şᴏƲĻ ɷ
02-10-2015, 01:36
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2097702&stc=1&d=1443748381
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالُكم جميعاً أرجو أن تكونوا بخير ؟:أوو:
هذه قصَّتي المُشارِكة في مسابقة [ رحلة بين العوالم ] -بإذن الله-::سعادة::
وبالتوفيق لجميع المُشاركين إن شاء الله
بسم الله نبدأ ..
[ مقايضةُ بائع الموت والكوابيس ]
تلاشى وقْعُ موسيقى المساء الهادئة عن أذنيها ، غلّف الصَّمت المكان إلّا من ضجيجٍ خافتٍ يتناهى إلى أسماع صبيةٍ يتناوبون على التّباهي بحركاتهم المميّزة الّتي يصنعها حذاءُ التزلّج الحديثُ لكلّ منهم أثناء عبورهم للممرّ المشاة الحجريّ المنظّم على جانب الشاطئ المظلِم. اتكأت اليدين النّحيلتين على سياج الشّرفةِ الحجريّ وتأملّت العينان الداكنتين بنصف إغماضةٍ بحراً تتلاطم أمواجه الداكنة ويلتحفُ رغماً عن هيبته تحت دِثار ليلٍ يجبره على أن يكون داكناً ، أن يختفي تحت أستار ظلمته وألّا يعِكس إلا البدر من فوقه وشيئاً من الأضواء الصفراء المتناثرة قُرب شاطئِه .
لم تكُن عائلةُ ديفرو معتادة على قضاء الكثير من العطلات العائليّة مؤخراً لذلك تناثَر أفرادها في أماكن مختلفة طوال اليوم وحين اجتمعوا حول طاولة العشاء الدائرية في الفندق أجبر الصَّخب دانيّلا على تجاوز البوابة الزجاجيّة والانسحاب من ذلك المكان بعد أن نالت كفايتها من الألحان الموسيقيّة والأصوات المختلطة بالأحاديث العشوائيّة الصاخبة والأهم .. بعد أن أشبعت حاجتها بتناول أصابع الدجاج المقليّ وانصرَفتْ نحو أفكارها المتلاطمة كأمواج هذا البحر أمامها .
استسلْمت للرّعشة الخفيفة الّتي سرت في جسمها إثر عبور نسمة باردة مفاجئة حملت معها شيئاً من وريقات الأشجار على جانبيّ الفندق وتركت لها لحظة خوفٍ اقتنصت سكونها وأجبرتها على الالتفات ناحية الشجر بسرعةٍ لتتنّهد بعدما اطمئّنت إلى أن كل ذلك كان جزءاً من هذا التيار الهوائيّ المفاجئ ثمّ عاد الهدوء وخيّم صمت الطبيعة ليُصغي كلّ شيء من جديدٍ.
[ كم مرّة كان عليّ أن أكّذب الواقع وأبتعد ليستحضر عقلي الكامن في جوف الماضي مشهداً يقرّبني من هذا المكان ؟ هل كان عليّ أن أكابد وانتظر وأكون جسراً يعبرُ فوقه الكثيرون ليبلغوا ضفّة الحياة الأخرى ؟ كهذا البحر الوحيد معلقّة على حبل الهواء الرفيع يحرّكني كيفما يشاء ! وتُلبسني السماء ألوانها المختلفة وتترك أضواءُ الحياة انعكاساتها عليّ ثم تنطفئ وتتركني في انتظار فجرٍ قد يطول ليبدّد وحشتي ؟]
لم تتمالك الفتاة الواقفة أمام صفرة الإضاءة الخافتة المنبعثة من البوابة الزجاجيّة السميكة للمطْعم نفسَها ، طغى لونٌ هادئ يشبه نور إنارةٍ أبيض يقاوم تمدّد ضبابٍ كثيفٍ في سماءِ فجر شاحبة وارتسم على وجهها تعبيرٌ جامدٌ لا يوحي بشيء ، لكنّه يغلق بقفل صمتها بوابة الأصوات المتضاربة بداخل عقلها ، على ضجيج الأسئلة المنبعثة من خلايا عقلها . [هل عبر ظلّ من ذلك الممشى المظلم بعد أن سكنه الصمت طويلاً ؟! ]
ضيّقت عينيها علّها تكوّن صورة واضحةً عمّا لمحته ، انبجس صوت الموسيقى من وراءها وعلا فجأة ليكسر الصّمت ويجبرها على الالتفاتِ ثمّ عاد إلى درجته الخافتة بعد أن أوصدت اليد البيضاءُ الناعمة تحت سترة ناعمة أنيقة بنية اللّون إغلاق البوابة . همست دانيّلا بدهشة :
- أمّي ! مالّذي تفعلينه هنا ؟!
