الصوت الحالم
13-04-2014, 00:57
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=2017353&d=1406521596 (http://www.mexat.com/vb/showthread.php?t=1106700)
شعرُ ليْلَى
كيف يكون شعورك بعد نهار صاخب بالعمل؟ آهـ... تماماً، هذا ما كنتُ أشعر به قبل أن أصل إلى شقتي،
و ألقي نظرة على حال الصالة المبعثر لأدرك من فوري أن صغيرتي ذات الستة أعوام تعبث!
خلعتُ حذائي بتململ و وضعتُ حقيبتي على أقرب طاولة، ثم نظرتُ إلى الآخر المتمدد على الأريكة
و المنهمك في إحدى الألعاب على هاتفه الكفي كعادته، علّقتُ حجابي و أنا أسأله: حسام...ما كل هذه الفوضى؟
أرسل إليّ نظرة خاطفة: مرحباً بعودتكِ أمي.
و عاد ببصره إلى الشاشة الصغيرة، لكن من حسن الحظ أنه تذكر سؤالي، فنظرَ إلى ما أشرتُ إليه و أجابني: هذا من فعل ريم!
أجل هو أمر من اثنين إما أن أعود فأجد هذا البيت ميتاً فأعرف أنها في منزل جارتي و صديقتي خلود،
أو أجده على هذا الحال فأدرك أنها هنا!
أوجز لي حسام و قد انكب على هاتفه مجدداً: لقد ذهبت إلى منزل الجيران و عادت قبل دقائق، ثم بدأت تبحث هنا و هناك.
- عن ماذا؟
- لا أعلم.
- أما كان يجدر بك أن توقفها؟
- بلى، كنتُ سأفعل بعد أن أنتهي من هذه اللعبة.
زفرتُ بيأس "لا يمكن للمرء أن يرتجي شيئاً من مدمني هذه الأجهزة إطلاقاً" ثم سألته: أين هي الآن؟
- أظنها في غرفتكِ...
بتر عبارته فجأة و صاح: آهـ أمي... أنظري لقد شتتِ تركيزي و خسرتُ هذه الجولة!
أمعنتُ النظر في وجهه باحتجاج كمن يتساءل "حقاً؟! هل يتوجب عليّ الإعتذار مثلاً؟."
لكنني تذكرتُ أنه قال "غرفتكِ" و أن ريم "تبحث"، و تشكلت فوراً الصورة في خيالي لما سيكون عليه الوضع هناك.
أسرعتُ إلى غرفتي لأرى الصورة أمامي بكل تفاصيلها؛ ما كان داخل أدراج غرفتي أصبح خارجها باستثناء القليل،
ناهيك عن أن صغيرتي ما زالت مشغولة بالبحث حتى أنها لم تنتبه لطول ظلي المضروب أمامها.
وقفتُ خلفها و سألت: ريم...عمَّ تبحثين؟ لِمَ كل هذه الفوضى؟
أدارت رأسها إليّ و قالت بعينين تلمعان براءة و بوجهٍ أضناه البحث: أمي قد عدتِ...
و استكملت بحثها كمن لا يملك وقتاً يضيعه معي، هذه الصغيرة تطبعت بطباع والدها؛
لا تتخيل أبداً أنه قد يصرف انتباهه إليك طالما أن بين يديه ما يشغله.
عضضتُ على شفتي في محاولة لجزر موجة الغضب التي توشك أن تمتد و تغمرها و أعدتُ سؤالي:
ريم... سألتُ عن شيء فأجيبيني... لِمَ كل هذه الفوضى؟
عندها توقفت عن إخراج ما تبقى من علب التجميل، و تلفتت حولها لتتيقن من وجود الفوضى ربما،
ثم رفعت رأسها إليّ و قالت: آسفة أمي... سأرتب كل شيء لاحقاً.
"لاحقا" تعني أن عملها لم ينتهِ بعد، و من أجل أن أوقف هذا و أحظى ببعض الانتباه كان عليّ أن أرفعها من على الأرض،
و أوقفها عل السرير ليقابل وجهها المستدير وجهي مع الاحتفاظ بها بين يدي: عمّ تبحثين؟
شرحت لي في حماسة: مستحضر تطويل الشعر الذي أهدته إليكِ خالتي و قالت بأنه سيطيل شعركِ.
