PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : تيْــه - Lost [ مشتركة ] .



white dream
07-06-2017, 02:37
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2216555&stc=1&d=1518457634




http://store6.up-00.com/2017-06/149680258689511.jpg

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

مرحبا بمن طَلَّ هُنا .. أرجو أن تكونوا بخير صحة وعافية .
الموضوع واضح من عنوانه :ضحكة: ستكون بإذن الله قصة مشتركة بيننا : White dream - C.F SWAT
عسى أن تنال بعض استحسانكم ، وعسى أن أجيد الكتابة :ضحكة: :غياب: فأنا كائن هجر القصص من وقت طويل إلا من بضع خربشات هنا وهناك .
أرجو أن أوفق بها ولا يتوهق السيد سوات معي :ضحكة:

يكفي مقدمات لا أجيدها :نوم: .. الفصل الأول في الرد التالي ..

قراءة ممتعة :ضحكة:




يرجى عدم الرد ~

white dream
07-06-2017, 02:52
[B]


http://store6.up-00.com/2017-06/149680258689511.jpg


الفصل الأول : رسالة ~



سماء نوفمبر الكئيبة تنذر بليلة عاصفة ، تكاثفت الغيوم الرمادية وتلبدت فزادت المساء ظلمة وبرودة وألقت بظلالها على الأرض ، فأضافت للمدينة وحشَة على وحشتِها .
هناك في أحد ربوع لنْدن جنوبيٍّ بريطانيا ، انتصب بيت صغير في منعزل عن البقية ، تحيطه مساحات مقفرة إلا من شجيرات قصيرة تحملت برد الشتاء والليالي العاصفة ، أما البيت في نفسه فكان كأنما يقاوم تعاسة ذلك اليوم والأيام المتوالية ، كان مرتبا ومفروشا بأثاثٍ بسيط ، حاولت مالكته أن تضفي عليه لمستها الخاصة بإضافة التطريزات الأنيقة إلى قماشه البارد ، إنه مملكتها الصغيرة ، وحيث أن العالم بدا رماديا في عينيها كأنه أرض حرب مقفرة ، فقد سعت لتجعل هذا الركن الصغير ينبض بالحياة ، انتشرت التحف والخزفيات الملونة على الطاولات ، وأصص النباتات تموضعت على حواف النوافذ ، فكان الحفاظ على حياتها داخل البيت الدافئ أسهل من خارجه .

جلست سيدة ذات طلة بهية في مكانها المعتاد، حيث اعتادت أن ترتشف الشاي نهاية عصر كل يوم ، تفكر فيما أنجزته في الساعات المنصرمة ، وترتب أفكارها ومواعيدها لليوم التالي ، تلامست أصابعها البيضاء مع الفنجان الخزفي المزخرف ، ورفعته ببطء إلى شفتيها ، ارتشفت السائل الساخن بمهل وزفرت ملء رئتيها ، أعادت الفنجان إلى مكانه وتحركت أصابعها تطرز قطعة من الساتان الأبيض ، فتملؤها بزخارف نباتية بألوان مشرقة ، تكسر سطوة الترابي والرمادي المنتشرة تلك الأيام .

كانت تسعى لتغيير العالم من حولها ، تحاول مسح الرماد الذي تراكم طوال ثلاث سنوات ومازال ، لم تدري إلى متى تستمر الحرب ، ومتى يتوقف هذا الجنون الذي أحرق الأخضر واليابس ، وجعل المدينة ... بل جعل البلد يرزح تحت وطأة دمار بارد ؛ اجفلت وأخرجت قصرا من أفكارها بفعل طرقات قوية على باب البيت ، انتبهت أنها أخطأت الغرز وأفسدت جمال زهرتها ، تنهدت بغيض وتركت عملها على الطاولة ، وهبت واقفة ، فنفضت فستانها الطويل وقطعت خطواتها الصالة الفسيحة نحو باب البيت ، ما أن فتحته حتى قابلتها سيدة ترفع طرف فستانها فيما غاصت قدماها بالوحل ، نظرت تلقائيا نحو السماء فكانت تمطر بغزارة ، وقد تبللت زائرتها المسكينة من رأسها حتى قدميها ، أفسحت لها المجال للدخول ، ودار في نفسها أن ضجة أفكارها حجبت صوت المطر ، وأبعدتها عن الواقع ، تنهدت السيدة النحيفة براحة ونفضت بعشوائية كُمَّي ردائها ،هتفت بصوتها الصداح : لقد بدأت العاصفة !.
هزت صاحبتها برأسها ودعتها للدخول ، لكن السيدة امتنعت بأدب جَم : أنا في عجلة من أمري .
قالت ذلك وأخرجت رسالة من جيب فستانها وسلمتها لها بعدما نفضتها من أثار البلل ، تعلقت عيناها بالظرف الترابي الشاحب والتقطته بلهفة من بين أصابع صديقتها ، استأذنت السيدة بالرحيل ، ولم تستدر لنداءات صاحبتها وطلبها بالبقاء حتى يتوقف المطر على الأقل .

