعجا للغاية

و قد نصحتها غريس تمضي شهرا أو أكثر في تحمله حتى يمل و إن وجدت جازلين ذلك بغيضا و لا يمكن احتماله لكن الحديث مع غريس أراحها كثيرا.

eman123
20-04-2006, 21:20
طردت جازلين هولدن من ذهنها.إنه رجل ساحر محنك و لعله في محيطه لا يحتاج لإزعاج نفسه بمثل هذه التفاهات كأن يكشف عن هويته و عما في ذهنه لاي انسان. حتى و لو كان ذلك الإنسان بنت صديق خالته.

يوم الجمعة تأخرت جازلين في مكتبها و مع ذلك تمكنت من إعداد نفسها للسهرة.

اكتشفت أن العشاء سيكون في مطعم أبيها المفضل و هو الليندن و صاحبه ريكس ألفورد و هو رجل مطلق في الثلاثين من عمره من أصدقاء جازلين القدامى و هي غالبا ما تراه في الحفلات خرجت معه مرتين و رفضت دعوته الثالثة لكنهما بقيا صديقين.
و ريكس ن أسرة ثرية إذ أن أباه اشترى له المطعم كما أنه رجل اعمال متمرس فقد تفاوض مع أبيها لكي يعرض له لوحاته في المطعم.

أخذهم هولدن في سيارته إلى المطعم كانت جازلين في غرفتها عندما وصل و شعرت بأن جعله ينتظر أمر غير لائق فنزلت بسرعة.

بدت غريس جميلة في ثوبها الكحلي اللون الانيق.كما شعرت جازلين بشعرها الأشقر الباهت المنسدل على كتفيها و ثوبها الأسود الذي اشترته خصيصا لهذه المناسبة بأن منظرها جميل أيضا.
و عندما نظرت في عيني هولدن الرماديتين الرقيقتين شعرت بالحاجة إلى معرفة رأيه بمظهرها
و قال أبوها يقدمها:
ـ انت تعرف ابنتي جازلين؟
ـ طبعا
و مد يده يصافحها و شعرت بدفء يديه ثم انسحبت لإطعام الكلب لانها ستتركه.
استعد الجميع للخروج.
كانت غريس ضيفة الشرف إلا أن جازلين وجدت نفسها جالسة في المقعد الامامي بجوار السائق. و عندما التفتت لتعلق على الامر رأت غريس الجالسة في المقعد الخلفي ممسكة بيد أدوين بالمر وملامح الرضا مرتسمة على وجهها.

علق أبوها على الطقس ، و أشارت غريس إلى مدى حسن حظها فهدايا عيد ميلادها كانت مدهشة. و سألها هولدن :
ـ هل كنت تعلمين بأن السيد بالمر يرسمك؟
ـ أبدا! علمت أن أدوين وضع الخطوط لرسمي. لكن اللوحة شكلت مفاجأة رائعة جدا لي.

عكس صوت غريس سعادتها ، وشعرت جازلين بسعادة بالغة من أجلها ، كما كانت اللوحة مفاجأة لها هي أيضا.... لكنها أظهرت عمق شعور أبيها نحو غريس ، إذ أنه لم يرسم صورة لامرأة إلا لقاء أجر.

قدمت جازلين لها ديوان شعر صغير كانت تعلم أنه المفضل عندها ، كما علمت أن هولدن أهدى خالته قطعة فنية من الخزف الممتاز المنقوش كانت قد أظهرت إعجابها بها منذ شهرين.

لكن اللوحة شكلت محور الحديث حتى وصوا إلى المطعم. و لم تكن جازلين تتوقع رؤية صاحبه ، فهي تعلم أن ريكس ألفورد يستخدم موظفين ممتازين ليترك المطعم مساء الجمعة و يعيش حياته.

لكن ما إن دخلوا حتى تقدم صاحبه نحوهم ، ليحييهم ، أو بالاحرى جاء ليحييها هي ، وهتف قائلا:
ـ جازلين بالمر لم أكن أعلم أنك حجزت مائدة لهذه الليلة!
فأجابته :
ـ أنا لا أخبر أي إنسان.
و قبل وجنتها معلقا :
ـ أما زلت حرة تنتقلين كالفراشة هنا و هناك؟
ثم أضاف و هو يتأملها بتمعن :
ـ ألم ينجح رجل ما في الامساك بك؟
فضحكت ، وردت :

eman123
20-04-2006, 21:21
ـ لا أخرج أبدا دون حذاء للركض.
ـ أتدركين أنك حطمت قلبي؟
كانت تحب ريكس رغم عبثه ، فأجابته على الفور :
ـ أنا واثقة من أن جرحك سيلتئم.

و شعر يد حازة تمسك بذراعها ، فنظرت إلى صاحب تلك اليد ، و رأت أن هولدن ينتظر بفارغ الصبر لتنهي حديثها كي يتابعوا طريقهم إلى مائدتهم. و لم تعرف إذ عليها أن تسخط أو تدهش أو تعتذر. لكن قبل أن تستقر على رأي ، شاهدت أباها يتكلم ، وهو يشير إلى اللوحات المعروضة في المدخل موضحا أنها مرسومة بريشته.

بعد ذلك استقروا جميعا حول المائدة ، وأمامهم المقبلات. أخذت جازلين تقرأ قائمة الطعام التي وضعها النادل في يدها و في نفسها شيء من الاستياء من هولدن هاتاواي. لا بأس ، ربما لانه المضيف ، و لان خالته ضيفة الشرف عليها أن تقنع بمركز متواضع... لكنها تبادلت بعض التعليقات و حسب مع ريكس ألفورد و لثوان معدودة.. فلماذا تدخل هولدن هاتاواي لافتا النظر إلى تصرفاتها؟

حسنا ربما بدا ريكس ألفورد مسرورا بالوقوف و التحدث معها طوال الليل ، لكنها عادته.. و هو لا يني شيئا بذلك.. على أي حال ، ماذا في ذلك؟ فهذا ليس من شأن هولدن الذي أخذ على عاتقه مسؤولية تصحيح تصرفات الناس.

و عندما أدركت أن انفاعلها يزداد خصوصا ضد هولدن هاتاواي ، سيطرت على نفسها. حفلة العشاء هذه مخصصة لغريس ، ولا ينبغي أن تفسدها ، كأن تظهر الجفاء لمضيفها.

eman123
20-04-2006, 21:22
الأمـــيـــرة

و رفعت بصرها عن القائمة لتلاقي عيناها عينين رماديتين ثابتتين ، عينا الرجل الذي كان تشعر نحوه بالتمرد. كانت نظراته باردة ، و بدا واضحا أنه لا يهتم مثقال ذرة لجفائها. و أجفلت جازلين حين أدركت أنه لم يسبق لاحد أن عاملها بمثل عدم الاكتراث هذا ، رغم أنه حافظ على تهذيبه معها.

سألها بأدب:
ـ هل اخترت ماتريدين؟
لم تكن تكترث بتغيره من الظرف البالغ إلى التهذيب الصرف. و أجابته بتهذيب مماثل لادبه :
ـ أظن أن السمك يناسبني.
قالت ذلك دون أن تقرأ القائمة ، فلا بد أن معظم المطاعم تقدم المأكولا البحرية مساء الجمعة.

بعد ذلك حول هولدن هاتاواي انتباهه إلى خالته. و من أجل خالته و حبها لها ، طردت جازلين من ذهنها الافكار الثائرة و رأيها بهولدن. و أثناء تناول الطعام ، اكتشفت أنها نسيت كل عدائيتها تجاهه و أخذت تتصرف بشكل طبيعي.

لم تعرف إذا كان يتصنع الظرف بسبب عيد ميلاد خالته. و بعد فترة ، أدركت جازلين أنها لا تستمتع و حسب ، بل نسيت كليا مشاعر السخط التي أثارها فيها هولدن.

استمتعت بصحبته و شعرت أنها تحب روح النكتة فيه ، كما وجدت نفسها تضحك لبعض القصص الشيقة التي سردها. ثم اكتشفت ، عندما نظرت إليه في إحدى المرات ، أن عينيه ترمقانها بدفء أكبر من السابق و هو يرى فمها الضاحك و عينيها المرحتين.

حول نظراته فجأة ، فسرها ذلك. لم تعان ، من قبل ، من تسارع خفقات قلبها. لكن نبضات قلبها كانت تخفق بسرعة فعلا ، وعليا أن تنتبه لذلك!
و بعد لحظات ، ساورها الشك في أن يحدث لها هذا. و عندما تناولوا القهوة ، كانت واثقة من أن سبب تسارع دقات قلبها يعود إلى البهار في الصلصة.

تذكر أبوها فجأة شيئا ما ، فقال مخاطبا إياها :
ـ بالمناسبة ، نسيت أن أخبرك. تلقيت مكالمة هاتفية قبل أن تعودي إلى البيت من العمل.
و كان لدى جازلن فكرة عن المتصل فانقبض قلبها ، قبل أن يضيف :
ـ إنها من شخص يدعى توني كما أظن.

و انتبهت جازلين إلى الثلاثة الذين يحدقون إليها. غريس التي تعرف كل التفاصيل عن توني جونستن ، أبوها الذي يجهل كل شيء ، و هولدن هاتاواي الذي كان موجودا حين طلبت من توني عدم الاتصال مرة أخرى.
و تابع أبوها يقول :
ـ قال إنه سيتصل مرة أخرى ، فأعلمته أننا سنخرج الليلة و أنك قد تتصلين به.
قالت له بهدوء و هي تعلم بأنها لن تنفعل :
ـ شكرا يا أبي.
لم تستطع أن تقاوم رغبتها في إلقاء نظرة على هولدن. وكان يتأملها ، لكنها لاحظت من ملامحه أن موضوع توني لا يثير اهتمامه على الإطلاق. بدا جليا أن الامر بالنسبة إليه ، لا يتعدى كونه سمعها ذات مرة تقول لشخص اسمه توني إنها لا تريد أن تتزوجه ، فنبذ الموضوع من ذهنه لتفاهته و نسي كل شيء عنه بعد ذلك.

لكن هولدن هاتاواي رجل لا ينسى ، و قد برزت هذه الحقيقة عندما دفع الحساب و نهضوا لمغادرة المطعم. كانوا في طريقهم إلى الباب و قد سبقهم هولدن و فتحه لخالته ، عندما رأت غريس لوحة لأدوين بالمر لم تكن قد رأتها من قبل. و في الوقت نفسه لمحت جازلين ريكس ألفورد قادما نحوهم.
أمضت جازلين أمسية رائعة فلم تشأ أن تفسدها بملاحظة فظة.
و هكذا ، وخوفا من أن تتهم مجددا ، و بصمت ، بنسيان أصول حسن التصرف ، أصرت على الخروج.

eman123
20-04-2006, 21:23
قالت له بعد أن أصبح من القرب منها بحيث لم تستطع تجاهله :
ـ تصبح على خير يا ريكس ، كان الطعام لذيذا.

ثم خرجت بسرعة من الباب. و تأوهت على الفور بصوت مرتفع عندما برز توني جونستن من الظل حيث ن ينتظرها على ما يبدو.
ـ لماذا لم تتصلي بي؟ قال أبوك إنك ستفعلين.
يبدو أن أباها أخبره أيضا عن مكانهم.
ـ توني أنا...
و أدركت أنها لم تغادر المطعم وحدا حين سمعت صوت هولدن يقول بهدوء:
ـ هل ستقدميني إلى صديقك ، يا جازلين؟
فقال توني بلهجة عدائية ، قبل أن تتمكن من تمالك نفسها :
ـ أنا حبيبها
و رد هولدن باختصار :
ـ ليس الليلة ، الآنسة بالمر برفقتي الليلة!
ـ لكنني انتظرت هنا لكي....
أخذ توني يحتج ، لكن هولدن لم تكن له أي نية للنقاش. و قبل أن ينهي توني كلامه ، أمسك بذراعها ، و جرها نحو موقف السيارات ، فرأت خيبة الأمل ترتسم على وجه توني.
أغاظ تصرفه جازلين ، فقد اعتادت أن تتخذ قراراتها بنفسها.
و قالت له بحدة و هما يقفان قرب سيارته الفخمة :
ـ لم يكن ذلك ضروريا.
و فهم توني على ما يبدو أن وجوده غير مرغوب فيه ، إذ لم يعد له أثر.
ـ ألم أسمعك منذ تسعة أيام ، تخبرين (حبيبك) هذا أنه أصبح حبيبك سابقا؟
إنه إذن يتذكر!
ـ لا علاقة لهذا بالأمر ، فقد جرحته. كان بإماني أن أعامله برقة أكبر!
ـ لهذا السبب ما زال يحوم حولك. أما زلت تعلقين الساذج المسكين بحبائل الامل؟
الساذج المسكين! لأن توني يريد أن يتزوجها!
ـ أعلقه بحبائل الامل؟ كنت صريحة معه....أنا...
فقال هولدن بحدة :
ـ وهكذا كنت أنا!
ثم أضاف بنعومة :
ـ سامحيني إذا ا بالغت في حمايتك ، ظننت أنك...
هتفت عندما اتضحت أمامها الصورة :
ـ بالغت في الحماية!

لم تكن تفكر في نفسها ، بل حصلت على جواب السؤال الذي ظل يعتمل في ذهنها طوال الايام التسعة الماضية ، و أضافت بحدة و بلهجة اتهامية :
ـ أنت تبالغ في حماية خالتك أيضا ، أليس كذلك؟
ـ خالتي!
ردد هذه الكلمة و كأنه لم يفهم ما تقصده ، أو تغير الحديث المفاجئ.
لكن جازلين لم تشك لحظة في أنه يعي تماما ما تقوله.

قالت تتهمه و قد جرحت كرامتها من أجل أبيها ، وشعرت بارتباك عظيم في أعماقها :
ـ إن زيارتك يوم الاربعاء الماضي لم تكن من أجل حفلة عيد ميلاد غريس ، بل لتعاين أبي! لتتفحص أحواله ، لتتحرى عنه ، و لتخضعه لفحص شامل.
و سكتت لحظة لتلتقط أنفاسها و هي تحملق فيه. و في موقف السيارات المضاء أخذ هولدن يبادلها التحديق. لم يحول نظراته كما لم يبد عليه أي خجل أو ارتباك ، بل سألها :
ـ و ماذا في ذلك؟
فانفجرت تقول:
ـ أت حقر. كيف تجرؤ على دعوة أبي على العشاء؟ كيف تجرؤ على دعوتي أنا أيضا؟
قال بحزم :
ـ أجرؤ لان مصلحة و سعادة خالتي تهمانني ، لا سيما بعد ما عانته في الماضي.

و حول نظراته الغاضبة عنها حين سمع صوت خالته غريس و أبيها و رآهما قادمين نحوهما ، ثم أضاف بصوت خافت عدائي:
ـ وإذا كنت تراعين أحاسيس خالي كما يبدو عليك ، لكبحت طبعك المتهور هذا و سمحت لهذا الاحتفال بعيد ميلادها بأن ينتهي بالسعادة نفسها كما بدأ.

نظرت إليه جازلين بازدراء لم يترك فيه أي أثر... ثم تحولت عنه. يا له من متغطرس! أرادت أن تؤلمه أكثر ، لكن تبا له ، فقد كان على حق ، إنه عيد ميلاد خالته. و عندما فتح لها الباب الامامي لتركب ، فتحت الباب الخلفي و صعدت. لم تكن لتحتمل فكرة الجلوس قرب هذا الرجل الذي لا يطاق و الذي يريد ماية الآخرين!

****************

eman123
20-04-2006, 21:24
الجزء الثاني:
كأنها عمته العانس





مندفعة متهورة.. هي؟ منذ عرفته فقط... فكرت جازلين في ذلك ساخطة مرارا أثناء عطلة نهاية الاسبوع . و هي لا تتذكر أنها انفجرت مرة غضبا كما حدث معه.

لكن أليس لديها سبب لذلك؟ يا للشيطان المتغطرس!
"الآنسة بالمر معي الليلة"
هذا ما قاله بالصبط و كأن عليها أن تشكره لذلك! من يظن نفسه ذلك المتغطرس؟ لم تعرف قط أنها مندفعة و متهورة حتى تعرفت إليه!

كانت جازلين منحرفة المزاج ، و متضايقة للغاية عندما راح توني يزعجها باتصالاته الهاتفية يومي السبت و الاحد.
ـ اسمع يا توني ، عليك أن تكف عن الاتصال بي ، أو عن مراسلتي.
فقال بلهجة الاتهام :
ـ لديك حبيب جديد الآن ، و لا يهمك أني أتعذب بسببك.
ـ توني أرجوك! لا أريد أن أجرح مشاعرك ، صدقني. لكن لا فائدة من حديثنا على الإطلاق.
و سكتت ، ثم أخذت نفسا عميقا و قالت برقة:
ـ لن أخرج معك مرة أخرى.

لم ينفعها ما قالته ، إذ اتصل بها مجددا نهار الاثنين. كما اتصل بها ذلك المساء عند عودتها.

أما أبوها ، المستغرق في عالمه الخاص ، فلم يكن يعلم شيئا عما يدور حوله.

كانت غريس في المنزل عندما وصلت جازلين يوم الاربعاء ، وحين رن جرس الهاتف ، ارتسمت على وجهها نظرة فريسة أدركها الصياد.

فسألتها غريس بلطف:
ـ هل ما زال توني يتصل بك؟
فأجابت جازلين بقلق:
ـ نعم......يوميا ، علي أن أجيبه أنا و إلا سيزعج أبي.
ـ هل أجيب أنا؟

كان العرض مغريا ، لكنها هزت رأسها و تمنت لو تقتنع بما قالته غريس عن أنه سرعان ما سيتعب عن ملاحقتها. لكن يبدو أن ما من أمل في ذلك بل إن الامر يزداد سوءا مع الوقت. كان الاتصال من توني ، و عادت منه جازلين مرهقة المشاعر.

قالت غريس و هما يتناقشان في الامر:
ـ ما أنت بحاجة إليه هو أن تغادري البيت لفترة.
ـ يا للسعادة!

فكرة أن تبقى بمكان لا يمكن لتوني أن يصل إليه بدت كالنعيم و ألحت غريس عليها :
ـ ألا يمكنك أن تأخذي إجازة لايام من العمل؟
ـ أظن أن بإمكاني ذلك ، لدي الكثير من الإجازات المتراكمة.

يمكنها أن تذهب إلى منزل جديها ، لكنها أمضت عطلة نهاية الإسبوع معهما مؤخرا.
على أي حال بدى لها اختفاؤها بشكل مفاجئ عملا جبانا.
فقالت:
ـ أنا واثقة من أنه لا يحبني فعلا. كل ما في الامر نه يريد التأكد من حقيقة الامر لانه سبق و خطب مرات عدة. أنا واثقة من أنه ، و كما قلت أنت ، سيتعب في النهاية.

و تساءلت عما تراها تحاول أن تقنع.
ـ ألا تظين أن عليك أن تخبري أباك؟
فهزت رأسها ، و ردت :
ـ لا حاجة لان نقلق جميعا ، و ما كنت لاقلقك ، لولا أنك......
فأكملت غريس جملتها:
ـ كنت هنا و شاهدت مدى انزعاجك من ذلك.

ازدادت المودة بين جازلين و غريس.
كانت في مكتبها صباح الخميس عندما راحت تفكر في هولدن هاتاواي . لقد حدث هذا من قبل ، إذ كان يتسلل إلى أفكارها من حين إلى آخر... لكنها اليوم استطاعت أن تفكر فيه دون أن تغضب.

أقرت بأن تصرفها اتسم بشيء من الاندفاع و التهور ، و احتاجت ما يقارب الإسبوع لكي تهدأ و تدرك أن هولدن على حق. كانت غريس رقيقة عذبة ، و بما أنها تزوجت رجلا عابثا و زير نساء و بقيت معه لثلاثين عاما قبل أن تطلب الطلاق ، فهذا يظهر أنها إما ساذجة ، و إما دون كرامة ، أو ربما الاثنين معا. و لو كانت غريس خالتها ، أما كانت جازلين ، لترغب في التأكد من أي علاقة طويلة الامد ، كالزواج مثلا ، ترتبط بها خالتها؟

كانت جازلين تعلم أن غريس من أسرة ثرية. و لم يكن أبوها فقيرا ، لكنه لم يكن ثريا أيضا. و بدا جليا لكل من رآهما معا أن غريس و أباها مرتاحان و قانعان ببعضما إلى أقصى حد. ليس هناك مهرب من حقيقة أن إدوين بالمر الذي تزوج ثلاث مرات ، كان على علاقة بكثير من النساء ، و لم تكن علاقاته تدوم طويلا. كانت النساء تحبه ، و واضح أن غريس تثق به.
لكن جازلين وحدها يمكن أن تؤكد ، لمن يهمه الامر ، أن أباها ، رغم حبه للنساء ، ليس مخادعا ، و لن يكذب يوما على امرأة أو يخدعها.

توجهت من مكتبها إلى بيتها ذلك المساء ، و قد شعرت بأنها عادت إلى طبيعتها ، رغم تخوفها من تلك المكالمة الهاتفية التي كانت واثقة من أنها ستتلقاها ، وقد حدث ذلك. و عندما أخرجت الكلب للنزهة ، لم تفكر في توني بل بذلك الرجل الذي اتهمها ، يوم الجمعة الماضية ، بالاندفاع و التهور.

