PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : [ قصة قصيرة ] فتاة الأيمو



موزع السعادة
27-08-2016, 18:42
بسم الله الرحمن الرحيم
فتاة الإيمو
أنتم تعرفون طريقتي في الحياة.. أنام عند الساعة التاسعة صباحاً و حتى الساعة الثالثة عصراً.. بينما أبقى مستيقظاً في بقية الأربع و العشرين ساعة.. هذا مبرر لمسمى [الطبيعة الوطواطية] التي التصق بي منذ زمن لم أعد أتذكره.. ربما منذ ربع قرن من الآن.. أي منذ عام 1990م.. نعم أيام نهايات الحرب الأهلية اللبنانية...
كنت لتوي قد انتهيت من التهام وجبة دسمة من تلك المطاعم الأمريكية التي لا تغلق إلا عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. أصبحت أرقب إبريق الشاي على السبرتاية.. ما زلت مصر على أن يعمل الشاي على السبرتاية ليكون له طعم خاص.. هذه أمور مفهومة عند من يحب الشاي و يعرف السبرتاية...
جلست مع قدح زجاجي متين مصفر من أثر الشاي و القدم مع إبريق الشاي الصغير التعس إياه.. بينما بدأت أفتح الملفات الكاكية اللون الخاصة بمراجعي عيادتي النفسية مع (د.سامي).. أنتم تعرفون أنني عالم نفس وهو طبيب نفسي لذلك لعيادتنا نوع من المصداقية و التكامل التكافلي لو كنت تفهم ما أعنيه...
قبل أن أحصل على رشفة من القدح الذي تحول إلى كوب الآن (لأنه امتلئ بالشاي).. رن الهاتف المزعج.. حسب معلومات دفتر الأصدقاء و الأقارب في دماغي لا أحد يملك [طبيعة وطواطية] مثلي.. لذلك فهذه مصيبة حتماً..
- << مرحباً..>>
- << د.عزت..>>
- << و من يكون غيره..>>
- << لدي فتاة مخبولة تريد الانتحار.. أرجوك تعال للمدرسة الداخلية في شارع عقبة ابن أبي معيط >>
حسناً يكفي أن أعرف اسم الشارع لأتأكد عن سبب انتحار تلك الفتيات.. أنت تعرف أولئك الفتيات.. إنهن رقيقات شفافات للغاية.. من السهولة بمكان أن ينتحرن لو قال أحدهم [بخ] على نسيج مشاعرهن القلبي.. بيني و بينك هذه من مميزات الأنثى التي يستفيد منها الرجال كثيراً.. كيف يظهر الرجل عضلاته و يكون معطاءً لو كانت الفتاة قوية تستطيع على ما يستطيع.. إنها العلاقة التكاملية التكافلية التي حدثتك عنها فيما سبق...
أخذت الحقيبة على سبيل:"أنا طبيب أيها القوم".. و إلا فلا أحتاج سوى مفكرة و مهدئ من النوع الفاخر.. ربما بعض الضمادات و أقراص القيء لأن الفتاة قد تكون شرطت معصميها أو ابتلعت بعض الأقراص المنومة.. سأخذ الأشياء الأخيرة من أقرب صيدلية لأنني عالم نفس كما قلت لكم...
كان المبنى مدرسة داخلية بالفعل.. طوب أحمر.. قرميد.. شبك أسود.. أشجار معمرة.. مداخن.. باب صلد ذو مطرقة نحاسية.. لو كنت فتى أو فتاة الآن و شاهدت فيلم سارة [أو سالي كما يقول الإعلام العربي] في صغرك فستعرف عن ماذا أتحدث...
دخلت البناية.. كل الفتيات لم يتجاوزن العاشرة بحال..شعور منكوشة و قمصان نوم عند أنصاف الساقين.. من الصعوبة بمكان أن ابتلع فكرة الانتحار.. لكنه الإعلام قبحه الرب الذي يجعل الحب سبب من أسباب البقاء...
أتيت للطفلة التي تريد الانتحار.. طريقة الانتحار كانت كالعادة الشرط!!.. هناك ضمادات و طبيب بدني لذلك لم افتح الحقيبة.. لابد أن الشرط كان في دورة المياه لأنه لا أثر للدماء هنا.. باستثناء تلك الدماء التي في مصعمي الفتاة...
تريد وصف الفتاة.. حسناً قميص نوم فستقي خالي من النقوش.. هي شقراء شحباء ذات عيون زرقاء محمرة من البكاء.. تصلح في دعاية نازعية عنوانها [فتاة ألمانيا التعسة]
