PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : مرثية الشيخ حارث الضاري للشاعر الكبير الدُّكْتُور/عِزَّتْ سِرَاج



ليلى حمدي مصطفى
15-03-2015, 11:31
مرثية الشيخ حارث الضاري
شِعْرُ : الشاعر الكبير الدُّكْتُور/عِزَّتْ سِرَاج
ـــــــــ

بَكَتِ الْعُيُونُ وَأَجْهَشَ السَّارِي

لَمَّا تَرَجَّلَ فَارِسُ الدَّارِ

وَالأَرْضُ حَسْرَى وَالسَّمَاءُ حَزِينَةٌ

وَالطَّيْرُ يَرْجُفُ خَلْفَ إِعْصَارِ

وَالْمَوْتُ يَزْحَفُ فِي الطَّرِيقِ مُلَثَّمًا

مَا بَيْنَ أَجْدَاثٍ وَأَسْوَارِ

وَلأَنْتَ وَحْدَكَ لِلْمَنِيَّةِ وَاقِفٌ

مُتَشَوِّقًا لِلْخَالِقِ الْبَارِي

تَبْكِيكَ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ مُجَاهِدًا

حَتَّى بَكَتْ فِي النِّيلِ أَوْتَارِي

وَلَسَوْفَ تَبْقَى فِي الْقُلُوبِ مُخَلَّدًا

تَرْضَى بِأَدْعِيَةٍ وَأَذْكَارِ

كَمْ طُفْتَ حَوْلَ الْعَابِدِينَ بِلَيْلَةٍ

وَعَطَفْتَ فِي صُبْحٍ وَأَسْحَارِ

وَتَصُولُ يَا لَكَ فِي الْوَرَى مِنْ فَارِسٍ

مُتَبَسِّمٍ فِي الْحَرْبِ مِغْوَارِ

وَالنَّاسُ خَلْفَكَ يَهْتِفُونَ لِعَالِمٍ

مُتَوَاضِعٍ بِالْخَيْرِ مِدْرَارِ

رَجُلٍ يَكِرُّ إِذَا الرِّجَالِ تَقَهْقَرَتْ

وَمُنَاضِلٍ كَالْبَحْرِ هَدَّارِ

مَا أَبْصَرَتْ عَيْنِي مَثِيلَ مَثِيلِهِ

فِي الْعِلْمِ فِي حِلٍّ وَأَسْفَارِ

بَرٍّ يَعِيشُ الْعُمْرَ غَيْرَ مُكَابِرٍ

مُتَرَفِّعًا فِي خَيْرِ أَبْرَارِ

حُرٍّ يَثُورُ إِذَا الْكَرَامَةُ أُهْدِرَتْ

عِنْدَ الطُّغَاةِ أَمَامَ أَحْرَارِ

كَالْخَيْلِ يَرْكُضُ لِلْمَنِيَّةِ جَامِحًا

مُتَقّدِّمًا فِي كُلِّ مِضْمَارِ

أَسَدٌ وَلَكِنْ فِي الأُسُودِ مُقَدَّمٌ

إِنْ فَرَّ لَيْثٌ مُدْبِرٌ عَارِي

مَاذَا أَقُولُ إِذَا الْقَصَائِدُ أَنْطَقَتْ

حَجَرًا يَئِنُّ وَرَاءَ أَحْجَارِ؟

وَإَذِا بَكَيْتُكَ فَالْقَصَائِدُ كُلُّهَا

فِي حُرْقَةٍ تَبْكِي وَأَشْعَارِي

وَالْوَرْدُ أَقْبَلَ فِي الْحُقُولِ مُوَدِّعًا

لِنَسِيمِكَ النَّادِي وَأَطْيَارِي

مُتَسَائِلاً عَنْ حُسْنِ طِيبِ رِيَاضِهِ

إِنْ حَنَّ طَيْرٌ فَوْقَ أَشْجَارِي

إِنِّي أُحِبُّكَ وَالْمُهَيْمِنُ شَاهِدٌ

حُبَّ الْمُهَاجِرِ بَيْنَ أَنْصَارِ

وَشَهِدْتُ أَنَّكَ لِلْبُطُولَةِ مَوْئِلاً

تَأْبَى وَتَقْهَرُ كُلَّ جَبَّارِ

مَا عِشْتَ يَوْمًا بِالْوِصَالِ مُتَيَّمًا

أَوْ هَائِمًا فِي عِشْقِ عَشْتَارِ

لَكِنْ عَشِقْتَ مِنَ الْبِلادِ عِرَاقَهَا

وَالنَّهْرُ يَضْحَكُ لِلرُّبَى جَارِي

بَغْدَادُ تَشْهَدُ وَالْمَدَائِنُ كُلُّهَا

