orwa
29-10-2012, 15:24
http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=1776029&stc=1&d=1351517745
أصر الشتاء على البقاء
إصرار الأم على العطاء
رغم انقضاء فصله
ورغم تأخره عن تسليم الراية لوريثه الشرعي الربيع
لم يدري أحد سبب إصراره وعناده هذا
لكنه أصر على البقاء
أتى الربيع بعد أن سئم طول الانتظار
حاملاً زهوره الحمراء وطلائه الأخضر
فقال للشتاء وهو يتفتح خجلاً:
لقد تأخرت عني يا صديقي
فسعى أن يكون المانع خيراً
فرد الشتاء بحيرة:
ربما هو خير وربما لا
وانتظارك قد يطول بعد, لأجلٍ ليس بالبعيد
أريد أن استعير بضع أيام أخرى من فصلك, إن كان بإمكاني
_ بإمكانك أن تأخذ روحي العطرة إن أردت
ولكن ما الشيء الذي يدفعك للبقاء
وما حاجتك لأيامي المعدودة هذه.
نفخ الشتاء هواءً بارداً مخرجاً ما في صدره من أسى ومرارة
_ أريد أن أنظف بأمطاري الطاهرة, هذه الدماء القاتمة التي صبغت وجه الكون بحمرتها
- خيرٌ تفعل
لكني لا أظن بأن أيامي هذه أو سنواتي كلها ستكفي
أنت يا صديقي كمن يواجه الدبابة بحجر, ويدعي بأن إرادة حجره ستقهر المعدن المصفح
سيطول غيابك عني, فمهمتك تبدو مستحيلة وصعبة المنال
فكثرة استخدام المشط, لن تنبت شعراً للأصلع
لكن اذهب ويكفيك شرف المحاولة
رماه الشتاء بكرة ثلج ملساء, وقال: أراك قريباً
فرد الربيع بوردة بيضاء ندية, وقال في سره: لا أظن ذلك
ليكن الله معك يا صديقي
انتهت أيام الربيع, ومهمة الشتاء لم تزل في بداية المشوار
أتى الصيف الحاقد في موعده
حاملاً مع نسائمه الحارقة
كرهاً دفيناً لوحل الشتاء وأمطاره
وعشقاً للأراضي المتشققة من العطش, والأغصان اليابسة المحتضرة
ومن بعد مفاوضات طويلة وعسيرة, كالولادة الأولى
دفعَ الشتاء من الخلف, بعد أن رفض التنازل عن ثانية من ثواني فصله
لكن إصرار الشتاء وشموخه, مكناه من تفادي هذه الدفعة الغادرة
توالت الأيام, ومرت الفصول
وعدت السنين مسرعة, دون أن تأخذها شفقة بحال هذا المسكين وبحال غيومه
فقد كانت الغيوم المخلصة تعمل دون راحة, ليلاً نهاراً
ودون تلقي أي أجر على هذا العمل الإضافي
فقد كان عملها بدافع الحب لسيدها الشتاء
فأخذت تنتج الأمطار والعواصف على مدار اليوم
فغطت أمطارها وجه اليابسة
وجرفت سيولها
الأشجار والمباني والأطفال حديثي الولادة وقطط الشوارع
جرفت كل شيء صادف طريقها المرعب, إلا الدماء
فكانت تطفو على وجه الماء, كبقعة الزيت العظيمة
لم ترد الغيوم أن يذهب مجهودها سداً
وأن تقف أمام معلمها, وقفة الطالب الذي لم ينجز واجبهُ المنزلي
فاحتضنت بعضها بشدة, في محاولة أخيرة لإنجاب الأطفال
فتكسرت عظامهن من شدة العناق
ودوى صوت رهيب هز الكون طرباً
خيل لسكان الأرض وأبناء آدم, بأنه صوت الرعد
لكن الحقيقة كانت غير هذا
ازداد تساقط الأمطار, من بعد ما بدأ بالتلاشي
لكنه عاد ليضعف رويداً رويداً
حتى أصبح في النهاية, كقطرة الدواء النازلة ببطء في عين المريض
رغم كل هذا وغيره
تفوقت دماء الأبرياء والسفهاء على الماء الطاهر
وظلت متشبثة بجذورها كشجرة التين الهرمة
عطف الشتاء على حال غيومه
التي انكمشت كقنديل البحر بعد تعرضه لأشعة الشمس
فما كان منه إلا أن وضعها في شبكته المبللة
وعاد يجر أذيال الخيبة والهزيمة
في طريق العودة رأى الربيع, يفصل بذوره الصالحة عن العفنة
فرمى غيومه أرضاً
وقال:
لقد كنت على حق يا صديقي
فلقد فشلت, لكنني حاولت
ويكفيني شرف المحاولة كما قلت
والآن أتى الدور عليك
اذهب وازرع بذورك في رحم الأرض, فهي الآن مليئة بالمياه وجاهزة لتقبل بذورك بصدر رحب
اذهب
لعلها تثمر أفراحاً وأحلاماً وردية
وحلقات غناء ورقصٍ غجرية
- كما تريد يا صديقي, سأذهب
ولكن صدقني, لا طائل من هذا كله
فكيف لزارع العلقم أن ينتظر في موسمه البلسم
وكيف لثمار الحرية أن تزهر ثواراً إن سقت من بئر الذل والعبودية
صدقني
من بعد أن زرعوا
الدماء
لن نحصد سوى
الدماء
أصر الشتاء على البقاء
إصرار الأم على العطاء
رغم انقضاء فصله
ورغم تأخره عن تسليم الراية لوريثه الشرعي الربيع
لم يدري أحد سبب إصراره وعناده هذا
لكنه أصر على البقاء
أتى الربيع بعد أن سئم طول الانتظار
حاملاً زهوره الحمراء وطلائه الأخضر
فقال للشتاء وهو يتفتح خجلاً:
لقد تأخرت عني يا صديقي
فسعى أن يكون المانع خيراً
فرد الشتاء بحيرة:
ربما هو خير وربما لا
وانتظارك قد يطول بعد, لأجلٍ ليس بالبعيد
أريد أن استعير بضع أيام أخرى من فصلك, إن كان بإمكاني
_ بإمكانك أن تأخذ روحي العطرة إن أردت
ولكن ما الشيء الذي يدفعك للبقاء
وما حاجتك لأيامي المعدودة هذه.