- هل لّي أن أسألكِ ذلك أيضاً ؟!
توقّفت دانيلّا عن تأملّ المرأة الخمسينيّة أنيقةِ الملْبِس وعادت لتستدرك هيئة الظلالّ السوداءِ لكنّها اصطدمت بالفراغ الذّي يجدد ذاته على أرضِ ذلك الممشى حسبما يبدو لها فلم تجد بدّاً من الإجابة عن سؤال والدتها :
- لا شيء ..وتنَّهدت ثم تابعتْ : إنني أتأمل فقط!
حرّكت والدتها يديها في الهواء لتمدّدها وهمست كما لو كانت تحدّث ذاتها :
- آآخ لقد شعرت بالملل من الجلوس هكذا ، أريدُ الذّهاب للنّوم !
إلتقت العينان الدّاكنتان للمرأتين قبل أن تبتسِم السيّدة ديفرُو وتلُقي عبارتها الأخيرة وهي تربِتُ على كتف ابنتها :
- لا تُطيلي السَّهر ! إنها الثانية عشرة وعشر دقائِق الآن بالكاد ستنامِين قبل الثانية صباحاً!
أطلقت دانيلا ضحكة قصيرة ساخرة وهتفت :
- لا لن يستهلكني الأمر كلّ هذا الوقت أمّي !
كانت معتادة على عبارات أمّها هذه ، فالسيّدة ديفرو امرأةٌ دقيقةٌ حازمةٌ ستضعُ في الحسبان أيّ أمرٍ طارئ يختصّ بالوقت فإذا ما لمحت تأخيراً طفيفاً عن موعد النوم في أبناءها فإنها ستحتسب ساعة كاملة إضافيّة سيتأخّرون بها عن الاستيقاظ صباح اليوم التالي وساعة ليل احتياطيّة يقاومون بها الأرق المحتمَل ثمّ تبدأ بتأنيبهم بشأن كلّ ذلك وأحياناً تختارُ تحذيرهم قبل أن تقع هذه الكارثة مثل ما فعلت الآن لابنتها بعد أن عبرّت عن ذات الأمر لشقيقها الّذي القابعان بجوار والدهم على طاولة هذا العشاء المتأخّر !
***
" سيحين الوقت وينتشل السّواد قلبك الّذي ينتمي إلى عالمه ..
سيدور الزمان .. سيرتمي الليل في قلب العتمة قبل أن تلتقي عقاربُ السّاعة ..
قبل أن تُلاصق بعضها .. "
[ هل هذا الصّوت .. صفحةٌ في كتاب الحلم أم جزءٌ من صورة الواقع ؟ هل أسمعُ حقاً ...]
" في ذلك الحين .. سيتحوّل الحلم إلى حقيقةٍ .. سيسقط قناعك المخيف ويرتمي
وجهك المرعب على عتبة الواقع .. ستمتزج الخيالات بكينونتك المقزّزة ..
وستنتهي "
[ صوتاً مبحوحاً يشدو ؟ ..]
على وقع هذا التساؤل وثبت دانيّلا فزعةً من سريرها ، حدّقت في ظلام حجرتها ، جالسةً فوق أثير الأغطية البيضاء للسَّرير المريح متشبّثةً بالغطاءِ السميك يندَى جبينها عرقاً وكأنّ جهاز التكييف الّذي يحيل بلاط الحجرة الرخامي اللّامع إلى كتلة جليديّة غير موجود !
" عطرا يذوب في نسيم الهواء .. بحراً ينحني إثر هذا العبور .. موجاً يستكين إلى هدوءٍ ..
غداً أيّها الإنسانُ تكون .. غداً تعود .. إلى نهايتك "
إنها تسمعه ، واضحاً .. واقعاً .. مبحوحاً .. صافياً ..
و قريباً
قريباً جداً !
