PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : الطريق للسماءِ بداخلك , فقط حرّكْ أجنحةَ الحب



Naru-Mina
02-11-2014, 15:11
https://mohannad91.files.wordpress.com/2014/10/d8acd984d8a7d984.jpg



( الطريق للسماءِ بداخلك , فقط حرّكْ أجنحةَ الحب )

[1]
هُنالكَ محطات تستعصي على النسيان , تحفرُ لنفسها أخدودًا في القلب والذاكرة , مهما حاولت لن تستطيع محوها , وهذا ما فعلته تركيا , سيدة بثيابٍ أنيقة , وتسريحة قادمة من الزمن الجميل , بأناقتها الباذخة ونسائها اللواتي يتقاطرن من حبات المطر , الموسيقى , المقاهي , و أزقتها العطرة التي تحتضن الدراويش و الجمال و الضوء و التاريخ و جلال الدين الرومي ..

[2]
هُنا حيث التقى شمس التبريزي بمولانا الرومي , وهنا أمعنت البحث عن شيءٍ يضفي عليّ حياةً جديدة , و ذكرى لا تشيخ , وقد كان لي شرف لقاء جلال الدين الرومي في أحد المتاحف الصغيرة والتي كانت تعرض منحوتات و تماثيل للتاريخ القديم .. في حين أن الحياة تتدفق فيه , كان بعظمته أقرب مني إليّ .. وفي المقاهي حيث الدراويش و النغمة الصوفية النقية , كانت مزيجًا مختلطًا و طاقة روحانية مختلفة عليّ , لم يسترح هذا العقل , فكلما مررت بمنعطفِ تصاعدت أطيافُ أسئلتي عن التصوّف و من هو جلال الدين الرومي هذا !! .. عالمٌ كنت أجهله فأصبحَ يشغلني التفكير فيه , إذ أنني لم أقرأ له سوى تلكَ النصوص المعتقة و الفاتنة جدًا , التي كانت تهطل عليّ في العالم الأزرق .. وحينما عُدت إلى أرض الوطن , استمالت على يديَ مجموعة أوراق كانت في مكتبةِ والدي , تتحدث عن حياة ابن الرومي , هممت بالقراءة بشغفِ , إذ أنني كنت دائمًا ما أعود إلى أبي كُلما استبدت بيَ الحيرة , يأخذني بطريقته اللطيفة في الحديث ويغرس نخلة مليئة بالحكاية والتفاسير الجميلة , وقفتٌ مشدوهًا أمامَ هذي السيرة العظيمة , وبدأت في سرجِ أخيلتي , ورسمِ صورهِ في قلبي .. في حين أنني أمسك بالتمثال الصغير و أبادله الحديث وهو بدوره يشعل شموعه ليضيءَ لي الدروب .. تغيرت أفكاري قليلًا , بدأت بابتكار حياة خاصة , ومرايا أرى نفسي فيها .. كُنت دائما ما أتساءل : ماذا لو لم تقودني الصدف إلى قراءة سيرة مولانا الرومي ؟ والتي كانت بداية الرحلة و معرفتي بالصوفية .. والتي لم أكن أعرف عنها سوى القليل من المشاهد التي ارتبطت بالأفلام القديمة وبعضِ الأغاني العابرة .. ما الذي كان سيحدث لو أنني لم أزر تركيا ؟ …ومن هذي النافذة تراءت إليّ تدوينة فاخرة لأحد الأشخاص و التي كانت تتحدث عن كتاب جديد باسم ” قواعد العشق الأربعون ” للكاتبة : إليف شافاق , غرقتُ في بحرِ سواها , و مضيت بحثًا في فضاء الانترنت عن بعضِ البيانات التي تدلني عن هوّية الكتاب و من أين ابتاعه , إذ أن منطقتي تفتقر إلى المكتبات الكبيرة و الكتب الجديدة ..

[3]
ذاتَ مساءٍ , و بينما كُنت أجلسُ على مقعدٍ أمامَ مدخل شقةٍ في الرياض , غارقًا في الضجر , أحدق في الفراغ و أتأمل وجوهَ العابرين , أبصرتُ صديقي الأنيق ” أنس الحازمي ” – والذي أشغلته بالحديث عن هذي الرواية – كان قادمًا من زيارة قريب , متأبطًا الأوراق و الكتب , صعدنا سويا إلى الشقة , ابتسمَ قليلًا , ثُمَّ أزاح أكداسَ الأوراق عن كتابِ ” قواعد العشق الأربعون .. قال : ” اشتريت نسختين لي ولك ” , تفتحَ الربيع في أعماقي , وتحرّكت داخلي الأشجار , أخذت الكتاب .. في حين أنني لم أترك له فرصة لإكمال حديثه .. اتكأت على الأريكة و بدأت بالتصفح قليلًا , أتحسس الحروف و أستنشقُ رائحة الأوراق التي أحب .. أشعلت بخفةٍ الموسيقى الصوفية , تلك التي اكتحل القلب بها وغدى جناحًا يهوى التحليق . . هنا حيث الهدوء / الموسيقى / الأضواء الخافتة / كل هذا و أكثر كان محرضًا للمُضي في هذي البرية الواسعة و الكنوز النفيسة ..