رفعتُ حاجبي في اندهاش، فأنا بالكاد أتذكر أن سمر قد أعطتني شيئاً كهذا... لكن لحظة هل قالت تطويل شعر؟!
هذا ما حملني على الاستطراد سريعاً: و منذُ متى تهتمين بتطويل شعركِ؟
ألا ترددين دائماً أنكِ تحبين شعركِ القصير لأنه سهل التصفيف؟
أومأت لي بهز رأسها و قالت: أجل... سأهديه شخصاً.
أسلوب التمويه هذا الذي يتلخص في أنك عوضاً عن ذكر الأشخاص مباشرةتشير إليهم
بــ شخص، أحدهم، ذاك، تلك...إلخ، صفة اكتسبتها ريم من والدها أيضاً للأسف؛
فذلك يضطرك لتطويل حوار من المفترض به أن يكون قصيراً.
تنهدتُ و سألتها: من هو هذا الشخص؟
أجابتني بصراحة ممزوجة بالبراءة: ليلى... أمي أتصدقين لقد زال كل شعرها؟
لم يعد لديها شعر البتة، كانت تبكي كثيراً، لم تعد تلعب مع أحد لأنه ليس لديها شعر ربما.
يبدو أن شرودي و صمتي الطويل قد حيّرها إذ استرسلت: لكن شعر أبي يزول و يطول،
و كذلك سيطول شعرها عندما أعطيها ذلك المستحضر و عندها ستخرج و تلعب معنا كالسابق،
و لن أنزعج عندما يطول شعرها مجدداً و إن تباهت به أمامي.
سألتها بشيء من الإنزعاج: من الذي سمح لكِ بأن تدخلي إلى غرفة ليلى؟
رفعتْ يديها في وجهي مهدئةً و قالت: لحظة! لقد التزمتُ بما طلبته مني،
لكن الكرة التي كنا نلعب بها أنا و زين تدحرجت إلى غرفة ليلى و دخلتُ لأحضرها...
عندها تذكرت ما كانت تبحث عنه و سألتني: أين وضعته؟ علبته بيضاء و غطاؤها أخضر أو أزرق...
قاطعتُها بحسم: لن تعطي ليلى شيئاً كهذا.
قطبت جبينها معترضة: لماذا؟
ثم جمعت يديها في توسل: أرجوكِ أمي... سأطلب من خالتي أن تحضر لكِ غيره، و سأقول لأبي أن يجلب لكِ المزيد منه...
كانت ستسهب في إبرام الوعود لي إلا أنني استوقفتها بقولي: أنا لا أرفض من أجل مستحضر الشعر.
أمالت برأسها في حيرة و استفسرت: فإذن؟
كان عليّ أن أجد إجابة سريعة و لحسن الحظ خطرت ببالي واحدة: هذه المستحضرات تستغرق وقتاً طويلاً،
و عندما يتأخر حدوث هذا فإن ليلى ستُصاب بخيبة أمل و ستحزن كثيراً... و نحن نريد إسعادها، أليس كذلك؟
همهمت و قالت: إذن ماذا يجب عليّ أن أفعل؟
- سنشتري لها شعراً مستعاراً؛ جميلاً و طويلاً لترتديه فوراً.
يبدو أنها لم تفهم ما قصدته بالشعر المستعار،
فسألت: تعنين أنه سيكون لديها بذلك شعر طويل مباشرة؟
أومأت لها: نعم.
شعرتُ بالأسى على ليلى، كيف يتحمل جسد هذه الصغيرة الألم،
و أحسستُ بالأسى على طفلتي أيضاَ فكيف لعقل هذه الصغيرة أن يعيَ معنى مرض، سرطان و موت.
ابتسمت ابتسامة عريضة كشفت عن الثغرة التي أحدثها سقوط سنها قبل أيام،
و تملصت من بين يدي كالزئبق لتقفز على الأرض و تمسك بيدي محاولة جري معها
و هي تقول: إذن هيا لنذهب و نشتريه.
أوقفتها بشدِّها إلى الخلف برفق و أنا أقول: ليس قبل أن ترتبي هذه الفوضى!
