PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : [ رواية ] .:| مِرَاس |:.



Sohailah
13-04-2016, 00:06
الفصل 1 : الجزء 1
.:| الحقيقة |:.
" لن ترى النواة عبر القشرة "

أجفَلَتْ، وصمَتَتْ أطرافها عن الحركة!
- أنت تمزح!
- قد يبدو الأمر سخيفًا.. لكني لست كذلك.
انسابت برودة ثقيلة من ناصية رأسها حتى أخمص قدميها جعلتها ترتعش. توسعت عيناها وضاقت مقلتاها.. لا تصدق! لكنه لا يكذب. وهو لا يمزح..؟ أخذت تتلفت حولها تراقب الجالسين على طاولات المقهى المنتشرة على المرج الواسع..
- أليس يزن قريبًا من هنا؟
- ميس.. إني لا أحاول وضعكِ في مزحات كالتي أفعلها مع يزن.. إنه لا يعلم عن الأمر شيئًا، ولن أخبره.
- أنت بالتأكيد تمزح..! أخبرني بأنك تمزح! ولننتهي من ثقل هذا الموقف رجاءً. لن أسامحك حقًا إن تماديت في الأمر. إن كنت تحاول إخباري بأن أمري يهمك أكثر من اهتمامك بأمر يزن فقد أدركت الفكرة..
أكملت بتردد وعيناها البارزتان مستمرة في مراقبة أعماق أعينه:
- في الحقيقة أدرك الأمر مسبقًا، ولا تحتاج لهكذا موقف لتتأكد..
تراءى طيف ابتسامة على شفتيه.. يبادلها النظر، ويحاول جهده في أن يظهر لها صدق ما يقول، أن تتكشف كل الطبقات التي يملك أمام عينيها الثاقبتين..
- تقولين " الكلمات الممنوعة " بجرأة اليوم..؟ هل كان علي في يوم أن أضعك في موقف مشابه.. تتخطين الممنوع، ثم أخبرك بأنها كانت مزحة فحسب.. ثم أذكرك بكلماتك كل يوم أراكِ فيه..
ألقت عليه نظرة عتاب أسكتته. وما زالت تلك الابتسامة المتألمة تغمر محياه السمح..
- إني آسف ميس..
ومرت لحظات صمت..
- إذَا.. ماذا فعلت؟
- لم أفعل شيئًا.
- لم تفـ.. تفعل.. شيئًا؟!
شدت على يديها تحاول منع الرجفة المفاجئة التي اجتاحتها، وهو يراقب وجهها الفاتن، تتجمع في عينيها الدموع، فيتحرك شعوره – الذي لا يتحرك – إثر ذلك..
- لم أستطع فعل شيء! هيا ميس إني أخبركِ بالأمر وعلي ألا أفعل ذلك..
كان حريصًا هادئ الصوت عند حديثه خشية مراقبة شخص لهما، لكنها ليست كذلك! صرخت في وجهه:
- لكنها شهرين! تقول بأن شهرين قد مرت، ولم تفعل شيئًا..! لمَ لمْ تبلغ فحسب؟! أنت نبيل! أيها الوغد، إن أشرت فنظام المناطق السبعة سيتحرك رهن إشارتك!
إنها غاضبة للغاية.. لم يكن يريد للاعتراف أن يكون هكذا. حسنًا، ماذا توقع؟ إنها ميساء! بالتأكيد لن ترضى. لكنه فقط لم يتوقع أن يصل غضبها إلى هذه المرحلة.
انهمرت دموعها متواصلة، كأنما سدًا قد انكسر فانفجرت المياه المحصورة داخله بكل عنف.. إنها تعلم أنه نادم، ليس لأن حياته قد ضاعت.. لقد كان دائمًا متوافقًا مع كل حدث في حياته، ولا يندم على قرار يخصه مهما أرداه في المشاكل!
لكنه الآن قد اقترف جرمًا في حقها فوق حق نفسه، وحق عائلته التي ينتمي إليها، وحق مكانته كنبيل عالي الشأن. ذاك التوتر في حركته، انحناء ظهره، تعابيره التي فقدت بريق الراحة الذي يعتريها كل يوم، وذلك الانكسار في صوته.. إنه بالطبع نادم! إنها تعلم أيضًا صعوبة إخبار أحدهم بأخبار كالتي يحملها.. لكنه يقطع وترًا عميقًا غليظًا من الثقة لم يجرؤ أحدهم يومًا على المساس به، والوصول لهذا الوتر أمر لا يغتفر!
رحلت بعدها عن المكان تاركةً إياه، عابسًا. لا يدرك بأنه سيبكي فقد شخصين من القليل الثمين الذي يملك، وخلال شهرٍ واحد.

Sohailah
13-04-2016, 00:10
السلام عليكم..
قررت في يوم ما، وأنا أقرأ رواية ما، أني أريد أن أكتب رواية.. وأصنفني من زمرة محبي القراءة والقارئين.. لذا فأنا أملك حصيلة لطيفة فيما يتعلق بالأفكار واللغة والأساليب المختلفة، وعلقت مع جانب الثقافات! فمع كوني أحب التفاصيل والتدقيق في الشاردة والواردة، لم أستطع أن أترك موضوع الثقافة مفتوحًا غير مرتبط بأي ثقافة في الحقيقة.
فوقعت في ورطة.

وللاختراع أمٌّ.. تدعى الحاجة!

فصممت عالمًا! وقررت تجنب الحياة التي أعرف.

ووضعت في هذا العالم مجموعة من التصميمات الأخرى التي تعجبني في دماغي، الأمر الذي جعل الشخصيات والأماكن من الملازمين الرئيسيين لي في كل مكان تطؤه قدماي. فرافقتني الأحداث عددًا من السنين.. وهاأنا أكشف لكم عن مكنونات دماغي الصغير.

فمرحبًا، وأهلاً بكل ضيف..
أقدم بين أيديكم مراس.

مكان لا تشبه تفاصيله أي مكان في العالم.. الأمر الآن يتعلق بمساحة خاصة، بعيدًا عن أي قيود وقوانين وبديهيات – في بعض الأحيان – كالتي توازي حياتنا بشكل دائم.


الأحداث والتفاصيل تحكي لكم.

وباسم الله يبدأ كل شيء ~

Sohailah
13-04-2016, 00:17
.:|~|:.


- تبًا لذاك القطار! كيف لرحلة أن تدوم ثلاثة أيام؟!
- هي لجين.. كانت هناك فترات استراحة طويلة..
عقدت حاجبيها كأنها قد تذكرت الأمر توًا، وبرز لون المنديل الأزرق الذي كان في يدها حين ضربت به حقيبة سفرها الداكنة الثقيلة بعنف..
- وهذا أمر آخر عليهم أن يجرّموا عليه! ما فائدة التوقف في مكان معزول لا أنشق فيه حتى رائحة هواء نظيف!! حبًا بالله! إن كانت هذه ثورتهم الصناعية، فعليهم أن يعيدوا تركيب بشاعة طن المقالات الذي كُتِب فيهم! سحقًا لأشخاص لا يعرفون حتى طائرة معدة لقطع المسافات الطويلة!
كانت تستمع فحسب، تعتريها ابتسامة جذابة ممتنة وهي تعيد جدل شعرها الكثيف حالك السواد. للأسف.. تحتاج لجين دائمًا كتابًا لتهدأ، وهو الشيء الذي لا يمكنها توفيره في هذا المكان والزمان.
- إن المدينة في غاية الروعة لجين..
ألقت لجين نظرة مقطبة على المكان حولها، قالت ساخرة:
- جميلة بالفعل..!



