Crystal Kuran
09-03-2013, 18:07
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1848424&d=1365638606
" عابــرٌ آخــر! "
(( إنسانيّةٌ أعلنت استقالتَها ها هُنا..وجرحٌ يغورُ مُعلِناً الحِدادَ على بشريّةٍ ميتة!
وبينَ تيكَ وهؤلاء..نقتبسُ شعلةَ الأملِ الباهتةِ سائرينَ بها نحوَ المجهول
حتّى تُطفِئها الدّموع ..أو يُرَمِّدَهَا القَدَر!! ))
بِأصوَاتِهَا المُدوِّيةِ التِي تَخرِقُ أسماعَ الحَجَرَ الأصمَّ على بعدِ أمتار، كَدقّاتِ السَّاعةِ تدورُ
ثوانِيها بِبُطءٍ ثقيلٍ يَقبِضُ القُلوب، وَما إنْ يشدُّ عَقرَبُها الرَّصاصِيُّ رِحالَهُ، حتَّى يلقفَ كلَّ
شَهقةٍ تمرُّ على أنفُسِهم المتقوقعة في جُحرِها المُتهَاوي، وَمعَ ارتفاعِ مُعدَّلِ الدَّقاتِ،
يَنخفضُ النَّبضُ إلى عَتبةِ التَّوقُف،وَيبقَى صوتيَ المُرتَجفُ وحيداً، يجاهدُ لإيجادِ مُنعَتَقٍ منْ
سلاسِلِ الحنجرةِ الجافَّة، فَيخرُجُ بصعوبةٍ متقطعاً بينَ شفتيَ الباردتينْ :
" اثنَا عَشَر..
.
.
ثَلاثة عَشَر..
.
.
أربَعة عَشَر.."
وهَكذا..، تمرُّ الدَّقائقُ مَشؤومَةً وكأنَّهَا عاقرٌ أنْ تلدَ سِوى الخوفِ والألم.
تَنتَخِرُ أعصابُنا بِزئيرِ القذائِفِ الجائعةِ المُتعطِشَةِ للخطايا، فَيأتِي وقعُ سُقوطِها مِفتاحاً،
ليُطلقَ زفراتِنَا المحبوسَةَ جَزَعاً في الخوافق، فنزدَرِدُ ذُعرنَا لِنخفِيهِ في صُدورِنَا وَنَبتسمَ
شاكرينَ أنْ لمْ تطرقْ يدُهَا سَقفَنَا هذهِ المرَّة أيضاً.
نجلسُ فوقَ الأرضيّة متحزّمينَ، لِنُداويَ أحشَائنا المطويَّة وهيَ تكادُ تَختَفي ضَحيَّةً لجوعٍ
مافتئَ يَنهَشُ حَوايَاهَا منذ أسابيع، ننفضُ الإرهاقَ عن جفونٍ لم تعرفِ الإطباق لأيام!
فَطَرقُ الأسقفِ والجدرانِ منْ حولِنَا يثيرُ الذُّعرَ، ويقلِبُ الأحلامَ كوابيساً بشعة،
فواضحٌ أنَّها تسيرُ باتَّجاهنا وغالباً، لنْ تكتفيَ حتَّى تصِلَ بابَنا تتسوَّلُ المزيدَ منَ الأرواحِ البائسة.
تَشتَّتَ أفكاري مُجدّداً حِينَمَا شدتْ بيدهَا الصغيرةِ على قميصيَ المُتَّسِخ هامِسةً بصوتها الطفولي الواهنِ الذي أضناهُ المَرَض:أخي.. أنا جائعةٌ جداً، متى ستَأتِي مَامَا لِتصحَبنا إلى منزِلِها الكبيرِ في السَّماء؟
سَكَنتِ الدهشةُ ملامحي لحظةً لأطرُدَها سريعاً راسِماً ابتسامةً لطيفةً أريحُ بها قلبَها البريئ.
وَضعتُ راحةَ يدي على رأسِها برفقٍ مُجيباً بنبرة مُطمئِنَة:
بلى عزيزتي ستأتي، لكنَّ ماما الآن مشغولةٌ بإعدادِ جبلِ الحلوى اللذيذِ من أجلنا، وَسيستغرِقُ ذلك الكثيرَ منَ الوقتْ.
نَظرَت إليَّ بعينَيهَا المُتأمِّلَتينِ، وكأنَّها تنتظرُ منِّي تتمةً تُبعد عنها أشباحَ التَّهلُكةِ التي بدأتْتحتلُّ جوارِحها بلا رَحمَة.
