şᴏƲĻ ɷ
13-10-2015, 18:50
https://pbs.twimg.com/media/CROAGeJWUAA14sE.jpg
" دَانـــــــيـــــلّاااااااروسااااااااااااااا "
هكذا جاء الصوت الصغير حاداً ، واصطدم بطبلة أذنها حتى ظنت بأنه قد أحدث شروخاً عميقةً بذبذباته الحادّة وصوته الّذي يشبه شريط مسجّل متسارع الإيقاع كالذّي اعتادت العبث بشريطه حين كانت طفلة! ،
[ مهلاً .. ]
- مـ مهلاً ..
انبثقت الكلمة من داخلها ، هتفت بها ثم أتبعتها بأخرى : مهلاً ، مـ مهلاً لا .. أصدّق
تبع صوت دانيّلا ذاك صوت ارتطام أتبعه سقوط الغطاء الأبيض المزركش على الأرض الرخاميّة للحجرة الباردة ، كانت تلك الشقلبة البهلوانيّة التي حملها الصوت النشّاز عليها قد أتت بنتائج وخيمة فقد ارتطم رأسها بالطاولة الجانبية للسرير ثم كان لثقل جسدها أن يهوي على الأرض بسرعة عجزت معها عن النهوض بسرعة ، انتفضت كقطة سكب عليها أحدهم الماء ..
- كـ ..
حدّقت بالجسد الأبيض والزغّب المنتفش الذي يملأ صاحبه
- قـ...
كانت تقف فوق السرير و ...
- قطّة !
كانت قطة تتحدّث !!
فتحت دانيّلا عينيها على اتساعهما ، لم تكَد تصدّق ما ترى .. أغمضت عينيها بشدّة ثم فتحتهما من جديد فكرتهما حتى تساقطت دموعها التّي اصطدمت بالضوء الساطع من النافذة المشمسة خلف السرير الكبير مسحتهما سريعاً وقبل أن تستوعب الأمر قفزت كتلة الزغب الكثيفة نحوها فصرخت دانيلّا رغم تعلقّ الجسد
الصغير بقدميها المختبئتان تحت الغطاء السميك ، تعلّقت اليدان المصطبغتان بلون بنيّ فاتح بقميصها الرمادي . ولم تمتلأ عينا دانيلا في تلك اللحظة إلا بهما .. بالبؤبؤين الرماديّين الواسعين اللامعين وبالنظرة البريئة ، بشعيرات الشوارب الثلاث اليتيمة على جانبي ذلك الوجه الصغير تحت أذنين تحرّكتا مع صوت صاحبتهما:
- دانيّلاروسااااا .. دانيّلاااا .. دانيّلااا .. دا..
وثبت دانيّلا ، أحاطت بكفيّها الأضلاع المختبئة تحت الجسد الذي شكّت بأنه حقيقيّ غير أن نبضات القلب الصغير بداخله قد أنبأها بالعكس تماماً ، وتلك الأنفاس ترتفع وتهبط من تحت القفص الصدري الصغير ، وقفت على قدميها ، أفزعها الصوت المستمر الذي عاد يكرر اسمها كساعة منبّه مزعجة !!
- دانيلا دانيلا دانيلا دانيلا
هزّت الجسد للأعلى والأسفل مرات متتابعة كما لو كانت تتأكّد من صلاحية لعبة إلكترونيّة أو دمية محشوّة تتحدثّ ، بدأ صوت القطة يهتز وهي تنطق اسمها مرات متتابعه ، حاولت الأخيرةُ التملّص منها وحين لم تستطع أخذت تموء مواءاً جاء مهتزاً غريباً ، بدت العيون اللطيفة بلون الغيوم المثقلة بالمطر زائغة
وصاحبتهما المسكينة تحاول باستتماتة بالغة أن تلفت من قبض الفتاة التي عقدت حاجبيها وأخذت تهتف متسائلةً :
- ما هذا ؟! من أرسل هذه اللعبة ؟! كـ ..
