PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : "معلم الانتفاضة الأول"



رواتــي
12-07-2014, 09:01
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2023913&stc=1&d=1408273555http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2061595&d=1425669739


الإنارة معدومة تماما في مربع الزنزانة التي أقبع فيها و المتوراية في نهاية ممر ضيق جدا

تراصت زنازننا العشرة على جنبيه بعشوائية كما تترامى أعواد الثقاب العشرة الاخيرة في علبة مستطيلة


لم أكن وحدي في زنزانتي فمعي ظل هذا الجندي المنتصب أمام زنزانتي


جثته أضخم من بوابة الزنزانة فأنا لا اكاد أرى منه سوى جزء من أسفل رقبته عندما يحشر جسده في كرسي بني اللون احياناً

اعتدلت في جلستي لا أعلم كم الساعة الان ولا في أي يوم نحن لكن أستطيع أن أميز صوت حشرات الليل عن صوت حيواني القارض الذي يشاركني الزنزانة ، التفت إليه كان يقرض شيئا أشبه ببقايا طعام


ابتسمت بحسد ، فهذا الحقير يستطيع الحصول على مايسكت به جوع بطنه وقتما يشاء.. يكفي أن يتسلل من فتحة أسفل حائط الزنزانة الرمادي


أحيانا أفكر بسرقته ، لكني اخشى أن يتخذوا ذلك عذرا ليمددوا فترة سجني
رغم أنها على مايبدو أبدية !!


عصافير بطني لم تعد تسثار أبدا رغم أني على خواء معدتي منذ أكثر من يومين
ربما تكون قد نفقت ؛ أو أنها لم تعد تستيغ لعبة التجويع المستمر التي ألعبها معها

تمتمت حمداً واستلقيت على فراشي الحجري عبثا أحاول أن أغفو

هه .. نسيت أنأاخبركم من أنا ، أنا شريف عربي المنشأ والمولد والعرق والانتماء


أقبع هنا منذ زمن بعيد لا أذكر المدة تحديدا لكني هنا قبل أن يغزو هذا البياض شعري ويستفحل فيه وقبل أن يبدو ظهري بهذا الانحناء القاسي حتى قبل أن تبدو ساقاي بهذا النحول والاعوجاج


اممم تهمتي بسيطة جدا !!


فقد حاولت انقاذ أمي من محاولة اغتصاب
لم أقتل ذلك الحقير لكني أصبته حتما
صحيح هه !!


كان المفترض أن يكون هو هنا مكاني أليس كذلك ؟،

لكن شهادة أخويّ الشقيقين أفادت أني أنا من كنت أعتدي على أمي وهذا الغريب حاول منعي
هه!!


لم يكن لدي فرصة لاستيعاب مايحدث حولي لأني حالما استوعبت الصدمة أدركت بأني داخل الزنزانة


هه !!

مؤلم أن أمي أيضا ليست متأكدة تماما من براءتي من تهمتي هذه . لذلك لم تنبس بشفه!


رغم أنها شاركت جزئيا بدفعي هنا إلا اني أعذرها فلو لم تكن فقدت بصرها لما شكت في براءتي حتما


يبدو أنكم تريدون أن تستمعوا لكامل القصة وهذا ما أنا بصدد فعله الآن سأروي ذلك لكن ليس قبل أن تمسحوا نظرات الشفقة من أعينكم فلست بحاجتها أبداً

و لست بحاجة لأن أخبركم أن كلمة تعاطف واحدة كفيلة بجعلي أتوقف عن سرد ماحدث لي !!



اممم


و أيضا انتظروا قليلا ريثما يختفي ظل هذا الجندي المنتصب ويبدأ بسميفونية شخيره المزعج


فلاينقصني أن أقضي ليلتي وأنا أتلوى من وجع سوطه المكهرب على جسمي

أمهلوني قليلا



~~





يتبع~

رواتــي
12-07-2014, 09:02
هل أنتم هنا ؟!

حسنا أعتذر .. لكن يبدو أن شخير جندي العزيز تأخر قليلا .. ربما فطن لما أنا بصدد فعله


لايهم ؛ مؤسف أني لن أستطيع أن أسمعكم جزءا من سمفونية اعتدت على سماعها كل ليلة .. ستحسدونني فعلا !! على الأقل حظي أفضل بكثير من حظوظ رفاقي في الزنان ذات الجندي الذي لايشخر


لن أطيل ؛ رغم أن الوقت يحبو بثقل ولن أخشى طلوع الصبح مبكرا لكني أخشى أن ينقطع شخير هذا الضخم في غير وقته وأفاجأ به فوق رأسي ولا داعي ﻷخبركم بالجزء اللطيف الذي يلي وقوفه على رأسي


لنكمل


أين كنا ؟ نعم نعم نحن لم نبدأ بعد !!