أختي الصَّغيرة الجميلةُ ذاتُ الأربعةِ أعوام، جالسةٌ في هذا البهوِ القديمِ، تُصارعُ مرضَها وجوعها بحلمٍ جميلٍ..وبقايا ابتسامة!
بينمَا يُطبقُ فكُّ الموتِ على سَعادَتِها منْ كلِّ جانب، وَ مداركهُا البسيطةُ لا تَعي ما الموت حتّى!
لِمَ على طفلةٍ مثلها أن تَرى الأحمرَ لونَ دمٍ قبلَ أن يكونَ لونَ زهرة!؟
لِمَ تُستَبدَلُ ألعابُها وقِصصُها المصوَّرةُ بِشَظايَا معدنيّةٍ وعبواتٍ ناسفة!!؟
استدقَّتْ العبرَةُ في حلقيْ لأبتَلعهَا مُطلِقاً تنهيدةً تتسعُ بعمقِ الكون.
لَفَفتُ يدي حولَ جَسدِها الهزيلِ، وَقد صبغتُ وَجهي بتفاؤلٍ مصطنعٍ أُوارِي بهِ تعاستها المُتزَايدة .. وَتعاستي!
فَتحتُ شفتيَّ لأسئَلهَا بقناعِ مرحٍ قدْ أتقنتُ تزييفَه: مَا رأيُكِ أن أقصَّ عليكِ حكاية؟
لَمَعتْ حدقتَاهَا الباهِتتَانْ لِتُجيبُ من فورِها بابتسامةٍ صادقةٍ عريضةٍ: أجلْ..أرجوك
قَرصتُها من خدِّها الذي ما يزالُ طريّاً رغم جورِ الزمَنْ:
" كانَ يا ماكان في سالِفِ العصرِ والأوانْ، عاشَتْ طفلةٌ جميلةٌ في الحديقةِ السّحريَّة بينَ الفراشاتِ والأزهار.."
بدأتُ أسرُدُ قصَّتي عن "فتاةِ الأمل"، بينما راحَتْ أصابِعي تجوبُ خصلاتِ شعرِها البنيِّ الناعم،وقدْ بدأَ الهمُّ ينزاحُ عن ملامِحهِا كأنَّما هجرتُه الجاذبيَّة فلمْ يعُدْ لوزنِهِ أيُّ قيمة!
أحسسّتُ بارتخاءِ جَسدِها الغضِّ بينَ ذراعيّ، لا بدَّ وأنَّ التعبَ قد حملَ بها إلى أحضانِ النومِ بعدَ أن رافقها مُخلِصاً لأيّام.
تحرّكت يدي ببطء تُعدِّلُ نِيمَتَها العشوائيّة، لتتوقفَ بغتةً ترتجفُ وكأنّما ظهرَ في وَجهها
وحشٌ أو أصابها جآنٌ بمسٍّ منْ عدم!
حاولتُ معاودةَ لمسِها بترددٍ متعثِّراً بالغصَّةِ التي تَجري في شرايينِي لتخنُقَني مراراً.
لملمتُ متبعثراتِ نفسي ودفعتُها مُتثاقِلّةً، لأتحسَّس وجه صغيرتيَ البارد بأطراف أصابعي،فاتحاً النافذةَ على مصراعيها للريحِ تعصفُ بربيعيَ المتناقص لتنتزِعَ بضراوتِها آخرُ ورقةٍ من شجرةِ سعادَتي، وتعودُ إليها بوحشيّةٍ تنسِفها وتجتَّثها من الجذور!
ضممت شقيقتي إلى صدري بقوة هامساً بصوتٍ متحشرجٍ خافتٍ لايكادُ يعرفُ للخروجِ سبيلاً:استيقظي..أرجوكِ..أرجوك
كانت كلماتي تتوهُ في ذلكَ القبوِ المحشوِّ في جوفِ البناء فتضمحلُّ الواحدة تلوَ الأُخرى حتّى باتتْ أشبه بسمفونيّة صمتٍ كسيرة!
و عقب ساعات قضيتها بكاءاً وصراخاً تشقَّقتْ من مرارتهِ حِجارةُ الجُدُرِ الصمّاء، تحامَلتُ على نفسي مُجبراً أجرُّها للخارجِ علّي أعثرُ على بطانيةٍ صغيرةٍ أو قطعةٍ من غطاءٍ خفيفٍ أدثَّرُ بهِ جثَّة فرحي الهامدة تحتَ تلكَ الأنقاض.