صوت رجلٍ غريب يغنّي في مكانٍ مّا يبدو في عمق هذا الظّلام كما لو كان جزءاً من حجرتها كما لو ..
أحكمَت يدها فوق شفتيْها بفزع لتمنع تسلّل الاستنتاج الّذي جمّد الدم في عروقها وأحال حرارة جسدها حمّىً ترمِي ارتجافةً خفيفةً كادت لترسلها نحو عالمٍ مليء بالفزع إن لم تكُن قد بلغت بوابّة ذلك العلم الآن ! سمحت دانيلّا لنفسها بأن تنسّل من السرّير ببطءٍ ثمّ تندفع بسرعةٍ نحو الباب غير آبهةٍ بالاندفاع نحو ردهة الفندق بثياب نومها الفضْفاضة لتغادر هذا المكان فالشَّجاعة لم تكن يوماً سمْتاً في فتاةٍ مثلها ، فكيف بها أمام مشهدٍ مجهول المعالم يغوص في ظلام هذا اللّيل ويتركها وحيدةً مع صوتٍ لازال صاحبه يترَّنم بهمهماتٍ وألحانٍ لم تطق الاستماع إليها!
تحسّست موضع المقبض ثم حرّكت يدها والقفل الموضوع على الباب مرّاتٍ عديدةً لكنّه عبثاً لم يكن ليُفتح .. تسارعت أنفاسها ، أيّ لعنةٍ أيّ حظٍ عاثرٍ جعلها تختارُ وضع هاتفها في نهاية الحْجرةِ الواسعة ؟! ألا يوجد منفذٌ يحملها على الخروج من هذا الظّلام الغارِق فِي ..
[الصــّمــت ؟!! ]
لقد توقّف الصَّوت وغادر اللّحن الغريبُ المكان .. كادت دانيّلا تهوي نحو الأرض الباردةِ بعد أن داهمها الصمّت فجأة فما عادت تدري مصدر هذا صاحب الصَّوت أو مكان تواجدِه ! و لئّلا يهبط جسمها نحو الأرض كانت ستتّكئُ على الباب بعد أن يئِست من فتحه غير أنّ ظهرها اصطدم بكتلةٍ ثقيلة صلبةٍ من خلفها! أدركت دانيّلا أن حائلاً يحول بينها وبين الباب فأطلقت العنان لصرْختها وجرت بسرعةٍ نحو الشّرفة المختبئة خلف الستارة الداكنة بعد أن اعتادت عينيها على شيءٍ من ظلام الحجرة فتذّكرت موضع النافذة المستطيلة الواسعة !امتدّت يدها لتزيح القماش الرماديّ السميك الّذي يحجب عنها منفذ الأمان ولكن ..
صوت يدٍ تطرق تلك النافذة قد جمّد حركة يدها المرتجفة فابتلعت ريقها ذعراً وقبل أن يكبّلها شبح التردد عن الكشف عن هويّة هذا الطارق أغمضَت عينيها بقوّةٍ وأزاحت الستارة بقوّة أكبر .. لكنّها لم تستطع رغماً عن ضوء القمر و الأضواء الخافتة في الشوارع أن تغادر ظلام عينيها الآمن وتفتحهما لتلقي نظرةً على هويّة هذا الطّارقِ الّذي :
- د .. ا.. ـنـ .. ـيـ .. ـلّـ ..ـا ..
استمتع بالهمس بكلّ حرفٍ من حرُوف اسمها فأجبرها على أن ترسلِ صيحةٍ فزعٍ وتتراجع إلى الخلف وتفتح عينيها بذعرٍ لتلتقي بهما أخيراً ..
خضْروان ، واسعتان ، لا بل نصفُ خضراوتينِ ونصفُ صفراوتينِ و .. حدقّت بذعر ، تسمَّرت في مكانها ، فتحت وأغلقت عينيها مراراً قبل أن تؤّكد شكوكها .. كان صاحب العينين يرمش باستمرار ولكنّ جفنيه ينغلقان وينفتحان بشكلٍ طوليٍّ كخطَّين متوازيين .. رداءٌ بنيّ غريب وَ وجه شاحبٌ يكاد يكون مائلاً إلى زرقةِ الجثثْ المتجمّدة !