مِنْ أَرْضِ تِكْرِيتٍ وَأَنْبَارِ

وَاسْأَلْ دِيَالَى وَالرَّمَادِي وَبَصْرَةً

يَأْتِيكَ مِنْ نَبَأٍ وَأَخْبَارِ

وَاسْأَلْ هُنَالِكَ فِي الضُّحَى بَعْقُوبَةً

تُخْبِرْكَ عَنْ فَجْرٍ وَأَنْوَارِ

وَاذْكُرْ إِذَا شَاهَدْتَ سَامِرَّاءَهُ

رَجُلاً شُجَاعًا بَيْنَ أَخْطَارِ

وَإِذَا رَأَيْتَ عَلَى الرُّبَى فَلُّوجَةً

فَاذْكُرْ رَصَاصَ الْغَدْرِ وَالْعَارِ

وَاذْكُرْ رِجَالاً دَافَعُوا عَنْ عِرْضِهَا

بِالرُّوحِ فِي كَرٍّ وَإِدْبَارِ

كَمْ ذُقْتَ طَعْمَ الْمَوْتِ حِينَ رَأْيْتَهُ

مُتَأَهِّبًا فِي كَفِّ أَقْدَارِ

وَبَذَلْتَ عُمْرَكَ لِلشَّرِيعَةِ نَاصِرًا

لِلدِّينِ فِي فَخْرٍ وَإِكْبَارِ

وَدَفَعْتَ عَنْ حَوْضِ الْعَقِيدَةِ غَازِيًا

وَحَمَيْتَهُ مِنْ كَيْدِ فُجَّارِ

وَظَلَلْتَ عِنْدَ الْعَادِيَاتِ تَصُونُهُ

وَمَنَعْتَهُ مِنْ بَطْشِ أَشْرَارِ

لَمْ تَخْشَ إِلا اللهَ فَوْقَ مَدِينَةٍ

مَقْهُورَةٍ بِرَصَاصِ جَبَّارِ

أَغْفَتْ عَلَى آلامِهَا مَغْلُوبَةً

وَتَسَرْبَلَتْ بِالْخَوْفِ وَالْعَارِ

وَاسْتَسْلَمَتْ لِلْمَوْتِ رَاضِيَةً بِهِ

وَتَمَدَّدَتْ بِفِرَاشِ غَدَّارِ

جَاءَ الْبِلادَ مُدَجَّجًا بِعَتَادِهِ

فِي جَحْفَلٍ لِلْمَوْتِ جَرَّارِ

وَهُوَ الْجَبَانُ إِذَا الْفَوَارِسُ أَقْبَلَتْ

لِتَبِيعَهُ عَشْرًا بِدِينَارِ

وَالْمُسْتَغِيثُ مِنَ الْوَرَى بِعَدُوِّهِ

لَعَلَى شَفَا جُرُفٍ بِهِ هَارِي

يَا قَائِدَ الأَبْطَالِ عِنْدَ صُمُودِهَا

وَمُبَرَّزًا فِي الْبَحْرِ كَالصَّارِي

أَنْتَ انْتَصَرْتَ عَلَى الْمَنَايَا ظَافِرًا

وَصَبَرْتَ فِي جَلَدٍ وَإِصْرَارِ

حَتَّى ارْتَقَيْتَ إِلَى النُّجُومِ مُحَلِّقًا

أَبَدًا كَشَمْسٍ بَيْنَ أَقْمَارِ

فَكَأَنَّكَ اخْتَرْتَ السَّمَاءَ مَنَازِلاً

بِالْمِسْكِ طَابَتْ فَوْقَ أَنْهَارِ

وَالْجَارُ أَحْمَدُ وَالْمَسِيحُ وَيُوسُفٌ

فِي جَنَّةٍ وَالْجَارُ لِلْجَارِ

هَذَا جَزَاءُ الْعَارِفِينَ لِرَبِّهِمْ

فَاهْنَأْ فَإِنَّكَ عَارِفٌ قَارِي

وَالْمَجْدُ كُلُّ الْمَجْدِ أَنْتَ وَرِيثُهُ

فِي مَنْزِلٍ بِالرَّوْضِ مُخْتَارِ

مَنْ ذَا يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ عَلامَةٍ

فَهَّامَةٍ بِالْبِشْرِ مَوَّارِ؟

وَانْظُرْ إِلَى آثَارِهِ مُتَأَمِّلاً

سَرًّا يَبُوحُ وَرَاءَ أَسْرَارِ

تَجِدِ الْبُطُولَةَ وَالْفِدَاءَ تَجَمَّعَا

فِي دَوْحَةٍ كَالنُّورِ وَالنَّارِ

كَاللَّيْثِ يَزْأَرُ وَالْعَرِينُ وَرَاءَهُ

وَاللَّيْثُ حَوْلَكَ حَارِثٌ ضَارِي



شِعْرُ : الدُّكْتُور/عِزَّتْ سِرَاج