.:|~|:.


- اسمعني جيدًا، لا أريد أخطاءً!
- حاضر سيدي.
- عليك أن تحفظه هنا.. قبل الموعد بيومين على الأقل. قلت لا أريد أي خطأ.
- سأفعل سيدي.
- انتهى.
- عمت مساءً سيدي.
وخرج ذاك الطائع القصير عريض الهيئة عبر باب خشبي ضخم يناسب فخامة القاعة التي قد كان فيها، بمشية عسكرية تدل على خضرمته في مجال قاسٍ. ولم تر عيناه الحادتان ذاك الجسد المتكوم على نفسه في زاوية الممر خارج الغرفة.
حبس الأخير أنفاسه بشدة وهو يراقب مرور رئيس الحرس أمامه لا تفصلهم إلا بضعة أمتار، وقطعة الزينة الخزفية التي كان يختبأ خلفها. خرج العريض بنفس الغضب الذي يراه في وجهه كل مرة، ثابت النظر، بخطوات متوازنة، وإيقاع منتظم. لم يستطع أن يمنع نفسه من التساؤل عن الفترة التي قضاها من عمره ليتدرب على هكذا مشية!
تحرك يعدل من وضع جلوسه حين شعر بارتفاع احتمالية إصابته بتشنج في عضلات فخذيه لما رآه اختفى مع منعطف الممر.. " فيمَ تفكر أيها العريض حتى تتخطاني بهذه البساطة..؟ زرعَ لك المجنون قلبًا أخيرًا؟! "
قالها يهمس. بالتأكيد هو لا يريد عودته ! ثم ضحك بهدوء. ضحكة نصر منكسرة.. إنه يوم الذكرى العاشرة! " أخبرتكِ أنه يخطط لشيء..! أتى اليوم.. أتى ذلك اليوم، وسَمِعَتهُ هذه المرة أذناي حين نطقها بصوته! "
إنه مجددًا يهمس بكلماته، هائم النظر إلى ذات المنعطف الذي قد عبره الحارس منذ فترة. لقد كان يعلم بأن الأمر لا يقتصر على ليلة، فهذا الطبيب المجنون لا يخلق حدثًا بلا أسباب! لقد كان يعلم منذ تلك الليلة، ومع أنه كان متفردًا بهذه النظرية.. ها هو يرى الدليل أمام عينيه! كان يعلم، وهو على يقين الآن.. لكنه – لأسفه الشديد – لا يملك أي تفصيل عن الخطة..!
عاد يواسي نفسه كما اعتاد وهو يراقب طريق عودته بحذر: " كيف لعاقل أن يعرف فيمَ يفكر المجنون؟! "



.:|~|:.


اكتظ المكان بأنواع القذارة.. سلات تنضح بالمهملات، بقايا طعام متعفن موزعة في الأرجاء، مستنقع مياه صغير على طرف الشارع كبيئة مثالية لنمو الأوبئة، والكثير – الكثير جدًا من أوراق الشجر المتساقطة في كل اتجاه. " يتناسب الأشخاص دومًا مع الأماكن التي يذهبون إليها! " كان يؤكد العبارة في نفسه متعجبًا من مدى صحة النظرية التي يملك.. كيف لموقف واحد أن يمثل دليلاً قاطعًا على بضع فكرة..؟ " مذهل.. مذهل! "
- تعال أيها المعتوه.
كان ذلك الشخص طويل القامة بينهم، " يبدو طوله كمترٍ و.. ثلاثة أرباع..؟ لا، بل ثمانون سنتيمترًا، علي إضافة قبعة الشعر الغليظ التي يرتديها على رأسه." لف الطويل ذراعه على عنق المنعوت بالمعتوه توًا.. ففاحت رائحة كريهة من جسده. يبدو مستمتعًا للغاية، وبأسنان صفراء بدى أنها تشكل المصدر لنصف الرائحة المركزة التي يشتمها ابتسم ابتسامة مائلة ساخرة.. على الأغلب..؟
ثم تحدث بطريقة غريبة:
- كم يبلغ طولك أيها القصير؟
وأخذ يضحك بشدة لا تناسب السؤال، وضحك معه الآخران اللذان – حتى هذه اللحظة - لا يشكلان شخصيات مهمة في المشهد.
" ألا تستطيع عينك البالية ملاحظة طولي الماسي؟ كميكانيكي على الأقل؟! " بالطبع هو لن ينطق بما يفكر.. هو لا يجب عليه ذلك، في الحقيقة، هو عليه ألا يفعل ذلك..
نظريته تقول: " الحقائق المادية فقط لأسئلة سفيه متمكن! " لأنه لا يريد إجابتك في كل حالاتها.
- مئة، وخمسون سنتيمترًا.
حاولت أن أبدو جادًا في إجابتي. نظر إلى عيني لوهلة، ثم أخذ يعاين أبعاد حجم جسدي غارقًا في الدهشة.
- مترًا.. ونصف؟!
يبدو أنه يواجه صعوبة في تمالك نفسه.. يحاول ألا يضحك كما أظن. فتبادل مع الآخرَينِ نظرات خاصة يخبرهم: أن أمسكوا أنفسكم عن الضحك.. ثم انفجروا بضحك صاخب في نفس اللحظة.
- لم أسألك لتجاوبني حقيقة، لكن مترًا ونصف تستحق السؤال بالفعل!
- " أعرف الأمر مسبقًا. "
بالكاد توقف الضجيج الذي حدث. إنهم يقضون الكثير من الوقت!
- لنتوقف عن الأحاديث الجانبية.
- " أوه.. "
أثار إعجابي صاحب الشعر البني الأشعث! إنه يملك بعض الإحساس بالمواقف..!
- لننتهي من الأمر. أعطنا المخططات.
- " وهل هناك احتمال آخر..؟ " مخططات؟
- نعم المخططات أيها الذكي!
- أي مخططات التي تريدها؟ لم أفهم ..؟! " نعم، لنتظاهر ببعض الغباء المكشوف. "
- أتتظاهر بالغباء أيها الصغير..؟! سلمني المخططات حالاً وإلا أخذتها عنوة وعلقتك على برج النظام!
- " متلازمة العصابات هذه.. " حالاً؟!
رفعت حاجبيَّ بدهشة أعلم أنها مصطنعة. وبدأت ملامح الشيطان تظهر على وجهه.. فأبديت بدوري بعض علامات الخوف كمن كُشِفَت كذبته.. خفض البصر والصوت، وترطيب الشفتين.. هذه تكفي.
- آه.. تقصد مخططات جهاز الميكانيكا اليوم؟!
- هاتها.
فتح حقيبة ظهره، واختار الملزمة التي تحمل الرقم "1" على الزاوية اليمنى المرتفعة من الورق، ثم أخرجها ملزمة ضخمة كثيرة الورق وسلمها له. لم يكن الموقف غريبًا عليه، ولا ردة الفعل غريبة، ولن يفلحوا في إعادة تصنيع جهاز برنامج الميكانيكا الذي أعده هو، ثم سيعيدوا الكرة، ولن يفلحوا، حتى يتركوه ظانين بأن قدراتهم الميكانيكية أقل من أن تصنع جهازًا بهذا التعقيد!
" الحكمة أن تتعلموا ألا تسرقوا مخططات الآخرين.. فقط! بلا أي نوايا خبيثة، وأقسم لكم! – إن كنتم مهتمين.. "



.:|~|:.