عادت غريس إلى بيتها صباح يوم الجمعة. و وصلت جازلين من مكتبها ذلك المساء متأخرة بعض الشيء ، فسمعت الهاتف يرن. أطعمت الكلب ، آملة أن يتوقف رنين الهاتف لكن ذلك لم يحدث. و خوفا من أن ينزعج والدها ، رفعت السماعة.
قالت بحدة:
ـ نعم
لم تكن تعرف إلى متى ستتحمل هذا الامر ، فقد تملكها الإرهاق من توني جونستن و أفعاله!
ـ هل أعيد الاتصال في وقت آخر؟
طرح السؤال صوت رقيق لم يكن صوت توني لكنها عرفته على الفور.

eman123
20-04-2006, 21:25
قالت تعتذر على الفور:
ـ آسفة. ظننت المتصل رجل آخر. لكن خالتك ليست هنا ، لقد عادت إلى بيتها هذا الصباح و.... أنت هولدن أليس كذلك؟
ـ أتراك صفحت عني؟

ابتلعت جازلين ريقها ، شيء ما في هذا الرجل يؤثر على توازنها أحيانا.
قالت له:
ـ أنا من عليه أن يطلب الصفح. بعد تفكير عميق ، أدركت أن غريس لو كانت خالتي ، لحاولت أن أعرف المزيد عن الرجل الجديد الذي تريد إقامة علاقة مستمرة معه.

ساد صمت قصير في الناحية الاخرى. ثم تمتم هولدن هاتاواي بشكل لا إرادي :
ـ يا لك من مخلوقة بديعة!

أخذ قلبها يخفق بجنون و هي ترى أن صدقها قد أكسبها رأي هولدن الحسن فيها. فهتفت ، وهي تعلم أنه يمكن أن يكون قاسيا إذا ساء مزاجه:
ـ هاي... لا تدع نفسك تنجرف!
سمعته يضحك فسرتها ضحكته ، إلا أنها لم تدم إذ عاد يقول باتزان:
ـ أنا لم أتصل لاتحدث إلى غريس.
فسألته بحدة:
ـ إلى أبي إذن؟
فأجاب بطء :
ـ اهدأي ، أردت التحدث إليك.
ـ هل اتصلت لتتحدث معي؟ عما؟
و أخذ قلبها يخفق.
ـ أحتاج إلى مرافقة تصحبني إلى حفلة عشاء راقصة مساء غد.

إنه يطلب منها مرافقته إلى حفلة عشاء راقصة. تملكها الذهول للحظة رغم علمها بأنه ينتظر جوابها ، لكنها لم تجد ما تقوله. كانت قد قررت البقاء في البيت حتى أنها رفضت دعوة من محام في شركتها. لكن..... هولدن هاتاواي يدعوها للخروج معه؟ هل هذه مفاجأة؟ و عندما لم يسمع جوابها ، تابع يقول:
ـ لقد فكرت فيك لانني أعلم أنك مأمونة الجانب.
مأمونة الجانب؟ ماذا يعني؟ و سألته:
ـ مأمونة الجانب؟
لم تفهم ما عناه بكلمته هذه ، وعاد يقول:
ـ هل أنا محق إذا ما قلت إنك لا ترغين في علاقة طويلة الامد؟
ما زالت جازلين لا تفهم ما يقصده ، لكنها لم تجد ضرر في أن تجيبه:
ـ بكل تأكيد.
ـ هذا حسن.

و بدا عليه الارتياح ! فشعرت بشيء من الاستياء. لماذا تريد فتاة في الثانية و العشرين من عمرها أن تنعت (بالمأمونة الجانب؟)
و تابع يقول :
ـ أنا مرغم على المشاركة في هذه المناسبة الاجتماعية ، وستحضرها امرأة أريدها أن تراني مشغولا بغيرها.

مأمونة الجانب؟ لماذا تشعر بهذا النكد؟
ـ أتريد أن تثير غيرتها؟
ـ بل على العكس في الواقع.
بدا واضحا أن هذه المرأة تلاحقه ، فقالت بجفاء:
ـ ظننت أن بإمكانك التخلص من ملاحقة أي امرأة.
ـ صححي كلامي إذا كنت مخطئا. إن الرجل الذي راح يحوم حولك يوم الجمعة الماضية ، يرجو نظرة منك ، هو توني الذي قلت له ( لقد استمتعت بصحبتك يا توني ، لكنني لن أخرج معك مرة أخرى. )
إنه حقير حقا!
قالت موافقة:
ـ أنت على حق.
ثم أدركت أنه يواجه مشكلة مماثلة لمشكلتها هي. و سألها بلباقة:
ـ وهكذا ، لكي تنقذيني من قبضة النساء ، ولكي أتأكد من أنك صفحت عني ، هلا رافقتني مساء غد؟
قالت:
ـ إن جاذبيتك قادرة على إغراق سفينة حربية!
اعترفت بذلك بعد أن تنبهت إلى أن وجوده مساء الجمعة الماضية أنقذها من توني ، وشعرت أن عليها أن تمتثل لما رده. فتابعت تقول:
ـ لكن لدي سؤال..... هذه السيدة التي تريد التخلص منها ، هل قلبها غارق في الحب؟
ـ ما أرق قلبك! لكنني أؤكد لك أن اهتمامها بي لا يتعدى محفظتي.
ـ لا يبدو عليك الاكتراث.
ـ أنا مثلك ، نادرا ما أخرج دون حذاء للركض.
ـ هل ستأتي لتأخذني أم ألاقيك في مكان ما؟
سؤالها هذا كان يتضمن قبولها الدعوة.
فأجابها:
ـ سآتي لاصطحابك عند الساعة السابعة.
كانت واثقة من أنه ابتسم لموافقتها ، و وجدت نفسها تبتسم أيضا.
سرورها لم يدم لمدة طويلة ، فما إن وضعت السماعة حتى رن الهاتف ثانية و كان المتصل توني. تخلصت منه ثم أخذت الكلب للنزهة و هي تتساءل إذا كان هولدن يتلقى مثل هذا الاتصال اليومي.

أمضت مع الكلب بعض الوقت ، وفي طريق العودة شعرت بالسرور لتحسن حالتها النفسية. كانت أفكارها مركزة على هولدن أكثر منها على توني ، وتكهنت بأن الحفلة تتعلق بالعمل ، لانه قال إنه مرغم على حضورها. لكن ماذا ستلبس؟

لم يسبق لجازلين أن اهتمت بمظهرها كما تفعل الآن. لكنها عندما راحت تستعد في مساء اليوم التالي ، كانت واثقة من أن الفتيات الأخريات في الحفلة سيكن أنيقات للغاية. أرادت أن تبدو في أبهى حلتها. تنورتها الطويلة المخملية ، السوداء اللون ، كانت بسيطة لكنها أبرزت خصرها النحيل و جسدها الرائع بشكل يثير الإعجاب. بلوزتها المطرزة كشفت بشرة عنقها البلورية الشفافة. و زينت عنقها بعقد من اللؤلؤ أهداها إياه والدها في عيد ميلادها الثامن عشر. ثم مشطت شعرها الاشقر و رفعته على قمة رأسها.

كانت قد أعلمت أباها باتصال هولدن ، و أوضحت له بأنها لن تخرج معه في موعد عادي ، و إنما طلب منها هولدن مرافقته إلى حفلة مفاجئة. لم تخبر أباها بمشاكلها مع توني ، فوجدت من غير المناسب أن تخبره عن مشكلة هولدن.
سألت أباها عندما نزلت إلى غرفة الجلوس:
ـ هل مظهري مناسب؟
ثم أضافت بسرعة عندما هم الكلب بالقفز عليها:
ـ ابتعد يا ريمي!
و رغم حبها له ، لم تتصور شعر الكلب على ثيابها المخملية السوداء.

أمسك أبوها بطوق الكلب يبعده عنها و هو يبتسم قائلا:
ـ أنت رائعة. و أنا محظوظ جدا لاني أب لابنة جمالها الداخلي يماثل جمالها الخارجي.
فقالت بنعومة:
ـ آه ، يا أبي ، ما أجمل ما تقوله.
ـ و هو صحيح.
و كان أبوها نادرا ما يذكر أمها لكنه تابع قائلا :
ـ هكذا كانت أمك.
و سكت لحظة ثم أضاف:
ـ و كذلك غريس.
و أدركت جازلين أن أمها و غريس هما أحب النساء لديه.
قالت له عندما سمعا صوت سيارة تتوقف:
ـ أتمنى لك السعادة.
ـ وهذا ما أتمناه لك. أخبري هولدن بأنني لن أخرج لتحيته لانني مشغول بالامساك بالكلب.
فضحكت و ردت:
ـ إلى اللقاء.

و شعرت فجأة بنبضات قلبها تتسارع عندما خرجت إلى الردهة ؛ و بما أنه لم يكن هناك من يراها ، وقفت و أخذت نفسا عميقا مرات عدة.

رن جرس الباب ، فتماسكت ، ثم توجهت نحوه تفتحه ، شاعرة بشيء من القلق ، متسائلة عا إذا بالغت في التأنق ، لكنها عندما رأت أناقة هولدن ببذلة السهرة و القميص المنشى الناصع البياض ، شعرت أنها أحسنت الاختيار.

حدقت به متأملة ، وقد بدا لها رجلا قديرا واثقا من نفسه. ثم أدركت فجأة أنه يحدق فيها حين تمتم برقة:
ـ مذهلة ، تبدين مذهلة للغاية.
سألته بشيء من التوتر:
ـ ألن.... ألن تخجل بي أمام الناس؟
ـ جازلين بالمر ، أنت رائعة.
و ابتسم ، فأذهلها ظرفه.
لكنها سرعان ما تمالكت نفسها و قالت ضاحكة:
ـ أفهم من ها أن جوابك هو( لا ). لن يستطيع أبي الخروج لتحيتك لانه يمسك بالكلب.
ـ أنا مسرور لسماع هذا.

ضحكا معا. و في طريقهما إلى السيارة ، حدثته عن الكلب المحبوب ذي الوبر الطويل ، وعن سبب عدم دعوته إلى الدخول ليسلم على أبيها.

و عندما اتجه هولدن بسيارته نحو الطريق ، خطر في بال جازلين أنه ربما يظن أن خالته عدهم ، و ربما أراد أن يحييها ، فقالت له بسرعة:
ـ غريس ليست عندنا في عطلة نهاية الاسبوع هذه.
ـ سيزورها أبوك فيما بعد.
ـ هل تعلم كل شيء؟
ابتسم لها و أجاب:
ـ يبدو أن الشقيقتين لا تكتمان الاسرار عن بعضهما.
ـ اتصلت بأمك مرة أخرى.
و ظنت أنها أساءت إليه بتلك الملاحظة ، لكن ابتسامته الخفيفة استحالت فجأة إلى ابتسامة عريضة آسرة.
ـ بل أمي هي التي اتصلت بي.
أرادت دون شك أن تعرف رأيه في صديق أختها الفنان. و شعرت جازلين بأن عليها أن تطمئنه.
ـ حاول ألا تقلق كثيرا على غريس.
فتلاشت ابتسامته مما لا يشكل مؤشرا حسنا. و تملكها الخوف من أن تكون قد استعجلت الامور ، فلم يكن أماما سوى أن تتابع قائلة:
ـ أبي معجب جدا بخالتك غريس.
ـ هل أخبرك هذا بنفسه؟
أترى المرح قد تبدد من صوته؟ رباه ، وتمنت لو أنها لم تتكلم. ما أحسن هذه البداية للسهرة ، وأجابت بجمود :
ـ ليس بالكلمات.
ـ وكيف عرفت إذا؟
انبرت تقول:
ـ أعرف هذا وحسب.

ما شأن هذا الرجل؟ و أغاظها أكثر أنها شعرت بأنها مرغمة على مواصلة الحديث:
ـ إذا كان لا بد لك أن تعلم ، تكلم أبي عن جمال النفس ، فقال إن مي تحلت بجمال النفس ، ثم أضاف أن غريس جميلة النفس هي أيضا.
ـ إنه فنان... يمكنه أن يرى باطن الامور أكثر من غيره ، ما أتصور.
ـ أبي لا يكذب... إنه مخلص جدا.
و انقطعت أنفاسها حين قال:
ـ و زواجه ثلاث مرات برهان على ذلك.

eman123
20-04-2006, 21:29
ـ أبي لا يكذب... إنه مخلص جدا.
و انقطعت أنفاسها حين قال:
ـ و زواجه ثلاث مرات برهان على ذلك.
انفجرت غاضبة:
ـ أيها الحقير!
ودت أن تطلب منه العودة إلى البيت ، لكنه تمتم قائلا:
ـ هل قلت لك من قبل إنك مندفعة و متهورة؟
لم تعرف كيف تتعامل مع هذا الرجل ، ولم تجد سوى الضحك.
فسألها كأنه أحس بأنها على وشك أن تطلب منه أن يذهب إلى حفلته وحده:
ـ لن تتخلي عني إذن.
ـ أنت تقرأ الافكار!
فضحك.


لم يأتيا على ذكر أبيها أو خالته مرة أخرى أثناء الرحلة. و عادت إليهما روح الفكاهة و الدعابة و هما يدخلان أجمل ما رأته من فنادق.
قبل وصولهما إلى الفندق ، كانت جازلين قد اعترفت لنفسها بأنها تشعر بالتوتر. أما الآن ، وهي غير واثقة مما إذا كان توترها بسببه أم بسبب الحفلة ، اكتشفت أن هذا الشعور بدأ يتبدد.


بدا أن هولدن يتمتع بشعبية واسعة لكثرة الذين جاؤا لتحيته و يتعرفون الى مرافقته. و حرص هو على ارضائها ، فادركت انه يحاول ان يظهر الامر و كانها صديقته الدائمة. و تكهنت بان المراة التي يريد ان يتجنبها و التي تربطه بها علاقة عمل على الارجح ستظن ذلك أيضا.

لكن ، بالرغم من علم الجميع انها برفقته ، بقي بعض الرجال في الحفلة قربها. و عندما جلسوا الى مائدة العشاء ، لم يمنع جلوس هولدن الى جانبها الرجل الجالس من الناحية الاخرى من ان يتحدث إليها بشكل متواصل.
و في إحدى المرات مال هولدن على أذنها هامسا:
ـ هل يزعجك برايان فوكس؟

ابتسمت لاهتمامه... و لكن كيف يمكنه معالجة هذا الامر و هم جلوس بهذا الشكل. هذا ما لا تعرفه ، كل ما تعرفه هو أنه يريد أن يساعدها ، لكن اهتمامه لم يكن ضروريا.

أجابت بصدق:
ـ الحديث معه ممتع جدا.
ثم ، وبصراحتها المعتادة أضافت ، وهي تكتم ضحكتها:
ـ لا أظنك تشعر بالاهمال ، أليس كذلك؟
ضحك لدعابتها الوقحة ، ثم حول اهتمامه إلى المرأة الانيقة الجالسة بجانبه من الناحية الاخرى.
هكذا إذن! لكنها لم تشعر أن كرامتها قد جرحت فهي من تسبب لنفسها بذلك.
أدارت كتفيها لهولدن و أشاحت بوجهها ثم مالت إلى الامام حين وجه الرجل الجالس أمامها الحديث إليها.


كان الطعام لذيذا للغاية.. لكن حتى موعد تقديم القهوة ، لم تكن جازلين قد تبينت بعد المرأة المنجذبة إلى محفظة نقود هولدن. لقد لاحظت أن كل امرأة في الحفلة نظرت إيه أكثر من مرة.. و أن النساء كن يصغين إلى كل كلمة يقولها ، لكنها لم تر امرأة ملهوفة جدا. إنما هؤلاء النسوة محنكات.. و لعلهن لا يظهرن لهفتهن.

و عزفت الموسيقى.

و رأت شابا يترك مقعده و يتجه نحوها ، لكن هولدن حول اتباهها إليه ، قائلا:
ـ حفاظا على المظاهر ، أظن أن رقصتك الاولى يجب أن تكون معي.
افترضت جازلين أنه على صواب ، دون أن تطيل التفكير بالامر. همت بالوقوف و هولدن يبعد لها الكرسي فيما وصل ذلك الشاب إليهما و هو يقول متذمرا و عيناه على جازلين:
ـ كنت على وشك ان أطلب منك مراقصتي.
قال هولدن قبل أن تتمكن هي من الرد:
ـ آسف يا لوين جاء توقيتك متأخرا.
فقال هذا الاخير:
ـ سأعود.
ـ يسرني الرقص معك فيما بعد.
شعرت جازلين بالاسف من أجل السيد لوين الذي دار حول المائدة ليتلقى هذا الاستقبال. و فكرت في أنها تتصرف بقلة أدب إذا ما مرت قربه دون أي كلمة.


كانت مع هولدن على حلبة الرقص و ذراعه حولها عندما قال:
ـ لا عجب في أن تلقي صعوبة في التخلص من رجالك.
نظرت إليه بدهشة فرأته يتأملها بثبات. سألته و قد بان القلق في عينيها البنفسجيتين الجميلتين:
ـ أتراني أشجعهم أكثر مما ينبغي؟
فحدق بها و قال برقة و هو يضمها إليه و عيناه في عينها:
ـ جازلين... يا جازلين!
أخذ قلبها يخفق فجأة ، و انفرجت شفتاها و هي ترى بريا دافئا في عينيه.. عينان اللتان أخذتا تتفحصان و جهها ثم انتقلتا إلى عنقها.
بعد ذلك عاد و رفع عينيه إلى عينيها البنفسجيتين.
أشاح بنظره عنها ، فيما انتقل بها إلى مكان أقل ازدحاما ، ثم عاد ينظر إليها تلك النظرة المتأملة نفسها ، فعلمت أن النظرة الدافئة فيهما كانت محض خيال.
قال لها ممازحا:
ـ لست بحاجة إلى تشجيع الرجال ، فأكثرهم يتسابق للوقوف قربك و لرؤيتك فقط.
أكثر الرجال ما عداك أنت... وجدت نفسها تفكر في ذلك و صممت على أن لا تخرج معه مرة أخرى. و عندما أدركت فجأة المنحى التي اتخذته أفكارها ، طردتها من ذهنها. رباه... هذا ليس مودا حقيقيا! و لا تريد أن يكون كذلك! لا تريد أن يتسابق هولدن مع الآخرين ليقف قربها. لكنها لا تريد أيضا أن تخرج معه مرة أخرى... حتى و إن طلب منها ذلك... و هذا ما لن يفعله.. يكفيها ما لديها من مشاكل مع أمثال توني جونستن ، ولن تزيدها بالخروج مجددا مع رجل طويل أسمر محنك مثل هولدن هتاواي!
قال لها:
ـ شكرا.
فنظرت إليه لقد توقفت الموسيقى.
أجابته:
ـ انتهى الواجب.

لكن عندما عادا إلى مائدتهما ، لم تعد ذراعه تحيط بكتفها كما تركت يده اليسرى يدها. عند ذلك فقط ، استطاعت أن تنكر أن خفقات قلبها تجاوزت حدها الطبيعي عندما كان يمسك بها أثناء الرقص.

الرجل الذي خاطبه هولدن باسم لوين طلب منها أن ترقص معه ، و كذلك فعل عدد من الرجال الآخرين في الحفلة. رأت جازلين هولدن يراقص امرأة أو اثنتين ، لكنه لم يطلب منها أن ترقص معه مرة أخرى و راحت تقنع نفسها بأن هذا الامر يسرها.
قال لها هولدن بعد الرقصة الثالثة مع باول لوين :
ـ أظن أن علينا أن نرحل الآن إلا إذا كنت ترغبين في البقاء.
أجابته موافقة:
ـ كما تريد.
بعد أن ودعا أصحاب الحفلة و خرجا إلى حيث سيارتهما ، قال:
ـ لقد استمتعت بصحبتك.
فأجابت ببساطة:
ـ وأنا استمتعت بصحبتك ، كما كان الطعام لذيذا. أليس كذلك؟
ـ وطبعا طلب منك لوين رقم هاتفك.
ـ طبعا.

كانا في السيارة على بعد خمس دقائق من الفندق ، عندما سألها هولدن بلهجة عفوية:
ـ وهل أعطيته إياه؟
كان بإمكانها أن تدعي عدم الفهم ، لكنها فهمت عليه على الفور ، وأجابته:
ـ لم أكن واثقة من مدى جدية علاقتنا المزعومة أمام الناس.
و علمت أن هولدن سيفهم من كلامها أنها لم تعطه رقم هاتفها.
ـ و هل أردت إعطائه الرقم؟
هزت رأسها ، ثم أدرت أن هولدن يركز اهتمامه على الطريق أمامه ، و لم ير حركتها النافية ، فقالت و هي تضحك مرحا:
ـ لا. أريد أن أنتهي من مشاكلي الحالية قبل أن أخرج مع أحدهم مجددا.
ـ مع ريكس؟
ـ ريكس ألفورد ليس المشكلة ، فهو ليس جديا مثلي. خرجت معه مرتين و هو رجل مسلي. و لكن..... أي من السيدات.... تلك التي تحاول أن...؟
ـ أعرف أني غير منصف و لكن إطلاعك على هويتها أمر يتنافى مع أخلاقيات الرجل المهذب.
ـ هذا ليس عدلا ، فأنت تعرف تفاصيل حياتي الغرامية.
و راح يستجوبها:
ـ أشك في ذلك ، هل كنت تتوقعين اتصالا من توني عندما اتصلت بك الليلة الماضية؟
ـ قلت له مرارا و تكرارا إنني لا أهتم لامره ، لكنه لا ينفك يتصل بي كل ليلة.
ـ ألم يفهم بعد؟
ـ لا ، على ما يبدو.
ـ و ما رأي أبيك في هذه الاتصالات غير المرغوب فيها ، ليليا؟
ـ لم أخبره!
ـ ألا تظنين أنه عليك أن تفعلي ذلك؟
ـ لا أظنه سيصر مدة طوية. لقد خطب توني جونستن مرات عدة لذا أظنه متقلبا نوعا ما. أنا واثقة من أنه سيتعب قريبا ، الامر مزعج الآن ، هذا كل ما في الامر. إن غريس لى علم بالموضوع و...
ـ هل أخبرتها؟
ـ لم أشأ أن أقلقها. كل ما في الامر انها كانت موجودة عدة مرات حين اتصل توني.
و سكتت جازلين للحظة ثم أضافت بهدوء:
ـ يسرني أن أتمكن من التحدث عن مشاكلي معها.
قال هولدن بلطف:
ـ أنا مسرور لذلك.
و علمت أنه غير مستاء من أجل خالته ، و تابع قائلا:
ـ أعتقد أن أمك توفيت عندما كنت صغيرة؟
ـ كنت في الخامسة من عمري ، وكنت أقضي الليل مع جدتي عندما تعرض أبواي لحادث سير ، ما كان ينبغي أن يحدث قط.

