şᴏƲĻ ɷ
30-08-2016, 00:09
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2183240&stc=1&d=1488733006
http://store2.up-00.com/2016-08/1472514686071.jpg (http://www.up-00.com/)
14-ايلُول-2015
كَان يشيرُ بيديِه صُوب رفِّ عُلب الشُوكولا المغلفّة بأكياس زرقاء لامعة وقد ارتبطَت بها شريطةٌ ذهبيّة اللّون ، فعل ذلِك بابتِهاج
هادئ وهو يجاهدُ ليخفِيَ ابتسامَتُه الّتي ما لبِثت تشاكس ملامِح وجهه الصّامت وتكشف عن القلِيل من أسنانه فِيمَ انشَغل الشاب
الواقِفُ خلف طاولة المُحاسبة بإحضار العلبةِ واختيار كيسة ورقيّة مناسبة الحجِم لاحتواءِها . كان المتجُر فارغاً فِي مثل هذا اليوُم
الغائِم شديدِ الكآبة فقد تخلّت الغيوم الرّمادية عن دموع المطر الّتي أثقلَت مسيرتها على صفحة السماء الزرقاء فأكسبت الأخيرَة لوناً
داكِناً حجب قرص الشّمس الدافئة ولوّن هذا الخرِيف بالمزيدِ من السأم .. ضيقٌ تسلّل إلى أرواح العابرِين فأحجموا على إثره عن الخرُوج
والمجازفَةِ بالجلُوس فوق مقاعد المتنزّهات أو المقاهِي الخارجيّة علّهم يأمنون قطَرات المياهِ التي تواصل الإزدياد لكأنّ حزناً غمر هذا
المساء فأبَى معه الكُون إلا أن يتسلسم لبكاءِ السماء فكان ضرَب المطرُ لزُجاج نوافذِ المتجر الأنيِق المطلّ على الشارع الهادِئ يشتدّ
مع مرُور الوقت.
-هل تريُد أن أُرفِقَ العلبَة ببطاقَة ؟ تهنئَة أم عيد ميلاد ربّما ؟
تساءَل البائعُ وهو يطبُع الإيصال بعد أن تذّكر ذلِك فجأة ولمّا لم يتلقّى إجابة من زبُونِه رفعَ رأسهُ فاصطَدم بالعينين الدّاكِنتين والصّمت
المُطبِق والوجِه الذّي لا تشِي وسامتُه بشيء إلا ذلِك الرفض المهذّب بحرَكة نافيةٍ من رأسِه ، لينصاع الشابُ الضّجِرُ لطلبِه ويرفَع
الكيسَ نحوه شاكراً للرّجل أنيِق الملبِس حضورُه ومتعجبّاً من حال هذا الذّي لاينِطقُ إلا بحديث الملامِح والإيماءَات البطيئَة ! أما صاحبُ
الوجِه الهادِئ فقد خرج وعدّل نظّارته الطبيّة تحت سقف يغطّي بوابة المتجر ثم فتَح مظلّته الرمادية كلُون معطفِه السمّيك ورفعها
ومعها ارتفَع بصرهُ إلى السماء مُنتشياً بعبق هذا المَطر ، تنفّس بعمق ثم اختار أن يقطَع الشّارِع ليبدأ السيّر نحُو وجَهتِه المُنتظرَة،
وقد نجَحت ابتسامُته البريئةُ فِي الإرتسَام على ملامح وجهه دُون أن يقاومها هذه المرّة.
***
13-ايلُول-2016
استِسَلم لعتِمة الصّمت وغرِق فِي متاهَة الصّدَمة ، هاهُو كابُوس الواقِع يعُود فيغرُس أنيابهُ فِي حَلق أحلامِه ويمتصّ دِماء أمنيَاتِه
ليتركُه يعُود لعالِم الحياةِ الحقيقةَ دُون أن يمْنَحُه موتاً يطِوي صفَحة الحُزن عَن عينيِه، لم يكِترث بحلُول اللّيل حيَن فتَح عينيِه ولا بأنه نام
وتجاهَل نهاراً أطلَق العنان لخيُوط الشمس الذهبية وكسَى هذا الكُون بالضيّاء فلا حَاجة له بهِ بعد اليُوم ، لم يهتّم كذلك بارتداء
نظّارته الطبيّة فمالدّاعي لرؤية تفاصيل الوحدة والبؤس بوضوح وليخُض هذه الحياة بضبابيّة فما عاد يبصُر طريق سعادته ولا درَب
بهجَته بعد الآن ! تثاقَل ومرّت نصفُ ساعة أخرى أحَكمت قبضَتها على اللّيل قبل أن ينهَض من فراشهِ ويغادر سريرهُ الفوضويّ أخيراً ! .
ودُون أن يكترَث للزَمن سحبَ كُوب قهوِته من فُوق منضدِة المطبِخ بعد أن أضاف له الكثيَر من السّكر فهُو لم يعُد يعبأُ بصحّته وخَطر
إكثارهِ من السّكريات منذُ مدّةٍ طويلةٍ ورُغماً عن أنفِ تجاهُلِه ها هُو ذا حيُّ سالِمٌ يرُزق ! فلَم يكَد يلامِسُ أي أعراض لتلك الأمراض التي
أزعجُه الأطباءُ في توقّعها ! ، ألأنُه يخطُّ أعوامُه الثانيَة بعد الثلاثين ولا زال بينُه وبيَن أوّل مرضٍ مُزمِن سيُصاحِبُه مسافةً بعيدَة ؟ أم
لأنّه ينالُ نصيباً وافراً من الإجهاد الروحي والعقليّ فيهبّ جسدهُ ويثُور على أمراضه الداخليّة فيتحدّاها بصّحته ؟ لا يعلُم ولا يريدُ أن
يطيل التفكير في هذه المسألَة!.