عادت لعزلتها مع فنجان الشاي ، وتعلقت عيناها الخضراء بالاسم المكتوب على ظهر الرسالة : إلى ديانا ماجستين .
وضعته على سطح الطاولة ، وابتعدت أصابعها بتردد ، شيء ما أنبأها أن أخباره لن تكون سعيدة ، نظرت إلى محيطها وإلى رقعة السماء المظلمة البادية من النافذة ، رتبت خصلات شعرها البنية ، وشبكت أصابعها بضع لحظات ، كانت كمن يفعل ذلك هروبا من الحقيقة ، أدركت أنه لا مناص من فض الرسالة ، فامتدت أصابعها إليها وببطء مزقت حافت الظرف وأخرجت الخطاب من جوفه .

جالت عيناها على السطور المرصوصة بالكلمات بمهل ، تقرأ السطر وتعيده كمن يشكك في سلامة نظره، أفلتت منها زفرة متألمة وضمت الرسالة إلى صدرها فيما ضاعت عيناها في الفراغ ..
خرجت الكلمات من بين شفتيها كأنها تخاطب أحدا يسمعها : لقد تم تسريحُه من الجيش! .
[/


***********



انتهى ~
فصل قصير بمثابة مقدمة ، ستكون الفصول التالية أطول وأفضل بإذن الله :ضحكة:

أُنسٌ زَهَر
07-06-2017, 08:32
حجوزات :أوو:

غيْهب
07-06-2017, 09:41
حجز حتى يوم الأحد:e106::e414:

هدوء الملاك
07-06-2017, 23:51
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

مرحبا وااايتة :نينجا: ماشاء الله عليك رغم قولك أن انقطعنتي اشوف اسلوبك جميل
ومقدمة قوية بوصفك لاثار الحرب والاجواء الرمادية الي وضحت الوضع الحزين ف القصة *^* وحسيت المقدمة يغلب عليها الوصف والمشاعر اكثر من الاحداث الي جت ع النهاية و حيرتينا مين تم تسريحه ومازا حصل بالضبط :نينجا: وننتظر اجزاء اخرى اكثر طولا وإلا ركلتك جبتي الحماس ع النهاية عشان التشويق يخليني ابي بارب جديد بسررعة :صمت:

بالتووووفيق :قلب:

cute zoba
08-06-2017, 13:51
مرحباً !
كيف حالكِ عزيزتي وايت ؟؟ أتمنى أن تكوني بخير .
ماهذا الإبداع المتراص هنا ؟ جميلٌ للغاية ! وأيضاً تجروئين وتسمين كتاباتكِ الأنيقة بـ خربشات ! على كلٍ فـ لـ نعد لموضوعنا !
أسلوبكِ جميلٌ جداً كـ العادة ! وصفك رائع وإنتقاؤكِ للكلمات أنيق ..
مع هذه البداية الصغيرة أجزم بأن الرواية ستصير في غاية الجمال لاحقاً .
سأكون متابعة لكِ ولـ السيد سوات بإذن الله !
دمتِ بود ~

C.F SWAT
08-06-2017, 23:11
- الفصل الثاني -

الرابع من تشرين الأول 1916

- أنت فخر المملكة يا بني، لا تطأطئ رأسك لأحدٍ البتة. لقد قمت بما يحلم به الشعب بأسره. ملايين الشبان يرمون بأنفسهم ليل نهار ليحققوا ما حققته أنت، بينما العجائز يندبون حظهم الذي منعهم من أن يضحوا بحياتهم وأموالهم حماية للوطن وصيانة لمجده. عد إلى بيتك الآن، عد إلى أهلك وأحبتك، أخبرهم عن بسالة جنودنا ورباطة جأشهم، أخبرهم كيف تزلزل أسودنا الأرض من تحت أقدام العدو الغاصب، أخبرهم بأن المجد محقق وأن النصر قريب عاجل لا محالة، أخبرهم بأن أبناءهم يعملون ليل نهار بعزم وقوة بأس ورباطة جأش لكسر العدو وتحقيق النصر وبأن إيمانهم بالرب والملك خلق منهم سلاحاً فتاكاً لا يهاب. اذهب لعائلتك واعلم كم هم فخورون بك، وكم يفخر بك إخوتك على الجبهة وكم أنا فخور بك، واعلم بأن الملك يعي مقدار تضحيتك وقد أوصاني بأن أبلغك شخصياً بأنه يشكر جهدك وأن ود لو تمكن من شكرك شخصياً بيد أنك أعلم بمشاغل الحرب وأهوالها.

وجدت نفسي أجفل كلما سمعت صوت السوط يجلد ظهر البغلة المسكينة والتي بدا جلياً لي ولكل من له بصر بأنها تسحب العربة بكل ما أوتيت من قوة، إلا أن قائد العربة ما زال يجلدها وكأن يفرغ كل ما في قلبه من غل قبل العالم على ظهر دابة لا تفقه من أمرها شيئا سوى أن جالدها إنما يعمل سياطه على جسدها الهرم رغبة في تحقيق مصلحة لها. التفت السائق نحوي وحدق في وجهي بعينين غائرتين، ملامحه كانت أقرب لخنزير بالغ لا لإنسان. عبر لي عن شكره وامتنانه لي ولزملائي ولما قدمناه ونقدمه في سبيل الوطن، أومأت له برأسي محاولاً أن أبتسم، إلا أن شعور التبسم بدا جديداً، وكأن وجهي قد مسخ لشكل غريب لم أعهده.