و تذكرت أنها كانت على وشك إنهاء السهرة قبل أن تبدأ ، حين شعرت بأن هولدن يحس بعدم الرضا نحو أبيها. فترددت في أن تخبره عما اعتاد جداها أن يقولاه ، وهو أن موت أمها أثر على أبيها و تركه في حالة من الذهول و الصدمة لشهور. و عندما استفاق أخيرا من صدمته ، بدا و كأن شخصيته قد تغيرت ، إذ أصبح شعاره في الحياة:"عش ليومك و دعك الغد للغد."

لكنها وجدت نفسها تقول:
ـ لقد تغير أبي بعد ذلك.

بدأت جازلين حديثها بهذه الكلمات دون أن تعرف السبب. هي التي اعتادت أن كون صريحة صادقة ، لا تدري لما عليها أن تحاذر الآن في كلامها:
ـ حسب كلام جدي ، أرسلته صدمة فقدان حيبته كاترين إلى عالم مجهول لا يصل إليه أحد. و حولته من رجل حاكم محب لبيته ، إلى رجل يتبنى شعار"عش ليومك." و لكن لماذا أخرك بكل هذا؟
طرحت سؤالها هذا فجأة. فأجاب ببطء:
ـ من باب التحدي.
و لم تجد جازلين رد سوى أن تبتسم. و شعرت ، لسبب تجهله ، أن بإمكانها أن تجعل من هذا الرجل الصريح المستقيم صديقا لها.
ـ إذن علي أن أقفل فمي.. لكن.. لكن..
و ترددت ، فسألها:
ـ أتراك تخجلين مني؟
ـ لن يخطر هذا في بالي. كنت أفكر فقط في مدى رغبتك في حماية خالتك ، و في أنك تود أن تعرف أن أبي يكره رسم الاشخاص.
فأجاب برزانة:
ـ سأتذكر ذلك.
ألقت عليه جازلين نظرة ساخطة ، لكنها تابعت بعد لحظة :
ـ و هكذا يمكن أن تستنتج ما ترد. ر سمني أبي مت عدة على مر السنين ، و الصور الشخصية الاخرى التي رسمها كانت لامي و خالتك.
ـ هل تعنين بذلك أن لخاتي مكانة خاصة عند أبيك؟
فردت بازدراء ، شاعرة بتوتر بينهما:
ـ وهل أجرؤ على ذلك؟
و شعرت فجأة برغبة في مناكدته ، فسألته:
ـ أرجو ألا تكون قد جرحت مشاعرها؟
ـ خالتي؟
فردت بعذوبة ساخرة:
ـ بل المرأة التي كنت أحميك منها هذه الليلة.
و كادت تضربه عندما حول مزاجه من البرودة إلى الهزل.
ـ هل قلت لك... إنك رائعة جدا؟

لم تشأ أن يمدحها لانها كانت تعلم أن هذا مجرد ظرف لا يعني به شيئا.
لكنها لم تستطع مقاومة الابتسام في داخلها ، و حولت نظراتها عنه إلى العشب الممتد على جانبي الطريق.

و عندما سلكت السيارة طريق البيت ، بدا و كأن العداء بينهما قد تبخر. أوقف السيارة ثم سار معها إلى الباب و أخذ منها المفتاح ليضه في القفل.
قال:
ـ شكرا لك استمتعت برفقتك للغاية.
فقالت له بوجه مشرق:
ـ لقد استمتعت جدا.

و أخذ قلبها يخفق حين رأت وجهه يقترب منها. أدركت أنه سيقبلها و قد قبلها فعلا.. على خدها. قبلة دافئة حساسة سريعة و كأنه يقبل عمته العانس.
قال لها بلهجة عادية:
ـ تصبحين على خير يا جازلين.
و فتح الباب فدخلت و هي تقول:
ـ تصبح على خير.

ثم أغلقت الباب. لن تخرج معه مرة أخرى أبدا! و لم تهدأ دقات قلبها المتسارعة! لن تخرج معه أبدا. عمته العانس... حقا؟

و لاقاها ريمي يضرب ساقيها بذيله... غير مكترث بالمخمل الاسود.
قالت له:
ـ كان عليك أن تنبح أولا.

لكنها لم تهتم هي أيضا للمخمل الاسود و انحنت تحتضنه ، ثم توجهت لغرفتها لتنام.

و في الصباح تملكتها الحيرة لما شعرت به الليلة الماضية من استياء.
ما هذا؟ لاعترضت حتما لو قبلها بطريقة أخرى ، إنها مجرد تخيلات. أما بالنسبة للخروج معه مجددا ، فهذا غير محتمل لانه لن يطلب منها ذلك. إلا إذا احتاج للحماية مجددا! ضحكت و قد عاد لها حس الفكاهة ، و أمضت فترة طويلة من صباح الاحد في انتزاع شعر الكلب عن ثوبها.

حس الفكاهة لديها خمد قليلا عندما اتصل توني مساء. و كان ذلك متعبا مملا مكدرا حتى تمنت لو أنها لم تخرج معه منذ البداية.


يوم الثلاثاء ، و بعد أن اتصل في الليلة الماضية ، لم يعد لدى جازلين ما تقوله. لم تشأ أن تجرح شعوره و لا أن تطلب من أبيها أن يتحدث إليه ، لكنها كانت تشعر بالإرهاق فعلا.

اتصل توني مجددا يوم الاربعاء ، و رفض أن يستمع إليها حين طلبت منه أن يتوقف عن الإتصال بها. لكن ، و فيما كانت تتناول الطعام مع أبيها ، أدركت أنها لن تتمكن من الاستمرار بهذه الطريقة. فقد راحت تضطرب كلما رن جرس الهاتف. عليها أن تخبر أباها رغم عدم رغبتها في ذلك ، و أن تطلب منه المساعدة.

eman123
20-04-2006, 21:30
ـ أبي.....
شرعت تتكلم ببطء... لكنه قاطعها قائلا:
ـ اتصلت غريس اليوم.
ـ أخبرني أنت أولا.
ـ تحدثت مع غريس اليوم.
و تابع يقول:
ـ بما أن الجو سيستمر جيدا ، تفكر غريس في قضاء أسبوعين في هامبشاير.
هتفت جازلين بدهشة:
ـ من دونك؟
فضحك و أجاب:
ـ كم أنت ذكية ، سننطلق يوم السبت.
فتحت فمها مدهوشة ، فنادرا ما يأخذ أبوها إجازة.
ـ ستمضيان وقتا ممتعا. هل حجزتما في فندق؟
ـ لن نقيم في فندق. لقد استعارت منزلا جميلا للغاية قصدته من قبل. يبدو أن فيه مجالا لشخص آخر.
فحملقت جازلين فيه ، و سألته:
ـ أتريدني أن آتي معكما؟
ـ قلت لغريس إني سأعلمها الرسم التخطيطي. فكرت.... في نك ترغبين في العناية بريي أثناء غيابنا ، نا و غريس ، لرسم مناظر بحرية لساعات.
لساعات؟ يفقد أوها إحساسه بالوقت حين يرسم.
و سمعته يضيف:
ـ وجودك سيعفيني من القلق عليه عندما لا أكون منتبها. كما أريدك أن تستمتعي معنا ، إذا أمكنك الحصول على إجازة من العمل. غيس تود كثيرا أن ترافقينا.
سألته مترددة:
ـ هل أنث واثق من ذلك؟
فأجاب:
ـ طبعا.
ـ هل قلت لاسبوعين؟
ـ أقل من ذلك لا يستحق العناء.
و تخيلت جازلين فجأة توني وهو يتصل ليليا أثناء غياب أبيها. قد تتمكن من مواجهة هذه المشكلة لوجود أبيها في البيت. أما في غيابه.... أدركت أنها لن تستطيع أن تخبره الآن و هو يستعد للسفر ، إذ ستشغل باله عليها ، و هذا ليس إنصافا. فهل يكون جبنا منها أن تغادر البيت هي أيضا؟
لا بد أن توني سيشعر بالضجر إذا لم يجب أحد على إتصالاته طوال أسبوعين.

أسبوعان كاملان رائعان من دون اتصالات هاتفية.

و قال أبوها مازحا:
ـ هل التفكير في الموضوع يستغرق كل هذا الوقت؟
ـ هل أنت واثق من أنكما تريدانني معكما؟

أرادت جازلين التأكد من ذلك بعد أن بدا لها عرض أبيها السخي كحبل نجاة.

ـ لا تكوني سخيفة. كما لا يمكنني ترك الكلب هنا وحده طوال النهار أثنا وجودك بالعمل. و لن يكون سعيدا في مأوى الكلاب.
عرف أبوها كيف يتغلب على ترددها حين هددها بمأوى الكلاب ، رغم أنها لم تكن تحتاج إلى ذلك كي تقبل.
قالت:
ـ حسنا لا بأس. سأرى إن كان بإمكاني الحصول على إجازة من أجل ريمي.


انزعج رئيس جازلين المباشر حين طلبت إجازة أسبوعين بمثل هذه السرعة. لكن حين قالت له إنه محق و إنها لن تذهب إذا كان يفضل ذلك ، وافق على منحها الاجازة على الفور ، قائلا ببشاشة:
ـ بل اذهبي ، علي أن أتحلى بالبر كلما غبت... رغم أني لا أعرف كيف سأتدبر أمري من دونك.
و اعتبرت هذا مديحا ها ، فقالت باسمة:
ـ أنا واثقة من أنك ستتخطى المحنة.

و راحت فكر في أن كل ما عليها فعله هو أن تتحمل اتصالين آخرين من توني ، و بعد ذلك سترحل.


حل نهار السبت مشرقا و صحوا كما تنبأت الارصاد الجوية. و كانت قد تشاورت مع أبيها بشأن الذهاب بسيارة أو باثنتين ، فاتفقا على أن سيارته تتسع لهم و للكلب و سلته فضلا عن أمتعتهم. و هكذا اختاروا الاكتفاء بسيارة واحدة.

وصلت غريس إلى بيت آل بالمر في الليلة السابقة. فانطلقوا باكرا في اليوم التالي. غريس و إدوين بالمر في المقعد الامامي ، و جازلين و الكلب في المقعد الخلفي. و كلما ابتعدت السيارة بجازين عن بيتها ، كلما زاد ارتياحها. و حين وصلوا إلى هامبشاير مرها شعور بالسعادة. و عند ذلك أدركت مدى لوتر الذي كان يتملكها.

تصورت "ساندبنكس" كوخا صغيرا لقضاء الإجازات. لكن عندما اقتربوا منه ، و رأوا ذلك المنزل المهيب بطوابقه الثلاثة ، غيرت رأيها بسرعة.
حين قال لها أبوها إن هناك مكان لشخص آخر ، ظنت أن المنزل صغير و نادرا ما يستعمل. لكنه في الحقيقة يستوعب أكثر منهم ، هم الثلاثة ، والكلب ، و يستعمل لاكثر من مجرد الإجازات ، إذ تقيم فيه مدبرة منزل. و بدا واضحا أن أصدقاء غريس من نفس طبقتها الغنية.

لاقتهم مدبرة المنزل و هم يحطون رحالهم ، و أدركت جازلين حين توجهت المرأة نحو غريس مباشرة ، أن هذه الاخيرة لم تكن غريبة عن البيت. و تأكد ذلك عندما قدمت غريس المرأة إليهما باسم السيدة ويليامز.

دخل الاربعة إلى المنزل ، و بالرغم من أن غريس كانت تعرف المنزل ، إلا أنها انتظرت حتى أعلمتهم السيدة ويليامز بأن غرفهم جاهزة كي تصعد معهما إلى الطابق العلوي لتريهما إياها.

ـ هذه غرفتك يا جازلين.
و ابتسمت و هي تفتح باب أجمل غرفة رأتها جازلين.
هتفت بصدق و هي تتوجه إلى النافذة المطلة على ممر يقود إلى الشاطئ:
ـ ما أجملها!
ثم أضافت مسرورة :
ـ إنها تطل على البحر.
قالت غريس:
ـ ظننت أنها قد تعجبك.
فتوجهت نحوها جازلين تعانقها.

بعد ذهاب غريس ، أفرغت جازلين أمتعتها بسرعة ، ثم أخذت ريمي الكلب و خرجت لتستكشف الشاطئ و ما حوله. كان قسم من الشاطئ يخص "ساندبنكس" نفسه ، و تكثر عليه الكثبان الرملية. إنه مكان رائع لقضاء عطلة ممتازة.

ذكرت السيدة ويليامز أن الطعام جاهز ، فعادت مع ريمي إلى البيت بعد فترة قصيرة ، مصممة على إكمال الرحلة في اليوم الالي.

و تلك الليلة نامت بشكل أفضل مما عتادت عليه منذ مدة طويلة ، ثم استيقظت في الصباح صافية الذهن خالية البال دون أن تفكر في توني جونستن.
أما لما خطر في بالها هولدن هاتاواي ، فهذا لم تعرفه. لكنها كانت تعلم أنها ليست المرة الاولى التي تفكر فيه.
عادت تفكر في هولدن هاتاواي عندما خرج أبوها و غريس للرسم ، وذهبت هي مع ريمي للشاطئ. افترضت أن السبب هو قدرته الغريبة على جعلها تضحك و تبتسم في الاوقات غير المتوقعة. و اعترفت نها تشعر نحوه بمودة فائقة ، رغم أنه قادر على إغضابها أكثر من أي شخص آخر.

هتفت و هي ترى غريس و أباها في البيت:
ـ هل عدتما؟
أجابها أبوها:
ـ كان الجو حارا. و قد نسيت غريس أن تحمل معها قبعة القش.
لم يبد علي أي ضيق لتخليه عن خطته الصباحية ، و إنما على العكس ، بدا أكثر حنانا و تسالا من أي وقت مضى.

كانت غريس قد أعلمت مدبرة المنزل بأن بعض الشطائر ستكفي للغداء ما دامت تعد الروستو للعشاء.

بعد ذلك الغداء الخفيف ، أشار إدوين بالمر إلى أنه سيأخذ قيلولة قصيرة ، فعلقت غريس تغيظه أن عليه أن يخجل من نفسه ، ثم أضافت أنها تفكر في الخروج للتمشي. فسألتها جازلين:
ـ هل تحتاجين لمن يرافقك؟
فأجابت باسمة:
ـ أتمنى ذلك.

بعد ذلك بفترة قصيرة ، وضعت الطوق لريمي ، ثم خرجتا لتتمشيا في القرية الجميلة.
قالت جازلين و هما تسيران في ظلال الاشجار الوارفة:
ـ إنه مكان جميل جدا.
فسألتها غريس:
ـ هل تشعرين بأنك أقل توترا الآن؟
ـ و هل يبدو علي ذلك؟
ـ بعض الشيء.
ـ أشعر و كأن حملا قد أزيل عن كاهلي.
ـ هذا حسن ، لكن إذا ما عاد الهاتف للرنين بعد عودتك ، عديني بأن تخبي أباك كي يعالج الموضوع . إنه أقوى مما تظنين.
فردت جازلين:
ـ أعدك.... بذلك.

نعم أصبح أبوها أقوى الآن ، و تلك القوة تظهر أنه أصبح لديه هدف في الحياة ، و ذلك منذ دخلت غريس حياته.


قامتا بجولة في القرية ، و مرتا ببض المساكن قبل أن تسلكا الطريق المؤدي إلى "ساندبنكس."
و فجأة ، انفتح باب أحد النازل و خرج منه رجل في قرابة الثلاثين من عمره ، حاملا بيده ما يشبه حقيبة الطبيب ، و سار في ممر الحديقة.

حيا الرجل غريس بسرور ظاهر ، رغم أن نظراته تركزت على جازلين:
ـ سيدة كرادوك؟
و ابتسمت غريس ، قائلة:
ـ دايفد ، يسرني أن أراك .
ـ كيف حال كاحلك؟
ـ شفي تماما.
ثم أضافت غريس و هي تلتفت إلى جازلين موضحة:
ـ جاء دايفد إلى "ساندبكس" عندما التوى كاحلي منذ حوالي السنة.
و عندما هم الرجل بالذهاب قدمته إليها:
ـ أعرفك على الدكتور "موسغروف".
فابتسم لجازلين ، وقال:
ـ دايفد من فضلك.
و عندما مد الرجل يده مصافحا ، قالت غريس:
ـ وهذه الآنسة جازلين بالمر.
ـ هل تقيمين أيضا في "ساندبنكس"؟
أجابت غريس عن جازين بمودة:
ـ لقد وصلنا أمس.
ـ أرجو ألا يكون لقضاء عطلة الاسبوع فقط؟
فقالت غريس:
ـ جئنا لقضاء أسبوعين رائعين في هذا الجو البديع.
ـ سأراكما مرة أخرى إذن.

بدا التململ على ريمي و أخذ يشد على قيده ، فابتسمت جازلين للطبيب تودعه ، ثم استأنفت السير مع غريس.
وصلا إلى طريق البيت عندما قالت غريس فجأة:
ـ أنت تعلمين (طبعا) أن الدكتور دايفيد مسغروف سيدعوك للخروج معه؟
نظرت جازلين إليها مجفلة ، و أجابت:
ـ لا..... لا أعلم.

eman123
20-04-2006, 21:31
لم تكن واثقة مما إذا كانت سترضى بالخروج مع أحد الآن.... و ما الذي جعلها تفكر في هولدن في هذه اللحظة؟

طردته من ذهنها و تابعت تقول:
ـ لكن إذا دعاني.....
فقالت غريس بهدوء :
ـ ستكونين على ما يرام معه ، يا جازلين.

لم يكن لدى جازين فكرة عما إذا كانت غريس على صواب في تكهنها أم لا.
لكنها أخذت تفكر في الامر جديا ، في صباح اليوم التالي ، وهي تجفف شعرها في حمام غرفتها.

إنها إجازة غريس و أبيها أيضا. و مع أنها مقتنعة بأن وجودها هنا ليس لرعاية الكلب و حسب ، إلا أنها لم تشأ أن تتطفل عليهما. فهي تعي أن أباها و غريس قد يريدان البقاء وحيدين في الامسيات. و بما أنهما سيعتران على بقائها كل ليلة في غرفتها لتشاهد التلفزيون ، لعله من الافضل أن تقبل بدعوة للسهر خارج المنزل.


ثم ، ألا يفيدها الخروج مع رجل جديد؟ قد يبعد ذلك توني جونستن عن تفكيرها ، كما سيمنحها شيئا آخر تفكر فيه بدلا من ذلك الرجل الذي لا ينفك يشغل بالها.... هولدن هاتاواي.


أبعدت جازين هولدن هاتاواي عن ذهنها و نزلت السلم و هي تضحك بصمت. ها هي تضع الخطط و تفكر في مسألة الخروج مع دايفد مسغروف في حين أه لم يصل بها بعد.
لكنه اتصل بعد الفطور مباشرة. رن جرس الهاتف فتوجهت غريس نحوه لتجيب ، ثم قالت لها بابتسامة ذات معنى:
ـ إنه لك.
و ناولت جازلين السماعة.
بما أن دايفد هو الشخص الوحيد ، باستثناء رئيسها ، الذي يعرف الرقم ، فقد تكهنت بأنه هو.
و سألت:
ـ آلو؟
ـ آلو جازلين. معك دايفد مسغروف.
ـ مرحبا دايفد.

عند ذلك انسحبت غريس مع إدوين بالمر.

ـ لم أسأل في الامس عما إذا كنت أنت و السيدة كرادوك وحيدتين في هذه الإجازة.
ـ نحن هنا مع أبي ، في الواقع .
ـ أنتما الثلاثة فقط؟
ـ هذا صحيح ، إنه مكان جميل ، أليس كذلك؟
ـ إذا أردت ن ري المزيد ، يسرني أن أجول بك في الانحاء.
ـ أنا....

لماذا تتردد؟ لماذا ترتسم في خيالها صورة لرجل طويل ، أسود الشعر ، رمادي العينين؟
و أبعدت عن ذهنها صورة هولدن اتاواي بفروغ صبر.

ـ أنا هنا في الحقيقة ، لمراقبة الكلب. و لا أدري إذا كنت ستتمتع بوجود كلب ضخم ذي وبر خشن ، في سيارتك.
ـ هل تجالسين الكلب ليلا نهارا؟

بدا جليا أنه لا يحب فكرة أن يغطي وبر الكلب مقعد سيارته. لكنه مع ذلك لم يذعن أو يتراجع.

أجابته:
ـ لا.
فسألها:
ـ هل لي إذن أن أدعوك على العشاء ذات مساء؟
أخذت نفسا عميقا ، و فكرت في هولدن ، وإذ تملكها الضيق و الحيرة وجدت نفسها تقول:
ـ نعم.

و هكذا وضعت سماعة الهاتف بعد أن وافقت على الخروج مع دايفد موسغروف ، في مساء الغد. شعرت بالحيرة و الضياع ، و راحت تقنع نفسها بأنها كانت لتقبل الخروج مع دايفد على أي حال ، إذا ما دعاها. لكنها ، و بشكل ما ، أدركت أن ما دفعها للقبول هو هولدن الكامن في خفايا ذهنها.


أطلعت جازين غريس على تفاصيل المابرة ، ثم لوحت لها و لابيها و هما ينطلقان بحثا عن بقعة تصلح للرسم. ثم اصطحبت الكلب ريمي في نزهة قل أن ترتفع الحرارة. و عندما راح يلهث تعبا ، عادت إلى المنزل ، و ركته ي مكان مسوف بالقرميد قرب امطبخ يمكنه أن يرتاح فيه ، ثم وضعت له مروحة. و فكرت جازلين في أن تتابع النزهة من دونه ما دام الجو حسنا.

دخلت المنزل لتقدم المساعدة لمدبرة المنزل. لكنها اكتشفت أن شابة اسمها نانسي تأتي من القرية أيام الاثنين و الثلاثاء و الاربعاء لتساعد السيدة ويليامز ، لهذا لم تكن هه الاخيرة بجة لعون منها. و هكذا حملت جازلين دفتر رسومها و وجهت نحو كثبان الرمل.