سحب كرسياً اتّسخ المخمَلُ البنّي الفاتح فيه وتحوّل إلى لون شاحب يشبهُ لون بشرتِه التي تعكِسُ بعبُوس صاحبها تجرَع كوبه على
دفعات قليلة ثم وثَب وبدّل ملابسُه استعداداً للخروجِ إلى وجهةٍ مجهولة حتى بالنسبة له ، ولكنّ قبضتُه لم تكَد تُفارِقُ مقبضَ باب
منزله وهو يغلُقه من خلفهِ حتى هاجمته يدُ الظلام واندفع جسمه ليهوي به على الأرض فسقَط على عتبة بابه !
كَان يشعرُ بالاختِناق ، رؤيتهُ للعالِم الهادِئ من حولِه ضبابيّة بل تكادُ تكُون مُعتِمة ، لم يعُد يسمَع شيْئاً ! مهلاً .. ها هُو صوتُ مّا يخترُق
عالمُه الصّامِت .. همسات .. تباً كم تبدُو حادّة ومزعجة إذ تترُك أثر طنين متواصل ينتقُل من أذنيه إلى جمجمِته ، كأن أحدُهم يصبّ
فيهما ماءً مغلياً ويذوّب به خلايا دماغه هذا الألُم لا يحُتَمل ! مالخَطب ؟ لِما يستبدُّ الوجُع به هذه الليّلة بالذّات ؟! ..
" أين أنا ؟ّ! "
يتساءُل ويحاولُ أن يفتح عينيه ، كم يتألّم .. صداعٌ رهيب ، يتحّسس جبهته ويتنّهد بعمق ، تكاد تُحرق حرارتها يدَه ! يحُسّ بوخزَة
بسيطة يخرُج من خلالها الدّم .. حقُنة وريديّة! يستوِعب أن إحاطته بهذا البياض الّذي لمَحه بصورة خافتة تُثبت أنه في المشفى ، لا
يكادُ يفتح عينيه لوهلة حتى يعاود الألُم الهجوم ويحاصرهُ في زاوية ملؤُها الوَجع ليتمنّى معها لو يركُن لنوم ينتشلهُ من عمق هذا
العذاب ، وَ كان له ذلِك حين ارتخَت أنفاسه وسكَنت حركاته المتأوّهةُ إلى السكون إلى عالِم يزُور فيه بيتاً جديدا إلى رحلة أخرى تبعُده
عن هذا الواقع ، هناك يسترخي عقله و...
" يـــــحـــــلُــــم .. فقصاصات ذكرياته تعادلُ الأحلام لفرِط ما تبدُو بعيدة مثل نجوم المساء تحت سماء مدينة تطاول بنيانها ليحُجب جمال الليل الحقيقيّ "
- كم اشتِهي كُوباً ساخناً من الشاي الأخضَر ، أو أي شيءٍ آخر إلا القهوة ! أريدُ أن استرخِي ولا أكاد أتخيّلُ أن
نبضِي سيتزايدُ أكثر مما هو عليه الآن فِيم لو شربتُ المنبّهات ، قد أنفجِر ، صدقاً
تنطلُق ضحكتها ، يتابُع حديثه
- أقُسِمُ لكِ قد أفَعل ..
ويطلُق تنهيدة !
كانت حركَات يديهِ قد توقّفت مع انتهاء جملِته فِيمَ رنّ صوتها ليستجيب لـ إشاراته التي كوّنت تلك العبارات :
-حسناً ، حسناً .. سأعدّ لك مشرُوبك حالاً ولِكن ..
يرفعُ حاجبيِه ، تلفتُ إلِيه بعد برهة من خلف منضدةِ المطبخ حيثُ يجلُس على كرسي صغير في جهتها المقابلِة ، كان يفعُلُ ذلِك ليعبرّ
عن تساؤُلِه ولهفتِه دائِماً وكانت تفهمُ إشارتُه فتؤخّر إجابتها لتستمتع بقراءة تعابير الدهشة على ملامح وجهه ولهفة إشارات يديِه
المتسارِعة ، قالت أخيراً :
-عليكَ أن تعدِني بأن تُكف عن لعبِ دُور الزّوج القلِق وأن تُكفّ عن الركض نحو المنزل بهذه السرعة فأنا لم أتزوّج
عدّاءً وحسْبَ علِمي فأنتَ أبعد شخصٍ عن الرياضة!
كانت نبرتُها تمزُج الجديّة المبُطّنة بسخرية ظاهرة تُخفي وتُظهر غايتها من تلك الجملَة، لكنّها لم تُكن الوحيَدة التي تجيُد قراءة
الملامح وما يختبئُ خلف الإشارت والكلِمات فقد أجاد مُحدّثها تحليل الأصوات رغم أنه فقَد صُوته منذ زمنٍ طويل ولازَم لغةالإشارة منذُ
طفُولته لكنّ عهده بالكلِمات والاستماع لما تخبّئه التنهيدات و ما يعنيه تغيّر النبرات قد عبّر عن فهمه لغايتها بدقّة حين اختارت
تقاسيُم وجهه المختبئِ تحت نظّارة طبية تمنح عينيه الداكنتين مظهراً جاداً ينسجُم وذَقنه البارز الذي يشي بثقة أكبر من تلك التي
يمتلُكها حقا أن يرسم تعبيرا قلقا.