توقفتُ عندَ العتبةِ فجأةً، وكأنَّما تشبَّثتِ الأرضُ بقدميَّ في تلكَ البُقعة..
ضبابٌ يطبقُ على الأنفاسِ يقتنصُها عنوةً، رائحةُ البارودِ المشبعِ بالدَّم تملأُ قصباتيَ المتضيّقة،نيرانٌ تشتعلُ وسطَ العتمةِ كبركانِ ثائر،وأشلاء..
أشلاءُ كلِّ شيء!
كانَ الغُبارُ الثَّقيلُ يغتصبُ رئتيَّ بعنفٍ، طارداً آخرَ ذرةٍ من الأوكسجين، بينمَا أطبقُ جفنيَّ بقوَّةٍ درءاً للأتربةِ المتطايرةِ في الهواء.
حصدتُ بقايَا صلابتي وحقنتُها في قدمي علَّها تبدأُ بخطوةٍ أُخرى وَما إنْ أعلنَ مِفصَلي استعدادهُ لمهمَّةٍ تالية، حتَى طَفقَ إلى مَسامعي ذلك الصُّوتُ المذموم ثانيةً..لأرددَ بتلقائيّةٍ يائسة:
" عِشــرون..! "
تدفَّقت ذكرياتي سيولاً أمامَ ناظريَّ كشريطٍ سرَّعهُ الزَمن، أحلامي وأمنياتي الصغيرة التي هضمتها المِحن، عائلتِي التي مزّقتها الحربُ بأنيابها المفترسة،تمتمتُ بخفوتٍ وقد لاحَ في وجهي طيفٌ سَعِفٌ لابتسامةٍ حزينة
"أمي، أبي، أختي سأتبعُكم أخيراً، فالوحدةُ ليستْ مُمتعةً إطلاقاً "
رفعتُ رأسِي للسماءِ مُستسلِماً، لِأَستقبلَ ذلكَ المتسوِّلَ الدؤوب الذي أَبى إلا أنْ تنتهيَ غلَّتُه لليومِ بنفسي!
((نموتُ بأحزانِنا مفسحينَ الطريقَ لعابرٍآخر
تلدهُ الحياةُ دمعةً قصيرةَ الأمدِ على خدِّ القدر،
ليُتابِعَ خوضَ غِمارها بسعادةٍ مكبَّلة، ويكونَ كما نحنُ كنّا!))
تمّتْ.
" عابــرٌ آخــر! "
(( إنسانيّةٌ أعلنت استقالتَها ها هُنا..وجرحٌ يغورُ مُعلِناً الحِدادَ على بشريّةٍ ميتة!
وبينَ تيكَ وهؤلاء..نقتبسُ شعلةَ الأملِ الباهتةِ سائرينَ بها نحوَ المجهول
حتّى تُطفِئها الدّموع ..أو يُرَمِّدَهَا القَدَر!! ))
بِأصوَاتِهَا المُدوِّيةِ التِي تَخرِقُ أسماعَ الحَجَرَ الأصمَّ على بعدِ أمتار، كَدقّاتِ السَّاعةِ تدورُ
ثوانِيها بِبُطءٍ ثقيلٍ يَقبِضُ القُلوب، وَما إنْ يشدُّ عَقرَبُها الرَّصاصِيُّ رِحالَهُ، حتَّى يلقفَ كلَّ
شَهقةٍ تمرُّ على أنفُسِهم المتقوقعة في جُحرِها المُتهَاوي، وَمعَ ارتفاعِ مُعدَّلِ الدَّقاتِ،
يَنخفضُ النَّبضُ إلى عَتبةِ التَّوقُف،وَيبقَى صوتيَ المُرتَجفُ وحيداً، يجاهدُ لإيجادِ مُنعَتَقٍ منْ
سلاسِلِ الحنجرةِ الجافَّة، فَيخرُجُ بصعوبةٍ متقطعاً بينَ شفتيَ الباردتينْ :
" اثنَا عَشَر..
.
.
ثَلاثة عَشَر..
.
.
أربَعة عَشَر.."
وهَكذا..، تمرُّ الدَّقائقُ مَشؤومَةً وكأنَّهَا عاقرٌ أنْ تلدَ سِوى الخوفِ والألم.
تَنتَخِرُ أعصابُنا بِزئيرِ القذائِفِ الجائعةِ المُتعطِشَةِ للخطايا، فَيأتِي وقعُ سُقوطِها مِفتاحاً،
ليُطلقَ زفراتِنَا المحبوسَةَ جَزَعاً في الخوافق، فنزدَرِدُ ذُعرنَا لِنخفِيهِ في صُدورِنَا وَنَبتسمَ
شاكرينَ أنْ لمْ تطرقْ يدُهَا سَقفَنَا هذهِ المرَّة أيضاً.