لم يعد أبوها و غريس على الغداء ، لكن جازلين عادت إلى المنزل لتتأكد من أن الكلب لا يضايق المأتن ، و إذا بها تكتشف أنه و السية ويليامز أصبحا صديقين. و بدا أن الكعك الذي قدمه له قد أعجبه.
لم تشأ أن تزعجهما و تقطع انسجامهما..... لهذا ، تناولت شطيرة و خرجت مجددا. و وجدت بعض الظلال عند كثبان الرمال فجلست ، ثم أطلقت العنان لافكارها.



قال لها:"هل قلت لك إنك رائعة؟". لماذا لم يتصل بها إذن و يطلب منها موعدا؟ الرجال الآخرون يفعلون هذا.... لكن هذا لا يعني أنها ستخرج معه مرة أخرى! و إن كانت واثقة من أنها ستبقى آمنة معه. هولدن ، مثلها ، لا يهتم بالزواج ، لهذا...... بحق الله ، اخرج من أفكاري يا هولدن!!


و إذ أدركت أن هولدن عاد يحتل أفكارها ، فرغ صبرها ، فتركت كثبان الرمل و عادت إلى البيت. هل هو إلى الشمال أم إلى اليمين؟ و اختارت الشمال متجهة إلى لجهة الخلفية للمنزل حيث المرآب. و ما إن دارت حول الزاوية حتى جمدت في مكانها ، أتراها رأت شيئا؟ و هل صبح هولدن هاتااي يتراآى لها لشدة ما يشغل فكرها؟ يمكنها أن تقسم أن السيرة الفخمة التي توقفت لتوها خلف المنزل هي سيارته ، و أن الرجل الذي خرج منها ليس سوى هولدن هاتاواي!!

eman123
20-04-2006, 21:32
3- صديقان...... و شيء ما!
***************

لم تتاكد جازلين من ان هولدن ليس شبحا ، الا بعد ان خرجت مدبرة المنزل ، و اتجهت اليه تحييه بوجه مشرق ، مبتسم.

اخذ قلب جازلين يخفق و هي تتساءل عما يفعله هنا. لكن ، من الطبيعي ان يعرف هو و خالته الأشخاص نفسهم ، و بدا من استقبال مدبرة المنزل له انه امضى بعض الوقت هو ايضا في "ساندبنكس". لعل امه اخبرته ان خالته هنا.... و كان في الجوار ففكر ان يمر بهم ليشرب معهم الشاي.

عندما عادت مدبرة المنزل الى الى الداخل ، التفت هولدن فرأى جازلين.
تقدمت نحوه ، و قد ادركت أن عليها أن تلعب دور المضيفة في غياب خالته.
و تزاحمت الكلمات في رأسها ، أتكتفي بكلمة مرحبا ، أم تقول له:
- من الغريب ان اراك هنا.
او
- اي ريح حملتك الينا.
لكن عندما وقف هولدن و راح يتأملها و هي تقترب منه ، لم تخرج اي كلمة من فمها. و بعد لحظات ، سمع الاثنان صوت سيارة تقترب ، فتملك جازلين سرور بالغ. كان هولدن انيقا للغاية ، في حين ارتدت هي سروالا قصيرا و قميصا فضفاضا، بديا قذرين لطول ما جلست على كثبان الرمل.... كما لم تتذكر متى سرحت شعرها لآخر مرة. احست بالحرج لمنظرها الفوضوي ، لكنها ابتسمت له و قالت عندما اقتربت سيارة ابيها:
- كيف الحال؟
- لا بأس ، و انتي؟
و راحت عيناه تتفحصان مظهرها و قد بدت كالمتشردة.
ردت و هي تفكر في مدى سرورها لرؤيته:
- امضي وقتا رائعا! ها هي خالتك و ابي.
و شعرت فجأة بالاضطراب. و ما ان حول هولدن عينيه عنها لينظر الى خالته الحلوة ، حتى قالت:
- المعذرة.
ثم اندفعت هاربة.

و قبل ان تفكر فيما تفعله ، وصلت الى غرفتها ، ماذا حصل لها؟ فهولدن ليس اول رجل محنك تعرفه!
لما هربت بهذا الشكل؟ لقد ورطت نفسها الآن في مشكلة. فمن قلة التهذيب ان تمكث هنا في غرفتها اثناء زيارة هولدن. عليها ان تنزل و تشاركهم الاحاديث اثناء شرب الشاي ، لتنسحب بعد ذلك بلباقة.
اخذت تمشط شعرها.... ما هذا انها لم تحمل اي ادوات للزينة! اندفعت الى الحمام و غسلت وجهها. و ادركت ان هولدن سيظن ان له تأثير عليها اذا ما لاحظ انها صعدت الى غرفتها لتلطخ وجهها بالاصباغ ، خصوصا و انه ليس من عادتها الاكثار من الزينة.

عند ذلك وقفت جامدة و حاولت ان تتمالك نفسها. تنبهت الى انها لم تصل يوما الى هذه الدرجة من التشويش و الاضطراب بسبب رجل. لكنه مجرد رجل عادي ليس الا....... ابن اخت غريس مر بهم لكي يطمئن على خالته ، و اصول الآداب تلزمها بالنزول لكي تراه. من المؤسف ان الجو حار جدا و الا لوجدت في اخراج الكلب للنزهة عذرا ممتازا.

بعد خمس دقائق ، و بعد ان تساءلت عن العذر الذي يمكن ان تختلقه ، وضعت بعض اللون على شفتيها ، و ارتدت بنطلونا ابيض و بلوزة دون كمين ، ثم غادرت غرفتها.

و كما توقعت ، كان الثلاثة في غرفة الاستقبال ، و امامهم صينية الشاي.
وقف هولدن لها احتراما ، فسارعت الى الجلوس على اقرب كرسي ، آملة ألا يتذكر ما كانت ترتدي. سألتها غريس باسمة:
- شاي؟
فأجابت جازلين و هي تبادلها الابتسام:
- لا ، شكرا.
فاذا حانت اللحظة المناسبة ستتمكن من الخروج دون ان يعيقها نصف فنجان شاي. و سألتها:
- كيف تسير احوال التخطيط؟
فأجابت غريس ضاحكة:
- سوف اتحسن.
و اضافت:
- و ساعديني على اقناع ابن اختي بأخذ اجازة لأيام ، لقد اعترف لتوه بأن ما من سبب يدعوه للعودة الى لندن ، لهذا يمكنه ان يأخذ فترة استراحة.

eman123
20-04-2006, 21:33
أجفلت جازلين داخليا حين أدركت ان غريس تعني ان يمكث هولدن معهم.... الا ان خالته التفتت اليه بكل محبة و اهتمام ، وتابعت تقول:
- ان عملك شاق ، يا هولدن. و بعض الراحة لن يضرك ابدا.
و قال ابوها:
- و ستكون مرافقا ممتازا لجازلين.
فتملك الغيظ جازلين و هي التي نادرا ما تعارض والدها. ليست بحاجة اليه و لا لأي شخص آخر لكي يعرفوها على اصدقاء محبين ، كيف يفعل بها هذا؟
امتزج الغيظ بالارتباك ، و عندما رأت اعين الثلاثة تنصب عليها ، لم تستطع البقاء في مكانها ، فقالت:
- علي ان القي نظرة على ريمي.
لم تكن تتوقع ان تتركهم بهذه السرعة ، و لكن لصبرها حدود.
و اضافت:
- لقد امضى مع السيدة ويليامز معظم النهار و لا اريده ان يصبح عبئا عليها.

لم يتحرك ريمي كثيرا منذ رأته لآخر مرة ، بل بقي في ذلك المكان البارد المسقوف بالقرميد. و لم تكن السيدة ويليامز تشعر بالضجر معه ، بل على العكس ، ازدادت محبتها له عن السابق.
اجابت على سؤال جازلين عما اذا ازعجها:
- ليس مزعجا ابدا ، و لقد احب المكان.
تركته جازلين حيث كان. لكن لم تستطع أن تعود الى غرفة الاستقبال ، لذا خرجت من الباب الخلفي. و لم يزل شعورها بالاستياء و هي تتسكع على الشاطئ و يداها في جيبي بنطلونها. كانت من اشد المعجبات بأبيها ، لكنه حقا....

كانت تحس بالاستياء ، و الغيظ و الارتباك عندما التفتت قليلا و رأت هولدن قادما نحوها ، و قد خلع سترته و ربطة عنقه.
كان امامها خياران ، اما ان تركض هاربة ، و اما ان تنتظر. لكن كرامتها حسمت الأمر فانتظرت. و عندما دنا منها سألها:
- أما زلت مستاءة؟
لقد رأى الكثير. ظنت انها تمكنت من اخفاء ارتباكها و ضيقها ، لكن يبدو ان هذا الرجل لا يفوته شيئا.
وقف على بعد خطوات منها فنظرت اليه برزانة ، و قد منعها صدقها و صراحتها من ان تدعي بانها لم تفهم ما عناه ، و اجابت:
- مشاكلي الحاضرة تكفيني ، و تغنيني عن ان يبحث لي ابي عن اصدقاء جدد.
فقال بلهجة مماثلة للهجتها:
- و ماذا فعلت انا؟
ثم اضاف يحاول اقناعها بهدوء:
- لا اظن ان اباك قصد ما فهمته. و هو ، على اي حال ، لا يعرف بأمر علاقتنا الخاصة.
نظرت اليه بعينيها البنفسجيتين ، و قد خفق قلبها للكلمتين الأخيرتين ، ثم تمتمت:
- طبعا.
و فجأة ، بدأت تشعر بالتحسن. لقد خرجت مع هولدن لتبعد عنه امرأة تتطمع بأمواله ، لكن اباها لم يكن يعلم ذلك. و هكذا ، حين وصل هولدن اليوم ، ربط ابوها بين الأمرين ، لكنه اخطأ في تخمينه. و قال هولدن:
- انت حساسة جدا.
فعاد قلبها يخفق بسرعة. حولت نظراتها عنه و هي تبحث بلهفة عن شيء.
- الجو حار بالنسبة لريمي.
فابتسم ، و بادلته الابتسام و هي تنظر اليه.

نظر اليها و سمر عينيه على فمها ، ثم سألها و هو يحولهما الى عينيها:
- هل نحن صديقان يا جازلين؟
ارادت ان يكونا صديقين. لم تشأ ابدا ان يختلفا ، فقالت موافقة:
- صديقان.
ثم مدت له يدها مصافحة ، فاخذ يدها و سألها:
- ما رأيك اذا أمضى صديقك بضعة ايام في ساندبنكس؟
نظرت اليه بجد ، و اجابت:
- أهلا بك بيننا.
فقال مؤنبا:
- لم تجيبي عن سؤالي.
حدقت فيه ، و ادركت ان الصدق هو سبيلها الوحيد:
- أود ان يمكث صديقي هنا.
نظر اليها ثم طبع قبلة على جبينها ، فتسارعت دقات قلبها. لكن ، ما ان ترك يدها و ابتعد عنها ، حتى لم يعد لتلك القبلة البريئة اي تأثير. و سألها بعفوية :
- أما زال توني يضايقك؟
فاجابت و هما يعودان الى البيت برضى:
- يبدو انني لن اتخلص منه بسهولة.
فقال بمرح:
- أتريدينني ان اوسعه ضربا؟
فقالت ضاحكة:
- ألا ترى ان هذا قليل عليه؟
و التفتت اليه فرأت المرح مرتسما في عينيه.
عندما دخلا الى المنزل امسكت بهولدن خالته ، فتركته جازلين و صعدت الى غرفتها و هي تشعر بالسعادة لوجوده هنا.
لوجود هولدن هنا؟ أقلقتها هذه الفكرة قليلا ، الى ان وصلت الى تحليل أرضاها. و تساءلت لما لا تكون سعيدة لوجوده؟ فهو الآن من اقاربها. لم يصبح صديقها و حسب ، انما هو ابن أخت غريس ايضا.
لم تكن جازلين واثقة مما ستشعر به اذا تزوج أبوها غريس. و لم تشأ ان تواجه هذه الفكرة المفاجئة ، فغريس مختلفة تماما عن زوجتيه السابقتين... لكن... لا ، لا تريد التفكير في ذلك.
اذا تزوج أبوها خالة هولدن ، فستصبح هي و هولدن ، اقارب.
و وجدت جازلين أنها سعيدة في تخيل العلاقة التي ستقوم بينها و بين هولدن ، اكثر منها بموضوع الزواج.
ألا يعني هذا أن غريس ستصبح بمثابة امها أمام القانون ، و هولدن بمثابة ابن خالتها؟
و لم يكن لديها خبرة في مثل هذه الأمور ، اذ لم يكن لديها أبناء خالة. و راحت تتساءل ، و هي تبحث عن شيء تلبسه ، عما اذا كانت الفتيات عادة يهتممن بما يلبسنه عندما يتناولن العشاء مع أبناء خالتهن. و لم تتذكر أنها شغلت بالها الليلة الماضية بما عليها أن تلبسه.
ثم قررت ان ترتدي بنطلونا اسود و قميصا حريريا ابيض ، ما دام هولدن لا يحمل معه سوى بذلة العمل التي يلبسها ، و ما دامت هي في اجازة. لكن ، لما عليها أن تطابق ملابسها مع ملابسه ، هذا ما لم تفهمه. ربما لأنها ، حساسة جدا ، كما قال لها من قبل. و نزلت الى الطابق السفلي و هي تفكر في ان هولدن قد يقصد السوق في الغد و يشتري بعض الملابس المناسبة.
لكن ، عندما دخلت غرفة الجلوس ، أدهشها ان تكتشف انه لم يكن بحاجة الى ذلك. اذ لم يعد هولدن يلبس البذلة الرسمية ، بل بذلة خفيفة رمادية اللون أنيقة جدا ، تبرز كتفيه العريضتين و رجولته الفائقة.
و لم تكن تعرف طبيعة عمله ففكرت في ان امثاله من كبار رجال الأعمال ، يحملون معهم على الأرجح ، ملابس اقل رسمية للتغيير.
و تقدمت جازلين نحوه فسألها:
- أتشربين شيئا ما؟
- نعم ، اي شيء يروي العطش.
تناولت منه كأس العصير ، و راحت تتبادل الحديث معه و مع خالته حتى حضور ادوين بالمر.

لم تدرك جازلين ان الوضع مختلف عما تصورته الا بعد ان جلسوا الى مائدة العشاء.و كانوا قد شرعوا في تناول الطعام حين دخلت السيدة ويليامز و هي تحمل زجاجة العصير ، ناولتها الى هولدن و كأنه المضيف. و فيما بعد ، سألت هولدن عما اذا كان الطعام جيدا.
- كل شيء ممتاز ، شكرا لك يا سيدة ويليامز.
حسنا ، لقد زار المكان من قبل. ألم ترحب به السيدة ويليامز عندما رأته قادما ، و كأنها تعرفه؟
اخذت جازلين تفكر في ذلك محاولة ان تجد اجوبة على الأسئلة التي تزاحمت في ذهنها. و كانت قد انهت طعامها لتوها عندما ساورها احساس ما...... شيء ما لا علاقة له بالحدس انذرها بأن هناك امرا مريبا.

- متى كنت هنا آخر مرة؟
طرحت غريس هذا السؤال على ابن أختها بعد أن كانت تحدث ادوين بالمر عن لوحة رائعة يعرضها هولدن في شقته في لندن.
و اجاب هذا الأخير:
- يوم الجمعة.
الجمعة! كان هولدن هنا يوم الجمعة الماضية ، فهتفت خالته قائلة:
- نحن جئنا يوم السبت ، بعدك بيوم واحد فقط!
- هذا صحيح.
بدأت جازلين تشعر بالضيق. انها ضيفة غريس.... و لكن بيت من هذا؟ بيت صديق غريس ام صديق هولدن؟ كان هنا يوم الجمعة و ها قد عاد!
و أخيرا ، استطاعت أن تسأله:
- هل تأتي كثيرا الى...... هذا المنزل؟
و قبل ان يجيب هولدن ضحك ابوها و قال هازئا يغيظها:
- و لما لا يأتي غالبا ، يا جازلين؟ ام انني لم اذكر لك ان هولدن هو صاحب هذا البيت؟
و عندما جلست جازلين مذهولة لا تنطق ، اضاف ابوها:
- هولدن يمضي معظم ايام الأسبوع في لندن ، لكنه ، عموما ، يعيش هنا ، ظننتك تعلمين ذلك!

شعرت بانها تريد ان تموت ، هولدن صاحب ساندبنكس؟ انه بيته اذن ، و هي ضيفته!
لقد قالت له اهلا بك بيننا ، في حين انه صاحب البيت.
يا له من احراج..... انه امر لا يطاق!

***************************

eman123
20-04-2006, 21:34
اجابت اباها:
- لم.. لم اكن اعلم في الحقيقة.
و شعرت برغبة في الابتعاد عن هذا المكان باسرع ما يمكنها. "منزلك غاية في الجمال"... شيء في داخلها حثها على ان تقول هذا من باب التهذيب ، لكنها لم تستطع سوا ان تلقي نظرة خاطفة على هولدن.
لقد لاحظت عصر هذا اليوم ، ان شيئا لا يفوته ، و ادركت من نظرات عينيه الرماديتين انه ، و بشكل ما ، يعلم ما تشعر به. فاجاب بهدوء:
- يسرني ان استضيف اصدقائي و اقاربي هنا.

لقد دعاها صديقته ، اتراها سمعت تشديدا على كلمة اصدقائي؟ هل قال انه مسرور باستضافتها؟ كانت جازلين من الانفعال بحيث لم تتأكد من ذلك. جل ما ارادته هو ان تبتعد...... ان تخرج من هنا. و لكن كيف؟
حلت السيدة ويليامز المشكلة حين احضرت القهوة. شكرت جازلين مدبرة المنزل على الطعام ، و عندما سألتها المرأة اذا ما ارادت المزيد ، قالت:
- كان الطعام شهيا يا سيدة ويليامز. لكنني لا استطيع ان اكل او اشرب اكثر من ذلك.
و بعد ان غادرت المرأة الغرفة عادت تقول:
- ارجو المعذرة.

لم توجه كلامها الى شخص محدد ، و خرجت بشكل عفوي قدر الامكان ،آملة ان يعتقدوا انها خرجت لتنزه الكلب.
فكرت ان تأخذ الكلب للنزهة في برودة المساء ، لكنها ، و بدلا من ذلك ، صعدت الى غرفتها مصممة على عدم النزول منها مجددا تلك الليلة.

شعرت بانها حمقاء. رباه ، ما احمقها حين قالت له : " اهلا بك بيننا"! يا للغباء! و ما اكرمها! و هو صاحب المنزل! فلماذا سألها عن رأيها ببقائه معهم لعدة ايام؟ و لا عجب في انه لعب دور المضيف عندما سألها عما تريد ان تشربه ، فهو فعلا المضيف. و لم يتصرف على هذا النحو لان اباها لم يكن قد نزل بعد.

آه ، لم يخبروها! كانت واثقة من احدا لم يخبرها بذلك. حتى هذا المساء لم تسمع احدا يشير الى ان هولدن هو صاحب هذا البيت ، و كانت تتساءل عما اذا احضر معه ملابس اخرى ، في حين ان لديه هنا خزانة باكملها. و امضت جازلين بقية السهرة و هي تستعيد الحديث الذي دار بينها و بين غريس و بينها و بين ابيها ، لكنها لم تجد ما يشير الى ان هذا البيت ملك هولدن. ادركت جازلين ان الأمر لا يستحق الاستياء ، كما ان هولدن قال بصراحة انه سعيد باستضافتها لأنها صديقته. لكنها مع ذلك لم تشعر بأي تحسن في حالتها النفسية.

لم تنم جيدا تلك الليلة ، و استيقظت باكرا و الأفكار نفسها تتصارع في ذهنها. قفزت من سريرها و توجهت الى الحمام و هي لا تزال تشعر بأن كرامتها مجروحة ، و عادت تتذكر كيف قالت له اهلا بك بيننا.

لعلها حساسة ، لكن كأي شخص آخر لا بد ان يشعر بالحرج في ظروف كهذه. و انتابها احساس بالتعاسة و هي ترتدي ملابسها. اختارت سروالا قصيرا و بلوزة و حذاء خفيف ، ثم غادرت الغرفة.

كان ريمي في انتظارها و حياها قبل ان تصل الى اسفل السلم.
قالت حين راح يهز ذيله متحببا:
- لا بأس عليك.

و اخذته و خرجا معا للنزهة. لا احد غيرهما في مثل هذه الأنحاء في مثل هذه الساعة. و لن يهرب ، فلم تزعج نفسها بالإمساك به.

اخذ ريمي يسابقها ، ليعود بعد قليل ، مبديا فرحه باللعب على الشاطئ الخالي. و راحت جازلين تفكر في انها كانت سعيدة مثله حتى عشاء ليلة امس. و تذكرت حين قالت له : " اهلا بك بيننا ".

و اخيرا توصلت الى حل و هو انها سترحل عن هذا المكان اليوم ، لكنها لم تكن واثقة من قدرتها على تنفيذه. و بعد ان قطعت شوطا طويلا ، ادركت ان هذا هو الحل المناسب الذي عليها ان تعتمده.

و استدارت عائدة. شعرت في اعماقها بعدم الرغبة بالرحيل ، إلا ان الكبرياء ، و الحرج ، و الشعور بالإهانة... ايا كان إحساسها بالتحديد ، طالبها بالعودة الى بيتها في " باكينغهامشاير" كحل انسب. حتى ان توني و إلحاحه المزعج بدا لها اهون الشرين. لكن ما الذي كان يدفعها للتصرف بهذه الطريقة ، فهذا ما لم تكن تعرفه.