التفتت نحو الموقد بعد أن عبّأت الإبريق بالماء ووضعته فُوقه ليغلِي وقد تشاغلت بذلِك لتخفِي ألاماً جاهدت على إخفاءِها مُذ أخبرها
الطبيبُ الذّي اتصّلت به بأنه تحدّث إلى زوجها وأخبرهُ بأن نوبَة هذا المرضِ المشين قد عادَت من جديد ! لا تريُد أن تشارِك تفاصيل
كلِمات التحذير والمواساة وماأخفاهُ طبيبها بين نبرته المرتجفة من يأسٍ تسلّل إلِيه كما فعل مع طاقم المشفَى الذّي أقامَت فيها
لعدّة شهُورٍ قبل أن يعلِنُوا يأسُهم ويقولوها بصراحة " إن كانت محظوظة فإنّ سنة ستكون هي أقصَى مدّة تعيشُها ! " ، لا تريُد أن
تناقِشُه بهذه الحقيقة فيكفِي أن علِمَ بها ولو عاد الأمرُ إلِيها لأخفتها عنه قبل أن يتسلّل إلى حجرة الأطباء ويحملِ أثقال هذا الخبر
المُفجِع فُوق كتفِيه .
تخطّى الطاولة وصولاً إلِيها ، كان نُزول كتفِيها وإطراقُها نحو الإبريق يشيِ بأنها قد بدأت بالبكاء .. ربَت على كتفِيها ، فانهارت
باكية .. كانت تعلُم أنها أبعدُ من أن تخفِي عنه شيْئاً وأنها أكثُر أنانية من أن تحجُب عنه هموم قلبِها ، فالتفتت إلِيه بوجّه أخذت منه
حُمرة الحزن وشحُوب البكاء بريُقه كما نال منه الوَهنُ واحتضَنته لتبتعد عن عوالِم هذا المرضِ الذّي يقاطُع حياتهما وقد يفعُل ذلِك
في أي لحظة ويجَعل من هذا العِناق " نقطَة النهاية وخَاتمة حياتهما القصيرة ! " ، أحاطته ذراعيها وكتَم صمُته ألامه وألامها لكنّه
راكمها في صدره وكابَد لئلا يسمَح لذاته بالتنفيس عنها ولا حتى بدمَعة تكشُف حاله الحقيقيّة.
كَم كانت تلك اللحظات ، لحظات الضّعف التي تواتيها تكسرُ قلبُه بعد أن اعتاد أن يرسُم صُورتها المشرقة وحديثها عن الأحلام العريضَة
والخُطط المستقبليّة الطويلة الّتي ملأتَ بها حياته ، كانت تلك اللحظات تجثُم مثل كابُوس فُوق صدر ليالِهما وتتركُه معلقاً ما بين
الحُزن واليأس ، يحاولُ أن يتسّلح بالأمل ويجَعل من أيام الحزن بوابة يعبرُ بها نفقا الألِم المُعتِم إلى نُور " النهاية السعيدة " لكنها عبثاً
كانت تتكاثر ، كان يشهُد نهايتها يوماً بعد يوم وذبُولها وتكسّر أجنَحة أمنياتها وشطبَها لكلّ طمُوحاتها من قائِمة " المُستقبل
الموعود " مثل طيرٍ حبيس في قفص يوماً بعد الآخر ! ، شيْئاً فشيئاً .. تصاغرت بسماتها واختفت ضحكتها .
طوَت سجّل دراستها الأكاديمية وانسَحبت من الدراسة بعد أن كثُر غيابها ، لازَمت سريرها بعد أن كانت تكرُه أن تطيل البقاء فيه
وتضيّع ساعات نهارها في الاسترخاء حتّى ! ، ألَغت رحَلتهما الموعودَة إلى جزيرة أحلامها وَ قبل ذلِك كانت تعلِيمات الطبيب هي
السبب فما مِن مناعة تقيها أيا مما يُمكن أن يصادفُهما هناك بصرِف النظر عن كمّ الاحترازات الطبية التي تحتاج إلى جسد أقوى وأقَدر
على الحياة مِنها .. أو لا يكفِي أن روحها اختارت التفاؤل طيلة الخمس وعشرين سنة الماضية من حياتها ؟ وُلِدت في بيئة فقيرة
وواصلت عملها بل عمليِها الجزئيّين حتى تحصّلت على مبلغٍ من المال انصرَفت بعد جمعِه إلى دراسة " التاريخ " لتبدأ أولى خطواتها
في تحقيق حلمها الصغير الكلاسيكيّ في ان تكون " معلّمة " مثل المعلّمة الّتي أحبتها وراق لها مزيُج ثقافتها وشخصيتها في
مدرسِتها الثانوية ، و كان لقاءُها به .. يتذّكر ذلِك اللقاء مثل ما يتذّكر عجُوز وحيدٌ أيام " شبابهِ و ليالِ صيفه الصاخبة " كانت مثل
غيمة سَقت صحراء أرهقتها حرارة الصيف أو نسمة ربيعية زارت ليلة كئيبة وأنعشت قلباً سِئَم الحياة من قبلها وما عادت تستقيمُ من
بعدها.
يبدُو أن لقاءنا بالشّخص المثالِي يكُون دُوماً مُتاخراً فلا مجال لأن ننال من " معين السعادة " الكامل معه ويوجد دُوماً عدد من السنوات
التي ضاعت ما بين الوحدة والشّتات دُون أن تصافح روحنا رُوحَه !
***
14-ايلُول-2016
فتح عينيه ..
كان صُوت الممرضّة يزُور أذنيه ببطء كما تزُور أشعة الشمس عينيه من خلف الستارة الرقيقة :
-حمداً لله على سلامتك ، أرجو أن تكون بحال أفضل الآن ؟
طرَحت سؤالها وهي تجدد المغذّي الموصول بيده بابتسامة هادئة لكنه تساءل ببلاهة :
-أين أنا ؟
-في المشفى ..