نفخ الشتاء هواءً بارداً مخرجاً ما في صدره من أسى ومرارة
_ أريد أن أنظف بأمطاري الطاهرة, هذه الدماء القاتمة التي صبغت وجه الكون بحمرتها
- خيرٌ تفعل
لكني لا أظن بأن أيامي هذه أو سنواتي كلها ستكفي
أنت يا صديقي كمن يواجه الدبابة بحجر, ويدعي بأن إرادة حجره ستقهر المعدن المصفح
سيطول غيابك عني, فمهمتك تبدو مستحيلة وصعبة المنال
فكثرة استخدام المشط, لن تنبت شعراً للأصلع
لكن اذهب ويكفيك شرف المحاولة
رماه الشتاء بكرة ثلج ملساء, وقال: أراك قريباً
فرد الربيع بوردة بيضاء ندية, وقال في سره: لا أظن ذلك
ليكن الله معك يا صديقي
انتهت أيام الربيع, ومهمة الشتاء لم تزل في بداية المشوار
أتى الصيف الحاقد في موعده
حاملاً مع نسائمه الحارقة
كرهاً دفيناً لوحل الشتاء وأمطاره
وعشقاً للأراضي المتشققة من العطش, والأغصان اليابسة المحتضرة
ومن بعد مفاوضات طويلة وعسيرة, كالولادة الأولى
دفعَ الشتاء من الخلف, بعد أن رفض التنازل عن ثانية من ثواني فصله
لكن إصرار الشتاء وشموخه, مكناه من تفادي هذه الدفعة الغادرة
توالت الأيام, ومرت الفصول
وعدت السنين مسرعة, دون أن تأخذها شفقة بحال هذا المسكين وبحال غيومه
فقد كانت الغيوم المخلصة تعمل دون راحة, ليلاً نهاراً
ودون تلقي أي أجر على هذا العمل الإضافي
فقد كان عملها بدافع الحب لسيدها الشتاء
فأخذت تنتج الأمطار والعواصف على مدار اليوم
فغطت أمطارها وجه اليابسة
وجرفت سيولها
الأشجار والمباني والأطفال حديثي الولادة وقطط الشوارع
جرفت كل شيء صادف طريقها المرعب, إلا الدماء
فكانت تطفو على وجه الماء, كبقعة الزيت العظيمة
لم ترد الغيوم أن يذهب مجهودها سداً
وأن تقف أمام معلمها, وقفة الطالب الذي لم ينجز واجبهُ المنزلي
فاحتضنت بعضها بشدة, في محاولة أخيرة لإنجاب الأطفال
فتكسرت عظامهن من شدة العناق
ودوى صوت رهيب هز الكون طرباً
خيل لسكان الأرض وأبناء آدم, بأنه صوت الرعد
لكن الحقيقة كانت غير هذا
ازداد تساقط الأمطار, من بعد ما بدأ بالتلاشي
لكنه عاد ليضعف رويداً رويداً
حتى أصبح في النهاية, كقطرة الدواء النازلة ببطء في عين المريض
رغم كل هذا وغيره
تفوقت دماء الأبرياء والسفهاء على الماء الطاهر
وظلت متشبثة بجذورها كشجرة التين الهرمة
عطف الشتاء على حال غيومه
التي انكمشت كقنديل البحر بعد تعرضه لأشعة الشمس
فما كان منه إلا أن وضعها في شبكته المبللة
وعاد يجر أذيال الخيبة والهزيمة
في طريق العودة رأى الربيع, يفصل بذوره الصالحة عن العفنة
فرمى غيومه أرضاً
وقال:
لقد كنت على حق يا صديقي
فلقد فشلت, لكنني حاولت
ويكفيني شرف المحاولة كما قلت
والآن أتى الدور عليك
اذهب وازرع بذورك في رحم الأرض, فهي الآن مليئة بالمياه وجاهزة لتقبل بذورك بصدر رحب
اذهب
لعلها تثمر أفراحاً وأحلاماً وردية
وحلقات غناء ورقصٍ غجرية
- كما تريد يا صديقي, سأذهب
ولكن صدقني, لا طائل من هذا كله
فكيف لزارع العلقم أن ينتظر في موسمه البلسم
وكيف لثمار الحرية أن تزهر ثواراً إن سقت من بئر الذل والعبودية
صدقني
من بعد أن زرعوا
الدماء
لن نحصد سوى
الدماء