كلمات الضابط لم تفارقني وكأنه قرين أو شيطان يهمس في أذني أينما اتجهت. عيناي لاحقتاه حينما اقتحم وجوده أنين المصابين في العيادة، تحدث مع الممرضة المشرفة على سلامتي - آنا، فتاة متدينة لا تفتأ عن التبسم في وجهي كلما لحظت نظراتي تسللت إليها - ثم توجه نحوي على استحياء وخلع قبعته، توقف أمام سريري للحظات يبحث في ثنايا عقله عن كلماته المبعثرة عله يجد ما يواسيني، بدا أنه في نفس عمري، حسن الهندام على خده جرح حديث إثر الحلاقة لعله أقسى ما رآه من الحرب، ألقى علي خطابه وعيناه لم تفارقا ساقي التي جثمت على السرير كغصن مقطوع. ما أن انتهى من خطابه حتى رفع راحة يده نحو صدغه حتى مؤدياً التحية العسكرية الشهيرة، أكاد أقسم أني سمعت صوتاً حين لمس رأسه أشبه بالصوت الذي يصدر عن القنينة الفارغة حين تطرق.

مرت العربة أمام دكان السيد والاس للحلوى وما أن فعلت حتى تراقصت حولي روائح الحلوى من الداخل كجنيات صغيرة تغويني للذهاب معها إلى ماض هادئ وحميم، شوكولاته وكعك بالقرفة وبسكويت بالزنجبيل وغيرها كثير. كم أحببنا السيد والاس أنا وديانا فقد كنا نذهب ظهر كل أحد يوم كنا صغارا وفي جيب كل منا قرش مما يكفي لشراء قطعة حلوى واحده إلا أنه كان يسمح لنا بأخذ ثلاث قطع بدل الواحدة إن نحن تلونا عليه بعضاً مما سمعناه من الكتاب المقدس يومها، انتقل وعائلته من شمال إيرلندا منذ عقود ليبني لعائلته حياة أفضل، إلا أنه على الرغم من طول مكوثه في العاصمة لم يفقد لكنته الإيرلندية الحادة قط، بل إن ابنه كيني كان يفقد لكنة لندن حين يشعر بأن والده كان على مقربة. كيني شاب في الثامنة عشر من عمره ذو شعر أحمر كنيران المدفأة في ليلة عيد الميلاد، لطيف ذو قلب ذهبي لا يحب شيئاً أكثر من الشراب سوى الغناء، له صوت خلق للأغان الشعبية خصوصاً الشمالية منها، لم يكف عن الغناء لنا منذ وصل إلى الخندق حتى خسر الجزء العلوي من رأسه برصاصة قناص ألماني حين أطل برأسه خارج الخندق.

- هذه البغال الغبية لا تفيد بشيء سوى إطعام الكلاب.

انتزعني سائق العربة من الجبهة بجملته تلك. أتفهم استياءه، فقد أضحت الخيل عملة نادرة بعد نشوب الحرب، فلم تتوقف الحكومة عن إرسال الخيول إلى الجبهة ليكونوا طرفاً في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

- اسمح لي بالتطفل قليلاً يا بني. إلا أني لاحظت بعد مئات من الرحلات من محطة القطار إلى المنازل حين يكون جنديا قد عاد من الجبهة سواء كان بصحته مثلك أو لم يحالفه حظك وعاد إلى الوطن بصندوق خشبي أن العائلة دائماً ما تكون باستقباله. لم أنت وحيد؟

تجاهلته متأملاً بأن تصله الرسالة ويغلق فمه، وبالفعل لم يكرر سؤاله بل هز رأسه مدمدماً بكلمات تتأسف على جيل كسرته الحرب. في الحقيقة لم أشأ أن أواجه ضجة عودتي في أول يوم، فلقد كنت على علم مسبق بأنه ما إن يعلم الجيران بأن قدمي قد وطأت أرض لندن حتى يغرقوني بأسئلة عن مصير أحبابهم الذين على الجبهة والذين انقطعت رسائلهم منذ زمن وهو ما يعني أن جثثهم تتعفن حالياً في المنطقة المحرمة وهو ما لا أود الخوض فيه في أول ساعات عودتي إلى المنزل، لذا وجهت رسالتي إلى ديانا وأخبرتها بأني عائد في الخامس من الشهر الجاري بدلاً من الرابع حتى أترك لنفسي يوماً للراحة على الأقل.

توقفت البغلة والعربة خلفها أمام منزلنا الفيكتوري ذو اللبنات الحمراء، لم تكن أسرتنا غنية قط خصوصاً من جانب والدي، إلا أن أخت جدتي من جانب أمي والتي كانت تحب ديانا حباً جماً قد أوصت بالبيت لوالدي الأرمل حتى تضمن ديانا مكاناً يؤويها حال توفي أبي وذلك لأن أخت جدتي لم تكن تؤمن بأن أختي ستتزوج قط لأن ديانا... ديانا لم تكن أجمل الفتيات في صغرها، إلا أنها أزهرت بعد وفاة أخت جدتي وهو أمر جيد حيث ضمن لنا منزلاً جميلاً في العاصمة.

