PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : عبر درب الموت إلى الحياة {هيا لنرتشف .. روائع الفكر من الكلمات }



أروكاريا
01-05-2013, 10:38
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1887155&stc=1&d=1373238858 (http://www.mexat.com/vb/threads/1073563)
الحكمة *


{ إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة }






http://im31.gulfup.com/p5Hbm.png






وُجِدت الأمطار لتغسل الأرض من الدنس، وجدت لتطهر السماء من غبار الأرض، ووجدت لتغسل أرواح البشر، لكنها في هذا العالم بالذات وجدت فقط لتزيد معاناة هؤلاء الذين أخذوا أشكال بشر، ليسوا بشرا لكنهم كانوا مجرد عبيد اقتلعت أعضاء من أجسادهم دون أن يرفضوا، دون أن يقاوموا، دون أن يصرخوا، دون أن ينطقوا ببنت شفة، بانصياع و رضا تام، و كأنهم خلقوا فقط ليكونوا مجرد أجساد بلا أرواح، حتى مطر السماء الذي يحيي البذور في حقول عملهم ، لا يحييهم، لا يحيي قلوبهم الباردة المتجمدة، لقد انتهى العالم هنا منذ زمن بعيد، كما انتهى هناك، في الطرف الآخر ....
كان الطفل، صاحب الملابس الرثة الممزقة، البشرة السمراء و العيون المسودة، و مالك الشعر الطويل المبلل و الملطخ بلمسة عشوائية من طين الأرض الأصفر، لا يزال يحتفظ ببعض من إنسانيته، على الأقل كان بإمكانه أن يفسر للسماء و غيومها الركامية الرمادية، بأنه ليس راض عما حصل قبل ساعات، كان يبكي و يصرخ، رغم أن صراخه بدا كموسيقى صاخبة صادرة من كمان قد تمزقت أوتاره، أو من بيانو كبير قد تحطمت مفاتيحه، رغم أنها لم تكن مفهومة لبني جنسه من حوله، من هؤلاء المارة في السوق القديم العتيق ، اللامبالين بما يجري من حولهم، و من تلك الفتاة التي لم يظهر شيء من جسدها بسبب عباءتها الصوفية الطويلة و قبعتها الكبيرة التي غطت بها رأسها ، رغم أن أحدا منهم لم يفهم ما تعنيه ألحانه الطفولية المبعثرة، إلا أنها وحدها، تلك الشابة التي خطت بخطوات متسارعة تتبع مرشدتها الممسكة بالبرعم الصغير ، تلك التي من المفترض أن تكون الآن في عداد الأموات، تلك التي آثرت الموت على الحياة، هي وحدها من فهم جيدا بأن الطفل الصغير يناجي الأرض و السماء معا، هو يرغب في إلقاء نظرة صغيرة، أن يحظى بمداعبة لطيفة قصيرة، أن يجلس قليلا على ركبة من يحب، أن يغني له ، أن يحنوا عليه، هو فقط يرغب في أن يبتسم لمن يعشقه، لمن لم يره منذ زمن، للذي سمع اسمه من فم والدته أكثر من أن يراه، فقط أن يقول لوالده ''أحبك والدي'' ، هذا الطفل الصغير، لم يفرق ما بين ''أحبك و أكرهك'' لقد قال للجندي المسلح بدروعه الذهبية و سيفه الفولاذي الصلب عند منجم الذهب: ''أحبك'' ، لكنه بدل أن يتلقى ضحكة للخطأ الذي ارتكبه تلقى ضربة للبطن جعلته يفرغ كل ما به، لقد قال قبلها ''دعني أرى والدي'' و كررها عندما شرع يفرغ ما بقلبه من ألم ، لكن لا حياة لمن تنادي، لا حياة لهؤلاء البشر، كلهم أموات، حتى الخدم و حاشية الملك، كلهم أموات، فهل ملك البلاد حي أم ميت هو الآخر؟؟؟ كان هذا السؤال هو الذي حير ''هزار'' ، هذا الملك غير موجود إلا في قصره، لكن الجميع يهابه، الكل و الأكثر فيهم، هم أولائك الذين قطعت أياديهم لأنهم تجرؤوا على أكل بعض من الكرز، أو كما يسمونه ''حب الملوك'' ، لقد خانتهم بطونهم ليسرقوا في موسم القطاف الأكبر، حيث يكون الملك و حاشيته و ضيوفه القادمين من مختلف البقاع ينتظرون هذه الأيام بفارغ الصبر، لكن القدر لا ينتظر أحد، هو يمضي مسرعا، فإما أن يمنحك ثوان تلذذ بطعام شهي، أو يدهس عليك في حين غرة فيسحق حلمك الوردي، و يقتلع يديك لتطاولك على ممتلكات الملك، و كل ما في هذه البلد هي ملك للإمبراطور وحده، و إن تجاسرت على نطق كلمة تسيء لفخامته و جلالته و عظمته، فسيقطع لسانك، و إن تجرأت على التسلل ليلا لحقوله العامرة - التي عملت بها طوال اليوم و تعبت في رعاية ما بها من حياة مخضرة زاهية- فستقطع قدمك ، و إن كنت ممن يلقي ببصره خلسة إلى حديقة قصر الملك، فودع النور للأبد، وودع عينًا ستفقدها لاحقا، و لا تنسى أن تودع رأسك إن قررت أن ترتب لانقلاب مباغت، لهذا فمن الأحسن ألا تكون جنديا، حتى لو تمكنت من التسلط على من هم أضعف منك، فالملك لن يتركك لحالك، أما إن كنت شابا قوي البنية، فأعد نفسك لتمضية باقي حياتك في منجم الذهب، تنقب في أوحاله عن حجر مشع أصفر يرضي الملك ...