و ادرك ريمي انها عائدة للبيت ، فقام بدورة سريعة عاد بعدها الى جانبها. و استغرقت جازلين في التفكير في موضوع رحيلها ، يا ليتها جاءت في سيارتها ! لكن بما انها لم تشأ ان يحدث رحيلها اي ضجة ، فكرت في ان تطلب سيارة اجرة لتوصلها الى اقرب محطة قطار. ستترك ريمي مع السيدة ويليامز و سيكون سعيدا جدا ، كما ان المرأة تسر بصحبته ، و لن تمانع في بقائه معها عندما يخرج ابوها و غريس.

و بعد ان عقدت العزم، حثت الخطى باتجاه المنزل. لكنها اضطربت فجأة ، و هي تنظر الى البعيد. رأت شخصا يتقدم نحوها بخطى واسعة ، قادما من ساندبنكس.
و لم يكن اباها. رآه ريمي ايضا فانطلق نحوه بسرعة فائقة و شرع يحييه بفرح غامر. و عادت تجد في سيرها ، و قد احست بالإحراج فلم تشأ ان تتلكأ او ان تتكلم. اقترب هولدن منها ، فاخذت نبضات قلبها تتسارع.

حيته ببرودة و حزم:
- صباح الخير.
لم تستطع ان تتجاهله ، فهو مضيفها. لكن لما تشعر بمثل هذا الاضطراب؟ كانت على وشك ان تتجاوزه بسرعة ، عندما مد هولدن يده و امسك بذراعها ثم ادارها لتواجهه.
- هاي ماذا فعلت انا؟
طرح سؤاله و هو يقف امامها فارع القامة ، طويل الساقين ، مرتديا سروالا قصيرا مثلها.
- كلب شقي!
كان هذا كل ما تمكنت من قوله و هي تبلع بريقها.
فهتف بدهشة:
- ماذا؟ انا؟
فسارعت تقول:
- اعني ريمي.
و كان هذا الأخير يدور حوله و يقفز بنشاط.
- لقد عرفني.
فردت ببرودة:
- لم اكن اعلم انكما تعرفان بعضكما.
نظر اليها هولدن بحدة ، فرأت ان برودتها لم تعجبه على الإطلاق.. حسنا ، لن يضطر الى احتمالها لوقت طويل ، فسرعان ما سترحل من هنا. لكن لهجته كانت متزنة و هو يقول:
- لقد قمنا بنزهة طويلة معا الليلة الماضية.
إنه يجعلني اشعر بالذنب... و لما لا يفعل؟ و تمتمت:
- شكرا.
يمكنه ان يصطحب ريمي في نزهة طويلة اخرى ، الليلة. و كان قد ترك ذراعها فتحولت عنه لتتابع سيرها.
و كرر هولدن سؤاله:
- لكن ماذا فعلت لك؟
يبدو انه يرفض عدم الحصول على اجوبة لأسئلته.
- لا شيء.
ثم اضافت برزانة:
- سأرحل الليلة.
فقال بحدة و سرعة و عيناه العنيدتان الرماديتان تحدقان في عينيها البنفسجيتين الجميلتين:

eman123
20-04-2006, 21:35
- هل لانني بقيت هنا؟
قالت له باندفاع:
- لم اكن اعرف انك صاحب هذا البيت.
فاجاب:
- و هل علي ان اعتذر لذلك؟
ارادت ان تضحك. ما بال هذا الرجل؟ جملة بسيطة منه تكفي لتوقظ فيها حس الفكاهة.
- لا و لكن.... و لكنك لا تريد ان يحتل الجميع بيتك.
- إنك تحاولين دفعي بهذا القول ، الى الترحيب بك مجددا.
فقالت و قد فارقتها الرغبة في الضحك:
- انا راحلة.
- اريدك ان تبقي هنا.
عكس صوته تصميمه على ذلك. و عندما هزت رأسها ، تابع متحديا:
- و هل علي ان اتلقى العقاب لأنك ضيفتي و لم تعودي ضيفة خالتي؟
- على شخص ما ان يتلقى....
و سكتت فجأة و هي تحملق فيه مضيفة:
- العقاب؟
فقال بحدة:
- اسمعي ، يا جازلين بالمر... لقد اتفقنا ، انا و انت ، على ان نكون صديقين. و سأكون مرتاحا معك ، اذ اعلم جيدا انك لا تخططين للزواج مني.
فقالت بازدراء:
- الزواج منك؟
- بالضبط. اعرف ان ما اقوله غرور مني ، لكن علي احيانا ان اتهرب. و بما انك تفكرين مثلي ، اشعر بالراحة معك ، اذ بامكاني ان استمتع بصحبتك دون الخوف من ان تخططي للزفاف.
و هتفت جازلين:
- لا سمح الله.
و اقرت بان حدة توترها قد خفت ، بعد ان قال لها انه يريدها ان تبقى ، و انه يستمتع بصحبتها

eman123
20-04-2006, 21:36
لكنها حملقت فيه مجددا حين قال يحثها:
- كوني لطيفة يا جازلين ، فانا احتاجك هنا لتحميني من مساعي خالتي و نواياها الحسنة.
فسألته مجفلة:
- غريس؟
- نعم و بالرغم من معزتي لها ، فلا شيء يسرها اكثر من ان تبحث لي عن امرأة يمكننا ان نبني معا قصورا من الاحلام. هذا اذا لم تكوني هنا طبعا.
فهتفت:
- انت لست جادا.
إنه يعيش هنا في اغلب الاوقات ، و لعله يعرف كل امرأة في المنطقة.

و لكن...

و هتفت فجأة:
- آه..............

نظر اليها متسائلا ، فقالت:
- الحديث عن قصور الاحلام ذكرني بان لدي موعدا الليلة.
فسألها على الفور و بجدية:
- مع من؟
اجابت و قد فوجئت بحدته فلم تستطع المراوغة:
- مع دايفد مسغروف.
- الطبيب؟
- نعم. لقد عرفتني اليه خالتك.
فقال ببطء:
- هل فهمت ما اعنيه؟ خالتي ذات موهبة فريدة في.....
- لم تقصد ان تعرفنا ببعضنا ، و انما قابلناه صدفة و هو خارج من بيت مريض. لقد نسيت موعده ، لكني كنت طبعا سأتذكره قبل ان اركب القطار.

لكن لم يبد على هولدن الاقتناع.
- هل سترحلين و تتركيني تحت رحمة خالتي؟ ظننت اننا اصبحنا صديقين.
عاتبها بظرف جعل دفاعاتها تنهار ، و سألته بجدية:
- هل........ تريدني حقا ان ابقى؟ اعني بصفتي ضيفتك؟
كانت عيناها مسمرتين على عينيه ، فاخذ يبادلها التحديق دون ان يحول نظراته عن وجهها ، ثم ابتسم ابتسامة رائعة ، و هو يقول:
- و من غيرك يمكنها ان تسبح معي بثيابها هذه؟
اختنق صوتها ، و بعد عودته الى طبيعته ، تابعت تقول:
- هل تقترح علي ان اسبح بملابسي؟
تحولت ابتسامته الرائعة الى ضحكة اخاذة ، و علق قائلا:
- اذا خلعت ملابسك سأخلع ملابسي بدوري.

اخذت تحدق فيه مطولا.. و اذا بالتوتر و الصدمات التي عانت منها في الاسابيع الماضية قد تبددت فجأة. و سرى في كيانها شعور رائع براحة البال ، فمدت يدها اليه :
- هل نحن صديقان؟
امسك بيدها يهزها ، مسمرا عينيه على وجهها ، وغمرها الفرح حين قال:
- صديقان.
و عندما تركت يدها تخلصت من خفيها ، و قلبها يخفق بسرعة ، ثم قالت له قبل ان تقفز الى البحر:
- ما الذي يؤخرك؟
كان الوقت مبكرا و حرارة الشمس لا تزال معتدلة ، فخرجت من غطستها و اسنانها تصطك.
التفتت و رأت هولدن يسبح بالقرب منها. اما من منهما غطس اولا ، فهذا ما لم تعرفه و ان كانت تعتقد بانه سبقها. صرخت:
- المياه باردة جدا.
- ألست مسرورة لأنك لم تخلعي ثيابك؟
فضحكت. لم تشعر بمثل هذه الحرية و السكينة.

و لم يلبثا طويلا في الماء لبرودتها ، واصر هولدن على ان الهرولة الى المنزل ستفيدهما اكثر من البقاء في الماء حتى يتجمدا بردا.

و هكذا هرولا معا نحو البيت ، و راح هولدن يبطئ من خطواته ليجاري خطواتها ، فيما سبقهما ريمي. و عندما توقفا في الردهة قبل ان يفترقا ، قال هولدن و هو يتأمل وجهها المشرق و شعرها المبتل:
- و الآن حمام ساخن. انت حقا اغرب فتاة عرفتها.

خرجت الكلمات من فمه بعفوية بالغة و كأنه لم يستطع منع نفسه من ذلك.
فردت هازئة:
- انت تقول هذا لانني صديقنك الوحيدة البلهاء التي تصدق كل ما تقوله.
ثم هتفت و هي ترى ملابسها المبللة تقطر ماء:
- انني اتلف سجادتك.
و هرعت الى السلم فصاح في اثرها:
- هل ستبقين؟
و عند قمة السلم استدارت نحوه ثم انحنت قائلة:
- شكرا على دعوتك هذه يسرني جدا ان ألبيها.

eman123
20-04-2006, 21:37
أومأ هولدن رأسه بصمت ، ثم توارى عن الانظار ، بينما ركضت جازلين الى غرفتها. لكنها لم ترى السعادة في عينيها التي عكستها مرآة الحمام إلا بعد ان اغتسلت و جففت شعرها. عند ذلك ، ساورها اول شك بالنسبة لصداقتها مع هولدن هاتاواي.

أحست بالسعادة و هي تتحدث اليه.. و بالسعادة و الحبور البالغين و هي تسبح معه بكامل ثيابها. كما ضحكت معه و هما يهرولان عائدان الى البيت. فهل هذه السعادة امر طبيعي مع شخص هو مجرد صديق؟

كان لديها اصدقاء آخرين ، لكنها لم تشعر مع اي منهم بالتألق و الحماسة اللذين تشعر بهما مع هولدن. فهل ذلك يعود إلى الراحة و تبدد التوتر الذي سببه لها توني بمكالماته المتواصلة؟ لم تكن واثقة من السبب.

كانت سعيدة من قبل دون ان تعي سعادتها تلك. لكنها مع هولدن ، تشعر بسعادة مختلفة ، و كأن كل شيء يزداد عمقا ، و أصبحت تدرك سعادتها مما جعلها تشعر بالحذر.

ها قد استيقظ المنزل و دبت الحركة فيه. بقيت جازلين في غرفتها ، و قد احست بالغريزة أنه من الافضل تجنب الاحتكاك بهولدن ، بما أنها قررت البقاء.

و اكتشفت فيما بعد ان الأمر سهل للغاية فحين غادر أبوها غرفته ، نزلت إلى غرفة الطعام تناول الفطور ، فوجدت أن غريس و ابن أختها قد سبقاها و هما يتشاوران حول الذهاب إلى السوق. سألت غريس إدوين بالمر:

- سيأخذني هولدن إلى السوق ، هل تريد مرافقتنا؟

فأجاب بلهجة ديبلوماسية:

- لا ، إلا إذا رأيت أن ذهابي معكم ضروري.

فقالت باسمة:
- ألا تريدين مرافقتنا يا جازلين؟

فأجابت هذه الأخيرة:
- أفكر في الرسم اليوم.

سألها هولدن ببساطة و قد بدا أنه لا يهتم بمرافقتها لهما:
- أتريدين أن أحضر لك شيئا معي؟

- لا شكرا.

و بعد مغادرتهما ، حملت مظلة كبيرة و خرجت و هي تتساءل عما حدث لها. كانت واثقة من أن هولدن سيسعده أن تذهب معهما بسبب صداقتهما ، لكنها اكتشفت أن رفضها لم يزعجه!

لكن ، ماذا عن مشاعرها هي؟ كانت سعيدة قبل فترة ، و لا تزال ، و كما تظن ، إنما ثمة شيء ما يضايقها. غرست المظلة في الرمل ، و طردت من عقلها ذلك الشعور بالغيظ. ما الذي جعل مزاجها يتكدر؟ و بعد ساعات كانت لا تزال في مكانها ، تفكر في إلغاء موعدها مع دايفيد مسغروف.
و عندما نهضت و نظرت الى الشاطئ ، رأت من بعيد أباها و غريس يسيران على الشاطئ يدا بيد ، لقد عادا اذن!

و تملكها انزعاج سخيف ، فهولدن الذي يرغب في اقامة علاقة صداقة معها أثناء إجازته القصيرة هذه ، لم يزعج نفسه بالبحث عنها، و تمالكت نفسها .... رباه ، و هل هذا يهمها حقا؟ أما بالنسبة لإلغاء موعدها مع الدكنور دايفيد ، فلن تفعل ، بل ستذهب و تمضي وقتا طيبا.

و لا يعني هذا أن خروجها الليلة سيزعج صديقها بأي شكل من الأشكال. و أبعدت فكرة أنها ترغب في أن يشعر بالانزعاج! لأن هذا غير صحيح. لا بد أن تجربتها مع توني جونستن قد زعزعت استقرارها النفسي أكثر مما توقعت. عادت عند الغداء إلى البيت فصعدت إلى غرفتها لتسوي من شأنها. و حين نزلت ، وجدت الجميع في غرفة الطعام ، فقالت تعتذر:
- أتراني تأخرت؟ آسفة.

أجابت غريس باسمة:
- أنت لم تتأخري إنما نحن مبكرون.

فقالت جازلين و هي تجلس:
- هل كان السوق جيدا؟

فتدخل هولدن يسألها:
- و هل رسمت اشياء جيدة؟

نظرت جازلين إليه ، دمثا ، ودودا ، وسيما ، ثم قالت تعترف:
- أنا ميئوس مني بالنسبة إلى الرسم.

eman123
20-04-2006, 21:38
فقال بمرح:
- لا يمكن أن تجيدي كل شيء.

أرادت أن تضحك ، و أجابت:
- هذا صحيح.

و تعجبت كيف جعل قلبها يخفق عندما ابتسم.
قالت غريس معلقة على كمية السلمون الصغيرة التي وضعتها جازلين في طبقها:
- أنت لا تأكلين كثيرا.

ثم أضافت ، و كأنها تذكرت لتوها:
- لا بد أنك توفرين شهيتك للعشاء مع دايفيد مسغروف الليلة.

ابتسمت جازلين لها ، لكن قبل أن تجيب ، كشف هولدن عن عدم اكتراثه بالموضوع ، حين قال بمودة:
- سأخرج أنا أيضا هذا المساء ، و يمكنني أن أوصلك إلى موعدك إذا شئت!

إلى أين تراه يذهب؟ إلى موعد على ما يبدو ، و ابتسمت له و هي تتناول السلطة ، قائلة :
- دايفيد سيأتي لاصطحابي ، شكرا لك.

و كما لاحظت غريس ، لم يكن لدى جازلين شهية.
أمضى هولدن عصر اليوم في مكتبه ، و لم يظهر عندما فتحت جازلين الباب لدايفيد مسغروف. كانت جاهزة ، لكنها دعته للدخول لتقدمه إلى أبيها. و عندما غادرا بعد دقائق ، قالت غريس تودعهما :
- اتمنى لكما وقتا طيبا.

و انطلقت السيارة ، فسألها دايفيد :
- كيف تقضين إجازتك؟
أجابته:
- باسترخاء رائع.
- ألم تسبحي بعد؟
- بلى ، هذا الصباح.

أجابته على سؤاله و لم تستطع إلا أن تبتسم للذكرى.
كان دايفيد مرافقا لطيفا للغاية. لكن جازلين أدركت أنه ليس من النوع الذي يمكنه أن يدعوها للسباحة بثيابها ، كما فعل هولدن.

بدا لها من غير اللائق أن تفكر في هولدن فيما هي برفقة شخص آخر ، فأخذت تركز انتباهها على كلامه. لكن ذلك لم يكن سهلا ، لأنها وجدت نفسها تحاول دوما أن تبعد صاحب ساندبنكس عن أفكارها.

جالت بنظراتها في أنحاء المطعم و كأنها تتوقع أن يختار المطعم نفسه لتناول العشاء ، لقد أكد أنه سيتناول العشاء خارج المنزل الليلة. و تساءلت ، بشيء من الاستياء ، عما يجعله بحاجة إلى صديقة؟ كل ما عليه أن يفعله هو أن يخبر خالته أنه يريد مرافقة ، فتمارس هذه هوايتها المفضلة و تعرفه إلى فتاة عزباء.

و مع ذلك ، و بما أنها ستمضي أسبوعين في ضيافته ، أقل ما يمكنها أن تفعله لكي ترد له جميله ، هو أن تلعب دور مرافقته التي لا تطمح للزواج منه.

و مجددا ، أبعدت هولدن عن أفكارها ، و سألت دايفيد:
- بما أنك تتعرض للضغط في عملك ، فهل تحب مهنتك كطبيب؟

و عندما أخذ يخبرها عن عمله ، حاولت جهدها كي تركز انتباهها على حديثه.
أنهيا العشاء عند الساعة العاشرة و النصف ، و حين اقترح دايفيد أن يتمشيا في الأنحاء لبعض الوقت ، رفضت جازلين. كانت تشعر نحو دايفيد بالمودة ، إنما أرادت العودة للمنزل.
- هل تمانع اذا لم نفعل؟ أريد أن أنهض باكرا في الغد لأخذ الكلب للنزهة قبل أن يصبح الجو حارا.

اختلقت هذا العذر كي لا تجرح شعوره.
و عندما وصلا إلى المنزل بعد الحادية عشرة بقليل ، رأت نوافذ عدة لا تزال مضاءة. نزل دايفيد من السيارة ، و كانت جازلين تنوي شكره على هذه السهرة الممتعة ، و توديعه ، لكنها لم تجد الفرصة لذلك. إذ ما إن فتحت فمها لتتكلم حتى ظهر هولدن فجأة مع الكلب.
حيا مرافقها بلطف و هو يتقدم ليصافحه:
- مرحبا ، يا دايفيد.

و عندما انحنت جازلين لتداعب الكلب ، دعاه للدخول:
- هل تود الدخول لاحتساء فنجان قهوة؟
- هذا يسرني.

قبل دايفيد الدعوة ، و بقيت جازلين مصعوقة... لا بأس ، إنه بيت هولدن ، لكن من المفترض أن تدعو هي مرافقها لشرب فنجان قهوة أو لا تدعوه.
و عندما دخل الثلاثة ، سألها هولدن بعفوية:
- أين تناولتما العشاء؟
- في مكان رائع في "أولدشيلينغ"

تبين أن هولدن دعاهما إلى المطبخ كما افترض أنها ستحضر القهوة بنفسها. و ما نفع الأصدقاء إذن؟ راحت تعد ثلاثة فناجين من القهوة فيما أخذ الرجلان يتحدثان عن المطاعم في قرية "هافرتن" و محيطها.
قالت باسمة:
- القهوة.

و جلست إلى مائدة المطبخ حيث تحول ريمي باهتمامه إلى هولدن ، و تشعب الحديث ليصل إلى موضوع الهندسة في المجال الطبي.

و بعد خمس دقائق ، تملكها السأم من الرجلين و الكلب ، و لم تعد تحتمل ، فتوجهت إلى الحوض تغسل فنجانها. و عندما توقف الحديث للحظة قصيرة ، قالت بعذوبة بالغة:
- إذا لم يكن لديكما مانع ، سأخلد إلى النوم.

وقف الرجلان على الفور ، و سألها دايفيد:
- هل أنت مضطرة للذهاب الآن؟

لا بد أنه يعتقد أن حديثه مع هولدن لم يستغرق سوى ثوان.
قالت له و هي تبتعد عنه قليلا كي لا يفكر في تقبيلها على خدها مودعا:
- شكرا لك على هذه السهرة الجميلة.

ثم أضافت تخاطب هولدن دون ان تنظر إليه... فهو الذي دعا دايفيد إلى الدخول ، و عليه أن يستضيفه و يكرمه :
- هولدن... لا أريد أن تصحو السيدة ويليامز لترى منظر الصحون القذرة في الحوض.

بعد ذلك رفعت نظرها إلى هولدن ، فلم ترى أي أثر لأوامرها عليه.
لكن إذا لم تكن مخطئة ، رأت الضحك يتراقص في عينيه الرماديتين الجميلتين.
و قال موافقا بلطف:
- و لا أنا.

فقالت :
- تصبحان على خير.

و سارعت إلى مغادرة المطبخ. و لشدة غضبها منهما ، صعدت السلم ركضا و هي تعترف بأنها ، و بعد هذه السهر الممتعة ، تشعر بأن مزاجها منحرف كليا.

الدانه الحلوة
20-04-2006, 21:40
مرحبا إيمان كيفك شكرا على الرواية
ولكن فيه قصة أنتي بادية فيها وهيا أهديتك عمري ليش ماتكمليها لأني دورتها ما لقيتها

eman123
20-04-2006, 21:41
الجزء الرابع : المسموح.... و الممنوع!


لم تتعمد النهوض باكرا لكن وفاء بعهدها و لكي تريح ضميرها ، استيقظت مع بزوغ الفجر. و إذ لم تجد فائدة من البقاء في السرير ، استحمت ثم ارتدت بنطلون من الجينز و قميصا ابيض ، و خرجت بحثا عن ريمي.
أخذ يهز ذيله حين رآها.

- هيا بنا ، إذن.

و لم يكن بحاجة الى مزيد من التشجيع.
سارت جازلين في الطريق نفسه الذي سلكته صباح الأمس. لكنها هذه المرة لم تلمح أي أثر لهولدن و هي عائدة. و لا يعني هذا أنها أرادت ذلك ، لم تصدق أنها ، منذ أربع و عشرين ساعة ، امتثلت لتحريضه و قفزت الى البحر بملابسها الكاملة.

زمت شفتيها ، ثم عادت و ابتسمت. لم تشأ أن تظهر روح النكتة عندها ، لكن الأمر كان مضحكا ، و إذا ما أرادت أن تنظر إلى الجانب المضحك من الأمر ، لضحكت على الطريقة التي تركت فيها هولدن مع دايفد يتحدثان و هما يشربان القهوة.