سئمت القطة من هذا الهراء ، وكان لدانيلا أن تشعر بباطن الكفّ الناعمة وهو يترك بصمته على وجهها حين اختارت القطة القفز نحو وجهها ، بينما اندفعت الأخيرة نحو الطاولة الجانبية إلى يمينهما وقفزت فوق الأوراق والدفاتر المتراكمة عليها غير آبهة بإسقاط ما أفقدها شيْئا من توازنها صرخت دانيلا وهي تتحسس وجهها وتلتفت ناحية القطة الشيرازية الصغيرة :
- آآهـ ! ماهذا !؟ مالّذي تفعلينه [ تشَبي ] ؟!
لم تعبأ القطة بسؤالها ، أو أنها تظاهرت بذلك وهي تقفز نحو السرير ، ثم التفتت ناحية الفتاة وصرخت بها حتى بانت الأنياب الصغيرة تحت الفم الغاضب :
- لست تشبيي ، أنا لست تشبي!!
توجهت دانيّلا نحو المتحدّثة ، حدقت بها .. الجسد الممتلئ لقطة لا تتجاوز بضعة شهور ، إنها [ تشَبي ] إنها قطّتها [ تشَبي ] حتماً !! هذا اللون الذي يذكّرها بالكراميل الممتزج بالأبيض الذي يشبه جدران حجرة نومها الفوضويّة ، انحنت نحو القطة ، قربّت وجهها إليها وقالت :
- همممم لا بل أنت تشبي .. أنا أعرفك جيداً !!
- أنت اخترت هذا الاسم الغبي ، لم أقل أنني أحببته أبداً .. أو
وأخذت تلعق يدها ثم رددت بدلال :
- أو أنني تعبت وأنا أحدثك بشأنه لكنك كتلة جامدة من الأحاسيس الصمّاء لذلك لم تستوعبي نداءاتي المستمرّة إليك وصرخاتي الدائمة نحوك حين كنت أنهاك عن مناداتي بهذا الاسم البشع ، لاااا لكنك كنت دوماً ..
تغيرت نبرة القطة وأخذت تحاول أن تخرج صوتها من أنفها جاعلةً منه صوتاً يحسب من يسمعه أن صاحبه مصاب بالزكام :
- آووه ، هاهي ذا قطتي العزيزية تشبي
وأخذت القطة ترتب على رأسها المليء بالشعيرات البيضاء في محاولة لتقليد الفتاة ، ومن ثم عاد صوتها الحاد الصغير إليها حين تذمرت :
- لقد كنت تظنين أنني أموء لفرط سعادتي بذلك الاسم المبتذل !!
ومشت بضع خطوات حتى وصلت إلى حافة منخفضة على اللوح الخشبي الذي أعلن نهاية السرير العريض ثم قفزت منه وهي تتنهد :
- لذلك اخترت أن أناديك .. دانيلّاروساا
ومشت بضع خطوات متابعة : لأنك تشبهين تلك الدمى الممتلئة الصامتة المملّة !
قطّبت دانيلا حاجبيها وهي تتابع حركة تلك القطة ، أطلقت تنهيدة عميقة ثم ألتقطت الأوراق والدفاتر على الأرض وهي تقول : تعنين دمى الماتريوشكا ؟!
- آهـ .. أياً كان !! همممم ..
أخذ الرأس الدائري يتحرك في الأرجاء وهمست صاحبته : لا أرى أن الحال قد تغيّر كثيراً ،
رفعت إحد قوائمها ونظرت إلى باطنها ثم رددت : آآخ .. لا تزالين قذرة كما عهدتك ،
مسحت كسيّد نبيل يمسّد بذلته الأنيقة الغبار غير المرأيَّ في كفّها لكنها كانت تفعل بتمسيده على جزء آخر من جسدها :
- أليس لديك شيء تقدّمينه لي ؟!
