PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : مرآة الذات [محاولات لمعرفة النفس عن طريق الكتاب]



Makaveli X
21-05-2020, 11:44
ليست كل البدايات لابد أن تكون رسمية، فالعفوية في بعض المواقف -خاصة تلك التي تشرق معها شمس علاقة جديدة- تبعث فينا وفيمن يحادثنا الحياة.
وإذا كان هذا، نعرف أن الرسمية لا يحتاج لها في ما يُراد بعثه إلى الحياة، خاصة لو كان لا يفتقر إلى إسقاط "ميانة" فالبساط إن لم يكن أحمديًا مع نفسك فمع من !

لهذا ابتدأت بهذه الكلمات التي لم أفكر أبدا في كتابتها أو صياغتها، إذ هذا التفكير كثيرًا ما يقتل النص ويحوله إلى كتابة جامدة آلية، متكلفة جدًا، تسمعك صريرًا مزعجًا يوحي بعد ارتياح كاتبها، إلا لو كنت مغفلًا لا تعلم كيف تفرق بين التكلف والسجية، فهذا أمر آخر.

عموما، لا تفكر كثيرًا قبل كتابتك، فلا أحد يهتم، خاصة لو كنت تكتب لنفسك، لأمور تعلمها أو لا تعلمها يجيش بها صدرك، فتضطر إلى إدخال قلمك إلى أبعد نقطة من حلقك لستسقيء على الورق.


* ما يكتب هنا لا يخضع للمراجعة أو التدقيق

Makaveli X
27-05-2020, 13:13
لعلي أثقلت عليك بطلب عدم التفكير قبل شروعك في الكتابة
لا عليك، أعلم ثقل هذا الأمر، فالكاتب يبقى محاصرًا بين مطرقة إفراغ ما في قلبه وسندان رأي قارئه ولو كان القارئ نفسه غير الكاتبة.
لكن نصيحتي هذه نابعة من صميم تجربة ومعاناة مع الكتابة، وقد نصحني بها من أثق بهم فلم أعرها أي اهتمام، حتى أتى يوم استغلق عليّ معنىً ففكرت في نصيحتهم لي، ففكرت في التوقف عن التفكير، حتى استغرقت في تلك الحالة.
عندما تيقظت بعد مدة تخيلتها لحظة، وجدت الصفحة قد امتلأت حتى كادت تفيض بما أردت التعبير عنه، ولولا أن تداركت عنان قلمي لحصل ما لا تحمد عقباه.
فجربها يا أخي، فإن الخبر ليس كالعيان ،ومن ذاق عرف.

Makaveli X
27-05-2020, 17:02
تعسر عليك الأمر ؟ لا بأس... خذ نفسًا عميقًا، املأ رأتيك بهواء هذه الأرض الطيبة، في أي بقعة كنت، مهما كان هواؤها ملوثًا، التنفس العميق يهدئ النفس مهما تقذرت الرئتين مما يدخلها.
امسك بآلتك الكاتبة أو حاسوبك أو حتى هاتفك، ربما قلمك العتيق التي أهدته والدك في عيد ميلادك الثلاثين أو الريشة التي تفاخر بها وتريد منها أن تعود بك إلى عصور لن تصمد فيها ساعةً.
أمسكتها ؟ حسنًا... أوه لقد نسيت هل جهزت ما ستكتب عليه ؟
رائع، أحب أن يكون المرء مستعدًا لما سيواجهه في هذه المعركة النصية.

نعم، الكتابة معركة ليست سهلة، لكن لعلك هبت الأمر لما قلتُ معركة، دعني أسهله عليك قليلًا.