تولىّ صاحبُ العينين الغريبتين فتْحَ الشَّرفة رغم أنّها تعلم جيداً استحالة فتحها من الخارج ، تهاوت دانيّلا على الأرضِ وتراجعت إلى الخلف بفزع ، تجمّد لسانها عن الحديث وغادرتها القدرة على الكلام واستحال على عقلها أن يعبّر عمّا تراه بكلمات مناسبة .. أو يأتي إليها بتصرّف يتّسق ومثل هذا الوضِع الخطِرْ! تحّول الرّجل القصير إلى قامةٍ فارعةٍ وخرج صوته حاداً لا يشبُه بحَّة اللّحن الحزين قبل لحظات :
- لِمَ تحاولين الهروب آنسة دانيّلا ؟!
امتدّ شيءٌ يشبه اليدين البشريّتين غير أنّهما بلون غريب وأصابع ضخمةٍ لا تنتمي إلِيهما بشيء نحو الفتاة الِّتي التصقت بسريرها وكادت أن تذوب من شدّة الّذعر الّذي كبّلها بقيوده لكنّ اليد المخلبيَّة الخضراء الّتي انبعثت من تحت سريرها فجأة قد أكّدت أن كائناً آخر يتربّصُ بها ويبدو أقرب إلِيها من تلك اليدِ الممدودة نحوها ببطءٍ فجدّدت الكتلة الخضراءُ البيضاويّة فيم يبدو وكأنه رأسٌ آدميّ غريب الشكلل وهي تخرج ببطءٍ من تحت سريرها . جدّدت فيها حيويّة الحياة وبعثت إلى وجهها احمراراً سببه الاندفاع المتسارع لدماءها المتوتّر ونبضات قلبها المرتفعة إلِيها ، أطلقت دانيّلا صرخة مدويّة ثمّ اندفَعت ناحية اليمينِ علّها تنجو من براثن الجسد النحيل الّذي ارتفع ضاحكاً مقهقهاً بمرح ..
مهلا .. لـ لّقد .. [اختفى ! ]
صاحب الجسد الطويّل قد ..
أضيُئت الأنوار الصفراءُ في أرجاء المكان فتسّللت الدموع لعينيها اللّتين اعتادتا على الظلام وفركتهما سريعًا لتفتحهما من جديدٍ ويتزامن المشهد مع صوتٍ مألوفٍ صاح بسعادة :
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالُكم جميعاً أرجو أن تكونوا بخير ؟:أوو:
هذه قصَّتي المُشارِكة في مسابقة [ رحلة بين العوالم ] -بإذن الله-::سعادة::
وبالتوفيق لجميع المُشاركين إن شاء الله
بسم الله نبدأ ..
[ مقايضةُ بائع الموت والكوابيس ]
تلاشى وقْعُ موسيقى المساء الهادئة عن أذنيها ، غلّف الصَّمت المكان إلّا من ضجيجٍ خافتٍ يتناهى إلى أسماع صبيةٍ يتناوبون على التّباهي بحركاتهم المميّزة الّتي يصنعها حذاءُ التزلّج الحديثُ لكلّ منهم أثناء عبورهم للممرّ المشاة الحجريّ المنظّم على جانب الشاطئ المظلِم. اتكأت اليدين النّحيلتين على سياج الشّرفةِ الحجريّ وتأملّت العينان الداكنتين بنصف إغماضةٍ بحراً تتلاطم أمواجه الداكنة ويلتحفُ رغماً عن هيبته تحت دِثار ليلٍ يجبره على أن يكون داكناً ، أن يختفي تحت أستار ظلمته وألّا يعِكس إلا البدر من فوقه وشيئاً من الأضواء الصفراء المتناثرة قُرب شاطئِه .
لم تكُن عائلةُ ديفرو معتادة على قضاء الكثير من العطلات العائليّة مؤخراً لذلك تناثَر أفرادها في أماكن مختلفة طوال اليوم وحين اجتمعوا حول طاولة العشاء الدائرية في الفندق أجبر الصَّخب دانيّلا على تجاوز البوابة الزجاجيّة والانسحاب من ذلك المكان بعد أن نالت كفايتها من الألحان الموسيقيّة والأصوات المختلطة بالأحاديث العشوائيّة الصاخبة والأهم .. بعد أن أشبعت حاجتها بتناول أصابع الدجاج المقليّ وانصرَفتْ نحو أفكارها المتلاطمة كأمواج هذا البحر أمامها .