و تذكرت كيف عاد هولدن من موعده قبلها في الليلة الماضية ، و كيف أخذ ريمي لينزهه ، مما يدل على أن موعده لم يكن مهما.

و بما أنها لم تنم جيدا ، و لم يكن مزاجها مشرقا عندما غادرت المنزل ، شعرت بتحسن في نفسيتها عند عودتها. و أدركت حين دخلت الى البيت أن النزهة قد افادتها.

تركها ريمي و اندفع نحو هولدن الذي كان ينزل السلم.
قالت له لأنها استيقظت قبله بساعة:
- أطلت النوم اليوم!

فرد مداعبا مشيرا إلى أن ضميرها المثقل هو الذي أبقاها مستيقظة:
- لأن ضميري مرتاح.

و حين اجتمعا عند أسفل السلم ، أضاف:
- أيقظيني في صباح الغد ، إلا إذا كنتي تفضلين أن تبقي وحيدة.

- ملابس السباحة هي التي لا تعجبني.

و ضحكت و هي تصعد السلم ، يبدو أن هذا النهار سيكون رائعا.

توجه ريمي نحو السيدة ويليامز بعد الفطور. و فيما ذهب إدوين بالمر مع غريس في السيارة و حمل هولدن بريده و دخل مكتبه ، توجهت جازلين الى المطبخ لتعرض خدماتها على السيدة ويليامز. لكنها وجدت أن نانسي قد وصلت لتوها من القرية ، و بالتالي لم يكن هناك حاجة لخدماتها. فصعدت الى غرفتها و غيرت ثيابها ، ثم حملت بيدها الدفتر و أدوات الرسم ، و باليد الاخرى المظلة ، و غادرت المنزل الى مكانها المفضل.

استقرت في مجلسها ، لكن دفتر التخطيط بقي خاليا من الرسوم. تناولت كتاب احضرته معها ، فوجدت نفسها تعيد قراءة الفقرة نفسها مرارا و تكرارا. لم تكن تعلم الى متى سيبقى هولدن هنا ، و كم من الوقت يمكنه التغيب عن عمله. إنما سرها أنه في إجازة و لو أنه بقي في مكتبه في هذه اللحظة.

عندما مالت الشمس ، نهضت لتعدل من وضع المظلة ، و فكرت في العودة للمنزل لإحضار ثوب السباحة ، لكنها قاومت هذه الفكرة و عادت تركز على كتابها. و بعد عشر دقائق شعرت بقلبها يخفق بقوة عندما ظهر هولدن أمامها فجأة. كان يحمل بساطا في يد ، و زجاجة مرطبات و كأسين في الأخرى.

سألته و قد شعرت بعقدة غريبة تربط لسانها و بحاجتها إلى قول شيء ما :
- من أذن لك أن تغادر مكتبك؟

- كنت واقفا عند نافذة غرفتي حين رأيت من بعيد آنسة عطشى ، ماذا تقرأين؟

أرته جازلين غلاف الكتاب و هي تقول:
- إنه مشوق.

مع أنها لم تنهي ثلاث صفحات في ثلاثة أرباع الساعة.
فقال:
- لقد قرأته ، كنت واثقا من أن المراقب هو القاتل ، لكن الفاعل هو ....

- إياك أن تكشف الفاعل!

eman123
20-04-2006, 21:41
ضحك هولدن ، قال لها:
- الرمال تغطيك انهضي.

يا له من رجل عنيف مستبد! لكنه يعجبها. وقفت ، و انتظرت حتى فرش البساط ، ثم عادت ترتاح عليه. و سكب لها كأسا و جلس بجانبها. بعد ذلك ، قال:
- لقد اتصل مسغروف.

- ليسأل عني؟

- طلبت منه أن يتصل لاحقا. هل ستخرجين معه مرة أخرى؟

فقالت:
- ألا تظن أن علي أن أنتظر حتى يدعوني؟

- سيدعوك.

- سأنتظر إلى ذلك الحين.

و ذكرها قائلا:
- سيكون ترتيب ذلك الموعد اثنين من ثلاثة.

فتذكرت أنها أخبرته أنها نادرا ما تخرج مع أي رجل أكثر من ثلاث مرات ، فأجابت ضاحكة:
- سأبقى هنا لمدة أسبوعين فقط.

و اختار طير النورس هذه اللحظة ليحلق فوق رأسيهما ، فتحول الحديث إلى طيور النورس.

و أثناء الأيام القليلة التي تلت ، خيل إليها أنهما تناقشا في كافة المواضيع تحت الشمس. و اعتادت أن تسبح مع هولدن عصر كل يوم ، و لم يكن عليها أن توقظه صباحا ليصطحبا ريمي في نزهته الصباحية الباكرة إذ نهض قبلها و ارتدى ثيابه ثم جلس ينتظرها على كرسي أثري في فسحة السلم و الكلب بجانبه.

خفق قلبها كما في الأمس عندما خرجت مع هولدن و الكلب إلى الشاطئ ، و سألها عن عملها و هواياتها. مثل هذا الحديث يمكن أن يجري بين أي صديقين جديدين يتعرفان على بعضهما البعض ، و لا يمكن أن يفسر بأكثر من ذلك.

كانت جازلين تشعر بالارتياح مع هولدن و بالاسترخاء و الاطمئنان. و أحست أن بإمكانها أن تتحدث معه بأي موضوع ، و هذا ما اعتادت أن تفعله. سألته عن عمله ، أسفاره... أرادت أن تعرف من هي صديقته التي خرج معها ليلة الثلاثاء ، لكنها لم تسأله.

نظرت من نافذة غرفتها صباح يوم السبت ، فرأت أن الطقس مشمس رائع. كان دافيد قد اتصل بها بالأمس و دعاها للخروج معه ، لكنها رفضت دعوته. حلت العطلة الأسبوعية ، لهذا تصورت أنه لن يتصل بها مجددا قبل يوم الاثنين.

لن تضيع جازلين الوقت سدى ، فهي في إجازة و حرة... كما أن الجو رائع ، فلم الانتظار؟ و هكذا ، أسرعت تغتسل و ترتدي ملابسها ثم غادرت غرفتها.

أخذا يتمشيان ، يتوقفان ، و يتحدثان و يسرعان الخطى احيانا.
- أليس هذا رائع و يبعث على السعادة؟

و تنهدت جازلين شاعرة بالارتياح و بالانسجام مع كل ما حولها.

- هل تستمتعين بإجازتك؟

سألته:
- ألا يبدو هذا جليا؟

و دهشت حين توقف عن السير ، و عندما توقفت بدورها ، نظر إلى وجهها و قال:
- تبدين أقل توترا مما كنت عليه عند قدومك.

بدا جديا ، و لم تكن تريده هكذا ، بل أرادته صديقها الذي يضحكها.

و انتبهت إلى أنهما يشيران إلى تأثير توني جونستن عليها ، لكنها شعرت أن هذا الأخير بعيد جدا عنها ، و هي لا تريد ما يذكرها به.

أجابت مشرقة الوجه:
- لم أعد متوترة أبدا.

راح هولدن يتأمل وجهها ، و استقرت عيناه على عينيها البنفسجيتين الصافيتين ، ثم انتقلتا إلى فمها الجميل ، و إلى ذقنها و ملامحها الرقيقة. قال:
- أتعدينني بشيء؟

بدا أكثر جدية من قبل ، و لم تشأ أن تراه هكذا. لكن يبدو أنه لن يتراجع قبل أن تعده ، فأجابت:
- إذا أمكنني ذلك.

- عندما تعودين إلى بيتك ، إذا عاود توني الاتصال بك ، أو إذا وجدته ينتظرك في مكان ما ، عديني بأن تتصلي بي كي أتصرف و أنهي الأمر.

أجفلت ، ثم سألته:
- لما لا أخبر أبي؟

- مما رأيته حتى الساعة ، أظنك ستتحملين أسابيع أخرى من الإزعاج قبل أن تخبري أباكي.

و أدركت جازلين أنه على حق ، و لكن ، كم من الوقت سيحتاج توني قبل أن ينهكها مجددا؟
يا له من رجل رقيق حنون! و قالت برقة:
- لا أظنه سيتصل ثانية ، فعلا لا أظن ذلك.

فأصر قائلا:
- عديني.

- و لكن..

شرعت تحتج فهذه مشكلتها هي و ليست مشكلته.

- عديني!

كان شديد العناد ، لكنه صديقها أيضا:
- أعدك.

أذعنت لأنها لم تجد حلا آخر. و وقفت على رؤوس أصابعها ، و طبعت قبلة على وجنته ، ثم هتفت:
- هل هذا مسموح بين الأصدقاء؟

تسمر هولدن للحظة طويلة... طويلة جدا يحدق فيها. و فجأة انتابها شعور غريب بأنه سيبادلها قبلتها هذه ، لكنه لم يفعل. و بدلا من ذلك ، حول نظراته نحو البحر ، ثم قال و قد غاب الجد عن نظراته :
- سأعتبر حالتك هذه استثنائية ، لكن لا تجعليها عادة.

لم تجد سوى أن تضحك ، ثم عاودا السير.
و عندما عادا إلى البيت ، صعدت جازلين إلى غرفتها لتبدل ملابسها قبل أن تنزل مجددا لتناول الفطور.
دخلت إلى غرفة الطعام ، و جالت بنظرها فيها لترى إن كان هولدن موجودا ، فنظر إليها هذا الأخير بمودة.
- صباح الخير.

eman123
20-04-2006, 21:42
ألقت التحية بشكل عام ، و اكتشفت أنها وصلت وسط حديث عن الذهاب إلى السوق. و يبدو أن غريس و السيدة ويليامز قد وضعتا لائحة بالمشتريات.

قالت جازلين تداعب أباها لأنها تعرف أنه يكره التسوق على أنواعه:
- أبي يعشق التسوق في السوبر ماركت.

فقال إدوين بشهامة و قد شحب وجهه قليلا:
- من أجلك يا غريس ، أنا مستعد لإلغاء جولة الرسم هذا الصباح.

فتدخل هولدن قائلا:
- لا حاجة لذلك ، سأذهب أنا.

و استقرت عليه الأعين كلها ، و قالت خالته ذاهلة:
- لا يمكنك ذلك ستعود بالمشتريات غير المناسبة.

كانت جازلين واثقة من أن غريس على حق ، رغم اعتقادها بأن تنقله في السوبر ماركت مع عربة المشتريات ، أشبه بالإجازة مقارنة مع عمله الشاق.
و وجدت نفسها تقول:
- سأذهب معك إن شئت.

و قبل عرضها هذا على الفور ، فقال بجفاء:
- الحمدلله لأنك نطقت أخيرا.

و كي يصل قبل ازدحام السوبر ماركت ، قررا الذهاب بعد الفطور مباشرة ، و عندما جلست بجانب هولدن في سيارته ، و هما في طريقهما إلى أقرب مدينة ، أدركت كم تشعر بالاطمئنان معه. و اعترفت بأن هذه الإجازة أفضل إجازاتها ، رغم أنها زارت أماكن أكثر جمالا و روعة في ما مضى.

أخذت تتساءل عما إذا كان هولدن يستمتع بإجازته هو أيضا ، فخطر ببالها فجأة أنه قد يعود إلى العمل يوم الإثنين القادم. لقد قال نهار الاثنين الماضي إنه أخذ إجازة لبضعة أيام ، و بما أنه يمضي معظم أوقاته في مكتبه.... و شعرت فجأة بأنها تريد أن تعرف ، فسألته:
- هل ستعود إلى العمل يوم الاثنين؟

- ما الذي جعلك تطرحين هذا السؤال الآن؟

فقالت تذكره:
- لأنك قلت إن إجازتك لبضعة أيام فقط.

- لما لا ترفعين علي العصا؟

فابتسمت و قالت بصراحة:
- لأني سأفتقدك على ما أظن.

فأجابها:
- و أنا أيضا استمتعت بصحبتك.

و دخل موقف السيارات بحثا عم مكان لسيارته ، ثم سألها:
- هل أحضرت القائمة؟

- انت الذي أحضرتها معك.

ساورها شيء من الضيق. قال إنه استمتع بصحبتها ، و كأنه يطلب منها أن تمرر له الملح على المائدة ، رغم أن تعليقه هذا مجاملة. و لكن ، ما الذي يجعله يجاملها؟ إنهما صديقان فلماذا يجاملها؟ تبا لمثل هذه الأفكار.

و عادت إلى جازلين حس الفكاهة و هي ترى طريقة تسوقه.

- من يعتني بك في لندن؟

لم تستطع منع نفسها من طرح هذا السؤال عليه و هي تعيد إلى الرف عدة علب من مربى المشمش لم تكن مسجلة في القائمة.

أجابها متحديا إياها أن تناقشه:
- أنا أعتني بنفسي.

لكنه أكمل يقول:
- في المناسبات أتناول الطعام في الخارج.

- في المناسبات فقط؟

- هل تريدين أن تشكوني لخالتي؟

- لا ما دام سلوكك حسنا.

كانت سعيدة باعترافها. ثم رأت طفلا حلوا في العربة مع والديه فلاعبته قائلة:
- مرحبا ، يا حبيبي.

سألها هولدن بعفوية و هما يتابعان التنقل:
- هل تحبين الأطفال؟

فأجابت بذهن شارد و هي تنظر إلى قائمة المشتريات :
- ألا يحبهم كل إنسان؟

- و مع ذلك .... قررتي ألا تتزوجي أبدا.

كلامه هذا جعل جازلين تنسى القائمة و ترفع نظرها إليه ، بدت ملامحه جادة. كان السوبر ماركت مزدحما ، لكن هولدن تمكن من أن يدفع عربة المشتريات إلى مكان منعزل نسبيا.

و قررت أن تعطيه جوابا جادا:
- لأنني حتى الساعة لم أعثر على الرجل الذي أتمنى أن يكون والد طفلي.

شعرت أنها أجابت على الموضوع بشكل مناسب ، و عليها أن تكمل التسوق الآن. لكن هولدن تابع بتلك اللهجة العفوية نفسها ، قائلا:
- هذا يعني أنك تفتقرين للتجربة.

جمدت في مكانها و قد اتسعت عيناها الجميلتان بذهول. لا بأس ، إنه صديقها. لكن أتراهما حقا يناقشان موضوع حياتها الخاصة بين قسم اللحوم و قسم السلطات؟

بدا و كأنه غافل عن كل ما يحيط بهما عندما سألها:
- هل لديك تجربة؟

و رفضت أن تجيب ، لكن حين رآها محصورة بينه و بين الجدار و العربة الممتلئة إلى ثلثيها ، تراجع قليلا و سألها:
- يا.. يا جازلين الحلوة.. هل أفهم من صمتك أنك لا زلت طفلة بريئة؟

شعرت بأنها تريد أن تضربه.. لكنهما في السوبر ماركت ، حتى و إن نسي ذلك.

قالت له بحدة:
- هناك من ستفشي لك أسرارها ، لكنني لن أفعل.

و إذا به يبتسم ابتسامة عريضة ، و يقول برقة بالغة:
- يا لك من فتاة محافظة حلوة.

فقالت بصوت كالفحيح:
- ستسبب لنفسك بلكمة تسود عينك.

توقف عن الابتسام ، و حدق في فمها للحظة ثم أخذ بعدها يدفع العربة أمامه قائلا:
- اللحمة.

و تركها تسير في إثره متثاقلة.
يا له من رجل حقير! لم تعد تريده صديقها لها. فقد سخر منها عندما كشفت له ، و بعد إصراره أنها ما زالت عذراء.

عندما وصلا إلى الصندوق ، لم تكن جازلين تشعر بأية مودة نحوه . لكنه اضطرت إلى الوقوف إلى جانبه لتوضب المشتريات في الأكياس.. و أخرجت بطاقة اعتمادها لكي تدفع الحساب ، فزاد من غيظها بأن أعادها إليها مصرا على أن يدفع الحساب بنفسه.

eman123
20-04-2006, 21:42
فقالت بشراسة:
- معجون الأسنان لم يكن واردا على قائمة غريس.

- اسمحي لي بدفع ثمنه فقد أرى تألق ابتسامتك الحلوة.

و فيما ابتسمت المحاسبة لظرفه ، وجدت جازلين مشقة في عدم إظهار أسنانها.

و شعرت بروح النكتة عندها تظهر عندما دفعا العربة المحملة بالمشتريات إلى السيارة. لم تشأ أن يؤثر ظرفه عليها. لا ، لم تشأ ذلك ، لكنها أقرت لنفسها ، بأن تأثيره عليها حقيقة واقعة.

وضعا المشتريات في السيارة ، و أعاد العربة إلى مكانها ، ثم استقلا السيارة. و بدلا من أن يدير هولدن المحرك ، التفت إليها يسألها:
- أما زلت غاضبة مني؟

نظرت إليه و أجابته برزانة:
- إذا رغبت في الحديث عن حياتي الخاصة ثانية ، أرجو أن تختار مكانا آخر غير السوبر ماركت المزدحم يوم السبت.

- إنها دعوة إذن.

لكن ملامحه بدت جادة عندما سألها:
- هل ستصفحين عني ، يا جازلين؟

و هل بإمكانها أن تقاومه و هي تشعر نحوه بكل هذه المودة؟

- أنت تعلم أنني سأصفح عنك.

عاد يتأملها لثوان أخرى ، ثم راح قلبها يخفق بسرعة عندما دنا منها. ظنت أنه سيعانقها ، و كانت تعلم أن عليها أن تبتعد عنه ، لكنها و لسبب ما ، تسمرت في مكانها. و بعد لحظة ، اكتشفت أن لا حاجة بها للابتعاد عنه إذ لم يقبل سوى خدها.

سألته متحدية تذكره بما قاله سابقا عن القبلة:
- حسنا ، من الذي اتخذها عادة؟

لكن صوتها بدا أجش لا يماثل صوتها العادي ، و أدركت أن لهذا الصديق تأثير بالغ الغرابة عليها.

عادا إلى البيت بصمت ، و دهشت جازلين لرؤية سيارة والدها ، فهتفت:
- ظننتهما قد خرجا للرسم منذ أجيال.

و توجهت إلى صندوق السيارة لتساعد هولدن على إفراغ المشتريات ، لكنهما لم يخرجا سوى كيس واحد عندما ظهرت غريس يتبعها والد جازلين ، و قالت غريس دون مقدمات:
- آرشي مريض ، كنا على وشك الخروج عندما اتصل بي جاره.

و آرشي هو زوج غريس السابق العابث ، الذي اعتاد أن يتصل بها كلما وقع في مشكلة.

أخذت جازلين تنظر إلى أبيها ، في حين استوعب هولدن ما قالته خالته على الفور ، و قال لها:
- سآخذك إليه.

فقال إدوين بالمر:
- لقد سبق و رتبنا الأمر ، سآخذ أنا غريس.

و لاحظت جازلين أن احترام هولدين لأبيها قد زاد لأنه ، و من أجل غريس ، بدا مستعدا لتجاوز كراهيته لذلك الرجل الذي تسبب بشقائها لسنوات. و سمعت أباها يضيف:
- كنا ننتظر عودتكما.

ثم التفت إدوين بالمر إلى ابنته متابعا:
- لا أدري ما الوضع هناك ، لكنني سآخذ ريمي معي.

و بعد خمس دقائق ، انطلق إدوين و غريس في طريقهما.

سألها هولدن عندما توارت السيارة وراء المنعطف:
- ما رأيك بالآيس كريم الذائب؟

هتفت و قد نسيت المشتريات كليا:
- يا الهي.

و أمضيا نصف ساعة في نقل الأكياس إلى الداخل و ترتيب المشتريات في أماكنها. بدا واضحا أن هولدن يعرف مكان كل غرض في البيت. و عندما انتهيا ، سألها :
- القهوة؟

- سأحضرها بنفسي.

فتركها تفعل. و سألته:
- هل أحضر فنجانا للسيدة ويليامز؟

لم تر مدبرة المنزل منذ عودتهما ، لكنها لم تشأ أن تحرمها من متعة الاستراحة مع فنجان قهوة.

- ليست موجودة. إنها تزور أختها فقد منحتها إجازة في نهاية الأسبوع.

فهتفت دون تفكير:
- آه هذا حسن!

و تداركت الأمر ، و أَضافت:
- أنا لم أكن أعني أن هذا حسن لأن...

فقاطعها بلطف
- أعرف ما تعنين. تعنين أن هذا حسن لأنها تستحق استراحة بعد خدمتنا طول هذا الأسبوع.

- أصبحت تعرفني.

نظر إليها هولدن لثوان طويلة ، ثم قال بهدوء:
- نعم هذا صحيح ، أنت فتاة رائعة ، يا جازلين.

بدا و كأن أنفاسها قد انقطعت. أرادت أن يكون رأيه بها إيجابيا ، و تساءلت لماذا أدهشها ذلك. فكل إنسان يريد أن يترك انطباعا حسنا على الناس ، فلما تريد أن يكون رأي هولدن دون سواه بها إيجابيا؟
لديه بعض التأثير عليها ، كانت تعلم ذلك ، لكنها حاولت أن تنكره.

- إذا كنت تقول هذا لأرد لك المديح ، فانس ذلك. لن أعفيك من طهي العشاء الليلة.

ضحك هولدن ، و بدا لها رائعا. لم تشأ أن يتخاصما ، لكن عندما تلاشت ضحكته فجأة ، أحست بشي من التوتر في الجو. كان يحدق فيها متأملا تفاصيل ملامحها كلها. و طرفت بعينيها ، فكل هذا محض خيال ، لأن هولدن مد يده حالما سكبت القهوة ليأخذ فنجانه ، و قال:
- سآخذ فنجاني إلى المكتب.