– يتبع (2-3) –
عند الصباح ذهبت للعيادة (لاحظ أنني لم أنم بعد).. كان (د.سامي) يفرز شطائر جبن الفريكو مع الفلفل الرومي.. هذا الرجل متزوج و ينعم بحياته بحق.. كان بجانبه كوب شاي من النوع الذي لا تستطيع التمييز بينه و بين الدبس إلا عن طريق التحليل الكميائي.. الحواس لن تنفعك هنا...
- << هاه.. هل انتهيت من ملفاتك..>>
قلت له و أنا أفتح شطيرة الفول المدمس التعسة التي ابتعتها من أحد الباعة المتجولين على الطريق:
- << لن تصدق ما حدث أمس.. لقد ذهبت أقابل فتاة كادت أن تموت انتحاراً..>>
استقام في جلسته و قال بفم مليء بالطعام:
- << حقاً.. و ماذا فعلت..؟>>
- << موعظة قصيرة بشأن أهمية الواقعية و خرافة الحب و جرعة من الألبرازولام كالعادة... >>
هكذا عاد للتهام شطائر الفريكو و شرب الشاي الدبس..
قلت له:
- << لكن هناك اكتشفت فتاة إيمو..>>
- << و ماذا في ذلك..>>
- << إنها مجنونة بحق..>>
- << كلهن كذلك..؟>>
- << لا .. هذه من طراز خاص >>
- << كيف ذلك ؟ >>
- << بعدما هدأت الفتاة الشقراء.. أخذتني مساعدة المديرة إلى غرفة أخرى.. أخبرتني أن لديهم فتاة مجنونة هنا منذ سنين و تريد أن أعرف رأيي فيها.. رحبت بذلك طبعاً.. دخلت الغرفة.. كانت مظلمة طبعاً و هناك فتاة في العاشرة أو الحادية عشرة من عمرها.. ترتدي تلك الملابس التي يرتديها فرق الإيمو.. بينما يتشبث هاتفها الذكي في يدها.. عيون واسعة خضراء.. شعر أسود قصير ناعم يغطي أحد عيونها كالعادة.. تضع مساحيق بيضاء على بشرتها بعنف مثل أي أيمو في هذا العالم.. أما الكحل فأجارك الرب..>>
ضحك د.سامي حتى خرج الطعام من أنفه.. وبعد أن تمخط أكملت كلامي:
- << كدت أقول للمساعدة أنها حالة انحراف فكري و تحتاج مختص بشؤون الاجتماعية لا عالم نفس.. ما لم تكن من النوع الذي يشرط نفسه.. لكن ما قالته كان غريباً.. غريباً بحق>>
- << و ماذا قالت لك..؟ >>
- << قالت لي إن هذه الفتاة ما إن تضع يدها على أي جماد حتى تعرف قصته منذ التسعين يوم الفائتة!!>>
هنا دقت طبول الحرب كالعادة، د.سامي يرفض [الماوراء طبيعة]، على عكسي أنا المتفتح الذي أرى أن هناك الكثير من الأمور التي لم تكتشف بعد و أنه يجب ألا نكون مقيدين بكلام العلماء فقط، بل يجب أن تستمر مسيرة الاكتشاف و أن لا نقول [هذا غير موجود] أبداً، فقط نحاول الإثبات و نقول باستمرار [ما زال العلم عاجز عن الإثبات، لكن الإجابة القادمة ستكون أكثر فائدة حتماً].
قبل أن يهجم الدكتور سامي قلت له و أنا أفتح أول ملف من ملفات مراجعي اليوم:
- << هي قادمة.. [بشرى] قادمة إلى العيادة لتثبت لي قدرتها العجيبة تلك.. و سيكون علينا إثبات قدرتها أو إلصاقها في خانة المهلوسات أو المجنونات بجنون العظمة.. أنت تعرف علمك على كل حال لذلك لن أشرح لك>>
( يتبع 3-3 )
بالفعل أتت فتاة الإيمو [بشرى].. جلست معي و مع د.سامي.. ناولتها محفظتي فأمسكتها بين يديها و أغمضت عينيها و بدأت تسرد علي قصة حياتها منذ تسعين يوماً.. لا أحفظ الذكريات القديمة الخاصة بالمحفظة لكن هناك ذكريات أذكرها بالفعل.. الدكتور سامي رفض الفكرة و قال أنه يستطيع أن يقول كلاماً سخيفاً مثل هذا لأن المحافظ لها نفس الذكريات دائماً.. هكذا سلم [بشرى] ورقة و طلب منها أن تحدد مكانها بالأمس في هذه الغرفة.. و بطبع حددت [بشرى] المكان بدقة.. و كرر د.سامي الامر معها عدة مرات.. لكنه في كل مرة يقول مقولته القاهرة الناحرة:"إنها ألعاب الصدفة الشهيرة" و كانت فتاة الأيمو تبتسم برقة.. يبدو أنها اعتادت على هذا الكلام الفارغ...