هي عملية مشابهة لعملية حشد الجيش، فأنت لا تستطيع الكتابة إلا بحشد أحد شيئين، إما الألفاظ، وإما المعاني، أو كلاهما لو كنت بارعًا طوّعت قلمك لقلبك وفكرك.
فإذا حشدت جيشك المعنوي أو اللفظي أو المختلط، فعليك أن تواجه هذه الحشود التي غالبًا ما تكون هائجة بشيء من ضبط النفس وهدوء الأعصاب، لأنك ستحتاج إلى ترتيبها وتهدئتها، حتى لا تتزاحم على طرف لسان آلتك الكاتبة فتعيث بنصك الفساد.
ولا تفهم من كلامي هذا أني أدعوك إلى التفكير في عملية ضبطها، بل كل ما أريده منك هو تضييق مساراتها، حتى لا تخرج متدافعة فتفسِد وتفسُد.
قوة جيشك في انضباطه والتزامه، لا همجيته وعشوائيته، وأعتقد أن هذا سر نجاح كل جيش، فالطاعة العمياء والانضباط أصل الأصول في العقيدة العسكرية.

حشدت جيشك ؟ ضيقت مسارات حركته ؟ جيد، الآن تخيل أن هذا الجيش الذي خفت منه -وأعتقد أنك لا زلت- هو جمهور متحمس للدخول إلى مسرح على خشبته أعظم فناني القرن، وأن هذا الفنان هو فنانك المفضل، الذي كنت ستدفع نصف عمرك -لو كان ثمنا- لتحظى منه بنظرة ملموسة وكلمات مسموعة حية.
الآن تخيل نفسك جزءا من هذا الحشد، فردٌ في جمهور متزاحم يصيح حماسًا حتى تنفخت أوداجهم وجحظت أعينهم، لامست الشعور ؟ جميل.

في الغد سأخبرك بقية ما تريد... كن بخير.

Makaveli X
28-05-2020, 07:49
صبحك المولى بالخير يا صديقي القديم

هل ما زلت محافظًا على ملامستك للشعور ؟ رائع، الآن أريدك أن تتلبس به، لا أريد مجرد معرفتك بهذا الشعور، أريد منك أن تعيشه، كما تعيش حيرتك الآن في طريقة صفك لكلماتك.
أريد أن أرى صدرك يتحرك بقوة لأنفاسك المتسارعة، أريد أن أرى جحوم عينيك يأكل المشاهد الصورة تلو الصورة، أرغب بسماع صوت صياحك المتقطع حماسًا وقوة.
حسنًا توقف عن الصراخ، لا أريدك أن تصرخ حقًا، ألم تسمع بالمجاز ؟

هه لا عليك، الآن هل يصح لهذا السيل الهائج من المعجبين السكارى بمغنيهم أن يندلق دفعة واحدة ليدخل هذا المسرح ؟
بالطبع كلا، إذ هذا الهيجان لا يؤدي إلى خير أبدا، لا لأشخاصهم ولا للمسرح بل ربما ولا لفنانهم المفضل، إذ قد تتخطفه أيديهم من على خشبته.
فوجب ضبط حركتهم لينسابوا خلالها بانتظام وسلاسة وبدون توقف، لكي لا يحصل ازدحام عن المدخل إلى المسرح.

هذا بالضبط ما يحصل في الكتابة يا صديقي، فالاحتشاد والحماس والصراخ والصياح، كلها تشبيهات لعلها وضحت لك ما يفترض أن يكون عليه قلب الكاتب قبل كتابته، حتى لا تكون كلماته متكلفة كما قلتُ في البداية.
ولا يشترط أن يكون هذا الشعور من المعاني، بل يمكن أن يكون نابعًا من الألفاظ، لكني أؤمن أن الألفاظ تبع المعاني، وما من أحد يشعر بازدحام الألفاظ على طرف لسانه إلا وشعوره هذا نابع في الأصل من ازدحام مشاعره في قلبه، إذ اللسان قلم القلب، كما قال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

Makaveli X
29-05-2020, 16:50
أراك تراني متناقضًا لأني أقول لك لا تفكر في الكتابة وفي نفس الوقت أدعوك لضبط إخراج ما في قلبك، حنانيك يا عزيزي عليّ، إذ هذا التناقض ليس إلا في تصورك المختلط.