لاتملوا من ثرثرتي فأنتم تستمعون إلى سجين أخرس لمدة ليست بالقصيرة ربما يقدر صمتي بعمر آبائكم و أكثر ..
لنبدأ :





هنا في قريتنا الصغيرة المساء دائما مختلف يأتي كل ليلة ملونا بلون من ألوان الوجع
في ألطف حالاته يكون على شكل مطر من رصاص ينهمر على بيوتنا الطينية بشكل مفاجئ لمدة ساعة لا أكثر يلي ذلك أصوات سيارات الاسعاف وصراخ النساء مختلطا بأنات الجرحى وبكاء الأطفال إلى ساعة متأخرة من الليل ثم يتوقف كل ذلك وتعود حياة القرية الى ماكانت عليه


لاشيء فيها يسمع سوى حفيف الشجر و حشرات الليل



أقف دائما بعيدا انظر الى هذا المشهد الأشبه بقصة ترويها لنا طائرات العدو كل ليلة قبل ان نأوي الى فرشنا ويفترش البعض منا ماتبقى من حطام منزله

أبتسم بحنق وأسحب رجلاي الى حيث منزلنا الذي لايختلف عما حوله من منازل القرية التي لم تقصف بعد
لاباب يدق في منزلنا لذلك ازحت الستارة


لأكون داخل بيتنا الصغير


وركضت نحو غرفتنا كانت هناك على فراشها وكأنها ترتقب عودتي بفارغ الصبر


اشتمام رائحتي كان كفيلا بأن يوقفها على أرجلها فاتحة حضنها لي :

- أنت بخير ؟ الحمدلله


احتضنتني بكل قوة خشيتها علي

وجل فرحها أني لم أكُ ضحيًة لمطر الرصاص المنهمر قبل سويعات

تمتمت :
- سعيد ابن خالة سلامة مات ومنزلهم استحال حطاما


احتضنتني اكثر :

- الحمدلله على كل حال

كان هذا جوابها دائما ، حتى عندما حملت لها نبأ استشهاد جارتنا لم تزد على عبارتها هذه

حررتني من حضنها و انحنت على فراشي تجهزه لي

كنت أراقبها وأنا افكر ماذا لو أصابنا يوما رصاصهم الغاشم؟

ماذا لو اصاب أمي بسوء ؟


ماذا لو عدت من مدرستي يوما لأجد منزلنا كما رأيت منزل جارتنا سلوى قبل شهر


لم يكن هناك سوى الحجارة المتلونة بدمائها ودماء أبنائها الستة ورائحة البارود


"يكفي" همست لنفسي لم أسترسل أكثر.. خشيت أن أفاجأ بأفكاري السوداء فجرا


خرج صوتي مرتجفا :

- أمي لم لانهاجر ؟


توقفت عما كانت تفعله لكنها لم تستدر :

-إلى اين؟
أجبتها و أنا احاول أن يبدو صوتي طبيعيا :

-إلى أي مكان لايوجد فيه مطر على شكل رصاص


لم تكن قد استدارت بعد وهي تسألني :
- ولم ؟


أجبت وأنا اكاد ابكي :

لأني سئمت كل هذا ، سئمت الخوف المرتسم على أعيننا ونحن نترقب كل مساء جنازة نشيعها


سئمت هذا الفقر وهذا الجوع الذي يكاد يفني من تبقى من ابناء القرية


سئمت كل ألوان الحياة الموجودة هنا هذا إن كان مايسمى هنا حياة حقا


لم ألاحظ أني كنت منفعلا جدا ، لكن فارق الصوت بين نبرتي ونبرة أمي التي خرجت بكل هدوء أوضح لي ذلك
استدارت أمي وهي تبتسم :

-ربما تدرك ذلك عندما تكبر ؛ تأكد يا ابني أنه لاحياة لك خارج أرضك ربما تعيش لكنك أبدا لن تحيا


كنت لا أزال على انفعالي :

-حياة أو عيش لا فرق المهم أن نتنفس بعيدا عن رائحة الموت هنا !


اقتربت مني وهي تحتضنني :

-صدقني الموت أرحم من الغربة يا بني ، دع عنك هذا الحديث واستلق الان فأمامنا غد طويل


ارتميت على فراشي بجسدي المنهك من وقوفي هناك أمام منزل خالة سلامة المحطم


كانت صيحاتها ترن في أذني وهي تنوح على ابنها ، كان صغيرا لم يتجاوز العشرين بعد ربما كانت تبني عليه امالا لمستقبل قريب ؟
ليس ربما بل مؤكد!


