PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : جلاء الغسق ..,



S.R.H
01-09-2012, 20:46
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتةة ..,

روايتي لهذه المرة مختلفة .. حيث أن احداثها واقعية :)

لن اطيل عليكم فلست جيدة بالمقدمات ..

الفصل الأول
(1)

دخلت سلمى غرفة ابنتها اسراء بضيق و اندفعت تفتح الستائر قائلة : ( أريد أن اعرف كيف يهنأ لك النوم مع كل هذه الضجة ؟)
رفعت ابنتها رأسها ثم عادت لتدسه أسفل الوسادة بانزعاج وهي تقول : ( أنتِ تعرفين بأن كل هذه الأحداث لا تهمني .. ليسقط الرئيس و ليأتي عشرة مكانه لست أهتم )
فتحت سلمى النافذة فأصبحت الاصوات التي بالخارج أشد وضوحًا و هي تنادي بـ " الشعب يريد اسقاط النظام .. الشعب يريد اسقاط النظام "
تذمرت سلمى : ( لقد قلت لوالدك مرارًا أن لا يبتاع منزلَا يطل على ميدان التحرير .. لكنه لم يصغ الي )
رفعت ابنتها رأسها و جلست على طرف السرير قائلة بلا مبالاة : ( لم يكن يعلم بأن الشعب سيثور .. )
وبدأت بالتثاؤب بكسل وشعرها الكستنائي المتموج يتدلى على كتفيها بحرية .. تنهدت سلمى بقلة حيلة وهي تقول : ( أنا لا اعرف ما الذي قد يثير اهتمام فتاة مثلك ! )
ثم خرجت وهي تتمتم بعبارات تذمر غير مفهومة ..

------------

نزلت اسراء درجات السلم بهدوء و بطء و كأنها تخشى ان يسمع أحد صوت خطواتها ..
اتجهت للمطبخ حيث وجدت والدتها تطهو و تغني .. او هكذا ظنت اسراء لكنها حالما اقتربت اكتشفت انها كانت تردد العبارات المطالبة بإسقاط النظام .. !
هزت كتفيها بلا اهتمام ثم قالت : ( أمي .. سأجلس بالخارج لبعض الوقت .. )
التفت سلمى لتلقي نظرة تفحصيه للباس ابنتها وحالما تأكدت من ستره اومأت لها قائلة : ( حسنًا .. أعيدي لف حجابك فشعراتك ظاهرة .. )
اعادت اسراء لف حجابها سريعا و خرجت من باب المطبخ .. الذي ما إن تخرج منه حتى ترى ميدان التحرير وقد امتلأ بالحشود ..
كان الازدحام شديدًا و الاصوات مرتفعة .. تلفتت فرأت السيدة جين العجوز تجلس على الكرسي الذي يستند على جدار المنزل .. فاقتربت منها وجلست بجانبها باحترام ..
كانت السيدة العجوز من اصل يهودي .. لم تكن اسراء تعرف عنها سوى القليل .. ولم تكن تعرف إن كانت قد اعتنقت الاسلام ام لا .. فهي تتذكر أن والدتها دائمًا ما كانت ترسل لها كتب دعوية متنوعة ..
اسندت اسراء رأسها على الجدار بتململ وهي تراقب اصناف الناس امامها .. كان الحماس يدب في عروق الجميع و الاصوات رغم تعددها الا انها تنادي بصوت واحد ..
جاءت مجموعة من الشبان يركضون وفي ايديهم استقرت لوحات عديدة و وقف احدهم فورًا حال رؤيته لصاحبتنا ..
و تقدم إليها قائلاً : ( اسراء .. ألست تودين مشاركتنا ؟ .. هيا فـ لؤي قد ابتكر صيحة جديدة .. )
هزت رأسها نفيًا قائلة : ( كلا لا اريد .. اذهب يا احمد و بلغ سلامي لصحبك ) و اشارت برأسها لجماعته الذين ينتظرونه على بعد أمتار ..
قال احمد بلا اهتمام : ( كما تريدين ) و جرى مبتعدًا ..
راقبته وهو يغادر و جاءها صوت العجوز قائلا : ( شقيقك أحمد يبدو متحمسًا على عكسك .. )
قالت اسراء بهدوء : ( أجل ..انه.. )
قاطعها صوت والدتها التي اطلت من الباب قائلة : ( اسراء تعالي الى هنا بسرعة .. )
نهضت اسراء ودخلت إلى المطبخ حيث والدتها التي قالت فورًا : ( خذي صحن الفول هذا إلى جين المسكينة و ايضٌا كوب الحليب الساخن .. انه مفيد لها كما تعلمين .. ايضُا قطعة الخبز ستجدينها على الطاولة .. )
وضعت اسراء الصحون على عربة الطعام الصغيرة .. التي تصدر صوت قرقعة مزعج عند دفعها ..
لم ترق كلمة " المسكينة " لإسراء .. فهي تعلم كما يعلم الجميع ان هذه العجوز تمتلك ثروة لو قسمت على من في الميدان لكفتهم .. و كذلك تعلم ان ابناءها و احفادها التحقوا بجيش الاحتلال في فلسطين ..
دفعت العربة وهي تحاول طرد هذه الافكار من رأسها .. و قادتها إلى العجوز لتجعلها تستقر أمامها ..
رفعت جين رأسها قائلة : ( اوه .. شكرا لك )
عاودت اسراء الجلوس قائلة : ( لا شكر على واجب عمتي .. )
ابتسمت العجوز و بدأت بتناول وجبتها و عيناها تحدقان بالحشود امامها ..
قالت بعد برهة : ( أتصدقين يا اسراء قبل عدة سنين كنت هنا للتظاهر .. )
- حقَا ! ..أكان هناك ثورة أخرى قبل هذه ؟!