علا صوتها ثم قالت : ولكن لا تقلق مجرّد إرهاق ، فقدّت وعيك أمام بوابة منزلِك بالأمس !
كان صُوتها يغادرُ المكان مع جملتها الأخيرة بعد أن اطمأنت على حاله ، ليُتركه صوت الباب الذي أعلن خرُوجها مع شبح الوحدة وهو
يستُوعب حقيقة حظّه التعس ، فقد كان إرهاقاً فقط ولم يكُن موتاً ينتشلُه من هذا اليأس والخواء !
نظر إلى المنضدَة على يسارِه كانت باقة ورد ورسالتين أُرفقَت إحداهما بعلبة زرقاء هاجمته مثل طعنة غادرة .. استقام في جلُوسه
ومدّ يديه نحوها ، قرأ البطاقة وكادت عينيه تتّسع لفرط دهشته فيَم انقبَض صدرُه وغزاهُ شعور غريبٌ بالخَجل والضعف أمام الكلِمات
التي مررّ عينيه فوقها :
" عيدُ ميلاد سعيد ..
سيٌصادِفُ اليوم الذّي تتلقى فيه رسالتي الرابع عشر من أيلول ، حسناً .. أظن وإذا صدَقت تنبؤات الأطباء أنني لن أكون بجانبِك
لأشارِكَك الاحتفال بهذه المناسبة ، وعلى أية حال إن كُنت على فراش الموت أو بمعجزة إلهية بخير حال في تلك الفترة فسأبدوا مثل
غبيةٍ وسترتسُم على وجهي ابتسامة مُحرجة في هذه اللحظة لكنّك ستتظُاهر بعدم الضحك من تصرّفي هذا والأهم ، عدم الحزن ..
انتبه .. إنني أراك امسح دُموعك فٌوراً "
وكما لو كان يصدّق الكلمات المكتُوبة ويقرأُها بصوتها مررّ يديه على عينيه ليمسَح دموعه ويواصل القراءة :
" المهم ، هذه هديّتي المتواضعة .. أعلم ، أعلم إن إرسال الشوكولا التي أفضّلها لا يعد هدية ذكية وهو ليس
في قائمة أفضل ما يمكن تقديمه لكنّك الغبّي الذي بدأت بهذا الطقس الغريب ، أعني حقاً من يشتري لزوجته هدية في يوم ميلاده ؟
وقد أجبرتِني على فعل ذلك أيضا .. حبُوب القهوة شديدة التحميص تلك ! ، آخ كم أكرهها ، لا يمكنني تجاهلُ ذلِك وأنا انتقي هديتي
هذه ولا أملُك إلا شراء علبة شوكولا رغماً عن أنف كرُهِك العميق ، لربما هو عذرِيَ الخاص لأحظَى بعلبتين .. أجل اعترف ، أنا مذنبة لقد
اشتريتُ علبتين .. إحم أعني علبة لي ، وأخرى طلبتُ منهم أن يرسلُوها إليكَ في اليوم الموعود أي بعد ثمانية شهور من تاريخ كتابتي
لهذه الرسالة ..
عيدُ ميلادٍ سعيد
ملاحظة : عِش جيداً ، ولا تنسى أن تتوقّف عن البكاء على قبري -في حال كان موجوداً وقت كتابتي لهذه الرسالة كما أسلفُت لك-
أحبّك
مهلاً ، هذا مبُتذَل تعلُم أنني بخيلةُ في كلِماتي ، لذا اشطُب هذه الكلمة الاخيرة "
رُغماً عن أنفِ الدموع والحزن الذّي استبدّ به لدى قراءته لتلك الرسالة إلا أن ابتسامة عابرة أفلتت من بين شفتيه . اندفَعت يدُه صُوب
البطاقة المرفقة مع باقة الورود كانت الكلمات قليلة مقارنة برسالتها :
" أرجو أن تكون بحال أفضل الآن ، إن متجرنا يود أن يلفت لطلب زوجتك بإرسال هذه العلبة والبطاقة في التاريخ
المطلُوب وقد تم تصميم العلبة خصيصاً لك بناءً على طلبها ولما لم نتلقى إجابة من منزلك بعثناها إلى المشفى بعد ما علِمنا بما
حصل لك .. من جديد نتمنى أن تتحسّن صحّتك . "
كانت رسالة ولفتة مهذّبة من هذا المتجر الشوكولا الذّي اعتاد أن يقصدُه وزوجته كثيراً، طوى البطاقة والرسالة بعناية وقد بثّت هذه
البادرة اللطيفة دفئاً في داخله الذّي استوحَش الوحدة واستوطَن الكآبة طويلاً. امتدّت يدُه صوت العلبة الزرقاء ، فتحها بعناية .. كانت
قطِعُ الشوكولا الأنيقة المزينة بالكراميل والفانيلا تتجاور بطريقة جميلة وفي وسطها تقبُع قطعة كعك أحمر صغير .. استفتح صباحه
بوجبة مليئة برائحة الذكريات وقد علّق الحنين استمتاعه بها كغصّة يجاهُد ليتغلَب عليها فقد كانت تعليُمات رسالتها واضحة تماماً ، عليه
أن يتوقّف عن البكاء !
تمّت !
* يرُجى عدم النقل سواء بذكر المصدر أو بدون ولا أحلل ذلك.