حجم الألم في صيحاتها تلك كان كفيلا بأن يفتت الافئدة ألما

تقلبت على فراشي لأخرس عصافير بطني لم أسأل أمي عن العشاء فأنا أعلم تماما مايعني أن تتجاهل سؤالي عن كوني جائعا ..لايهم فليس هذا المساء الأول الذي ننام فيه ببطون خاوية


لم أنم ذلك المساء كنت أراقب اللاشيء في سقف غرفتنا الصغيرة وأنا أفكر بمرارة

لم علينا أن نجلس هكذا نترقب سقوط أرواحنا ومنازلنا تحت بطشهم؟


ماذا تعني أمي بأني لن أحيا خارج قريتنا ؟


هل هذه حياة حقا ؟ لاشيء هنا سوى الموت والموت فقط بكل صوره
تنهدت بحرقة ،


هه


كان هذا صوت حفيف ستارة مدخل بيتنا ، وقفت بسرعة من يمكن أن يتسلل إلى بيتنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟


لايمكن أن يكون قطا لأن هذه الكائنات انقرضت من قريتنا منذ زمن بعيد !!


فنحن لانجد مانسد به جوعنا فضلا عما نسد به جوعها


و ليس سارقا أيضا ، فالمنفعة الوحيدة التي حملتها لنا هذه المآسي هو انعدام مايمكن أن يسرق من منازلنا لذلك لايوجد سارقون هنا


خرجت من الغرفة وأنا أراقب أمي خشية أن يوقظها وقع اقدامي على أرضية الغرفة الصلبة


لم أرى أحدا .. كانت الستارة في مكانها ..مؤكد أني توهمت ماسمعت كنت قد هممت أن أعود إلى فراشي عندما تناهى إلى سمعي هممة أحدهم أمام بيتنا ، اقتربت من الستارة


و اتسعت عيناي برعب و وأنا أرى أمامي زوجين من الأقدام
إحداهما حافية والأخرى ترتدي حذاء " ج ن د ي " !!



كنت أود أن أصرخ لكن حتى أنفاسي خانتني في تلك اللحظة وغادرني حتى الهواء وأبت علي رجلاي أن تستدير بي إلى الغرفة
لأحمي أمي أو أوقظها أو أفعل أي شي


كنت هناك متصلبا حتى عندما تحركت ستارتنا بهدوء و دخل منها رأس أعرفه جيدا

رواتــي
12-07-2014, 09:04
يكفي هذا القدر حتى الان ، فشخير عزيزي توقف فجأة و أكاد أشعر بعينيه تستديران يبدو أنه شعر بما أفعل
هاهو ظله يغمر الزنزانة يبدو أنه قادم نحوي سأكمل لكم لاحقا إن بقيت على قيد الحياة
الى الملتقى


~~~~


ها أنا ذا قد عدت لأكمل لكم القصة وهذا يعني أولا
أني بخير ؛ أممم لم يكن سوطه مكهربا هذه المرة لكنه أوجعني قليلا في ضربته المائه

و ثانيا : أن أمري لم يكشف بعد وفعلتي قد غميت على ذلك الضخم برحمة ربي

و ثالثا و الأهم :أني رغم شيخوختي مازالت ذاكرتي لم تعطب بعد وهذا شيء رائع !!



أين كنا في قصتنا نعم نعم عند الرأس الذي اعرفه جيدا
ألم اقل لكم ان ذاكرتي بخير ؟



~~~


تنفست الصعداء و أنا ارى رأس أخي يدخل من خلف الستارة المهترئة وصرخت :

- أنت ، لقد اخفتني ياهذا !!



كانت نظراته متفاجئة أيضا لكنها اختلفت عن نظرتي المطمئنة


كنت سعيدا ؛ فأخي هذا منذ أن غادرنا قبل سبع سنوات وهو لايكاد يزورنا البتة لم نره سوى ثلاث مرات
فكرت بفرحة أمي عندما تراه ؛أسرعت نحوه وأنا اسأله:

-اختفيت لم لم تعد تزرنا !