نجلسُ فوقَ الأرضيّة متحزّمينَ، لِنُداويَ أحشَائنا المطويَّة وهيَ تكادُ تَختَفي ضَحيَّةً لجوعٍ
مافتئَ يَنهَشُ حَوايَاهَا منذ أسابيع، ننفضُ الإرهاقَ عن جفونٍ لم تعرفِ الإطباق لأيام!
فَطَرقُ الأسقفِ والجدرانِ منْ حولِنَا يثيرُ الذُّعرَ، ويقلِبُ الأحلامَ كوابيساً بشعة،
فواضحٌ أنَّها تسيرُ باتَّجاهنا وغالباً، لنْ تكتفيَ حتَّى تصِلَ بابَنا تتسوَّلُ المزيدَ منَ الأرواحِ البائسة.
تَشتَّتَ أفكاري مُجدّداً حِينَمَا شدتْ بيدهَا الصغيرةِ على قميصيَ المُتَّسِخ هامِسةً بصوتها الطفولي الواهنِ الذي أضناهُ المَرَض:أخي.. أنا جائعةٌ جداً، متى ستَأتِي مَامَا لِتصحَبنا إلى منزِلِها الكبيرِ في السَّماء؟
سَكَنتِ الدهشةُ ملامحي لحظةً لأطرُدَها سريعاً راسِماً ابتسامةً لطيفةً أريحُ بها قلبَها البريئ.
وَضعتُ راحةَ يدي على رأسِها برفقٍ مُجيباً بنبرة مُطمئِنَة:
بلى عزيزتي ستأتي، لكنَّ ماما الآن مشغولةٌ بإعدادِ جبلِ الحلوى اللذيذِ من أجلنا، وَسيستغرِقُ ذلك الكثيرَ منَ الوقتْ.
نَظرَت إليَّ بعينَيهَا المُتأمِّلَتينِ، وكأنَّها تنتظرُ منِّي تتمةً تُبعد عنها أشباحَ التَّهلُكةِ التي بدأتْتحتلُّ جوارِحها بلا رَحمَة.
أختي الصَّغيرة الجميلةُ ذاتُ الأربعةِ أعوام، جالسةٌ في هذا البهوِ القديمِ، تُصارعُ مرضَها وجوعها بحلمٍ جميلٍ..وبقايا ابتسامة!
بينمَا يُطبقُ فكُّ الموتِ على سَعادَتِها منْ كلِّ جانب، وَ مداركهُا البسيطةُ لا تَعي ما الموت حتّى!
لِمَ على طفلةٍ مثلها أن تَرى الأحمرَ لونَ دمٍ قبلَ أن يكونَ لونَ زهرة!؟
لِمَ تُستَبدَلُ ألعابُها وقِصصُها المصوَّرةُ بِشَظايَا معدنيّةٍ وعبواتٍ ناسفة!!؟
استدقَّتْ العبرَةُ في حلقيْ لأبتَلعهَا مُطلِقاً تنهيدةً تتسعُ بعمقِ الكون.
لَفَفتُ يدي حولَ جَسدِها الهزيلِ، وَقد صبغتُ وَجهي بتفاؤلٍ مصطنعٍ أُوارِي بهِ تعاستها المُتزَايدة .. وَتعاستي!
فَتحتُ شفتيَّ لأسئَلهَا بقناعِ مرحٍ قدْ أتقنتُ تزييفَه: مَا رأيُكِ أن أقصَّ عليكِ حكاية؟
لَمَعتْ حدقتَاهَا الباهِتتَانْ لِتُجيبُ من فورِها بابتسامةٍ صادقةٍ عريضةٍ: أجلْ..أرجوك
قَرصتُها من خدِّها الذي ما يزالُ طريّاً رغم جورِ الزمَنْ:
" كانَ يا ماكان في سالِفِ العصرِ والأوانْ، عاشَتْ طفلةٌ جميلةٌ في الحديقةِ السّحريَّة بينَ الفراشاتِ والأزهار.."
بدأتُ أسرُدُ قصَّتي عن "فتاةِ الأمل"، بينما راحَتْ أصابِعي تجوبُ خصلاتِ شعرِها البنيِّ الناعم،وقدْ بدأَ الهمُّ ينزاحُ عن ملامِحهِا كأنَّما هجرتُه الجاذبيَّة فلمْ يعُدْ لوزنِهِ أيُّ قيمة!