تمــــــت
شعرُ ليْلَى
كيف يكون شعورك بعد نهار صاخب بالعمل؟ آهـ... تماماً، هذا ما كنتُ أشعر به قبل أن أصل إلى شقتي،
و ألقي نظرة على حال الصالة المبعثر لأدرك من فوري أن صغيرتي ذات الستة أعوام تعبث!
خلعتُ حذائي بتململ و وضعتُ حقيبتي على أقرب طاولة، ثم نظرتُ إلى الآخر المتمدد على الأريكة
و المنهمك في إحدى الألعاب على هاتفه الكفي كعادته، علّقتُ حجابي و أنا أسأله: حسام...ما كل هذه الفوضى؟
أرسل إليّ نظرة خاطفة: مرحباً بعودتكِ أمي.
و عاد ببصره إلى الشاشة الصغيرة، لكن من حسن الحظ أنه تذكر سؤالي، فنظرَ إلى ما أشرتُ إليه و أجابني: هذا من فعل ريم!
أجل هو أمر من اثنين إما أن أعود فأجد هذا البيت ميتاً فأعرف أنها في منزل جارتي و صديقتي خلود،
أو أجده على هذا الحال فأدرك أنها هنا!
أوجز لي حسام و قد انكب على هاتفه مجدداً: لقد ذهبت إلى منزل الجيران و عادت قبل دقائق، ثم بدأت تبحث هنا و هناك.
- عن ماذا؟
- لا أعلم.
- أما كان يجدر بك أن توقفها؟
- بلى، كنتُ سأفعل بعد أن أنتهي من هذه اللعبة.
زفرتُ بيأس "لا يمكن للمرء أن يرتجي شيئاً من مدمني هذه الأجهزة إطلاقاً" ثم سألته: أين هي الآن؟
- أظنها في غرفتكِ...
بتر عبارته فجأة و صاح: آهـ أمي... أنظري لقد شتتِ تركيزي و خسرتُ هذه الجولة!
أمعنتُ النظر في وجهه باحتجاج كمن يتساءل "حقاً؟! هل يتوجب عليّ الإعتذار مثلاً؟."
لكنني تذكرتُ أنه قال "غرفتكِ" و أن ريم "تبحث"، و تشكلت فوراً الصورة في خيالي لما سيكون عليه الوضع هناك.
أسرعتُ إلى غرفتي لأرى الصورة أمامي بكل تفاصيلها؛ ما كان داخل أدراج غرفتي أصبح خارجها باستثناء القليل،
ناهيك عن أن صغيرتي ما زالت مشغولة بالبحث حتى أنها لم تنتبه لطول ظلي المضروب أمامها.
وقفتُ خلفها و سألت: ريم...عمَّ تبحثين؟ لِمَ كل هذه الفوضى؟
أدارت رأسها إليّ و قالت بعينين تلمعان براءة و بوجهٍ أضناه البحث: أمي قد عدتِ...
و استكملت بحثها كمن لا يملك وقتاً يضيعه معي، هذه الصغيرة تطبعت بطباع والدها؛
لا تتخيل أبداً أنه قد يصرف انتباهه إليك طالما أن بين يديه ما يشغله.
عضضتُ على شفتي في محاولة لجزر موجة الغضب التي توشك أن تمتد و تغمرها و أعدتُ سؤالي:
ريم... سألتُ عن شيء فأجيبيني... لِمَ كل هذه الفوضى؟
عندها توقفت عن إخراج ما تبقى من علب التجميل، و تلفتت حولها لتتيقن من وجود الفوضى ربما،
ثم رفعت رأسها إليّ و قالت: آسفة أمي... سأرتب كل شيء لاحقاً.
"لاحقا" تعني أن عملها لم ينتهِ بعد، و من أجل أن أوقف هذا و أحظى ببعض الانتباه كان عليّ أن أرفعها من على الأرض،
و أوقفها عل السرير ليقابل وجهها المستدير وجهي مع الاحتفاظ بها بين يدي: عمّ تبحثين؟
شرحت لي في حماسة: مستحضر تطويل الشعر الذي أهدته إليكِ خالتي و قالت بأنه سيطيل شعركِ.