مساء الخير جميعاً :أوو:
أقدم لكم مشاركِتي المتواضعة في " أغسطس العاطفة " :رامبو:
وأرجو أن تنال إعجابكم ، فقد حاولت أن أكتبها كثيراً وكنت أطمح لتكوين فكرة أخرى أعمق
عن موضوع العاطفة ولكن هذا أفضَت إلِيه سطُوري
بانِتظار أرائكم وردودكم ^^
http://store2.up-00.com/2016-08/1472514686071.jpg (http://www.up-00.com/)
14-ايلُول-2015
كَان يشيرُ بيديِه صُوب رفِّ عُلب الشُوكولا المغلفّة بأكياس زرقاء لامعة وقد ارتبطَت بها شريطةٌ ذهبيّة اللّون ، فعل ذلِك بابتِهاج
هادئ وهو يجاهدُ ليخفِيَ ابتسامَتُه الّتي ما لبِثت تشاكس ملامِح وجهه الصّامت وتكشف عن القلِيل من أسنانه فِيمَ انشَغل الشاب
الواقِفُ خلف طاولة المُحاسبة بإحضار العلبةِ واختيار كيسة ورقيّة مناسبة الحجِم لاحتواءِها . كان المتجُر فارغاً فِي مثل هذا اليوُم
الغائِم شديدِ الكآبة فقد تخلّت الغيوم الرّمادية عن دموع المطر الّتي أثقلَت مسيرتها على صفحة السماء الزرقاء فأكسبت الأخيرَة لوناً
داكِناً حجب قرص الشّمس الدافئة ولوّن هذا الخرِيف بالمزيدِ من السأم .. ضيقٌ تسلّل إلى أرواح العابرِين فأحجموا على إثره عن الخرُوج
والمجازفَةِ بالجلُوس فوق مقاعد المتنزّهات أو المقاهِي الخارجيّة علّهم يأمنون قطَرات المياهِ التي تواصل الإزدياد لكأنّ حزناً غمر هذا
المساء فأبَى معه الكُون إلا أن يتسلسم لبكاءِ السماء فكان ضرَب المطرُ لزُجاج نوافذِ المتجر الأنيِق المطلّ على الشارع الهادِئ يشتدّ
مع مرُور الوقت.
-هل تريُد أن أُرفِقَ العلبَة ببطاقَة ؟ تهنئَة أم عيد ميلاد ربّما ؟
تساءَل البائعُ وهو يطبُع الإيصال بعد أن تذّكر ذلِك فجأة ولمّا لم يتلقّى إجابة من زبُونِه رفعَ رأسهُ فاصطَدم بالعينين الدّاكِنتين والصّمت
المُطبِق والوجِه الذّي لا تشِي وسامتُه بشيء إلا ذلِك الرفض المهذّب بحرَكة نافيةٍ من رأسِه ، لينصاع الشابُ الضّجِرُ لطلبِه ويرفَع
الكيسَ نحوه شاكراً للرّجل أنيِق الملبِس حضورُه ومتعجبّاً من حال هذا الذّي لاينِطقُ إلا بحديث الملامِح والإيماءَات البطيئَة ! أما صاحبُ
الوجِه الهادِئ فقد خرج وعدّل نظّارته الطبيّة تحت سقف يغطّي بوابة المتجر ثم فتَح مظلّته الرمادية كلُون معطفِه السمّيك ورفعها
ومعها ارتفَع بصرهُ إلى السماء مُنتشياً بعبق هذا المَطر ، تنفّس بعمق ثم اختار أن يقطَع الشّارِع ليبدأ السيّر نحُو وجَهتِه المُنتظرَة،
وقد نجَحت ابتسامُته البريئةُ فِي الإرتسَام على ملامح وجهه دُون أن يقاومها هذه المرّة.
***
13-ايلُول-2016
استِسَلم لعتِمة الصّمت وغرِق فِي متاهَة الصّدَمة ، هاهُو كابُوس الواقِع يعُود فيغرُس أنيابهُ فِي حَلق أحلامِه ويمتصّ دِماء أمنيَاتِه
ليتركُه يعُود لعالِم الحياةِ الحقيقةَ دُون أن يمْنَحُه موتاً يطِوي صفَحة الحُزن عَن عينيِه، لم يكِترث بحلُول اللّيل حيَن فتَح عينيِه ولا بأنه نام
وتجاهَل نهاراً أطلَق العنان لخيُوط الشمس الذهبية وكسَى هذا الكُون بالضيّاء فلا حَاجة له بهِ بعد اليُوم ، لم يهتّم كذلك بارتداء
نظّارته الطبيّة فمالدّاعي لرؤية تفاصيل الوحدة والبؤس بوضوح وليخُض هذه الحياة بضبابيّة فما عاد يبصُر طريق سعادته ولا درَب
بهجَته بعد الآن ! تثاقَل ومرّت نصفُ ساعة أخرى أحَكمت قبضَتها على اللّيل قبل أن ينهَض من فراشهِ ويغادر سريرهُ الفوضويّ أخيراً ! .
ودُون أن يكترَث للزَمن سحبَ كُوب قهوِته من فُوق منضدِة المطبِخ بعد أن أضاف له الكثيَر من السّكر فهُو لم يعُد يعبأُ بصحّته وخَطر
إكثارهِ من السّكريات منذُ مدّةٍ طويلةٍ ورُغماً عن أنفِ تجاهُلِه ها هُو ذا حيُّ سالِمٌ يرُزق ! فلَم يكَد يلامِسُ أي أعراض لتلك الأمراض التي
أزعجُه الأطباءُ في توقّعها ! ، ألأنُه يخطُّ أعوامُه الثانيَة بعد الثلاثين ولا زال بينُه وبيَن أوّل مرضٍ مُزمِن سيُصاحِبُه مسافةً بعيدَة ؟ أم
لأنّه ينالُ نصيباً وافراً من الإجهاد الروحي والعقليّ فيهبّ جسدهُ ويثُور على أمراضه الداخليّة فيتحدّاها بصّحته ؟ لا يعلُم ولا يريدُ أن
يطيل التفكير في هذه المسألَة!.