كانت دانيّلا قد انشغلت بإعادة الغطاء نحو السرير وفرده عليه ، لكن الدهشة استبدّت بها من هذه القطة فأطلقت ضحكة قصيرة ثم التفتت وهي تتساءل : مـاذا قـ .. ؟!كان باب حجرتها شبه مفتوح لذلك خرجت مسرعةً ، خوفاً على قلب والديها القابعين في صالة المنزل من رؤية قطة مدللة متحدّثة تجوب منزلهما وتبحث عمّن يضيّفها ، وحين غاب الجسد الصغير عن مرأى عينيها أخذت تنادي بقلق : تشبي ، تشبي أين أنت ؟!
واصلت النداء وهي تخرج من ضيق الممر المظلم نحو صالة المنزل : تشـبيييي تشبيييييي
لمحت المطبخ المطل بطاولته المستطيلة على الصالة وهرعت نحوه مواصلة النداء : تشبيي ، تـ ..
- ألم أقل لك أنه ليس اسمي متى ستفهمين ؟!
انبعث الصوت من خلفها فالتفتت وأضاءت المصابيح البيضاء القوية للمكان ، لقد كان المنزل خالياً ولا تتسلل إليه إلا أضواء الشمس الخافتة من وراء ستائره الداكنة ! . استغلت القطة وجود الأضاءة وقفزت من المقبض إلى المكنسة ومنها إلى الطاولة متوجهة صوب الرفوف بينما رددت دانيلا :
- حسناً ماذا تريدين يا آنسة ؟! كيف أناديك إذن ؟!
- إيفيلن !
كبتت دانيلا ضحكة كادت تنفلت من شفتيها : إيفي .. مـ ماذا ؟!
التفتت القطة وكأنها استشعرت سخريتها : إيفلييييين ، إيفلين ألا تسمعين .. إنه اسمي !!!
- اسمك انت ؟! قطّة ؟! واسمك هو إيفلين ؟!
- أنا لست كأيّ قطة
- آوه حقاً ، ولماذا ؟! لأنك تتحدثين مثلاً ؟!
- كلنا نتحدث لكن خلاياكم العصبية الخاملة لا تستوعب ما نقول
كانت القطة تحاول بعد أن قادها أنفها أن تعبث بمقبض الثلاجة وتفتحه غير أن دانيلا توجهت نحوها وهي تقول بعد أن قررت مجاراة هذا الصباح الغريب وهذه القطة البرجوازية المدللة :
- إذن لما أنت مميزة آنسة إيفلين ؟!
وقبل أن تجيب القطة أبعدتها دانيلا بحركة سريعة من يدها ووضعتها على الأرض لتتمكن من فتح الثلاجة وقد عرفت ما جذب قطتها فالتقطت زجاجة الحليب في الرف السفلي واختارت من أحد الخزائن طبقاً ورديّاً وضعته بينما تركت مساحة الحديث للقطة التي ملأت تلك اللحظات بقولها :
- كما ترين ، لقد زرت الكثير من بلدان هذا العالم ، سيما حين غادرت وعائلتك هذا المنزل في عطلة الصيف وتركتم لي المساحة التي أتصرف بها وفق ما أشاء دون أن يزعجني تسلطك الدائم عليّ في " ماذا آكل أو أين أنام أو متى تقررين سكب الماء المزعج عليّ ثم تستمتعين بحرق شعيراتي بآلة التجفيف العتيقة البائسة خاصّتك!! " وهمست بعد أن ارتعدت لتذكر تلك الفصول المظلمة من حياتها : لم يكن ذلك جميلاً بالمناسبة !!
أنهت تلك الجملة وانشغلت بالهجوم على طبق الحليب ، فيم ابتسمت دانيلا وقد كساها الحنين فجأة ناحية قطتها التي هربت منذ ما يزيد على سنة عن منزلها ، ربتت على رأسها مبتسمة :
- حقاً ؟! وضحكت وهي تقول : حسناً كان ذلك لدواع أمنية وإلا لما سمحت أمي لك بالإقامة هنا .. ولكن اعتذر لأجل ذلك
وواصلت حديثها بابتسامة : لا أصدّق كيف بقيتي على ذات الحجم بـعد مرور سنة على هروبك !