أخذت تجري على غير عادتها وهي ترفع طرف ردائها المخملي بلطف وأنوثة طاغية، وتمسك في اليد الأخرى كرتًا أسود داكن بلمعة بنفسجية، وعليه زخرفة دائرية كبيرة الحجم شديدة الفخامة لها لون المياه في الشواطئ الرملية، يذلله اسم مطرز بخيوط ذهبية.
ارتد رداؤها وشعرها الطويل إثر توقفها المفاجئ أمام غرفة ابنتها، أخذت تسترد أنفاسها بسرعة، وأمسكت بأكرة الباب الأبيض الذهبية بقوة، ودخلت الغرفة..
- ابنتي.. عزيزتي..
لكنها ليست هناك. الابتسام ما عاد كافيًا! أخذت تضحك وحدها وهي تقطع الغرفة الواسعة متجهة نحو الشرفة، وتشد في مشيها بين الحين والآخر لا تتمالكها نفسها:
- لا أعلم – حقًا – كيف سمح المعلم بإيفادك وأنت بهذه الطباع الغريبة! جميلتي هنا؟ لا أصدق أنك تخرجتِ حقًا!! أنت فقط.. يا إلهي..! لم تكملي العام الخامس عشر بعد! لقد نسيت ذلك.. جميلتي أنت هنا؟
تزامن وقت فتحها لستار الشرفة مع سؤالها الأخير الذي تعرف إجابته بالفعل، ومع فتح ابنتها للستار بلهفة من الجانب الآخر..
- تخرجت..؟!
قابلتها بذات اللهفة:
- نعم عزيزتي!
حين مدت لها أمها ذاك الكرت فائق الفخامة أطلقت صرخة تعجب لطيفة بأنوثة ورثتها عن والدتها، التقت عيناهما فضحكتا معًا.
- والدكِ سعيد للغاية بهذا الخبر، لكنه وقت عمل الورشة كما تعلمين..
- لا بأس أمي.. أراه حين يأتي..
- إنه قادم بالفعل!
- هذا رائع!
- سنعد طعامًا لذيذًا كذلك!
- أمي..!
اقتربت منها واحتضنتا بعضهما بشدة.. ثم تراجعت الصغيرة:
- لحظة! أهذا يعني أني سأذهب للمراس؟
ألقى السؤال بكساء الوقار مجددًا على وجه السيدة.. وابتسمت:
- بالتأكيد! أليس الأمر مثيرًا؟
- يبدو الأمر صعبًا نوعًا ما..
- صحيح، مع أنك متخرجة، لكنك لا زلت في الخامسة عشرة.. أنا لا أكاد أصدق ذلك..! ماذا فعلتِ بمعلمك؟!
- الخامسة عشرة ليست سنًا صغيرًا يا أمي.. وأظن بأنك ووالدي أكثر إثارة للعجب مني.
ابتسمت والدتها:
- يبدو الأمر منطقيًا بهذه الطريقة.
- يجب أن أستعد لوليمة الليلة.. أمي، أريد الكثير من القصص والخبرة، لن أخرج لمراس أي شيء حتى أسمع كل شيء.
- سيأتي المعلم أيضًا..
- غاية الجمال!
ورغم حماستها، أخذت الصغيرة تمشي بهدوء، بخطوات ثقيلة واثقة غير معتادة على جسد صغير مثل جسدها، متجهةً نحو خزانة الملابس لترتدي ثوبًا يناسب هذه المناسبة. تراقبها أمها مع كل خطوة بعينين تكادان تذوبان حنانًا وفخرًا بابنتها..
ستتركها لفترة غير معلومة من الزمن.. ستمارس الكثير من الأعمال والأحداث، ستفرح وستحزن وتضحك وتغضب، إنها تتذكر الآن وجه والدتها حين حان موعد ذهابها للمراس قبل عشرين سنة ونيف.. فتدرك أنها لا زالت تمارس دورها كأم، وتتعلم..



.:|~|:.

Sohailah
13-04-2016, 00:33
سأعترف، هي تجربتي الأولى في الكتابة.. وليست الأخيرة غالبًا.
وسأعترف اعترافًا أكبر: هو أني لم أكتب إلا الجزء الأول، مع أن خطة الرواية كاملة.

وهدف الرواية الرئيسي هو اختبار قدراتي في الكتابة، وتوظيف المصطلحات المكتسبة عبر القراءة في فصول هذه الرواية.. تطلعي أو رؤيتي عند الانتهاء منها - بإذن الله - هو ملاحظة التطور في مَلَكَة الكتابة عندي..
لذلك، سأحاول بكل ما أملك ألا أطيل عليكم، ولكني سآخذ وقتي - نوعًا ما - عند الكتابة.

وبما أن الكتابة للناس، فليس هناك أفضل من الناس لتقييمي خلال الرحلة.
فشكرًا لنقدكم ومدحكم مقدمًا..


حسنًا، سؤال الفصل الأول بسيط جدًا:
ما توقعك لمعنى " مِرَاس " في الرواية؟

ice_blue_eyes
13-04-2016, 22:29
أولاً ، مرحباً بكِ معنا ، وأرجو ان نكون عند حسن ظنك بإفادتك :e418:
ثانيا ، للأسف سأضطر للحجز ، سأعود قريباً بإذن الله ،،
لكن ،، نفترض أن قصتك خيالية إذا أليس كذلك ؟

Sohailah
14-04-2016, 10:38
- أهلا وسهلا بك..

- لا بأس، أنتظر بشغف.

- نعم، هي كذلك مع بعض الواقعية.

YASAN
14-04-2016, 11:19
شكرااااااا لك

نوراين
15-04-2016, 23:04
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما كل هذا الجمال الذي أراه :e106:الرواية منذ بدايتها تعد بالكثير من المفاجئات والأحداث
صنع عالم خاص بعيد عن الواقع امر صعب, لذا انا متحمسة لما ستقدمينه من معالم وقوانين في هذا العالم
قبل الحديث عن الأحداث سأجيب عن سؤالك,
حسب فهمي للأمر من الفقرة الأخيرة فالمراس هو مكان يذهب اليه الطلاب بعد تخرجهم, ربما مدينة او مكان يشبه الجامعة؟ الهدف منه هو اكسابهم الخبرة والقوة وايصالهم لاحلامهم.
حسنًا كلمة مراس لم تذكر سوى بالمقطع الاخير لذا يواتيني الفضول لمعرفة ارتباطها بباقي المقاطع.