- أجل في عام 1919 .. لا زلت أحفظ هذا التاريخ .. ثورتهم تلك كانت ضد الانجليز المستعمر .. تقودها صفية زغلول .. تصوري أن النساء نزعن حجابهن طلبا للحرية ! و يقول البعض أنه سبب تسمية ميدان التحرير بهذا الاسم !

- آه نعم .. تقصدين تلك الثورة التي اعلن بعدها استقلال مصر .. لتوي تذكرت

- أجل ..

توقفت لتلتهم قطعة خبز و اكملت بعدها : ( شباب مصر مخيفون .. للغاية ..)

ابتسمت اسراء بفخر و اتسعت ابتسامتها حالما رأت نور قادمة من بعيد ..
نهضت قائلة بسعادة : ( المعذرة عمتي .. لكن ابنة عمي قادمة سأذهب إليها .. )
اومأت لها العجوز باستياء و كان من الواضح ان في جعبتها الكثير من الاحاديث التاريخية تود سردها ..
ركضت اسراء نحو نور و احتضنتها قائلة : ( يكفيني من الثورة أن جاءت بك .. أيتها القاطعة )
ضحكت نور بخفة فابتعدت اسراء عنها وقالت بجدية مصطنعة : ( اصدقيني القول .. أجئت لزيارتي أم جئت لتثوري ؟! )
أجابت نور غامزة : ( بل جئت لاصطاد عصفورين بحجر .. )
ضحكت اسراء و سحبت نور معها إلى المنزل حيث جلستا في المطبخ تكملان حديثهما ..

بدأت اسراء الحوار بشوق قائلة :
- ما أخبار عمي ؟

- بخير لقد اوصاني بأن ابلغكم تحياته وقد قال بأنه سيأتي يوم الجمعة ..
- هذا رائع اشتقت اليه حقًا ..
- و هو كذلك مشتاق إليكم .. بالمناسبة هل استطيع القاء نظرة من نافذة غرفتك ؟ .. اشعر أن منظر الثوار مذهل من الأعلى ..

القت اسراء نظرة سريعة على ساعة الحائط قائلة : ( بالطبع .. لكن ليس الان انتظري حتى اذان العصر ..)
ابتسمت نور دون فهم لمقصد اسراء من الانتظار وقالت لتقطع الصمت الذي مر بينهما : ( لن تصدقي من رأيت عند وصولي .. )
- من ؟! ..
- جمانة ابنة مدير جامعتنا .. لم اعتقد انها مهتمة بالثورة إطلاقًا ..
- ياااه .. لا يمكن .. جمانة أتت إلى هنا لتثور ! .. ألم تكن تمتدح الرئيس دائمًا !
- ربما اتى بها الفضول ..
- أجل أنت محقة .. نور في الحقيقة أنا قلقة من نتائج هذه الثورة .. اخشى ان تشعل حربًا ما ..
- على عكسك .. اشعر بأنها ستفتح لنا افاقًا واسعة .. أنا متفائلة بها كثيرا .. كما اشعر بأنها ..

قاطعها دخول سلمى إلى المطبخ فنهضت قائلة : ( أوه مرحبا عمتي .. )
و صافحتها بحرارة قالت سلمى التي بدا أنها قد سمعت نهاية حوارهما : ( مرحبا بك .. يعجبني رأيك يا نور .. لطالما كنت فتاة مثقفة و مهتمة .. على عكس البعض .. )
و ألقت نظرة ذات معنى على اسراء التي تظاهرت بأنها لم تسمع ..
قالت نور بخجل : ( شكرا لك عمتي .. )
صمتت لبرهة ثم قالت بحذر وهي تخرج رسالة من جيبها مدتها لسلمى : ( هذه من والدي .. )
نقلت سلمى نظرها من الورقة إلى عين نور ثم غادرت خارجة بغضب ..