كانت دانيلا غارقة في تمسيد الفرو الناعم فوق الرأس الغارق بالاستمتاع بكوب الحليب البارد لكن القطة أجابت ببرود قبل أن تعود لغمر فمها بالحليب :
- وعمري لم يتغيّر أيضاً !!
رفعت دانيلا يدها وقد استوعبت ما قيل فجأة ، قطّبت حاجبيها ورددت : ماذا ؟! مالّذي تقصدينه ؟!
رفعت القطة رأسها : كما ترين ، لقد سافرت إلى ..
وصمتت قليلاً بعد أن رأت بريق التشوق في عينيّ دانيّلا .. : حسناً ، لقد انتقلت إلى عالم آخر هذا كل ما يمكنني قوله لك فأنا لن أئتمن من فقدت وسادتي المفضلّة على سر كبير كهذا !!
- سر ماذا ؟! تشـ .. إحم أعني إيفلين أخبريني ؟!
- حسناً
رفعت القطة رأسها ، لعقت الحليب الذي بلل الفرو الناعم حول فمها ورددت : ستلتقين به قريباً لذلك لا داعي لأن نخوض في هذا الأمر الآن !
- ألتقي بمن ؟!
بسرعة كانت القطة قد تحركت ، خارج المطبخ فتبعتها دانيلا وهي تصيح بها قائلة :
- مالذي تقصدينه تشبي .. آهـ .. أعني إيفلين ؟!
جاءها صوت القطة بعيداً : لا تقلقي ستعرفين كل شيء لاحقاً ، لنخرج الآن ..
وصلت دانيلا إلى عتبة المنزل وتساءلت وهي ترمق القطة الواقفة أمام الباب الأسود ذو القبة الباهتة : إلى أين ؟!
- النزهة ، نزهتنا اليومية
تذمرت القطة : آآآخ يا إلهي ، حمداً لله أنني تركت هذا المنزل .. ويحسدوننا على حياتنا نحن قطط المنازل ! آآهـ
" دَانـــــــيـــــلّاااااااروسااااااااااااااا "
هكذا جاء الصوت الصغير حاداً ، واصطدم بطبلة أذنها حتى ظنت بأنه قد أحدث شروخاً عميقةً بذبذباته الحادّة وصوته الّذي يشبه شريط مسجّل متسارع الإيقاع كالذّي اعتادت العبث بشريطه حين كانت طفلة! ،
[ مهلاً .. ]
- مـ مهلاً ..
انبثقت الكلمة من داخلها ، هتفت بها ثم أتبعتها بأخرى : مهلاً ، مـ مهلاً لا .. أصدّق
تبع صوت دانيّلا ذاك صوت ارتطام أتبعه سقوط الغطاء الأبيض المزركش على الأرض الرخاميّة للحجرة الباردة ، كانت تلك الشقلبة البهلوانيّة التي حملها الصوت النشّاز عليها قد أتت بنتائج وخيمة فقد ارتطم رأسها بالطاولة الجانبية للسرير ثم كان لثقل جسدها أن يهوي على الأرض بسرعة عجزت معها عن النهوض بسرعة ، انتفضت كقطة سكب عليها أحدهم الماء ..
- كـ ..
حدّقت بالجسد الأبيض والزغّب المنتفش الذي يملأ صاحبه
- قـ...
كانت تقف فوق السرير و ...
- قطّة !
كانت قطة تتحدّث !!
