Claudia Recari
16-07-2015, 15:50
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9021.jpg
خرقة أمل في دياجر الألم: رحيل ~
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9022.jpg
المدخل
حين يعود إلى منزله مساء، يحب أن يسجل بعضًا مما يراه آناء نهاره في مذكرة صغيرة،
ومما كتبه، نقرر اقتباس هذا المقطع البسيط:
كل يوم، وأنا ذاهب إلى العمل،
أراها تقف هناك، قرب الباب الحديدي الضخم، وتتأمل المقبرة على الجانب الآخر من الشارع،
طفلة في عمر الزهور، وفي جمال الطيور، ولكن لعينيها لمعة حزن يقاس زمنها بالدهور!
يكسو جسدها النحيل خرق بالية من بقايا ثياب،
لم أخبرك عنها من قبل يا أوراقي، ولو أنها دائمًا ما أثارت فيَّ الفضول؛
ولكنني أفعل الآن؛ لأنني حين عدت من سفري الذي أكمل أسبوعًا أو ما يزيد،
لم أجدها ترسل إلي آلامها عبر الهواء، لم أجدها ترد على ابتساماتي بشقائها المعتاد،
ومرت الأيام، ولم أتمالك نفسي لطيلة ما غابت،
وقد كان الحنين يملأني لمرآها، حيث اعتدت عليها من مسلمات يومي!
فقررت سؤال رجل رأيته مرارًا يزجرها، مما كان يسوءني،
وكم كان أسفي عميقًا لما سمعته، ولا أخفيك سرًّا أنه أخبرني تلك المعلومات،
بعد دفع بعض المستحقات، وقد ملأت العجرفة القبيحة صوته، بأنفه المرفوع الضخم،
والسيجارة التي يتلاعب بها بين شفتيه؛
ولكنني شعرت – وهذا ما يدعى العجب – بارتياح عميق، لم يتملكني منذ زمن.
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9022.jpg
حين تهت في قلب الوجود، سألتك:
أو لن تعود؟!
فأجبتني أن الفناء، خير من دنيا الركود!
وكيف تختار الرجوع، بعد أن ذقت الهناء؟!
أيكره المرء أن يقربه النوم، بعد أن مل الشرود؟!
سالت دموعي تشتكي: أنسيت أني للحياة أنتمي
أم يا ترى، ضجرت الاعتناء بطفلة مدللة؟!
ضحكت في حينها طويلًا، وأنت تعرف أني سأقول بعد ذلك، يقينًا:
على الأقل، أعطني موعدًا لنجدد اللقاء!
أخبرتني أن أنسى القلق، سيحين موعد آخر، ولابد؛ لتلمس يدي يدك،
في عالم لا ظلم فيه ولا ألم؛
سيكون لقاؤنا، في جنة هواءها نقاء، وزرعها أمل،
يملؤها الصفاء، ننسى فيها الندم،
غيومها محبة، ربيعها الضياء، في جنة المولى، ستحقق رغبتي بإذنه سبحانه بعد الفناء!
أكدت عليك أنه ربما لا نتقابل هناك،
أتوقن لهذه الدرجة، بأنني سأعمل في إخلاص، سأطيع الله في أوامره،
أتجنب دائمًا زواجره؟!
أتوقن أن العالم لن يغيرني؟! أتوقن أن الأسية لن تقتلني؛
فيكتسحني الموت، وأنا بين أحضان الحياة!!
وكان يحدوني الوجع، وظل في نفسي الأرق؛
فقلت ألتمس منك عطفًا، علك ترضى البقاء:
أتقبل إلقائي في بحر من ذئاب؟!
أذكرك بسهوك عن تعليمي القتال، دفاعًا عن الأحباب،
وعن المبادئ رغم الغياب!
وترقرقت قطرات في عينيك، وأنت تطالبني بالنجاة!
تزرع آمالك في أن أظل طويلًا حبلًا من جمال! طفلة لا تعكرها مناجيق الأحزان!