أحسسّتُ بارتخاءِ جَسدِها الغضِّ بينَ ذراعيّ، لا بدَّ وأنَّ التعبَ قد حملَ بها إلى أحضانِ النومِ بعدَ أن رافقها مُخلِصاً لأيّام.
تحرّكت يدي ببطء تُعدِّلُ نِيمَتَها العشوائيّة، لتتوقفَ بغتةً ترتجفُ وكأنّما ظهرَ في وَجهها
وحشٌ أو أصابها جآنٌ بمسٍّ منْ عدم!
حاولتُ معاودةَ لمسِها بترددٍ متعثِّراً بالغصَّةِ التي تَجري في شرايينِي لتخنُقَني مراراً.
لملمتُ متبعثراتِ نفسي ودفعتُها مُتثاقِلّةً، لأتحسَّس وجه صغيرتيَ البارد بأطراف أصابعي،فاتحاً النافذةَ على مصراعيها للريحِ تعصفُ بربيعيَ المتناقص لتنتزِعَ بضراوتِها آخرُ ورقةٍ من شجرةِ سعادَتي، وتعودُ إليها بوحشيّةٍ تنسِفها وتجتَّثها من الجذور!
ضممت شقيقتي إلى صدري بقوة هامساً بصوتٍ متحشرجٍ خافتٍ لايكادُ يعرفُ للخروجِ سبيلاً:استيقظي..أرجوكِ..أرجوك
كانت كلماتي تتوهُ في ذلكَ القبوِ المحشوِّ في جوفِ البناء فتضمحلُّ الواحدة تلوَ الأُخرى حتّى باتتْ أشبه بسمفونيّة صمتٍ كسيرة!
و عقب ساعات قضيتها بكاءاً وصراخاً تشقَّقتْ من مرارتهِ حِجارةُ الجُدُرِ الصمّاء، تحامَلتُ على نفسي مُجبراً أجرُّها للخارجِ علّي أعثرُ على بطانيةٍ صغيرةٍ أو قطعةٍ من غطاءٍ خفيفٍ أدثَّرُ بهِ جثَّة فرحي الهامدة تحتَ تلكَ الأنقاض.
توقفتُ عندَ العتبةِ فجأةً، وكأنَّما تشبَّثتِ الأرضُ بقدميَّ في تلكَ البُقعة..
ضبابٌ يطبقُ على الأنفاسِ يقتنصُها عنوةً، رائحةُ البارودِ المشبعِ بالدَّم تملأُ قصباتيَ المتضيّقة،نيرانٌ تشتعلُ وسطَ العتمةِ كبركانِ ثائر،وأشلاء..
أشلاءُ كلِّ شيء!
كانَ الغُبارُ الثَّقيلُ يغتصبُ رئتيَّ بعنفٍ، طارداً آخرَ ذرةٍ من الأوكسجين، بينمَا أطبقُ جفنيَّ بقوَّةٍ درءاً للأتربةِ المتطايرةِ في الهواء.
حصدتُ بقايَا صلابتي وحقنتُها في قدمي علَّها تبدأُ بخطوةٍ أُخرى وَما إنْ أعلنَ مِفصَلي استعدادهُ لمهمَّةٍ تالية، حتَى طَفقَ إلى مَسامعي ذلك الصُّوتُ المذموم ثانيةً..لأرددَ بتلقائيّةٍ يائسة:
" عِشــرون..! "
تدفَّقت ذكرياتي سيولاً أمامَ ناظريَّ كشريطٍ سرَّعهُ الزَمن، أحلامي وأمنياتي الصغيرة التي هضمتها المِحن، عائلتِي التي مزّقتها الحربُ بأنيابها المفترسة،تمتمتُ بخفوتٍ وقد لاحَ في وجهي طيفٌ سَعِفٌ لابتسامةٍ حزينة
"أمي، أبي، أختي سأتبعُكم أخيراً، فالوحدةُ ليستْ مُمتعةً إطلاقاً "
رفعتُ رأسِي للسماءِ مُستسلِماً، لِأَستقبلَ ذلكَ المتسوِّلَ الدؤوب الذي أَبى إلا أنْ تنتهيَ غلَّتُه لليومِ بنفسي!
((نموتُ بأحزانِنا مفسحينَ الطريقَ لعابرٍآخر
تلدهُ الحياةُ دمعةً قصيرةَ الأمدِ على خدِّ القدر،
ليُتابِعَ خوضَ غِمارها بسعادةٍ مكبَّلة، ويكونَ كما نحنُ كنّا!))
تمّتْ.