S.R.H
02-09-2012, 21:00
__

كورابيكا-كاروتا
05-09-2012, 13:02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال اختي العزيزة ؟

بداية جميلة حقا
اتوق شوقا لمعرفة ما سيحصل مستقبلا

يبدو ان اسراء غير مهتمة البتة
و حقا اتمنى ان لا يكون سبب اهتمامها شيئا يكسر فؤادها

على اي حال بالانتظار ^^

روح تشاد
05-09-2012, 19:57
بداية ممتعة جدا ....
لم اتصور انني سانهيها فأنا مثل إسراء لم أهتم بالثورة كثيرا

لكن قصتك شدتني فقد أغير رايّ

استمري

S.R.H
08-09-2012, 13:06
الفصل الثاني
(2)

أخذت نور تقطع الغرفة جيئة و ذهابا وهي تشتم كل شيء ..
قالت اسراء التي كانت تستلقي على السرير : ( كفى .. ليس وكأنها المرة الأولى التي ترفض فيها أمي والدك )
زمجرت نور وهي تركل أحد المقاعد : ( لا أعرف متى ستكف والدتك عن عنادها .. ما الذي يعيب أبي هاه ؟! )
- لا شيء يعيبه .. لكن والدتي لا ترغب في الزواج .. و قد صرحت بذلك منذ وفاة والدي رحمه الله ..
- أبي يريد ذلك ليس لأجلها بل لأجلكم .. يريد أن ينفق عليكم و يضعكم تحت رعايته كما اوصاه عمي رحمة الله عليه ..
- أعرف ذلك .. لكن لا شيء ينقصنا ..
- كلا .. أنت تكابرين .. اسراء أنا اعلم جيدًا كيف هي حالتكم المادية .. لا تحاولي خداعي

لم تعلق اسراء فأكملت نور : ( ثم أن الامر سيكون رائعا .. سنصبح اخوة .. )
قطعت اسراء النقاش قائلة : ( الأمر كله يعود إلى والدتي .. لا شأن لي .. )

تنهدت نور و جلست على أحد المقاعد و صدى اذان العصر يتردد في الغرفة .. بقيتا ساكنتين حتى انتهاءه ..
وبعد دقائق قفزت اسراء واقفة و اتجهت إلى النافذة قائلة : ( تعالي يا نور .. لتري الثوار .. )
نهضت نور و اتجهت لتقف بجانب اسراء و تطل من النافذة ..
وقد اطلقت صيحة اعجاب على المنظر الذي رأته .. حيث كان الثوار يصطفون جميعًا لإداء صلاة العصر ..
قالت بانبهار : ( مذهل بالفعل .. )
ابتسمت اسراء و قالت وهي تحدق بالجموع : ( إن هذا المنظر يشعرني بالسعادة و الفخر معًا .. يشعرني بالوحدة والانتماء .. )
وضعت يدها على زجاج النافذة وهي تكمل : ( أراقبهم دومًا عند كل صلاة .. و اشعر بروحي تغادرني لتحلق حولهم و تكتسب بعضًا من نقائهم .. )
ابتسمت نور قائلة بهدوء : ( أحسدك كثيرًا على هذا المنظر يا اسراء .. )

-------------

- هنا ؟! ..
- كلا كلا .. إلى اليمين قليلًا .. أوه ليس هكذا .. اليمين قلت اليمين ..

قاطعهما لؤي قائلا : ( كم أنت دقيق يا أحمد .. دعها تعلقها كيفما شاءت ! )
ألقى أحمد نظرة تهكمية عليه و أكمل متجاهلا إياه : ( كلا ارفعيها اكثر .. اوه الا تسمعين قلت ارفعيها .. )
قالت علياء بنفاذ صبر : ( تعال لتعلقها بنفسك .. )
صفق حمزة قائلا : ( بهدوء يا شباب لا نريد جدالًا .. )
كان فريقهم عبارة عن ثلاثة فتيان و فتاتين .. أحمد و لؤي و حمزة و علياء و فاتن ..
كانوا ضمن الناشطين في الثورة .. يعلقون لوحات بعبارات تارة غاضبة و تارة ساخرة ..

و يبتكرون صيحات كذلك ..