رفعتُ حاجبي في اندهاش، فأنا بالكاد أتذكر أن سمر قد أعطتني شيئاً كهذا... لكن لحظة هل قالت تطويل شعر؟!
هذا ما حملني على الاستطراد سريعاً: و منذُ متى تهتمين بتطويل شعركِ؟
ألا ترددين دائماً أنكِ تحبين شعركِ القصير لأنه سهل التصفيف؟
أومأت لي بهز رأسها و قالت: أجل... سأهديه شخصاً.
أسلوب التمويه هذا الذي يتلخص في أنك عوضاً عن ذكر الأشخاص مباشرةتشير إليهم
بــ شخص، أحدهم، ذاك، تلك...إلخ، صفة اكتسبتها ريم من والدها أيضاً للأسف؛
فذلك يضطرك لتطويل حوار من المفترض به أن يكون قصيراً.
تنهدتُ و سألتها: من هو هذا الشخص؟
أجابتني بصراحة ممزوجة بالبراءة: ليلى... أمي أتصدقين لقد زال كل شعرها؟
لم يعد لديها شعر البتة، كانت تبكي كثيراً، لم تعد تلعب مع أحد لأنه ليس لديها شعر ربما.
يبدو أن شرودي و صمتي الطويل قد حيّرها إذ استرسلت: لكن شعر أبي يزول و يطول،
و كذلك سيطول شعرها عندما أعطيها ذلك المستحضر و عندها ستخرج و تلعب معنا كالسابق،
و لن أنزعج عندما يطول شعرها مجدداً و إن تباهت به أمامي.
سألتها بشيء من الإنزعاج: من الذي سمح لكِ بأن تدخلي إلى غرفة ليلى؟
رفعتْ يديها في وجهي مهدئةً و قالت: لحظة! لقد التزمتُ بما طلبته مني،
لكن الكرة التي كنا نلعب بها أنا و زين تدحرجت إلى غرفة ليلى و دخلتُ لأحضرها...
عندها تذكرت ما كانت تبحث عنه و سألتني: أين وضعته؟ علبته بيضاء و غطاؤها أخضر أو أزرق...
قاطعتُها بحسم: لن تعطي ليلى شيئاً كهذا.
قطبت جبينها معترضة: لماذا؟
ثم جمعت يديها في توسل: أرجوكِ أمي... سأطلب من خالتي أن تحضر لكِ غيره، و سأقول لأبي أن يجلب لكِ المزيد منه...
كانت ستسهب في إبرام الوعود لي إلا أنني استوقفتها بقولي: أنا لا أرفض من أجل مستحضر الشعر.
أمالت برأسها في حيرة و استفسرت: فإذن؟
كان عليّ أن أجد إجابة سريعة و لحسن الحظ خطرت ببالي واحدة: هذه المستحضرات تستغرق وقتاً طويلاً،
و عندما يتأخر حدوث هذا فإن ليلى ستُصاب بخيبة أمل و ستحزن كثيراً... و نحن نريد إسعادها، أليس كذلك؟
همهمت و قالت: إذن ماذا يجب عليّ أن أفعل؟
- سنشتري لها شعراً مستعاراً؛ جميلاً و طويلاً لترتديه فوراً.
يبدو أنها لم تفهم ما قصدته بالشعر المستعار،
فسألت: تعنين أنه سيكون لديها بذلك شعر طويل مباشرة؟
أومأت لها: نعم.
شعرتُ بالأسى على ليلى، كيف يتحمل جسد هذه الصغيرة الألم،
و أحسستُ بالأسى على طفلتي أيضاَ فكيف لعقل هذه الصغيرة أن يعيَ معنى مرض، سرطان و موت.
ابتسمت ابتسامة عريضة كشفت عن الثغرة التي أحدثها سقوط سنها قبل أيام،
و تملصت من بين يدي كالزئبق لتقفز على الأرض و تمسك بيدي محاولة جري معها
و هي تقول: إذن هيا لنذهب و نشتريه.
أوقفتها بشدِّها إلى الخلف برفق و أنا أقول: ليس قبل أن ترتبي هذه الفوضى!
تمــــــت