فتحت دانيّلا عينيها على اتساعهما ، لم تكَد تصدّق ما ترى .. أغمضت عينيها بشدّة ثم فتحتهما من جديد فكرتهما حتى تساقطت دموعها التّي اصطدمت بالضوء الساطع من النافذة المشمسة خلف السرير الكبير مسحتهما سريعاً وقبل أن تستوعب الأمر قفزت كتلة الزغب الكثيفة نحوها فصرخت دانيلّا رغم تعلقّ الجسد
الصغير بقدميها المختبئتان تحت الغطاء السميك ، تعلّقت اليدان المصطبغتان بلون بنيّ فاتح بقميصها الرمادي . ولم تمتلأ عينا دانيلا في تلك اللحظة إلا بهما .. بالبؤبؤين الرماديّين الواسعين اللامعين وبالنظرة البريئة ، بشعيرات الشوارب الثلاث اليتيمة على جانبي ذلك الوجه الصغير تحت أذنين تحرّكتا مع صوت صاحبتهما:
- دانيّلاروسااااا .. دانيّلاااا .. دانيّلااا .. دا..
وثبت دانيّلا ، أحاطت بكفيّها الأضلاع المختبئة تحت الجسد الذي شكّت بأنه حقيقيّ غير أن نبضات القلب الصغير بداخله قد أنبأها بالعكس تماماً ، وتلك الأنفاس ترتفع وتهبط من تحت القفص الصدري الصغير ، وقفت على قدميها ، أفزعها الصوت المستمر الذي عاد يكرر اسمها كساعة منبّه مزعجة !!
- دانيلا دانيلا دانيلا دانيلا
هزّت الجسد للأعلى والأسفل مرات متتابعة كما لو كانت تتأكّد من صلاحية لعبة إلكترونيّة أو دمية محشوّة تتحدثّ ، بدأ صوت القطة يهتز وهي تنطق اسمها مرات متتابعه ، حاولت الأخيرةُ التملّص منها وحين لم تستطع أخذت تموء مواءاً جاء مهتزاً غريباً ، بدت العيون اللطيفة بلون الغيوم المثقلة بالمطر زائغة
وصاحبتهما المسكينة تحاول باستتماتة بالغة أن تلفت من قبض الفتاة التي عقدت حاجبيها وأخذت تهتف متسائلةً :
- ما هذا ؟! من أرسل هذه اللعبة ؟! كـ ..
سئمت القطة من هذا الهراء ، وكان لدانيلا أن تشعر بباطن الكفّ الناعمة وهو يترك بصمته على وجهها حين اختارت القطة القفز نحو وجهها ، بينما اندفعت الأخيرة نحو الطاولة الجانبية إلى يمينهما وقفزت فوق الأوراق والدفاتر المتراكمة عليها غير آبهة بإسقاط ما أفقدها شيْئا من توازنها صرخت دانيلا وهي تتحسس وجهها وتلتفت ناحية القطة الشيرازية الصغيرة :
- آآهـ ! ماهذا !؟ مالّذي تفعلينه [ تشَبي ] ؟!
لم تعبأ القطة بسؤالها ، أو أنها تظاهرت بذلك وهي تقفز نحو السرير ، ثم التفتت ناحية الفتاة وصرخت بها حتى بانت الأنياب الصغيرة تحت الفم الغاضب :
- لست تشبيي ، أنا لست تشبي!!
توجهت دانيّلا نحو المتحدّثة ، حدقت بها .. الجسد الممتلئ لقطة لا تتجاوز بضعة شهور ، إنها [ تشَبي ] إنها قطّتها [ تشَبي ] حتماً !! هذا اللون الذي يذكّرها بالكراميل الممتزج بالأبيض الذي يشبه جدران حجرة نومها الفوضويّة ، انحنت نحو القطة ، قربّت وجهها إليها وقالت :
- همممم لا بل أنت تشبي .. أنا أعرفك جيداً !!
- أنت اخترت هذا الاسم الغبي ، لم أقل أنني أحببته أبداً .. أو
وأخذت تلعق يدها ثم رددت بدلال :
- أو أنني تعبت وأنا أحدثك بشأنه لكنك كتلة جامدة من الأحاسيس الصمّاء لذلك لم تستوعبي نداءاتي المستمرّة إليك وصرخاتي الدائمة نحوك حين كنت أنهاك عن مناداتي بهذا الاسم البشع ، لاااا لكنك كنت دوماً ..