اتكأ لؤي على الجدار وصفر قائلا : ( شباب .. انظروا هناك .. )
التفت الجميع حيث اشار .. كانت شابة تبدو أجنبية .. ترتدي ملابس رسمية ..
تنورة قصيرة بلون رمادي فخم و قميص ابيض فوقه معطف رمادي كذلك ..
شعرها تلتف خصلاته السوداء فترتخي على اكتافها و تزيدها جمالا و فخامة ..
كانت تمشي بثقة و بدت مشيتها متناغمة رغم ارتداءها حذاء ذا كعب عالي ..
قال حمزة باهتمام : ( اعتقد بأنها اجنبية .. )
اردفت علياء : ( قد تكون احدى المراسلات ..)
قفز أحمد من مكانه قائلا : ( إن كانت كذلك لنذهب إليها .. لدي الكثير مما أود ايصاله للعالم )
ضحك لؤي وقال بحماس : ( لنلحق بها .. )
لم يعترض أحد و ساروا يتبعونها رغم بعد المسافة بينها و بينهم ..

______________

اسراء و نور كانتا لا تزالان تحدقان عبر النافذة بتلذذ ..
وكزت نور جانب إسراء بمرفقها قائلة : ( إسراء .. انظري انظري .. )
و أشارت برأسها إلى الأسفل حيث كانت الفتاة الاجنبية تصافح العجوز جين و تقبل رأسها برسمية ..
قالت اسراء فورا : ( أوه كلا .. لابد أنها صحفية تريد إجراء مقابلة مع العمة جين .. علينا النزول لإيقافها .. )
و قبل أن تسمع رد نور كانت اسراء تجري قافزة درجات السلم بخفة ..
و ما إن خرجت حتى تفاجأت أن الفتاة تتحدث مع جين بالعبرية !
وقفت حائرة بينما وصل أحمد و رفقائه ليقفوا بجانبها مندهشين ..
انضمت لهن نور قائلة : ( ما الأمر ؟! )
لم يجب عليها أحد .. فلا أحد يدرك ما الذي يجري .. !
لاحظت العجوز كثرة الأعين المحدقة بهما فقامت واقفة و امسكت بيد الفتاة قائلة : ( أعرفكم على ليزا .. )
صمتت قليلا ثم أكملت : ( حفيدتي .. )
صعق الجميع فلم يكن أحد يتوقع رؤية أحد أحفادها خاصة في هذا الوقت ..
تقدمت ليزا و مدت يدها لتصافح نور بود .. قالت نور وهي تشير للبقية : ( مرحبا .. أنا نور و هذه إسراء .. أحمد ..حمزة .. لؤي .. فاتن .. علياء .. )
صافحتهم ليزا و صرحت أنها سعيدة بمقابلتهم .. و أجابوها بالمثل ..
ثم عادت للحديث مع والدتها متجاهلة اياهم .. أشار أحمد لرفقائه بالدخول إلى المطبخ ففعلوا
و تبعتهم اسراء و نور ايضا ..
جلس كل من لؤي و حمزة على المقاعد الملتفة حول طاولة المطبخ الصغيرة
بينما اتكأ أحمد على الجدار .. و جلست علياء على طرف الطاولة ..
و اكتفت فاتن بالوقوف بجانب نور و اسراء ..
قالت اسراء عندما لاحظت استقرار الجميع بأماكنهم : ( ما رأيكم بها !؟ )
قال أحمد مبتسما : ( جميلة .. )
حدقت اسراء به بازدراء قائلة : ( لم أكن اعني المظهر .. )
قال مدافعا عن نفسه : ( وهل رأينا منها غير ذلك ؟! )
فتحت اسراء لتجيب لكن نور سبقتها اذ قالت : ( أحمد محق .. نحن لم نرى منها أي شيء بعد .. لا نستطيع الحكم عليها الان ! )
صمتت اسراء على مضض ..



