killua_
11-08-2012, 20:26
http://up.arab-x.com/May12/UvC15450.jpg
[ اليوم الجمعة /22 رمضان / عام 1433 للهجرة ]
" ضاع قلمي وتبدد في بياض الأوراق الفارغة ، أما الحبر فجف معانداً وأبى الكتابة ، أفكاري تزاحمت وتصارعت ثم اختفت ، كل ذلك لأن سيادة لجنة [مسابقة قلاع شيدتها الأقلام ] أرادت قصة تعبر عن حب الرسول عليه الصلاة والسلام ، غير الوقت التعجيزي الذي ببساطة سيجعلنا نجاهد حتى نلتقط أنفاسنا قليلاً ، لا يشكل الموضوع العام صعوبة بتاتاً ، لكن تشكيل فكرة مرتبة و مفبركة تلامس الوجدان أكثر من العقول هنا مربط الفرس ، لا أعلم السبب ، لكن كلما فكرت عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم ، تذكرت جدي رحمه الله ، هل لأنه هو من زرع هذا الحب في قلوبنا عندما كنا صغاراً أو لأنه كان يتحدث كثيراً عنه صلى الله عليه وسلم .
أتذكر صيف عام 1994 ، كان الجو حاراً جداً يكاد لا يكون محتملاً ، وكنت أجلس مع أخي الأصغر خارج أسوار المنزل ننتظر قدوم عربة المثلجات ، ننتفض كلما سمعنا الرجل الذي يدفها ينادي أصحاب الحي ويبشرهم بقدومه ، وفورما نسمعه كنا نجري إليه لنطل برؤسنا نحو عربته نلتقط الأشهى من أنواعه ، لسنا نحن فقط من يفعل ذلك ، بل كل الأطفال حولنا ، في ذلك اليوم بالذات ، تشاجر أخي جراح مع سالم ، ابن جارنا العم باسل ، لأن الأثنان التقطا نوع واحد من المثلجات لم يتبقى غيره ، وما أن لَكم جراح سالم وأخذ ما أراده ، حتى هب جدي رحمه الله إليه بعصاته الخشبية يضربه على وركيه قائلاً بصوته المشحون بالغضب : [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره] ، ألست مسلماً ، ألا تحب رسولك !! أعد ما أخذته من الصبي واعتذر له !
وعندما فعل جراح ذلك ، ذهب إلي جدي معتذراً فعلته ، فكان الأقرب إلى قلبه دائماً ، ويحزن كثيراً إذا غضب جدي عليه ، وما كان من جدي إلا أن قبله وضمه إلى صدره ثم أجلسه في حضنه قائلاً : بني ، رسولك صلى الله عليه وسلم كان يهتم بجاره كثيراً ويعامله معاملة طيبة وحسنة ، لا تتشاجر مع جارك فقط بسبب مثلجات ، أتعلم قول الرسول صلى الله عليه : [والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه].
لم يكن ذلك درساً لجراح فقط بل كان درساً لنا جميعاً ، فإن رسولنا حبيبنا يعزز مكانة الجار هكذا فمن نحن لنفعل عكس ذلك .
وفي نفس تلك السنة ، كنت مع ابن خالي عبدالله نمرح ونلهو في الحديقة الخلفية ، نزعم بأننا مزارعون بارعون ، وحديقتنا تمتلئ بالبذور السحرية ، بعدها بقليل قدمت خادمة جدتي المسنة تقص العشب الميت للتخلص منه ، وما كان منا إلا أن ساعدناها في ذلك رغبةً منا بفعل شيء يذكر ، لم نكن نعلم أن جدي علم بالأمر ، فعندما صعدنا إلى الدور العلوي لنشرب الماء من برادة خالي محمد ، قدم جدي من خلفنا وهو يحمل بيديه قطعتان من الحلوى قائلاً بسعادة : أحسنتما ، ولداي ، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يساعد خدمه ويحسن إليهم كما فعلتما للتو !
أتذكر تلك الفرحة التي نزلت علينا من حديث جدي ، فنزلنا منفوخي الصدر فخورين بما فعلنا .