أخذتها بدوري إلى (نادر).. وهو أحد أصحابي المهتمين بظواهر التي لم يثبتها العلم بعد.. هناك أخبرته بالقصة كاملة فبدا مهتماً.. أخذنا لغرفة ذات باب أخضر.. كان هناك جهازاً للأشعة تحت الحمراء و رسام مخ.. كانت الغرفة مظلمة و الستائر مسدلة.. سلط كشاف الأشعة تحت الحمراء على [بشرى] بعدما قام بربط أقطاب رسام المخ على أم رأسها...
بعدها تناول لفافة تبغ من جيبه و سلمها للفتاة و طلب منها حياة اللفافة قبل ثلاث ساعات :
- << أتتك هدية من شخص كث الشارب ذو عيون رمادية >>
لا بأس.. يمكن للجميع أن يقول هذا و يصيبون (لا تسألني كيف) ما يهمنا هو نتيجة الأجهزة.. و بالفعل كان هناك شعاع زمردي يحيط بالفتاة و اللفافة.. ذلك الجهاز الرسامي المعقد أبهر صديقي و هذا كافي لي لكي أعرف أنه أعطاه نتيجة ما...
لكن زميلي لم يكتفي.. نقلنا لغرفة أخرى.. لو كنت رأيت غرفة فضائية في حياتك فهذا ما أتحدث عنه بالضبط باستثناء أنها ليست غرفة غرفة فضائية.. هناك الكثير من الأشياء المعقدة.. [بشرى] كانت لها ملامح العظمة الآن وهي ترى [الدهولة] التي نعاني منها و الاهتمام.. كنت لا أعرف ما هية الغرفة لذلك سألت صاحبي:
- << هل تريد قياس إنسانيتها.. أظنها إنسية بالفعل طالما أن ملامحها تشي بالافتخار ما لم يكن المريخيون لديهم عادة الفخر هذه..>>
جذب طاولة معقدة التركيب تجعلك قادر على وضعها في أي مكان و بأي شكل، و لمس شاشة حاسوب محمول نحيف تسبح على شاشته عدة سمكات ملائكية و تخرج سماعاته صوت الخرير و الفقاعات لأحواض السمك :
- << ممكن نفعل ذلك فيما بعد.. التأكد من ولادة الفتاة ولادة طبيعية و بأوراق رسمية كافي..>>
- << و ماذا لو كانت من المخلوقات الفضائية القادرة على العبث بالأوراق الرسمية بل و على خلايانا الدماغية ذاتها..>>
- << حينها لن نعرف شيئاً >>
نعم لو كنت عالم لعرفت أن العلم ليس بالشيء العظيم الذي تتخيله...
فتح برنامجاً معقداً و بدئ يضبط عدة إعدادات أكثر تعقيداً..
- << ماذا تفعل بربك ..؟ >>
- << هذه الغرفة تمحو كل المؤثرات الفيزيائية الطبيعية من ذاكرة الحاسوب الذي يقيس المؤثرات الفيزيائية كلها.. و عندما يبدأ تأثير الفتاة سوف يقوم بإخبارنا لو اقتحم تأثير فيزيائي غريب فراغ الغرفة.. هذه طريقة [هناك شيء ما].. وهي مفيدة للعلم كما تعرف.. هذه الغرفة من أهم الغرف بالنسبة لدي و قد أخبرتنا بالمفيد و إن لم يكن كثيراً.. هذه الغرفة سوف تأكد لنا إن كانت تلك الفتاة تمتلك قدرات تؤثر في فيزياء الفراغ أم لا..>>
قلت له و أنا أرقب الفتاة التي تتحسس جهاز بلوري ما :
- << هذا لا يقدم جديداً..>>
- << لكنه يضخم المقال البحثي و يقنع أصحاب الرؤوس المتحجرة..>>
بعدها ناول الفتاة قطعة من اللادن لا أدري من أين ظفر بها.. ثم طلب منها أن تعرف قصتها بمجرد أن نقفل عليها الباب..
بعد سبع دقائق عدنا لداخل الغرفة الفضائية و هرع نادر للحاسوب (لم تكن هناك سمكات هذه المرة و لا خرير ماء).. فتح جهاز الحاسوب الذي أكد أن هناك تغيير فيزيائي ما.. هذا يعني أن الفتاة محقة في كلامها و ليست تعاني من هلاوس و لا جنون عظمة.. الذي يعاني من جنون العظمة المتعلق بالغير هو الدكتور سامي و لا أحد سواه