النبيل الذي ارتكب جرمًا بحق المقربين منه اكثر مما هو بحق نفسه, طوال حديثه مع ميس وانا أتساءل عما فعله,
يبدو لي كأنه تورط مع جماعة ما أوقعته بالمشاكل او جعلته يقوم بأمر ممنوع تمامًا في هذا العالم, تجاوز حدود من نوع ما,
هذا محير, والأسوء هو جهلي بنظام هذا العالم, ربط الأمور ببعضها صعب
اما لجين فأستطيع تفهم مشاعرها فأنا اكره الرحلات التي تستغرق ربع يوم فقط فكيف بثلاثة أيام هذا يدعو للجنون خاصة مع عدم تواجد مصدر التسلية الأساسي بهذه المواقف.
الطبيب المجنون الذي ينوي على امر يبدو خطيرًا, من ذلك الذي كان يتسمع لحديثه مع رئيس الحرس وما علاقته به؟ حسنًا لقد اضحكتني تصرفاته وقد شعرت انه هو المجنون وليس الطبيب :em_1f606:
لم استطع تخمين ما يخطط له الطبيب لكن عقلي ربط حدثه مع توقعي عن النبيل, أعني ربما يكون هو الشخص الذي ورط النبيل بتلك المشكلة المجهولة, ربما كل هذه توقعات فقط.
الميكانيكي, لقد فاجئني فعلًا أعني انه اقصر مني :em_1f606: وانا من كنت اعتقد اني قصيرة ظهر من هو اسوء :e057: لقد ارتحت, لكني ارغب بمعرفة عمره
المهم انه يبدو شخصًا ذكيًا او ربما عبقريًا, لكنه يتغابى كثيرًا وهذا اعجبني, انه يعلم متى يجب التخلي عن طولة اللسان التي يمتلكها :em_1f606:
الأم وابنتها كان موقفهما لطيفًا, بالمناسبة ما سن التخرج لديهم؟ هل هم مثلنا ام الامر مختلف, اعني نظام دراستهم..
اعجبني تقبل الام لامر ابتعاد ابنتها عنها ففي العادة ترفض الأمهات ابعاد أبنائهم الصغار عنهم خاصة الفتيات

لقد سعدت بقراءة الفصل كثيرًا خاصة مع اسلوبك الجذاب هذا :e106:
بانتظار الفصل القادم بشوق

Lola.me
16-04-2016, 00:53
السلام عليكم
ما الذي أراه ؟ ما هذه الرواية المبدعة ؟
لقد حبست بين طياتها بالفعل من أول فقرة
أي عالم ذاك ؟ وأي نظم يحتويه ؟
ما الذي يحدث بحق السمااااء ؟
" لن ترى النواه عبر القشرة "
هذا صحيح مازلنا لا نرى إلى قشرة هذا العالم الذي صنعته ولكنني أكاد أحترق شوقا للوصول لنواته
مازلت لا استطيع تحديد الحقبة الزمنية التي تدور بها الأحداث .. أهي في الحاضر أم الماضي ؟
لابد أنني سأكتشف ذلك قريبا
مراس !!
ترى ماذا تكون ؟ ربما تكون مدينة من نوع ما ولكن لا يصلها الكثيرون !
لا أستطيع الإنتظار لأرى تقدم روايتك
بانتظار القادم

ice_blue_eyes
16-04-2016, 23:14
عدت ،،

ما شاء الله تجربتك الاولى جيدة جداً ولا أرى سوى التطور منذ الآن وصاعداً ،،
أرجو أن نكون عند حسن ظنك ونقدم لكِ كل الفائدة الممكنة :e106:

لاحظت ان هنالك تنوع كبير وجميل في المصطلحات ! أمر جميل جداً ،،
ولكن واجهت مشكلة في فهم الأحداث صدقاً !
ليس الأمر ببساطة أن هذا اول بارت ، أحسست أنه لم يوجد هنالك
شرح إطلاقاً ! ، أو حتى إظهار نتفات من العالم بشكل متقن ،
ما أقصده أنكِ ركزتي على إظهار شخصيات كثيرة ، لدرجة أنني فقدت الإهتمام
بكل شخصية على حدة ، بالإضافه إلى أنني لم أفهم ما يريدون !
فتاتان مسافرتان ، طبيب مجنون ، فتى ميكانيكي ، نبيل وفتاة علاقتهما حساسه ، فتاة تخرجت ،، أتعلمين أن رد نوراين هو الذي ذكرني بهم فعلاً ؟ حالما إنتهيت من قراءة
البارت كنت قد نسيتهم صدقاً :em_1f627:
الآن بكل بساطة قد تكون المشكلة مني ، ولكن إن حدث و واجه أحد آخر هذه
المشكلة فربما أقترح عليكِ أن تقللي من الشخصيات التي تظهر بشكل متتابع هكذا
أو ان تعطيهم أسماءاً تقرب أوصافهم وأحداثهم من عقولنا ،
ربما تركزين أكثر على وصف المكان الذي هم فيه ؟ ، ذلك أنه عالم خيالي ، لن تستطيع
الشخصيات وحدها شرحه مهما حاولتي :em_1f605:

أفهم أنه سيكون هنالك تقاطع كبير للشخصيات معاً ، ولكن لا تستعجلي ولا تعتبري
أن إظهار جميع الشخصيات في البارت الواحد هو أمر أساسي ، بل أقترح عليك أن تركزي
في البارت القادم على شخصية واحده ، إشرحي لنا بقدر الإمكان عنها وعن حياتها وعن العالم الذي تراه من منظورها ، هذا سيساعدنا أكثر على فهم فيزيائية عالمك ! مجرد إقتراح ،،

إقتراح آخر ، سيسهل القراءة كثيراً أن تضعي مساحة ( ENTER ) بين جملة وأخرى ، أو أن تستخدمي ألواناً مختلفة للشخصيات ، سيسهل ذلك أكثر عملية تتبع الحوارات الشفهية والداخلية وأي الشخصيات تتحدث بما أن شخصياتك غامضة للآن :em_1f605:

لا أدري ما هي أفكاري للبارتات القادمة أو ما هو المراس ،، المعطيات التي
أعطيتها لنا شبه معدومة ،، أو على الأقل بالنسبة لي ! إعذريني على ذلك ،

أنتظر البارت القادم :e418:

Sohailah
27-04-2016, 20:33
الفصل 1 : الجزء 2
.:| البداية |:.
" الاعتياد يفسر الكثير "



اتكأتُ على سور الشرفة أراقب الرؤوس المدببة للأشجار المترامية في هذه المدينة الصغيرة.. مهما امتد نظري أراها تقبع في كل مكان، تعلو كل المنازل والأبنية، خضراء داكنة، تمامًا كما أحب.
تركت لعيني حرية التصرف فانطَبَقَتْ تستشعر النسيم في المكان، وأخذتْ تداعب وجنتي خصلة مبللة انسلتْ عنوة من الجديلة، كأنها تطلب حريتها هي الأخرى!
سمعتُ صوت باب يفتح، فيغلق.. ثم عمَّ بعض الهدوء وأنا منصتة لصوت الخطوات تقترب، ويزداد وقعها على أرضية الغرفة الخشبية. أحب دائما خطواتها.. واضحة لا تشوبها شائبة، ولا تحتكُّ مرة!
- صدقيني، إن سقطتِ من الشرفة يومًا أو اختطفتِ فلن أعرف! هدوؤك جامد!