ترجلت من العربة بعد عناء. حاولت أن أمسك بالعكاز وأنزل في ذات الوقت أمتعتي إلا أن سائق العربة أبى إلا أن يقوم بتلك المهمة بنفسه، بل حمل الحقائب بنفسه إلى الباب قبل أن يقوم بطرقه. شعرت بدقات قلبي في حلقي وأنا أنتظر أن يفتح شخص الباب، لم أر أياً من ديانا أو أبي منذ قرابة السنة في محطة القطار. لم يعجب ديانا أني ذاهب، بل وأقسمت أنها لن تودعني، وقد أوفت بوعدها حقاً فقد أقفلت باب غرفتها وصاحت بأنها تتمنى ألا تراني إلى الأبد، رافقت أبي بعدها إلى محطة القطار حيث ودعت والدي الذي اغرورقت عيناه بدموع الفخر وصعدت القطار مع باق الشبان والذي كان منهم من يودع أمه أو زوجته أو حبيبته. أعلن القطار عن استعداده للرحيل، وما أن بات يتحرك حتى رأيت ديانا تقطع طريقها جرياً باتجاهي وهي تصرخ بي بأن أنتظر. أخرجت نصف جسدي من النافذة ومددت يدي لأمسك بها حين كان القطار يتحرك ببطئ شديد، بات جلياً لي بأن خوفها وحزنها قاما بشل لسانها، واختلطت قطرات العرق على جبينها بدموع الحسرة، فما كان مني إلا أن أدخلت أصابعي في شعرها البني مبعثراً تسريحة شعرها المفضلة وأخبرتها بأني سألاقيها قريباً.

- انتظريني، أختاه، سأعود بعد أن أقهر القيصر!

-رولاند!

أشحت بنظري أعلى العتبات المؤدية إلى باب المنزل، لابد أنها رأتني من النافذة، فها هي ديانا تقف على عتبة المنزل بفستان نومها وبشعر مبعثر حافية القدمين. ألقيت عليها التحية وكأني قد رأيتها بالأمس فما كان منها إلا أن انطلقت نحوي وقفزت من فوق الدرجات الثلاث لتصطدم بي حاضنة إياي حتى كادت أن تسقطني أرضاً بعد أن اختل توازني لولا جسد العربة خلفي الذي أسندني وأبقاني على قدمي.

- ما الذي... من أين... ماذا... رسالتك... غداً...

تمتمت وهي تمسك بوجهي لتتفقده ولتطمئن من كوني أخاها.

- لست مستعداً للقاء الجيران الليلة، أردت يوما للعائلة فقط. آسف. أين أبي؟

- لا تعتذر، أبي في مكتبته، أدخل إليه وسوف أتكفل بحساب العربة.

كان سائق العربة حينها قد أدخل الحقائب والصناديق لداخل المنزل وعاد على العربة خلف بغلته الكسيرة حيث بدأ بالتحرك.

- لا آخذ منكم قرشاً واحداً، فلست خسيساً كي آخذ نقود أحد جنود الملك وحماة المملكة.

تركت ديانا تجادل السائق وتطالبه بأخذ النقود وجاهدت وعكازي لأرتقي فوق تلك الدرجات وأدخل إلى المنزل. كل غرفة في مسكننا تزينة بورق جدران ذو أزهار بشكل مختلف. وجدت والدي في المكتبة منكباً على الديلي ميل متجاهلاً رفوف الكتب التي تعالت للسقف لتحمل ما لذ وطاب من أصناف الكتب في التاريخ والأدب والجغرافيا والعلوم والدين. حاولت أن أنطق بكلمة "أبي" إلا أن أحرفها أبت أن تغادر حلقي ووجدت نفسي أتمتم بما كنت أخاطبه به منذ صغري.

- سيدي.

رفع عيناه عن الصحيفة ورأيت السعادة تتجسد أمامي كمادة ملموسة. نهض من على كرسيه المتحرك واتجه نحوي بخطا ثابتة، كنت أجهز نفسي لاستبقال حضنه إلا أنه مد يده نحوي ليصافحني. أقسم بأني لم أشعر بفراغ أكثر من تلك اللحظة في حياتي حتى كادت عيناي أن تدمعا.

- أتمنى أن تدرك كم أنا وكل شخص في المملكة فخورون بتضحيتك يا جندي.

أشعر بالغثيان. أومأت برأسي حين لم يقوى لساني على الكلام. سمح لي بالجلوس وبدأ بالتحقيق معي عن الجبهة وأحوال الجيش. "الشبان يقدمون حياتهم بتفانٍ للوطن وللملك، الهمم عالية ولن تطول الحرب مدة، سينكسر الألمان عما قريب." رددت تلك الكلمات التي لم أكن أفقه منها شيئاً سوى علمي بأنه من واجبي التفوه بها، والنظرات على محيا متلقيها أنبأت بأنها الكلمات الصحيحة.

- هل سمعت عما فعله الخسيس فيلهلم؟ لقد أمر جواسيسه بنشر الكوكايين في فرنسا ليضرب الفرنسيين بصحتهم وأجسادهم ويجعل منهم فريسة سهلة للانقضاض عليهم، بعض الإشاعات تنبئ بأنه ينتوي فعل ذات الأمر في لندن ولكن هيهات، سنقف في وجه الألمان وقيصرهم وألاعيبهم القذرة حتى آخر إنجليزي منا.

وافقته الرأي وأطلق كل منا شعارات فارغة عن القومية البريطانية والوطنية استأذنته بعدها لآخذ قسطاً من الراحة فسمح لي.

