Yumiberry
01-08-2016, 20:47
* ~
http://www.mexat.com/vb/images/smilies/2013/e333.png
وقفتُ على الرصيف رافعاً يدي في محاولة لِشد انتباه أحد سائقي سيارات الأجرة وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى توقف أحدهم بسيارته أمامي لأفتح الباب الخلفي وأستقلها.
استفسر الرجل الثلاثيني بنبرةٍ باردة عن وجهتي مُكتفٍ بالتحديق إلي عبر المرآة الأمامية ورأيت من خلال نظرته عالماً رمادياً ينقلك لعالمٍ آخر تكون فيه شخصية عالمية
قررت مجموعة سرية اغتيالها عن طريق إرسال أحد أكثر عناصرها سلبيةً وأبشعها شخصيةً.
أخبرته بوجهتي ثم بلعتُ الصمت واجساً إذ فكرة أن أفتح نقاشاً ودياً مع هذا السائق هي من ضرب الجنون،
لكنني تذكرتُ والدي وهو يخبرني ألا أحكم على الشخص من كلامه أو ملامحه أو طريقته في اللبس
ولأنني اتبعتُ نصيحته مع الكثير، عزمتُ على التحدث معه فالطريق سيستغرق نصف ساعة تقريباً ولستُ ممن يهوى جو الصمت المُقيت هذا.
"كونك شخصاً اجتماعياً بهذا الشكل المُخيف سيٌقربك أكثر نحو موتك"، هذا ما اعتاد أخي قوله لي دائماً ولكنني لم آبه يوماً بسُخريته هذه لأنه حسب رأيي،
أن تكون اجتماعياً أفضل بكثير من أن تنعزل عن العالم لتغدو انطوائياً.
لن أفتح النقاش بشيءٍ عابرٍ كالجو لأن هذه أصبحت موضة قديمة بنظري،
ثم إن شخصية هذا السائق رغم قرابتنا في السن تُوحي لك بأن إجاباته لا تتعدى الكلمة أو الاثنتين
وإن سألته عن شيءٍ يخصه أو يخص حياته على نحوٍ مباغتٍ فسيظن أن بي خللاً عقلياً بلا شك.
بقيتً هكذا أُفكر وأُحلل بتركيزٌ وكأنني على وشك الخوض في مشروع مهم لكنني لاحظتُ أخيراً كم تضاعفت سذاجتي حينها
لتُجبرني على تحليل شخصية السائق حتى أبدأ نقاشاً مُناسباً معه وكأن حياتي تعتمدُ على ذلك.
أخرجتُ هاتفي من جيبي مُتمنياً أن أجد شيئاً مُسلياً أُشغل نفسي به حتى موعد الوصول،
لكن ما لم يخطر على بالي حينها هو أن يتحدث السائق فجأةً مُبتدئاً الحديث بسؤالٍ طوَّقه خيطُ الغرابة:
- كيف تستطيع انتزاع شيءٍ تُحبه بينما يعتقد من حولك مِن الناس أنه سيءٌ للغاية؟
غمرتني الدهشة لأغرق في عالمه الرمادي الذي رأيته أول مرة من خِلال عينيه، وتساءلتُ عن كونه قد قرأ أفكاري عندما رغبتُ بمُحادثته.
الأمرُ أشبه بمِن حاول أن يسأل أُستاذه عن نُقطةٍ معينة من الدرس وتفاجأ به قد ابتدأ يشرحُه بأكمله دون أن يتطرق للإجابة.
بنبرة شخصٍ مُثقفٍ أراد أن يتفلسفُ بقليلٍ مما بجعبته أردفت:
- لا أعتقد بأنه من الصواب أن تُلقي للناس بالاً لأنك إن فعلتَ هذا لم يُعجبهم وإن قررت عدم فِعله لم يُعجبهم كذلك،
وفي كُلِ مرةٍ يقولون فيها أن ما صنعته لم يرُق لهم يتبجحون بمُختلف الأعذار.
رأيته يُلقي نظرةً سريعةً عليّ من خلال المرآة الأمامية بتمعُّنٍ ثم جالت عيناه لتُركز على الطريق أمامه مُعلقاً على كلامي بسؤالٍ آخر:
- حتى لو كان هذا الشيء الذي تُحبه سيئاً فعلاً؟
شعرتُ بفضولٍ صاخبٍ كاد لِلحظة أن يُرغمني على سؤاله مُباشرةً عما يعنيه بهذا الشيء لكنني تريثتُ لأستطرد بعد ثانيتين:
- إن رأيت في قرارة نفسك أنه سيء فأَقلع عنه ليس لأن الناس أرادوا ذلك بل لأنك تودُ تركه.