لنعد قليلًا إلى جمهورنا الهائج، أنت لن تمنعهم من الدخول، إذ الكل ملتزم بضوابط الحفلة، وكلهم قد اشترى تذكرته ووضع على يده أسورة الدخول.
لكنك ستنظم دخولهم، فلن يدخلوا دفعة واحدة، بل سيدخلون بعد ضبط حركتهم ومساراتهم، واحدا تلو الآخر، لكي لا تتعطل حركة الطوابير ولا يتضرر المسرح.

كذلك الكتابة، لابد من ضبط مخرجاتها لا منعها.
إذا تعسر عليك التصور، فتخيل الأمر كزجاجة فارغة أردت تعبئتها من صنبور، لن تفتح الصنبور على آخره فتطيش المياه من الزجاجة، ولا تفتحه قليلا فتتقاطر المياه سنين عددًا حتى تملأ زجاجتك، بل ستتوسط في فتحه، كذلك الكتابة.

فهمتني ؟

Makaveli X
29-05-2020, 16:58
ولتكون مشاركتي رقم 6000 مميزة
سأجعلها احتفالًا بعودتي إلى الإدارة

حقيقة لا أدري ما أقول، إذ لم يكن ليخطر على بالي في السنين الماضية عودتي إلى المنتدى كمشارك حقيقي، فضلًا عن عودتي كإداري، لكنه القدر وسره كما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
في فمي ماء لو بثثته لأغرق ما بين الخافقين، فمشاهدة تلك الذكريات المليئة بالمشاعر المتضاربة والمتناقضة أمر يبعث السعادة والهدوء في مشاعر اليوم.
فتعثرك وحزنك له بالأمس هو ما حدا بك للاجتهاد لتكون ما أنت عليه اليوم.
وشجارك مع فلان أو علان هو ما دعاك إلى تهذيب أخلاقك لتكون ما أنت عليه اليوم من ملائكية وطهر.
طبعا لا أدعيها لنفسي، لكني أقولها على سبيل المثال، وكما قالوا: مناقشة المثال ليس من دأب المحصلين.
سعادتي وفخري الآن بتوشحي اللون الأحمر وحمل لواء الشعر والخواطر في هذا الصرح العظيم لهو شرف تبذل له المهج وتفتديه الأرواح، وفيه سر عجيب لو كُتب بالأبر على أوراق الشجر لكان عبرة لمن اعتبر.
لكن ما كل ما يعلم يُقال، ونحن مأمورون بخطاب الناس على قدر عقولهم.

Makaveli X
30-05-2020, 16:15
لاحظت أني في الفترة الأخيرة تشبعتُ بما لم أعطَه، واتخذت دور الناصح الحكيم، كأني أفنيت لحظات عمري في معترك حياة ملأتها التجارب.
وا خجلتاه يوم العرض إذا قمت لابسًا ثياب الزور.

حنانيك يا نفسي عليّ، لم تخاف هذا وما وجهت كلامك لغيرك ؟

لحظة ! ما الذي تقصده ؟

يا نفسي، إن الإنسان قد يتكلم ويظن الناس أنه يخاطبهم، وفي الحقيقة ما خاطب إلا نفسه.

تراني على هذا النهج أسير ؟

ما أسرع ما نسيت ! أليس عنوان صفحتك مرآة الذات !
كل ما كتبته هنا خرج منك بك إليك، فلا تجزع، فلمّا تلبس ثياب الزور بعد.

Makaveli X
31-05-2020, 15:48
أراني أبطأت عليك حتى بدأت بالتضجر... سامحني يا عزيزي.
لكن القدر التي تطبُخ على نار هادئة تنضج الطعام وتطيّبه كما لا تفعل ألف قدر على نار مؤججة.