سحب كرسياً اتّسخ المخمَلُ البنّي الفاتح فيه وتحوّل إلى لون شاحب يشبهُ لون بشرتِه التي تعكِسُ بعبُوس صاحبها تجرَع كوبه على
دفعات قليلة ثم وثَب وبدّل ملابسُه استعداداً للخروجِ إلى وجهةٍ مجهولة حتى بالنسبة له ، ولكنّ قبضتُه لم تكَد تُفارِقُ مقبضَ باب
منزله وهو يغلُقه من خلفهِ حتى هاجمته يدُ الظلام واندفع جسمه ليهوي به على الأرض فسقَط على عتبة بابه !
كَان يشعرُ بالاختِناق ، رؤيتهُ للعالِم الهادِئ من حولِه ضبابيّة بل تكادُ تكُون مُعتِمة ، لم يعُد يسمَع شيْئاً ! مهلاً .. ها هُو صوتُ مّا يخترُق
عالمُه الصّامِت .. همسات .. تباً كم تبدُو حادّة ومزعجة إذ تترُك أثر طنين متواصل ينتقُل من أذنيه إلى جمجمِته ، كأن أحدُهم يصبّ
فيهما ماءً مغلياً ويذوّب به خلايا دماغه هذا الألُم لا يحُتَمل ! مالخَطب ؟ لِما يستبدُّ الوجُع به هذه الليّلة بالذّات ؟! ..
" أين أنا ؟ّ! "
يتساءُل ويحاولُ أن يفتح عينيه ، كم يتألّم .. صداعٌ رهيب ، يتحّسس جبهته ويتنّهد بعمق ، تكاد تُحرق حرارتها يدَه ! يحُسّ بوخزَة
بسيطة يخرُج من خلالها الدّم .. حقُنة وريديّة! يستوِعب أن إحاطته بهذا البياض الّذي لمَحه بصورة خافتة تُثبت أنه في المشفى ، لا
يكادُ يفتح عينيه لوهلة حتى يعاود الألُم الهجوم ويحاصرهُ في زاوية ملؤُها الوَجع ليتمنّى معها لو يركُن لنوم ينتشلهُ من عمق هذا
العذاب ، وَ كان له ذلِك حين ارتخَت أنفاسه وسكَنت حركاته المتأوّهةُ إلى السكون إلى عالِم يزُور فيه بيتاً جديدا إلى رحلة أخرى تبعُده
عن هذا الواقع ، هناك يسترخي عقله و...
" يـــــحـــــلُــــم .. فقصاصات ذكرياته تعادلُ الأحلام لفرِط ما تبدُو بعيدة مثل نجوم المساء تحت سماء مدينة تطاول بنيانها ليحُجب جمال الليل الحقيقيّ "
- كم اشتِهي كُوباً ساخناً من الشاي الأخضَر ، أو أي شيءٍ آخر إلا القهوة ! أريدُ أن استرخِي ولا أكاد أتخيّلُ أن
نبضِي سيتزايدُ أكثر مما هو عليه الآن فِيم لو شربتُ المنبّهات ، قد أنفجِر ، صدقاً
تنطلُق ضحكتها ، يتابُع حديثه
- أقُسِمُ لكِ قد أفَعل ..
ويطلُق تنهيدة !
كانت حركَات يديهِ قد توقّفت مع انتهاء جملِته فِيمَ رنّ صوتها ليستجيب لـ إشاراته التي كوّنت تلك العبارات :
-حسناً ، حسناً .. سأعدّ لك مشرُوبك حالاً ولِكن ..
يرفعُ حاجبيِه ، تلفتُ إلِيه بعد برهة من خلف منضدةِ المطبخ حيثُ يجلُس على كرسي صغير في جهتها المقابلِة ، كان يفعُلُ ذلِك ليعبرّ
عن تساؤُلِه ولهفتِه دائِماً وكانت تفهمُ إشارتُه فتؤخّر إجابتها لتستمتع بقراءة تعابير الدهشة على ملامح وجهه ولهفة إشارات يديِه
المتسارِعة ، قالت أخيراً :
-عليكَ أن تعدِني بأن تُكف عن لعبِ دُور الزّوج القلِق وأن تُكفّ عن الركض نحو المنزل بهذه السرعة فأنا لم أتزوّج
عدّاءً وحسْبَ علِمي فأنتَ أبعد شخصٍ عن الرياضة!
كانت نبرتُها تمزُج الجديّة المبُطّنة بسخرية ظاهرة تُخفي وتُظهر غايتها من تلك الجملَة، لكنّها لم تُكن الوحيَدة التي تجيُد قراءة
الملامح وما يختبئُ خلف الإشارت والكلِمات فقد أجاد مُحدّثها تحليل الأصوات رغم أنه فقَد صُوته منذ زمنٍ طويل ولازَم لغةالإشارة منذُ
طفُولته لكنّ عهده بالكلِمات والاستماع لما تخبّئه التنهيدات و ما يعنيه تغيّر النبرات قد عبّر عن فهمه لغايتها بدقّة حين اختارت
تقاسيُم وجهه المختبئِ تحت نظّارة طبية تمنح عينيه الداكنتين مظهراً جاداً ينسجُم وذَقنه البارز الذي يشي بثقة أكبر من تلك التي
يمتلُكها حقا أن يرسم تعبيرا قلقا.