دعوت الله كثيرًا ألا أتغير، ونسيت أن الدنيا، اختبار حقيقي للتطور!
وأضفت أيضًا مذكرًا إياي:
ألم أعلمك السباحة في نهر السلام؟!
فاشتكيت بلوعة، أصرخ، وأشير إلى ما حولى، أشير إلى كل مكان:
كان السلام! كان السلام!! لم يكن حربًا تنهش جثث الأنام!
كان السلام، أمن واطمئنان؛ ليس ثكلى يترنحنون كما النيام،
أجل، نيام! في عالم الصحوة فيه حرام!
غيبوبة نسيان، يجرعوننا كأسًا مخدرًا كي لا نقوى على الكلام!
اشربوا الغرام، وارتشفوه ثلاثًا!
التهوا بالماضي، وكونوا على أجدادكم أعباءً!
أجل، لقد علمتني السباحة في نهر من سلام،
ولكنك تجاهلت تعليمي معنى السلام!
أهو المجازر التي تقام على أعناق الأموات يا ترى
أم شجون الأحياء من دفق الأوهام؟!
لقد تجاهلت تعليمي معنى السلام،
كما تجاهلت تعليمي ماهية مصطلح "النهر"، وكيف يوجد يا ترى،
والكل هنا عطشى لمحض رشفة من أمان؟!
لم تعرف ما تقول، أدركت ذلك إدراكًا،
لقد تفرقت الأحرف، وأبت تجمعًا يصف هذه الأحوال،
بل هي أهوال، أصعب الأهوال، أتعس الأهوال،
سقيمة هي، حتى ليضنيك التفكير في علاجها،
شتيتة هي، حتى لترضى تكتيف يديك عن تقرير البدء في الإلمام بها!
وابتسمت ببراءة؛ لأطلب منك بكل رجاء:
إذًا، لماذا لا تصطحبني معك؛ حيث عالم يخلو من الشقاء؟!
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9022.jpg
المخرج
كان طبيبًا مشهورًا،
لكثرة ما مر عليه من حالات مات فيه الشعور،
أيقن أنها المرة الأولى - منذ زمن طويل - التي يحس فيها بعميق الألم؛
لمجرد وضع الغطاء الأبيض فوق رأسها المضيء؛
فهو لم يضطر حتى لمواجهة أسرة وإخبارهم بوفاتها!
من ذا يسأل عن حال يتيمة مسكينة؟!
أيكون السائق الذي قتلها بتهوره، وفر من مسرح جريمته، كأي جبان لا يستحق ألقاب الرجال؛
أم يا ترى الحارس الذي كان يزجرها ليل نهار، حتى ما أضحت تحاول منه فرارًا،
إلا وقد لقيت مصرعها في أبشع حال؟!
أمسئولة الميتم – تلك العجوز ذات الملامح الصارمة، والعصا الخشبية – تهتم؛
أم يفعل يا ترى شرطي يريد من الموضوع خلاصًا؟!
ولكن هذا ليس كل ما ساءه!
لقد حزن لمرأى ابتسامتها الصافية وهي تسلم روحها لبارئها،
ليس حقدًا على شخص لم يرتكب ما يكفي من ذنوب وليس للأمر علاقة بالحسد،
ولكنه فكر: فتاة مثل هذه، كرهت الحياة ولم تكن قد عاشت فيها العمر الطويل!
كان ولا زال حتى الآن أيضًا،
يقسم لزوجته وأبنائه أنها كانت تشخص بصرها لكأنها تنظر لعزيز غائب!
هل حفتها الملائكة يا ترى من كل جانب؟!
كما كان ولا زال، يدعو لها في كل صلاة،
وفي مكان آخر، وُجد ذلك الشاب الذي يتأمل القمر، ويدعو لطفلة خاطبها بروحه ووجدانه،
ولم يسمع حتى صوتها: يا رب، ارحمها وأمثالها.
الجمعة: 10 يوليو 2015 م.