غرفة نومي لم أضحت مكاناً غريباً رغم أن ديانا رفضت أن يتحرك بها شيء قيد أنملة حتى أعود. جدران الغرفة اكتست بورق أبيض اللون تزين بأوراق شجر القيقب داكنة الخضرة. أسدلت الستائر على النافذة الكبيرة وألقيت بجسدي الخائر على السرير الذي يفوق سرير المشفى راحة بمراحل. أغلقت عيناي لدقائق وتسائلت عما إذا كان من الممكن أن أجد نفسي في الجحيم إن عاودت فتحها مرة أخرى... أو أسوء من ذلك؛ أن أجد نفسي في الخندق في الجبهة مرة أخرى. فتحت عيناي بتردد ووجدت نفسي لا أزال على سريري.

أخرجت مخلصي من جيب قميصي العلوي. أفرغت بعضاً منه على ظهر يدي واستنشقته دفعة واحدة حتى شعرت به يتبدد في دمي ويذيب عذابي، استلقيت بعدها على السرير مرة أخرى وأغمضت عيناي منتظراً نشوة الخلاص.

مجوكـهـ
09-06-2017, 14:11
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير
كيف حالكمǿ أتمنى أن تكونا بألف خير!

فصلان جميلان.. الكلمات والمشاعر كلها وصلتني.. فيبدو حقاً أنها اختيرت بعناية.. ما شاء الله::جيد::

المرأة العجوز المسكينة.. وجارتها الطيبة التي أوصلت لها الرسالة رغم الأمطار الهاطلة! :أوو:
من هو الذي سُرِّح؟فضول يتنابني نحوه:موسوس:.. هل هو رولاند نفسه؟:غياب:أرسل رسالة لجدته.. لكن لا أعتقد ذلك:لقافة:.. أظنه جندياً آخر..:مرتبك:

شعرت بالفراغ الذي شعر به رولاند عندما لم يعانقه والده.. بل اكتفى بالمصافحة! :تعجب:
وبما أنه نادى والده بـ "سيدي" أعتقد بأن والده كان في الجيش أيضاً =.=

أتساءل إلى أين ستأخذنا الرواية:لقافة:.. هل ستكون الحرب ذاتها وكيف أنها لن تنتهي قريباً كما يعتقدون:e401: أم فترة ما بعد الحرب وكيفية تأقلم الناس على الأوضاع!:نوم:

أنتظر بفارغ الصبر فصلاً جديداً::سعادة::
في أمان الله ورعايته وحفظه

النظرة الثاقبة
12-06-2017, 13:53
وايت ، سوات
فعلا هدية دسمة بعد الاختبارات ، قرأت الفصل الأول ( رسالة) وجذبتني اللغة القوية وأسلوب الوصف المختصر المفيد والذي يحوي على كمية مشاعر عميقة تناسب الحدث والحوار ويتناغم فيه القول والفعل والإحساس
كوصف المنزل المنعزل والمساحات المقفرة حوله شعرت بمدى الحزن والوحدة ، رغم كآبة الإحساس وشدة الوحدة والانتظار والمعاناة إلا أن جمال التعبير قد شفع لهذا كله
وحدث الرسالة والحوار البسيط وإسراع صاحبة الرسالة ومظهرها كله ناسب ماجاء في بداية المقدمة من إنذار بالعاصفة وتنبؤ بها حيث شاركت الطبيعة إحساس المرأة ومحتوى الرسالة

سأكمل إن شاءالله
وأهنئكم على الاسلوب وعلى القصة ، وأظن أنها تحمل فكرة وهدفا متميزا كالعادة
كل التقدير

هدوء الملاك
13-06-2017, 11:50
الجزء الثاني :سعادة::

سوات
بدأت ببداية قوية وملفتة بحق ، أحببت المقدمة التي بدأت بخطاب واعتبرها من البدايات التي تشد القارئ للإكمال
وصف جو الحرب المحيط و الظروف و وداع الجندي لأهله باتت تعطيني صورة اكبر عن ملامح القصة ::جيد:: واثارت اهتمامي تلك العلاقة الغريبة التي تربط الأب بابنه الجندي ووصفك لها كيف بدت باردة ورسمية .

+

وايتة
ننتظرر دورك :لعق: ~

غيْهب
13-06-2017, 12:47
وواه لم انتبه للفصل الثاني:em_1f611:
ارسلوا لي تنبيهاً في المرة القادمة:e403:

cute zoba
16-06-2017, 23:54
نزل البارت الجديد !!
حسناً رولاند ! من هذا الفتى ؟ أهو من تم تسريحه ؟ لا لاأظن هذا ! أظن أن كلٍ منهم شخص مختلف ..
شعرتُ بشعور رولاند بالإحباط بالبداية ، ثم بشعور الفراغ عندما لم يلقَ أي ردة فعل مرضية من والده ، زمن الرواية جديد هنا .
بإنتظار القادم على أحر من الجمر ..

white dream
22-06-2017, 07:26
- الفصل الثالث -


ما هي إلا لحظات حتى بدأ الألم الذي يخز جسدي وقلبي معا في التلاشي ، وحل محله شعور مغاير ، كأني أطفو فوق الماء أو أستلقي على غيمة وثيرة ، كيف لهذا المسحوق السحري أن يسمى سما ؟ بل السم الزعاف هو واقعنا الرمادي الذي نعيشه يوما إثر يوم ؛ أخر ما رأيته هو أوراق القيقب الداكنة تهتز وتتراقص على الجدار كأنما دبت فيها الحياة ، وسريعا وقعت في فخ الرقاد العميق .