بينما قالت فاتن تؤيدها : ( في الحقيقة .. أنا لم أرتح لها .. )
ابتسمت لها اسراء مشجعة فأكملت : ( أشعر بأنها اتت إلى هنا لسبب ما .. أيمكن أن ... )
قاطعها دخول سلمى المفاجئ .. التي تفاجأت بدورها بالمتواجدين ..
قالت اسراء فورا : ( أمي لن تصدقي من أتى .. )
ألقت سلمى نظرة توجس إلى نور فهمتها اسراء فقالت مطمئنة والدتها : ( إنها فتاة .. )
قالت سلمى بقلق : ( من ؟! .. )
أشار أحمد إلى الباب قائلا : ( ستجدينها في الخارج .. )
خرجت سلمى بخطوات مترددة .. وما ان غابت عنهم حتى طلبت اسراء من الفتيات اللحاق بها إلى غرفتها ..
و فعلا لحقن بها و نزعن الحجاب فور دخولهن الغرفة ..
لتكشف فاتن عن شعر أسود قصير .. كان لفاتن من اسمها نصيب فقد كانت فاتنة بجمالها ..
فلها عينان زرقاوان جميلتان .. و قوام ممشوق .. مع أنف حاد و وجه بدا و كأنه نحت نحتا ..
قالت اسراء قاطعة الصمت الذي طال : ( حسنًا .. ماهي اخر الأخبار .. ؟! )
قالت علياء : ( بالنسبة للثورة فلا شيء مهم .. الرئيس لم يتحرك بعد .. )
اردفت فاتن بهدوء : ( اشعر بالقلق حيال ذلك .. لا اظنه سيتنازل بسهولة ..لكن الغسق سينجلي في النهاية ! )
كانت تعابير فاتن غريبة نوعًا ما .. لكنهن قد تعودن عليها ..
قالت اسراء : ( لقد قلت ذلك لنور سابقا .. أخشى اشتعال حرب ما .. )
قالت نور و علياء بصوت واحد : ( لن يحدث ذلك .. )
صمتت نور فأكملت علياء : ( سيتنازل قريبا .. أنا متأكدة .. طالما أن الشعب اتحد فلا يوجد ما نخشاه .. )
تنهدت فاتن ولم تعلق .. حدقت كل واحدة في مكان معين و سمحت لأفكارها بانتشالها ..
لكنها مجرد دقائق أفقن بعدها من شرودهن على صوت طرق الباب ..
امسكت فاتن بحجابها .. لكن اسراء اشارت لها أن لا ترتديه .. و قالت بصوت مرتفع : ( تفضلي أمي .. )
فتح الباب و دخلت سلمى ..
رفعت علياء حاجبيها وقالت بتعجب : ( كيف عرفتِ أنها والدتك ؟!)
قالت اسراء بمرح : ( عرفتها من طريقة طرقها للباب .. )
قالت سلمى بجدية : ( اسراء .. ليزا ستبيت لدينا لعدة أيام .. )
اعترضت اسراء قائلة : ( ماذا ؟! .. و لماذا ؟! .. الفنادق تملئ المدينة و منزل والدتها يسع قبيلة ! )
قالت سلمى : ( لا تتفوهي بمثل هذه التفاهات ..فهي ضيفة مهما يكن ..)
تدخلت نور قائلة : ( عذرا عمتي لكن اسراء محقة .. )
اضافت علياء : ( كما أن منزلكم صغير لن يسعها .. )
اردفت فاتن : ( وهي اجنبية لا نعرف عنها شيئا .. من الخطأ ابقائها.. )
فرحت اسراء بدعم صديقاتها ..
لكن والدتها قالت بجزم : ( هي من طلبت ذلك مني ولن أردها .. إنها مجرد أيام معدودة .. )
صمتن لرغبتها .. فخرجت سعيدة بانتصارها ..
نهضت نور قائلة : ( عن اذنكن .. سأعود إلى المنزل الآن قبل مغيب الشمس .. )
قالت اسراء : ( مهلا .. ألن تبيتي الليلة هنا ؟! )
قالت نور فورا : ( كلا كلا .. لدي بعض الأعمال علي إنجازها .. )
و رمت ورقة إلى اسراء قائلة : ( حاولي بأمك علها تتقبلها منك ..)
ثم قالت للبقية : ( حسنا .. أراكن غدا بإذن الله .. وداعا .. )
و خرجت نازلة السلالم بعجلة ..
بعد لحظات أدركت اسراء ان نور قد اسقطت سوارها فالتقطته و نزلت لتلحق بها ..
كانت نور تسير وهي تتحدث مع والدها عبر هاتفها الخلوي قائلة : ( أبي أتستطيع المجيء لأخذي ؟! )
أجاب والدها قائلا : ( ألم تقولي بأنك ستبيتين في منزلهم ؟)
قالت نور بارتباك وهي تنعطف لتدخل أحد الأزقة المظلمة دون ان تشعر : ( بلى .. لكن ضيفًا قد حل فجأة .. ولم أرد أن ازيد الحمل عليهم .. )
فجأة غطت يد ضخمة فمها و ضغطت عليه بقوة .. اسقطت نور الهاتف بفزع و حاولت أن تصرخ لكن دون جدوى ..
كما حاولت ابعاد اليد عن فمها بكلتا يديها ولا فائدة تذكر ..
بعد لحظات كانت اسراء تمر بجانب الزقاق وهي تبحث عن نور .. و لمحت هاتف نور مرميًا داخل الزقاق فهرعت لالتقاطه .. وهي تصارع العديد من الافكار المخيفة داخل عقلها ..
نادت صارخة باسم نور مرارا لكنها لم تحظ بأي جواب .. فكرت في التعمق أكثر داخل الزقاق ..
و ماهي الا ثوان حتى سيطرت الفكرة على رأسها فدخلت و الشمس خلفها تغيب شيئا فشيئا ..