خرقة أمل في دياجر الألم: رحيل ~
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9022.jpg
المدخل
حين يعود إلى منزله مساء، يحب أن يسجل بعضًا مما يراه آناء نهاره في مذكرة صغيرة،
ومما كتبه، نقرر اقتباس هذا المقطع البسيط:
كل يوم، وأنا ذاهب إلى العمل،
أراها تقف هناك، قرب الباب الحديدي الضخم، وتتأمل المقبرة على الجانب الآخر من الشارع،
طفلة في عمر الزهور، وفي جمال الطيور، ولكن لعينيها لمعة حزن يقاس زمنها بالدهور!
يكسو جسدها النحيل خرق بالية من بقايا ثياب،
لم أخبرك عنها من قبل يا أوراقي، ولو أنها دائمًا ما أثارت فيَّ الفضول؛
ولكنني أفعل الآن؛ لأنني حين عدت من سفري الذي أكمل أسبوعًا أو ما يزيد،
لم أجدها ترسل إلي آلامها عبر الهواء، لم أجدها ترد على ابتساماتي بشقائها المعتاد،
ومرت الأيام، ولم أتمالك نفسي لطيلة ما غابت،
وقد كان الحنين يملأني لمرآها، حيث اعتدت عليها من مسلمات يومي!
فقررت سؤال رجل رأيته مرارًا يزجرها، مما كان يسوءني،
وكم كان أسفي عميقًا لما سمعته، ولا أخفيك سرًّا أنه أخبرني تلك المعلومات،
بعد دفع بعض المستحقات، وقد ملأت العجرفة القبيحة صوته، بأنفه المرفوع الضخم،
والسيجارة التي يتلاعب بها بين شفتيه؛
ولكنني شعرت – وهذا ما يدعى العجب – بارتياح عميق، لم يتملكني منذ زمن.
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9022.jpg
حين تهت في قلب الوجود، سألتك:
أو لن تعود؟!
فأجبتني أن الفناء، خير من دنيا الركود!
وكيف تختار الرجوع، بعد أن ذقت الهناء؟!
أيكره المرء أن يقربه النوم، بعد أن مل الشرود؟!
سالت دموعي تشتكي: أنسيت أني للحياة أنتمي
أم يا ترى، ضجرت الاعتناء بطفلة مدللة؟!
ضحكت في حينها طويلًا، وأنت تعرف أني سأقول بعد ذلك، يقينًا:
على الأقل، أعطني موعدًا لنجدد اللقاء!
أخبرتني أن أنسى القلق، سيحين موعد آخر، ولابد؛ لتلمس يدي يدك،
في عالم لا ظلم فيه ولا ألم؛
سيكون لقاؤنا، في جنة هواءها نقاء، وزرعها أمل،
يملؤها الصفاء، ننسى فيها الندم،
غيومها محبة، ربيعها الضياء، في جنة المولى، ستحقق رغبتي بإذنه سبحانه بعد الفناء!
أكدت عليك أنه ربما لا نتقابل هناك،
أتوقن لهذه الدرجة، بأنني سأعمل في إخلاص، سأطيع الله في أوامره،
أتجنب دائمًا زواجره؟!
أتوقن أن العالم لن يغيرني؟! أتوقن أن الأسية لن تقتلني؛
فيكتسحني الموت، وأنا بين أحضان الحياة!!
وكان يحدوني الوجع، وظل في نفسي الأرق؛
فقلت ألتمس منك عطفًا، علك ترضى البقاء:
أتقبل إلقائي في بحر من ذئاب؟!
أذكرك بسهوك عن تعليمي القتال، دفاعًا عن الأحباب،
وعن المبادئ رغم الغياب!
وترقرقت قطرات في عينيك، وأنت تطالبني بالنجاة!
تزرع آمالك في أن أظل طويلًا حبلًا من جمال! طفلة لا تعكرها مناجيق الأحزان!