أخذت أضحك في قرارة نفسي، وأتخيل تقطيبها الناقد.. نشاط صباحها عجيب! هب نسيم جديد لطيف البرودة..
- يالهذا التهكم الساخر! هل تظنين بأن أحدهم سيختطفني فعلاً؟
- لا، أيقنت ذلك بالأمس.

ضحكتُ، وشعرتُ بابتسامتها النادرة خلفي. فتحت عيني أمتعها بنظرة أخيرة على المكان قبل إغلاق الشرفة:
- من الجميل أن شرفتنا لا تطل على تلك المصفحة المعدنية.. إنها بشعة بشكل لا يصدق!
- بالتأكيد! ما كان العامل المسكين ليفعل غير ذلك..! كنتِ تقريبًا ستطبقين أشد فنون القتال التي تعرفين عليه، كان سينال شرف الشخص الأول الذي يدخل المشفى على يدك.. تلك كارثة كان عليه ألا يقع فيها.
آه بالمناسبة، لقد أعطاني خريطة لمراس. ومعها كتيب تعليمات عظيم لا يشبه الكتيب!

أغلقتُ الشرفة، واستدرتُ إليها.. يبدو أنها قد أخذت حمامها هي الأخرى.. تغطي شعرها القصير الكثيف بمنشفة بيضاء لفتها بشكل يشبه رأس المثلجات، أو كما أضع دائمًا الكريمة على سطح الكعك.. مخروطية شديدة الفوضى. أتساءل كيف تمسكُ بكل شعرةٍ في رأسها تحت منشفة واحدة؟ شعري الأسود أطول بثلاث مرات من شعرها الفاتح الرملي! لكن شعرها لا يتمرد كما يفعل شعري..

- أتسمعين يا آنسة..؟ لا تخبريني بأنك تتخيلين أن قميصي الواسع يشبه ستارة نافذة الغرفة.. أرجوكِ بعض التركيز حتى أنتهي، اتفقنا؟

كانت تنظر في عيني بقوة، أنا لا أستطيع التفكير في شيء حين تفعل ذلك! تثبت سواد عينيها بسوادي، فكأنها تكوِّن مجالاً مغناطيسيًا يولد ثقبًا أسودَ لكل فكرة في دماغي. قلت أحافظ على أفكاري من الضياع:
- ليس القميص، إنها المنشفة.

تحسست رأسها، ثم قلّبت عينيها في صبر وهي تحرر شعرها:
- يا إلهي..

لاحظتُ الرمز على مؤخرة عنقها..
- يبدو بأن شعركِ لا يغطي الختم..

فاكتسى وجهها بحمرة خفيفة، وعلقت المنشفة على رقبتها تغطي بها الختم، تقابلت أعيننا مجددًا فحوَّلَتْها مطرقة بصمت..
- لا بأس لجين، ليس أمرًا عليك إخفاؤه على كل حال..
- لم أعتد على الأمر بعد.

ابتسمتُ ابتسامة واسعة، متى أرى لجين في حياتي محرجة؟
- لكني اعتدت الأمر بالفعل.
- لديك شعر طويل داكن آلاء..
- صحيح، لكنه ليس السبب. هل رأيتِ الأشخاص في كل المدينة؟ هناك أشخاص يحملون أختامًا أخرى!
- نعم، ليست الأختام شكلاً واحدًا.
تذكرت..

وعادت الحماسة في عينيها فجأة..
- قرأتُ ذلك في كتيب التعليمات بالأمس، كانت المعلومات عن الأختام طويلة بشكل هائل!

إنه تأثير الكتب الباهر على لجين..
- أريني إذًا، قبل أن نخرج لإتمام أمر الكتيبة.

غمزتُها، فابتسمتْ بحماسة، وضممتُ يدي إلي بحماسة أكبر، فغطتْ فمها تمنع نفسها من الضحك..
هكذا لجين.. بها عفوية تجعل كل اللحظات جميلة..




.: بعد ساعات :.



إنها تلك المصفحة المعدنية التي أمقت. لماذا على الصناعة أن تنفر عن الطبيعة؟ لم هما خطان متوازيان لا يتقابلان؟ لم – في أفضل الأحوال – يثمران معًا، على خطوطهم المتوازية نفسها؟
هذا يذكرني بالمحطات المعدنية المعزولة التي توقفنا فيها خلال رحلة القطار إلى هنا.. أخبرتني أمي سابقًا أن أماكن النظام تعج بصناعات حديثة، وكثير من المدن ليست كذلك. أستطيع رؤية هذا، لكن أبراج النظام في كل المدن، وبينها كلها، ومدينة كبيرة كـ "الكبرى" في المنطقة الأولى تحوي خمسة أبراج نظام! كما يقول الكتيب هائل المعلومات.
عزائي أن الأبراج ليست في بشاعة هذه الكتلة المعدنية التي نتجول فيها، تحوي بعض الزجاج والإضاءات الطبيعية، وبعيدة – وهذا المهم – عن الأرض.

أشار الرجل العامل متوشح البياض إلى باب غرفة زجاجي لندخل..
- مكتب رئيسة كتائب مراس، تفضلوا.

وصلنا أخيرًا!

دخلتُ ولجين إلى الداخل، نافذة ضخمة - تطل على جزء الاستقبال السفلي من المبنى - مثيرة للانتباه كانت أول من استقبلنا، غرفة مكتب أنيقة قليلة الأثاث، مكتب زجاجي أسود، كرسي ضخم أسود، أوراق وملفات ملونة دقيقة التنظيم، شتلة شجر صغيرة على الزاوية، وامرأة في العقد الرابع – كما يبدو – واقفة على قدميها تنظر إلينا بفضول.. كأنها لم ترَ بشرًا منذ فترة طويلة.. أشارت بحرارة إلى المقاعد الجلدية الفاخرة باهتة اللون، وهي تعدل ربما للمرة الرابعة نظارتها مذ دخلنا الغرفة.
- تفضلن يا آنساتُ بالجلوس.. تفضلن..

كانت تفحص بعض الأوراق..
- مساء الخير يا سيدة.. حُلم. رئيسة قسم الكتائب – كما نعرف..؟

توقفتْ عن النظر إلى الورق، وأمعنتْ النظر في لجين حين سألتها ثم نظرتْ إلي وعادتْ إلى لجين مجددًا:
- آه مساء النور يا آنسة.. نعم بالفعل إني كذلك، إذًا أنتِ..
نظرتْ مجددًا إلى الورق:
- آلاء؟
- لجين.
- أوه عفوًا، كان هذا خطأً مني.
- لا على الإطلاق.