دخان ، رماد، انفجارات وصراخ رجال يعذبون ، الأسلاك الشائكة تحاصرني وتلتف حول عنقي ، لست قادرا على سحب أنفاسي ، ولا الهروب من هذا الجحيم بقدمي الوحيدة ، إنها النهاية ..!
استيقظت فزعا إثر الكابوس المظلم الذي راودني ، صدري يرتفع وينخفض بجنون ، رئتي تسحب الهواء بشراهة كأنه على وشك النفاذ ، رفعت يدي المرتجفة لألقيها على جبيني وتحسست العرق البارد الذي أغرقني ؛ إنه الكابوس ذاته مرة أخرى ، منذ أسابيع ومشاهد الحرب تعشعش داخل رأسي ، كأنه ليس كافيا ما أعيشه وقت استيقاظي ، فتتابع المشاهد وقت سباتي ؛ أني أراه بوضوح .. الخندق الأرضي ، حفرة الجحيم المسيجة بالأسلاك الشائكة ، والأجساد المتزاحمة داخله ! رجال ببذل الحرب الرمادية المتشابهة ، تكاد لا تميزهم من بعضهم لفرض الرماد الذي يغطي وجوههم ، ينتظرون يوم النصر الذي يبدو أنه لن يصل أبدا .

قررت الخروج من الذكرى الباردة التي غزت أفكاري ، ألقيت نظرة خاطفة نحو النافذة في محاولة لتحديد الوقت ، بانت لي رقعة السماء ولازالت محتفظة بزرقتها وإن خالطتها بعض الألوان البرتقالية ، عرفت أن المساء بات وشيكا ، ويبدو أني وقعت في نوم عميق لساعات طويلة ، ذلك ليس بالغريب فالرحلة كانت مرهقة وذلك الفيض من المشاعر المتضاربة قضى على ما تبقى من قوة في جسدي .

تمالكت نفسي ودفعت جسدي ضد جاذبيتي الأرض والسرير الوثير ، التقطت عكازي وخطوت بهدوء نحو المرآة المستطيلة التي تتربع في زاوية الغرفة ، للوهلة الأولى تساءلت عمن يكون هذا الشبح التعيس على صفحة المرآة ، جسدي النحيل المائل على العكاز يستمد منه الدعم للوقوف ، ثيابي التي صارت فضفاضة بعدما خسرت وزني ، ووجهي المكفهر .. لمسته بغير هدى ، عظام وجنتي صارت بارزة ، والظلال السوداء التي تحيط بعيني الغائرة في مقلتيها ، أهذا ما تفعله الحرب بنا ؟ ابتسمت بسخرية وأنا أفكر كيف لم تفزع ديانا عندما رأتني صباح اليوم ! لا بد أن الشوق قد أعمى بصيرتها .

انتشلني صوت طرق هادئ من تأملاتي التائهة ، وما أن استدرت حتى فتحت ديانا الباب ، وألقت بنظرة متلصصة مخافة أن تكون قد أزعجتني ، عندما رأتني في موضع وقوفي ذاك ، تقدمت خطوتين وتعلقت نظراتها بوجهي ، شعور غريب في داخلي أجبرني على أن أشيح بنظري واسقطه على الأرض عند قدميها ، رفعته غصبا إلى أصابعها التي تشبكها وتحلها عند خصرها ، لم ينبس أي منا لشطر جيد من الوقت ، ولكنها أخيرا كسرت الصمت وتنحنحت قائلة : هل حظيت بنوم هادئ ؟.

رفعت عيني إلى وجهها ، كانت تعابير غريبة ترتسم عليه ، تتزين ابتسامة عذبة على شفتيها ، فيما تغرق عيناها في العذاب ، إنها تشفق على الشبح الواقف أمامها ، تشفق على ما آل إليه حال شقيقها التعيس ؛ هززت رأسي وحاولت استحضار أفضل ابتسامة رسمتها شفتاي : نعم .. إنه أفضل نوم حصلت عليه منذ أمد بعيد .

فليسامحني الرب على تلك الكذبة ، فالنوم جفاني منذ وقت طويل ، وما عدت استطيع أن أغفو إلا إذا قتلني التعب ، أو استعنت بمسحوقي السحري ، ولا أدري هل صدقت ديانا كذبتي أم علامات الارهاق البادية على وجهي قد فضحتني ، ولكنها عقدت أصابعها وتابعت الحديث : هذا جيد ، لقد جهزت الشاي ... .

بترت حروفها بعد تلك الجملة ، ولم تكن تحتاج حقا لإضافة المزيد ، أومأت بالإيجاب : سآتي خلال دقيقة .
لما غادرت غرفتي ، منعت نفسي من النظر مرة أخرى إلى المرآة ، مخافة أن أستغرق في التأمل وتضيع دقيقتي الثمينة ، وهكذا فقد جثوت على حقيبتي الموضوعة بجانب السرير ، وانتشلت منها ثيابا أكثر نظافة مما كنت أرتديه ، بدلتها على عجل ، وخطوت خطوات عرجاء إلى دورة المياه حيث صفعت وجهي مرات لا تحصى بالماء البارد ، ومع كل مرة أتأمل أن يزيل الماء شيئا من ذبول بشرتي وأن يعيد الحياة إليْ .