جاءني صوته متجهما وهو يتجاهل سؤالي :

-خلتك نائما ؟ مالذي ايقظك في هذه الساعة ؟


كان يتقدم نحوي برجله العرجاء ، و أنا متيبس في مكاني شعرت أن شيئا يحدث كما لايجب أن يحدث

ازدررت ريقي وأنا أسترق النظر إلى ماخلف عرجة أخي المتقدمة نحوي كنت انظر الى الأقدام ذات الحذاء الجندي المتصلبة في الخارج بكل وجس


اكتست ابتسامتي باللون الاصفر وأنا أرى نظرات أخي تنظر حيث أنظر


اتكأ على الجدار وهو يضيق عينيه بخبث :

- رأيت ذلك ! لا نفع من اخفاء الامر إذا تعال معي الى الخارج


ضحكاته كانت ترن خلفه وهو يسحبني من يدي للخارج رمى بي أمام تلك الأرجل التي كنت أرقبها قبل قليل

لم أكن قد رفعت عينيّ بعد عندما قال أخي:
-وجدت هذا الجرذ الفضولي مستيقظا يمكننا أن نستفيد من ابعاده فهو يحبها جدا

رفعت جسدي قليلا وسمحت لعينيّ بالنظر


ورأيت أمامي جسداً كان يقف فوق تلك الارجل


" ج ن د ي "

رائحتة كانت تفوح ب دماء أبناء قريتنا .. استطعت أن أشتم رائحة دماء سعيد ابن خالة سلامة ودماء سلوى وأبنائها حتى دماء رفاقي في الصف الذين ماتو بقصف قبل سنة يوم تغيبي من المدرسة


اشتمت رائحة تلك المزارع التي قصفت بهمجية


رائحة تلك المباني التي خرت على رؤوس أصحابها


رائحة كل المواجع التي كنا نعاصرها في قريتنا


رأيت في عينيه لونا من الموت أصاب جسدي برعشة باردة


ابتسامته هذه كانت أشبه بابتسامة أخي الأخيرة
" ابتسامة قناع الزيف الكريهة"
لم يكن ما يحدث حولي يبشر بخير


نظرت إلى أخي علي أجد تفسيراً لما أرى

كان واقفا مستندا إلى الجدار بشكل مائل .. نظر إلي وهو يقول ضاحكا :

-كبرت كثير ياشريف أعرفك على افيخاي صديقي


خرج صوت هذا الأخير مشبعا بمشاعر من حقد وبغض نتنة :

- أهلا شريف ، اسمك جميل !


وابتسم بخبث


ابتلعت ريقي لأبلل حلقي المتيبس قليلا نسيت أني لازلت مسلتقيا تحت اقدامه .. استطعت أن أتكئ على مرفقي المرتجفين وأستوي على قدميّ


كنت أعلم أنه دوري في الحديث ولكن كل ماخرج من حلقي انذاك :

-مالذي يحدث هنا؟


ضحكات الجندي كانت كفيلة بأن تررسل موجات كهربائية من أسفل ظهري إلى أقصى قدميّ :

-خيرا يا صغيري ؟


اقترب أخي مني بعرجته وهو يضع يده في جيبه :

-اسمع شريف أنت ذكي جدا ؛ سمعتك اليوم وأنت تقول لأمك بأنك تريد أن تهاجر .. اممم ما رأيك أن يدبرلك صديقي أفيخاي هروبا آمنا وجوازا رائعا أيضا ؟


كان ينظر إلى عينيّ وذاك الضخم خلفي تماماً

هذا البريق الخطر الذي ألمحه في عينيّ أخي رأيته سابقا عندما كان والدي يحوم ليلا حول منزل العم مراد عمدة القرية


كان هذا في ذات المساء الذي حدثت فيه المجزرة التي نحر فيها كل من في المنزل بعد اغتصاب امرأة مراد وبناته

كنت وحدي من رأيته كان هناك مع أربعة من أفيخاي آخرين .. لا أعلم إن كانو جميعاً بذات الاسم لكنهم كانو كـ أفيخاي هذا وسلموا لأبي ظرفا أبيضا وغادرهم وبعدها صارت المأساة


لم أخبر أحدا ؛ أوهمت نفسي أني توهمت ذاك المساء و أني لم أرى شيئا


حقيقة لم أكن أخشى على أبي بل كنت أخشى على فؤاد أمي وسمعتنا ؛

لكن اخفائي لذلك كان دون جدوى فما لبثت أن فاحت رائحة أبي النتنة بليل بهيم وهو يخرج من معسكر لأفيخائيين كثيرين .. رآه الأهالي والبقية معروفة .. و ليس بالضرورة أن اذكر لكم بأنهم رجموه حتى الموت ؛ كان ذلك قاسيا والأقسى من ذلك مالحق بنا من سمعة لا يجب أن تذكر !!



أرخيت نظري و أنا أفكر بسرعة كبيرة من مخرج عن مأزقي هذا.. لن ألطخ يديّ بذنب يجعل من نهايتي كنهاية والدي


ابتسمت وأنا انظر لأخي :

-مالمقابل ؟! أنا اعلم أن هذا لن يعطي شيئا دون أن يأخذ شيئا أثمن !!