ابتسمَتْ بتكلف تجاه لجين التي قابلتْ ابتسامتها بلطف.. ثم عدلتْ من وضع نظارتها وهي تقول:
- إذًا، تردن كتيبة..؟ أرى بعض المعلومات هنا وهناك، دائمًا أعتب على مرؤوسي في الاستقبال.. إنه أبدًا لا يرتب المعلومات بشكل لائق! لكن لا بأس، الأمور تبدو واضحة.

عادت إلينا بابتسامة واسعة، وعدلت من وضع نظارتها.. لم تكن تنتظر جوابًا، لذلك أكملتْ وهي تتتابع على الورق:
- كان القدوم على قطار الأحد.. بما أنكما هنا، فكلتاكما من خارج مراس..؟ أوه سيكون هذا عسيرًا عليكما بعض الشيء..

نظرت إلينا بعطف وتعاضد شديدين.. وعدلت نظارتها، ثم عادت تكمل من الأوراق سريعًا:
- ختمتما الأختام.. لقاء التعريف يوم الخميس، لذلك لم تحضرا لقاءًا تعريفيًا بعد، إذَا أنتما تملكان بعض المعرفة السابقة عن مراس، بما أنكما – كما يبدو – لم تكونا هنا مرة من قبل..

أخذت تقلب الأوراق في عجلة تتأكد من بعض المعلومات..
- هل لديكن أحد هنا؟
- لا يوجد أحد من أفراد عائلتي هنا، لكنها كذلك..

أشارتْ لجين إلى أنفي مباشرة. فأجْفَلْت، وتحرك فمي بابتسامة ركيكة:
- أمي تعمل هنا.

انفرجت أساريرها:
- حقًا؟ هذا جميل..
- شكرًا لكِ..
وشتمتُ لجين في نفسي.

عدلت السيدة نظارتها، وأكملتْ تصفح الأوراق وهي تهمهم وتتمتم بكلمات غير مفهومة بين الحين والآخر، ثم عدلت نظارتها.. ونقرت على زر أحمر على الطاولة، صغير لم أره إلا عندما كانت قد نقرته بالفعل.. فكانت ثلاثُ ثوانٍ حتى قدم شخص غير الأول يتوشح ذات الزي الأبيض.
طلبت منه على عجالة أن يسجل.. وعدلت نظارتها وقد تحولت ملامح وجهها كأنها شخص آخر لا يعرف المزاح. صارتْ جدية – للغاية! أصابنا هذا التحول المفاجئ بالارتباك.. بينما لم يبدُ على العامل أي بادرة تركيز وهو يمسك قلمًا وبعض الأوراق في يده، بدى أمرًا روتينيًا بالنسبة له..

- عدد الأشخاص؟
ألقت لجين علي نظرة تسألني بها، فبادلتها نظرتها تلك..

- مفتوح.
- نوع الأفراد؟
- غير محدد.
- والمهمات؟
- غير محددة كذلك.
- نقاط كتيبة؟ أم نقاط فردية؟
- أظن بأن هناك خيارًا بين الاثنين؟
- هو كذلك.. يمكنكِ اختيار: النقاط حسب المهمة.
- نعم، أريد هذه.
- القيادة؟

حلت لحظة صمت، وأنا مبهورة بمعلومات لجين، ككل مرة!

- آلاء.
مهلاً..

- سجِّلْ آلاء كقائد للكتيبة.. أنتِ تعلمين مسؤولياتك بالتأكيد..
عدلت نظارتها، واخترقتني بنظرة عميقة.
- نعم بالطبع هي تعلم.

تحول نظرها للجين مجددًا.. فوزعتْ ابتسامتها بيننا:
- جميل..

سأبرحك ضربًا حتمًا لجين!




.:|||:.



قرأتُ مرة في كتاب الكتائب من سلسلة كتب مراس الرسمية المتخصصة الصادرة عن المجلس الكبير أن فكرة الكتائب في مراس ليست جديدة حقًا، لقد بدأت خلال العشرين عامًا الأخيرة على يد مجموعة من الأشخاص قد كانوا في فترة مراسهم.. فلما كان وقت التخرج طرحوا فكرة الكتائب في عرض الخبرة ..

لاقت فكرتهم تلك استحسانًا من قبل المجلس الكبير، وقد أكملوا لاحقًا نقاشاتهم مع المجلس وكانت فترة تحول في تاريخ مراس.

فابتُدِعَتْ نقاط الكتائب الاجتماعية، والتصاريح الجماعية في التنقل بين المناطق.. وظهرت كثير من الظواهر الجديدة، من بينها: ممولي الكتائب.
حيث يدخل مراس بالطبع أشخاص ميسوري الحال، وليس شرطًا على الكتائب أن يكونوا في منزل – أو مقر – واحد.. ولكن، عدم اتخاذ مقر للكتيبة الواحدة فيه تشتيت لهم عظيم. فكيف تتصرف الكتيبة في هذه الحالة؟

بدأت سيدة – تنتمي لتلك المجموعة الذين قد سموا كتيبتهم بالكتيبة الأولى - نبيلة يقال أنها ذات شخصية قوية لها أنفة وعزة بعد فترة قصيرة بنشر فكرة تمويل الكتائب..
وهي باختصار: أن ترفع الكتيبة بعد أن تتأسس حاجتها لممول للمقر والمصروفات الرئيسية، يرفعونه في النظام كأنهم يرفعون مهمة. فتصنف المهمة كطلب وتبعث إلى الممولين.
وعندما يقبل أحدُ الممولين طلبهم، يتواصلون معه ويحصلون على التمويل اللازم لكتيبتهم بالاتفاق معه.

تساءلتُ مرة عن الفائدة التي يحصل عليها الممول من فعل ذلك.. وعلمت لاحقًا أنها ترفع من المكانة الاجتماعية داخل مراس، وخارجها. فيحصل على امتيازات ببطاقته كممول كتائب في نظام مراس، وكل الدوائر الحكومية خارجها.
حسنًا، إن كنت تملك مالاً.. فالأمر ليس سيئًا.

أخرجني رجل الضيافة من مراجعتي السريعة حول موضوع الكتائب.
- مشروب؟
- ألديكم عصير طازج؟
- برتقال، أناناس، مانجو.
- برتقال إذًا.

فصب العصير في كأس شفاف ثقيل، يشبه في ملمسه الزجاج لكنه ليس كذلك. من الغباء أن يقدموا في كؤوس زجاجية في قطار سريع.

ثم سأل آلاء التي تربض في المقعد المقابل لي، فطلبتْ قهوة داكنة. مهما تكرر الأمر، هذا يزعجني! ستردي هذه الفتاة بنفسها في مشاكل لا أول لها ولا آخر. حدَّثتها بعد أن تقدم عنا المضيف:
- مجددًا..؟ ألا تخافين على نفسك؟
- لا.
بتلك الابتسامة الواسعة التي تعني: لا نقاش.

- لا؟!
- لجين، لقد أخبرتني من قبل أنها مضرة وأنها تؤذي صحتي.. ألم تفعلي؟ هذا يعني أني أعلم بالفعل، وقد أجبتكِ غير مرة أني أوافقكِ في أمر ضررها، ولا تحتاجين إعادة نفس الأمر في كل مرة.
- لمَ لا تتوقفين عن شربها إذًا؟!
- هذا أمر يخصني، ويخص جسدي الذي يشتهيها.
ثم ابتسمتْ مجددًا، وارتشفت رشفة منها.