تتبعت بعدها مصدر الضجة فقادتني إلى غرفة الجلوس ، جالت عيناي في المكان ، وتذكرت لحظتها أني لم أرى من البيت إلا مكتبة أبي وغرفة نومي والتي لم يطالهما أي تغيير على عكس هذه الغرفة ، فلا وجود للأريكة البالية الترابية التي كانت تقابلني كلما وقفت أمام الباب ، ولا باقي الأثاث قديم العهد الذي أذكره ، لقد أحدثت ديانا الكثير من التغيرات هنا ؛ انتشلني صوتها من أفكاري ، وكما يبدو فإني صرت أغوص فيها كثيرا مؤخرا ، دعتني إلى الطاولة ، وقد تنبهت وقتها إلى جمال المشهد ، فالطاولة المغلفة بالساتان الأبيض تسقط عليها أشعة الشمس المتسللة من النافذة ، والفناجين الخزفية المزركشة ، ولمعة الملعقة الفضية المجاورة لها ، كان المشهد يبث الكثير من الهدوء في نفسي ، شعرت وقتها فقط أني عدت إلى الديار وإلى أمان البيت ! .

جلست بعدما أسندت عكازي إلى الطاولة ، فيما همت ديانا بترك الغرفة حيث صاحت على عجل : سأدعو أبي وأعود .
وددت لو أستوقفها وأخبرها ألا تفعل ، فحضوره يعني بدأ جلسة استجواب طويلة لست مستعدا لها ، ولكن أنَّى لي أن أفعل؟ وما هي إلا لحظات حتى عادت ممسكة بذراعه ، بالتفكير في الأمر ديانا تحب والدي حبا جما ، وأعترف أنها تحبه أكثر مني ، فلست أرى فيه إلا الرجل القاسي ، والقلب البارد لأحد ضباط الجيش السابقين ، وأتكهن أنها عثرت على الجزء الدافئ الحنون منه ، إن كان قلبه يحتوي جزءا كهذا !.

علقت بصري بحافة الفنجان ، وما أن جاورني حتى وضع كفه على كتفي بضربة خفيفة أقرب إلى التربيت ، كأنه يسأل عن حالي بلا كلمات ، وكذلك أجبته ، بأن أومأت مرة برأسي ، سكبت ديانا الشاي ودعتني إلى تجريب أصناف الحلوى والمعجنات ، لابد أنها أمضت الساعات المنصرمة في خبزها ، التقطت أقرب قطعة إلى أصابعي وقضمتها ، وجود والدي إلى جواري والتحضر لسرد تفاصيل الجبهة حجب طعم الحلوى من فمي ، ولم أنتظر طويلا فبالكاد ارتشف من فنجانه حتى ألقى علي نظرة حادة كالسيف وقال : إذا ماذا عندك تخبرنا عن الجبهة يا رولاند ؟ فهناك تفاصيل عند الجنود أكثر مما تحمله صفحات الجرائد .
ــ : الجبهة مشتعلة ، والحرب حامية الوطيس ، ولكننا نتقدم ، وإيمان الجنود بالرب والملك خلق منهم سلاحا فتاكا، ولن يمضي وقت طويل حتى تذاع أخبار النصر !.
استفقت لنفسي وأنا أقتبس كلمات الخطاب الذي ألقي علي قُبيل عودتي لأملأ الفراغات في حديثي ، هز أبي رأسه وقد زم شفتيه برضى ، إنه مغيب عن الحقيقة مثل الجميع ، لقد كان صادقا حين قال أن صفحات الجرائد لا تحمل تفاصيل الأخبار ، نحن وحدنا من نعرف ظلمة الليل في الخندق الأرضي ، وحدنا من تذوقنا البارود والرماد والدم ، وحدنا من انكمشنا خائفين، وحدنا من رأينا شبح الموت يخطف الأرواح من أجسادها ووحدنا من قاسينا الجوع والبرد والأمراض التي تنهشنا لشح الامدادات ! ولكن من يهتم لهذه التفاصيل ؟ ما يهم هو قوة الجنود وإيمانهم بالرب وبالملك الذي لا يدري عن أمرهم شيئا !.

وجدت نفسي ابتسم بسخرية وأنا أرتشف السائل الساخن ، وعندما رفعت عيني وقعت على ديانا التي كانت ملامحها تصرخ " يا أيها الكاذب " ولكنها ما لبثت أن غيرت دفة الحديث حيث قالت : قد يكون سؤالا سابقا لأوانه ، ولكن هل فكرت فيما أنت عازم على فعله بعدما تركت الجيش ؟.
هل تعمدت أن تقول " تركت " بدلا من تلك العبارة المنمقة " تم تسريحك " ؟ كي لا تجرح شعوري ؟ لم تهمني حقيقة مقصدها فعلا ، وهززت رأسي نفيا : ليس بعد ، لكني سأجد عملا بالتأكيد ، فما زلت على قدر كبير من القوة ..