[4]
هُنا عثرت على لغة مكتوبة بلغةٍ مجبولة من مياه النهر , ومن صفاءٍ يغمر عيني امرأة … تتناول هذي الرواية العلاقة بين قطبي الصوفية مولانا / الشاعر ” جلال الدين الرومي ” و الذي خلّف ارثًا غنيا في هذا المجال , و رفيقه الروحي ” شمس التبريزي ” في مرحلة تاريخية معتمة , كانا وجهان مضيئان لتلك الحقبة , حيث تسير الرواية في خطين زمنيين مختلفين , الأول (1) : ” إيلا ” سيّدة المنزل , تعيش حياة مضطربة , شبه محطّمة , زوجةٌ رجلٍ بالكاد يبادلها العاطفة و الحب التي انطفأت قناديلها ذات يوم , أم لثلاثة أبناء , تقف تلك السيدة على أصابعها أمامَ حافة الرقم 40 من العمر , حيث تبدأ بهز غصون التساؤلات : ما الذي أنجزته خلال هذي التجربة ؟ .. حينها يُبعث إليها كتاب للأخذ برأيها و تدوين الملاحظات عليه هذا الكتاب و الذي يحمل اسم ” الكفر الحلو ” للكاتب ” عزيز ” .. يقوم بتدوير سيرِ حياتها و الصعود بها إلى آفاق شاسعة وأخيلة مريحة , بيد أنها تجد نفسها إنسانة مختلفة قادرة على فرض نفسها ومعالجة كُل ما حدث .. الخط الثاني : وهو ما يدور في ثنايا هذا الكتاب التي تقلّب أوراقه السيدة ” إيلا ” , صفحة صفحة , عن حياة ” جلال الدين الرومي ” العلامة , الشاعر , الخطيب , الواعظ , الروحاني , مؤسس المولوية , ورغم امتلاكه لكل هذي العلوم العميقة والواسعة إلا أنه يفتقر إلى رفيق قريب يحمل شعلته , رفيقٍ روحي , و من العراق يذرعُ درويشي متجول كل بقاعِ الأرض بحثا عن ابن الرومي , كان ذلك هو شمس التبريزي الدرويش المتجول , الصوفي , الشاعر , مفسر الأحلام , رجل بنكهة غريبة , مزيج مختلف , عبر هذي الرحلة الطويلة التي يقطعها شمس التبريزي للقاء جلال الرومي , يمر بعدّة مراحل والتي يستقي منها و ينثر تجربته فيها , إلى أن يصل إلى قونيه والتي يجد فيها جلال الدين الرومي في انتظاره , وهنا تبدأ رحلة جديدة مليئة بالحكمة و الشعر و العذابات الجميلة ..
عند الولوج في الرواية سيلاحظ القارئ أن الكاتب سلّط الضوء أكثر على شمس التبريزي , رغم أن العمل باسم ( جلال الدين الرومي ) قد يتناسى البعض قول شمس ” إنك عندما تكسر إحدى الجرتين فإن الجرّة الأخرى تنكسر كذلك ” فكلما تعمقت في شمس التبريزي تنعكس صورة جلال الدين الرومي أمامك , وجهان لحياة عظيمة وتاريخ مُدهش جدًا

هذي التكتلات التاريخية و الحكايا المكتوبة بالاوراق و المنحوتة في الأسقف و الممرات كان لها آثرها على المرحلة التركية فيما بعد , استطاعت الكاتبة بأسلوبها تكويرها جيدًا ومن ثم وضعها كخلفية أساسية في هذا الكتاب .. هذي القواعد لا تقرأ العقل فقط , بل بالقلب .. تعيدك إلى الفطرة الأولى و تسافر بعد إلى سماءٍ صافية , عندما تنهي هذي الرواية المرنة في لغتها و المميزة في حبكتها تصيبك الدهشة و يستغرقك وقت طويل في التأمل لهذي الأصوات الكثيرة و الخطوط المتعددة والمختلفة التي اخترقت بها ” إليف شافاق ” الزمان / المكان بحبرها و أصابعها الندية , والتي تجعلك تنزلق رويدًا عبر صفحاتها , وتسير فيها بخفة و أناقة غير عابئ بالوقت ..

[ بعضُ من تلكَ القواعد ]

- إن السعي وراء الحب يغيرنا. فما من أحد يسعى وراء الحب إلا و ينضج أثناء رحلته. فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب, حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج .

- عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة , فإنها تصبح غرفة صلاته, لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى الغرفة نفسها, فإنها تصبح خمارته. ففي كل شيء نفعله قلوبنا هي المهمة, لا مظاهرنا الخارجية. فالصوفيون لا يحكمون على الآخرين من مظهرهم أو من هم, وعندما يحدق صوفي في شخص ما , فإنه يغمض عينيه ويفتح عينا ثالثة- العين التي ترى العالم الداخلي

- لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده, روحي أم مادي, إلهي أم دنيوي, غربي أم شرقي .. فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى المزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو , نقي وبسيط العشق ماء الحياة والعشيق هو روح من النار ! , يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء .

- مع أن الأجزاء تتغير, فإن الكل يظل ذاته, لأنه عندما يغادر لص هذا العالم, يولد لص جديد, وعندما يموت شخص شريف, يحل مكانه شخص شريف آخر. وبهذه الطريقة لا يبقى شيء من دون تغيير, بل لا يتغير شيء أبدا أيضا


هنا مدونتي : http://mohannad91.wordpress.com/

أتشرف بكم