اختمار الأفكار التي ألقيها في ذهنك حتى تقذف الزبد، وتأملك فيها حتى تنضج لهو خير ألف مرة من إتحافك كل يوم بنصيحة جديدة.
وأعلم أن أن أفعالي تناقض أقوالي، إذ ما من يوم يمر عليّ إلا آتيك بشيء جديد أعتقده نصيحو، وليس كذلك هو في نفس الأمر.

وما يدريني ما تفعل بنصاحئي لك، لعلك تعطيني -كما قالوا- أذنا من طين والأخرى من عجين، فلا يجد كلامي لقلبك ممرا، إلا تلك الجمادات التي لا تطرب لشيء من المعاني.

عمومًا، سأتوقف عن كتابة النصائح، وأتجه إلى توصيف ذاتك، لعلي أكون مرآة لك، ترى فيها ما لا يخبرك به إلا أنا.
طاب مساؤك.

Makaveli X
01-06-2020, 15:28
مبارك عليك حلول شهرك المكرّم، ذكرى ظهورك في الدنيا، وتجليك الأول عليها، بصرخاتك المتواصلة التي تقطع صمت مدينتك-ولو أنها في الحقيقة مدينة صاخبة- إلا أن صرخات الحياة تغلب آلافا من أصوات الجماد.

لكن ما حان وقت ظهورك بعد، لأن أمك الحنون ما زالت ترتقب الموعد الذي حزره الطبيب ميعاد ولادتك، فهي تنتظر ذلك اليوم في كل يوم آلاف السنين، حملتك كرها ووضعتك كرها.

لا تخف، فما إن رأت وجهك ملطخًا بدمائها والسوائل التي غذتك، حتى تبدل الكره حبًا لا يضارعه حب، فصرت أغلى عندها من كل ما في الوجود.
حملتك برفق على ذراعها وألقتك على صدرها لتشق جوفك أولى قطرات لبنها، فكانت هذه وجبة العشاء الأول.
أو لعله الإفطار الأول، لأنها كما أخبدتني وضعتك في فجر ذلك اليوم، فقد ذهب والدك للصلاة، ولما عاد من المسجد وجدك بين يديها، وقد كنت قبل ذلك في حكم العدم.

كانت تلك بداية قصتك يا حبيبي، منذ ذلك اليوم وأنت تكتب، وحتى هذه اللحظة ما زلت تكتب.
لكنها كتابة لا كالكتابات، فلم تمسك القلم ولا وضعتَ أمامك آلة كاتبة، بل كنت تكتب بأمور أخرى، يضيق الوقت بذكرها، لكن تذكر:
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقي الدهر ما كتبت يداه

Makaveli X
02-06-2020, 19:13
مساؤك خير صديقي القديم
تأخرت كثيرا هذه المرة، التمس لي الأعذار، فأنت مطالب بالتماس الأعذار لأخيك المسلم، فكيف بنفسك؟
لكن تيقظ، التمس لي أنا، لا لنفسك أنت، وإلا وقعت في هاوية لا قرار لها.

تقدمت خطوة إلى الأمام في هذا الشهر، بدأت آلام والدتك بالتضاعف.
ركلاتك باتت كأنها تمزق أحشاءها، حنانيك على أمك يا وليد، كل هذا قبل خروجك إلى الدنيǿ ماذا ستفعل إذا عرفت أن ركلاتك هذه صارت تتوجه إلى قلبها لا أحشاءها بعد انفلاتك من حضنهǿ
هونك عليها، ستجرعها المر أيام وجودها حولك، وتطعمها الشوك حين بعدك.
لا تستعجل، سنتكلم بإسهاب عن هذه التفاصيل لاحقًا، الان أتركك مع حبلك السري تناجيه بأفكارك التي بدأت في توقع شكل العالم الخارجي، كيف هي حبال الاخرين السرية؟ هل يركلون أمهاتهم كما أفعل في كل مناسبة؟ ما هي ألوان أخلاط مياههم؟
ستتفاجأ كثيرًا يا صغيري، نم الآن بسلام حتى حين.