التفتت نحو الموقد بعد أن عبّأت الإبريق بالماء ووضعته فُوقه ليغلِي وقد تشاغلت بذلِك لتخفِي ألاماً جاهدت على إخفاءِها مُذ أخبرها
الطبيبُ الذّي اتصّلت به بأنه تحدّث إلى زوجها وأخبرهُ بأن نوبَة هذا المرضِ المشين قد عادَت من جديد ! لا تريُد أن تشارِك تفاصيل
كلِمات التحذير والمواساة وماأخفاهُ طبيبها بين نبرته المرتجفة من يأسٍ تسلّل إلِيه كما فعل مع طاقم المشفَى الذّي أقامَت فيها
لعدّة شهُورٍ قبل أن يعلِنُوا يأسُهم ويقولوها بصراحة " إن كانت محظوظة فإنّ سنة ستكون هي أقصَى مدّة تعيشُها ! " ، لا تريُد أن
تناقِشُه بهذه الحقيقة فيكفِي أن علِمَ بها ولو عاد الأمرُ إلِيها لأخفتها عنه قبل أن يتسلّل إلى حجرة الأطباء ويحملِ أثقال هذا الخبر
المُفجِع فُوق كتفِيه .
تخطّى الطاولة وصولاً إلِيها ، كان نُزول كتفِيها وإطراقُها نحو الإبريق يشيِ بأنها قد بدأت بالبكاء .. ربَت على كتفِيها ، فانهارت
باكية .. كانت تعلُم أنها أبعدُ من أن تخفِي عنه شيْئاً وأنها أكثُر أنانية من أن تحجُب عنه هموم قلبِها ، فالتفتت إلِيه بوجّه أخذت منه
حُمرة الحزن وشحُوب البكاء بريُقه كما نال منه الوَهنُ واحتضَنته لتبتعد عن عوالِم هذا المرضِ الذّي يقاطُع حياتهما وقد يفعُل ذلِك
في أي لحظة ويجَعل من هذا العِناق " نقطَة النهاية وخَاتمة حياتهما القصيرة ! " ، أحاطته ذراعيها وكتَم صمُته ألامه وألامها لكنّه
راكمها في صدره وكابَد لئلا يسمَح لذاته بالتنفيس عنها ولا حتى بدمَعة تكشُف حاله الحقيقيّة.
كَم كانت تلك اللحظات ، لحظات الضّعف التي تواتيها تكسرُ قلبُه بعد أن اعتاد أن يرسُم صُورتها المشرقة وحديثها عن الأحلام العريضَة
والخُطط المستقبليّة الطويلة الّتي ملأتَ بها حياته ، كانت تلك اللحظات تجثُم مثل كابُوس فُوق صدر ليالِهما وتتركُه معلقاً ما بين
الحُزن واليأس ، يحاولُ أن يتسّلح بالأمل ويجَعل من أيام الحزن بوابة يعبرُ بها نفقا الألِم المُعتِم إلى نُور " النهاية السعيدة " لكنها عبثاً
كانت تتكاثر ، كان يشهُد نهايتها يوماً بعد يوم وذبُولها وتكسّر أجنَحة أمنياتها وشطبَها لكلّ طمُوحاتها من قائِمة " المُستقبل
الموعود " مثل طيرٍ حبيس في قفص يوماً بعد الآخر ! ، شيْئاً فشيئاً .. تصاغرت بسماتها واختفت ضحكتها .
طوَت سجّل دراستها الأكاديمية وانسَحبت من الدراسة بعد أن كثُر غيابها ، لازَمت سريرها بعد أن كانت تكرُه أن تطيل البقاء فيه
وتضيّع ساعات نهارها في الاسترخاء حتّى ! ، ألَغت رحَلتهما الموعودَة إلى جزيرة أحلامها وَ قبل ذلِك كانت تعلِيمات الطبيب هي
السبب فما مِن مناعة تقيها أيا مما يُمكن أن يصادفُهما هناك بصرِف النظر عن كمّ الاحترازات الطبية التي تحتاج إلى جسد أقوى وأقَدر
على الحياة مِنها .. أو لا يكفِي أن روحها اختارت التفاؤل طيلة الخمس وعشرين سنة الماضية من حياتها ؟ وُلِدت في بيئة فقيرة
وواصلت عملها بل عمليِها الجزئيّين حتى تحصّلت على مبلغٍ من المال انصرَفت بعد جمعِه إلى دراسة " التاريخ " لتبدأ أولى خطواتها
في تحقيق حلمها الصغير الكلاسيكيّ في ان تكون " معلّمة " مثل المعلّمة الّتي أحبتها وراق لها مزيُج ثقافتها وشخصيتها في
مدرسِتها الثانوية ، و كان لقاءُها به .. يتذّكر ذلِك اللقاء مثل ما يتذّكر عجُوز وحيدٌ أيام " شبابهِ و ليالِ صيفه الصاخبة " كانت مثل
غيمة سَقت صحراء أرهقتها حرارة الصيف أو نسمة ربيعية زارت ليلة كئيبة وأنعشت قلباً سِئَم الحياة من قبلها وما عادت تستقيمُ من
بعدها.
يبدُو أن لقاءنا بالشّخص المثالِي يكُون دُوماً مُتاخراً فلا مجال لأن ننال من " معين السعادة " الكامل معه ويوجد دُوماً عدد من السنوات
التي ضاعت ما بين الوحدة والشّتات دُون أن تصافح روحنا رُوحَه !
***
14-ايلُول-2016
فتح عينيه ..
كان صُوت الممرضّة يزُور أذنيه ببطء كما تزُور أشعة الشمس عينيه من خلف الستارة الرقيقة :
-حمداً لله على سلامتك ، أرجو أن تكون بحال أفضل الآن ؟
طرَحت سؤالها وهي تجدد المغذّي الموصول بيده بابتسامة هادئة لكنه تساءل ببلاهة :
-أين أنا ؟
-في المشفى ..