- وهذا يُعيدنا لبداية حوارنا يا عزيزي، وهو كيف أترُكه؟
صمتُ مُعبراً عن حيرتي بنظراتٍ مُشبعة بالفضول أُفكر بإجابة مناسبة أُساعده بها، لكن كيف لي أن أنصحه بتركِ شيءٍ لم أعرفه بعد،
فدفعني هذا الأمر أخيراً لسؤاله لتغلبني دهشة عارمة وقفت على إثرها شُعيرات جسدي خيفةً.
-أظنني أُحب تناول لحوم البشر.
الجو بيننا قد بات مُظلماً، فقد اكتفى السائق بسرقة لمحة من تفاصيل وجهي الجادة ليتلذذ بها وهو ينتظرُ الرد،
بينما كُنت أُحاول عبثاً أن أُطفأ لهيب قلبي الحارق جراء الصدمة.
من بين جميع سيارات الأُجرة، ركبتُ مع سفاح غامض يدَّعي أنه يُحب تناول لحوم البشر!
من أين لي بعذرٍ كافٍ الآن لأرميه فيتوقف بسيارته جانباً وألفذ بجلدي من براثنه؟
ألقيتُ بنظري بعيداً أُحدق من خلال النافذة بنظرةِ يأسٍ واضحة خفتُ حينها أن يُلاحظها السائق فيبتسم بخبثٍ مُعلناً فوزه.
تراقصت أناملي على أنغام الخوف، وبتُ أنتظرُ اللحظة التي يتساءلُ فيها السائق عن تأخري بالتعليق على ما قال.
لم أقوى حينها على السماح لنفسي بسرقة لمحة لأرى ما إن كان يُراقبني عبر المرآة أم أنه يُراقب الطريق فحسب لأنه نجح بإخافتي.
تسارعت نبضاتُ قلبي فجأةً وأنا أُبادرُ بالبحث عن أي علامة تُشير إلى أننا في الطريق نحو وجهتي وليس مماتي،
ورُغم أنه فعلاً لم يُغير اتجاههُ ليأخذني لمكانٍ آخر إلا أن ذلك وحده لم يُرِح أعصابي إطلاقاً وأظنني لن أرتاح حتى تطأ قدمي الرصيف مجدداً.
- المُشكلة أنني لا أستطيع التوقف عما أفعل، ففي كُل مرةٍ أُحاول فيها ذلك، أرجعُ لِما كُنت عليه وبشكلٍ أقوى من ذي قبل
التفتُ لأراه يُحدق إليّ عبر المرآة قبل أن يُكمل: - ما رأيك؟ لقد سألتُ العديد ولكن لم يُفدني أحد للأسف.
تباً لهذا الرجل، أيُصرح لي بشكل غير مباشر أنه قتل جميع من لم يُفيدوه بشيء؟!
إجابة كـ"عليك ألا تستلم وتجتهد أكثر" ستجعلني كمَن يُحاول مُحادثة نمر ليعدل عن قراره في التهامه حياً!
عضضتُ شفتي السُفلية وأنا أُراقب الطريق بصمت حتى لمحتُ مركزاً تجارياً على بُعد عِدة أمتار فاغتنمتها فرصةً للهرب من هذا الوحش.
سواءً توقف بي أم لم يفعل، لا ضير في المحاولة لأنني رضيت ولو التمسك بقشة حتى لا أسقط للهاوية.
- عذراً يا عزيزي، توقف عند ذلك المركز التجاري، أحتاج لشراء بعض الأشياء.
لم يُجب على طلبي بل استمر بالقيادة واستمر قلبي بالدعاء مُتمنياً لو يتنازل هذا الوحش عن فريسته الضعيفة هذه،
ولصَدمتي العارمة، رأيته يلتفُ بسيارته نحو اليمين ليتوقف أمام المركز التجاري.
وددتُ حينها لو أُحطم الباب وأخرج مُستنجداً بحارس الأمن الذي رأيته واقفاً بجانب بوابة المركز
لكنني عدلتُ عن قراري وحافظتُ على هدوئي فهو قد استمع لطلبي أي أنه لن يفعل بي شيء.