و رأت جازلين أن عليها ألا تستاء ، إذا ما فضل هولدن أن يشرب قهوته في مكتبه على أن يجلس معها. لأن الأصدقاء يمكنهم أن يتصرفوا على هذا النحو ، ثم ، ألم يقل لها إنها فتاة رائعة؟ فما الذي يدعوها للاستياء؟
على أي حال ، اعتاد هولدن أن يمضي قسما كبيرا من الصباح في مكتبه. و بالرغم من أن اليوم هو السبت ، إلا أنها لا تعتقد أنه أصبح عضوا في مجلس إدارة "زورتك" بالعمل من الإثنين إلى الجمعة كالموظفين العاديين.
و بما أن هولدن أمضى اليوم ساعتين في التسوق ، استنتجت جازلين أنه يريد أن يعوضهما الآن.

قررت أن تخرج لتتمشى على الشاطئ ، فلا شك أن غريس و أباها لم يصلا بعد إلى مقصدهما ، و سيكون هولدن في البيت إذا ما اتصلا.
لم تبتعد كثيرا ، فقد شعرت بعدم الارتياح و القلق. و هكذا ، عادت إلى البيت و دخلت المطبخ. وضعت في الفرن بعض الأرغفة لتسخنها ثم أخذت تحضر السلطة للغداء فشعرت بتحسن.

- يا لها من رائحة زكية.

لم تسمع هولدن يقترب ، فأجفلت عندما رفعت رأسها و رأته واقفا عند العتبة.

قالت:
- لا تدع الآمال تتملكك ، إنه مجرد خبز.

علمت أنها ستضطر إلى تحضير العشاء بنفسها ، لكنها لم تشأ إطلاعه على هذا السر الصغير.

- أتحتاجين للمساعدة؟

- كدت أنتهي.

- هل نأكل هنا؟

- لما لا؟

eman123
20-04-2006, 21:44
استمتعت جازلين بالأكل مع هولدن. رفعا الأطباق و رتبا المطبخ معا ، و قد تملكها السرور لعودة الهدوء إلى نفسها.
سألته و هي تفكر في الساعتين اللتين أمضاهما في التسوق:
- هل ستعود إلى مكتبك؟

فقال يذكرها:
- سبق و قلت لك أن ترفعي العصا.

و عند ذلك رن جرس الهاتف فتناول سماعة هاتف المطبخ. لو كانت المكالمة خاصة لخرجت ، لكنها خمنت أن المتصل هو غريس و جاء تخمينها في محله. سمعت هولدن يقول:
- استأجري ممرضة ، حسنا ، لا تنهكي نفسك ، تعلمين أنك لا تدينين له بشيء.

و فهمت جازلين أن آشلي مريض إلى حد يلزمه معه ممرضة.
- جازلين هنا.

ناولها هولدن السماعة ، فتلامست أصابعهما مما جعل القشعريرة تسري في عروقها. لكنها تمالكت نفسها و قالت:
- مرحبا غريس ، كيف حال الأمور عندكم؟

- كان الطبيب هنا ، و آرشي مصاب بأنفلونزا حادة.

- آه ، أنا آسفة.

كانت تعلم أن الأنفلونزا قد تكون خطيرة بالنسبة لكبار السن.

- و آسفة أيضا لأن آرشي يصبح صعب الإرضاء أثناء المرض. على أي حال ، لا يمكنني أن أتركه وحده.

- كلا طبعا.

لم يكن يستحق أن تعتني به امرأة طيبة كغريس. لكن جازلين أدركت أن غريس ليست بالمرأة التي تعلن استسلامها. و شرعت تقول:
- هل أبي.....

فردت غريس بلطف:
- إنه رائع ، لم أعرف قيمته الحقيقية إلا الآن. إنه يجيد رعاية المرضى في حين أن آرشي يكره ذلك. هل تريدين التحدث إليه؟

و قبل أن تجيب تابعت غريس:
- سأناديه ، إنه مع آرشي يساعده على ارتداء ثياب نوم نظيفة.

ساد الصمت للحظة ، سمعت بعدها صوت أبيها:
- هل أنت بخير يا جازلين؟

- بألف خير ، كل ما يهمني هو انت.

- لا تهتمي ، لقد خسرنا إجازتنا على ما يبدو. لكن ليس باليد حيلة ، لأن غريس لن تتحمل شعورها بالذنب إذا تركت آرشي في حالته الحاضرة.

- أتعني أنك لن تعود إلى هنا؟

- هذا غير محتمل. لأن الأنفلونزا ، تدوم لأسابيع و أسابيع. هل يمكنك العودة إلى البيت بمفردك؟ ربما بإمكان هولدن أن يوصلك.

فردت جازلين بمرح:
- لديك ما يكفيك من الهموم الآن.

و وضعت السماعة و قد أدركت أن إجازتها قد انتهت هي أيضا...
و دون رغبة منها.

و قالت فجأة بعد أن انتبهت إلى أن هولدن يقف قربها:
- أبي يساعد في العناية بالمريض.

- هذا ما قالته غريس ، لم أنت مكتئبة بهذا الشكل؟

طرح سؤاله هذا بدهاء ، فأجابت:
- لا عجب في أنك عضو في مجلس إدارة "زورتك".

- أنا واثق من أن كلامك يحمل مديحا بشكل ما.

لكنه عاد يقول بإصرار:
- ما الذي يزعجك؟

سيعلم ، على أي حال ، فقالت:
- أظن أنه من الأفضل أن أعود إلى بيتنا.

و كانت على وشك أن تضيف أنها أمضت وقتا ممتعا في ضيافته عندما لاحظت أن إمارات المزاح قد تلاشت عن ملامحه ، و قال بحدة:
- ظننت أننا تحدثنا في هذا الموضوع من قبل.

فقالت بنفس الحدة:
- اعذرني إذا ما عدت إليه مرة أخرى.

- هل أنت تعيسة هنا؟

- أنت تعلم أن هذا غير صحيح!

- هل جرحتك بشكل ما؟

فتلاشت حدة طباعها و قالت بلطف:
- أنت تعلم أنك لم تفعل.

- لماذا تعاقبينني إذن؟

فنظرت إليه غير مصدقة ، و سألت:
- أعاقبك؟

فتابع يقول مؤكدا:
- نعم ، تعاقبينني ، اليوم بالذات ذكرتي كم خف توترك... ليس لديك أدنى فكرة كم أراحني هذا... أن أرتاح برفقة فتاة غير معقدة.

لم تعجب جازلين كلمة غير معقدة هذه ، لكن كلامه جعلها تشعر بالتحسن إذ لم تستطع أن تنكر أن هذه الإجازة أفادت هولدن بقدر ما أفادتها ، و أنها لعبت دورا في ذلك. فسألته:
- هل... تريدني أن أبقى؟

أومأ برأسه و هو يتفرس فيها و قد بدا عليه الارتياح ، ثم سألها:
- و من سيأكل إذن كل الطعام الذي اشتريناه هذا الصباح؟

- و من الذي سيطهيه أيضا؟

لم تستطع إلا أن تضحك. كانت تعلم أنها ضعيفة ، و أن سبب وجودها هنا هو أن غريس خالته. و لكن السبب الأهم لذلك ، هو في الحقيقة أنها لا تريد الرحيل.

eman123
20-04-2006, 21:45
الجزء الخامس: الصديقة المستبدة.
*********************************

و كما توقعت جازلين ، لم يكن هولدن يحسن اشعال الموقد ، كما لم يكن لديه أي فكرة عن الطهي عليه. تجولت حول القرية عصر ذلك اليوم ، سارت بخطوات متمهلة في الماء الضحل عائدة الى البيت ، و كانت الساعة قد قاربت السادسة و النصف. و بعد ان اغتسلت و ارتدت بنطلونا أبيض و قميصا ، اتجهت الى المطبخ فصادفت هولدن الذي يبحث عنها.

- هل يمكنني أن أساعدك بشيء؟
- هوذا رجل يشعر ، و لأول مرة ، بأن تحضير الطعام للساعة السابعة والنصف مشكلة.

نظر إليها برزانة ، ثم ما لبث أن ابتسم ابتسامة عريضة ، كانت جازلين واثقة من أنها حطمت قلوب كثيرات و اعترفت بأن قلبها هي أيضا أخذ يخفق بجنون.

قال ملاطفا:
- تابعي ما تفعلينه.... يا جاز.
فانفجرت بالضحك ، و قالت آمرة:
- تعال معي. سأعلمك كيف تقشر البطاطا.

دهشت و هي تراه تلميذا متحمسا ، لكن ، و بسبب بطئه في مهمته الجديدة ، و لأنها أرادت أن تسلق البطاطا ، أحضرت سكينا آخر و وقفت قربه عند الحوض.

إنما ما لبثت أن تساءلت عما إذا كان ذلك فكرة حسنة. تلامست أيديهما تحت الماء ، فأبعدت يديها المرتعشتين ، و هي تشعر بشيء من الانزعاج. نظر إليها بعينين رزينتين حساستين بدتا و كأنهما تخترقان أعماقها ، و تحاولان فهم ما أزعجها.

حولت جازلين نظراتها عنه ، ثم غسلت أيديها و هي تقول باختصار:
- هذا الحوض لا يتسع لكلينا. على أي حال ، أنت كبير و تستطيع أن تقوم بالعمل وحدك.
فقال يتهمها مازحا:
- مستبدة.

عندما شرعا بتناول الطعام ، كانت جازلين قد تمالكت نفسها و أضحت مستعدة للاستخفاف بفكرة أن هولدن يؤثر فيها بأي شكل. فهو لا يزال كما عرفته... طيب الصحبة ، يمكنه التحدث في أي موضوع ، سهل المعشر... كان في الواقع صديقا.
فلماذا إذن ، عندما تركته و صعدت إلى غرفتها أخذت تشعر بالتململ و عدم الارتياح؟ شعرت و كأنها تريد العودة إليه. رباه ، لا بد أن الشمس قد أثرت على رأسها.
طردت هذه الأفكار السخيفة من ذهنها ، لتستيقظ في صباح اليوم التالي مبكرة. و بالرغم من أن الكلب ليس هنا ، إلا أنها لم تجد سببا يمنعها من الاستمتاع بنزهة على الشاطئ قبل الفطور.
اعترفت بسرورها بصحبة هولدن حين رأته ينتظرها عند أسفل السلم.

سألها و هما ينزلان الدرجات:
- هل قررت اتباع برنامجك المعتاد قبل اشتداد الحرارة؟
- و هل تقوم بهذه النزهة المبكرة كثيرا ، عندما تكون في اجازة؟
فأجاب:
- دوما ، لا سيما يوم الأحد.

مشكلة الإجازات أنها تنسي المرء الأيام. و أدركت أن اليوم هو الأحد ، رغم أنه كان يمازحها حين قال أنه يخرج باكرا ليتنزه ، و قالت تتهمه:
- كاذب.
فقال بشهامة و كأنها لم تتهمه بشيء:
- و لكن ليس مع مثل هذه الصحبة الرائعة.

و عندما زمت شفتيها هازئة ، ضحك و بدت الرقة على وجهه.

ساورها شعور بأن هولدن يستمتع بهذه النزهة مثلها تماما. و عندما عادا إلى البيت صعدت إلى غرفتها ، و غيرت حذاءها ثم نزلت إلى المطبخ لتحضير الفطور. اكتشفت أنه يجيد تحميص الخبز ، و أن المائدة جاهزة ، و الفطور ينتظرها. كما وجدته يضع بيضة مقلية على خبز مدهون بالزبدة.

- هل تحبين البيض المقلي على الخبز المحمص ، يا سيدتي؟
فقالت بكبرياء:
- شكرا يا سيدي.

و عندما التفت إليه رأت تشنجا لا إراديا لم تفهمه يمر بملامحه للحظة قبل أن يشيع بوجهه عنها.
و سألته:
- هل ستحضر السيدة ويليامز هذا المساء؟
فهز رأسه و أجاب:
- سأحضرها من المحطة غدا صباحا.
غدا يوم الاثنين. و سألته بدهشة:
- ألن تذهب إلى العمل؟
فأجاب:
- ما زلت في إجازة لبعض الوقت.
و قبل أن تجد الفرصة لتفكر في كلامه ، قال يعرض عليها:
- يمكننا تناول العشاء في الخارج إذا فضلت ألا تحضري العشاء.
- أتظنني سأعفيك من أعمال المطبخ بهذه السهولة؟

و بعد ذلك بساعة ، لبست ثوب السباحة ، و حملت معها البساط و المظلة و اتجهت نحو كثبان الرمال ، فيما أغلق هولدن باب مكتبه عليه.

eman123
20-04-2006, 21:45
أخذت جازلين تتساءل عما جعلها ترفض دعوته على العشاء ، هل هو من باب العناد ، ليس إلا؟ لا شك في أنها ستستمتع جدا بتناول العشاء معه خارج البيت ، فلماذا رفضت إذن؟ و عاد إليها الشعور بالتململ و الضيق ، لكنها لم تستطع أن تفهم ماذا يجري لها ، فهذا لا يعد موعدا. إن الخروج مع صديق لا يعد موعدا ، بل هو تصرف مناسب تمليه الضرورة. ففي الواقع ، عليها أن تحضر العشاء ، و أراد هولدن أن يعفيها من هذه المشقة و حسب.

و عادت جازلين إلى البيت ، فلبست تنورة ثم حضرت غداء خفيفا يقتصر على السلطة لأن الطقس كان حارا ، و لم تشعر برغبة في الطهي ، أو في الأكل.
عندما أصبح الطعام جاهزا ، توجهت إلى مكتب هولدن. دقت الباب ، و دخلت لتراه جالسا إلى مكتب ضخم و أمامه بعض الأوراق. رفع بصره... و لم يعجبها أن تراه يعمل يوميا.

- هل أنت مضطر للعمل يوميا؟

خرجت هذه الكلمات من فمها قبل أن تتمكن من منعها ، و اضطربت حين عكست اهتماما بالغا.

ظنت أنه سيسخر منها ، لكنه لم يفعل. و بدلا من هذا بدا عليه التفكير الجاد و هو يجيب بعد حين:
- إذا كان هذا يكدرك ، فلن أفعله.
يكدرها؟ كلام فارغ ، فقالت بجفاء:
- سأتغلب على ذلك!
ثم أضافت:
- سلطتك قد ذبلت.
تركته و لم تأبه إن لحق بها أم لم يفعل.

شعرت ، أثناء الغداء بوخز في داخلها ، إذ راحت تتصرف خلافا لطبيعتها. و كي لا تفرض عليه رفقتها ، رفضت دعوته إلى السباحة حين اقترح عليها ذلك بعد الغداء.

و في وقت لاحق ، في غرفتها ، أخذت تفكر في هذه الإجازة التي بدأتها منهكة ، و متوترة جدا ، لتصل الآن إلى الاسترخاء التام...... هذه الإجازة التي أصبحت هي و هولدن ، صديقين خلالها ... هذه الصداقة التي استمتعت بها... و مع ذلك ، ها هي تتعمد تجنب صحبته ، سواء على العشاء في الخارج أو في السباحة معا.

تركت غرفتها و نزلت إلى الطابق السفلي لكي تعد بنفسها البطاطا للطبخ. و ما كادت تصل إلى المطبخ حتى رأت من النافذة هولدن قادما إلى البيت ، و تكهنت أنه ذهب إلى السباحة. حسنا، لقد أضرت نفسها لكي تغيظه.

رباه ، ما الذي جعلها تفكر في هذا كله؟ و رن جرس الهاتف ، فنقلت نظراتها بينه و بين هولدن ، و استنتجت أن هذا الأخير لن يصل إلى البيت قبل دقائق ، فإذا لم ترفع السماعة قد يفوتها التحدث إلى أبيها أو غريس. و رفعت السماعة:
- آلو...؟

عندها اكتشفت أن المتصل ليس أباها أو غريس إنما شخص يرديها أن تخرج معه ، هي التي رفضت للتو عرض هولدن.

- أنا لا أعمل مساء الغد ، و لا أدري إن كنت مشغولة.

كان المتصل دايفيد مسغروف.
لقد سبق و رفضت دعوته مرة فشعرت ببعض الإحراج.
كان تعلم أن دايفيد يعمل في العطلة الأسبوعية ، و لم يخطر في بالها أبدا أنه قد يتصل بها ، لذا لم تعد عذرا مسبقا و أجابت:
- في الحقيقة ، أنا مشغولة.
- هل أنتي ذاهبة إلى مكان ما؟

طرح سؤاله هذا مظهرا أنه ليس من السهل إجابته بالرفض للمرة الثانية.

راحت جازلين تبحث عن طريقة تخبره بها بأنها غير مستعدة للخروج معه ثانية ، عندما نظرت من النافذة. كان هولدن يقترب من البيت ، ثم سمعت دايفيد يفسر سكوتها على طريقته ، إذ سألها :
- هل لديك موعد آخر؟
- حسنا...

و قبل أن تجيب بالنفي ، كان دايفيد قد توصل إلى استنتاج ثاني سريع ، فسألها:
- ليس... هولدن هاتاواي بالطبع؟

أزعجها تعليقه هذا بعض الشيء ، و كأنه يستبعد أن يتنازل هولدن و يدعوها للخروج معه ، لهذا ، أجابته :
- لقد طلب مني الخروج معه ، في الواقع.
- و هل سبق أن خرجت معه من قبل؟

ما هذا السؤال؟ و مع ذلك ، افترضت أن ذلك العشاء مع هولدن في لندن يشكل موعدا ، فأجابت:
- حسنا ، نعم.

و تملكها الذهول حين توصل دايفيد إلى استنتاج آخر سريع و خاطئ:
- أنت إذن حبيبته؟

و كان هذا استنتاجا أكثر منه سؤالا ، و فتحت فمها لتنكر ، إلا أن الكلمات لم تخرج منه. و عاد يقول ، بشيء من الشراسة :
- هل أشكرك أنت على خروجك معي نهار الثلاثاء الماضي أم أشكر هولدن هاتاواي؟
ذهلت و هي تسمع نفسها تجيبه:
- لم يكن بيننا ، حينذاك ، أي شيء جدي.
- لكن جدث ذلك لاحقا؟

و انتظر جوابها. ظنت أنه سينهي المخابرة غاضبا قبل الآن بوقت
طويل ، و تذكرت فجأة إلحاح توني جونستن ، و اتصالاته المتكررة فتملكها الذعر على الفور ، و أجابت:
- نعم.

و اختلط ذعرها بذكرى مشوشة لكلمات هولدن حين طلب منها أن تدعه يعالج الأمر. و لكي تحبك كذبتها جيدا ، سمعت نفسها تقول له :
- أنا و هولدن... على علاقة جدية.
- و هذا يستبعدني!
تقبل دايفيد كلامها هذا بعد أن قيم الوضع ، و اضاف:
- أتمنى لك السعادة ، يا جازلين.
و قبل أن تتمكن من التراجع عن كذبتها أقفل الخط.

بدأت تشعر بفظاعة ما أقدمت عليه عندما رأت هولدن يتقدم نحو الباب الأمامي. غريزيا ، و دون طول تفكير ، هربت من المطبخ إلى الردهة و من ثم صعدت السلم ، بعد أن شعرت أنها غير مستعدة لرؤيته و مواجهته.
كانت على وشك دخول غرفتها عندما سمعت وقع خطواته.. و لم يرها. ظنت أنها سمعته يدخل المطبخ ، و توقعت أن يصعد ليستحم بعد السباحة. لكنها لم تنتظر لتسمع المزيد.
و في لمح البصر دخلت إلى غرفتها و أغلقت الباب خلفها ، و قد تملكها الذعر لهول ما فعلت.
رباه ، إنها قرية هولدن! و قد أخبرها بكل وضوح أنه لا يريد أن تربطه أي علاقة جدية بفتاة ، فما الذي فعلته هي؟ ، لقد أخبرت شخصا يعرف أصدقاء هولدن ، بأنها على علاقة جدية به.
قد لا يخبر دايفيد أحدا. و لما سيذيع الخبر؟ لأن هولدن شخصية هامة ، و أصدقاؤه سيهمهم مثل هذه الأخبار. أشهر عازب يقع في الفخ! العازب الشهير.. و جمحت مخيلتها لا تقف عند حدود.
عليها أن تتصل بدايفيد ، و أخذت تتجاذبها المخاوف. لا يمكنها ذلك! آه يا لخزيها! قد يدعوها مجددا للخروج معه ، و هي لا تريد ذلك ، إنه طبيب و لعله لن يخبر أحدا. الطبيب هو المؤتمن على سر مريضه! لكنها ليست مريضته. رباه ، ماذا تفعل؟
أخذت تذرع غرفتها جيئة و ذهابا ، لكن بعد فترة ، شعرت و كأن الجدران تحاصرها. ترددت... و في لحظة من الشجاعة ، عادت إلى المطبخ. جلست وحيدة في المطبخ ، لكن اضطرابها منعها من التفكير في تقشير البطاطا. يمكنهما أن يأكلا المعجنات. و توجهت إلى النافذة تنظر منها إلى الخارج. تملكها الاضطراب و جعلها غافلة عما يحيط بها ، و انحصر تفكيرها في ضرورة إعادة الاتصال بدايفيد لتخبره عن كذبتها. و فجأة ، سمعت وقع خطوات خلفها في المطبخ فاستدارت. حدق هولدن في وجهها ثم سألها بسرعة:
- ماذا حدث؟

eman123
20-04-2006, 21:46
لم تستطع الرد ، فتقدم نحوها بسرعة و هو يتفرس في وجهها. عندها ، سألته بصوت أجش:
- ماذا حدث؟
كانت تعلم أنها تراوغ لبعض الوقت.
- اجلسي ، يبدو عليك القنوط.
فهمست:
- هل.. هل يبدو علي ذلك؟
- أنت شاحبة جدا!