تغيرت نبرة القطة وأخذت تحاول أن تخرج صوتها من أنفها جاعلةً منه صوتاً يحسب من يسمعه أن صاحبه مصاب بالزكام :
- آووه ، هاهي ذا قطتي العزيزية تشبي
وأخذت القطة ترتب على رأسها المليء بالشعيرات البيضاء في محاولة لتقليد الفتاة ، ومن ثم عاد صوتها الحاد الصغير إليها حين تذمرت :
- لقد كنت تظنين أنني أموء لفرط سعادتي بذلك الاسم المبتذل !!
ومشت بضع خطوات حتى وصلت إلى حافة منخفضة على اللوح الخشبي الذي أعلن نهاية السرير العريض ثم قفزت منه وهي تتنهد :
- لذلك اخترت أن أناديك .. دانيلّاروساا
ومشت بضع خطوات متابعة : لأنك تشبهين تلك الدمى الممتلئة الصامتة المملّة !
قطّبت دانيلا حاجبيها وهي تتابع حركة تلك القطة ، أطلقت تنهيدة عميقة ثم ألتقطت الأوراق والدفاتر على الأرض وهي تقول : تعنين دمى الماتريوشكا ؟!
- آهـ .. أياً كان !! همممم ..
أخذ الرأس الدائري يتحرك في الأرجاء وهمست صاحبته : لا أرى أن الحال قد تغيّر كثيراً ،
رفعت إحد قوائمها ونظرت إلى باطنها ثم رددت : آآخ .. لا تزالين قذرة كما عهدتك ،
مسحت كسيّد نبيل يمسّد بذلته الأنيقة الغبار غير المرأيَّ في كفّها لكنها كانت تفعل بتمسيده على جزء آخر من جسدها :
- أليس لديك شيء تقدّمينه لي ؟!
كانت دانيّلا قد انشغلت بإعادة الغطاء نحو السرير وفرده عليه ، لكن الدهشة استبدّت بها من هذه القطة فأطلقت ضحكة قصيرة ثم التفتت وهي تتساءل : مـاذا قـ .. ؟!كان باب حجرتها شبه مفتوح لذلك خرجت مسرعةً ، خوفاً على قلب والديها القابعين في صالة المنزل من رؤية قطة مدللة متحدّثة تجوب منزلهما وتبحث عمّن يضيّفها ، وحين غاب الجسد الصغير عن مرأى عينيها أخذت تنادي بقلق : تشبي ، تشبي أين أنت ؟!
واصلت النداء وهي تخرج من ضيق الممر المظلم نحو صالة المنزل : تشـبيييي تشبيييييي
لمحت المطبخ المطل بطاولته المستطيلة على الصالة وهرعت نحوه مواصلة النداء : تشبيي ، تـ ..
- ألم أقل لك أنه ليس اسمي متى ستفهمين ؟!
انبعث الصوت من خلفها فالتفتت وأضاءت المصابيح البيضاء القوية للمكان ، لقد كان المنزل خالياً ولا تتسلل إليه إلا أضواء الشمس الخافتة من وراء ستائره الداكنة ! . استغلت القطة وجود الأضاءة وقفزت من المقبض إلى المكنسة ومنها إلى الطاولة متوجهة صوب الرفوف بينما رددت دانيلا :
- حسناً ماذا تريدين يا آنسة ؟! كيف أناديك إذن ؟!
- إيفيلن !
كبتت دانيلا ضحكة كادت تنفلت من شفتيها : إيفي .. مـ ماذا ؟!
التفتت القطة وكأنها استشعرت سخريتها : إيفلييييين ، إيفلين ألا تسمعين .. إنه اسمي !!!
- اسمك انت ؟! قطّة ؟! واسمك هو إيفلين ؟!
- أنا لست كأيّ قطة
- آوه حقاً ، ولماذا ؟! لأنك تتحدثين مثلاً ؟!