كنت أسأل رغبة مني في اطالة مدة تفكيري فقط

لكني يقينا أعلم مايريد ، يريدني أن أخبرهم عن منزل أحد ما .. مؤكد ولا أستبعد أن يكون منزل خالة أم عمارة فهي تمتلك سبعا من الفتيات الجميلات



جاء صوت أفيخاي باردا كالموت يقطع علي توقعات مخيلتي الصغيرة :

- أريد أن ألهو مع أمك قليلا ؛ يكفي أن تبتعد من هنا فقط ياصغيري فأنا لا اريد ضجة

فجأة سكن كل شيء من حولي حتى حفيف الأشجار توقف ..خلت نفسي لم أسمع جيدا


استرجع عقلي الباطني كلماته ببطء شديد


-ماذا يعني ؟!


نظرت إلى أخي وجدته يبتسم لي :

-شريف أنت ذكي جدا وتعلم مافيه مصلحتك أليس كذلك ؟ أفيخاي دفع لي مبلغا يمكّنني من بناء قصر من ذهب يمكنك أن تحصل على المثل فقط افعل كما فعل أخوك راغب

اتسعت حدقتا عيني وأنا أستوعب الكلمات ببطء شديد :

-راغب ! وماذا فعل راغب ؟
جاءني رده وهو يضع يده على كتفي :

-أخبرته بما يريده أفيخاي وطلبت منه الابتعاد عن المنزل وأعطاه افيخاي ماطلب


هززت رأسي في محاولة مني للانكار مايحدث من حولي :

-انتظر أنا لا افهم.. راغب غادر المنزل منذ شهر تقريبا قبل وفاة خالة سلوى بيوم!
ثم ماعلاقة كل هذا بي أنا ؟ بل ماعلاقة أفيخاي بأمي ومالذي يريد ..

. قطعت كلامي فجأة وقد اتضحت الصورة أمي بشكل موجع ومقزز


وابتسامة أخي تتسع ببلاهة كاشفة عن أسنانه الصفراء


تصاعد الدم إلى وجهي ولا أعلم كيف استطعت ضبط أعصابي ؛ أدخلت الهواء الى رئتيّ بكل هدوء وأنا أهدئ من نفسي


اهدأ ياشريف الموضوع يتطلب تصرفا حكيما أمك في خطر ....



كان أفيخاي يقف خلفي :

-هيه أنت ياصغير لم تطيل علي الموضوع ؟ الفجر اقترب أخبرتك أني لا أريد أن أمسك بسوء ولك ماتشاء من المال فقط ابتعد عن المنزل ..أنا لا أريد أن يستيقظ أهل القرية قبل اتمام ماجئت لأجله

ابتسمت بدوري ببلاهة وانا اتستدير صوب افيخاي :

- اتمام ماجئت لأجله ؟ هههههههه يالها من مهمة نبيلة هههههههه

انفرطت ضحكا وأنا أقترب من افيخاي هذا :

-هل أنت متأكد من اختيارك لأمي؟

ضحك أخي ضحكة سخيفة :

-مازالت جميلة ياشريف ولكن دعنا من هذا كنت متأكدا بأنك ستقتنع بمافيه مصلحتك


ضحكت بهستيريا و أنا لا ابعد ناظري عن أفيخاي :
-أعجبتك أمي أليس كذلك ؟ يبدوأنك تمتلك نظرا ثاقبا رغم صغر عينيك ياهذا
جئت في الوقت المناسب تماما


كنت قد التصقت به تماما وأنا أغرس خنجري الصغير أسفل بطنه واكملت حديثي:

-لكنك اخطأت في اختيارك ياهذا ؛ فليس جميع ابناء أمي يحملون دماء والدي النتنة بداخلهم !!



كنت أرى جحوظ عينيه وأنا أرى بداخلها مواجع أهل قريتي جميعهم
مدارسنا ومزارعنا وشبابنا ومصانعنا واطفالنا !!



كان يحاول رفع يديه ليدفع بي بعيدا وقد سقطت على ظهري وأنا أرقبه يمسك بموضع جرحه ودمائه تقطر نجسا على أرضنا الطاهره


كان غباء منه أن يأتي بدون درع كامل لجسده..