عليك أن تقبل بالحياة في هذا العالم مثلما قبل سكانه العيش به...
''أي حدث هذا الذي جلبني لهذا المكان؟'' لم تكن تدري هزار بأن أقدامها التي كانت ستقودها للموت قادتها للحياة مجددا، كانت ترغب في الموت، عندما ولجت المغارة بخطى متثاقلة، المغارة التي كانت ترعبها في صباها كلما مرت بها ليلا، هذه المرة دخلت بها و الحمى تشعل وجنتيها، لم تنسى رغم مرور عشر سنوات، أن والدها قتل في هذا المكان بالذات، لأجل أي شيء؟ ، لأجل لا شيء... فقط لأنه كان يقصد المسجد كل يوم كباقي الرجال، و فقط لأنه كان يحظر جلسات الذكر كلما سنحت له الفرصة، كان رجلا تقيا، مع هذا قتل، لأنه كان إرهابيا، هذا ما قاله الجيش، على كل الأتقياء أن يموتوا لأنهم إرهابيون، هم يعكرون صفو الحياة، و يفسدون المجتمعات، عليهم دخول السجون و الموت، ليسوا وحدهم بل و المثقفون أيضا،المعلمون، الأطباء و المهندسون، بل جميع من يملك بين لسانه الحقيقة، الجميع إلى الجحيم ، و كل من يبقى فإلى الخدمة لبناء الوطن، لإحيائه من جديد، فقط لأجل السفاحين و الجلادين، اعملوا بكل جهدكم لتموتوا لاحقا، أو لتدخلوا السجون، كونوا نزيهين لأجل أن لا يُعدل في حقكم، لأجل أن تخسروا القضايا دائما و أبدا أمام الجلادين، اعملوا لأجل حياة قد تجردت من معنى الإنسانية الكاملة، و لأجل هذا كانت تلك الشابة قد فقدت كل رجاء في النجاة، كانت تعلم بأن ملف والدها الملطخ الأسود، والدها الميت ظلما، لن يسمح لعائلتها في قريتها الصغيرة، أن تفكر في أخذها إلى طبيب مختص أو في شراء دواء لها مجانا،لقد كانت تملك محرارًا صغيرا هو هدية من ممرضة القرية، كان مقياسهم الوحيد لحالتها المتغيرة المتبدلة، لهذا مع كل العذاب الذي يعيشونه، لم ترد أن تضيف لهم المزيد، لو ماتت فسيدفعون بضع قطع نقدية لنعشها و كفنها، و سيتولى أهل القرية الباقي، لكنها و في أثناء مضيها في درب الموت ذاك، و أثناء اختناق رئتيها، فجأة استنشقت ذلك النسيم العليل القادم من فجوة من نور كانت في نهاية طريقها، من المفترض أن تكون للمغارة شعب ضيقة لا مخرج لها، لكن هذا الضن خاطئ بحق، لقد خرجت فجأة لتجد نفسها بالقرب من كوخ صغير قد أقيم بجانب هذا المخرج، و بعدها بلحظات التقت بتلك الفتاة... بشبيهتها في هذا العالم . يقولون سبحان الذي خلق من الشبه أربعين، هذا ما كان يمكن أن تنطق به هزار عندما رأت ''نفسها'' أمامها، تقف و هي ترتدي ثوبا قطنيا زخرف بأشكال مستديرة و مُنحنية ، زينت ياقته الكبيرة، و خصره الفضفاض، و تربعت فوق أكمامه الجلدية، لقد كانت هي نفسها، الشعر الأسود القصير، و العيون الواسعة السوداء، و البشرة الحنطية الفاتحة، و القامة الطويلة، و نفس الجسد النحيل
-يا الهي ماذا فعلوا بك يا عزيزتي؟
كان هذا السؤال الذي طرحته شبيهتها بلطف شديد ثم أردفت و هي تمسك بهزار و تدخلها الكوخ الخشبي
-هيا تعالي معي، ستكونين بخير...
الصدمة لم تسمح لها بقول شيء، لكنها بعد أن ارتشفت قليلا من الشاي في الكوخ الدافئ فهمت أخيرا أنها ليست في أرضها، بل ليست في عالمها، البخور المعلق في أعمدة الكوخ، و رائحة الأعشاب المجففة، و الزهور العطرة التي زينت النوافذ، النار المشتعلة في المدفئة الحجرية،و شفاؤها من الحمى بسرعة مذهلة، كانت أول علامات على صحة تفكيرها، ثم جولتها في السوق مع شبيهتها، و اصطحاب أحد أطفال الجيران لرؤية والده في المنجم خارج حصون المدينة الصغيرة الكئيبة، كل هذا التجوال لفهم الأمور أكثر، أعطى ثماره بكل تأكيد، لقد كانت تبحث عن تفسير فوجدته و الآن هي تبحث عن مخرج فقط