علا صوتها ثم قالت : ولكن لا تقلق مجرّد إرهاق ، فقدّت وعيك أمام بوابة منزلِك بالأمس !
كان صُوتها يغادرُ المكان مع جملتها الأخيرة بعد أن اطمأنت على حاله ، ليُتركه صوت الباب الذي أعلن خرُوجها مع شبح الوحدة وهو
يستُوعب حقيقة حظّه التعس ، فقد كان إرهاقاً فقط ولم يكُن موتاً ينتشلُه من هذا اليأس والخواء !
نظر إلى المنضدَة على يسارِه كانت باقة ورد ورسالتين أُرفقَت إحداهما بعلبة زرقاء هاجمته مثل طعنة غادرة .. استقام في جلُوسه
ومدّ يديه نحوها ، قرأ البطاقة وكادت عينيه تتّسع لفرط دهشته فيَم انقبَض صدرُه وغزاهُ شعور غريبٌ بالخَجل والضعف أمام الكلِمات
التي مررّ عينيه فوقها :
" عيدُ ميلاد سعيد ..
سيٌصادِفُ اليوم الذّي تتلقى فيه رسالتي الرابع عشر من أيلول ، حسناً .. أظن وإذا صدَقت تنبؤات الأطباء أنني لن أكون بجانبِك
لأشارِكَك الاحتفال بهذه المناسبة ، وعلى أية حال إن كُنت على فراش الموت أو بمعجزة إلهية بخير حال في تلك الفترة فسأبدوا مثل
غبيةٍ وسترتسُم على وجهي ابتسامة مُحرجة في هذه اللحظة لكنّك ستتظُاهر بعدم الضحك من تصرّفي هذا والأهم ، عدم الحزن ..
انتبه .. إنني أراك امسح دُموعك فٌوراً "
وكما لو كان يصدّق الكلمات المكتُوبة ويقرأُها بصوتها مررّ يديه على عينيه ليمسَح دموعه ويواصل القراءة :
" المهم ، هذه هديّتي المتواضعة .. أعلم ، أعلم إن إرسال الشوكولا التي أفضّلها لا يعد هدية ذكية وهو ليس
في قائمة أفضل ما يمكن تقديمه لكنّك الغبّي الذي بدأت بهذا الطقس الغريب ، أعني حقاً من يشتري لزوجته هدية في يوم ميلاده ؟
وقد أجبرتِني على فعل ذلك أيضا .. حبُوب القهوة شديدة التحميص تلك ! ، آخ كم أكرهها ، لا يمكنني تجاهلُ ذلِك وأنا انتقي هديتي
هذه ولا أملُك إلا شراء علبة شوكولا رغماً عن أنف كرُهِك العميق ، لربما هو عذرِيَ الخاص لأحظَى بعلبتين .. أجل اعترف ، أنا مذنبة لقد
اشتريتُ علبتين .. إحم أعني علبة لي ، وأخرى طلبتُ منهم أن يرسلُوها إليكَ في اليوم الموعود أي بعد ثمانية شهور من تاريخ كتابتي
لهذه الرسالة ..
عيدُ ميلادٍ سعيد
ملاحظة : عِش جيداً ، ولا تنسى أن تتوقّف عن البكاء على قبري -في حال كان موجوداً وقت كتابتي لهذه الرسالة كما أسلفُت لك-
أحبّك
مهلاً ، هذا مبُتذَل تعلُم أنني بخيلةُ في كلِماتي ، لذا اشطُب هذه الكلمة الاخيرة "
رُغماً عن أنفِ الدموع والحزن الذّي استبدّ به لدى قراءته لتلك الرسالة إلا أن ابتسامة عابرة أفلتت من بين شفتيه . اندفَعت يدُه صُوب
البطاقة المرفقة مع باقة الورود كانت الكلمات قليلة مقارنة برسالتها :
" أرجو أن تكون بحال أفضل الآن ، إن متجرنا يود أن يلفت لطلب زوجتك بإرسال هذه العلبة والبطاقة في التاريخ
المطلُوب وقد تم تصميم العلبة خصيصاً لك بناءً على طلبها ولما لم نتلقى إجابة من منزلك بعثناها إلى المشفى بعد ما علِمنا بما
حصل لك .. من جديد نتمنى أن تتحسّن صحّتك . "
كانت رسالة ولفتة مهذّبة من هذا المتجر الشوكولا الذّي اعتاد أن يقصدُه وزوجته كثيراً، طوى البطاقة والرسالة بعناية وقد بثّت هذه
البادرة اللطيفة دفئاً في داخله الذّي استوحَش الوحدة واستوطَن الكآبة طويلاً. امتدّت يدُه صوت العلبة الزرقاء ، فتحها بعناية .. كانت
قطِعُ الشوكولا الأنيقة المزينة بالكراميل والفانيلا تتجاور بطريقة جميلة وفي وسطها تقبُع قطعة كعك أحمر صغير .. استفتح صباحه
بوجبة مليئة برائحة الذكريات وقد علّق الحنين استمتاعه بها كغصّة يجاهُد ليتغلَب عليها فقد كانت تعليُمات رسالتها واضحة تماماً ، عليه
أن يتوقّف عن البكاء !
تمّت !
* يرُجى عدم النقل سواء بذكر المصدر أو بدون ولا أحلل ذلك.
مساء الخير جميعاً :أوو:
أقدم لكم مشاركِتي المتواضعة في " أغسطس العاطفة " :رامبو:
وأرجو أن تنال إعجابكم ، فقد حاولت أن أكتبها كثيراً وكنت أطمح لتكوين فكرة أخرى أعمق
عن موضوع العاطفة ولكن هذا أفضَت إلِيه سطُوري
بانِتظار أرائكم وردودكم ^^