أو ظَنّني اُشترى بالمال ؟


ولكني حمدت ربي أن ألهمني أن أحمل معي خنجرا أينما ذهبت

وجه أخي استحال بحجم البازلاء ولكن بلون أصفر وهو يرى ماحدث لصديقه :

-يا احمق ؛ ماذا فعلت ؟! أحمق أحمق
تهجم علي يضربني بكلتا يديه ، و لم أستطع الدفاع عن نفسي فسنواتي الاحدى عشر لم تكن كفيلة بأن احمي نفسي منه كما يجب


ربما كان يؤلمني ولكن بصدق لم أكن اشعر حينها الا بإرتياح يغمرني لنجاة أمي

سقوط أفيخاي أبعد أخي عن جسدي مؤقتا كان يزمجر أنينا وأخي يحوم حوله كزوجة مذعورة ،


وقفت على رجليّ أركض لداخل المنزل لأرى أمي واقفة امام الستارة.:
- شريف مالذي يحدث هنا ؟

رواتــي
12-07-2014, 09:06
ضممتها بقوة:

-لاشيء لاشيء فقط شجار خفيف



صوت أخي الأرعن وهو يصرخ طالبا النجدة اختلط مع أنين افيخاي المزعج


.لم أكن مهتما بذلك كله احتضنت أمي بقوة وهي تقول بوجس:

-شريف حبيبي مابك ؟ مالذي حدث ؟توقف أنت تكاد تسقطني ،

لكني لم أتوقف ؛ولم أكن أنوي ذلك


دفنت رأسي في حضنها وكأني على علم بأنها مرتي الأخيرة لاحتضانها


و أغمضت عيني مستسلما لاغماءة أو ربما غفوة خفيفة


لم أعلم ماحدث بعد ذلك ؛ كل ماكنت أذكره ثقل القيد حول معصمي و صوت أخي وهو يتلو شهادته الكاذبة أمام قاضٍ بلحية حمراء بظفيرتين


بأني حاولت اغتصاب أمي وافيخاي كان هناك وحاول منعي ولكني أصبته


كانت أمي هناك بجانب أخي راغب الصامت والذي لم ينبس بشفه ، كنت أرى على ملامحها ألما عميقا وهي تراقبني لم أعلم ماهية نظراتها أكانت تودعني أم تطلب مني الصفح ؟!

لكنها لم تتكلم أبدا تلا ذلك صوت القاضي وهو يندد بما فعلته بتعرضي لجندي وهو شيئ لم يسبقني إليه أحد ورأفة بسني الصغير كما يقول


أصدر حكمه علي بالمؤبد بدلا من قتلي او حرقي حيا!!



اصطحبوني لزنزانتي هذه وما زلت هنا منذ ذلك الامد !!

~~~
أعتقد بأني بدأت أتوهم ؛ لم أعد أسمع صوت شخير ذلك الاحمق..يبدو انه انقطع مجددا
هذا يعني أن علي أن أودعكم و أخرج من مخبئي تحت فراشي الحجري حيث أنقش لكم قصتي هذه على أرضية الزنزانة


لم يملأ بعد ظل ذلك الضخم الزنزانة .. وهذا يعني أن بإمكاني أن اخبركم, بأني لازلت لا أعلم عن أمي شيئا لكني أشعر بأنها لاتزال بخير ولم تتعرض للأذى أبدا ..

أممم ببساطة


هذا لأني مازلت أستطيع أن أت ن ف س .


~~~~

دخل الغرفة وهو يركض حافي القدمين ووقف قليلا ليلتقط أنفاسه :


أمي أمي الناس في ثورة .. و الشارع هائج تماما .. وأعتقد بأنها مجرد سويعات وسيبدأ قصفهم اللاإنساني


كانت أمه تقشر البطاطا:


- هم يفعلون ذلك كل مرة لا أعتقد بأنه سينجح ولكن
دعك من هذا كله يا شريف مازلت طفلا و تعال للغداء بعد أن تغسل رجليك جيدا


اعترض شريف وهو يقترب من أمه:

-أمي هذه المرة الشارع هياجه مختلف ، فهم ليسو يريدون تحرير العم شريف ولكن يريدون جنازته !!



سقطت السكينة من يدها وهي ترتخي لتمسك كتفا ابنها :

-ماذا تقول ؟


سعد شريف ؛ فقد استرعى على اهتمام والدته أخيرا:

-العم شريف مات !!


اممم لم يقتل مات ميتة طبيعية ظهر هذا على التلفاز رأيته عند بيت عمة سلامة..

. لم تتركه ليكمل كلامه ...ركضت إلى نافذة المطبخ ووضعت مسفعها على رأسها جيدا

فعلا كما يقول ابنها


كان الشارع ينبض بروح مختلفة هذه المرة !!