-لا أدري ما عساي أفعل لك، لا يبدو بأن أحدا أرغمك على دخول المغارة كما توقعت، ما الذي جاء بك لهذا المكان؟..
سألتها شبيهتها و هما في طريق العودة للكوخ الخشبي مع الصبي الصغير
-لم ينصفني العالم فأردت أن أنصفه...
-ماذا؟؟ حملت المدعوة ''رازه'' الطفل الصغير الذي هدأ و هي تسأل هزار بتعجب تام ، لقد حدقت إليها باستياء ثم تابعت مسيرها و هي تقول
-ليس لأحد القدرة على الإنصاف هنا أو هناك في عالمك كما تدعين، لو كان هنالك منصف لجاء بمعجزة للملك فيهبه بهذا ملكه و نرتاح من غطرسته ...
-معجزة؟
تلمست المحرار الصغير الذي وضعته في جيب معطفها قبل دخولها للمغارة، ثم عادت لتسأل بجدية
-هل سيعطي ملكه لمن يأتيه بمعجزة؟
-بلى هذا ما قاله ذات يوم في إحدى خطبه أمام الملأ ...بأبسط كلام هو لن يتخلى عن ملكه للأبد...لقد كان كلامه مفهوما...الرجل ....ال...
و تفاجأت ''رازه'' بكتيبة الجنود المارة بجانبهم فعادت لتغير من نبرة صوتها المنفعلة لأخرى هادئة و تقول
-عاش ملكنا الموقر...
لا يبدو بأن الجنود أعاروها أي اهتمام، لا هي و لا هزار، بل لا أحد من أهل البلد أعار الشابة الغريبة عن هذا العالم أي اهتمام، و كأنها كانت منذ زمن بعيد جزءا لا يتجزأ منهم، لهذا... رغبة جامحة في أعماق قلبها جعلتها تفكر في لقاء ملك البلاد المبجل، و أن تريه معجزتها التي بكل تأكيد سيتخلى عن عرشه كله لها، رغم أن هذه الفكرة جعلت ''رازه'' شبيهة هزار تموت ضحكا، إلا أنها قادتها مرغمة إلى قصر الملك ، لقد قابلها الملك كما يقابل باقي من يدعون أن بجعبتهم معجزة، لكن لا أحد كان يعلم أن مصير هؤلاء كان السيف ثم التراب، و لا هزار كانت تعلم،و لم تتوقع أيضا أن الملك كان هو نفسه الرجل الذي قتل والدها، بل هو شبيه الذي قتل والدها ، و هذا ما زادها إصرارا على أن تأخذ مكانه على ذلك الكرسي، و تجعله عبرة لمن يعتبر ...
طلبت قطعة ذهب صغيرة بحجم عقلة الإصبع ثم حملتها في يدها و هي تقول
-مولاي الملك، إن لي القدرة على أن أجعل هذه القطعة الصغيرة من الذهب تختفي دون رجعة
ضحك الملك ساخرا و تبعه حشمه و حاشيته، و ما إن هدأ حتى خرس الجميع
-إن فعلتها فلك كل ملكي يا فتاة ...
ابتسمت هزار بسعادة ووقفت خلفها ''رازه'' و عواصف هوجاء من الرعب جعلت أواصرها ترتجف بشدة لدرجة أن الدموع كادت تنزل من عينيها لكنها كانت تخفي وجهها خلف قبعتها الصوفية الكبيرة فلم يظهر للعيان شيء من ملامحها ، في تلك الأثناء سحبت هزار هدية القدر لها ، الهدية الوحيدة التي حصلت عليها في حياتها من جيبها ثم رفعتها ليراها السلطان الذي تفاجأ للأنبوبة الزجاجية الرفيعة و الصغيرة ، ثم قامت بفركها بقوة كبيرة، فارتفع سائل الزئبق الذي كان موجودا بها ، و عمدت بعدها لتحطيمها إلى نصفين فتحرر السائل و انهمر على القطعة الذهبية التي كانت تقبع فوق طاولة وضعت بمحاذاة الملك، و شيئا فشيئا التُهِمت القطعة الذهبية و لم يبقى لها أي أثر، فانتفض الملك من مكانه و راح يصرخ باستنكار
-ساحرة، ساحرة، أقتلوا هذه الساحرة حالا ...
فهب الحرس من كل مكان و أمسكوا بالشابة التي كانت مصدومة لما آلت إليه الأمور، لم تفكر لحظتها سوى في أن الملك مجرد غبي قد وضع على كرسي ليس من حقه، و أنها عندما هربت من عالمها الآثم وصلت لعالم أكثر تدنسا و قذارة، لقد أرادت الموت فجعلها القدر تنجو، و بعد أن أغمضت عينيها بفزع لسيف كان سيطعنها، فتحت عينيها على صوت وقع خطوات جدتها المتثاقلة في غرفة نومهم و هي تقول
-هل أنت بخير يا صغيرتي، أنظري ماذا حصل لك عندما خرجت بمفردك تحت المطر؟ لا تكرريها مجددا
لقد أنقذها القدر من جديد