و سحب كرسيا من أمام المائدة ، ثم سار إليها ليمسك بذراعها ، لكنها ابتعدت عنه.
لم تشأ أن تجلس ، لم تشأ أن تقبل عطفه ، لأنها أدركت فجأة ضرورة أن تتصل بدايفيد ، و أن تعترف لهولدن بالحقيقة أيضا.
لم تشأ أن تعترف. لا سبيل إلى إخباره بما فعلت ، لكنها تعلم تماما أن كرامتها تلزمها بإعلامه ، فلعل دايفيد أخبر شخصا ما بما روته له. عند ذلك قالت بسرعة:
- لقد فعلت شيئا فظيعا!
نظر إليها بثبات ، و قال بهدوء:
- لا يمكن أن تكون فعلتك بهذا السوء. اجلسي و أخبريني.
قالت و هي تهز رأسها:
- ستكرهني.
فرد باسما:
- أشك في ذلك. الأمر يتعلق بي إذن؟
إنها تعشق ابتسامته هذه. و قالت بتعاسة:
- أواه ، يا هولدن. لا أدري كيف أخبرك بما فعلت.
- ما دمت لا أرى قتيلا ممددا على الأرض ، فليس هناك ما يستوجب هذا الفزع كله منك.

أخذ يهدئها مظهرا تفهما كاملا. لكنها أدركت أنها لا تضمن استمرار هذا التفهم حين يعرف بأمر كذبتها. و سارعت تقول:
- لكنني طبعا سأتصل بدايفيد و أصحح الأمور.

و نسيت أن هولدن لا يملك أي فكرة عن الموضوع ، و عن ضلوع دايفيد فيه. لكنها لاحظت أن بعض التفهم قد تبدد عن ملامحه عند ذكرها اسم دايفيد ، و سألها برزانة :
- دايفيد مسغروف؟ و ما دخله في الأمر؟
فقالت:
- ربما من الأفضل أن تجلس.
و شعرت فجأة بالاضطراب و التململ ، لا سيما عندما لم يجلس هولدن.
فأضافت:
- هل تتذكر حين دعوتني إلى تلك الحفلة في لندن؟
فرد دون أن تتحول عيناه عن وجهها:
- أتذكر ذلك.
- حسنا ، تعلم أنك لم تصطحبني إلا لتتجنب... امرأة لم تشأ أن تجرحها... حسنا..

سكتت و هي تبتلع ريقها دون أن تستطيع إكمال حديثها.

فسألها:
- حسنا؟

و لم تشعر بأي تحسن لعودة التفهم إلى ملامحه.

- حسنا اتصل دايفيد مسغروف منذ بعض الوقت و سألني إن كنت مشغولة مساء الغد.

تبا لذلك.. نظرة التفهم في عيني هولدن تلاشت بسرعة .

- و هل قلت له إنك مشغولة؟

أغاظها ذلك، من يظن نفسه؟ و أوشكت أن تقول له أن يهتم بشئونه ، لكنها سرعان ما تذكرت أن الموضوع يعنيه هو.

- قلت له إن لا وقت لدي لأنني....

رباه... و أحست بحرارة جسمها ترتفع.

- لأنك؟

- أدركت أنه صبور جدا ، و قد فارقت عينيه تلك النظرة العدائية المؤقتة... رغم علمها بأنها ستعود..... و بقوة..... عندما تخبره ببقية القصة.

- لأنني... حسنا ، لا أعرف كيف حدث ذلك ، و لكن... لكنني لم أكن مستعدة للخروج معه ثانية. فأخذ دايفيد يلح علي لأخبره بما أنا مشغولة... و إذا به يأتي على ذكرك.... و يسأل عما إذا خرجت معك من قبل و ما أشبه... عند ذلك بدأ الأمر يختلط علي. و بعدها...

و لم تستطع أن تواجه عينيه و هي تأخذ نفسا عميقا لكي تخبره بما حدث.

أشاحت بوجهها و سارت نحو النافذة لتنظر إلى الخارج بعينين لا تريان ، ثم قالت متلعثمة:
- ثم... ثم ما أذكره بعد ذلك أنني فكرت في توني جونستن و كيف أصبح يلح علي عندما لم أخرج معه. و رحت أفكر في أن دايفيد قد يتصرف مثله ، فخفت كثيرا. على أي حال...

رباه ، ليت هناك طريقة أخرى لإخباره ، و أضافت:
- أخبرته...

و سكتت ثم أخذت نفسا طويلا ، و اندفعت تكمل:
- أخبرته بأن هناك.. هناك شيئا ما بيني و بينك ، و أن...

و أخذ صوتها يتلاشى... لكنها تمكنت من أن تقول:
- أن علاقتنا جدية.

ها قد اعترفت له.. و تمنت لو تشق الأرض و تبتلعها. أن تخبر دايفيد بذلك.. و هو الذي يعيش في المجتمع نفسه مع هولدن.. فظاعة فعلتها كادت تقتلها. لكن أن تعترف بذنبها لهولدن ، هذا الرجل المحنك... الرجل الذي يمكنه الحصول على أي امرأة يريدها.... و أوشك الشعور بالخزي و العار أن يقضي عليها.
وقفت جامدة ، مكتفة اليدين ، تنتظر أن يصب عليها جام غضبه. لكن هذا لم يحدث!
أحست به يتحرك ، و كادت تقفز مجفلة عندما تقدم نحوها و وقف خلفها مباشرة ثم وضع يديه على كتفيها.
لم تشأ جازلين أن تواجهه ، لم تشأ أن تنظر في عينيه. لكن لم يكن أمامها خيار آخر ، لأنه أدارها نحوه لتواجهه. رفضت أن ترفع بصرها إليه ، و سمرت نظراتها على زر قميصه الذي بدا لها في تلك اللحظة بالغ الأهمية.

و عندما تكلم ، كادت تنهار ، إذ انساب صوته رقيقا عذبا:
- و ما فائدة الأصدقاء إذن ، يا عزيزتي؟

رفعت رأسها بحدة ؛ لم يبد عليه الغضب ، فسألته بصوت أجش:
- ألست غاضبا مني؟

هز رأسه ، و أجاب:
- لا ، أبدا.
- ألا تكرهني الآن؟
- أنا...

و سكت ، و أطال النظر إلى عينيها التعستين المتسعتين ثم أضاف:
- و من يستطيع أن يكرهك؟

صرخت و هي ترتعش:
- آه ، يا هولدن!
و أضافت بشجاعة:
- سأتصل بدايفيد طبعا و أخبره بأن...
قاطعها بعنف:
- إياك أن تفعلي!
فقالت محتجة:
- و لكن...
و تملكها شيء من الإرتباك ، و تابعت:
- إذا لم أتصل به فقد يخبر الناس بما... حسنا ، بما أخبرته عنك!
- و إذا اتصلت به ، و أخبرته الحقيقة ، سيدعوك للخروج معه ثانية.
- و قد لا يدعوني.
قال و كأنه متأكد من الأمر:
- بل سيفعل و ستعرضين نفسك للذعر مجددا.
- تجعلني أبدو و كأنني أثير الشفقة!
فقال لها:
- بعد كل ما تحملته ، ألا تثيرين الشفقة؟
و راح حبها له يزداد ، حين أضاف:
- أخبريني صدقا. هل تريدين أن تخرجي معه؟
قالت دون تردد:
- لا. دايفيد مسغروف رجل طيب ، و لكن... لا.

و لسبب ما ، شعرت بعدم رغبتها في الخروج مع أي رجل.

- أمنعك إذن من الاتصال به.
فاتسعت عيناها ، و هتفت:
- تمنعني؟

eman123
20-04-2006, 21:46
ابتسم ضاحكا ، و إذا بحبها له يزداد لدرجة تمكنه من أن يمنعها كما يشاء.

- إذا لم أتصل به و أطلعه على الحقيقة ، قد يخبر معارفك ، و سيظنون أنك على علاقة جيدة بي.
- ليس لدي أي مانع. على ألا تمانعي أنت إذا ما أخبرت النساء... بأنني على علاقة بك.

و ساد الهدوء فجأة بعد تلك الدقائق المنهكة التعيسة. أحست جازلين بتحسن بالغ لم تستطع معه إلا أن تقول:
- أتعلم ، يا سيد هاتاواي؟
- أحب أن أتعلم ، يا آنسة بالمر.
ضحكت و هي تقول له:
- أظنك تعجبني أكثر من الرجال الذين أعرفهم كلهم.
نظر إليها للحظة طويلة ، ثم قال بابتسامة خفيفة:
- مجرد كلام.

لكن رأسه اقترب منها و طبع قبلة على جبينها. قبلته هذه بعثت القشعريرة في كيانها. و فيما كانت تكتشف أغرب المشاعر التي جعلت ركبتيها ترتجفان ، ابتعد عنها و سألها:
- ماذا لدينا على العشاء؟ هل قررت؟


و في اليوم التالي ، سرتها رؤية السيدة ويليامز. كانت جازلين تتسكع في الأنحاء ، تراقب مختلف أنواع الحياة في برك المياه الصخرية ، عندما قررت العودة إلى البيت. علمت أن للسيدة ويليامز شقة جميلة فوق أحد الاصطبلات ، لكن هذا لم يمنعها من الترحيب بعودتها بتحضير فنجان من الشاي أو القهوة.

ما إن وصلت جازلين إلى البيت حتى أوقف هولدن سيارته:
- هل استمتعت بإجازتك؟

حيتها جازلين فيما هولدن يخرج حقيبتها من سيارته.

- أستمتع بوقتي دائما عندما أزور أختي. لكنني شعرت بالأسف عندما علمت أن أباك و السيدة كرادوك قطعا إجازتهما.

و مضت تتحدث مع جازلين ، و هما تدخلان البيت ، عن مقدار ما ستفتقد الكلب ريمي.

تمنت جازلين أن يعيد حضور السيدة ويليامز الحياة الطبيعية إلى المنزل ، لأنها أحست بأنها تغيرت.

كان ذلك غريبا للغاية. و أرجعت نقص شهيتها إلى الجو الحار و المشمس ، كما ردت أرقها في الليالي إلى الحر أيضا. و إذا بشعور التململ و القلق الذي عرفته من قبل يعاودها من جديد.

أما الغريب في الأمر فهو أن شعور التململ هذا لا يساورها أبدا و هي بصحبة هولدن. و عندما رفضت الليلة الماضية اقتراحه بالتمشي بعد العشاء ، شعرت ، بعد ذهابه ، بالتململ و القلق مرة اخرى ، فتمنت لو قبلت دعوته.. أليس هذا هو التناقض بعينه؟ مع ذلك ، لم يحدث لها هذا قبل الإجازة.

فهل السبب أنها لا تحسن قضاء إجازاتها؟ لكنها تخلصت من توترها الآن ، و لا تتذكر أنها شعرت يوما بمثل هذا الاسترخاء و الانسجام.

هذا التحول الجديد في طبيعتها عاد يسيطر عليها عند المساء ، حين سألها هولدن بعد أن قدمت لهما السيدة ويليامز وجبة طعام رائعة:
- هل سأتمشى الليلة أيضا وحدي ، يا آنسة بالمر؟

طرح سؤاله هذا ببرودة جعلتها تظن أنه لا يهتم للأمر ، و إن كان هذا لا يعني أنها بحاجة إلى اهتمامه ذاك. يا لها من فكرة مضحكة! و مع ذلك ، فهي لها كبرياؤها!

سمعت نفسها تقول مضيفة الكذب إلى خصالها الجديدة:
- هناك برنامج على التلفزيون انتظرته طويلا.

و بعد حين ، كانت في غرفتها عندما سمعت وقع خطى هولدن و هو يمر ببابها في طريقه إلى الخارج... و تمنت لو ترافقه. أدارت جهاز التلفزيون ، دون أن يكون لديها أي فكرة عن البرامج... ثم فكرت في الاستحمام ، ربما لم يحن الوقت لذلك بعد. ستدع ذلك إلى ما بعد فتخلع ثوبها القطني الذي لبسته على العشاء. ستستحم عند الساعة العاشرة. اتخذت قرارها ثم جلست على سريرها مستندة إلى الوسائد خلفها.. و راحت تشاهد فيلما وثائقيا.

لبثت في مكانها حتى أخذت الصورة تتغير و تتعطل ، فنزلت عن السرير و توجهت نحو الجهاز تتفرس في الأزرار. لكنها لم تعرف طريقة استعمالها. حاولت تعديل جهاز ضبط المحطات عن بعد ، لكنها لم تنجح إلا في إخفاء الصوت و جعل الصورة أسوأ. و لم تلبث أن اعترفت بأنها لا تفهم شيء في عالم التلفزة.

كانت جازلين على وشك الاعتراف بالهزيمة ، عندما سمعت وقع خطى في الممر. لا يمكن أن يكون هولدن قد ذهب للنزهة! و نظرت إلى جهاز التلفزيون... اعتاد أبوها أن يصلحه في ثوان.. لعل هذا من اختصاص الرجال.

اندفعت نحو الباب تفتحه بسرعة ، و تزامن ذلك مع مرور هولدن. لماذا أجفلت فجأة.. لم تجد تفسيرا لردة فعلها التي لاحظها بالطبع.

- هل الأمر بهذا السوء؟
- ماذا؟
- البرنامج الذي كنت متشوقة لمشاهدته.
و افترت شفتاه عن ابتسامة خفيفة.. و بدأ عقلها يعمل بسرعة ، فقالت:
- الجهاز معطل... هل يمكنك أن...؟

فقال بتواضع:
- عادة ، أجيد التعامل مع الأشياء التقنية أكثر من أواني المطبخ.

و عندما دخلت إلى غرفتها ، تبعها.

كانت خبرة جازلين في مثل هذه الأمور معدومة ، فتركته قرب الجهاز و وقفت بجانب السرير تنظر إليه. لكنها اكتشفت أنها لم تكن تتأمل ما يفعله بالجهاز ، إنما تتأمله هو. راح قلبها يخفق لمجرد النظر إليه... كم هو عزيز و غال.. ما أغلاه..

و كأنما أحس بأنها تحدق فيه ، فالتفت إليها فجأة ، و سألها:
- هل من خطب ما؟

ترك ما في يديه و تقدم نحوها ، فسألته بذهن شارد:
- خطب ما؟

فقال و هو يضع يده على ذراعها و ينظر في عينيها:
- تبدين... على غير عادتك.

فتمالكت نفسها بسرعة و أجابته:
- أنت نفسك لا يبدو عليك الحماس.

eman123
20-04-2006, 21:47
أجفل بشكل طفيف ، لكن شفتيه التوتا ، و قال ببطء:
- لكن كل شيء طبيعي بالنسبة للسانك ، على أي حال.

و فجأة ، فارقه حس الفكاهة ، و رفع يده الثانية ليمسك بذراعها الأخرى ، و عيناه في عينيها الواسعتين البنفسجيتين ، ثم قال بصوت عميق:
- إنها طريقتك الفكرية في اللمس.

ابتلعت بريقها و قد سرت النيران في كيانها ؛ و قالت بصوت أجش و هي ترفع وجهها إليه:
- أنا لم ألمسك قط.
فقال بلطف:
- عنيت جهاز التلفزيون.

و دنا منها ، فحجب الضوء عنها ، و شعرت بشيء من العجب و البهجة حين داعب خدها برقة ، و نعومة.

تأوهت ، فضمها إليه بالرقة نفسها. أمسكها بثبات لكنه بدا مستعدا لتركها إذا ما شاءت. و طال عناقه الرقيق ، فلم تشأ أن يتركها أبدا.

و فجأة ، قال و كأنه يوجه الحديث لنفسه:
- ما.... ما كان لي أن أفعل هذا.

لم تشأ أن تسمع أي عذر ، و كان لا يزال ممسكا بذراعيها ، و قد بدا عليه أنه ، مثلها ، لا يريد أن يتركها.

- بل كان ينبغي عليك أن تفعل ذلك.

رفضت طبيعتها الصريحة الصادقة أن تجعله يشعر بالذنب.

فسألها و قد عادت إليه روح النكتة:
- ألا تعترضين إذا ما عانقتك مرة أخرى؟

ما أكثر المزايا التي تفتنها فيه ، فقد أيقظ فيها شجاعتها ، و قالت:
- قد أعترض إذا لم تفعل.

قال لها برقة:
- وقحة!

و تسارعت خفقات قلبها بهجة عندما طوقها بذراعيه و أدناها منه.

وقفا دهرا متعانقين و ضاعت جازلين بين ذراعيه ، و نسيت ما حولها ، باستثناء البهجة التي غمرتها. ضمها إليه أكثر فتشبثت به بقوة و دنت منه بشكل لا إرادي.

سألها و هو يتأوه شوقا:
- هل لديك فكرة عما تفعلينه بالرجل؟

شعرت بدفء أصابعه على وجهها ، فالتصقت به ، و همس و هو يضمها إليه :
- يا جازلين الحلوة.

عشقت شعورها بالأمان بين ذراعيه ، و أغمضت عينيها تستمتع بالسعادة التي غمرتها.

لم تعرف مثل هذه النشوة يوما ، و مع ذلك شعرت بشيء من التردد.

لم يدم ترددها طويلا ، لكن هولدن ، بحسه المرهف لاحظه على الفور.

ابتعد عنها فشعرت بالبرودة تغمر كيانها. و قال بصوت أجش:
- على أن أذهب.

لم تصدق ذلك! لا... لا يمكنه أن يذهب!

- هل تركت ماء الحمام جاريا؟

لكن المشاعر التي أثقلت صوتها أظهرت أنها لا تجد هذا الوضع مضحكا.

قال بلهجة رزينة جدا:
- أنا.... لا أفكر بشكل منطقي. ستكرهينني في الصباح.

لا.. لن أكرهك... لن أكرهك.. أرادت أن تصرخ محتجة.. لكن تربيتها منعتها من الكلام.

و ما لبث أن مال نحوها و طبع قبلة خفيفة على أنفها ، ثم ابتعد عنها و سألها:
- هل انت بخير؟

و أدركت أنه على وشك الخروج ، فأجابت:
- أنا بألف خير.

و ابتسمت. ذهب بسرعة ، و كذلك ابتسامتها. و أدركت أنه رجل غير عادي ، فهل من الغرابة أن تقع في حبه؟

الدانه الحلوة
20-04-2006, 22:02
شكرا لك ولكن الله يعافيك كمليها وكملي رواية أهديتك عمري

ba6a
20-04-2006, 22:45
شكـــــــــــرا حبيبتي على القصة


وهي موووجودة عندي


مرررررره حلوووووة



^_^

أميرة منسية
21-04-2006, 07:04
يعطيك العافية إيمان وتسلملي الأنامل الذهبية ولا تنسين تكملين رواية أهديتك عمري..................سلاااااااااااااااااااامممممم مممممممممممم

AlEX 7
21-04-2006, 14:53
يسلموا كتير يارا بس لا تقطعينا بوسط الرواية وتروحي الله يخليك ومرة تانية شكرا

RED ROUS
22-04-2006, 01:02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا ايمان على الرواية مستني التكملة عشان اقرأها

Amisha
23-04-2006, 01:17
رووووووووووووووعه انتظر التكمله انا قريت عنها وتمنيت تكوون عندي والحمد لله نزلتيها الله يعطيك العافيه

ice star
02-05-2006, 15:57
شكــــــرا ايمان ع القصه

تعبناكـ معنا

بانتظار التكلمه

فراشة المحبة
02-05-2006, 17:25
شكراً على هذه الرواية الحلوة

ونحن بانتظار التكملة

تسلم يدك

الله يعطيك العافية

*@Sango@*
10-05-2006, 16:59
مشكورة ايمان على الرواية
كمليها ننتظر

فراشة الصداقة
11-05-2006, 22:54
مشكورة إيمان على الرواية

وننتظر التكملة ارجوكي

لا تطولي علينا ننتظرك

المتميزة
11-05-2006, 23:46
ممكن للأخت ايماااااااااان ظروف بالاظافة الى أن الكتابة جد صعبة
و ألف شكر ليك على الجزء الكبير من القصة الي نزلتيييييييييييه
بس انا لقيت هذه القصة نازلة بأحد المنتديات فأحببت أكمل عليها
علشان بعتقد ان الاعضاء متشوقين يكملوا القصة بشوق كبير
و ااااااااااااااااااااااااااااااااااسف على التطفل بالموضوع

المتميزة
11-05-2006, 23:47
http://www.shazly.net/~freehosting/1/qncfcrpi_30.jpg

المتميزة
11-05-2006, 23:49
http://www.shazly.net/~freehosting/1/228izaqj_31.jpg


http://www.shazly.net/~freehosting/1/i46w8jrr_32.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/ai3zfruw_33.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/kfdzd2p8_34.jpg

المتميزة
11-05-2006, 23:52
http://www.shazly.net/~freehosting/1/373gqugj_35.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/u8skc4yh_36.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/yaqta8v4_37.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/6ijh3348_38.jpg

المتميزة
11-05-2006, 23:55
http://www.shazly.net/~freehosting/1/naiqqzah_39.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/2mdsp7y8_40.jpg


http://www.shazly.net/~freehosting/1/8qyabrvd_41.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/kb0hvpin_42.jpg

المتميزة
11-05-2006, 23:56
http://www.shazly.net/~freehosting/1/s2a5wyqz_43.jpg

المتميزة
11-05-2006, 23:58
http://www.shazly.net/~freehosting/1/b4drwj4a_44.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/ypzcahby_45.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/3exzs8kr_46.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/w8urqao4_47.jpg

المتميزة
12-05-2006, 00:02
http://www.shazly.net/~freehosting/1/ecdo2a7o_48.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/eodmhg2h_49.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/8ytdprkv_50.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/ycjcv7f8_51.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/o7w37cu8_52.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/efttrrhv_53.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/nhorswmb_54.jpg

المتميزة
12-05-2006, 00:06
http://www.shazly.net/~freehosting/1/h3baxnwj_55.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/hoaz8m8v_56.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/qmtjer4k_57.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/m6muszmy_58.jpg

http://www.shazly.net/~freehosting/1/4272chks_59.jpg

ice star
12-05-2006, 11:54
شكــــــرا اختى المتميزه

بانتظار كل جديد

*أنين الروح*
13-05-2006, 14:03
تســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــلمين حوبي الله يعطيك العافيه على هذي المبادره

*أنين الروح*
13-05-2006, 14:08
الي يبي الروايه كلها بالسكنر يدخل هذا الرابط

تم حذف الرابط من قبل المراقب !

musad
26-05-2006, 01:25
مشكوره وتسلمين علي هذالقصه الحلوه