طرق الباب فجأة ، وتساءلت ديانا : من تُراه يزورنا في هذا المساء ؟.
وهمت خفيفة لتفتح الباب ، سمعتها تتكلم : أوه .. مرحبا ماري، ماذا آتى بك في هذا الوقت المتأخر، تفضلي بالدخول .
فتشت في ذاكرتي عن هوية صاحبة الاسم ، ولوهلة شعرت أني فقدت كل الذكريات من الديار ولم تبقى في ذهني إلا صور الحرب الدامية ، أخيرا بدت من الباب المفتوح فتاة شابة صهباء الشعر منمشة الوجه ، وقتها تذكرت ماري أصغر بنات السيد والاس ، انحنت على استحياء واقتربت بخطوات بطيئة تجرها جرا نحو الطاولة ، تمتمت : أعتذر على قطع خلوتكم ، ولكن سمعت أنك رجعت إلى البيت فلم أملك صبرا لانتظار الغد .
هززت رأسي غاصبا شفتي على الابتسام ، وعقلي يقول ها قد بدأنا !!.

سكبت لها ديانا الشاي ، وتعلقت عيناها بالفنجان ولكنها لم تمسه قط ، سألتني عن حالي وصحتي بطريقة آلية معتادة وأجبتها أيضا بالمعتاد: أنا بخير ، شكرا لكِ .. لكن كان في جعبتها المزيد وبعد برهة قصيرة من الصمت قالت بتردد: رولاند ، هل .. كيف حال إدوارد ؟ أين هو الآن ؟ هل هو بخير ؟.

عيناها حملت الكثير من تعابير الرجاء ، كان حروفها تبتهل أن تكون إجابتي سعيدة ، ونطق اسمه جلب إلى عقلي صورة جاهدت إلى نسيانها ، الشاب وسيم الطلة ، ذو الوجه دائم الابتسام ، كان رفيقي في الخندق ، نجلس جنبا إلى جنب ، وكلما تنهدت على مرأى ومسمع منه وجه إلي ضربة موجعة وصاح : اشحذ همتك يا جندي ، النصر قريب .

استطردت سريعا : لم .. لم أتلقى أي خطابات جديدة منه منذ أسابيع ، لقد قال إن النصر بات وشيكا وإنه سيعود قريبا .
قالت ذلك وهي تتلمس الحلية الذهبية التي تزين بنصرها الأيمن بلى وعي ، آسفٌ ماري ، فإدوارد يستلقي منذ أسابيع غارقا في دمائه .

لم أستطع الادلاء بكلماتي ، لقد تشبثت في حلقي وأبت الخروج ، كانت ستنفجر باكية لو نطقتها ، ولم أملك الارادة .. أو ربما كنتُ أنانيا إذ لم أكن مستعدا لثورة الدموع والنحيب ، فقطبت جبيني وأجبت : آسفٌ ماري ، فلقد انفصلت عنه ، فقد.. فقد تم نقلي إلى خط المعركة الأمامي ومنذ وقتها انقطعت أخبار الجنود المتأخرين .

قد أكون كاذبا لكني لست حقيرا لأحمل لها جوابا يريح بالها كذبا أيضا ، هزت رأسها بتفهم وابتسمت بانكسار ، أخيرا وقفت بخفة وصدرت عنها ضحكة قصيرة : أستأذنكم إذا ، وأعتذر مجددا على التطفل .

رافقتها ديانا إلى الباب مرة أخرى ، وبقيت وحيدا مع والدي الذي تنحنح وقال : فتاة مسكينة !.
نظرت نحوه باستفهام ، هل تراه يشفق على حالها أم أنه استشف نبرة الكذب في كلماتي ؟ لم اسأله عن مقصد كلامه ، حيث انبرى يتلو على مسمعي ما التقطه من أخبار الحرب ، رباه أليس هناك موضوع آخر للحديث غيرها!.
ــ : الشتاء قادم ، ستكون الحرب قاسية على جنودنا ، وخاصة مع هطول الثلوج ، ستتعرقل الامدادات ، وتقل المؤن ، التفكير في الأمر قادر على إخافة أقسى القلوب ، أرجو أن يحققوا تقدما سريعا قبل أن تتعقد الأوضاع .
وجدت نفسي أوافقه دون أن أضيف إلى كلامه شيئا ، استأذنت بعدها ومقصدي الهروب : المعذرة سأعود إلى غرفتي لآخذ دوائي .

قلتها ممسكا بأعلى فخذي ، فهز رأسه وسمح لي بالانصراف بعدما ألقى على جسمي نظرة جافة من أي عاطفة ، جذبت عكازي وتركت الغرفة ، رأيت ديانا من النافذة منحنية على حوض ماء تفرك شيئا بين يديها ، تمهلت حتى رأيت القماش البني يرتفع ويغوص في الماء ، لا بد أنها تغسل ثيابي التي خلعتها ، تابعت السير إلى غرفتي ، واستندت على الباب بعد اغلاقه ، وقتها ... وقتها فقط تذكرت أني لم أنزع الكيس من جيب قميصي الآخر .

هدوء الملاك
05-07-2017, 13:51
سسلام :أوو: ، مع البارت الثالث بدأت القصة تتضح اكثر ، خصوصا رولاند الي تم ذكر تسريحه ف بداية القصة !
مسكين مؤلم وضعه بلا راحة وحتى والده ما يعامله كإبن والحين ضائع بلا وظيفة *^* وعندي فضول أعرف ردة فعل المسكينة ماري :نينجا:
يعجبني التقدم الهادئ بالاحداث بس هذا يخليني ابغى اعرف أكثر عن الشخصيات فلا تتأخروا علينا :em_1f617: ويعطيك العافية وايتة 3> :e106:

killua_
13-07-2017, 16:13
حجز