S.R.H
07-03-2013, 18:33
الفصل الثالث
(3)


دخلت اسراء و الرعب يجري في جسمها مجرى الدم .. و مما زاد الامر سوءًا هو الظلام الذي يزداد أكثر فأكثر ...
و بينما هي تمشي أمسكت يد بذراعها .. فشهقت بفزع و بقيت متجمدة مكانها ..
همس صوت من خلفها : ( ما الذي تفعلينه هنا ؟! )
تنهدت اسراء و التفتت لتقابل أخاها احمد قائلة : ( اخفتني .. )
صمتت قليلا ثم اكملت : ( وجدت هاتف نور مرميًا هنا ! ) ورفعت الهاتف لتلوح به لأخيها ..
و استمرت : ( ماذا عنك ؟! )
هز كتفيه قائلاً : ( رأيتك تدخلين فلحقت بك .. )
صمتا لبرهة ثم قالت اسراء : ( ماذا علينا أن نفعل ؟! )
قال أحمد : ( لنكمل .. ربما وجدنها .. )
و فعلا اكمل الاثنان سيرهما وهما يناديان باسم نور مراراً ..
فجأة تعثرت اسراء بشيء ثقيل اسقطها ارضًا ..
اقترب احمد بسرعة وهو ينير المكان بضوء هاتفه : ( هل أنتِ بخير ؟! )
امسكت اسراء بقدمها قائلة : ( أجل .. ) وهمت بالوقوف لولا انتباهها للشيء الذي تعثرت به ..
صرخت بفزع .. فسلط احمد الضوء على المكان الذي تحدق إليه .. ليصيبه الفزع هو الآخر ..
و بقيا يحدقان إلى نور الملقاة أرضًا بهمجية و قد بدت كشخص خرج من معركة لتوه ..
اقتربت اسراء اكثر قائلة : ( نور.. أأنت بخير ؟ )
لمن يصلها أي رد .. فهزتها بقوة وهي تردد : ( نور .. نور .. أفيقي .. )
تحدث أحمد اخيرا قائلا : ( سأذهب لإحضار المساعدة .. )
و غادر راكضًا .. و ماهي الا لحظات حتى أتت المساعدة و حملت نور إلى منزل اسراء فوراً






بقيت اسراء تلك الليلة تتقلب بلا نوم .. وهي تفكر بنور و حالها ..
فقبل بضع ساعات أتى والد نور و اخذها إلى منزلهم ..
تنهدت اسراء بضيق وهي تعلم بأن عمها لن يسمح لنور بالمجيء مجدداً ..
أخذت تتقلب يمنة و يسرة حتى اوقفها صوت طرق الباب .. فقالت بلا رغبة : ( ادخل .. )
فتح الباب و دخلت ليزا .. قفزت اسراء من مكانها وهي تقول لنفسها : ( تبا لقد نسيت امرها .. )
قالت ليزا بهدوء : ( هل سأنام هنا ؟! )
لم يكن في المنزل الا اربع غرف .. احدها لأحمد و الاخرى لسلمى و الثالثة لإسراء .. أما الرابعة فهي أشبه بمستودع ..
وقد وضعت فيه سلمى كل شيء تقريبا .. اذ لن يكون لك موضع قدم فيها اطلاقا ..
قالت اسراء بلطف مصطنع : ( آه أجل .. بإمكانك النوم على السرير و أنا سأنام على الارض .. )
همست ليزا : ( لا بأس ..)
لم تفهم اسراء رغبة ليزا بالضبط فخرجت لتترك لها المجال للاختيار ..
و حالما عادت وجدت ليزا جالسة على الارض و قد فرشت لها فراشًا و جلست عليه و وضعت حاسباً محمولا على فخذيها و اخذت بالطقطقة عليه بتركيز شديد ..
لم تأبه اسراء بذلك و القت نفسها على السرير لتغط في نوم عميق ..
و مع بزوغ الفجر استيقظت اسراء بتثاقل وهي تتثاءب .. و مما اثار دهشتها أن ليزا لا تزال على جلستها الاولى ذاتها لم يتغير شيء ..
و لم يبد عليها الارهاق بتاتا ..
قالت اسراء مبتسمة : ( صباح الخير .. )
لم تتلقى أي ردة فعل فاتجهت الى دورة المياه لتتوضأ و تصلي ..
ثم نزلت الى المطبخ حيث تعد والدتها طعام الافطار كالعادة ..
قالت اسراء : ( صباح الخير .. )
- صباح الخير .. افقتِ باكرا هذه المرة ..
- هذا لأني نمت باكرا بالأمس ..
- جيد إذًا.. أتريدين بعض الفول ؟
- كلا .. لا اريد .. أمي ما الاخبار عن نور ؟
- حالتها مستقرة حاليًا .. لقد تعرضت لضرب عنيف .. ولم يتم العثور على ذلك اللص الحقير بعد ..