جدي رحمه الله كان هو الذي زرع بذرة حبنا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بنصائحه المتعددة وأحاديثه المتكررة ، وحكاياته الجميلة التي لا ما إن انتهت واحدة حتى أكمل بالأخرى ، وكأننا شهريار وهو شهرزاد نستمع بلا ملل عن تلك القصص الجميلة ابتداءً من بداية الدعوة ، وكيف أنار محمد عليه وسلام قلوب من أظلمت نفوسهم وأخرجهم إلى نور الإسلام بالعلم والمعرفة ، وعن ناقته المحببة القصواء ، إلى وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكم كنا نبكي حينها وكأن محمداً كان بيننا ونعرفه كمعرفة الابن لوالده ، وعندما فكرت بالأمر قليلاً لم نكن نحب محمداً لأنه رسولنا فقط ، لم نكن نبكي محمداً لأنه نبينا فقط ، بل لأنه علمنا الكثير ، تعلمنا الإحسان إلى الجار بنصائحه ، الرحمة والعطف من صفاته ، والصبر واللين من أخلاقه ، محمداً عليه الصلاة والسلام يعيش بيننا لأننا أدخلناه قلوبنا وأبينا أن نخرجه منها ، هو قدوتنا أجمعين ! ، فها هو سالم أصبح صديقاً مقرباً لجراح لأنه اعتذر إليه في ذلك اليوم وظل يحسن إليه كما أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام .
محمد صلى الله عليه وسلم أنار قلوبنا ، فقد أصبح لنا شمساً تنير دروبنا جميعاً ولا ينقطع نورها مهما طال الزمن واستمر . "
فرقع أصابعه برضى عندما انهى جملته الأخيرة ، يبدو أنه كتب كل ما يريد أن يكتبه ، ولا يعلم إن كان كافياً ليعكس مدى عمق إحساسه
- ألم تنتهي بعد ..؟
التفت إلى الشاب الذي أطل برأسه نحو شاشة الحاسوب المحمول ، ينظر إليه باستفهام وتعجب ، فداعب شعره بمرح قائلاً : بلا ، انتهيت !
- جيد ، هيا بنا ، لقد جئت ببعض الكعك من متجر الفطائر الذي تعشق
تبسم بهدوء قائلاً : ماذا نقول عندما نبدأ بالأكل يا جراح .!
قوس الآخر حاجبيه باستغراب : أتحاول أن تعيدنا إلى فترة الطفولة أم أنك تقلد جدي رحمه الله ؟
أجاب فوراً : أمزح فقط ! ، ناولني الإناء !
ناول جراح الإناء لأخيه ، ثم التقط قطعة من الكعك المحلى بالسكر الناعم قائلاً بهمس يكاد يكون جهراً " بسم الله " .
[ اليوم الجمعة /22 رمضان / عام 1433 للهجرة ]
" ضاع قلمي وتبدد في بياض الأوراق الفارغة ، أما الحبر فجف معانداً وأبى الكتابة ، أفكاري تزاحمت وتصارعت ثم اختفت ، كل ذلك لأن سيادة لجنة [مسابقة قلاع شيدتها الأقلام ] أرادت قصة تعبر عن حب الرسول عليه الصلاة والسلام ، غير الوقت التعجيزي الذي ببساطة سيجعلنا نجاهد حتى نلتقط أنفاسنا قليلاً ، لا يشكل الموضوع العام صعوبة بتاتاً ، لكن تشكيل فكرة مرتبة و مفبركة تلامس الوجدان أكثر من العقول هنا مربط الفرس ، لا أعلم السبب ، لكن كلما فكرت عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم ، تذكرت جدي رحمه الله ، هل لأنه هو من زرع هذا الحب في قلوبنا عندما كنا صغاراً أو لأنه كان يتحدث كثيراً عنه صلى الله عليه وسلم .
أتذكر صيف عام 1994 ، كان الجو حاراً جداً يكاد لا يكون محتملاً ، وكنت أجلس مع أخي الأصغر خارج أسوار المنزل ننتظر قدوم عربة المثلجات ، ننتفض كلما سمعنا الرجل الذي يدفها ينادي أصحاب الحي ويبشرهم بقدومه ، وفورما نسمعه كنا نجري إليه لنطل برؤسنا نحو عربته نلتقط الأشهى من أنواعه ، لسنا نحن فقط من يفعل ذلك ، بل كل الأطفال حولنا ، في ذلك اليوم بالذات ، تشاجر أخي جراح مع سالم ، ابن جارنا العم باسل ، لأن الأثنان التقطا نوع واحد من المثلجات لم يتبقى غيره ، وما أن لَكم جراح سالم وأخذ ما أراده ، حتى هب جدي رحمه الله إليه بعصاته الخشبية يضربه على وركيه قائلاً بصوته المشحون بالغضب : [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره] ، ألست مسلماً ، ألا تحب رسولك !! أعد ما أخذته من الصبي واعتذر له !