سألته عن الحِساب فتساءل عما إن كُنت أرغب بجعله ينتظرني حتى أنتهي لكنني رفضتُ معللاً بأنني قد أتأخر فصمت مُعبراً عن موافقته وأخذ حِسابه ثم غادر.
أخذتُ نفساً عميقاً وكادت ركبتايّ أن تتسببا بسقوطي ليس لأنني كُنت خائفاً، بل لأنني استطعتُ الفرار. أنا حقاً لن أتساءل عن سبب تركه لي بعد تصريحه ذاك،
ولن أضع بالاعتبار أنه رُبما يكون مجنوناً فحسب، بل كُل ما أود فعله الآن هو أن أذهب لعملي، مُقسماً أنني لن أستقل سيارة أُجرة مجدداً!
~
كان يُفكر بتصرفه مع ذلك الرجل بتركيز مُتجاهلاً عدداً من الناس الواقفين على الرصيف قد كانوا يُحاولون البحث عن شخصٍ ليأخذهم نحو وجهتهم
وعللَّ تصرفه السخيف على أنه نتاج الصدمة التي أثَّرت عليه عندما صارحه صديقه مُهند بالحقيقة المُرة هذا الصباح. تساءل بداخله "كيف لمسألةٍ كهذه أن ترتبط بـ..."
لكنه بتَر تساءله ليُزمجر بعصبية وهو يُعاتب نفسه: ما أجملك يا جواد وأنت تُخيف أول زبائنك وتخبره بأنك تُحب لحوم البشر!
لا عجب أن الرجل المسكين قد طلب التوقف عند ذلك المركز التجاري خوفاً منك.
تجمَّعت طاقته المدفونة لتُكون قبضةً رمى بها على مُقود القيادة: كُل هذا بسبب ذلك الغبي الأحمق مُهند، من بين كُل الأوقات يختار الصباح ليُصارحني بأخطائي وينصحني بتركها.
ماذا، أُحب لحوم البشر؟ أُحب التهامهǿ ذلك المُتعجرف الواعظ يُتقن اختيار الكلمات حقاً!
أبعد قبضته عن المقود وتراخت عضلاته إثر مُلاحظته ما تفوه به تواً،
فابتسم مُعلناً الاستسلام: تباً، ها أنا ذا أُعاود عادتي السيئة، مُهند، أظنني التهمتُك للتو دون عِلمك، صحيح؟
تمت
http://www.mexat.com/vb/images/smilies/2013/e333.png
وقفتُ على الرصيف رافعاً يدي في محاولة لِشد انتباه أحد سائقي سيارات الأجرة وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى توقف أحدهم بسيارته أمامي لأفتح الباب الخلفي وأستقلها.
استفسر الرجل الثلاثيني بنبرةٍ باردة عن وجهتي مُكتفٍ بالتحديق إلي عبر المرآة الأمامية ورأيت من خلال نظرته عالماً رمادياً ينقلك لعالمٍ آخر تكون فيه شخصية عالمية
قررت مجموعة سرية اغتيالها عن طريق إرسال أحد أكثر عناصرها سلبيةً وأبشعها شخصيةً.
أخبرته بوجهتي ثم بلعتُ الصمت واجساً إذ فكرة أن أفتح نقاشاً ودياً مع هذا السائق هي من ضرب الجنون،
لكنني تذكرتُ والدي وهو يخبرني ألا أحكم على الشخص من كلامه أو ملامحه أو طريقته في اللبس
ولأنني اتبعتُ نصيحته مع الكثير، عزمتُ على التحدث معه فالطريق سيستغرق نصف ساعة تقريباً ولستُ ممن يهوى جو الصمت المُقيت هذا.
"كونك شخصاً اجتماعياً بهذا الشكل المُخيف سيٌقربك أكثر نحو موتك"، هذا ما اعتاد أخي قوله لي دائماً ولكنني لم آبه يوماً بسُخريته هذه لأنه حسب رأيي،
أن تكون اجتماعياً أفضل بكثير من أن تنعزل عن العالم لتغدو انطوائياً.
لن أفتح النقاش بشيءٍ عابرٍ كالجو لأن هذه أصبحت موضة قديمة بنظري،
ثم إن شخصية هذا السائق رغم قرابتنا في السن تُوحي لك بأن إجاباته لا تتعدى الكلمة أو الاثنتين
وإن سألته عن شيءٍ يخصه أو يخص حياته على نحوٍ مباغتٍ فسيظن أن بي خللاً عقلياً بلا شك.