تنهدت اسراء بضيق و ضربت الطاولة بقبضتها بقوة .. ثم قالت فجأة : ( آه صحيح .. تلك الـ ليزا هل جاءت هنا للعمل أم ماذا ؟ )
أجابت سلمى و هي تفتح أحد الادراج لتخرج ملعقة : ( قالت والدتها بأنها في إجازة .. و قد أتت لتمضيتها معها )
قالت اسراء بصوت منخفض : ( إجازة في مثل هذا الوقت ! ..) ثم رفعت صوتها قائلة: ( إن كانت قد جاءت لتمضيتها مع والدتها كما تزعمان فلماذا تبيت عندنا إذا ؟ )
نظرت سلمى إلى ابنتها بحدة وهي تقول : ( اسراء ما هذا الكلام ؟ .. كيف تتهمين ضيفتنا بالكذب ! .. قد يكون لديها سبب نجهله أنا و أنتِ .. )
صمتت اسراء احتراما لوالدتها و ان كانت في حقيقة الأمر لم تقتنع .. جلست على طرف الطاولة في الوقت ذاته الذي نزلت به ليزا من السلم و هي ترتدي ملابس رسمية و تحمل حقيبة فضية اللون ..
سألتها سلمى فورا : ( ليزا عزيزتي لتوي عزلت بعض الطعام لوالدتك هل تريدين جزءا منه ؟ )
أجابت ليزا برسمية : ( لا .. أشكرك .. )
و خرجت ..
قالت سلمى لـ اسراء : ( حسنًا .. سآخذ هذه لجين .. وهذه الحصة لكِ كليها متى ما شعرتِ بالجوع )
اومأت اسراء بـ نعم .. و راقبت والدتها وهي تخرج .. ثم صعدت لغرفتها لتغيير ثيابها ..
وحالما انتهت خرجت للساحة و بحثت عن أخيها و رفاقه حتى عثرت عليهم ..
انضمت لهم قائلة : ( صباح الخير .. )
ردوا عليها التحية مبتسمين .. ثم قالت فاتن : ( ما أخبار نور ؟! .. سمعنا بأنها تعرضت للسرقة و الاعتداء! )
قالت اسراء بصوت منخفض : ( أجل هذا صحيح .. )
تمتمت علياء : ( هذا فظيع ! )
بينما قال حمزة : ( لم يسبق و أن حدث شيء كهذا من قبل .. هذا غريب فعلا .. )
صمت الجميع فجأة و كل هائم بأفكاره ..
حتى قطعت اسراء الصمت قائلة : ( ما رأيكم أن نقوم بزيارتها ؟! )
وافقتها فاتن : ( فكرة ممتازة .. لنذهب .. )
قال لؤي : ( حسنًا .. أنا موافق .. )
ابتسم أحمد : ( و أنا كذلك .. )
اومأت علياء بأنها موافقة .. و قال حمزة : ( لا مانع لدي .. )
وفعلا استقلوا أحد سيارات الأجرة للذهاب إلى المستشفى حيث ترقد نور فيه ..
لم يحدث في الطريق أي امر هام .. عدا أن اسراء لمحت ليزا تنزل من أحد السيارات السوداء قرب منزل ضخم ..