- كلنا نتحدث لكن خلاياكم العصبية الخاملة لا تستوعب ما نقول
كانت القطة تحاول بعد أن قادها أنفها أن تعبث بمقبض الثلاجة وتفتحه غير أن دانيلا توجهت نحوها وهي تقول بعد أن قررت مجاراة هذا الصباح الغريب وهذه القطة البرجوازية المدللة :
- إذن لما أنت مميزة آنسة إيفلين ؟!
وقبل أن تجيب القطة أبعدتها دانيلا بحركة سريعة من يدها ووضعتها على الأرض لتتمكن من فتح الثلاجة وقد عرفت ما جذب قطتها فالتقطت زجاجة الحليب في الرف السفلي واختارت من أحد الخزائن طبقاً ورديّاً وضعته بينما تركت مساحة الحديث للقطة التي ملأت تلك اللحظات بقولها :
- كما ترين ، لقد زرت الكثير من بلدان هذا العالم ، سيما حين غادرت وعائلتك هذا المنزل في عطلة الصيف وتركتم لي المساحة التي أتصرف بها وفق ما أشاء دون أن يزعجني تسلطك الدائم عليّ في " ماذا آكل أو أين أنام أو متى تقررين سكب الماء المزعج عليّ ثم تستمتعين بحرق شعيراتي بآلة التجفيف العتيقة البائسة خاصّتك!! " وهمست بعد أن ارتعدت لتذكر تلك الفصول المظلمة من حياتها : لم يكن ذلك جميلاً بالمناسبة !!
أنهت تلك الجملة وانشغلت بالهجوم على طبق الحليب ، فيم ابتسمت دانيلا وقد كساها الحنين فجأة ناحية قطتها التي هربت منذ ما يزيد على سنة عن منزلها ، ربتت على رأسها مبتسمة :
- حقاً ؟! وضحكت وهي تقول : حسناً كان ذلك لدواع أمنية وإلا لما سمحت أمي لك بالإقامة هنا .. ولكن اعتذر لأجل ذلك
وواصلت حديثها بابتسامة : لا أصدّق كيف بقيتي على ذات الحجم بـعد مرور سنة على هروبك !
كانت دانيلا غارقة في تمسيد الفرو الناعم فوق الرأس الغارق بالاستمتاع بكوب الحليب البارد لكن القطة أجابت ببرود قبل أن تعود لغمر فمها بالحليب :
- وعمري لم يتغيّر أيضاً !!
رفعت دانيلا يدها وقد استوعبت ما قيل فجأة ، قطّبت حاجبيها ورددت : ماذا ؟! مالّذي تقصدينه ؟!
رفعت القطة رأسها : كما ترين ، لقد سافرت إلى ..
وصمتت قليلاً بعد أن رأت بريق التشوق في عينيّ دانيّلا .. : حسناً ، لقد انتقلت إلى عالم آخر هذا كل ما يمكنني قوله لك فأنا لن أئتمن من فقدت وسادتي المفضلّة على سر كبير كهذا !!
- سر ماذا ؟! تشـ .. إحم أعني إيفلين أخبريني ؟!
- حسناً
رفعت القطة رأسها ، لعقت الحليب الذي بلل الفرو الناعم حول فمها ورددت : ستلتقين به قريباً لذلك لا داعي لأن نخوض في هذا الأمر الآن !
- ألتقي بمن ؟!
بسرعة كانت القطة قد تحركت ، خارج المطبخ فتبعتها دانيلا وهي تصيح بها قائلة :
- مالذي تقصدينه تشبي .. آهـ .. أعني إيفلين ؟!
جاءها صوت القطة بعيداً : لا تقلقي ستعرفين كل شيء لاحقاً ، لنخرج الآن ..
وصلت دانيلا إلى عتبة المنزل وتساءلت وهي ترمق القطة الواقفة أمام الباب الأسود ذو القبة الباهتة : إلى أين ؟!
- النزهة ، نزهتنا اليومية
تذمرت القطة : آآآخ يا إلهي ، حمداً لله أنني تركت هذا المنزل .. ويحسدوننا على حياتنا نحن قطط المنازل ! آآهـ