دعوت الله كثيرًا ألا أتغير، ونسيت أن الدنيا، اختبار حقيقي للتطور!
وأضفت أيضًا مذكرًا إياي:
ألم أعلمك السباحة في نهر السلام؟!
فاشتكيت بلوعة، أصرخ، وأشير إلى ما حولى، أشير إلى كل مكان:
كان السلام! كان السلام!! لم يكن حربًا تنهش جثث الأنام!
كان السلام، أمن واطمئنان؛ ليس ثكلى يترنحنون كما النيام،
أجل، نيام! في عالم الصحوة فيه حرام!
غيبوبة نسيان، يجرعوننا كأسًا مخدرًا كي لا نقوى على الكلام!
اشربوا الغرام، وارتشفوه ثلاثًا!
التهوا بالماضي، وكونوا على أجدادكم أعباءً!
أجل، لقد علمتني السباحة في نهر من سلام،
ولكنك تجاهلت تعليمي معنى السلام!
أهو المجازر التي تقام على أعناق الأموات يا ترى
أم شجون الأحياء من دفق الأوهام؟!
لقد تجاهلت تعليمي معنى السلام،
كما تجاهلت تعليمي ماهية مصطلح "النهر"، وكيف يوجد يا ترى،
والكل هنا عطشى لمحض رشفة من أمان؟!
لم تعرف ما تقول، أدركت ذلك إدراكًا،
لقد تفرقت الأحرف، وأبت تجمعًا يصف هذه الأحوال،
بل هي أهوال، أصعب الأهوال، أتعس الأهوال،
سقيمة هي، حتى ليضنيك التفكير في علاجها،
شتيتة هي، حتى لترضى تكتيف يديك عن تقرير البدء في الإلمام بها!
وابتسمت ببراءة؛ لأطلب منك بكل رجاء:
إذًا، لماذا لا تصطحبني معك؛ حيث عالم يخلو من الشقاء؟!
http://cdn.top4top.net/i_49a201f9022.jpg
المخرج
كان طبيبًا مشهورًا،
لكثرة ما مر عليه من حالات مات فيه الشعور،
أيقن أنها المرة الأولى - منذ زمن طويل - التي يحس فيها بعميق الألم؛
لمجرد وضع الغطاء الأبيض فوق رأسها المضيء؛
فهو لم يضطر حتى لمواجهة أسرة وإخبارهم بوفاتها!
من ذا يسأل عن حال يتيمة مسكينة؟!
أيكون السائق الذي قتلها بتهوره، وفر من مسرح جريمته، كأي جبان لا يستحق ألقاب الرجال؛
أم يا ترى الحارس الذي كان يزجرها ليل نهار، حتى ما أضحت تحاول منه فرارًا،
إلا وقد لقيت مصرعها في أبشع حال؟!
أمسئولة الميتم – تلك العجوز ذات الملامح الصارمة، والعصا الخشبية – تهتم؛
أم يفعل يا ترى شرطي يريد من الموضوع خلاصًا؟!
ولكن هذا ليس كل ما ساءه!
لقد حزن لمرأى ابتسامتها الصافية وهي تسلم روحها لبارئها،
ليس حقدًا على شخص لم يرتكب ما يكفي من ذنوب وليس للأمر علاقة بالحسد،
ولكنه فكر: فتاة مثل هذه، كرهت الحياة ولم تكن قد عاشت فيها العمر الطويل!
كان ولا زال حتى الآن أيضًا،
يقسم لزوجته وأبنائه أنها كانت تشخص بصرها لكأنها تنظر لعزيز غائب!
هل حفتها الملائكة يا ترى من كل جانب؟!
كما كان ولا زال، يدعو لها في كل صلاة،
وفي مكان آخر، وُجد ذلك الشاب الذي يتأمل القمر، ويدعو لطفلة خاطبها بروحه ووجدانه،
ولم يسمع حتى صوتها: يا رب، ارحمها وأمثالها.
الجمعة: 10 يوليو 2015 م.