تمت
يهمني [النقد المنطقي لا الانطباعي] قبل الشكر

الصوت الحالم
29-08-2016, 00:42
نقد منطقي لا انطباعي :em_1f636:
لا أعدك بذلك
لكنني سأعود برد متواضع إن شاء الله

H A N A
29-08-2016, 04:32
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
ما شاء الله طريقة كتابتك جدًا جدًا مُبهرة ..
و تشبه الروايات الأجنبية و لكن بأسماء عربية :d
و بشرى طلعت مخلوقة فضائية :نينجا: ؟ حتى أنا حيرتني :ضحكة:
و قعدت أنتظر النهاية بَس ما كانت مرة قوية بقوة القصة ..
أو بالأصح ما كانت واضحة زي وضوح القصة ..!
و بالنسبة لهذا السطر /

جلست مع قدح زجاجي متين مصفر من أثر الشاي و القدم مع إبريق الشاي الصغير التعس إياه

جملة معقدة جدًا و ذكرت الشاي فيها مرتين :d و كانت تحتاج فاصلة بين ( القدم ، مع )


كان بجانبه كوب شاي من النوع الذي لا تستطيع التمييز بينه و بين الدبس إلا عن طريق التحليل الكميائي

هذي العبارة جدًا أعجبتني :d ، فيها حس فكاهة و إبداع على عكس لو قلت إنه شاي جدًا ثقيل ..

و ما كان بالود أرد بس قصتك جدًا جميلة و تستحق رد جميل :أوو:
و واصل تقدمك ، من متابعينك إن شاء الله ::جيد::

الصوت الحالم
30-08-2016, 12:15
نقد منطقي لا انطباعي :em_1f636:
لا أعدك بذلك
لكنني سأعود برد متواضع إن شاء الله


للتو تذكرت هذا ^^

بداية لوهلة شعرت أن الراوي لا يوجه حديثه إلى القراء بل إلى أشخاص يعرفهم
أو هم يعرفونه فهو لا يكف عن التذكير :"كما تعرفون - تعرفون أني- أنت تعرف"
و طالما أن صاحبنا طبيب نفسي فلربما لتنويهه أبعاد أخرى
لقد أضفى ذلك على القصة لمسة من نوع آخر... شيء مختلف!

النقد المنطقي من وجهة نظر فتاة مثلي لا علاقة لها بالفيزياء و الإشعاعات
تجعلني أصنف القصة ضمن الخيال العلمي ربما.
إن نفي وجود الشيء قبل التحقق و الاستكشاف يعد غباءً
و في المقابل الإيمان بما وراء الطبيعة بدون أدلة ملموسة ليس سهلاً

اسلوبك أو أسلوب الدكتور عزت في نقل الأحداث كان جيدا و جميلا
و قد يعود ذلك إلى العفوية و التلقائية التي كان يروي بها الأحداث

تركت بعض العبارات أثراً لطيفا على النص مثل:


أخذت الحقيبة على سبيل:"أنا طبيب أيها القوم"

كوب شاي من النوع الذي لا تستطيع التمييز بينه و بين الدبس إلا عن طريق التحليل الكميائي.. الحواس لن تنفعك هنا...

الأمر الذي أزعجني إلى حد ما هو استخدامك لعلامة التنصيص << >> بعد إشارة الحوار -
لم يكن من داعٍ لذلك أبداً... كان يمكنك أن تكتفي بهذه -

أظنني أطلت، لكن آخر نقطة وددت الإشارة إليها هو العنوان، و كأنه جاء تقليديا نوعا ما

هذا كل ما لديّ
استمعت بقراءتها
فـ شكرا لك

ترانيم الفجر
31-08-2016, 02:12
أحببت التلقائية والفكاهه البسيطة التي تخللتها
الخاتمة غير واضحة وسريعة نوعا ما
رغم أني لااحب قصص الخيال العلمي لكنها راقت لي

أرتب النسيان
05-09-2016, 17:20
بداية القصة طننت أنك تتحدثُ الى مجموعة ما.
استمتعتُ بالشخصيتين المتناقضتين
التي تؤمن بما وراء الطبيعة والتي ترفضه تماما...

(الذي يعاني من جنون العظمة المتعلق بالغير هو الدكتور سامي و لا أحد سواه)
أحببتُ جملتكَ الأخيرة فكانت معبرة جدا

في حفظ الباري

آراكي ميوكو
01-12-2016, 12:27
ياالله!!!
انا ايمو ايضا واعشق ماوراء الطبيعة :e40b:
القصة لامست وجداني واسرت القشعريرة في جسدي كله :e107:
اول مرة اقرا لشخص يكتب عن الايمو لذا فبالنسبة لي هي تحفة لاتقدر بثمن :e106:
تسلم :em_1f62c: