آلاء
22-05-2014, 12:01
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2017353&d=1406521596 (http://www.mexat.com/vb/showthread.php?t=1106700)
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1996947&d=1400494001
×××
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1996949&d=1400494001
حَدثَ هذا قًبل حوالي عشرة أعوام، سأروي لكم بالتفصيل كيف كنت قبل الآن، كيف أثمرت شجرتي الصغيرة.
عام 2004، شهر حزيران :
كنت طالبة في الثانوية العامة، آخر سنة في الفرع العلمي، و الأهم من هذا كله أن طيبة القلب التي ورثتها عن والدي، كانت أضعاف ما هي عليه الآن.
و لا أنكر بأنها من دمرتني وقتها، كرهت كل شيء، و كرهت نفسي أكثر من كرهي لطيبة قلبي.
شهر حزيران، هو شهر مشحون بكل أنواع العصبية و الانفعال، كيف لا و هو شهر امتحانات الثانوية العامة!
تبدأ الامتحانات في بلدي تقريباً في منتصف هذا الشهر، و تستمر حتى الأول من شهر تموز، لم يكن النظام وقتها مثل الآن، أي نظام الفصلين،
بل كان نظام الفصل الواحد، و هو صعب للغاية، بحيث أن ما أدرسه طوال الفصلين الدراسيين يتم تقديمه دفعة واحد نهاية الفصل الثاني.
أما الآن فالنظام مختلف، أي نهاية كل فصل هناك امتحان، و هو ما خفف الكثير على الطلاب.
المهم، أذكر وقتها ما رأيته في أول امتحان، كانت تجربة الامتحانات الوزارية جديدة بالنسبة لي، خاصة مع أجواء الرهبة التي يقوم الآخرون بنشرها بين الطلاب.
بدأ الامتحان و بدأت في الإجابة، ثم بدأت تلك الطالبة التي تجلس خلفي تماماً في طلب بعض الأجوبة، لم أهتم لعواقب فعلتي، أعطيتها و يا ليتني لم أفعل.
استمر الحال هكذا منذ بداية الامتحان الأول، و حتى نهاية الامتحان الأخير، أعطيتها كل ما لدي من معلومات، لكنني نسيت نفسي!
انتهت الامتحانات و حان وقت إعلان النتائج.
لم أنجح في مادتين، و نجحت تلك الفتاة!
هل قادتني طيبتي إلى تدمير نفسي هكذا؟ هل أنا حمقاء إلى هذه الدرجة حتى أعطيها ما لدي و أنسى نفسي؟
لا أزال حتى اليوم أستغرب كيف فعلتها!
حتى هي استغربت نجاحها و قالت للجميع : يجب أن أرسب، و هي من تستحق النجاح، تقصدني أنا بالطبع.
مررت بعد هذه التجربة القاسية، بتجربة مريرة للغاية لن أتمكن من قولها لكم، لكن هذه التجربة بالذات صقلت شخصيتي بشكل كبير.
لم أعد تلك الفتاة التي ترضخ لطلبات الآخرين مهما كانت عواقبها، و لم أعد تلك الساذجة التي تتنازل عن حقها في أي شيء.
وضعت حجراً على ذلك القلب كي يسكته متى ما وجب السكوت.
لا أنكر أن طيبتي لا تزال موجودة حتى الآن، لكنها ليست كالسابق بالتأكيد.
بعد حوالي ثلاثة أعوام عدت إلى مقاعد الدراسة، تجربتي السابقة أعاقت دراستي بشكل كبير.
لكنني لم أنس بأن لدي هدف معين هذه المرة، لن أتخلى عنه ما حييت.
لطالما تمنيت في صغري بأن أصبح طبيبة، ثم تحولت أمنيتي تلك إلى أن أصبح محامية، لكن أثناء تجربتي المريرة تغير الحلم بالكامل.
التصميم الجرافيكي
سمعت عن هذا التخصص في الصحف الأسبوعية، لم أعلم وقتها ما هذا التخصص، لكن مما فهمته أنه تخصص متعلق بالفنون.
الفنون، تكررت هذه الكلمة في ذهني حتى عرفت أن ما أحببته في صغري سيظهر في كبري.
و حتى أدرس هذا التخصص عليّ أن أكمل الثانوية العامة التي ضاعت منذ زمن، و بالفعل سجلت لها مرة أخرى لكن بتخصص مختلف.
قمت بتقسيم المواد على فصلين حتى أريح نفسي من جهة، و من جهة أخرى فهذا التخصص جديد عليّ و دراستي منزلية،
أي وجب عليّ التحضير جيداً.
بدأت بالدراسة كل يوم، أسجل و اكتب و أحفظ، شعرت بأن هذا التخصص ممتع أكثر من العلمي بالنسبة لي، أحببته كثيراً و استمتعت به.
أنهيت الفصل الأول ثم الفصل الثاني، و انتظرت النتائج.
هل هذا ما يشعر به من يتوقع النجاح!
حملت في يدي الهاتف المحمول، و أنا أنتظر رسالة الخدمة التي تعطيني النتيجة، لكن دقات قلبي كانت مسموعة بشكل غريب.
أنا متأكدة بأنها مسموعة لمن حولي أيضاً.
انتظرت مدة طويلة، أو لعلها قصيرة بالنسبة لأسرتي، لكنها قاتلة بالنسبة لي.
ثم رن الهاتف معلناً وصول الرسالة، هل أفتح أم لا؟
ماذا أفعل؟ احترت كثيراً ثم تشجعت و فتحت الرسالة.
ناجح
كل ما أذكره أنني كنت أقف على الأرض و أنا أقرأ الكلمة في ذهني، قفزت في الهواء بشكل هستيري، و بكيت من الفرح.
حقاً فرحة النجاح لا يعادلها أي فرح.
لكن هذه كانت مجرد بذرة زرعتها، و اهتممت بها حتى رأيت ورقة خضراء صغيرة بدأت في النمو، و حتى تنمو شجرتي يجب عليّ أن أكمل.
أقنعت نفسي بأن لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس، و بأنني لا أزال في البداية.
أعرف بأنني أستطيع، و لو أحببت الدراسة فإنني سأنجح بالتأكيد، حبي للدراسة لم يكن حباً عادياً، بل كان حباً صادقاً ممزوجة بالعقل و العاطفة.
سجلت في كلية الفنون التطبيقية تخصص التصميم الجرافيكي.
منذ سمعت به و أنا أريده، شعرت بأنه سيكون شجرتي الصغيرة، متعددة الأفرع، و بالفعل كان التخصص مثلما تخيلت.
تخصص رائع بكل معنى الكلمة، أمضيت سنوات دراسة ممتعة و رهيبة، تعلمت الفن و التاريخ و الأدب و الخط و التصميم الرقمي و المطبعي،
و أكثر ما ساعدني وجود أستاذي الكبير المهندس نور الدين النادي، و هو مؤلف معظم كتب التصميم الجرافيكي.
أستاذ عبقري لديه من المعرفة الكثير الكثير، استفدت منه في شتى العلوم، حتى أنه عرفني على أشياء خارجة عن المنهاج الدراسي.
و الحمد لله بدأت شجرتي تكبر أكثر فأكثر، حصلت على المركز الأول طيلة فصول دراستي، و في كل مرة كنت أتمنى أن لا تنتهي الدراسة رغبة مني في المزيد.
لكن يجب أن نتخرج و ننخرط في سوق العمل.
تخرجت بتقدير جيد جداً، ثم بدأت في البحث عن العمل، و هو ما يعني في بلدي : المعاناة الكاملة.
فالعمل ليس هيناً، لذا استمر بحثي لمدة عام كامل، حتى أتت تلك الفرصة، اتصلت بي إحدى الشركات و حددت موعداً للمقابلة.
ذهبت بدون تردد، أعلم بأنها مقابلة عادية، فقد جربتها عشرات المرات، لكنها هذه المرة كانت مختلفة.
انتهت المقابلة و ذهبت إلى المنزل، و أثناء تواجدي في الحافلة رن هاتفي، كان مدير الشركة.
وافق المدير عليّ و تقرر أن يكون دوامي منذ الغد.
و بالفعل بدأت في العمل، لأرى عالماً جديداً لا مكان للضعيف و الطيب فيه.
فتيات!
نعم الشركة كلها فتيات لا يوجد إلا المدير و المحاسب فقط، و عالم الفتيات عالم غامض و من الصعب الانخراط فيه.
لكنني لن أقبل بهذا، أزلت عن وجهي قناع الطيبة و دخلت هذا العالم.
لن أنكر أن الأمر كان صعباً في البداية، خاصة عندما علمت أنني هنا كي أحل مكان رئيسة قسم الجرافيك، بدأت هي بتعليمي أساسيات العمل.
ثم خرجت من الشركة بعد شهر واحد من تواجدي فيها، و هنا بقيت أنا لوحدي في هذا القسم.
بدأت تتوالى عليّ الطلبات عن طريق هاتفي، مقابلة اليوم و مقابلة غداً، لكنني الوحيدة الآن، فلو خرجت لن يتبقى لدى الشركة أي مصمم.
لذا رفضت بحجة أنني أعمل الآن، و استمررت في العمل.
لدي طبيعة غريبة لدى أي عمل، فهو بالنسبة لي مسؤولية كبرى، و له أولوية قصوى قبل أي شيء.
توالت الأيام، و بدأت في معرفة كل شيء، حتى أتقنت العمل تماماً، و بدأت في تدريب فتيات جدد لفريقي الجديد.
أصبح عندي في الفريق، ثلاث مصممات، علمتهنّ كل شيء، حاولت أن أكون حازمة و لينة، فلكل تصرف وقت مناسب بالنسبة لي.
و الحمد لله اتخذت وضعي في الشركة، حتى أصبح الاستغناء عني أمراً مستحيلاً بالنسبة لهم.
و لأنني أحب الدراسة فقد قمت بالتسجيل في معهد للغات، بحيث أذهب إليه مرة واحدة في الأسبوع، و هكذا أقضي على روتين العمل اليومي.
و هنا فقط شعرت بأن لدي حباً للغات يضاهي حبي للعمل، أخذت أدرس و أحفظ حتى أحببت كل لغة أدرسها، و أصبحت أتمنى أن أدرس جميع اللغات دفعة واحدة!
ساعدتني هذه الدراسة كثيراً، فلم تعد حياتي عملاً فقط، بل و دراسة و هي حبي الأول، كنت أدرس و أعمل حتى أنني لم أكن أذكُر الطعام
و الشراب إلا لو ذكرتني صديقتي بهما.
استمررت في العمل لمدة عام كامل، ثم قررت الخروج، لأسباب خاصة بي، لكن أمر استقالتي رُفض تماماً من جهة المدير، بل و عرض عليّ أن آخذ إجازة لمدة شهر لو أحببت حتى أريح أعصابي و و أستغل رمضان جيداً، و بقيت لمدة أسبوعين أحاول معه حتى وافق على مضض.
لكن موافقته كانت مشروطة بأن أبقى أعمل لديهم من المنزل، حتى لا يخسروا ما أقوم به.
بالنسبة لمدير الشركة فقد كنت آلة متنقلة للعمل، أعمل كل شيء بدون أي خسارة، فمنذ أول يوم حتى آخر يوم لي هناك كان عملي ممتازاً و لله الحمد.
وافقت على هذا، و بالفعل خرجت و أصبحت أعمل من المنزل فقط متى ما أحببت، و هنا رأيت أفرع شجرتي التي كبُرت أثناء عملي بحاجة إلى أوراق و ثمار.
لا أحب أن أخسر أي ثانية من وقتي بلا فائدة، فأنا أعلم أنني محاسبة على وقتي هذا أمام الله سبحانه و تعالى.
لذا أحببت أن أستغل وقتي في شيء آخر، دخلت عالم النت من الباب الثاني، ألا و هو باب التعليم.
سجلت في الكثير من المواقع التعليمية، تعلم اللغات، و تطوير المواهب، و تغذية ذاكرتي بالكثير من الأفكار التصميمية.
شعرت بأن هذه هي الثمار التي انتظرتها منذ زمن، تسلحت بالعزيمة و الإرادة و أحببت العلم بشكل عجيب.
صرت أطّلع على الكثير من المعلومات و البيانات التي جعلت من عقلي موسوعة مليئة بكل شيء و لله الحمد.
حتى إخوتي لو خطر على بالهم سؤال ما، يتوجهون لي مباشرة، و لو أخبرتهم بالجواب فهم سيعرفون بأنه الجواب الصحيح،
حاول أحدهم مرة أن يناقشني في أمر ما، لكنني أنهيت المناقشة بأن قلت : تذكر بأنني من المستحيل أن أناقش إلا لو علمت بأن رأيي هو السليم فلا تحاول معي.
أعرف بأنني تغيرت كثيراً عما مضى، أحببت العلم بكل وسائله الرائعة، فقد صنع مني شخصية أخرى، أصبحت لا أهاب و لا أخاف إلا ربي.
كيف أخاف غيره، و قد تسلحت بالعلم و المعرفة؟
لم أعد أهتم بنضوج ثماري، لأنني أعلم أنها لن تنضج، لأنني مهما تعلمت سأبقى أفتقر للمعرفة.
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1996950&d=1400494001
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1996947&d=1400494001
×××
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1996949&d=1400494001
حَدثَ هذا قًبل حوالي عشرة أعوام، سأروي لكم بالتفصيل كيف كنت قبل الآن، كيف أثمرت شجرتي الصغيرة.
عام 2004، شهر حزيران :
كنت طالبة في الثانوية العامة، آخر سنة في الفرع العلمي، و الأهم من هذا كله أن طيبة القلب التي ورثتها عن والدي، كانت أضعاف ما هي عليه الآن.
و لا أنكر بأنها من دمرتني وقتها، كرهت كل شيء، و كرهت نفسي أكثر من كرهي لطيبة قلبي.
شهر حزيران، هو شهر مشحون بكل أنواع العصبية و الانفعال، كيف لا و هو شهر امتحانات الثانوية العامة!
تبدأ الامتحانات في بلدي تقريباً في منتصف هذا الشهر، و تستمر حتى الأول من شهر تموز، لم يكن النظام وقتها مثل الآن، أي نظام الفصلين،
بل كان نظام الفصل الواحد، و هو صعب للغاية، بحيث أن ما أدرسه طوال الفصلين الدراسيين يتم تقديمه دفعة واحد نهاية الفصل الثاني.
أما الآن فالنظام مختلف، أي نهاية كل فصل هناك امتحان، و هو ما خفف الكثير على الطلاب.
المهم، أذكر وقتها ما رأيته في أول امتحان، كانت تجربة الامتحانات الوزارية جديدة بالنسبة لي، خاصة مع أجواء الرهبة التي يقوم الآخرون بنشرها بين الطلاب.
بدأ الامتحان و بدأت في الإجابة، ثم بدأت تلك الطالبة التي تجلس خلفي تماماً في طلب بعض الأجوبة، لم أهتم لعواقب فعلتي، أعطيتها و يا ليتني لم أفعل.
استمر الحال هكذا منذ بداية الامتحان الأول، و حتى نهاية الامتحان الأخير، أعطيتها كل ما لدي من معلومات، لكنني نسيت نفسي!
انتهت الامتحانات و حان وقت إعلان النتائج.
لم أنجح في مادتين، و نجحت تلك الفتاة!
هل قادتني طيبتي إلى تدمير نفسي هكذا؟ هل أنا حمقاء إلى هذه الدرجة حتى أعطيها ما لدي و أنسى نفسي؟
لا أزال حتى اليوم أستغرب كيف فعلتها!
حتى هي استغربت نجاحها و قالت للجميع : يجب أن أرسب، و هي من تستحق النجاح، تقصدني أنا بالطبع.
مررت بعد هذه التجربة القاسية، بتجربة مريرة للغاية لن أتمكن من قولها لكم، لكن هذه التجربة بالذات صقلت شخصيتي بشكل كبير.
لم أعد تلك الفتاة التي ترضخ لطلبات الآخرين مهما كانت عواقبها، و لم أعد تلك الساذجة التي تتنازل عن حقها في أي شيء.
وضعت حجراً على ذلك القلب كي يسكته متى ما وجب السكوت.
لا أنكر أن طيبتي لا تزال موجودة حتى الآن، لكنها ليست كالسابق بالتأكيد.
بعد حوالي ثلاثة أعوام عدت إلى مقاعد الدراسة، تجربتي السابقة أعاقت دراستي بشكل كبير.
لكنني لم أنس بأن لدي هدف معين هذه المرة، لن أتخلى عنه ما حييت.
لطالما تمنيت في صغري بأن أصبح طبيبة، ثم تحولت أمنيتي تلك إلى أن أصبح محامية، لكن أثناء تجربتي المريرة تغير الحلم بالكامل.
التصميم الجرافيكي
سمعت عن هذا التخصص في الصحف الأسبوعية، لم أعلم وقتها ما هذا التخصص، لكن مما فهمته أنه تخصص متعلق بالفنون.
الفنون، تكررت هذه الكلمة في ذهني حتى عرفت أن ما أحببته في صغري سيظهر في كبري.
و حتى أدرس هذا التخصص عليّ أن أكمل الثانوية العامة التي ضاعت منذ زمن، و بالفعل سجلت لها مرة أخرى لكن بتخصص مختلف.
قمت بتقسيم المواد على فصلين حتى أريح نفسي من جهة، و من جهة أخرى فهذا التخصص جديد عليّ و دراستي منزلية،
أي وجب عليّ التحضير جيداً.
بدأت بالدراسة كل يوم، أسجل و اكتب و أحفظ، شعرت بأن هذا التخصص ممتع أكثر من العلمي بالنسبة لي، أحببته كثيراً و استمتعت به.
أنهيت الفصل الأول ثم الفصل الثاني، و انتظرت النتائج.
هل هذا ما يشعر به من يتوقع النجاح!
حملت في يدي الهاتف المحمول، و أنا أنتظر رسالة الخدمة التي تعطيني النتيجة، لكن دقات قلبي كانت مسموعة بشكل غريب.
أنا متأكدة بأنها مسموعة لمن حولي أيضاً.
انتظرت مدة طويلة، أو لعلها قصيرة بالنسبة لأسرتي، لكنها قاتلة بالنسبة لي.
ثم رن الهاتف معلناً وصول الرسالة، هل أفتح أم لا؟
ماذا أفعل؟ احترت كثيراً ثم تشجعت و فتحت الرسالة.
ناجح
كل ما أذكره أنني كنت أقف على الأرض و أنا أقرأ الكلمة في ذهني، قفزت في الهواء بشكل هستيري، و بكيت من الفرح.
حقاً فرحة النجاح لا يعادلها أي فرح.
لكن هذه كانت مجرد بذرة زرعتها، و اهتممت بها حتى رأيت ورقة خضراء صغيرة بدأت في النمو، و حتى تنمو شجرتي يجب عليّ أن أكمل.
أقنعت نفسي بأن لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس، و بأنني لا أزال في البداية.
أعرف بأنني أستطيع، و لو أحببت الدراسة فإنني سأنجح بالتأكيد، حبي للدراسة لم يكن حباً عادياً، بل كان حباً صادقاً ممزوجة بالعقل و العاطفة.
سجلت في كلية الفنون التطبيقية تخصص التصميم الجرافيكي.
منذ سمعت به و أنا أريده، شعرت بأنه سيكون شجرتي الصغيرة، متعددة الأفرع، و بالفعل كان التخصص مثلما تخيلت.
تخصص رائع بكل معنى الكلمة، أمضيت سنوات دراسة ممتعة و رهيبة، تعلمت الفن و التاريخ و الأدب و الخط و التصميم الرقمي و المطبعي،
و أكثر ما ساعدني وجود أستاذي الكبير المهندس نور الدين النادي، و هو مؤلف معظم كتب التصميم الجرافيكي.
أستاذ عبقري لديه من المعرفة الكثير الكثير، استفدت منه في شتى العلوم، حتى أنه عرفني على أشياء خارجة عن المنهاج الدراسي.
و الحمد لله بدأت شجرتي تكبر أكثر فأكثر، حصلت على المركز الأول طيلة فصول دراستي، و في كل مرة كنت أتمنى أن لا تنتهي الدراسة رغبة مني في المزيد.
لكن يجب أن نتخرج و ننخرط في سوق العمل.
تخرجت بتقدير جيد جداً، ثم بدأت في البحث عن العمل، و هو ما يعني في بلدي : المعاناة الكاملة.
فالعمل ليس هيناً، لذا استمر بحثي لمدة عام كامل، حتى أتت تلك الفرصة، اتصلت بي إحدى الشركات و حددت موعداً للمقابلة.
ذهبت بدون تردد، أعلم بأنها مقابلة عادية، فقد جربتها عشرات المرات، لكنها هذه المرة كانت مختلفة.
انتهت المقابلة و ذهبت إلى المنزل، و أثناء تواجدي في الحافلة رن هاتفي، كان مدير الشركة.
وافق المدير عليّ و تقرر أن يكون دوامي منذ الغد.
و بالفعل بدأت في العمل، لأرى عالماً جديداً لا مكان للضعيف و الطيب فيه.
فتيات!
نعم الشركة كلها فتيات لا يوجد إلا المدير و المحاسب فقط، و عالم الفتيات عالم غامض و من الصعب الانخراط فيه.
لكنني لن أقبل بهذا، أزلت عن وجهي قناع الطيبة و دخلت هذا العالم.
لن أنكر أن الأمر كان صعباً في البداية، خاصة عندما علمت أنني هنا كي أحل مكان رئيسة قسم الجرافيك، بدأت هي بتعليمي أساسيات العمل.
ثم خرجت من الشركة بعد شهر واحد من تواجدي فيها، و هنا بقيت أنا لوحدي في هذا القسم.