استسلْمت للرّعشة الخفيفة الّتي سرت في جسمها إثر عبور نسمة باردة مفاجئة حملت معها شيئاً من وريقات الأشجار على جانبيّ الفندق وتركت لها لحظة خوفٍ اقتنصت سكونها وأجبرتها على الالتفات ناحية الشجر بسرعةٍ لتتنّهد بعدما اطمئّنت إلى أن كل ذلك كان جزءاً من هذا التيار الهوائيّ المفاجئ ثمّ عاد الهدوء وخيّم صمت الطبيعة ليُصغي كلّ شيء من جديدٍ.
[ كم مرّة كان عليّ أن أكّذب الواقع وأبتعد ليستحضر عقلي الكامن في جوف الماضي مشهداً يقرّبني من هذا المكان ؟ هل كان عليّ أن أكابد وانتظر وأكون جسراً يعبرُ فوقه الكثيرون ليبلغوا ضفّة الحياة الأخرى ؟ كهذا البحر الوحيد معلقّة على حبل الهواء الرفيع يحرّكني كيفما يشاء ! وتُلبسني السماء ألوانها المختلفة وتترك أضواءُ الحياة انعكاساتها عليّ ثم تنطفئ وتتركني في انتظار فجرٍ قد يطول ليبدّد وحشتي ؟]
لم تتمالك الفتاة الواقفة أمام صفرة الإضاءة الخافتة المنبعثة من البوابة الزجاجيّة السميكة للمطْعم نفسَها ، طغى لونٌ هادئ يشبه نور إنارةٍ أبيض يقاوم تمدّد ضبابٍ كثيفٍ في سماءِ فجر شاحبة وارتسم على وجهها تعبيرٌ جامدٌ لا يوحي بشيء ، لكنّه يغلق بقفل صمتها بوابة الأصوات المتضاربة بداخل عقلها ، على ضجيج الأسئلة المنبعثة من خلايا عقلها . [هل عبر ظلّ من ذلك الممشى المظلم بعد أن سكنه الصمت طويلاً ؟! ]
ضيّقت عينيها علّها تكوّن صورة واضحةً عمّا لمحته ، انبجس صوت الموسيقى من وراءها وعلا فجأة ليكسر الصّمت ويجبرها على الالتفاتِ ثمّ عاد إلى درجته الخافتة بعد أن أوصدت اليد البيضاءُ الناعمة تحت سترة ناعمة أنيقة بنية اللّون إغلاق البوابة . همست دانيّلا بدهشة :
- أمّي ! مالّذي تفعلينه هنا ؟!
- هل لّي أن أسألكِ ذلك أيضاً ؟!
توقّفت دانيلّا عن تأملّ المرأة الخمسينيّة أنيقةِ الملْبِس وعادت لتستدرك هيئة الظلالّ السوداءِ لكنّها اصطدمت بالفراغ الذّي يجدد ذاته على أرضِ ذلك الممشى حسبما يبدو لها فلم تجد بدّاً من الإجابة عن سؤال والدتها :
- لا شيء ..وتنَّهدت ثم تابعتْ : إنني أتأمل فقط!
حرّكت والدتها يديها في الهواء لتمدّدها وهمست كما لو كانت تحدّث ذاتها :
- آآخ لقد شعرت بالملل من الجلوس هكذا ، أريدُ الذّهاب للنّوم !
إلتقت العينان الدّاكنتان للمرأتين قبل أن تبتسِم السيّدة ديفرُو وتلُقي عبارتها الأخيرة وهي تربِتُ على كتف ابنتها :
- لا تُطيلي السَّهر ! إنها الثانية عشرة وعشر دقائِق الآن بالكاد ستنامِين قبل الثانية صباحاً!
أطلقت دانيلا ضحكة قصيرة ساخرة وهتفت :
- لا لن يستهلكني الأمر كلّ هذا الوقت أمّي !
كانت معتادة على عبارات أمّها هذه ، فالسيّدة ديفرو امرأةٌ دقيقةٌ حازمةٌ ستضعُ في الحسبان أيّ أمرٍ طارئ يختصّ بالوقت فإذا ما لمحت تأخيراً طفيفاً عن موعد النوم في أبناءها فإنها ستحتسب ساعة كاملة إضافيّة سيتأخّرون بها عن الاستيقاظ صباح اليوم التالي وساعة ليل احتياطيّة يقاومون بها الأرق المحتمَل ثمّ تبدأ بتأنيبهم بشأن كلّ ذلك وأحياناً تختارُ تحذيرهم قبل أن تقع هذه الكارثة مثل ما فعلت الآن لابنتها بعد أن عبرّت عن ذات الأمر لشقيقها الّذي القابعان بجوار والدهم على طاولة هذا العشاء المتأخّر !