وكأن شريف لم يمت بل حلت روحه في أجساد هؤلاء الشباب الذين يملؤون الشوارع انتفاضة و غضبا لا يرد

ابتسمت وهي تراقب ذلك بسعادة ، ربما لو لم يخرج خنجره في ذلك الوقت لكان عليهم أن يترقبو كل مساء قصفا لأرواحهم ومساكنهم أو حتى زيارات النحر الليلية


بكل رضوخ كما كانو يفعلون


نظرت إلى ابنها شريف وهو يغسل رجليه وتمتمت :

- لا مجال لأن أدعك تموت كعمك أو جدك مرجوما ... أو حتى كأبيك بجنازة لن يحضرها أحد
ستموت كعمك شريف ؛ تنتفض لموتك الساحات

وعلى الطرف الآخر


جاء صوت المدرس رخيما وهو ينادي:

-شريف قم اقرأ القطعة التالية
وقف شريف آخر بين رفاقه التلاميذ وابتدأ يقرأ في كتاب التاريخ قطعة بعنوان

"معلم الانتفاضة الأول"



كان شريف بعمر لم يتجاوز الحادية عشر عندما حمل خنجرا ليغرس به في بطن غاشم حاول الاعتداء على أمه
واختلط صوت شريف بصوت المنتفضين بالخارج المطالبين بجثة العم شريف
والتي لم تطل مطالبتهم لها

انتهت

SalTar
12-07-2014, 12:34
بكل صراحة ... افحمتني بحق ...
لم اكن لاتاكد من وجود لابناء بلدي في ابداع مثل هذا الا الآن ... اختك من غزة !!!

رواتــي
13-07-2014, 15:39
أسعدكِ الله !!

وفرج هموم إخواننا في كل زمان و مكان

أنرتِ بوجودك أختاه و أهلاً مداداً بك !!

ṦảṪảἣ
19-07-2014, 23:52
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتُه

من المُعيب أن لا يقف أحد ، لمعلم الانتفاضة الأول .
و عمتِ صباحًا ، كيف حالك أيتها المُناضلة رواتي ؟ أرجو أنك في تمام الصحة و العافية ^^

للحقّ ، لقد قرأتُ الردين الأوّلين و عزمتُ على الإكمال و لا شكّ ، لكنني تراجعتُ لما علمت أنّ الاستمتاع قد لا يأتي كل يوم .
فعزمت على تقسيم القصة لـ بضع من الليالي ، و قد تجدين في كل ليلة بعد انتهاء القراءة ردًا ، و قد لا تجدين ، فالمعذرة!

لكن لدي بعض الأشياء التي استغربتها أو - لنقل - وتّرت علي القراءة بعض الشيء .
أولها : تكرار لفظة الزنزانة بشكل كبير في السطور الأولى ، رغم أنه كان بإمكانك حذفها نهائيًا أو استبدالها بضميرٍ مناسب .
ثانيها : اختلاف السرد فـ شريف هو الراوي ذاته ، يحكي القصة و كأنها بثُّ مباشر .. و هذا ما استغربته فنحنٌ في أجواء سجن ، و على أية حال
إذا كان لا يُعطى ماءً و لا طعام ، فكيف له أن يعطى ورق و قلم ؟ لا أدري شعرت بأنّ ذلك خلق عيبًا ما في القصة .

هذا مالحظته في أول ردين حقيقة ، و اعتذاراتي لو أزعجتك بما قُلت و لكنني لم أرغب لكاتبة ذات قلم وهّاج أن لا يرتقي .
أما البقية فتبارك الله ، عباراتي لا تكفي للقول بمقدار استمتاعي و إبداعك .


كل التوفيق لك .

ṦảṪảἣ
20-07-2014, 20:35
مساء الخير مُجددًا، ها قد عدت و أكملت بقية القصة كلها دفعة واحدة ^^

ببساطة، رائعة! لم أكن لأنتظر أقلّ من هذا!
لا أخفيك .. فالقصة شاعرية حدّ البكاء ، و خيانة المسلم للمسلم أبكى و أوجع.

كرهتُ راغب.. و أخُ راغب.. و أحببتُ كل الشرفاء الذين كشريف!
و لا أحد يوصل قراءه إلى نوعٍ من هذه المشاعر إلا و هو كاتب مبدع و لا شكّ.

جعلك الله نبراسًا للخير أينما كنتِ ، أحسنتِ .. أحسنتِ بل و أجدتِ .. تبارك الله .. أرجو لك كل التوفيق في القادم.
و عرفتُ أين كان يكتب شريف قصته، رغم أن هذا صعب بعض الشيء.. خصوصًا في سجون اليهود!

أنتظر أن أقرأ لكِ قريبًا مرة أخرى ..