بدأت تتوالى عليّ الطلبات عن طريق هاتفي، مقابلة اليوم و مقابلة غداً، لكنني الوحيدة الآن، فلو خرجت لن يتبقى لدى الشركة أي مصمم.
لذا رفضت بحجة أنني أعمل الآن، و استمررت في العمل.
لدي طبيعة غريبة لدى أي عمل، فهو بالنسبة لي مسؤولية كبرى، و له أولوية قصوى قبل أي شيء.
توالت الأيام، و بدأت في معرفة كل شيء، حتى أتقنت العمل تماماً، و بدأت في تدريب فتيات جدد لفريقي الجديد.
أصبح عندي في الفريق، ثلاث مصممات، علمتهنّ كل شيء، حاولت أن أكون حازمة و لينة، فلكل تصرف وقت مناسب بالنسبة لي.
و الحمد لله اتخذت وضعي في الشركة، حتى أصبح الاستغناء عني أمراً مستحيلاً بالنسبة لهم.
و لأنني أحب الدراسة فقد قمت بالتسجيل في معهد للغات، بحيث أذهب إليه مرة واحدة في الأسبوع، و هكذا أقضي على روتين العمل اليومي.
و هنا فقط شعرت بأن لدي حباً للغات يضاهي حبي للعمل، أخذت أدرس و أحفظ حتى أحببت كل لغة أدرسها، و أصبحت أتمنى أن أدرس جميع اللغات دفعة واحدة!
ساعدتني هذه الدراسة كثيراً، فلم تعد حياتي عملاً فقط، بل و دراسة و هي حبي الأول، كنت أدرس و أعمل حتى أنني لم أكن أذكُر الطعام
و الشراب إلا لو ذكرتني صديقتي بهما.
استمررت في العمل لمدة عام كامل، ثم قررت الخروج، لأسباب خاصة بي، لكن أمر استقالتي رُفض تماماً من جهة المدير، بل و عرض عليّ أن آخذ إجازة لمدة شهر لو أحببت حتى أريح أعصابي و و أستغل رمضان جيداً، و بقيت لمدة أسبوعين أحاول معه حتى وافق على مضض.
لكن موافقته كانت مشروطة بأن أبقى أعمل لديهم من المنزل، حتى لا يخسروا ما أقوم به.
بالنسبة لمدير الشركة فقد كنت آلة متنقلة للعمل، أعمل كل شيء بدون أي خسارة، فمنذ أول يوم حتى آخر يوم لي هناك كان عملي ممتازاً و لله الحمد.
وافقت على هذا، و بالفعل خرجت و أصبحت أعمل من المنزل فقط متى ما أحببت، و هنا رأيت أفرع شجرتي التي كبُرت أثناء عملي بحاجة إلى أوراق و ثمار.
لا أحب أن أخسر أي ثانية من وقتي بلا فائدة، فأنا أعلم أنني محاسبة على وقتي هذا أمام الله سبحانه و تعالى.
لذا أحببت أن أستغل وقتي في شيء آخر، دخلت عالم النت من الباب الثاني، ألا و هو باب التعليم.
سجلت في الكثير من المواقع التعليمية، تعلم اللغات، و تطوير المواهب، و تغذية ذاكرتي بالكثير من الأفكار التصميمية.
شعرت بأن هذه هي الثمار التي انتظرتها منذ زمن، تسلحت بالعزيمة و الإرادة و أحببت العلم بشكل عجيب.
صرت أطّلع على الكثير من المعلومات و البيانات التي جعلت من عقلي موسوعة مليئة بكل شيء و لله الحمد.
حتى إخوتي لو خطر على بالهم سؤال ما، يتوجهون لي مباشرة، و لو أخبرتهم بالجواب فهم سيعرفون بأنه الجواب الصحيح،
حاول أحدهم مرة أن يناقشني في أمر ما، لكنني أنهيت المناقشة بأن قلت : تذكر بأنني من المستحيل أن أناقش إلا لو علمت بأن رأيي هو السليم فلا تحاول معي.
أعرف بأنني تغيرت كثيراً عما مضى، أحببت العلم بكل وسائله الرائعة، فقد صنع مني شخصية أخرى، أصبحت لا أهاب و لا أخاف إلا ربي.
كيف أخاف غيره، و قد تسلحت بالعلم و المعرفة؟
لم أعد أهتم بنضوج ثماري، لأنني أعلم أنها لن تنضج، لأنني مهما تعلمت سأبقى أفتقر للمعرفة.
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1996950&d=1400494001