***
" سيحين الوقت وينتشل السّواد قلبك الّذي ينتمي إلى عالمه ..
سيدور الزمان .. سيرتمي الليل في قلب العتمة قبل أن تلتقي عقاربُ السّاعة ..
قبل أن تُلاصق بعضها .. "
[ هل هذا الصّوت .. صفحةٌ في كتاب الحلم أم جزءٌ من صورة الواقع ؟ هل أسمعُ حقاً ...]
" في ذلك الحين .. سيتحوّل الحلم إلى حقيقةٍ .. سيسقط قناعك المخيف ويرتمي
وجهك المرعب على عتبة الواقع .. ستمتزج الخيالات بكينونتك المقزّزة ..
وستنتهي "
[ صوتاً مبحوحاً يشدو ؟ ..]
على وقع هذا التساؤل وثبت دانيّلا فزعةً من سريرها ، حدّقت في ظلام حجرتها ، جالسةً فوق أثير الأغطية البيضاء للسَّرير المريح متشبّثةً بالغطاءِ السميك يندَى جبينها عرقاً وكأنّ جهاز التكييف الّذي يحيل بلاط الحجرة الرخامي اللّامع إلى كتلة جليديّة غير موجود !
" عطرا يذوب في نسيم الهواء .. بحراً ينحني إثر هذا العبور .. موجاً يستكين إلى هدوءٍ ..
غداً أيّها الإنسانُ تكون .. غداً تعود .. إلى نهايتك "
إنها تسمعه ، واضحاً .. واقعاً .. مبحوحاً .. صافياً ..
و قريباً
قريباً جداً !
صوت رجلٍ غريب يغنّي في مكانٍ مّا يبدو في عمق هذا الظّلام كما لو كان جزءاً من حجرتها كما لو ..
أحكمَت يدها فوق شفتيْها بفزع لتمنع تسلّل الاستنتاج الّذي جمّد الدم في عروقها وأحال حرارة جسدها حمّىً ترمِي ارتجافةً خفيفةً كادت لترسلها نحو عالمٍ مليء بالفزع إن لم تكُن قد بلغت بوابّة ذلك العلم الآن ! سمحت دانيلّا لنفسها بأن تنسّل من السرّير ببطءٍ ثمّ تندفع بسرعةٍ نحو الباب غير آبهةٍ بالاندفاع نحو ردهة الفندق بثياب نومها الفضْفاضة لتغادر هذا المكان فالشَّجاعة لم تكن يوماً سمْتاً في فتاةٍ مثلها ، فكيف بها أمام مشهدٍ مجهول المعالم يغوص في ظلام هذا اللّيل ويتركها وحيدةً مع صوتٍ لازال صاحبه يترَّنم بهمهماتٍ وألحانٍ لم تطق الاستماع إليها!
تحسّست موضع المقبض ثم حرّكت يدها والقفل الموضوع على الباب مرّاتٍ عديدةً لكنّه عبثاً لم يكن ليُفتح .. تسارعت أنفاسها ، أيّ لعنةٍ أيّ حظٍ عاثرٍ جعلها تختارُ وضع هاتفها في نهاية الحْجرةِ الواسعة ؟! ألا يوجد منفذٌ يحملها على الخروج من هذا الظّلام الغارِق فِي ..
[الصــّمــت ؟!! ]
لقد توقّف الصَّوت وغادر اللّحن الغريبُ المكان .. كادت دانيّلا تهوي نحو الأرض الباردةِ بعد أن داهمها الصمّت فجأة فما عادت تدري مصدر هذا صاحب الصَّوت أو مكان تواجدِه ! و لئّلا يهبط جسمها نحو الأرض كانت ستتّكئُ على الباب بعد أن يئِست من فتحه غير أنّ ظهرها اصطدم بكتلةٍ ثقيلة صلبةٍ من خلفها! أدركت دانيّلا أن حائلاً يحول بينها وبين الباب فأطلقت العنان لصرْختها وجرت بسرعةٍ نحو الشّرفة المختبئة خلف الستارة الداكنة بعد أن اعتادت عينيها على شيءٍ من ظلام الحجرة فتذّكرت موضع النافذة المستطيلة الواسعة !امتدّت يدها لتزيح القماش الرماديّ السميك الّذي يحجب عنها منفذ الأمان ولكن ..