لا أعلم كيف اعتدت على هذا الأسلوب الجاف.. لديها الكثير من الأمور التي تعلم أنها خاطئة، لكنها تفعلها لأنها تريد أن تفعلها وهي مدركة للخطأ. ثم تخبرني لاحقًا بأنها تريد أن تتوقف عن هذه العادة السيئة في إحدى نزعاتها الحالمة غير المفهومة، لكنها تعود مجددًا وهي تشعر بالذنب لأنها لم تستطع أن تفعل ما تريد!

وإن جلستُ معها في مرة تكون فيها في مزاج جيد، فلديها دائمًا التفسير والسبب لما تفعل، وإن كان الأمر بديهيًا لا يحتمل التفسير!

هذا الأسلوب ظاهريًا شديد الاستفزاز، وإن لم تكن لوالدتي ووالداها علاقة قوية ببعضهم ما كنت لأقترب منها في حياتي بسببه. لكن الغريب في الأمر، ومع طول العشرة معها أدركُ جيدًا أنها لا تقصدني بالحديث. إنها تتحدثُ معي بالتأكيد، لكنها لا تتحدث عني.. كيف أشرح الأمر؟

رحتُ أنظر إليها وهي هائمة – كالعادة – في النافذة تراقب مرور الأشياء من حولنا، ومتأكدة أنها تراقب أمورًا أخرى لا يراها أحد.. لقد كبُرتْ بجمال، وبرزت أنوثتها بشكل ملفتٍ للأنظار.. شكلاً فقط!

لقد كبرتْ بشخصية غريبة لا تنتمي لأي أحد. دائمة الهيام في اللاشيء، حالمة تحب الهدوء. وكصفة أساسية فيها: تعطيكَ أنصاف الكلام! ولم أكتشف هذه الصفة حتى استمعت إليها تشرح فيمَ تفكر.. خيالها خصب للدرجة التي تتعب دماغي حين تتحدث إليه. والعجيب أن خيالها منطقي يستند إلى قوانين منطقية! يعني أنها أمور يمكن أن تكون بطريقة ما، لكنها مستحيلة.. وهذه من الأمور التي لا أفهمها في الحقيقة. تفكر بكل شيء كشيء ثانٍ، وترى الأشياء أشياءَ أخرى! وإن حاولتُ تذكيرها بشيء ما فهي تتذكره كما تخيلتْه وقتها، لا كما كان في الحقيقة! كيف أُذَكِّرُهَا إذًا؟!

وهناك أمر ملاحظ، إن قابَلَتْ آلاء شخصًا ما لا تعرفه، تُلجَمُ فجأة ولا تتحدث. أخبرتني مرةً أن الأشياء لا تتصرف تصرفات مفاجئة.. وهذا يجعلها أكثر ارتياحًا معها بدل الناس.

وبالحديث عن الأمر، فقد أخبرتني مرةً بإحدى تشبيهاتها التي أعدها عظيمة تشرح فيه نفسها، أخبرتني أن أتخيلها كالحبل السميك.. – ولا أعلم كيف لي أن أفعل ذلك؟! – فإن وُضعتْ في أي مكان فيمكنها ببساطة أن تلتوي وتتأقلمَ مع الأشياء دون أن يتغير شكلها أو يتغير لونها. لكن الأنفس ليست أشياء، وعلى العلاقة الصحيحة مع أي شخص أن تكون قائمة على نوع من المشاركة. فإن قابَلَتْ شخصًا ما، فإنها تعطيه طرف الحبل، وتبقي الطرف الآخر بيدها، وتترك في منتصف الحبل عقد كبيرة كامتحان لذلك الشخص باستحقاقه الحبل مسدلاً..

فيبقى بينهم الحبل مشدودًا – وهذه نفسها! – إن ازداد الشد في الطرف ازدادت شدة العقد، وكان حلها أصعب.. وإن ملَّ صاحب الطرف الآخر سيترك الحبل والعقدة، وتستعيدها كما هي.. وفي أسوءِ الأحوال يُقطع الحبل.. فإن حدث، فقد اقتطع الطرف الثاني جزءًا منها واحتفظت هي بالأصل، وهل يمكن إعادة الحبل المقطوع لنفس الحالة التي كان عليها؟ لا! لذلك هي تتخلى عن هذا الجزء من نفسها.

أتذكر أني سألتها: ما الحل إذًا للوصول إليك؟
فأجابت بأن عليه أن يعرف كيف يحل العُقد! شدٌّ، فإرخاء.. حتى تفكُّ واحدة واحدة. وبهذا قد وصل.

وكأنها قد أتتني بالحل!

تنهدتُ حينها بلا حيلة، ونظرت إلى النافذة على يميني.. فلمحتُ بوابةً ضخمة تقطع طريق القطار بعد منعطف واسع.
لقد مرت ساعة واثنتا عشرة دقيقة مذ تحرك القطار. سندخل البوابة بعد ثمان دقائق كما هو الموعد في خطة الرحلة. لم أحب هذا القطار أيضًا، لكنه أفضل من ذاك الذي ركبناه قادمين، مع أن الأول أكثر رفاهية وأضخم من هذا.. لكن – ثلاثة أيام!

أصابني وخز في بطني وأنا أتذكر تلك الأيام الطويلة! كل الأشخاص من خارج مراس يأتون على ذاك القطار، لذلك لا يوجد فيه – حرفيًا – أي مقعد فارغ!

وقرأت في كتيب التعليمات الذي أعطانا إياه صاحب المنزل الذي قد قطنا فيه عندما وصلنا عن السبب الذي دعاهم لصناعة ذاك القطار بنوافذ مغلقة بإحكام، لا تُدخل بصيصًا من نور الشمس..
إنها الأختام!

وبذكر الأمر، كنتُ أريد الحصول على كتاب الأختام الرسمي من نفس السلسلة بشتى الطرق. وما استطعت لذلك سبيلاً! لجين التي تستطيع الحصول على أي كتاب لم تستطع الوصول إليه. طبعًا، فالكتاب محظور!

هناك إشاعات تقول بأنه يدرَّس لفئاتٍ معينة من المجتمع في مراس.. لكني سألتُ والدتي – وهي تعرف تلك النبيلة المتمردة على مدينة النبلاء – فأشغلتني بأجوبة مراوغة لا تمت للسؤال بصلة. وعندما بحثت عن سبب الحظر وجدتُ أنها معلومات نظامية محظورة على العامة. لكنهم أيضًا يراوغون، فخبراء الأختام ليس لهم علاقة بالنظام! حتى أنَّ مواقع مراقبة الأختام منفصلة عن مواقع النظام، وأعلى مستوىً منها.

أظلم المكان فجأة، يبدو أننا قد دخلنا بوابة مراس العظيمة. كنا طوال الأسبوع الماضي في منطقة الاستقبال الخارجي من مراس، ونحن أخيرًا سندخل.. متوجهون إلى تلك السيدة النبيلة، صديقة والدَينا المتمردة باسم المجتمع، إحدى عضوات الكتيبة الأولى في مراس.. حتى تمول لنا الكتيبة.