بقيتً هكذا أُفكر وأُحلل بتركيزٌ وكأنني على وشك الخوض في مشروع مهم لكنني لاحظتُ أخيراً كم تضاعفت سذاجتي حينها
لتُجبرني على تحليل شخصية السائق حتى أبدأ نقاشاً مُناسباً معه وكأن حياتي تعتمدُ على ذلك.
أخرجتُ هاتفي من جيبي مُتمنياً أن أجد شيئاً مُسلياً أُشغل نفسي به حتى موعد الوصول،
لكن ما لم يخطر على بالي حينها هو أن يتحدث السائق فجأةً مُبتدئاً الحديث بسؤالٍ طوَّقه خيطُ الغرابة:
- كيف تستطيع انتزاع شيءٍ تُحبه بينما يعتقد من حولك مِن الناس أنه سيءٌ للغاية؟
غمرتني الدهشة لأغرق في عالمه الرمادي الذي رأيته أول مرة من خِلال عينيه، وتساءلتُ عن كونه قد قرأ أفكاري عندما رغبتُ بمُحادثته.
الأمرُ أشبه بمِن حاول أن يسأل أُستاذه عن نُقطةٍ معينة من الدرس وتفاجأ به قد ابتدأ يشرحُه بأكمله دون أن يتطرق للإجابة.
بنبرة شخصٍ مُثقفٍ أراد أن يتفلسفُ بقليلٍ مما بجعبته أردفت:
- لا أعتقد بأنه من الصواب أن تُلقي للناس بالاً لأنك إن فعلتَ هذا لم يُعجبهم وإن قررت عدم فِعله لم يُعجبهم كذلك،
وفي كُلِ مرةٍ يقولون فيها أن ما صنعته لم يرُق لهم يتبجحون بمُختلف الأعذار.
رأيته يُلقي نظرةً سريعةً عليّ من خلال المرآة الأمامية بتمعُّنٍ ثم جالت عيناه لتُركز على الطريق أمامه مُعلقاً على كلامي بسؤالٍ آخر:
- حتى لو كان هذا الشيء الذي تُحبه سيئاً فعلاً؟
شعرتُ بفضولٍ صاخبٍ كاد لِلحظة أن يُرغمني على سؤاله مُباشرةً عما يعنيه بهذا الشيء لكنني تريثتُ لأستطرد بعد ثانيتين:
- إن رأيت في قرارة نفسك أنه سيء فأَقلع عنه ليس لأن الناس أرادوا ذلك بل لأنك تودُ تركه.
- وهذا يُعيدنا لبداية حوارنا يا عزيزي، وهو كيف أترُكه؟
صمتُ مُعبراً عن حيرتي بنظراتٍ مُشبعة بالفضول أُفكر بإجابة مناسبة أُساعده بها، لكن كيف لي أن أنصحه بتركِ شيءٍ لم أعرفه بعد،
فدفعني هذا الأمر أخيراً لسؤاله لتغلبني دهشة عارمة وقفت على إثرها شُعيرات جسدي خيفةً.
-أظنني أُحب تناول لحوم البشر.
الجو بيننا قد بات مُظلماً، فقد اكتفى السائق بسرقة لمحة من تفاصيل وجهي الجادة ليتلذذ بها وهو ينتظرُ الرد،
بينما كُنت أُحاول عبثاً أن أُطفأ لهيب قلبي الحارق جراء الصدمة.
من بين جميع سيارات الأُجرة، ركبتُ مع سفاح غامض يدَّعي أنه يُحب تناول لحوم البشر!
من أين لي بعذرٍ كافٍ الآن لأرميه فيتوقف بسيارته جانباً وألفذ بجلدي من براثنه؟
ألقيتُ بنظري بعيداً أُحدق من خلال النافذة بنظرةِ يأسٍ واضحة خفتُ حينها أن يُلاحظها السائق فيبتسم بخبثٍ مُعلناً فوزه.
تراقصت أناملي على أنغام الخوف، وبتُ أنتظرُ اللحظة التي يتساءلُ فيها السائق عن تأخري بالتعليق على ما قال.
لم أقوى حينها على السماح لنفسي بسرقة لمحة لأرى ما إن كان يُراقبني عبر المرآة أم أنه يُراقب الطريق فحسب لأنه نجح بإخافتي.
تسارعت نبضاتُ قلبي فجأةً وأنا أُبادرُ بالبحث عن أي علامة تُشير إلى أننا في الطريق نحو وجهتي وليس مماتي،
ورُغم أنه فعلاً لم يُغير اتجاههُ ليأخذني لمكانٍ آخر إلا أن ذلك وحده لم يُرِح أعصابي إطلاقاً وأظنني لن أرتاح حتى تطأ قدمي الرصيف مجدداً.