صوت يدٍ تطرق تلك النافذة قد جمّد حركة يدها المرتجفة فابتلعت ريقها ذعراً وقبل أن يكبّلها شبح التردد عن الكشف عن هويّة هذا الطارق أغمضَت عينيها بقوّةٍ وأزاحت الستارة بقوّة أكبر .. لكنّها لم تستطع رغماً عن ضوء القمر و الأضواء الخافتة في الشوارع أن تغادر ظلام عينيها الآمن وتفتحهما لتلقي نظرةً على هويّة هذا الطّارقِ الّذي :
- د .. ا.. ـنـ .. ـيـ .. ـلّـ ..ـا ..
استمتع بالهمس بكلّ حرفٍ من حرُوف اسمها فأجبرها على أن ترسلِ صيحةٍ فزعٍ وتتراجع إلى الخلف وتفتح عينيها بذعرٍ لتلتقي بهما أخيراً ..
خضْروان ، واسعتان ، لا بل نصفُ خضراوتينِ ونصفُ صفراوتينِ و .. حدقّت بذعر ، تسمَّرت في مكانها ، فتحت وأغلقت عينيها مراراً قبل أن تؤّكد شكوكها .. كان صاحب العينين يرمش باستمرار ولكنّ جفنيه ينغلقان وينفتحان بشكلٍ طوليٍّ كخطَّين متوازيين .. رداءٌ بنيّ غريب وَ وجه شاحبٌ يكاد يكون مائلاً إلى زرقةِ الجثثْ المتجمّدة !
تولىّ صاحبُ العينين الغريبتين فتْحَ الشَّرفة رغم أنّها تعلم جيداً استحالة فتحها من الخارج ، تهاوت دانيّلا على الأرضِ وتراجعت إلى الخلف بفزع ، تجمّد لسانها عن الحديث وغادرتها القدرة على الكلام واستحال على عقلها أن يعبّر عمّا تراه بكلمات مناسبة .. أو يأتي إليها بتصرّف يتّسق ومثل هذا الوضِع الخطِرْ! تحّول الرّجل القصير إلى قامةٍ فارعةٍ وخرج صوته حاداً لا يشبُه بحَّة اللّحن الحزين قبل لحظات :
- لِمَ تحاولين الهروب آنسة دانيّلا ؟!
امتدّ شيءٌ يشبه اليدين البشريّتين غير أنّهما بلون غريب وأصابع ضخمةٍ لا تنتمي إلِيهما بشيء نحو الفتاة الِّتي التصقت بسريرها وكادت أن تذوب من شدّة الّذعر الّذي كبّلها بقيوده لكنّ اليد المخلبيَّة الخضراء الّتي انبعثت من تحت سريرها فجأة قد أكّدت أن كائناً آخر يتربّصُ بها ويبدو أقرب إلِيها من تلك اليدِ الممدودة نحوها ببطءٍ فجدّدت الكتلة الخضراءُ البيضاويّة فيم يبدو وكأنه رأسٌ آدميّ غريب الشكلل وهي تخرج ببطءٍ من تحت سريرها . جدّدت فيها حيويّة الحياة وبعثت إلى وجهها احمراراً سببه الاندفاع المتسارع لدماءها المتوتّر ونبضات قلبها المرتفعة إلِيها ، أطلقت دانيّلا صرخة مدويّة ثمّ اندفَعت ناحية اليمينِ علّها تنجو من براثن الجسد النحيل الّذي ارتفع ضاحكاً مقهقهاً بمرح ..
مهلا .. لـ لّقد .. [اختفى ! ]
صاحب الجسد الطويّل قد ..
أضيُئت الأنوار الصفراءُ في أرجاء المكان فتسّللت الدموع لعينيها اللّتين اعتادتا على الظلام وفركتهما سريعًا لتفتحهما من جديدٍ ويتزامن المشهد مع صوتٍ مألوفٍ صاح بسعادة :