وعندما فعل جراح ذلك ، ذهب إلي جدي معتذراً فعلته ، فكان الأقرب إلى قلبه دائماً ، ويحزن كثيراً إذا غضب جدي عليه ، وما كان من جدي إلا أن قبله وضمه إلى صدره ثم أجلسه في حضنه قائلاً : بني ، رسولك صلى الله عليه وسلم كان يهتم بجاره كثيراً ويعامله معاملة طيبة وحسنة ، لا تتشاجر مع جارك فقط بسبب مثلجات ، أتعلم قول الرسول صلى الله عليه : [والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه].
لم يكن ذلك درساً لجراح فقط بل كان درساً لنا جميعاً ، فإن رسولنا حبيبنا يعزز مكانة الجار هكذا فمن نحن لنفعل عكس ذلك .
وفي نفس تلك السنة ، كنت مع ابن خالي عبدالله نمرح ونلهو في الحديقة الخلفية ، نزعم بأننا مزارعون بارعون ، وحديقتنا تمتلئ بالبذور السحرية ، بعدها بقليل قدمت خادمة جدتي المسنة تقص العشب الميت للتخلص منه ، وما كان منا إلا أن ساعدناها في ذلك رغبةً منا بفعل شيء يذكر ، لم نكن نعلم أن جدي علم بالأمر ، فعندما صعدنا إلى الدور العلوي لنشرب الماء من برادة خالي محمد ، قدم جدي من خلفنا وهو يحمل بيديه قطعتان من الحلوى قائلاً بسعادة : أحسنتما ، ولداي ، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يساعد خدمه ويحسن إليهم كما فعلتما للتو !
أتذكر تلك الفرحة التي نزلت علينا من حديث جدي ، فنزلنا منفوخي الصدر فخورين بما فعلنا .
جدي رحمه الله كان هو الذي زرع بذرة حبنا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بنصائحه المتعددة وأحاديثه المتكررة ، وحكاياته الجميلة التي لا ما إن انتهت واحدة حتى أكمل بالأخرى ، وكأننا شهريار وهو شهرزاد نستمع بلا ملل عن تلك القصص الجميلة ابتداءً من بداية الدعوة ، وكيف أنار محمد عليه وسلام قلوب من أظلمت نفوسهم وأخرجهم إلى نور الإسلام بالعلم والمعرفة ، وعن ناقته المحببة القصواء ، إلى وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكم كنا نبكي حينها وكأن محمداً كان بيننا ونعرفه كمعرفة الابن لوالده ، وعندما فكرت بالأمر قليلاً لم نكن نحب محمداً لأنه رسولنا فقط ، لم نكن نبكي محمداً لأنه نبينا فقط ، بل لأنه علمنا الكثير ، تعلمنا الإحسان إلى الجار بنصائحه ، الرحمة والعطف من صفاته ، والصبر واللين من أخلاقه ، محمداً عليه الصلاة والسلام يعيش بيننا لأننا أدخلناه قلوبنا وأبينا أن نخرجه منها ، هو قدوتنا أجمعين ! ، فها هو سالم أصبح صديقاً مقرباً لجراح لأنه اعتذر إليه في ذلك اليوم وظل يحسن إليه كما أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام .
محمد صلى الله عليه وسلم أنار قلوبنا ، فقد أصبح لنا شمساً تنير دروبنا جميعاً ولا ينقطع نورها مهما طال الزمن واستمر . "
فرقع أصابعه برضى عندما انهى جملته الأخيرة ، يبدو أنه كتب كل ما يريد أن يكتبه ، ولا يعلم إن كان كافياً ليعكس مدى عمق إحساسه
- ألم تنتهي بعد ..؟
التفت إلى الشاب الذي أطل برأسه نحو شاشة الحاسوب المحمول ، ينظر إليه باستفهام وتعجب ، فداعب شعره بمرح قائلاً : بلا ، انتهيت !
- جيد ، هيا بنا ، لقد جئت ببعض الكعك من متجر الفطائر الذي تعشق
تبسم بهدوء قائلاً : ماذا نقول عندما نبدأ بالأكل يا جراح .!
قوس الآخر حاجبيه باستغراب : أتحاول أن تعيدنا إلى فترة الطفولة أم أنك تقلد جدي رحمه الله ؟
أجاب فوراً : أمزح فقط ! ، ناولني الإناء !
ناول جراح الإناء لأخيه ، ثم التقط قطعة من الكعك المحلى بالسكر الناعم قائلاً بهمس يكاد يكون جهراً " بسم الله " .