-----

استرجلت ليزا من السيارة و سارت بخطوات ثابتة حتى وصلت إلى البوابة و قرعتها ..
كان الباب ذا لون بني عتيق .. كما أنه ضخم بحيث يسع فيلاً ..
فتح الباب فدخلت بلا تردد .. وسارت بهدوء عابرة الممر الطويل دون ان تلتفت لتتأمل جمال ساحة القصر ..
لم تغرها الأزهار الملونة المصفوفة بانتظام و لم تأبه بالنافورة الضخمة التي تتوسط الساحة ..
كان نظراتها مصوبة إلى الامام حيث وجهتها .. و ما إن عبرت الساحة فتح لها الباب الداخلي بسرعة ..
فدخلت و جلست على أحد الارائك منتظرة صاحب القصر .. و ماهي الا دقائق معدودة و اذ بصاحب القصر يقبل مبتسمًا ..
لم يخف على ليزا ارتباكه لكنها تجاهلت ذلك و قالت بصوتها الرنان : ( سيدي .. اعتقد أن رسالة التنبيه و صلتك ؟ )
هز رأسه بخوف قائلاً : ( آآه .. بلى وصلت .. )
قالت ليزا وهي ترفع درجة صوتها : ( مع هذا تجاهلتها و كأن شيئاً لم يكن ! )
طأطأ رأسه بينما اكملت : ( إن كنت تريد المحافظة على شركتك و منصبك عليك الانصياع لما طلب منك حالاً ! .. دعني أعيد ذلك على مسامعك .. إما ان تستأجر عددًا من الأشخاص للقيام بمظاهرات مؤيدة .. أو أن تدفع المال المطلوب لنقوم بهذه المهمة بدلًا منك ! .. )
تمتم الرجل قائلاً : ( حاضر كما تأمرين .. امنحيني اسبوع واحد فقط .. )
نهضت ليزا و قالت : ( كلا .. لديك يومان فقط .. و إلا اعتبر نفسك مفلسًا منذ هذه اللحظة .. )
و خرجت مغادرة لتستقل تلك السيارة السوداء ..

____

بدا صوت نور ضعيفًا جدًا وهي تقول : ( أنا بخير .. )
اقتربت اسراء من السرير اكثر و لم تتحدث .. كان تريد ان تتحدث عن اشياء كثيرة لكنها امتنعت عن ذلك حالما سمعت صوت نور المتعب ..
كان والد نور يقف في الجهة المقابلة للسرير .. ابتسم لهم و قال : ( لطف منكم أن تأتوا لزيارتها .. )
ارتسمت الابتسامات على شفاههم و عم صمت لدقائق و كأن كل واحد منهم ينتظر الاخر ليجيب ..
اخيرا تطوعت فاتن لتجيب : ( لا تقل ذلك .. إنها واحدة منا مهما يكن )
رفعت اسراء رأسها قائلة : ( عمي هل ابلغت الشرطة ؟! )
تدخل لؤي فقال : ( أتمزحين يا اسراء ! .. لم تعد الشرطة موجودة )
نظرت اليه اسراء و علامات عدم الفهم ترتسم بوضوح على وجهها ..
لاحظ حمزة عدم فهمها فقال : ( في اليوم ذاته الذي اصيبت فيه نور ..تم سحب الشرطة من قبل الرئيس )
كاد فمها يسقط .. فتحت فمها لتتحدث ..
لكن والد نور سبقها بقوله : ( لذا فعليكم من الآن توخي الحذر .. لا تمشوا فرادى مهما حدث .. )
اومأ الجميع برؤوسهم .. حتى نور الراقدة في فراشها ..
قال احمد وهو يتجه للأمام : ( اعذرنا يا عم .. سنغادر الان .. )
صافحه والد نور و هو يبتسم و يقول : ( في امان الله .. )
-----

قالت اسراء بينما هم يسيرون في خارجين من المشفى : ( هذا شيء لا يصدق .. لا شرطة ! .. تبًا لذلك الـ )
و اطلقت بعض الشتائم لتعبر عن انزعاجها ..
ما كان البقية اقل منها سوءًا فملامحهم توحي بالاستياء الشديد ..
عادوا إلى منازلهم .. و قد حرصوا على ايصال فاتن اولاً كونها لا تملك اخوة .. و كذلك لؤي ..
ثم ذهب حمزة برفقة اخته علياء .. و احمد برفقة اسراء ..
دار الحوار بين اسراء و اخيها ..
اذ قالت اسراء : ( تبًا .. )
- لا تنفعلي كثيراً .. لا زلنا نجهل ما قد يواجهنا بعدها ..
- آه .. اتمنى ان ينتهي كل شيء بسلام ..
- اسراء .. يجب ان تكوني مهتمة اكثر .. نحن نطالب بحريتنا .. نحن نثور .. كيف برأيك سينتهي كل ذلك بسلام ؟!
- لا اعلم .. لستُ مهتمة بشيء .. لا احبذ السياسة اطلاقًا ..
- انتِ تثيرين اعصابي .. هذه ليست قضية سياسية فحسب ! .. اوه لا فائدة من الشرح لفتاة مثلك ..
- و كأنني اريد الاستماع !
اسرعت اسراء من خطواتها لتتجاوزه بخطوتين ..
تنهد احمد و رفع بصره للسماء .. ها قد بدأت الشمس بالغروب ..
دخلا إلى المنزل .. و بقيت اسراء فيه بينما ذهب احمد للمساعدة في حراسة المتاحف الاثرية ..