.:|||:.

Sohailah
27-04-2016, 21:07
YASAN

العفو..
وأهلاً وسهلاً بك.
سأنتظر رأيك عن الأجزاء..



نوراين

مرحبًا بكِ،
بعض توقعاتكِ مقاربة بشكل ملحوظ للمعاني في الرواية، ولا أريد أن أخرب متعة قراءتكِ بإخباركِ أيها هو الأقرب..
آنستني لفتاتكِ لكل الجوانب..
وبالنسبة لعمر الميكانيكي، وسنُّ التخرج، فستكشف الفصول عن هذا الأمر.

أسعدني حقًا أن الأسلوب قد ناسبك، أتطلع لردودكِ التالية.



Lola.me

وعليكم السلام،
سعيدة بأنها قد أعجبتكِ..
أستطيع أن أؤكد لكِ أن الحقبة الزمنية بالتأكيد ليست في الماضي.
ستكشف الفصول عن معلومات كهذه..

وأنا بانتظار المزيد من ردودك أيضًا.



ice_blue_eyes

مرحبًا بعودتكِ مجددًا..
لتعلمي أولاً أنني سعيدة للغاية بملاحظاتك، وكوني واثقة أني أنتظر المزيد منها.
شكرًا على ثنائك..

بالنسبة لتعدد الشخصيات في الجزء.. عَنَيتُ ذلك، في الجزء الأول فقط.
وقصدتُ ألا يكون التركيز إلا على الشخصيات،
قد لا يكون الأمر واضحًا الآن.. لكنَّ للأمر حكمة لا أريد أن أصرِّح بها الآن..
أطمئِنك، باقي الأجزاء ستكون بأسلوبٍ مختلف عن الجزء الأول.

أعجبني كيف أن حلولكِ قريبة جدًا من الطريقة التي أريدها في رأسي..
سأتذكر هذه الملاحظات للأيام القادمة بالتأكيد..

وسآخذ منكِ نصيحتك في الفواصل بين الكلام.. بالفعل، كان الكلام متداخلاً وأعتذر عن ذلك..
لا بأس بعدم تخمينكِ لمعنى مراس.. سأنتظر تعليقاتك وتنبيهاتك على الأجزاء القادمة بشوق.

نوراين
28-04-2016, 21:05
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالك عزيزتي؟ أتمنى ان تكوني بكامل الصحة والعافية

تعمقك بشخصيتي الاء ولجين كان جميلًا فعلًا, لقد افلحتي بوضعه في اطار مميز
فالاختلاف الكبير بينهما جعلت صداقتهما مثيرة للاهتمام, واسلوبك بعرض ذلك الاختلاف جعلنا نتفهم تفكير كلا الشخصيتين
وبرغم اختلافاتهما جعلتيني انجذب لكليهما وهذا رائع :e106:كما انك وصفتي كل واحدة منهما عن طريق الأخرى وهذا كان جذابًا في الواقع

هناك سؤال راودني اثناء القراءة, هل يتقرر كون الشخص قائدًا للكتيبة او عضوًا فيها حسب المكانة الاجتماعية؟ او ربما يتقرر هذا حسب علاماتهم؟
أعني بما ان الفتاتين جديدتان في مراس فقد اعتقدت انهما ستدخلان احدى الكتائب كجديدتين وليس ان تفتحا كتيبة بنفسهما
كون المتخرجين يذهبون لمراس يعني انهم سينضمون الى كتائب مختلفة, ولا اعتقد ان جميع المتخرجين سيدخلون كقادة بالطبع
لجين والاء خمنت انهما متخرجتان حديثًا بما انهما جديدتان في مراس, الا ان كان هناك شيء يفعلونه بعد التخرج غير الذهاب لمراس
اذًا اول ما يفعلونه عند دخول مراس هو الانقصام لكتائب والبحث عن ممول, اذا كان قائد المجموعة من مكانة عالية فسيسهل عليه إيجاد ممول
حسب أسئلة حلم فقائد كتيبة لديه صلاحيات كبيرة فهو يستطيع تحديد العديد من القرارات بنفسه
اعتققد ان عدد النقاط هو ما يحدد نسبة نجاحهم في مراس, اظن ان البعض بعد ان يحصلوا على عدد نقاط معين يستطيعون اختيار العمل الذي يريدونه حسب عدد النقاط ويتركون مراس والبعض يستمرون بالعمل في مراس, هذا تخميني للأمر,
هنا يأتي سؤال لابد منه, ما هو نوع المهمات التي تعطى في مراس؟ متحمسة لاجابة هذا السؤال
بالنسبة للاختام فأمرها غريب لكن اعتقد ان فيها نوعًا من أجهزة التعقب
مراس تبدو كمحمية صناعية ربما المهمات تتعلق بالميكانيكǿ وهل المهمات الموكلة اليهم تتم فقط في مراس ام خارجهǿ

على اية حال لنعد للفتاتين..
شخصية الاء تذكرني بنفسي نوعًا ما خاصة هذه الجملة

لديها الكثير من الأمور التي تعلم أنها خاطئة، لكنها تفعلها لأنها تريد أن تفعلها وهي مدركة للخطأ. ثم تخبرني لاحقًا بأنها تريد أن تتوقف عن هذه العادة السيئة في إحدى نزعاتها الحالمة غير المفهومة، لكنها تعود مجددًا وهي تشعر بالذنب لأنها لم تستطع أن تفعل ما تريد!

هذه مشكلة عويصة بالفعل, ان تفعل خطئًا تدرك بالكامل انه خطأ ومع ذلك لا تستطيع تركه, قد يخل الشخص في نزاعات مع نفسع لفترة لكنه سيمل من هذه النزاعات سريعًا ويعود لفعل ما يريد
لجين لا تتردد بوضع شرح مسهب عن شخصية صديقتها وغرابتها بعكس الاء التي بالكاد تذكر بضعة أشياء
كأن كل شيء يدل على مدى اختلافهما عن بعض حتى بطول الشعر

الرواية مثيرة جدًا انتظر الفصل القادم بفارغ الصبر :e106:

Lola.me
21-05-2016, 00:10
السلام عليكم
أولا أعتذر عن تأخري الشديد بالرد على الجزء الجديد
فقد انشغلت بالدراسة طوال الاسابيع الماضية
لقد وضحت معالم القصة شيئا فشيء وبدأنا نتعمق في شخصيتين رئيسيتين
آلاء ===> تذكرني بنفسي بكل ما تعنيه الكلمة ابتداء ً من الاسم حتى الصفات وكيفية الاقتراب منها
لجين ====> أحببتها فهي رغم ما قد ظهر في البداية كونها جدية وحازمة إلا أنها متفهمة و عفوية بعض الشيء
أحببت كيف أن شخصين متناقديا كتلك الفتاتان هم أصدقاء طفولة مقربون كما أظن
كل ما يشغل تفكيري الآن هو موضوع الختم ,., فلم أفهم ما يعنيه كليا .. هل يضعه العاملون بمراس وأقربائهم مثلا ؟ أم أن من يضعه عدو لمراس ؟ أم أن له معنى آخر ؟