رواتــي
21-07-2014, 07:21
صباح النور و الحبور أيها الفاضل :)

شهادتك وسام وفخر وسعادة لي أخي

أشكر لك مرورك العبق بأنفاس حوريات الليلك على ثُرى كلماتي

حضور كريم و لفتة نافعة لا تُستَغرب من أمثالكم أسياد الحرف و مبدعيه

ربما تبدو غريبة -طريقة إيصال القصة من شريف-

لكن القصة كانت وحي اللحظة .. نعم .. كُتبت في السيارة جزءً بعد جزء

فثمة منتظرات لها في الواتس أب ^^"

ثم ارتأيت وضعها هنا كماهي

لست هنا بصدد التبرير لها قطعاً .. بل انتشيت فرحاً بملاحظاتك و إعجابك بالقصة

بورك في مرورك .. جعل الله السعادة نصيبك في الدنيا و الآخرة

دمت و الخير و النقاء و دام حضورك المنفرد العطر

لك أطيب التحايا أيها الفاضل

مَ ✖
06-06-2015, 00:40
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
سَأعود :رامبو:

مَ ✖
06-06-2015, 17:32
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
سَأعود :رامبو:



السَلامُ عليكم ورحمة الله وَبركاته ،
كَيف الحال :لقافة: ؟ ، بِإذن الله بِخير
بِداية عِندما قَرأت العُنوان بَدأت أفكر عن ماهية القِصة
عُنوان جَميل بِصراحة
،
القصة بِشكل عام جميلة وُمحتواها أجمل ،
الأُسلوب الذي اتبعته كَان رائعا بِالفعل ،
أن يَتحدث هُو عن نفسه وَيسرد الأمر بِهذا الشكل
لَقد كَان حَسنا :036:
جَعلني أشعر كما لو أنه مَشهد تمثيلي أمامي ،
فِي كُل كلمة يَرويها أشعر بأنني أزداد عُمقا فِي القصة كَما لو أنني أشهدها حَدثا حي أمام عَيني
،
فِي البداية عِندما تَحدث عن سَبب جُلوسه وبقائه فِي هَذه الزنزانة صُدمت ،
وازدادت صَدمتي عِندما كَان يَروي ما حَدث لهُ :030:
عِندما تَحدث مع والدته عَن الهِجرة وتبريره رَغبته بالأَمر ،
ما الذيِ علي قَوله " حَسبنا الله ونِعم الوكيل "
وَإجابة الأُم له كَلماتها جَميلة
[ ربما تدرك ذلك عندما تكبر ؛ تأكد يا ابني أنه لاحياة لك خارج أرضك ربما تعيش لكنك أبدا لن تحيا ]
ذَاك الأخ المُستفز ، كِلاهما راغب و الثاني الذي أحضر الجُندي
لَكن الأَمر المُستفز هُنا حَقا أن والدهما فَعل ذلكَ أيضا
المَوقف الجَميل حَقا هُنا عِندما اقتربَ منهُ بِكلماته وَلكنه قَام بِطعنه ،:تدخين:
لِِم لَم تطعنه في قَلبه :028:

وموقف شَريف عِندما دَخل لأمه واحتضنها ثُم أُغمي عليه :وداع: - كَان مُؤثرا -
،
الجَميل فِيما حَدث هُو أن الأَمر لَم ينتهي هُنا ، بَل عَلم الناسُ بالحقيقة وَأدركوها
وتَم تسمية البَعض بِشريف أيضا :رامبو:

..
لَقد كَانت القِصة جَميلة بِالفعل ،
أسألُ الله العظِيم أَن ينصر إخواننا فِي فلسطين وَيرد كيد الأعداء فِي نُحورهم
، وَينصر الضُعفاء المُسلمين المُستضعفين فِي كُل مكان ..

إلى اللقاء ، والسلامُ عليكم ورَحمة الله وبركاته .

جثمان ابتسامة
13-06-2015, 11:20
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله أن تكوني بخير يا آنسة رواتي

قصة أو قضية إنسانية كهذه لا تمر على الأذهان مرور الكرام

توقعتُ شيئًا آخر أوحته لي كلمة " الانتفاضة " في العنوان

نسجتِ القصة ببراعة يا آنسة ما شاء الله تبارك الله

لقد أثرت بي حقيقة .. آلمني وأعجبني بذات الوقت استخدامك لاسمي " شريف " و "راغب "

رمزية مرتبطة ارتباطًا قويًا بالواقع

أشعر بعد قراءة قصص كهذه بالصحوة وتقلص الرغبات الدنيوية الأخرى

هناك أمور مهمة وهناك أمور أهم والعاقل يدرك الفرق

بارك الله بكِ وبموهبتكِ يا آنسة

دمتِ في رعاية الله .