- المُشكلة أنني لا أستطيع التوقف عما أفعل، ففي كُل مرةٍ أُحاول فيها ذلك، أرجعُ لِما كُنت عليه وبشكلٍ أقوى من ذي قبل
التفتُ لأراه يُحدق إليّ عبر المرآة قبل أن يُكمل: - ما رأيك؟ لقد سألتُ العديد ولكن لم يُفدني أحد للأسف.
تباً لهذا الرجل، أيُصرح لي بشكل غير مباشر أنه قتل جميع من لم يُفيدوه بشيء؟!
إجابة كـ"عليك ألا تستلم وتجتهد أكثر" ستجعلني كمَن يُحاول مُحادثة نمر ليعدل عن قراره في التهامه حياً!
عضضتُ شفتي السُفلية وأنا أُراقب الطريق بصمت حتى لمحتُ مركزاً تجارياً على بُعد عِدة أمتار فاغتنمتها فرصةً للهرب من هذا الوحش.
سواءً توقف بي أم لم يفعل، لا ضير في المحاولة لأنني رضيت ولو التمسك بقشة حتى لا أسقط للهاوية.
- عذراً يا عزيزي، توقف عند ذلك المركز التجاري، أحتاج لشراء بعض الأشياء.
لم يُجب على طلبي بل استمر بالقيادة واستمر قلبي بالدعاء مُتمنياً لو يتنازل هذا الوحش عن فريسته الضعيفة هذه،
ولصَدمتي العارمة، رأيته يلتفُ بسيارته نحو اليمين ليتوقف أمام المركز التجاري.
وددتُ حينها لو أُحطم الباب وأخرج مُستنجداً بحارس الأمن الذي رأيته واقفاً بجانب بوابة المركز
لكنني عدلتُ عن قراري وحافظتُ على هدوئي فهو قد استمع لطلبي أي أنه لن يفعل بي شيء.
سألته عن الحِساب فتساءل عما إن كُنت أرغب بجعله ينتظرني حتى أنتهي لكنني رفضتُ معللاً بأنني قد أتأخر فصمت مُعبراً عن موافقته وأخذ حِسابه ثم غادر.
أخذتُ نفساً عميقاً وكادت ركبتايّ أن تتسببا بسقوطي ليس لأنني كُنت خائفاً، بل لأنني استطعتُ الفرار. أنا حقاً لن أتساءل عن سبب تركه لي بعد تصريحه ذاك،
ولن أضع بالاعتبار أنه رُبما يكون مجنوناً فحسب، بل كُل ما أود فعله الآن هو أن أذهب لعملي، مُقسماً أنني لن أستقل سيارة أُجرة مجدداً!
~
كان يُفكر بتصرفه مع ذلك الرجل بتركيز مُتجاهلاً عدداً من الناس الواقفين على الرصيف قد كانوا يُحاولون البحث عن شخصٍ ليأخذهم نحو وجهتهم
وعللَّ تصرفه السخيف على أنه نتاج الصدمة التي أثَّرت عليه عندما صارحه صديقه مُهند بالحقيقة المُرة هذا الصباح. تساءل بداخله "كيف لمسألةٍ كهذه أن ترتبط بـ..."
لكنه بتَر تساءله ليُزمجر بعصبية وهو يُعاتب نفسه: ما أجملك يا جواد وأنت تُخيف أول زبائنك وتخبره بأنك تُحب لحوم البشر!
لا عجب أن الرجل المسكين قد طلب التوقف عند ذلك المركز التجاري خوفاً منك.
تجمَّعت طاقته المدفونة لتُكون قبضةً رمى بها على مُقود القيادة: كُل هذا بسبب ذلك الغبي الأحمق مُهند، من بين كُل الأوقات يختار الصباح ليُصارحني بأخطائي وينصحني بتركها.
ماذا، أُحب لحوم البشر؟ أُحب التهامهǿ ذلك المُتعجرف الواعظ يُتقن اختيار الكلمات حقاً!
أبعد قبضته عن المقود وتراخت عضلاته إثر مُلاحظته ما تفوه به تواً،
فابتسم مُعلناً الاستسلام: تباً، ها أنا ذا أُعاود عادتي السيئة، مُهند، أظنني التهمتُك للتو دون عِلمك، صحيح؟
تمت