تمت~

Šiļěnť Řoŝe
24-07-2013, 18:45
حجز ولي عودة باذن الله :e418:

Šiļěnť Řoŝe
25-07-2013, 12:43
اسطر قليلة كانت من اروع ما يكون
اندمجت بقراءتها لدرجة اني لم اشعر بمن حولي
قصة مؤثرة جدا
اتمنى ان تمتعينا بغيرها
شكرا لجهودك
دمت بخير
:e056:

M I R A ★彡
24-10-2013, 11:31
ماذااااااااا ؟!
هذه القصة المميزة ولم نرى سوى رد واحد ياللأسف :e108:
أروري كيف حالك ؟
بخير كما أتمنى
في البداية لقد قرأت قصتك قبلاً لكنِ أحببت وضع ردي الآن لأن هذا العمل متميز ويستحق الكثير من الردود :e106:
بصراحة أندمجت كثيراً معها وقلبي كاد يتوقف عندما أمر الملك بقتلها :em_1f635:
الحمد لله كان حلماً ، أما وصفك فلا أروع كلماتك التي أستخدمتها جعلتني أعيش جو الظلم التي عاشته الفتاة في حلمها أستمري عزيزتي ولا تحرمينا من جديدك
أعتذر على ردي القصير لكن الدراسة لاترحم
دمتي بود وفي أمان الله

Bassam_611
29-12-2013, 11:09
.......


بواسطة تطبيق منتديات مكسات